أيام الصفاء والنقاء
كنت صغير السن لم أتجاوز الخامسة أوالسادسة ، أسير خلف صغيرات الغنم ، أكاد أضيع بينها لصغري سناً وحجماً ، كان الكل يقوم بالدور المنوط به في تلك الفترة مهما كان وكيف يكون ... لا دلال ولا شفقة ولا خوف ، تربينا على العيشة أعنفها ،وعلى الخشونة أقساها ، وكان ذلك بمثابة التحضير المبكر للحياة المقبلة ، في أي طريق نسلكه ،وعلى أي صعيد نقطنه ، حتى أصبحنا في المرحلة المتوسطة نسكن بعيداً عن أهلينا وأقاربنا ؛ نطبخ ونكنس ونغسل وتنام في وقت محدد ونصحو في الصباح مبكرين ، لا أب يرفع ضغطه من أجل أن نصحو ،ولا أ م تبكي خوفاً على ضياع مستقبلنا لماتراه من حالة الخلود إلى النوم كماهو الحال الآن عند كثير من الناشئة.. والحديث في هذا يطول ويحتاج إلى مقال آخر ،،،.
أعود إلى كنت صغير السن خلف صغيرات الغنم فقدأصبت في باطن رجلي الحافية بشوكة طلحة قاسية أخذت تتوغل حتى تمكنت من الرجل أعلاها ، لو أصيب شخص في وقتنا الحاضر لبحثوا عن أفضل المستشفيات وأقدرها ولنتج عن الحالة تنويم وبنج وشق رجل وشاش وعكاز وخوف من الغرغرينا ! إلخ ... أخذت أجهش بالبكاء لشدة الألم بل لم أستطع السيرخطوات وخطوات، فإذا بصبية قادمة إلي كأختي الكبيرة التي تكبرني بست سنوات تسير خلف غنمها في أدب وحشمة وخلق رفيع ، احست بما أعانيه ومما اشتكي منه فحن قلبها بحنان العطف والشفقة علي، وأخذت عدتها التي كانت تحملها على صدرها كغيرها من قريناتها ( منكاش متعدد الأغراض ) ثم بدأت في عملية البحث عن موقع الإصابة إلى الشوكة ( العريناني ) كما يسمونها ، وبتوفيق الله تمكنت تلك الصبية من القيام بدورها الطبي وعدت أسير على قدمي ألحق يصغيرات الغنم التي ابتعدت عني وكادت تضيع مني ،،،، ومازلت حتى كتابة هذه الذكرى أذكرتلك الفتاة وموقفها النبيل تجاهي ، وأدعو لها دعاء المحب لأخته الكبيرة .فقد كانت عفيفة محتشمة ، سلاحها حياؤها الكامن تحت خمارها الذي يستر كامل جسدها ،وتحت مظلتها التي كانت تغطي كامل رأسها ، فتذكرت ابنتي الرجل الصالح مع النبي موسى عليه السلام في حالة الرعاية والعفة والاستحياء . لم يمهلها القدر فقد أصيبت بحمى فتاكة أودت بها إلى الوفاة ، وتم دفنها في قبر جدها الذي أعد له وماتت قبله وهي في عمر الزهور ، حزنت حزناً شديداً على موتها لأني أكن لها تقدبراً واحتراماً لما قامت به تجاهي .. فاللهم ارحمها رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناتك ،و جاز والديه خير الجزاء لحسن تربيتها ورعايتها......... أخي القارئ الكريم قارن بين حالة تلك الفتاة وماتراه الآن من ذوات الأصباغ والبويات !!!!!
أين الحشمة ؟ أين الفزعة ؟ أين التآلف الاجتماعي والأسري ؟ لاشيء إلا من ر حم الله ،،،،الآن تكاد ابنة أخيك تفر منك فرار المذعورة من الأسد ، ،،،، وقارن بين شباب الأمس واليوم ،،،،، لا تكابر بالله عليك تأمل ، تأمل ، تأمل . إلى لقاء آخر .
|