![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4371 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() حيـــــن و حيـــــن حينَ تَعْـتـَرِضُ سَبيلي العقبَاتُ ... حينَ تضِجّ ُ بأنينهَا الآهاتُ حينَ تُحاصِرني أشبَاحُ الهُمُومِ والغُمُوم .. حينَ تعـْلِنُ حَيَاتي الجُحودَ .. حينَ يصبحُ كل ذلك قـَيْداً يـَلْتـَفُّ حولَ عُنـُقي .. وأصْبـِحُ فجأةً غَريبةَ زَمَانيِ .. تَرْعَدُ في سَمَائِيِ الضّغُوطُ وتُزَلْزلُ كيَانيَ حينَ أخـْتَنـِقُ .. لا أتصنّعُ أو أختَلقُ .. أعَلمُ أنّـَنِي قـَدْ أذنـَبْتُ أسْرِعُ أصَلّـِي وألْجْأ لِخَالـِقي .. أشْكُو وأبـُثُّ هَمّـِي ومَا حالَ إلَيْـهِ أمْرِي أرْجُو عَفْواً لِذَنْبـِيِ وقـَبـُولاً لتَوْبَتيِ .. وألاَّ يَرُدَّ دُعَائِي خَالِقِي .. قال الله عز وجل " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " حينهَا فقَط تـَتَرَقـْرَقُ دُمُوعي وأشْعُرُ أنّـَنِي أولَدُ مِنْ جَديدٍ ... علىَ شَاطِيءِ التّـَوْبَةِ تعالَ مَعي أخَيَّ إلىَ ذَلِكَ الشّـَاطِيءِ لِنـَغْسِلَ فيهِ أنـْفـُسَنـا فـَقـَد أتْعَبَتـْنا .. تعَالَ أَخَيَّ ومُدّ يَدَيْكَ فهَاهِيَ نُفوسُنا قََدْ أعيَتْهَا الذّنـُوبُ وضَاقَتْ بـِهَا الحِيَلُ .. تعالَ لنُلْقِي بأنْفـُسِنا فِيهِ .. إنّـَهُ شَاطِيءُ التّـَوْبَةِ شَاطِيءُ الرَّاحَةِ النّـَفـْسِيّـَةِ شَاطِيءُ الأمَانِ .. هـَيَّا لِنَصْـرُخَ يَا رَحْمانُ هَا قـََدْ عُدْنـا رَاجِـيينَ عَفـْوَكَ عَنْ كُلِّ مَا مَضَى مِنْ ذُنـُوبٍ .. ... لَنْ نـَعُودَ لِمَا كـُنَّا عَلَيْهِ لَنْ نـَعُودَ ... وَلْنَطـْويِ صَفـَحَاتِ المَاضيِِِ المُؤلِمَةِ ولْتَكـُنِ النّـِيّـَةُ صَادِقـَة ً .. لِتَتَفـَتّـَحَ صَفـَحَاتٌ جَدِيدَةٌ مُشْرِقـَهَ ٌ وأوّلُ صَفـْحَةٌٍ نَبْدَأُ بـِطـَيّـِهَا .. رُفـْقـَةَ المَاضيِ وَقـُرَناءُ السّـُوءِ الذينَ كـُنَّا نُرافِقـُهُمْ في المَعَاصِيِ فـَهُمْ أوّلُ مَنْ يَـتَخَـلّى عَنَّا يَوْمَ القِيـامَةِ قالَ تعالىَ: " حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ " ولابُدَّ أنْ نـَسْتـَبْدِلَهَا بـِصَفـْحَةٍ مُضِيئَةٍ مُشْرقـَةٍ ينـْبَعِثُ مِنْهَا الأمَلُ بإخْوَةٍ صَادِقـينَ يُعينونـَنا علىَ الطّـَاعَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى اللهِ فـَهَؤلاءِ هُمُ الدّليلُ والرُّفـَقاءُ إلَى الجَنّـَةِ والله عز وجل يقول: " الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ " أخي الحَبيبُ عليكَ بالصّبرِ فقد ذكَرَ العُلماءُ أنّ الصّبْرَ نـَوْعَانِ : صبْرٌ عَنِ المَعْصِيَةِ, وصبْرٌ عَلى الطّـَاعَةِ فلا تحْسِبِ الطّـاعاتِ تَأّتيكَ مُسْرِعَة ًعِنْدَمَا تَطـْلُبُهَا .. إنّما تَحْتاجُ إلى جُهْدٍ وَمُثابَرَةٍ قالَ تعالىَ: " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " وماذلِكَ لأنَّ اللهَ يُريدُ أنْ يُرْهِقَ عِبَادَهُ .. ولَكِنّهُ اخْتِبارٌ لِلنّوايَا حتّـَى يَعْلَمَ صِدْقـَهَا وصِدْقَ توجّـُهِهَا إلىَ طاعَتِهِ .. والطـّريقُ إلى الجَنّةِ لَيْسَ مَفـْرُوشاً بـِالوُرودِ لابـُدَّ أن نَذوقَ شيْئاً مِنَ التّـَعَبِ حتّى نـَتَذَوّقَ حَلاوَةَ الوُصُولِ إلَيْهَا .. فـَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَهَ ٌ ولاتُشْتَرى إلاَّ بِالغالِيِ .. وكُلُّ مَشَقّـَةٍ أَوْتَـعَبٍ يَحْدُثُ لَكَ فـَأنْتَ مَأجُورٌ وَمُثـَابٌ عَلَيْهِ وعلىَ قـَدْرِ أهْلِ العَزْمِ تَأّتِيِ العَزَائِمُ وعلىَ قـَدْرِ هِمّـَتِكَ فِيِ طـَاعَةِ اللهِ يَرْفـَعُكَ اللهُ عزَّ و جَلّ مَنْ لمْ يَرُمْ عِشْقَ الثّـُرَيّـَا طامِحاً أمْضى الحَيَاةَ مُجَنْدَلاً بَيْنَ الحُفَرْ طوبىَ لِمنْ كَانَ النّـَبـِيُّ إمَامَهُ وبـِقـَلْبهِ الأيَاتُ تُحْفـَظُ وَالسّـُوَرِْ والبـُشْرى أخِي التّـَائِب: أبْشِرْبـِانْقِلابِ جَمِيعِ سَيّـِئـَاتِكَ السّـَابـِقـَةِ إلىَ حَسَناتٍ فقَدْ قالَ تعالى: " إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً " والآنَ وَقـَدْ عَرَفـْنا سَبَبَ بَلائـِنا أخِيِ الكَريم .. فَلْنـُسْرِعْ وَنُزيلَهُ بـِماءِ التّـَوْبَةِ الطّـاهِرِ النّقِيِّ هَيّـا لِنَتَوَضّأ وَنـُصَلّـِيِ للهِ صَلاةَ التّـَائِبِ الخَاضِعِ الذّلِيلِ .. لِنَسْكُبِ العَبَرَاتَ خَوْفاً وانْكِساراً لِخالِقِنا ومالِكِ أمْرِنَا , لِنَرْجُوا ونَطـْلُبَ عَفْواً لِذُنُوبـِنَا وَقـَبُولاً لِتَوْبَتِنا يارَبُّ لَقدْ أمْهَلْتَنا ولمْ تُمِتـْنا على مَعْصِيـَتِنا , ولمْ تُخْزِنا بـِذُنُوبِـِنا فيِ قـُبُورِنا وفيِ أُخْرَانا يارَبُّ مِنَ الآنَ تـُبْنا إلَيِْكَ , فـَاغْفِرْ مَاكَانَ مِنَا وَأنْتَ تَرَانا , تـَعْلَمُ سِرّنَا وجَهْرَنا وأنْتَ القائِلُ جلَّ جلاَلُكَ " وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " أمْهَلْتـَنا حيْثُ بابُ التّوْبَةِ مَفْتُوحٌ وَلَمْ يُغْلَقْ بَعْدُ , حيثُ فـُرْصَةُ النّـَجاةِ مِنَ النّارِ والفوْزِ بِالجَنّـَةَِ قـُلْتَ وَ قـَوْلُكَ الحَقُّ " تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ " نعم أمْهَلْتَنا لنُعِدَّ لِغايَةِ كُلّ مُؤْمنٍ وأمَلِ كُلِّ مُسْلِمٍ لِذَلِكَ النَّعيمِ المُقيمِ حَيْثُ لاكَدَرَ ولا أمرٌ سقيمّ , إلى مَالا عينٌ رَأتْ ولا أذُنٌ سَمِعَتْ ولاخَطَرَ على قـَلْبِ بَشَرٍ قالَ اللهُ تعالى في الحديثِ القُدْسِيِّ: " أعدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأتْ ولاَ أذُنٌ سَمِعَتْ ولاَ خَطرَ علىَ قـَلْبِ بشَرٍ ". وهيَّا لِنَتَسَابَقْ في صُحْبَةِ الصّالِحينَ , لنُحْشَرَ معَهُمْ مِنْ بَيْنِ العَالَمِيِنَ قالَ صلّىَ اللهُ عليهِ وسلّمَ: " المرْءُ علىَ دينِ خليلهِ فلينْظُرْ أحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ ". والآنَ وقدْ هَدَأَتْ بـِرَحْمَةِ اللهِ نُفوسُنا واسْتَقـَرّ بـِالتّـَوْبَةِ كَيانُنا ..والآنَ وَنَحْنُ نَشْعُرُ بـِالأمَانِ يَحْتَضِنُنا .. لنرْفـَعَ أكُفّـَنا ونـَتَعَهّدَ أمَامَ اللهِ * بـِنَدَمِنَا على مافـَاتَ * وبأنّـنَا أقـْلَعْنَا عَنْ ذُنُوبِنا * وبعزْمِنَا عَلى عَدَمِ العَوْدَةِ إليهِ * وبأنّنَا سَنُعيدُ الحَقَّ لِصَاحِبِ كُلِّ ذِي حَقّ أوْ نَطـْلُبَ البَرَاءَةَ مِنْهُمْ وإنْ لَمْ نسْتَطِعْ فَبـِالإسْتِغْفارِ والدُّعَاءِ لهُمْ --------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4372 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() [frame="8 80"] إذا رأيت جموع الوافدين من أقطار الدنيا إلى بيت الله الحرام، وكم بذلوا من أموال! وكم هي السنين التي انتظرها بعضهم ليصل إليه؟ والشوق يقطع قلبه، أدركت شيئا من أسرار قوله تعالى: { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } وأدركت ـ أيضا ـ شيئا من معاني إضافة هذا البيت إلى نفسه المقدسة في قوله: { عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ }. [/frame] |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4373 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() طــــريــــق الهـــــدايــــــة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) أمـا بعـد :. فإن المسلم يقف بين يدي ربّه في كل يوم وليلة يسأل ربه مسألةً عظيمة ، ونعم المسألة هي. والمسلم أحـوجُ ما يكون إلى هذه المسألـة ، فهو أحوجُ إليها من حاجته إلى الطعام والشراب ، وهو مُحتاجٌ لها مع كلّ نفس . هذه المسألة هي سؤالُ هدايةِ الصراط المستقيم . (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ) والذين أنعم اله عليهم هم أهلُ طاعةِ الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم ، قال سبحانه وتعالى : (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا ) فما هي الهداية ؟ الهداية : دِلالة بلطف إلى ما يوصل إلى المطلوب . وقيل : سلوك طريق يوصل إلى المطلوب . وعرّفها ابن القيم بقوله : هي معرفة الحق والعملُ به . فَعُلِمَ من هذا أن الهداية تُستطاع بفعل الأسباب بعد توفيق الله ، ولذا قال سبحانه : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ) وقال عز وجل : ( مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) وقال جل جلاله : ( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ) وقال سبحانه وبحمده : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ) قال ابن القيّم : فعل الرب تعالى هو الهدى ، وفعل العبد هو الاهتداء ، وهو أثر فعله سبحانه فهو الهادي والعبد المهتدي . قال تعالى : ( مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ) وقال – رحمه الله – : (الفوائد 166 -171 ) : تكرر في القرآن جعل الأعمال القائمة بالقلب والجوارح سببَ الهداية والإضلال . اهـ . ولا بُدّ من فعل الأسباب والمجاهدة في الله حتى تحصل الهداية التامة ، لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) قال ابن القيم ( الفوائد 87 ) : علّق سبحانه الهداية بالجهاد ، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً .... أي في ذات الله ، كما في الآية السابقة . ولا يُتصوّر أن ملكاً من الملائكة سوف يأخذ بيد العبد للهداية ، فيأخذ بيده إلى المسجد أو يأخذ بيده ويُساعده على إخراج منكرات بيته أو محلِّه ، بل لا بُدّ أن تُبذل الأسباب أولاً ثم يسأل العبدُ ربَّه التوفيق . ولذا كان الأنبياء والرسل يبذلون الأسباب المستطاعة ثم يسألون ربّهم التوفيق والإعانة . وقد قسّم ابن رجب الناس إلى ثلاثة أقسام ، فقال : الأقسام ثلاثة : راشد ، وغاو ، وضال ؛ فالراشد عرف الحق واتبعه ، والغاوي عرفه ولم يتبعه ، والضال لم يعرفه بالكلية ؛ فكلُّ راشدٍ هو مهتد ، وكل مهتدٍ هدايةً تامة فهو راشد ؛ لأن الهداية إنما تتم بمعرفة الحق والعمل به أيضا . اهـ . وقال رحمه الله : وإنما وَصَفَ – يعني النيّ صلى الله عليه وسلم - الخلفاءَ بالراشدين – في الحديث - ؛ لأنهم عرفوا الحق وقضوا به ، والراشد ضد الغاوي ، والغاوي من عرف الحق وعمل بخلافه . اهـ وقد وصَف الله أتباع إبليس بأنهم من الغاوين ، فقال : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) ووصَف الله الذي أوتيَ الآيات فردّها بأنه من الغاوين ، فقال : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) وفَرْقٌ بين الغواية والضلالة . ولذا لما قال فرعون لموسى : ( وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) ردّ عليه موسى بقوله : ( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) أي قبل النبوة وقبل مجيء الرسالة . وقد امتـنّ اللهُ تبارك وتعالى على نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم بهذه النعمة العظيمة ، والمِنّـةِ الجسيمة فقال : ( وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى ) وهذا يُفسِّرُه قولُه سبحانه : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) فدلّ هذا على أن الهداية نعمة لا تحصل بتمامها إلا بفعل الأسباب . وقد قال تبارك وتعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) قال بعض العلماء في تفسير الآية : أي أنه لا يهديهم ؛ لأن القــوم عرفـوا الحق وشهدوا به وتيقّنوه وكفـروا عمـداً ، فمن أين تأتيهم الهداية ؟ فإن الذي تُرتجى هدايته من كان ضالا ولا يدرى أنه ضال ، بل يظن أنه على هدى فإذا عرف الهدى اهتدى ، وأما من عرف الحق وتيقنه وشهد به قلبه ثم اختار الكفر والضلال عليه فكيف يهدي اللهُ مثل هذا ؟ وقبل الدخول في الأسباب نتطرق إلى مراتب الهداية . وقد قسّمها ابن القيم رحمه الله إلى أربع مراتب : المرتبة الأولى : الهداية العامة ، وهي هداية كل مخلوق من الحيوان والآدمي لمصالِحِهِ التي بها قام أمْرُه . قال تعالى : ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) فذكر أموراً أربعة : الخلق والتسوية والتقدير والهداية ، فسـوّى خلقه وأتقنه وأحكمه ثم قدّر له أسباب مصالحه في معاشه وتقلباته وتصرفاته وهداه إليها والهداية تعليم ، فذكر أنه الذي خلق وعلم ، كما ذكر نظير ذلك في أول سورة أَنْـزَلَها على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى حكاية عن عدوه فرعون أنه قال لموسى : ( قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) وهذه المرتبة أسبقُ مراتب الهداية وأعمُّها . اهـ . وهذه المرتبة هي التي قال الله فيها ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) المرتبة الثانية : هداية البيان والدلالة التي أقام بها حجته على عباده ، وهذه لا تستلزم الاهتداء التام . قال تعالى : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) يعني بيّنا لهم ودَلَلْناهم وعرّفناهم ، فآثروا الضلالة والعمى . وقال تعالى : ( وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) المرتبة الثالثـة : وهذه المرتبة أخص من الأولى وأعم من الثانية ، وهي هدى التوفيق والإلهام . قال الله تعالى : ( وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) فَعَمّ بالدعوة خلقه ، وخص بالهداية من شاء منهم . قال تعالى : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ) مع قوله : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) فاثبت هداية الدعوة والبيان ونفي هداية التوفيق والإلهام ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في تشهد الحاجة : من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي لـه ، وقال تعالى : ( إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ ) أي من يضله الله لا يهتدي أبدا ، وهذه الهداية الثالثة هي الهداية الموجبة المستلزمة للاهتداء ، وأما الثانية فشرط لا موجب ، فـلا يستحيل تخلف الهدى عنها بخلاف الثالثة ، فإن تَخَلُّف الهدى عنها مستحيل . المرتبة الرابعة : الهداية في الآخرة إلى طريق الجنة والنار . قال تعالى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ) وأما قول أهل الجنة : ( وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ ) فيُحتمل أن يكونوا أرادوا الهداية إلى طريق الجنة ، وأن يكونوا أرادوا الهداية في الدنيا التي أوصلتهم إلى دار النعيم ، ولو قيل : إن كلا الأمرين مراد لهم ، وأنهم حمـدوا الله على هدايته لهم في الدنيا ، وهدايتهم إلى طريق الجنة كان أحسن وأبلغ . انتهى كلامه رحمه الله . وقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ اقتصاص الخلق بعضهم من بعض ، ثم قال : فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا . ويهديهم ربهم بسبب إيمانهم بالله عز وجل قال الله تبارك وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) فَمَن هُدي في هذه الحياة الدنيا هُـديَ في الآخرة ، ( وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) وقد قال الله في أهل الجحيم : ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ {22} مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ {23} وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {24} مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ {25} بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ {26} وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ {27} قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ {28} قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {29} وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ {30} فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ {31} فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ {32} فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ {33} إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ {34} إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) والمقصود بـ أَزْوَاجهم : نظراءهم وأشياعهم وأضرابهم . ومن أسباب الهداية : أولاً : التوحيد ، فهو أعظم أسباب الهداية ، ولذا لما ذَكرَ الله الشرك قال : ( وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا ) فالموحِّد على خير ، وهو إلى الخير أقرب . وقال على لسان خليله إبراهيم : (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) فهذا وعدٌ بالهداية لأهل التوحيد . ثانياً : امتثال ما أَمَـرَ الله بهِ ورسولُه ، واجتناب ما نَهى الله ورسوله عنه ، قال عز وجل : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا {66} وَإِذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا {67} وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) قال ابن جرير – رحمه الله - : يعني بذلك جل ثناؤه ولو أنهم فعلوا ما يوعظـون به لكان خيرا لهم لإيتائنا إياهم على فعلهم ما وعظوا به من طاعتنا والانتهاء إلى أمرنا أجراً يعني جـزاء وثوابـا عظيمـا وأشد تثبيتا لعزائمهـم وآرائهـم وأقوى لهم على أعمالهم لهدايتنا إياهم صراطا مستقيما ، يعني طريقا لا اعوجاج فيه ، وهو دين الله القويم الذي اختاره لعباده وشرعه لهم ، وذلك الإسلام ، ومعنى قـولـه ولهديناهم : ولوفّقناهم للصراط المستقيم . اهـ وقال الحافظ ابن كثير : ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به وتركوا ما يُنهون عنه لكان خيراً لهم أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي وأشد تثبيتا ، قال السدي : أي وأشد تصديقا ، وإذا لآتيناهم من دنا أي من عندنا أجرا عظيما يعني الجنة ، ولهديناهم صراطا مستقيما أي في الدنيا والآخرة . اهـ . وإذا كانت الذنوب سبباً لسوء الخاتمة ، وللطبع على القلب ، كان تركها سبباً للهداية ، وأشد في الثّبات على دين الله . فالمحافظة على الصلاة – مثلاً – وإقامتها كما أمر الله ، مما أُمِرَ به المسلم ، ثم هي سبب في الابتعاد عن الفواحش والمنكرات ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) وبها يستعين العبد على الصبر على ما ينوبه في الحياة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) قال ابن كثير : إن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر . وبها يستعين العبد على الشدائد : ( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ) وبها يستعين بالصبر على المصائب : ( إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا {19} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا {20} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا {21} إِلَّا الْمُصَلِّينَ {22} الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ) والأعمال الصالحة عموماً مما يُقرِّب إلى علاّم الغيوب . ولما ذكر الله تبارك وتعالى جملة من أنبيائه ورسله قال لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم : ( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ) وقال جلّ ذكره في وصف كتابه : ( يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ثالثاً : الإنابة والتوبة والرجوع إلى الله جل جلاله . قال تبارك وتعالى : ( قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ) وقال سبحانه : ( اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ) وهذه الثلاث : أعني التوحيد والسلامة من الشرك ، وفعل الطاعات وما أُمِرَ به العبد ، والإنابة إلى الله يجمعها قولُه تعالى: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ {17 } الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) فالذين اجتنبوا الشرك ، وأنابوا إلى الله ، واستمعوا القول فاتّبعوا أحسنه ، هم أهل الهداية . والله تبارك وتعالى يُحبُّ التوابين ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) فإذا أحبّهم هداهم . فمن تاب وأناب إلى الله تبارك وتعالى أحبّه الله ، ومَن أحبّـه الله هداه بهداه رابعاً : الاعتصام بالله جل جلاله . قال سبحانه : ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) وقال جل جلاله : ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) والاعتصام بالله يكون بالتمسك بحبل الله المتين ، التمسك بالقرآن العظيم . قال سبحانه : ( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) والتمسك بكتاب الله أمان بإذن الله من الضلال ، لقوله صلى الله عليه وسلم : تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله . رواه مسلم . وكذا التمسك بالسنة . والقرآن يهدي للتي هي أقوم في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فواضحٌ مما تقدّم وأما في الآخرة فلقوله صلى الله عليه وسلم : يُقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها. رواه أحمد وأصحاب السنن . وتكرر في الكتاب العزيز وصف القرآن بأنه هُدى للمؤمنين . خامساً : الإخلاص لله تعالى ، فإن المسلم يعمل العمل ، ويظن أنه على شيء وليس كذلك . قال سبحانه : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) وإن أقواماً يأتون يومَ القيامة ، فيبدوا لهم ما لم يكونوا يحتسبون ، كما قال الحق سبحانه : ( وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) وإن آخرين يَظُنّون أنهم يُحسنون صُنعا ، وليسوا كذلك . قال سبحانه : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة . متفق عليه . فإذا لم يكـن العمل خالصاً لله عز وجل كان سبباً في ضلال وانتكاس صاحبِه ، وكان وبالاً على صاحبه يوم القيامة . سادساً : الدعاء ، والاجتهاد فيه ، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى وفيه أيضا عن علي رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قل : اللهم اهدني وسددني ، وأذكر بالهدى هدايتك الطريق ، والسداد سداد السهم . وعَلّمَ رسولُ الله سِبْطَه الحسن بن علي ، علّمه دعاء القنوت المشهور ، فقال الحسن : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت . رواه أبو داود وغيره . ومـن دعائه صلى الله عليه وسلم : اللهم زينا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهتدين . رواه أحمد والنسائي . وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : رب أعني ولا تُعن علي ، وانصرني ولا تنصر علي ، وامكر لي ولا تمكر علي ، واهدني ويسر الهدى لي ، وانصرني على من بغى علي رب اجعلني لك شكارا ، لك ذكارا ، لك رهابا ، لك مطواعا ، لك مخبتا ، إليك أواها منيبا ، رب تقبل توبتي ، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبت حجتي وسدد لساني ، واهدِ قلبي ، واسلل سخيمة صدري . رواه أحمد والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . ولما سُئلت عائشة - رضي الله عنها - بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت :كان إذا قام من الليل افتتح صلاته : اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم . رواه مسلم فَدَلّ على اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الدعاء ، وإرشاده إليه ، وتعليمه لأصحابه وأحفاده وفيما يرويه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ربِّه تبارك وتعالى أنه قال : يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم . رواه مسلم . فاسأل ربك الهداية ، فقد قال خليلُ الله إبراهيمُ : ( لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) ومن دعاءِ المؤمنين : ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) سابعاً : المجاهدة على فعل الطاعات ، وترك المنكرات ، والصبر على ذلك . قال تبارك وتعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ثامناً : كثرة ذكر الله تبارك وتعالى ، فإن الإعراض عن ذكر الله سبب في الضلال ، كما في قوله تعالى : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {36} وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) وهذه الهداية لا تكونُ مهيأةً في كلِّ وقتٍ للعبدِ المسلم ، فإن الحقّ سبحانه وتعالى قال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) وفي هذا حثٌ على المبادرةِ بالاستجابة لله ولرسوله ، قبل أن يأتي يومٌ يَبْحَثُ فيه المسلمُ عن قلبه فلا يجده ، أي أنه يُحالُ بينه وبين قلبه . وإليك هذه القِصّةً التي تدل على صحة هذا القول، وأنه قد يُحال بين المرء وبين قلبه . هذه القصة لرجلٍ كان من ملوك النصارى فأسلم . وهو جبلة بن الأيهم . أسلم في أيامِ عمر ، وحج معه فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطئ إزاره رجلٌ من بني فزارة ، فانحلّ إزارُه فرفع جبلةُ يده فهشم أنف الفزاري ، فاستعدى عليه عمر ، فاستحضره عمر فاعترف ، ثم طلبه للقصاص فاستنكف واستكبر ، وسأل عمرَ أن يمهله ليلته تلك ، فلما ادْلَهَمّ الليل ركب في قومه ومن أطاعه وسار إلى الشام ثم دخل بلاد الروم وراجع دينه دين السوء ، أي أنه ارتد عن دين الله . ولما بدا له أن يعود حِيْلَ بينه وبين ما أراد ، فكان مما قال : تنصَّرتْ الأشرافُ من عارِ لطمةٍ وما كان فيها لو صبرتُ لها ضـررْ تكنّفني فيهـا اللجـاجُ ونخـوةٌ وبِعْتُ بها العينَ الصحيحةَ بالعَـوَرْ فيا ليت أمي لـم تلدني وليتني رجعتُ إلى القول الذي قاله عمـرْ ويا ليتني أرعى المخاض بقفرةٍ وكنتُ أسيراً في ربيعـة أو مضـر ويا ليت لي بالشام أدنى معيشةٍ أجلس قومي ذاهب السمع والبصر هذه القصة ذكرها المؤرخون ، أمثال ابن الجوزي وابن عساكر وابن كثير وغيرُهم . هذه إجمالاً واختصاراً أسباب الهداية . وبضدِّها تظهر الأشياء ، فأذكر موانع الهداية كما ذكرها ابن القيم باختصار : السبب الأول : ضعف معرفته بهذه النعمة ، وأنه لم يقدرها قدرها . وانظر – رعاك الله – بعين بصيرتك إلى حال أكثر الناس ، الذين ربما بلغوا شأنا عظيماً في أمور الدنيا ، وهم يُقيمون على الشرك والضلالة ، ويصدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى : ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) السبب الثاني : عدم الأهلية … فإذا كان القلب قاسيا حجريا لا يقبل تزكية ولا تؤثر فيه النصائح لم ينتفع بكل علم يعلمه كما لا تُنبت الأرض الصلبة ولو أصابها كل مطر وبُذر فيها كل بذر ، فإذا كان القلب قاسيا غليظا جافيا لا يعمل فيه العلم شيئا وكذلك إذا كان مريضا مهينا مائيا لا صلابـة فيه ولا قوة ولا عزيمـة لم يؤثر فيه العلم . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقيةٌ قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفةً أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فَقُه في دين الله ونفعه مابعثني الله به فعلِم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به . كما في الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه . السبب الثالث :قيام مانع وهو إما حسد أو كبر ، وذلك مانع إبليس من الانقياد للأمر ، وهو داء الأولين والآخرين إلا من عصم الله ، وبه تخلف الإيمان عن اليهود الذين شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا صحة نبوته ومن جرى مجراهم . اهـ ومن ذلك ما ذكره الله عن المشركين : ( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً) فكان الجواب : ( قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً ) وحقيقة المسألة تعنّت واستكبار ، وإلا لو جاءهم ملك لقالوا : هذا تختلف طبيعته عن طبيعتنا ، فهو من عالَم آخر ، ويُطيق ما لا نُطيق ! وقد قال الله تبارك وتعالى : ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) فسيقولون حينها هذا ليس بِمَلَك ! السبب الرابع : - مما ذكره ابن القيم - مانع الرياسة والملك ، وإن لم يقم بصاحبه حسد ولا تكبـرٌ عن الانقياد للحق ، لكن لا يمكنه أن يجتمع لـه الانقياد وملكه ورياسته فيضن بملكه ورياسته كحال هرقل وأضرابه من ملوك الكفار الذين علموا نبوته وصدقه واقرُّوا بها باطنا واحبوا الدخول في دينه لكن خافوا على ملكهم . اهـ . وقد أخبر الله عن فرعون أنه ما مَنَعَه من الإسلام والانقياد إلا ذلك ، وإلا فقد أيقن فرعون بصدق موسى ، قال الله عز وجل : (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) ومثلهم الملأ الذين حكى الله أخبارهم ، فكانوا يخشون إن آمنوا أن تذهب هيمنتهم ، ويذهب جاههم ، ويتساووا بالعبيد ، قال الله جل جلاله : ( وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ {4} أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ {5} وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ {6} مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاّ اخْتِلاقٌ {7} أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ) السبب الخامس : مانع الشهوة والمال وهو الذي منع كثيراً من آهل الكتاب من الإيمان خوفا من بطلان مأكلهم وأموالهم التي تصير إليهم من قومهم وقد كان كفار قريش يصدون الرجل عن الإيمان بحسب شهوته ، فيدخلون عليه منها ، فكانوا يقولون لمن يحب الزنا : إن محمدا يُحَرِّم الزنا ويحرم الخمر . وهذا الذي مَنَع أبا جهل من الإسلام ، فإنه لما أتاه الأخنس فدخل عليه في بيته قال : يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : ماذا سمعت ، قال : تنازعنا ونحن بنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكُنّا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدا ، ولا نصدقه ، فقام عنه الأخنس ، وتركه . السبب السادس : محبة الآهل والأقارب والعشيرة ؛ يرى أنه إذا اتبع الحق وخالفهم أبعدوه وطردوه عنهم وأخرجوه من بين أظهرهم ، وهذا سبب بقاء خلقٍ كثير على الكفر بين قومهم وأهاليهم وعشائرهم . ومن ذلك أن بعض أهل الباطل ممن انتحلوا مذاهب هدّامة لما تبيّن لهم الحق ما منعهم أن يتّبعوه ويهتدوا إلا أنهم يخشون أن تذهب مكانتُهم أو تتلاشى . السبب السابع : محبة الدار والوطن ، وإن لم يكــن لـه بها عشيرة ولا أقارب لكن يرى أن في متابعة الرسول خروجه عن داره ووطنه إلى دار الغربة والنوى ، فيضنّ بوطنه . وقد ورد في الحديث الذي رواه الإمامُ أحمد من قوله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ، فقعد له بطريق الإسلام فقال له : أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك ، فعصاه فأسلم ، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال : أتهاجر وتذر أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول ، فعصاه فهاجر قال : ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له : هو جهاد النفس والمال ، فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال ، فعصاه فجاهد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة . السبب الثامن : مَنْ تخيّل أن في الإسلام ومتابعة الرسول إزراء وطعنا منه على آبائه وأجداده وذمّـاً لهم ، وهذا هو الذي منع أبا طالب وأمثاله عن الإسلام استعظموا آباءهم وأجدادهم أن يشهدوا عليهم بالكفر والضلال . ولذا لما حضرت أبا طالبٍ الوفاة وجاءه أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقالا له : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب - آخر ما كلمهم - : هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول لا إله إلا الله . كما في الصحيحين . فهذا مانعٌ من موانع الهداية ، بالإضافة إلى صُحبة السوء ، فإنها تمنع من الهداية والاستقامة والالتزام والتمسّك بشرع الله . فيُسمعون صاحبهم الذي ربما أراد الاستقامة على دين الله عبارات النبز والاستهزاء والسخرية حرصاً منهم على بقاءه ضالاً كحالهم . السبب التاسع : متابعة من يعاديه من الناس للرسول وسبقه إلى الدخول في دينه وتخصصه وقربه منه ، وهذا القدر منع كثيرا من اتِّباع الهدى ؛ يكون للرجل عدو ويبغض مكانه ولا يحب أرضا يمشي عليها ويقصد مخالفته ومناقضته ، فيراه قد اتبع الحق فيحمله قصد مناقضته ومعاداته على معاداة الحق وأهله وان كان لا عداوة بينه وبينهم وهذا كما جرى لليهود مع الأنصار . ومن ذلك قول بعض أهل الباطل : الخير فيما خالف العامة . السبب العاشر : مانع الإلف والعادة والمنشأ ؛ فإن العادة قد تقوى حتى تغلب حكم الطبيعة ولهذا قيل هي طبيعة ثانية فيربى الرجل على المقالة وينشأ عليها صغيرا فيتربى قلبه ونفسه عليها كما يتربى لحمه وعظمه على الغذاء المعتاد ولا يعقل نفسه إلا عليها ثم يأتيه العلم وهلة واحدة يريد إزالتها وإخراجها من قلبه وأن يسكن موضعها فيعسر عليه الانتقال ويصعب عليه الزوال وهذا السبب وإن كان اضعف الأسباب معنى فهو أغلبها على الأمم وأرباب المقالات والنحل ليس مع أكثرهم بل جميعهم إلا ما عسى أن يشذ إلا عادة ومربي تربى عليه طفلا لا يعرف غيرها ولا يحسن به فدين العوايد هو الغالب على أكثر الناس فالانتقال عنه كالانتقال عن الطبيعة إلى طبيعة ثانية . اهـ . وقد أخبر الله عن المشركين أنهم ما منعهم من الهداية واتِّباع الرسول إلا أنهم وجدوا آبائهم على هذا الدين وهم ألِفوه ونشأوا عليه : (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ {23} قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ {24} فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) وهذا المانع لم يكن ليمنع الصحابة رضي الله عنهم مِن مُتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وتصديق خَبَرِه ، وامتثال أمره ، ولو كان مُخالِفاً لطبائع نفوسهم ، كما في خَبَرِ تحريم الخمر . قال أنس : إني لقائم أسقيها - أي الخمر - أبا طلحةَ وأبا أيوبَ ورجالاً من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا ، إذ جاء رجلٌ فقال : هل بلغكم الخبر قلنا : لا . قال : فإن الخمر قد حُرِّمَتْ . فقال : يا أنس ! أرِقْ هذه القِلال ، قال : فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبرِ الرجل . متفق عليه . ومن الأسباب التي يُمكن أن تضاف : = الشرك بالله ؛ فإنه أعظمُ أسباب الضلال ، قال الله على لسان نبيه ومُصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) وقال جلّ ذِكره : (قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) = عدم الانقياد لأوامر الله وعدم السمع والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم . قال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا {167} إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً {168} إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ) وإذا كان اتِّباع الرسول صلى الله عليه وسلم من أسباب الهداية ، كما في قوله سبحانه : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {157} قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) = فإن عدم التصديق بخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أو التشكيك فيما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم سبب ضلال . قال جل ذكره : ( إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) = اتِّباع الهوى ، قال سبحانه وتعالى لنبيِّه داود عليه الصلاة والسلام : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) وحذّر الله عباده المؤمنين أن يكونوا كالذي آتاه الله آياته فانسلخ منها ، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ، وبيّن تبارك وتعالى أن سبب زيغه وضلاله هو اتّباع الهوى ، فقال جل جلاله : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) فَحَذار « فكم تعرقل في فخّ الهوى جناح حازم ». فهذا مركب الهوى قلّ من ركبه ثم تخلّى عنه ، لأنه يهوي بصاحبه كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه. وقد حذّر الله تبارك وتعالى من الزيغ الذي هو نتيجةٌ لاتّباع الهوى ، فقال سبحانه : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) قال ابن المبارك : إن البصراء لا يأمنون من أربع : ذنب قد مضى لا يَدري ما يَصنع فيه الرب عز وجل ، وعمر قد بقي لايدري ما فيه من الهلكة ، وفضل قد أُعطي العبد لعله مكر واستدراج ، وضلالة قد زُيِّنت يراها هدى ، وزيغ قلب ساعة ، فقد يُسلب المرء دينُه ولا يشعر . ولقد حرص السلف على هداية الخلق إلى الصراط المستقيم ، لعلمهم بفضل هداية الخلق ، وقد أوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالب حين بعثه يوم خيبر ، فقال له : فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم . متفق عليه . ولو لزم الأمر أن يشتري الهداية بماله لما كان ذلك مُستكثراً . ومما ورد في كتب التاريخ والتراجم أن سعيد بن عثمان بن عفان لما استعمله معاوية رضي الله عنه على خراسان فمضى سعيد بجنده في طريق فارس فلقيه بها مالك بن الريب - وكان شاعرا فاتكا لصا و هو من شعراء الإسـلام في أول أيام بني أمية - و كان من أجمل الناس وجها و أحسنهم ثيابا ، فلما رآه سعيد أعجبه ، و قال له :مالك و يحك ! تفسد نفسك بقطع الطريق ، وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث و الفساد ، وفيك هذا الفضل ؟ قال : يدعوني إليه العجـز عن المعالي ومساواة ذوي المروءات ، و مكافأة الإخوان . قال سعيد : فإن أنا أغنيتك واستصحبتك ، أتكف عما كنت تفعل ؟ قال : أي و الله أيها الأمير أكف كفّاً لم يكف أحد أحسن منه . قال : فاستصحبه وأجرى له خمسمائة درهم في كل شهر وهو الذي يقول : ألم تَرَني بِعتُ الضلالة بالهدى وأصبحتُ في جيش ابن عفّان غازيا فاحرص رعاك الله أن تكون مشعل هداية لبيتك ، فانقل ما تسمعه إلى زوجتك وبيتك . و ليُعلم أن الهداية نعمة عُظيمة ، ومنَّةٌ جسيمة ، فلا تحصل إلا بفعل السباب ، وببذل الوسع في تحصيلها . قال ابن القيم : إن لم يَصرف عنه الموانع والصوارف التي تمنع موجب الهداية وتصرفها لم ينتفع بالهداية ولم يتم مقصودها له ، فإن الحكم لا يكفي فيه وجود مقتضيه بل لا بد مع ذلك من عدم مانعه ومنافيه ، ومعلوم أن وساوس العبد وخواطرَه وشهواتِ الغيّ في قلبه كل منها مانعُ وصول أثر الهداية إليه ، فإن لم يصرفها الله عنه لم يهتد هدى تامّاً فحاجاته إلى هداية الله له مقرونة بأنفاسه وهي أعظم حاجة للعبد . أخيراً – رعاك الله – استمع إلى هذه الآيات وتأمل قول الله : ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ {54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ {55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ {56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) فهو يقول : لو أن الله هداني ، وهو لم يأخذ بالأسباب الجالبة للهداية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( مجموع الفتاوى 19/ 99 ، 100 ) : وليس المراد بالشرع التمييز بين الضار والنافع بالحس ، فإن ذلك يحصل للحيوانات العُجم ، فإن الحمار والجمل يميّـز بين الشعير والتراب ، بل التمييز بين الأفعال التي تضر فـاعلهـا في معاشـه ومعـاده … ولولا الرسالـة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد ، فمن أعظم نعم الله على عباده وأشرف مِنّة عليهم أن أرسل إليهم رسله ، وأنزل عليهم كتبه ، وبيّن لهم الصراط المستقيم ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام والبهائم بل أشر حالاً منها ، فَمَنْ قَبِلَ رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية ، ومن ردّها وخرج عنها فهو من شر البرية ، وأسوأ حالا من الكلب والخنزير والحيوان البهيم – ثم ذَكَرَ حديث أبي موسى المتقدّم في قوله صلى الله عليه وسلم : مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم – فقال : فالحمد لله الذى أرسل الينا رسولا من أنفسنا يتلو علينا آيات الله ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة وإن كنا من قبل لفى ضلال مبين ، وقال اهل الجنة : ( وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ) والدنيا كلها ملعونة ملعون ما فيها إلا مـا أشرقت عليه شمس الرسالة ، وأسس بنيانه عليها ، ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسل موجودة فيهم فاذا درست آثار الرسل من الأرض وانمحت بالكلية خرب الله العالم العلوى والسفلى وأقام القيامة وليست حاجة أهل الأرض الى الرسول كحاجتهم الى الشمس والقمر والرياح والمطر ولا كحاجة الانسان الى حياته ولا كحاجة العين الى ضوئها والجسم الى الطعام والشراب بل أعظم من ذلك وأشد حاجة من كل ما يقدر ويخطر بالبال فالرسل وسائط بين الله وبين خلقه فى أمره ونهيه وهم السفراء بينه وبين عباده . انتهى كلامه رحمه الله . وإن تعجب فاعجب لمسلم يسأل ربَّه عز وجل في اليوم والليلة سبع عشرة مرة يسأله هداية الصراط المستقيم وأن يُعيذه من طُرق المغضوب عليهم وهم اليهود وطرق الضالين وهم النصارى ، ثم يتّبع طريقتهم ، ويسلك أثرهم ويتشبّه بهم . --------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4374 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() ![]() فالنتبع سنن الحبيب ![]() ![]() للصدقة شأن عظيم في الإسلام ؛ فهي من أوضح الدلالات وأصدق العلامات على صدق إيمان المتصدق ، وذلك لما جبلت عليه النفوس من حب المال والسعي إلى كنزه ، فمن أنفق ماله وخالف ما جُبِل عليه، كان ذلك برهان إيمانه وصحة يقينه ، وفي ذلك قال النبي ![]() ( والصدقة برهان ) أي برهان على صحة إيمان العبد ، هذا إذا نوى بها وجه الله ولم يقصد بها رياء ولا سمعة . لأجل هذا جاءت النصوص الكثيرة التي تبين فضائل الصدقة والإنفاق في سبيل الله ، وتحث المسلم على البذل والعطاء ابتغاء الأجر من الله عز وجل . فقد جعل الله الإنفاق على السائل والمحروم من أخص صفات عباد الله المحسنين ، ف ![]() { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون ، وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } ( الذاريات 16-19) ، ووعد سبحانه - وهو الجواد الكريم الذي لا يخلف الميعاد - بالإخلاف على من أنفق في سبيله ، ف ![]() ( سبأ 39) ، ووعد بمضاعفة العطية للمنفقين بأعظم مما أنفقوا أضعافاً كثيرة، ف ![]() { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } ( البقرة 245) . ![]() والصدقة بالأموال من أنواع الجهاد المتعددة ، بل إن الجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس في جميع الآيات التي ورد فيها ذكر الجهاد إلا في موضع واحد ، وقد قال ![]() ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه أبو داود . وفي السنة من الأحاديث المرغبة في الصدقة ، والمبينة لثوابها وأجرها ، ما تقرّ به أعين المؤمنين ، وتهنّأ به نفوس المتصدقين ، ومن ذلك أنها من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله عز وجل ، ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله ![]() ( وإن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن ، تكشف عنه كرباً ، أو تقضي عنه ديناً ، أو تطرد عنه جوعاً )، رواه البيهقي ، وحسنه الألباني . والصدقة ترفع صاحبها ، حتى توصله أعلى المنازل ، قال ![]() ( إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل... ) رواه الترمذي . وهي تدفع عن صاحبها المصائب والبلايا ، وتنجيه من الكروب والشدائد ، قال ![]() (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ) رواه الحاكم وصححه الألباني . وجاء في السنة عظم أجر الصدقة ، ومضاعفة ثوابها ، قال ![]() ( ما تصدق أحد بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كان تمرة ، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل ، كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو فصيله ) رواه مسلم . والصدقة تطفئ الخطايا ، وتكفر الذنوب والسيئات ، قال ![]() ( والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ) رواه الترمذي . وهي من أعظم أسباب بركة المال ، وزيادة الرزق ، وإخلاف الله على صاحبها بما هو أحسن، قال الله جل وعلا في الحديث القدسي: ( يا ابن آدم أَنفقْ أُنفقْ عليك ) رواه مسلم . كما أنها وقاية من عذاب الله ، قال ![]() ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) رواه البخاري . ![]() وهي دليل على صدق الإيمان ، وقوة اليقين ، وحسن الظن برب العالمين إلى غير ذلك من الفضائل الكثيرة ، التي تجعل المؤمن يتطلع إلى الأجر والثواب من الله ، ويستعلي على نزع الشيطان الذي يخوفه الفقر ، ويزين له الشحّ والبخل ، وصدق الله إذ يقول : { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم } (البقرة 268) * ![]() اللهم ادفع البلاااء .. اللهم اهديناااا ... اللهم اشفي مرضانا اللهم تقبَّل منِّي إنك أنت السميع العليم اللهمَّ اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً ربي اغفر لي ولوالدي الحبيبين ولوالد والدي ولجميع المسلمين وارحمني وارزقني وأعفو عني اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المنفقين في سبيله وألا يجعلنا من الأشحاء والبخلاء في طاعته، إنه على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين ![]() -------------- مشاركة / قوية باس /بلخزمر |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4375 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() درر *** من أساسيات السعادة أن تؤمن بقضاء الله وقدره ، وتردد دائمًا ربي اختر لي ما تراه خيرًا لي *** يقول ابن القيم : من عاب اخاه بذنب لم يمت حتى يفعلہ. اللہمّ لا تشغلني بخلقك *** لم تكن الحياة سيئة يوماً :بل نحن من أسأنا التعامل معها ، فالصلاة والدعاء والأهل والأصدقاء أربعة أشياء كفيلة بإسعادنا الى السماء السابعه *** إذا جرحت شخص وطال صمته تأكد بأنه يعاقبك عقاباً ، أقسى من عقاب الكلام ... *** الأشياء الجميلة بداخلنا وليست فيِ الأحداث.. فعندما نمتلك عيناً جميلة فنحن نرى كل شيء جميلا ، وعندما نمتلك نفساً راضية سنرضى ولو بالقليل *** ابتسم .. ليس بالضروره فرحاً وإنما : ثقة وتفاؤلاً بـأن الله لن يخيب ظنك الجميـل *** من السهل أن تضع يدك على فمك گي لآ تتگلم ولگن من آلصعب أن تضع يدك على قلبك گي ﻻ تتألم *** اذا أردت بعضا من الهدوء والسعادة فلك بمداعبة طفل صغير او مجالسة شيخ كبير فالأول لا يعرف الدنيا والثاني قد اكتفى منها *** أصغر مسافة بين مشكلة وحلها .. هي نفس المسافة بين ركبتيك والأرض فمن سجد لله يستطيع الوقوف بوجه أي شيء 🍯🍄 كلمات رائعة 🍄🍯 الصلاة أكسجين الحياة.. لا تحرموا أنفسكم من استنشاقها.. الخطأ الموجود عند معظم الناس.. أنهم يستمعون لنصف الحديث.. فيفهمون ربعه.. ثم يتكلمون أضعافه..!! *** كم أعشق دعوات كبار السن.. لأني على يقين أنها تخرج من القلب.. تعامل بأفضل خلق.. لمن يستحق ولمن لا يستحق.. فأنت تسعى لبيت في الجنة.. لا لبيت في كل قلب.. الطمأنينة.. هي نهر جاري.. مسلكها خمس صلوات تامات.. *** عندما تحزن من لا شيء.. تأكد بأن إحدى النبضات تبكي شوقا للقرآن.. *** يمسك بيد ابنه ذاهبا للمسجد.. قائلا : يا بني إن الحياة في هذا اﻹتجاه ------------ مشاركة /تـــــــرف /بلخزمر |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4376 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() تاج المدائح لأديب أهل السنة الدكتور عائض القرني حفظه الله أنـصـت لميـمـة مــن أمـــم * * * مدادها مـن معانـي نـون و القلـمِ سالت قريحـة صـب فـي محبتكـم * * * فيضـاً تدفـق مثـل الهاطـل العمـمِ كالسيل كالليل كالفجر اللحـوج غـدا * * * يطوي الروابي ولا يلوي علي الأكـمِ أجش كالرعد في ليـل السعـود و لا * * * يشابه الرعد في بطش و فـي غشـمِ كدمع عيني إذا مـا عشـت ذكركـم * * * أو خفقِ قلبٍ بنار الشـوق مضطـرمٍ يـزري بنابغـة النعمـان روانقهـا * * * و مَنْ زهير ؟ و ماذا قال فـي هـرمِ دع سيف ذي يزنٍ صفحـاً ومادحـه * * * و تبّعـا وبنـي شــداد فــي إرمِ و لا تعرّج علـي كسـرى و دولتـه * * * وكـل أصيـد أو ذي هالـة و كمـي و انسخْ مدائح أرباب المديـح كمـا * * * كانـت شريعتـه نسـخـا لدينـهـمِ رصّعْ بهـا هامـة التأريـخ رائعـة * * * كالتاج في مفـرق بالمجـد مرتسـمِ فالهجر و الوصل و الدنيا وما حملـتْ * * * و حبُ مجنـونِ ليلـى ضلـة لعمـي دع المغاني و أطـلال الحبيـب و لا * * * تلمح بعينـك برقـاً لاح فـي أضـمِ و انسَ الخمائـلَ و الأفنـان مائلـة * * * وخيمـةً و شويهـان بـذي سـلـمِ هنـا ضيـاء هنـا ري هنـا أمــلٌ * * * هنـا رواء هنـا الرضـوان فاستلـمِ لو زُينتْ لامرء القيس انزوى خجـلاً * * * ولو رآهـا لبيـدُ الشعـرِ لـم يقـمِ ميمية لـو فتـي بوصيـر أبصرهـا * * * لعـوذوه بـرب الـحـل و الـحـرمِ سل شعرَ شوقي أيروي مثل قافيتـي * * * أو أحمد بن حسين فـي بنـي حكـمِ ما زار سوقَ عكـاظ مثـلُ طلعتِهـا * * * هامتْ قلوبٌ بها مـن روعـة النغـمِ أُثني علي منْ ؟ أتدري من أبجلـه ؟ * * * أمـا علمـت بمـن أهديتـه كلمـي في أشجع الناسِ قلبـاً غيـر منتقـم * * * و أصدق الخلق طـراً غيـر متهـمِ أبهى من البدر في ليل التمـام و قـل * * * أسخى من البحر بل أرسى من العلـمِ أصفى من الشمسِ في نطق و موعظةٍ * * * أمضى من السيف في حكم و في حكمِ أغرٌ تشـرق مـن عينيـه ملحمـةٌ * * * من الضياء لتجلـو الظلـم و الظلـمِ في همة عصفت كالدهـر و اتقـدتْ * * * كم مزقت من أبي جهل و من صنـمِ أتي اليتيـم أبـو الأيتـام فـي قَـدَرٍ * * * أنهـى لأمتـه مـا كـان مـن يُتـمِ محرر العقـل بانـي المجـد باعثنـا * * * من رقدة في دثار الشـرك و اللمـمِ بنـور هديـك كحلـنـا محاجـرنـا * * * لمـا كتبنـا حروفنـا صغتهـا بـدمِ من نحـن قبلـك إلا نقطـةٌ غرقـتْ * * * في اليم بل دمعة خرساء فـي القـدمِ أكـاد أقتلـع الآهـات مـن حُرقـي * * * إذا ذكرتـكَ أو أرتـاعُ مـن ندمـي لما مدحتـك خلـتُ النجـمَ يحملنـي * * * و خاطري بالسنـا كالجيـش محتـدمِ شجعـتُ قلبـي أن يشـدو بقافـيـة * * * فيك القريض كوجه الصبـح مبتسـمِ صه شكسبير من التهريـج أسعدنـا * * * عن كل إلياذة ما جـاء فـي الحكـمِ الفرسُ و الرومُ و اليونان إن ذكـروا * * * فعنـد ذكـراه أسمـال علـى قـزمِ هـم نمّقـوا لوحـة للـرق هائمـةً * * * و أنت لوحـك محفـوظ مـن التهـمِ أهديتنا منبـر الدنيـا و غـار حـرا * * * و ليلـة القَـدر و الإسـراء للقمـمِ و الحوضَ و الكوثرَ الرقراق جئت به * * * أنت المزمل في ثـوب الهـدى فقـمِ الكـونُ يسـأل و الأفـلاكُ ذاهـلـة * * * و الجنُ و الإنسُ بين الـلاء والنعـمِ و الدهر محتلـف و الجـو مبتهـجٌ * * * و البدر ينشـق و الأيـام فـي حلـمِ سربُ الشياطينِ لما جئتنـا احترقـتْ * * * و نار فارس تخبو منـك فـي نـدمِ و صفد الظُلْم و الأوثان قـد سقطـت * * * و مـاء سـاوة لمـا جئـت كالحمـمِ قحطان عدنان حازوا منـك عزتهـم * * * بـك التشـرّفُ للتأريـخ لا بـهـمِ عقود نصرك في بـدر و فـي أحـد * * * و عدلاً فيـك لا فـي هيئـة الأمـمِ شـادوا بعلمـك حمـراء و قرطبـة * * * لنهرك العذب هب الجيل و هو ظمـي و من عمامتك البيضـاء قـد لبسـت * * * دمشـق تـاج سناهـا غيـر منثلـمِ رداء بغـداد مـن برديـك تنسجـه * * * أيدي رشيـد و مأمـون و معتصـمِ و سدرة المنتهـى أولتـك بهجتهـا * * * علي بسـاط مـن التبجيـل محتـرمِ دارستَ جبريل آيـات الكتـاب فلـم * * * ينس المعلـم أو يسهـو و لـم يهـمِ اقـرأ و دفتـرك الأيـام خـط بــه * * * وثيقة العهد يا من بـر فـي القسـمِ قربـت للعالـم العـلـوي أنفسـنـا * * * مسكتنا متـن حبـل غيـر منصـرمِ نُصرتَ بالرعب شهراً قبـل موقعـة * * * كأن خصمك قبل الحرب فـي صمـمِ إذا رأوا طفـلاً فـي الجـو أذهلهـم * * * ظنوك بين بنود الجيـش و الحشـمِ بك استفقنـا علـي صبـح يؤرقـه * * * بلال بالنغمـة الحـرّا علـي الأطـمِ إن كان أحببت بعـد الله مثلـك فـي * * * بدو و حضر و من عرب و من عجمِ فلا اشتفى ناظري من منظـر حسـن * * * ولا تفـوه بالقـول السديـد فـمـي ------------ مشاركة /شبيـــــــه الريح/بلخزمر |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4377 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() [frame="8 80"] هــــــــو المختـــــار [/frame]---------------------- مـن نبـع هديـك تستقـي الأنـوار وإلـى ضيائـك تنتـمـي الأقـمـار - رب العبـاد حبـاك أعظـم نعـمـة ديـنـا يـعـزُّ بـعـزَّه الأخـيــار - حُفظت بك الأخـلاق بعـد ضياعهـا وتسامقـت فـى روضهـا الأشجـار - وبُعثـت للثقلـيـن بعـثـة سـيـدٍ صدقـتْ بــه وبديـنـه الأخـبـار أصغت اليـك الجـن وانبهـرت بمـا تتلـو، وعَـمَّ قلوبـهـا استبـشـار - يا خير من وطيءَ الثـرى وتشرفـت بمسـيـره الكثـبـان والأحـجــار - يا من تتـوق إلـى محاسـن وجهـه شمـسٌ ويفْـرَحُ أن يـراه نـهـار - بأبي وأمـي أنـتَ ، حيـن تشرَّفـت بـك هجـرة وتـشـرَّفَ الأنـصـار - أنْشَـأْتَ مدرسـة النبـوة فاستقـى مـن علمهـا ويقينـهـا الأبــرار - هـي للعلـوم قديمـهـا وحديثـهـا ولمنهـج الديـن الحنـيـف مـنـار - لله درك مــرشــدا ومـعـلـمـا شَرُفَـتْ بــه وبعلـمـه الآثــار - ربَّيْـتَ فيهـا مـن رجالـك ثُـلَّـةً بالحـقِّ طافـوا فـي البـلاد وداروا - قـوم إذا دعـت المطامـع أغلـقـوا فمها ، وإن دعـت المكـارم طـاروا - إن واجهـوا ظلمـاً رمـوه بعدلهـم وإِذا رأوا ليـل الـضـلال أنــاروا - قـد كنـت قرآنـاً يسيـر أمامـهـم وبـك اقتـدوا فأضـاءت الأفـكـار - عمروا القلوب كما عَمَرْت، فما مضوا إلا وأفـئـدة الـعـبـاد عَـمَــار - لو أطلـق الكـونُ الفسيـحُ لسانـه لسـرتْ إليـك بمـدحـه الأشـعـار - لو قيل : مَنْ خيرُ العبـادِ ، لـردَّدتْ أصواتُ مَنْ سمعوا : هـو المختـارُ - لِمَ لا تكون ؟ وأنـتَ أفضـلُ مرسـلٍ وأعزُّ من رسموا الطريـق وسـاروا - ما أنـت إلا الشمـس يمـلأ نورُهـا آفاقَنـا ، مهـمـا أُثـيـرَ غـبـار - مـا أنـت إلا أحمـد المحمـود فـى كـل الأمـور ، بـذاك يشهـد غـار - والكعبـة الغـرَّاءُ تشـهـد مثلـمـا شهـد المقـامُ وركنـهـا والــدَّار - يا خير من صلى وصام وخيـر مـن قـاد الحجيـج وخيـر مـن يَشْتَـارُ - سقطـت مكانـة شاتـم ، وجـزاؤه إن لـم يتـب ممـا جـنـاه الـنـار - لكأننـي بخطـاه تـأكـل بعضـهـا وهنـاً ، وقـد ثَقُلَـتْ بـهـا الأوزار - مـا نـال منـك منافـق أو كـافـر بـل منـه نالـت ذلــة وصَـغَـار - حلّقت في الأفـق البعيـد، فـلا يـدٌ وصلـت إليـك ، ولا فـمٌ مـهـذار - وسكنت فى الفردوس سُكْنَى من بـه وبـديـنـه يتـكـفَّـل الـقـهَّـار - أعـلاك ربــك هـمـة ومكـانـة فلـك السمـو وللحـسـود بــوار - إنــا ليؤلمـنـا تـطـاول كـافـر مـلأت مشـارب نفـسـه الأقــذار - ويزيـدنـا ألـمـاً تـخـاذل أمــةٍ يشكـو اندحـار غثائهـا الملـيـار - وقفت على باب الخضـوع، أمامهـا وهـن القلـوب، وخلفهـا الكـفـار - يـا ليتهـا صانـت محـارم دارهـا مـن قبـل أن يتحـرك الاعـصـار - يا خير من وطيء الثرى، فى عصرنا جيـش الرذيلـة والهـوى جــرَّار - فى عصرنا احتدم المحيط ولـم يـزل متخبِّطـاً فــى مـوجـه البـحَّـار - جمحتْ عقول الناسِ، طاشَ بها الهوى ومـن الهـوى تتسـرَّب الأخـطـار - أنت البشيـر لهـم، وأنـت نذيرهـم نعـم البـشـارةُ مـنـك والإنــذار - لكنهـم بهـوى النفـوس تشـربـوا فأصابهـم غَبَـشُ الظنـونِ وحـاروا - صبغوا الحضـارةَ بالرذيلـةِ فالْتقـى بالذئـبِ فيهـا الثَّعْـلـبُ المَـكَّـارُ - ما (دانمركُ) القوم، ما (نرويجهـم)؟ يُصغـي الرُّعـاةُ وتفهـم الأبـقـار - ما بالهـم سكتـوا علـى سفهائهـم حتـى تمـادى الشـرُّ والأشــرار - عجبـاً لهـذا الحقـد يجـري مثلمـا يجري (صديدٌ) فى القلـوب ،و(قََـارُ) - يا عصرَ إلحاد العقـولِ، لقـد جـرى بـك فـي طريـق الموبقـاتِ قطـار - قََرُبَت خُطاك مـن النهايـة، فانتبـهْ فلربَّـمـا تتـحـطَّـم الأســـوار - إنـي أقـول ، وللـدمـوع حكـايـةٌ عـن مثلهـا تتـحـدَّث الأمـطـار: - إنَّــا لنعـلـم أنَّ قَــدْرَ نبـيِّـنـا أسمـى ، وأنَّ الشانئـيـنَ صِـغَـارُ - لكـنـه ألــم المـحـب يـزيــده شرفـاً، وفيـه لمـن يُحـب فخـار - يُشقي غُفـاةَ القـومِ مـوتُ قلوبهـم ويـذوق طعـمَ الـرَّاحَـةِ الأغْـيـارُ القصيدة للدكتور : عبدالرحمن العشماوي مشاركة /شبيه الريح/بالخزمر |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4378 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() "يا دنيا غرّي غيري قد طلقتك ثلاثا" .. هكذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الدنيا الفانية..يابن آدم.. كن في الدنيا غريب أو كعابر سبيل، ولاتكترث بما فيها من زينة فانية..فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: « يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله ». صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.وقد وصف أمير المؤمنين الدنيا بأبيات لا يسع المجال إلا لذكر بعضها، كما قال: النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنها وإن بناها بشر خاب بانيها لاتركنن إلى الدنيا ومافيها فالموت لاشك يفنينا ويفنيها واعمل لدار غد رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن ناشيها رياحها طيب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها « من أصبح منكم معافا في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها » .وإليك القصة:أصبحت وأنا أشعر بالكآبة، وسمة الحزن ترتسم على محياي.. لا أعرف سبباً مباشراً لذلك..ولكن، لعله بعد حديث المساء..فقد اجتمعا زملاء الدراسة وأصدقاء الطفولة.. تحدثنا عن حياتنا.. عن أعمالنا..خرجت بانطباع عام..الغالبية لديهم المال.. ينفقون كما يحلو لهم.. كما يشاءون.فلان له كذا وكذا من العقار.. وفلان مثله أو يزيد..وأنا أقلّ الجميع!لعلي شعرت بالحزن.. وأصبحت الكآبة رفيقتي..موعدي بعد صلاة العصر مع عبدالرحمن شاب بمقتبل العمر، دمث الأخلاق، حلو المعشر، حاضر النكتة، من خيرة الشباب..لعل في زيارته تخفيفاً لما أشعر به.. وكما توقعت.. ما إن أحس أن هناك شيئاصار في داخلي.. حتى تلاحقت أسئلته..مابك..؟ وهل هناك ما يكدر صفو أيامك..؟ احمد الله على ما أنت فيه من نعمة.. ثم أضاف بنبرة فيها عتاب "والله إنك في نعم لاتحصى ولاتعد، وأولها نعمة الإسلام"..تمهل في الحديث.. وأكمل "أنت حالك كحال رجل جاء إلى أحد الصالحين، فشكا إليه ضيقاً في حاله ومعاشه، واغتماماً بذلك.فقال: أيسرّك ببصرك مائة ألف؟ قال: لا.. قال: فبسمعك..؟ قال : لا..قال له: أرى لك مئين ألوفاً وأنت تشكو الحاجة..!"سكت برهة.. ثم أجبته بصوت ضعيف "الحمد لله.."جاءت كلماته الصادقة.. وهو نعم الصديق.."هل بقي شي من الكدر وضيق الصدر..؟ تذكر أمراً.." عندما رفع صوته وسألني بحدة.."كيف جعلت للضيق في صدرك مكاناً..؟ يوم كامل يصول ويجول الكدر والهم في قلبك..؟ أين أنت عن الصلاة وقراءة القرآن؟؟كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.. كل يوم لا تفوتك فيه قراءة الصحف والمجلات.. أين قراءة صحف ربك..؟ أين أنت من القرآن..؟ على أي حال تريد أن تزيل كل شي في خاطرك، وتستعيد صفاءك..؟"رفعت رأسي.. وأجبت "نعم"..قال: "هيا.."-"إلى أين؟!!"-"لاتسأل أين.. بعد أن أغلقت باب السيارة.. من النعم وسائل النقل المريحة،تذهب متى تشاء براحة وطمأنينة.. هل حمدت الله أنك تعيش في دار الإسلام وبين المسلمين؟ تسمع النداء كل يوم خمس مرات، تربّي أبناءك على التوحيد الخالص.."في الشارع العام..هدّأَ من سرعة السيارة، ثم سار بتجاه اليمين،-"إلى أين يا عبدالرحمن..؟ هذه المقبرة ..!!!"-"أعرف أن هذا طريق المقبرة.. وأن هذه التي أمامنا المقبرة.. تمهل ولا تستعجل الأمورلماذا تخاف..؟ دعنا ندخلها بأقدامنا قبل أن يدخل بنا محمولين..هذه دارنا الثانية.. دعنا نزرها.."السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية..اللهم لاتحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم..واغفر لنا ولهم..".بعد السلام على أهل القبور، تركت عيني تتجول في مساحة المقبرة.. أرض جرداء.. سكون خافت.. صمت متواصل.. لاتسمع حديثاً رغم كثرة الساكنين..قبور متراصّة.. وجيرة متباعدون.. لايعرف بعضهم بعضاً.. تضم الطفل الرضيعوالأمير الوضيع.. الشيخ الكبير هنا قبره.. والعروس التي وسّدت الثرى ليلة زفافها هنا مرقدها..هنا من كان منعّماً في الدور والقصور..أما هناك..قبر الشاب المكتمل الصحة والقوة..من سقط فجأة.. ودفن فجأة..وهذه القبور المحفورة تنتظر الساكن الجديد..تنتظر الجنازة القادمة..ربما أنا..؟!وربما أنت.. ؟!قطع تفكيري..مارأيك في هذا القبر.. وهذا اللحد..ماذا تقول فيه..؟ هذا صندوق العمل، هذه دارك الثانية..-"ياعبدالله..انزل في هذا القبر.. "أجبته بسرعة، وبصدق.. "لا أستطيع"..ومع إجابتي تراجعت قليلاً وابتعدت عن حافة القبر.. خوف أن أسقط..أما عبدالرحمن فقد تقدّم، ونزل في القبر.."باسم الله".. ووضع جنبه في اللحد.."ما أحقر الدنيا.. هذه داري بعد الموت.. اللهم اجعل قبري روضة من رياض الجنة"بعد برهة، قفز من القبر.. أسمعني صوته..{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ }"بلى سنُرجَع.. بلى سنُرجَع.."التفت إليّ وهو يزيل التراب..-"انزل عبدالله لتزول همومك"..أصابتي قشعريرة.. تمالكتُ نفسي.. ولمّا رأيت إصراره، نزلت..ما أضيق القبر ولحده.. موحش ومظلم.. حتى الحركة، لاتستطيع أن تتحرك"ياعبدالله.." صوت من أعلى يناديني.. قدّر لنفسك أنك مت.. ودفنت، ما العمل الصالح الذي قدمت..؟أجلت طرفي يمنة ويسرة داخل القبر.. تفكرت في أمرين..هوان الدنيا.. وطول الأمل..سنرحل جميعاً ونترك كل شيء..إلا العمل الصالح.. ---------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4379 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() فك قيدك وصم الهواجر هيا الى صيام الايام البيض - وتبدأ يوم الجمعه ا ن شاء الله تعالى هذه مقالة لشحذ الهمم ودفع الكسل والعجز فى ايام شديدة الحر كايامنا - نسأل الله العفو العافيه وان يعافينا من نار جهنم اما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فتقوى اللهِ وصيةُ اللهِ للأولين والآخرين، التقوى مستمسك الصالحين، وسبيل النجاة في الدنيا ويوم الدين. أيها المؤمنون، نعيش هذه الأيام موعظةً بليغة ودروسًا عظيمة، يشهدها الأعمى والبصير، ويدركها الأصم والسميع، إلاّ أنها لا تُؤتي أُكلها إلاّ حين تصادف من كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد. نعيش هذه الأيام مع واعظ الصيف، فهل أصغت قلوبنا لموعظته؟! وهل وعينا درسه؟! هلمّ فلنقف قليلاً مع الصيف وما يحمل من عبر. مَن مِنا الذي لم يؤذه حر الصيف، ولا لفح وجهَهُ سَمومُه؟! كلنا وجد من ذلك نصيبًا قل منه أو كثر، فأيُّ شيءٍ تعلمناه من الحر؟ روى الشيخان وغيرهما أنه قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ـ أي: أخروها حتى يبرد الجوّ ـ، فإن شدة الحر من فيح جهنم))، وعند ابن ماجه بإسناد صحيح قال : ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضًا، فجعل لها نَفَسين: نَفَسٌ في الشتاء، ونَفَسٌ في الصيف، فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها، وشدة ما تجدون من الحر من سمومها)). أيها الأحبة، إنّ شدة الحر التي يجدها من وقف حاسر الرأس حافي القدمين في حرِّ الظهيرة ما هي إلاّ نَفَسٌ من فيح جهنم، نعوذ بالله منها ومن حرها، كان من دعائه : ((اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر، ومن فتنة الدجال، ومن فتنة المحيا والممات، ومن حرِّ جهنم)) رواه النسائي بإسناد صحيح. في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: ((ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم))، قالوا: والله إن كانت لكافية! قال: ((إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرها)). فحقٌ على العاقل أن يسأل نفسه وهو يتقي حرّ الدنيا: ماذا أعدّ لحرِّ الآخرة ونارها؟ يا من لا يصبر على وقفة يسيرة في حرِّ الظهيرة، كيف بك إذا دنت الشمس من رؤوس الخلق، وطال وقوفهم، وعظم كربهم، واشتد زحامهم؟! روى الإمام مسلم عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله يقول: ((تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا))، قال: وأشار رسول الله بيده إلى فيه. تلكم نارُ الآخرة، وذاك حرُّ الموقف، فأين المتقون؟! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[التحريم:6]. اللهم إن أجسادنا لا تقوى على النار، فأجرنا منها يا رحيم. رأى عمر بن عبد العزيز رحمه الله قومًا في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل، وتوقوا الغبار، فأبكاه حال الإنسان يألف النعيم والبهجة، حتى إذا وُسِّد قبره فارقهما إلى التراب والوحشة، وأنشد: من كان حين تُصيبُ الشمسُ جبهته أو الغبارُ يخافُ الشَيـنَ والشَعثـا ويألف الظـــلَّ كي تبقى بشاشته فسوفَ يسكنُ يومـًا راغمًا جدثًا في ظــــل مقفرةٍ غبراءَ مظلمةٍ يُطيلُ تحت الثرى في غمها اللبثـا تجهـزي بجهــاز تبلغيـن بــه يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثـا أيها المؤمنون، لئن كنا نتقي الحرَّ بأجهزة التكييف والماء البارد والسفر إلى المصائف، وكل هذه نعمٌ تستوجب الشكر، فهل تأملنا وتفكرنا كيف نتقي حرَّ جهنم؟ كيف ندفع لفحها وسمومها عن أجسادنا الضعيفة ووجوهنا المنعمة؟ يقول : ((من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حرَّ جهنم عن وجهه سبعين خريفًا)) رواه النسائي بإسناد صحيح. صيام الهواجر ومكابدة الجوع والعطش في يوم شديدٍ حرُّه بعيدٍ ما بين طرفيه، ذاك دأب الصالحين وسنة السابقين، والمحروم من حُرم. يقول أبو الدرداء : (صوموا يومًا شديدًا حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور). أيها المؤمنون، إن من أعظم ما يُدفع به العذاب وتُتقى به النار الاستكثار من الحسنات والتخفف من السيئات، فذاك هو الزاد، وتلك هي الجُنّة، واللهِ لَلَّه أرحم بنا من أمهاتنا، ولكنه يريد التائب المقبل المنيب. عن أبي الدرداء قال: لقد رأيتنا مع رسول الله في بعض أسفاره، في اليوم الحار الشديد الحر، وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله وعبد الله بن رواحة. رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. خرج ابن عمر في سفر معه بعض أصحابه، فوضعوا سفرة لهم، فمر بهم راعٍ، فدعوه إلى أن يأكل معهم، فقال: إني صائم، فقال ابن عمر: في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت بين هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وأنت صائم؟! فقال: أُبادر أيامي هذه الخالية. فهلم ـ عباد الله ـ نبادر أيامنا الخالية، حتى تلتذ أسماعنا، وما ألذه من مقال، يوم يُقال: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24]. لما مرض معاذ بن جبل مَرَضَ وفاته قال في الليلة التي تُوفي فيها: أعوذ بالله من ليلةٍ صباحها إلى النار، مرحبًا بالموت، حبيبًا جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الليل ومزاحمة العلماء بالركب عند حِلَقِ الذكر. هنيئًا لك ـ يا معاذ ـ أن يكون هذا أسفك على الدنيا، وهذا حزنك على فراقها. أيها المؤمنون، لنغتنم صيفنا بالطاعات، ولنستزد فيه من الحسنات، فالأجر يعظُم مع المشقة، وعند الصباح يحمد القوم السُرى. حذار حذار أن تُقعدنا عن المبادرة إلى الخير، نفوسٌ تعاف الحرَّ، وتحبُ الراحة، فنندم يوم لا ينفع الندمز في غزوة تبوك ابتلي الناس بالخروج للجهاد، في زمن عُسرة وشدة من الحرِّ وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، فخرج المؤمنون الصادقون، وقعد الذين في قلوبهم مرض، وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة:46]. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [التوبة:81، 82]. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا. ----------------- ( الشيخ ياسر بن محمد بابطين) --------------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4380 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() لقد كنت في غفلة من هذا الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، واشهد أن لا إله إلاالله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين وعلى مكن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين أما بعد: عباد الله: إن طريقة القرآن في التنبيه على سبل النجاة وبيان أسباب الحرمان والخسارة في الدنيا والآخرة، ذكرُ الأسباب الرئيسية، التي تدور عليها أسباب الانحراف والضلال، ويركز القرآن عليها ليجلي لنا تلك الأسباب حتى ننهضَ بأنفسنا، ونسعدَ في الدنيا والآخرة، وإن من الأسباب المهمة التي أشار إليها القرآن الكريم: الغفلة نعم الغفلة بكل صورها وأشكالها فالقرآن أشار إلى أعظم أنواع الغفلة وهي الغفلة عما خلق الإنسان له وهي أن يكون عبداً لله وحده لا غير {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف172]، وعندما يعاين الكفار هذه الحقيقة العظيمة يصرحون بأن سبب كفرهم وضلالهم هو الغفلة {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء97]. بل الضلال والحرمان من كل خير سببه الغفلة كما قال سبحانه: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف146] إن الغفلة عن الحياة الحقيقة هي حقيقة الحرمان وحقيقة البؤس والشقاء، إن الذي لم يطعم حقيقة الإيمانِ والتوحيد ِوالإخباتِ لله والانطراحِ بين يديه والذلِّ له وحده دون ما سواه يعيش بعيداً عن الحياة الحقيقية ولو حاز الكنوز والقصور، ولو ركب الطائرات واستقل السفن والباخرات، ولو سكن في الناطحات، ويجلي لنا القرآن حقيقة الحضارات الزائفة التي عبدت المادة وأعلت من شأنها ولم تهتم بشأنِ الإنسانِ، وروحِهِ المتعطشةِ للإيمان يقول المولى جل في علاه {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم7]، إن أصحاب الحضارات المادية لن يقدموا السعادة للبشرية إلا بمنهج الإسلام الذي يقرر الحقيقة الغائبة عنهم وهي أن الدنيا زائلة وأن عمارة الأرض سبب نتقوى به حتى نجوز إلى تلك الدار الأبدية السرمدية، ولهذا كانت الغفلة التي يشير إليها القرآن هي الغفلة عن هذه الحقيقة العظيمة وهي أن الموت حق وأن الساعة حقة وأن الجزاء والحساب حق كما قال سبحانه، {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ . وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ . وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ . لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.. فهذه الغفلة عن الحقيقة التي يكره ذكرها كثير من الناس ولكن لا بد من تذكرِها وعدمِ الغفلة عنها حتى تستقيمَ حياة الإنسان، ويسلمَ من الانحراف والضلال، وأما الغفلة عن الآخرة وعن يوم الجزاء والحساب فيقول المولى جل وعلا: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم39]، ويقول سبحانه: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} [الأنبياء1]. عباد الله: وإن من الأمور الخطيرة هي الغفلة عن آيات الله الكونية، وعظاته الربانية التي يلفت بها عباده، ولهذا فإن الغفلة عن هذه الآيات والعظات سبب في حلول العقوبات الربانية كما قال ربنا جل وعلا: {ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام131]، ويقول سبحانه: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف136]، عباد الله: كفى بؤساً وشؤما بالغفلة أن تكون هي أجلى صفات أهل النار والعياذ بالله {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف179] بل هي صفةُ كلِّ من لاخلاق له: {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} [يونس7] {ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ . لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ} عباد الله: إن الغفلة لا يليق أن تكون صفةً للمؤمنين ومن صورها الغفلة عن ذكر الله {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف205] واعلموا رحمكم الله أن الغفلة غالبة على بني البشر: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس92] والسعيد من وعظ بغيره، والخير كل الخير هو في النجاة والسلامة من الغفلة أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . --------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 28 ( الأعضاء 0 والزوار 28) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ | الوآصل | المنتدى الرياضي | 6 | 10-12-2009 01:49 AM |
اســـــــرار القلــــب..! | الســرف | المنتدى العام | 22 | 29-09-2008 01:03 AM |
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء | امـــير زهران | منتدى الحوار | 4 | 02-09-2008 03:05 PM |
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة | رياح نجد | المنتدى العام | 19 | 15-08-2008 01:10 PM |
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! | البرنسيسة | المنتدى العام | 13 | 17-08-2007 11:04 PM |