منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > المنتدى الأدبي

سنين العنف وسويعات السلام


المنتدى الأدبي

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 27-12-2010, 05:19 PM
الصورة الرمزية سجين
سجين سجين غير متواجد حالياً
 






سجين is on a distinguished road
افتراضي سنين العنف وسويعات السلام



تهادت خطاه المتعبة على ازقة الماضي البئيس،وصاحت روحه التعبه بأنات الآهات تطلقها من عميق الصدر زفرة وألما،وجعا وتعبا،وبين الحين والحين تتهادى عبر تلك الزفرات ترانيم وجدان تريح القلب المتعب من همه الغائر المكين،وتسكب في جوفه قطرة ماء ندية،تلهي الظامئ قليلا عن ظمأه،حين يهطل ذكر الله كالمزن من السماء الى جوفه العامر بالأيمان،الملئ بالصدق النقي فطرة وسلاما.....
عندها يرتاح القلب من حراك وجعه،وتنداح على صفحته الراحة كما تنداح في النهر الدوائر،ثم ماتلبث الدوائر ان تختفي حين يتلهى القلب عن ذكر الله وتعود الآهات تصيح وتبكي داخل القلب الاسيف...؟؟

صاح الرجل المتعب في صمت وأن في حيرة ووجل :

يالهذا القلب مافيه الا الآلآم...؟؟؟

ثم مشى وأكمل مسيره في ذلك الزقاق من تلك القرية الضائعة عبر جبال الجنوب الشاهقة ،قرية نأت عن مشاعل الحضارة بزيفها ووسخها،وابتعدت عن دخان المصانع بفيح لهيبها،آثرت الحياة نقية طاهرة لايشوبها رجس او نجس،لم ترد الدنيا ولم تسعى لها،فاضاعت حظ التطور والنماء،ولكنها حفظت عهد الصدق وروعات النقاء.....

القرية التي ضمت جسد صاحبنا ،ورعته طفلا يرتع مع الأحبة،وحفظته شابا غرا في ميعة الصبا ونضارة الشباب،والآن هي تحمله الى مقر الأحزان،وعالم الأشجان بعد سنين قد طالت،واعوام قد مضت..؟؟

خمسون سنة مضت من عمر ذلك الشاب،القرية هي القرية لم تتغير كثيرا،أزقتها الصغيرة ومبانيها البسيطة،وواديها الجميل المخضر،ونساؤها المتلفعات بالسواد طهرا ونقاءا،حيث يُرى الصفاء يشع من تلكم الأوجه المغطاة،الماشية في استحياء والراكضة نحو المغيب بحياء...؟؟؟

ابتسم صاحبنا حين شاهد ثلة من الفتيات عائدات من احدى البيوتات مع المغرب،يلفهن السواد بتلك العبائات المحتشمة،فلا يُرى منهن اي شي،كأنهن الخيام،يسرن على مهل كسرب قطا يميل نحو المغيب في روعة ونقا،يتهادين برفق ويتسارين بصمت...وقف على احداهن وقال :

ابنة من انتي يابنية..؟؟

حارت الفتاة،وأُسقط في يدها ،ارتعبت وخافت،فصمتت عن الأجابة وولت هاربة مع صويحباتها ..!!

ابتسم صاحبنا وقال :

ايه....لعلها خافت مني..؟؟

لقد كنت فقط سائلها عن حال القرية ومآلها...؟؟

وابنة من هي فهل أخطأت في هذا؟

مشى الرجل الخمسيني الأنيق،يتهادى بخطى متعبة،وبعرجة بينة في احدى ساقيه،حتى وقف على رابية،ومن ورائها اصوات صبية يتشاجرون...

صعد على الرابية التي يذكرها جيدا...فرأى الصبية ،يلعبون الكرة بحماس،ويقاتلون من اجل الحصول اليها والوصول الى المرمى وتسجيل الهدف،جلس على أحدى الصخور بحافة الملعب ومتع ناظريه بهذا اللعبة التي كان احد فرسانها في ما مضى وسبق،فكان لايشق له غبار،ولا يقعقع له بشنآن،فكان فيها لاعبا يشار له في سالف العصر بالبنان،لقد كان هداف ((القرية)) ولاعبها القدير....

يااااااااااه....يالها من ايام ....؟؟

ذم المنازل بعد منزلة اللوى**والعيش بعد اولئك الأقواما

ودارت به رحى الذكرى في صمت،وكأنه يحس بوقعها الآن في داخله،حين كان شابا يخطو للعشرين،قبل ان يمخط الشيب فوديه،كأن الحياة شريط سينمائي يعاود العرض في كل لحظة...وفي كل ثانية،نفس الملعب يشخص امام ناظريه،ولكن القوم قد تغيروا والحياة قد رحلت،ورفيق الأمس قد درج لعالم البرزخ ،راحلا بوجع،ومخلفا في قلب بطلنا هما لاشك قاتله،وعذابا لاشك سيقضي عليه.......

حتى الدمعات ثقلت على العينان فلم تُسعد جنانا،وحتى الآهات لم تشف قلب الحيران إلا لماما...؟؟

أنّ له البكاء ،،،فتذكر كبر سنه،ومدى صبره فساترجع في صمت،واستغفر في وجل:

استغفر الله...استغفر الله...استغفر الله،الله اغفر لي ذنبي العظيم،اللهم اغفر لي ذنبي العظيم،والله ما قصدت الذي قصدت،وما كنت له ناويا،ولا لذلك متعمدا......؟؟

وغرق الرجل في غيض من الذكريات بالماضي الاليم يفيض ،ولم يستفق الا بشي يرتطم براسه،فيختل توازنه ويكاد يسقط على ارض الحقيقة بعد ان طار لسماء الأوهام....

وفعلا سقط الرجل الكبير من اعلى الرابية،بعد اصتدام الكرة به،وتكوم جسده المتعب على صخور حادة مدببة آذت جسده وآلمته....!!

توقف الصبية عن اللعب حين رأوا المنظر،ثم ولوا هاربين،واندحروا من ساحة الوغى خائفين،ولم يبقى الا صبي شجاع القلب فارس مكين،صاح بأخوته قائلا :

الى اين ايها الجبناء،لنرى مالذي اصاب ((العم))؟؟

احدهم :

لا لا اهرب منه،لاتدخل نفسك بالمشاكل،فانت لم تضربه بالكرة..؟؟؟

اهربوا....اهربوا...!!

تفازع الصبية فولوا جميعا،وتركوا صاحبهم في حيرة من امره وفزع،؟؟

هل أوذي الرجل،؟؟

هل مات؟؟؟

هل أغمي عليه؟؟؟

من هو هذا الرجل؟؟؟

ومالذي اصابه؟؟؟ وهل كانت الكرة قوية جدا لكي تسقطه...وتقتله..؟؟

يا إلهي....هل قتل.؟؟ هل مات الرجل...؟؟

ثمة مشاعر دارت برأس الشاب الصغير،اقبل الى الشيخ وادبر،قدم رجلا وأخر اخرى...حار في امره واضطرب،ايهرب كما فعل الأخرون،ام يقدم للرجل وينظر ما اصابه وما الم به....؟؟

واخيرا عزم على الهروب مع الصحب الذين وقفوا على قمة الوادي به صائحين،وعليه مولولين، قائلين :

تعال تعال.....لاتقترب منه.....اهرب اهرب.....؟؟؟

وحين اطلق قدميه للريح،سمع صوت الرجل يزفر من بين ركام الألم،وسنين الكبر:

آه....آه...؟؟

يطلق الآهات كأنها سهام قد اخترقت جسده المتعب،واستقرت داخله..؟؟

ثم صاح الرجل أخرى :

ساعدني يابني ...؟؟

ارتاع الشاب حقا،ثم اقبل بخطا بطيئة،وقلبه من الخوف والرهبة ينبض،فلا يرى من جسم الغريب الا ظهره المتكوم على حجارة الملعب،ووجه مختف،واقترب شيئا ...فشيئا،خطوة...خطوة،وعندها التفت الرجل بوجهه نحو الشاب ،فوقف حائرا،ثم زال الخوف،وهربت الخشية،لما رأى وجه الغريب الأيماني يتلألى عبر الأفق المحمر ،تكسوه لمحة جمال قديم،ووسامة عابرة ،وجه انيق ابيض مشرب بحمره،تكسوه لحية خفيفة،ونور يغمر المكان راحة وسكونا....؟؟

الغريب : تعال يابني....لاتخف تعال،خذ بيدي فانا لا استطيع الوقوف..؟؟

لم يتمالك الشاب نفسه،فقفز كالأسد سرعة،وكالفهد خفة وحمل الشيخ واسنده الى جدار قريب..؟؟

الشاب : (( سلامتك يا ((عم)) عسى ماشر،والله ماكنا نقصد نؤذيك،مالذي يوجعك راح اروح البيت واجيب لك موية واكلم الوالد يوديك المستشفى..؟؟؟))

الغريب : لا لا يابني،انا بخير،فقط قليل من الراحة،هذا ما احتاج اليه،لستم السبب ياولدي،بل انا الذي سقطت على هذه الصخور...لابأس الامر بسيط جدا..؟؟؟

ولكن من انت يابني....ما اسمك....؟؟ وابن من..؟؟

الشاب : انا ...انا..؟؟؟

تلعثم الشاب لهول الدماء التي رآها تنزف من قدم ((العم؟؟)) ....

وصاح في وجل وهو يشير بيده لقدم الغريب : الدم...الدم....؟؟

نظر الرجل الى قدمه النازفة..وابتسم في هدوء : لاتخشى يابني انه جرح بسيط،ياكم تعرضنا للملمات وخضنا الأهوال ،وراينا الموت عيانا نهارا في رابعة النهار،فالدم لايرهبنا والآلآم لاتتعبنا...اقصد لم تكن تتعبنا..؟؟

أما الآن فانا رجل كهل،اخطو للخمسين،لم يعد الجسد يتحمل عناء الأوجاع،ولا سقم الأمراض..؟؟

ايه يابني...لله حق ما رفع شيئا الا واخفضه،وما أعز انسانا الا وأذله، فالدنيا ياولدي دول من سره زمن سائته ازمان ،وهذه الدار لاتبقي على احد ولا يكون على حال لها شان، فاعمل لنفسك يابني واعدد لمقدم ايامك زادا تأكله،وماءا تشربه،قبل ان ينقطع الزاد وينضب ماء الحياة بنضوب حياتك..!

الدنيا ياولدي دار عمل،والآخرة دار حساب،فاعمل لآخرتك كأنك تموت غدا،ولدنياك كانك تعيش ابدا...؟؟

خذ بيدي يابني...لأجلس وارتاح قليلا..

الشاب : نعم...نعم...هات يدك يا عماه..

الرجل : شكرا يابني،حفظك الله واقر بك عينا والديك..

الرجل : ما اسمك يابني؟؟ وابن من انت..؟؟

الشاب : انا عمــــار..؟؟

وما ان نطق الشاب اسمه.. وختمه بالراء في آخره،حتى رأى في عيني الغريب شعاع من نور اكتسى بألم غريب شع من تينك العينان بعد رقاد، وابصر من بين غمام الحزن المتكوم، دمعة تخرج من محجر الرجل كما تخرج الزفرة من قلب اب بابنه كليم ،دمعة خرجت كما تخرج القطرة من فم السقا،انسابت من مآقي العين في كمد،وحطت رواحل وقعها على الخد في كبد...!!

وبعد الدمعة الأولى خرت دموع الرجل الخمسيني البائس كأنه طفل فقد حضن الأم،فجهش بالبكا في ليلة حزن سرمدية....؟؟

صمت الشاب ...حزنان اسفا...لايعلم مايقول،ولايدري بماذا يعلق...؟؟

وفجأة....

قطع الرجل بكاءه،واخفى في دياجير الظلام رداء احزانه،اراد خلعه فلم يستطع،ولكنه تحامل على روحه التعبه،وألزم عيناه المسعده ان تتوقف عن النحيب، فذكر الله واستغفر واناب...ثم عاود الذكر والأستغفار...فهدأت نفسه،واستقرت حالته،وانقطعت رويدا دموعه...!

الشاب يحدث نفسه : مابال هذا الرجل أهو مجنون؟؟

ماباله يبكي كالأطفال وتنهمر دموعه كالفتيات..؟؟

لماذا يبكي،وابي لم اره يبكي طول عمره،بل كان يستهزأ بالباكين ويعد البكاء من شيم النساء لا من شيم الرجال،وهو دائما يقول : ((الرجال لايبكون يا عمار،لايبكي الا النساء...فكن رجلا؟؟))...

مابال هذا الرجل...هل هو مريض ام ماذا..؟؟

كانت عينا ((عمار)) تقذف آلآف الأسئلة بشان هذا الرجل الغريب وحاله، من هو؟؟ ماقصته؟؟ ما سر بكاه واحزانه؟؟ مالذي بالهم اصابه؟؟ ما به...؟؟

هل هو مريض...هل هو مجنون..؟؟

لا لا فهيئة الرجل تدل على علو مكانه،وعلى رفيع مقامه،فهندامه انيق،ووجهه بالأيمان يفيض،فماباله اذن؟؟

تنبأ الغريب بعيني ((عمار)) وهي تقذف الاسئلة كحمم من بركان.. تتفجر بالنار ...؟؟

قرأ عيناه وابصر مابها من تساؤلات....

ولكنه صمت عن الاجابة .....وأخذ يردد بحزن : عمار....عمار....عمار....؟؟؟

الشاب : نعم...نعم...انا عمار اسمي عمار...فهل في هذا عجب ايها ((العم))؟؟

الرجل : لايابني...لاعجب فيه ألبته...لاعجب فيه...اسمك جميل...ورائع..

عمار : فما بال دموعك يا ((عم)) خرت كما تخر الأمطار من مزنة محملة بخيرات الله،ففاضت على الشعاب بسيل منهمر،والتقى الماء بها على امر قد قدر،فأحزنتَ مناّ القلوب،وأدميت فينا الجروح...؟؟

ابي يقول إن ((الرجال لاتبكي يا عماه...لايبكي الا النساء،؟؟))....

فما بالك تبكي كالنساء،وانت رجل يا عم..؟؟

الغريب : من قال لك يابني ان الرجال لايبكون..؟؟

عمار : ابي يقول هذا..

الغريب : اي بني...صدق ابوك،الرجل لايبكي الا مرة واحدة،ولكن دموعه حينئذ تكون من دم..؟؟

عمار : ولكنك بكيت كثيرا ياعم...فما بك ...هل انت مريض؟؟

الغريب : لاباس يابني،فدموع الرجل قد تخونه احيانا كثيرة....وخانتني حينما علمت باسمك ((عمار))...

عمار : غريب امرك يا عماه...مالذي تقول وتنطق...لم افهم من كلامك شيئا...فهل تحدثني بما اصابك،وبالهم الذي كدر مزاجك ....لاتحسب اني لصغر سني وطيش شبابي،شابا غرا احمقا تافها،بل انا رجل ذكي القلب وقور الفؤاد شجاع،وقد سماني ابي ((عمار)) وحين سألته عن السبب،قال سميتك لتكون شجاعا...؟؟

فأنا شجاع يا عم،ولا اخشى شيئا،ولا ابكي،واستطيع ان انام في ذلك الوادي ليلا لوحدي..؟؟

الغريب يقهقه عاليا ويضحك من حديث عمار : نعم...نعم انت شجاع يا عمار،وحق لأبيك ان يفخر بك ويسميك عمارا...؟؟

عمار : اذن فهل لي ان اعرف مالذي ابكاك ياعم،ومالذي اصابك،؟؟؟

الغريب وقد اطلق آهة طويلة : آآآآآآآآه يابني...مالذي تريد معرفته،وعن اي شي تريد خبره؟؟

عمار : قصتك يا عماه،،،،وحكاية بكائك...حينما ذكرت لك اسمي ،وعرفت من الحديث رسمي...

الغريب : كم عمرك يا عمار..؟؟

عمار : عمري 14 سنة وداخل في السنة الخامسة عشر...

الغريب: انها قصة طويلة ياعمار،ولا فائدة الآن من ذكر رسومها،وتذكر شخوصها وقد رحلوا لعالم البرزخ تعساء،وغادروا الحياة وهم في هم وشقاء،انها قصة الآلام يا عمار،وحكاية الشقاء يا بني...فانسها ودعك منها،فلا اود ان اثقل كاهلك الغض بإهاب الشباب.. وابدله رداء الحزن وجلباب الشقاء...؟؟

فالحياة امل امام ناظريك يابني،فلا تلتفت لابواب الماضي بألمها وتعاستها،لقد اخذنا نحن نصيبنا من الدنيا شقاء ومتعة،ولكم نصيبكم الذي نرجوه ماتعا ممتعا جميلا ....بلا شقاء ولا تعب.

دعك من حكايتي يابني....؟؟؟

عمار : بل اقسمت عليك يا عماه،ان تقص علي قصتك،وتحكي لي حكايتك،فانا في شوق لها،لعلها تكون لي نبراسا اخطو على ضوئه،ومشعلا اهتدي به في دياجير الظلام،وناقوسا يدق حينما تخطو قدماي لطريق ضياع وزلل، فاتنبه منه وأعود،وعلى هدي صوته إلى الله اتوب...

الغريب : استغفر الله،اما وقد اقسمت يابني،فاسحكي لك الحكاية منذ عهد بزوغها وميلادها،الى ليل إغطاشها وموتها،فوارحمة بأصحابها البؤساء،وياعزاءا لأهلها التعساء،ويا بؤسا لأهلها الأشقياء...؟؟

إنها حكاية الموت في ليل الحياة،والحياة في لحد الموت،الحب حين يغني في ((سويعات السلام؟؟)) مختالا فرحا..نشوان طربا،والعنف حين يتفجر في ايام العناء والتعب ،فيورث القلب كلالة،والعين دمعة،والصدر انه.؟

آآآآآآآه...يابني....لقد اجاب الدمع حين ذكرت اسمك،فتذكرت الأحبة باسمائهم،فاسمك كاسمه،وشجاعتك شي من شجاعته،وشهامتك نبت من شهامته،فقد كان روح قلبي....وأخو وجدي....وقلب سعدي..

اجاب دمعي ومالداعي سوى طلل**دعاه فلباه قبل الركب والأبل

ظللت بين اصيحابي أكفكفه**وظل يسفح بين العُذرِ والعَذَلِ

اشكو النوى ولهم من عبرتي عجبٌ**كذاك انت وما اشكو سوى الكلل

وما صبابة مشتاقٍ على أملٍ**من اللقاء كمشتاق بلا امل

والهجر اقتل لي مما اراقبه**انا الغريق فما خوفي من البلل

قد ذقت شدة أيامي ولذتها**فما حصلت على صابٍ ولا عسل

وقد اراني الشباب الروح في بدني**وقد اراني المشيب الَروح في بدلي..؟؟

يتبع ......
سلسلة قصصيه لم تنتهي بعد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
[align=center][align=left]اثْنان يــســتــحــقــون الــعــطــاء أنـــا ونــفــســي[/align][/align]
[align=center]

http://audio.islamweb.net/audio/list...10942&type=ram[/align]
أخر مواضيعي
رد مع اقتباس
قديم 29-12-2010, 05:23 PM   #2
سجين
 
الصورة الرمزية سجين
 







 
سجين is on a distinguished road
افتراضي رد: سنين العنف وسويعات السلام

الميـــــــــــــــــــــــــــــــــلاد))

ماذا اقول يابني وماذا احكي،فالحكاية قد طال نومها،وكسل جفنها،ونضبت من الهموم عروقها،حكاية رسمها الألم على جدران الماضي دما ينزف،ومشاعر تضطرم....

اتدري يابني ..؟؟

لقد عزمت ان اطوي كتاب ذلك البؤس في درج الذكرى،وان لا اذكر الآلآم لأحد،او اورثها خلفي لغد،إنها مصيبتي وحدي وذكراي وحدي،فدعني اتجرعها على مهل،واتبلغ بها على وجل،واعيشها لأجل....

******

يغرق عمار من جديد في بحار أفكاره،ويردد بداخله الأسئلة تترى...؟؟

مابال هذا الرجل يحوم حول الحمى ولا يرتع فيه...؟؟

او كلما اشتد بي شوق السماع،تحاشى النطق،وغرق في غيابة الجب ،حزنان اسفا...

عمار : مالذي تقول ياعماه...ومالذي تحكيه...!!

الغريب : او تقرض الشعر يا عمار...؟

عمار : مالي وللشعر يا عماه..

الغريب وهو يبتسم : وانا كذلك يابني،مالي وللشعر،لم اكن احفل به ولا يحفل بي،ولكنه كان له محبا،وبه على الدوم مرنما،كان يحب الشعر ويهواه،ويعشق الأدب ويسير في حماه،اذكر الآن اساريره حين تنطلق به غناء ولحنا....الا سقيا لتلك الأيام..

عمار وبضجر : لازلت في شوق للمعرفة يا عماه...فلم تحوم حول الحمى دوما..؟؟

الغريب : الحكاية ياعمار،ولدت منذ قدم،وعاشت منذ امد،صرخ فجرها الباكر في هزيع متأخر من ليلٍ بهيم،كانت فيه ((سلمى)) تعاني آلآم الولادة وتعبها المضني،فأجائها المخاض ليلا ،باتت تتلوى فيه من الألم وتصيح من شدة الخطب،وعلى صوتها آهاتها تفازعت نساء الحي الى مخدع ((سلمى))....

مابها ...؟؟

صرخن،،،انها على وشك الولادة،احضروا القابلة...احضروا القابلة...!!

سلمى تبكي من الألم وتضطرب،ومع صياح النسوة،وتجمعهن،تجمع رجال القرية في ذلك الليل،تصايحوا في فزع...

سلمى امرأة سالم جاءها المخاض وهي تلد..؟؟

صوت رجل : هل اتت القابلة...؟؟

رجل آخر يرد : انها في الطريق،وقد ذهبت زوجتي،وثلة من النساء ...ادعوا لها يا إخوان،فالوقت وقت تنزل الرحمن،ارجوا لها النجاء،ولابنها السلامة والعافية.....

يتصايح الرجال...اللهم ارحمها...اللهم فك عنها...اللهم اشفها...اللهم احفظها...

وفي هذه اللحظات العصيبة...

يحضر كبير القرية ((وعريفها)) يعلم بالأمر ويسال : الم يعد زوج سلمى..؟؟

الرجال : لا لازال مسافرا،وله الآن اكثر من 5 شهور لانعلم عنه شيئا،لم يكتب لنا ولم نكتب له..؟؟

رجل آخر : تفضل ياشيخ،اجلس على هذا الفراش...؟؟

رجل آخر : ادعو يا إخوان...عل الله ان يرحم تلك المسكينة ويأتي بزوجها....


******************
لايُسمع من اصوات الرجال الملتفين حول الضوء المتوهج من بيت سلمى الا همهمة كدوي النحل،وازيز كأزيز المرجل،يدعون لسلمى،ويرجون لها السلامة والنجاء.............

وبداخل البيت ...تضطرم اصوات النسوء ،ويتصايحن بفزع ...

اين القابلة...؟؟ اين القابلة...هل حضرت...؟؟ هل حضرت..؟؟

تأتي القابلة تسوقها فتاة : نعم لقد جاءت ...افسحوا الطريق,,,,

تحضر القابلة،امرأة كبيرة في العمر عركت الحياة وعركتها،كانت موئل حاجات النساء،ومستودع اسرارهن وطبيبتهن،في تلك القرية التي لم يكن فيها مستشفى ولا طبيبات، الا مستشفى صغير يبعد عن القرية مسافة يوم وليلة على ظهر الراكبة.....لايسمن ولا يغني من جوع...!!

صراخ سلمى يتزايد في الأفق....وآلآمها تزداد....ومابين صراخها ...يتردد بكاء صويحباتها...ويختلط به دعاء الرجال لها...وفي لحظات الضيق تتفتح وردة الفرج،في آخر ساعة من هزيع ذلك الليل الأليل،يبزغ فجر الصباح الجميل على صراخ الطفل الوليد.............

تصرخ سلمى صرختها الأخيرة....وتسكت...!!

ويصرخ الوليد...صرخته الأولى ويستمر ....ترفعه القابلة عاليا،تنظفه،وتلفه بملايه بيضاء،وترفعه عاليا... وبعد البكاء،تهل زغاريد النساء فرحة مجلجلة صباح ذلك اليوم المضني....

معلنة قدوم الوليد الجديد في سلامة وهناء....يرحل الرجال حامدين الله وشاكرين الى مسجدهم،يتقدمهم الشيخ قائلا : اسألوا هل هو صبي ام بنت...واسألوا عن حال امه ..

وتأتي الأجابة : انه صبي...صبي...وامه بحمد الله وفضله على اتم حال واحسنه..؟؟

الشيخ : الحمد لله هذا رحمة من الله وفضل...!!

يهمس الشيخ في اذن خادمه : اذهب يابني واحضر لسلمى طعاما،وخبزا،وسمنا،وأمر ام عبدالله ان تصنع لها طعاما،وان تبقى عندها ثلاثة ايام...فهي في حاجة لذلك..ولا تنسى ان تكتب كتابا لزوجها ((سالم)) وترسله غدا تخبره انه جاءه مولود...ليأتي...؟؟

....ومع صراخ الوليد الذي تقاذفته ايدي الفتيات،يحملنه ويلاعبنه ويناغينه،كان صدى الاذان يضج في تلك القرية الهادئة الوادعة ...يعلن في خلود،ويرسل للمدى صوته الآسر في حنو وجود كلمة التوحيد الخالدة،وآيات الله الماجدة،يرسم للعقول طريقها الصحيح تسير فيه،ويعطي القلوب شعاعات من جمال وراحة تمضي إليه...

صلى الرجال ورحلوا لأعمالهم.............

وفاقت سلمى،لتسال عن وليدها : اين ولدي..؟؟

احداهن : هو بخير ياسلمى،صبي مثل فلقة القمر جميل جدا،وصحته جيدة...هاكي ياسلمى ..

تضم سلمى وليدها في حنان عجيب،وكأنه لم يبكيها للحظة،وكأنه لم يتعبها تسعة اشهر وهي تحمله وهنا على وهن،يالقب الأم ما اروعه....وما اصفى حبه.........!!

ضمت سلمى وليدها البكر الى صدرها بحنان...وغطته عن عيون الفتيات الشقيات في أمان....تنفست عميقا وقالت : الحمد لله............الحمد للـــــــــــــــــــــــــــــــه...ثم ذهبت في نوم عميق...!!


***************
وبعد اسابيع،يعود سالم زوج سلمى،الى قريته،فرحان جذلا،يكاد من الفرح ان يطير من على ظهر الأرض،وصل سالم للقرية،واقبل على زوجه اطمئن عليها....وعلى الوليد الصغير،رفعه عاليا وضمه الى صدره....

وقال : مبروك ياسلمى،وحمدا لله على سلامتك...؟؟

سلمى : بارك الله فيك،وحمدا لله ايضا على سلامة وصولك،لقد اطلت الغيبة علينا يا ابا...؟؟

ماذا نسمي الولد يا سالم...؟؟

سالم بضحك وحبور : لعلك تناديني من الآن وصاعدا بأبي عمار...ساسميه عمارا ياسلمى...ما رأيك..؟؟

سلمى في هدوء وراحة وسعادة : الراي رأيك يا ابا عمار...؟؟


**************
عاشت تلك الاسرة سبع سنوات لم يلد لهم ولد،سبع سنوات والزوجان يعيشان في هم وغم،لتأخر ذلك الولد،حتى فقدا الأمل ،وغاب سالم عن عيون اهل القرية ليواري فشله ،فاشتغل عاملا بسيطا في شركة ((ارامكو)) بشرق البلاد،هاربا من جنوبها ....مسافة بعيدة وشاسعة جدا،يقطعها الراحل على سيارات ((لوري؟؟)) قديمة جدا،في مسافة ثلاثة ايام الى اربعة بلياليهن،ولا تسأل عن العذاب في تلك الرحلة التي كانت قطعة من جهنم!

هرب سالم يبحث عن لقمة العيش التي لم تعد تكفيه من مزرعته البسيطة ،وهرب ايضا من عيون الناس والسنتهم واسئلتهم كذلك التي لاتتوقف....لماذا لم ينجب الى الآن..؟؟

وأما الآن فرأسه عالية مرفوعة،وراس زوجه سلمى كذلك،المرأة الصابرة المؤمنة،وبعد الصبر يأتي الفرج،وبعد سبع سنين من الالم يهل الامل المفعم الجميل....بميلاد (( عمار الصغير؟؟))........


***************
ولد بطل قصتنا ((عمار)) لزوجين عانا العقم لسبع سنين،ثم هل خريف العام الثامن بقدوم ((عمار..))... وعاد رب الاسرة من جديد الى عمله البعيد البعيد،تاركا امرأة كالرجال تحمي وليدها،في ظل رجال لايراها صغيرهم الا ام له،ولاينظر لها كبيرهم الا اختا له،او ابنة له.......انهم رجال القرية ..اولئك الأعراب الذين عاشوا في فطرة نقية بجهل،وجهل في نقاء،كانوا رجالا حقا،لم تفسدهم بهارج الدنيا وترفها الى الوقوع في ادناسها........

عاشت سلمى تعمل في المزرعة مع عائلة سالم،تعمل بجد فتسقي الزرع،وتحلب الضرع،وتحرث الارض،وتعين على نوائب الدهر،والوقت وقت حصاد صيف،وبعد انتهاء نفاسها،خرجت الأم تعمل كما كانت في شقاء...وتمشي في عناء...

وكان الحال - حقيقة - حال جميع النساء ليس في تلك القرية فحسب،بل في كل مدن وقرى ((المملكة؟؟)) كانت الحياة كما يقولون ((قشراء؟؟)) متعبة ومهلكة،فالجوع يغرس انيابه السامة في خواصر البلاد من شرقها لغربها،ومن شمالها لجنوبها،وكان الضمأ يحرق بلهيبه القاسي البلاد من شامها ليمنها،الا ان بوادر الغيث صارت تقطر...قطرة...قطرة...فبدأ النفط يتدفق...قطرة...قطرة...وكأنه نذير للصحراء بقدوم الغيث لتلك البلاد التي عانت الفقر والجوع والمرض سنينا طويلة... وأعواما مديدة........


*********
كانت سلمى تعمل من الصباح الى قبيل المغرب،وتعود الى بيت العائلة،فتتسامر الحديث مع صاحبتها ((حسناء)) وهي اخت زوجها سالم من امه،وصديقتها العزيزة الى قلبها،كانت حسناء لاتفارق زوجة سالم في غيابه ورحيله،وعلى اية حال فهي تسكن الى جوارها في بيت حجري قديم بسيط ملاصق لبيت أخيها،تزوجت حسناء من سنتين او اقل...وهي الآن قاب قوسين او ادنى من الوضع....

وحين خروج سلمى للعمل،تضع الصغير عمار عند ((خالته)) وتخرج،لم تكن حسناء تعمل هذه الايام لأنها كما اسلفت تنتظر مولودها الاول عن قريب......

عادت سلمى بعد نهار شاق ومتعب الى بيت ((حسناء)) لتاخذ ولدها وتطمئن على اختها ....

ولم يطل المقام بأخت سالم،ان ولدت طفلة صغيرة جميلة،اسموها ((ليلى؟؟))..........

.........يتبع...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
[align=center][align=left]اثْنان يــســتــحــقــون الــعــطــاء أنـــا ونــفــســي[/align][/align]
[align=center]

http://audio.islamweb.net/audio/list...10942&type=ram[/align]
أخر مواضيعي
سجين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-2011, 04:44 PM   #3
ابو مشعل الحريري
شاعر
قلم مميز
 







 
ابو مشعل الحريري is on a distinguished road
افتراضي رد: سنين العنف وسويعات السلام

اجاب دمعي ومالداعي سوى طلل**دعاه فلباه قبل الركب والأبل

ظللت بين اصيحابي أكفكفه**وظل يسفح بين العُذرِ والعَذَلِ

اشكو النوى ولهم من عبرتي عجبٌ**كذاك انت وما اشكو سوى الكلل

وما صبابة مشتاقٍ على أملٍ**من اللقاء كمشتاق بلا امل

والهجر اقتل لي مما اراقبه**انا الغريق فما خوفي من البلل

قد ذقت شدة أيامي ولذتها**فما حصلت على صابٍ ولا عسل

وقد اراني الشباب الروح في بدني**وقد اراني المشيب الَروح في بدلي..؟؟


موضوع جميل والاجمل هذه

الابيات
تقبل المرور بالشكر والتقدير والاحترام 0

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

قُلْ للحياةِ، كما يليقُ بشاعرٍ متمرِّس:
سيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهنَّ
وكيدهنَّ. لكلِّ واحدةْ نداءُ ما خفيٌّ:

هَيْتَ لَكْ / ما أجملَكْ!
أخر مواضيعي
ابو مشعل الحريري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-2011, 08:46 PM   #4
جمرة غضى
مراقب
 
الصورة الرمزية جمرة غضى
 







 
جمرة غضى is on a distinguished road
افتراضي رد: سنين العنف وسويعات السلام

قرأت سطورك عدة مرات ومنتظرة إكمال البقية بشغف

سجين

سلم قلمك وسلمت أناملك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

القرآن مٍ ـٍن هنـآ
أخر مواضيعي
جمرة غضى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-2011, 11:11 PM   #5
السلطانة
عضو متميز
 
الصورة الرمزية السلطانة
 







 
السلطانة will become famous soon enough
افتراضي رد: سنين العنف وسويعات السلام





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
السلطانة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-01-2011, 10:30 AM   #6
براااق الحـــازم
 
الصورة الرمزية براااق الحـــازم
 







 
براااق الحـــازم is on a distinguished road
افتراضي رد: سنين العنف وسويعات السلام

.


.
اخي الحبيب سجين.

مثقل بهم كتابة هذه القصة ..يال روعتك.

اغريتني بالكثير.. من اللقطات الفنية والجمل والوصفية الرائعة في المقطع الاول, وكأن التماهي مع روح الكاتب قد وصلت ذروته.
بينما خفت البريق في المقطع الثاني وكنت اقرب الى القاص.

اتمنا ان يرقى المقطع الثالث الى ما تفكر فيه من التلاحم بين المشاهد ولغة الكتابة وقوة التصوير.

بالانتظار.

تحياتي لشخصك الكريم.


.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
براااق الحـــازم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-02-2011, 07:01 PM   #7
سجين
 
الصورة الرمزية سجين
 







 
سجين is on a distinguished road
افتراضي رد: سنين العنف وسويعات السلام



الـــقـــريـــة

أنجبت حسناء ليلى،في ليلة ليلاء،لم تذق فيها طعم النوم،ومرت ساعة الألم كما تمر بكل الأمهات،تعب ونصب،وآلآم لو عرفها المرء لانحنى لأمه عبدا وخادما ابد الدهر....!!

ولدت ليلى،بعد ميلاد عمار بثلاثة اشهر،وكانت ظروف العائلتين متشابهة ومتقاربةإلى حد كبير،بل لعلها كانت صورة طبق الأصل،والحال مشابه لحال اهل القرية بعمومها،حيث الفقر والجوع قرينان لايفترقان وعدوان يجتمعان.....!!

الجوع....؟؟

نعم إنه الجوع،المارد الذي يفتك بتلك الأجساد المنهكة الضعيفة،فلا تتبّلغ منه الا كما يتبلغُ المحب من وصل حبيبه، كريح الصبا تهب من مرابع حبه،وموطن قلبه،فلا الصبا ونسيمه يطفئ نار الوجد،ولا يروي ظمأ الفقد..!!

وعاشت الأختان ((سلمى)) و ((حسناء)) في كبد،تعملان من الصباح الباكر الى وقت الغروب،حياة كلها شقاء ونصب،لتعودان ليلا والآلآم ثالثهما،في غياب العائل،وفقد الزوج....

فزوج سلمى سالم،عامل بسيط - كما اسلفنا- في ((شركة ارامكو)) هرب من القرية فقيرا معدما، لعله يجد بتلك الصحراء القاحله،ما يسكت به جوع بطنه،وتعب اسرته،وسداد دينه،ولا يعود لقريته الصغيرة ولأسرته الا بعد سنة او مايقارب،يعود بمال قليل ..لعاعة دنيا،لا تسمن ولا تغني من جوع....

وأما زوج حسناء،فلم يكن بأفضل حال من صاحبه،هاجر ايضا من القرية وعمل سائقا شقيا اجيرا،يكابد العناء ليلا ونهارا،فلا يدري ايعود بعد تلك الاشهر لزوجه وطفلته ام يذهب ضحية لتلك السيارت البائسة وطرق الموت الوعرة.....!!

ايام شقاء وتعب..........

إنها حياة القرية البائسة،فالأرض لم تعد تروي ظمأ تلك الأفواه،وتشبع تلك البطون،لذا هاجر الكثير من الرجال،وتركوا ورائهم الزوجات في نصب وتعب،يقاسون الجوع نهارا،والحرمان ليلا....

وعاشت الأختان،في تلك البيوت الحجرية الصامدة،بيوت صغيرة جدا،بُنيت من الحجارة والحصى،كانت بيوت القرية متلاصقة متقاربة،ومع ذلك الفقر القاسي،والحرمان المضطرد،الا ان روح الحياة لازالت تدب في تلك الخرابات التي يسمونها بيوت...!!

فالقرية كانت وطن واحد...وقلب واحد...وأسرة واحده...فالصغير فيها ابن للكبير،والكبير فيها والد للصغير،وحين يغيب العائل،او يفقد بموت او سفر،فالقرية كلها رجالا ونساءا،تصبح لتلك الأسرة المفجوعة الفاقده الحضن الذي تلجأ إليه،لعلها تبكي في دواخله تعب الأيام،وخواء السنين...فترتاح...!!

ومن اين تأتي الراحة،في هذا الواقع البائس الغريب......!!

ضاعت القرية على رأس ذلك الجبل الممتد من جبال السروات،ونامت على ذراه،حباها الله جمالا وخضرة،وطبيعة ساحرة خلابه،تمتد وديانها على سهول من جنات العريش،وكروم العنب،واشجار الرمان والتين...

وحين الغروب يبهرك منظر السنابل الصفر وهي تنحني ملأى بالحب حين يهب عليها نسيم الصبا الجميل، فتتمايل كالغادة الحسناء ضاحكة مستبشره .

تلوح بيدها باسمة للراحل المجافي... وللحبيب الجافي، كأنها تودع شمس الاصيل وتحييها،فتكللها الشمس بأشعتها الذهبية رادة تلك التحية،فترسل على تلك الكروم شعاعا ذهبيا يزيد جمالها جمالا،ويغدق على روعتها الجلال إغداقا،فيصبح لمنظرها المرء سكرانا،وعلى جمال ابدعه الله فيها هائما وبها ولهانا....

جمال الطبيعة،وقسوة الحياة....اجتمعت في تلك القرية البائسة..........

ولكن الناس لم تعد تسعدهم تلك الطبيعة الساحرة،وتلك الوديان المترعة خضرة وحياء،ولا يثير مسامعهم خرير الماء،كأنه وشوشة الأحبة في ليل بهيم،لأن الجوع لم يترك في نفوسهم معنى للأدب تتذوق به ذلك الجمال وتعيشه.........

فالحب والجوع قرينان لايجتمعان ابدا،ولا يتعايشان مطلقا،ولو جاع العشاق وخيروا بين الخبز...والحب،لاختاروا الخبز وكفروا بالحب.....!!

وهكذا دارت رحى الأيام،وبهكذا سارت عجلة السنين تقطع الفيافي والقفار،وعاش الناس على اية حال حياتهم،راضين بها على مضض،فلم يكن بالإمكان كما قيل بافضل مما كان.........

وعاشت الأختان هذه الحياة،في هم وغم ...شقاء ووحده،لايسعدهما ولايخفف عنهما الا تلك الضحكات التي تطلقهما افواه ذينك الطفلين بعد رقاد....عمار وليلى...!!

وهكذا رويدا رويدا...كما تدب اشعة الشمس متسللة عبر سديم الظلام،ناشرة الدفأ وشعاعات الفرح،هكذا كبر الطفلان،وهكذا يكبرون،وعلى غناء العصافير صاروا يحبون....

وفي ليلة كمل فيها القمر،وصار بدرا....عاد سالم ...التقى بأهله...ودار هذا الحوار :


******** سلمى بحزن وتوجع : غبت كثيرا يا ابا عمار ...اطلت الترحال...فمتى تكف عن هذا العناء وترتاح..؟؟
سالم بتوجع وهو يحمل عمار : آه يا سلمى...وماذاعساي ان افعل...؟ فالحياة اصبحت صعبة جدا،وكسب العيش اصبح عسيرا في هذه القرية،فالمزرعة لم تعد تكفينا شيئا،لا بد من الرحيل...؟؟

سلمى : ولكنك تعبت كثيرا ياسالم،ولم يفدك التعب نفعا ابدا،وما تحوزه بعد كل هذه الشهور الطويلة،فتات لايكفي ولا يعول،ولا ينفع،فابق هنا،ودعنا نعش كما كنا نفعل ،لا احمل هما الا ان نعيش بهدوء،لنربي هذا الصغير،لا اريده ان يكبر وانت عنه بعيد..؟؟

سالم : لعل الله يفرج عنا مانحن فيه،وعلى اية حال فأنا لن ابقى هناك طويلا،سأعود حتما لهذه القرية،ولكن لن اعود خالي الوفاض ياسلمى...ولن اعود لأيام الفقر من جديد..؟؟

سأشقى لكي يعيش عمار سعيدا هانئا،لا اريد له ان يقاسي العذاب الذي قاسيت،ولا الهم الذي عانيت..؟؟

اتعلمين يا سلمى،سأدخل عمار المدرسة،وسأعلمه احسن تعليم،وسأجعل منه مهندسا ،كحال رئيسنا السويسري الذي نعمل تحت امرته اجراء...؟؟

سأطلق حياة الفقر ياسلمى،لن اعود للفقر،ولن ارتع فيه...؟؟

سلمى تطلق زفرة توجع : ولكني تعبت ياسالم،لا استطيع تحمل الشقاء لوحدي،فهذا الصغير بحاجة لاهتمام ورعايه،وانا اخاف ان اتركه،حين اذهب للمزرعة...او للرعي,,..!!

سالتك بالله،ان تبقى ياسالم،لا اريد ان افقد هذا الصغير،او افقدك،فانا لم اعد اتحمل الشقاء والنصب وأترك عمار لوحده...فإنه الحياة التي احياني الله بها بعد موات دام لسبع سنين...؟؟

سالم : لاتخشي شيئا ياسلمى،سيكبر عمار تحت ناظريك،وسيعوضك الله خيرا و مايقدره الله لنا سيكون يا ام عمار،وانا لن اطيل الترحال،سأعود حتما يوما ما،ولكني لن اعود للفقر من جديد...!!

سلمى : أواه يا سالم...احس عرى الصبر تنفك عروة...عروة...لاقدرة لي على التحمل كثيرا ياسالم..؟؟

سالم : لاباس ياسلمى،فلنصبر قليلا،سنحترق كالشمع لنضيء لهذا الصغير طريقه غدا...اترين بسمته ياسلمى،انظري إلى جمالهاوبراءتها،انها تريحني من عذاباتي كلها،او لايستحق عمار منا ان نضحي..؟؟

الا يستحق ياسلمى....؟؟


*******
تصمت سلمى ....فلا تجيب...!!


*******
وفجأة تدخل حسناء اخت سالم،تحمل صغيرتها في حجرها....

سالم بفرح : اهلا حسناء....مرحبا بك اخيه،،،كيف حالك...؟؟

حسناء : بخير يا سالم،وحشتني كثيرا،لم كل هذا الغياب،هل نسيتنا...؟؟

يقهقه سالم ضاحكا : معاذ الله ان انساكم يا اختي،كيف حالك،وكيف حال ليلى...هاتيها...هاتيها ياحسناء..؟؟


*******
يحمل سالم ليلى في حجره،يلاعبها،ويقعدها بجانب عمار...؟؟


*******
سالم : ماشاء الله تبارك الله،ابنتك جميلة يا حسناء،حفظها الله...اكيد طالعه لخالها...؟؟

يضحك سالم عاليا.....

حسناء وعلى وجهها ابتسامة الرضى : نعم هي جميلة لخالها...اليس كذلك ياسلمى..؟؟

سلمى : تهز راسها بالموافقه...وهي تبتسم..

سالم مخاطبا زوجته وأخته : غدا ان شاء الله،ينتهي هذا البلاء،وتتعدل بعون الله ظروفنا وأحوالنا،صدقاني لن يطول هذا الفقر القابع بالقفر،ستتغير احوالنا الى الأفضل بعون الله،لعل الله يرفع عنا بلاء الفقر والحرمان رحمة بهؤلاء الصغار....لاتيأسا ولا تبأسا،فالعسر بعده يسر،والضيق مفتاح الفرج،وظلام الليل يعقبه شروق الفجر....

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها** فرجت وكنت اظنها لاتفرج..

بالمناسبة...حينما يكبر الصغيران،سأزوجهما من بعض،،،،ومن الآن فصاعدا عمار...لليلى...وليلى لعمار..؟

ما رأيكما...؟؟


*******
يبتسمان في هدوء....

مايكتبه الله يصير يا ابا عمار ....

سالم : ماحال زوجك يا اخيه...هل من اخبار عنه..؟؟

حسناء : لا والله يا اخي،له الآن اكثر من خمسةاشهر،ولا نعلم عنه شيئا،حتى ابنته لم يرها الا مرة وحدة،ثم سافر ولم يعد الى الان،اخشى ان يكون قد صابه مكروه...؟؟

سالم : لا يا اخيتي...تفائلي بالخير،سيعود بعون الله....!!

حسناء : ارجو ذلك....!!


*********
وهكذا...عاشت هذه الأسرة،في ظل ظروف بائسة مريرة،الجوع...الفقر...المرض... الثلاثي المرعب الذي ابتليت به البلاد في ذلك الزمن المغبّر،وكما اسلفت،كان الفقر يغرس انيابه السامة في خواصر البلاد،شرقا وغربا،شمالا وجنوبا،زمن طويل والناس تعيش البلاء،وترفع اكفها الى السماء...تنتظر الفرج من الله...

ولم يطل بالناس البلاء,فبعد حين،ستتبدل الأرض غير الأرض والسماء غير السماء،ولربما تتحقق نبوؤة ابي عمار،ليعيش عمار وجيله متعلما ودارسا،ولعل الله رحم اولئك الخلق... رحمة بأولئك الصغار....

وعلى اية حال...فالخط الآن مابين السابق واللاحق،الماضي والمستقبل،فاصل في الزمن وتطوره،والحضارة ونقلتها الباهرة في وقت قصير،فمابين الأمس الغابر ((القرية)) والألم،والغد المشرق ((المدينة)) والأمل،خيط دقيق فاصل،يرسم الطريق لتلك الأقدام الغضة،والذي قدر لها السير عليه،فهل كانت الأيام القادمة حلوة نضرة تعبق بالأمل،وتفوح منها رائحة الغنى والمجد والسعادة،كما توقع وتنبأ ابو عمار،ام هي ايام مخيفة مرعبة غامضة،كما تراها ام عمار.....!!

يتبع
سجين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-02-2011, 07:04 PM   #8
سجين
 
الصورة الرمزية سجين
 







 
سجين is on a distinguished road
افتراضي رد: سنين العنف وسويعات السلام

اما انا فقد اثقلت هذه الأقصوصة كاهلي،واوهت قامتي،وأحنت على طول البلاء هامتي...!!

لا أعود الى اكمالها فارتاح....ولا أهرب من نسيانها فاسعد..!!

وارى ان المقام بها قد طال...والطير على فينان اغصانها قد طار........

شكرا لكم

مروركم هنا شرف لي
سجين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-02-2011, 03:53 PM   #9
عبدالرحمن الخزمري
 
الصورة الرمزية عبدالرحمن الخزمري
 







 
عبدالرحمن الخزمري is on a distinguished road
افتراضي رد: سنين العنف وسويعات السلام

مشكوووووور والله يعطيك الفــ عافيهــ
..
دائما راائع بـ قلمكـ المميز
..
يع ـطيكـ ـ الع ـ ـافيه ع النقل
..
عبدالرحمن الخزمري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-02-2011, 01:42 AM   #10
ALRAGI
 
الصورة الرمزية ALRAGI
 







 
ALRAGI is on a distinguished road
افتراضي رد: سنين العنف وسويعات السلام

شكرا لك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
ALRAGI غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : سنين العنف وسويعات السلام
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العنف الأُسري...!!؟؟ أبو زياد المنتدى العام 9 20-11-2009 05:20 AM
حوار عن العنف وأسبابه الشافعي الإسلام حياة 5 16-10-2009 04:50 PM
العنف في المدارس بالطائف الفقار المنتدى التعليمي 11 06-05-2009 05:24 AM
العنف الاسري msh1msh المنتدى العام 2 28-07-2008 09:34 PM
العنف الأسري محمد المريعي المنتدى العام 11 05-06-2008 02:11 PM


الساعة الآن 03:15 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved