منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > منتدى الكتاب

كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


منتدى الكتاب

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
قديم 22-10-2014, 04:57 AM   #8211
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

كيف يعيش المتقون في الجنة؟
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الحجر: “إن المتقين في جنات وعيون. ادخلوها بسلام آمنين. ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين. لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين” (الآيات 45 -48).

بعد أن تحدث الحق سبحانه وتعالى عن سوء عاقبة الذين استجابوا للشياطين وصاروا مطية لهم يسخرونهم كما يشاؤون حيث تنتظرهم جهنم بأبوابها السبعة، تحدث في هذه الآيات الكريمة عن عاقبة المخلصين الذين أخلصوا نفوسهم لله تعالى وأطاعوه في السر والعلن فقال: “إن المتقين في جنات وعيون”.

والمعنى:إن المتقين” الذين صانوا أنفسهم عن الشرك، وقالوا ربنا الله ثم استقاموا “في جنات” عالية، فيها ما تشتهيه الأنفس، وفيها منابع للماء تلذ لها الأعين، تقول لهم الملائكة على سبيل التكريم والتحية: ادخلوها تصاحبكم السلامة من الآفات، والنجاة من المخالفات.

ثم بيّن سبحانه ما هم عليه في الجنة من صفاء نفس ونقاء قلبي فقال: “ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين” أي وقلعنا ما في صدور هؤلاء المتقين من ضغائن وعداوات كانت موجودة فيها في الدنيا، وجعلناهم يدخلون الجنة إخوانا متحابين متصافين ويجلسون متقابلين على سرر مهيأة لرفاهيتهم وإدخال السرور على نفوسهم.
وعبر بقوله “متقابلين” لأن مقابلة الوجه للوجه أدخل في الإيناس، وأجمع في القلوب.

نشأة جديدة

والآية الكريمة تشعر بأنهم في الجنة ينشئهم الله تعالى نشأة أخرى جديدة وتكون قلوبهم فيها خالية من كل ما كان يخالطهم في الدنيا من ضغائن وعداوات وأحقاد وأطماع وغير ذلك من الصفات الذميمة،
ويصلون بسبب هذه النشأة الجديدة إلى قمة الرقي البشري.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية عدداً من الأحاديث والآثار منها ما روي عن أبي أمامة قال: يدخل أهل الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن، حتى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غل، ثم قرأ: “ونزعنا ما في صدورهم من غل...”.

ونقلت لنا كتب السنة والسيرة أن عمران بن طلحة دخل على الإمام علي بن أبي طالب بعد أن فرغ من أصحاب الجمل، فرحب علي رضي الله عنه به وقال: “إني لأرجو أن يجعلني الله وإياك من الذين قال الله فيهم: “ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين”.

ثم ختم سبحانه بيان جزائهم بقوله: “لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين”..
والنصب هو التعب والإعياء.. قال ابن كثير: “لا يمسهم فيها نصب يعني مشقة وأذى”، كما جاء في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب”.

بقاء سرمدي

وقوله “وما هم منها بمخرجين” أي أنهم باقون في الجنات بقاء سرمدياً دائماً لا ينقطع كما جاء في الحديث: “يقال لأهل الجنة يا أهل الجنة: إن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تقيموا فلا تظعنوا أبداً”.

وهكذا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على بشارات للمؤمنين الصادقين مقرونة بالتعظيم، خالية من الشوائب والأضرار، باقية لا انقطاع لها.

أما البشارات فنراها في قوله تعالى: “إن المتقين في جنات وعيون”. وأما اقترانها بالتعظيم والتكريم فنراه في قوله تعالى “ادخلوها بسلام آمنين”.

وأما خلوها من الشوائب والأضرار فنراه في قوله تعالى: “ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً”.

وأما بقاؤها واستمرارها فنراه في قوله تعالى”وما هم منها بمخرجين”.
هذا وشبيه بهذه الآيات قوله تعالى: “إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين”.

وقوله تعالى: “ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار. وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله”.
-------------
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-2014, 05:10 AM   #8212
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

كيف تتجنب السفهاء وتتغلب على الشياطين؟
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: “خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون”. (الآيات: 199-202).

في هذه الآيات الكريمة يرسم الحق سبحانه وتعالى لرسوله الكريم ولكل إنسان معني بدعوة الناس إلى طريق الحق والعدل والخير طريق المعاملة الطيبة التي تؤلف القلوب وتكسب النفوس وتهدي العقول الحائرة.

ومعنى قوله سبحانه وتعالى: “خذ العفو” أي ارض من الناس بما تيسر من أعمالهم وتسهل من غير كلفة ولا تطلب منهم ما يشق عليهم ويرهقهم حتى لا ينفروا وكن ليناً رفيقاً في معاملة أتباعك، فإنك “لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”.

والمراد بقوله عز وجل “وأمر بالعرفأي: مر غيرك بالمعروف المستحسن من الأفعال، وهو كل ما عرف حسنه في الشرع، فإن ذلك أجدر بالقبول من غير نكير، فإن النفوس حين تتعود الخير الواضح الذي لا يحتاج إلى مناقشة وجدال تسهل قيادتها وتوجيهها.

مناقشة عقيمة

ومعنى قوله سبحانه: “وأعرض عن الجاهلين”: أي أعرض عن هؤلاء الذين لا يدركون قيم الأشياء والأشخاص والكلمات فيما يبدر منهم من أنواع السفاهة والإيذاء لأن مناقشة هؤلاء لا تؤدي إلى خير، ولا تنتهي إلى نتيجة، والسكوت عنهم احترام للنفس وقد يؤدي الإعراض عنهم الى تذليل نفوسهم وترويضها.

وهذه الآيات على قصرها تشتمل كما قال العلماء على مكارم الأخلاق فيما يتعلق بمعاملة الإنسان لأخيه الإنسان وهي طريق قويم لكل ما تطلبه الإنسانية الفاضلة لأبنائها الأبرار، وقد جاءت في أعقاب حديث طويل عن أدلة وحدانية الله تعالى وإبطال الشرك والشركاء لكي تبين للناس في كل زمان ومكان أن التحلي بمكارم الأخلاق إنما هو نتيجة لإخلاص العبادة لله الواحد الأحد، الفرد الصمد.

وسوسة الشيطان

ومعنى قوله تعالى: “وإما ينزغنك من الشيطان نزغ..” أي إن تعرض لك الشيطان بوسوسة تثير غضبك وتحملك على خلاف ما أمرت به من أخذ العفو والأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين، فالتجئ إلى الله واستعذ بحماه، فإنه سبحانه سميع لدعائك، عليم بكل أحوالك، وهو وحده الكفيل بصرف وسوسة الشياطين عنك، وصيانتك من همزاتهم ونزغاتهم.

ثم بيّن سبحانه حال المتقين فقال: “إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا”.. أي: إن الذين اتقوا ربهم وصانوا أنفسهم عن كل ما يغضبه إذا مسهم شيء من وسوسة الشيطان ونزغاته التي تلهيهم عن طاعة الله ومراقبته “تذكروا” أن المس إنما هو من عدوهم الشيطان فعادوا سريعا إلى طاعة الله، وإلى خوف مقامه.

وفي قوله “إذا مسهم طائف” إشعار بعلو منزلتهم، وقوة إيمانهم، وسلامة يقينهم لأنهم بمجرد أن تطوف بهم وساوس الشيطان أو بمجرد أن يمسهم شيء منها فإنهم يتذكرون عداوته فيرجعون سريعا إلى حمى ربهم يستجيرون به ويتوبون إليه.

وقوله: “فإذا هم مبصرون” أي فإذا هم مبصرون مواقع الخطأ وخطوات الشيطان فينتهون عنها. وفي هذه الآيات كما يؤكد المفسرون كل ما يهدي العقول ويطيب النفوس، إذ هي تبين لنا أن مس الشيطان قد يغلق بصيرة الإنسان عن كل خير، ولكن التقوى هي التي تفتح هذه البصيرة، وهي التي تجعل الإنسان دائما يقظاً متذكراً ما أمره الله به أو نهاه عنه، فينتصر بذلك على وساوس الشيطان وهمزاته وتبقى له بصيرته على أحسن ما تكون صفاء ونقاء وكشفاً.

أما الذين لم يتقوا الله، ولم يلجأوا إلى حماه، ولم يخالفوا الشيطان فقد عبر عنهم القرآن بقوله “وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون” أي وإخوان الشياطين من المشركين والغافلين والمنحرفين تزيدهم الشياطين من الضلال عن طريق الوسوسة والإغواء بارتكاب المعاصي والموبقات “ثم لا يقصرونأي: ثم لا يكف هؤلاء الشياطين عن إمداد أوليائهم من الإنس بألوان الشرور والآثام حتى يهلكوهم.
-------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-2014, 05:37 AM   #8213
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

جزاء المنفقين وثواب العافين
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: “وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين” (الآيات: 133 136).

بعد أن حذر الحق سبحانه وتعالى عباده المؤمنين في الآية السابقة على هذه الآيات من تعاطي الربا وأمرهم بتقوى الله وبطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، أمرهم هنا بالمسارعة إلى الأعمال الصالحة التي توصلهم إلى مغفرته ورضوانه.

وقوله “وسارعوا إلى مغفرة من ربكم” من السرعة بمعنى المبادرة إلى الشيء من دون تأخير أو تردد، والكلام على حذف مضاف: أي سارعوا وبادروا إلى ما يوصلكم إلى ما به تظفرون بمغفرة ربكم ورحمته ورضوانه وجنته بأن تقوموا بأداء ما كلفكم به من واجبات وتنتهوا عما نهاكم عنه من محظورات.

ولقد عظم سبحانه بذلك من شأن هذه المغفرة التي ينبغي طلبها بإسراع ومبادرة بأن جاء بها منكرة، وبأن وصفها بأنها كائنة منه سبحانه هو الذي خلق الخلق بقدرته، ورباهم برعايته.

وخص سبحانه وتعالى عرض الجنة بالذكر، ليكون أبلغ في الدلالة على عظمها واتساع طولها، لأنه إذا كان عرضها كهذا، فلنا أن نتصور طولها، لأن العرض في العادة أقل من الطول.


فضل الإنفاق

وقوله تعالى: “أعدت للمتقين” أي هيئت للمتقين الذين صانوا أنفسهم عن محارم الله وجعلوا بينهم وبينها وقاية وساترا، وخافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى.

ثم بيّن سبحانه صفات المتقين الذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون والذين أعد لهم سبحانه جنته فقال تعالى: “الذين ينفقون في السراء والضراء أي الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله في جميع أحوالهم، فهم يبذلونها ابتغاء وجه ربهم في حال يسرهم وفي حال عسرهم، وفي حال سرورهم وفي حال حزنهم، وفي حال صحتهم وفي حال مرضهم، لا يصرفهم صارف عن إنفاق أموالهم في وجوه الخير ما داموا قادرين على ذلك.

وقدم الإنفاق على غيره من صفاتهم لأنه وصف ايجابي يدل على صفاء نفوسهم، وقوة إخلاصهم، فإن المال شقيق الروح، فإذا أنفقوه في حالتي السراء والضراء كان ذلك دليلا على التزامهم العميق بتعاليم دينهم وطاعة ربهم.

أما الصفتان الثانية والثالثة من صفات هؤلاء المتقين فهما قوله تعالى: “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس”.
أي: سارعوا أيها المؤمنون إلى العمل الصالح الذي يوصلكم إلى جنة عظيمة أعدها الله تعالى لمن يبذلون أموالهم في السراء والضراء، ولمن يمسكون غيظهم ويمتنعون عن إمضائه مع القدرة عليه، ولمن يعفون عمن أساء إليهم، فالمراد بكظم الغيظ حبسه وإمساكه.

وقوله: “والله يحب المحسنينأي يحب الله كل محسن في قوله وعمله خاصة هؤلاء الذين من صفاتهم أنهم ينفقون أموالهم في كل حال من أحوالهم، ويكظمون غيظهم ويعفون عمن ظلمهم.

الاستغفار والتوبة

أما الصفة الرابعة من صفات هؤلاء المتقين فقد ذكرها سبحانه في قوله: “والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم..”، أي أنهم إذا فعلوا فاحشة متناهية في القبح، أو ظلموا أنفسهم، بارتكاب أي نوع من أنواع الذنوب “ذكروا الله” أي تذكروا حقه العظيم، وعذابه الشديد، وحسابه العسير للظالمين يوم القيامة “فاستغفروا لذنوبهم” أي طلبوا منه سبحانه المغفرة لذنوبهم التي ارتكبوها، وتابوا إليه توبة صادقة نصوحا.

ومن يغفر الذنوب إلا اللهأي: لا أحد يقبل توبة التائبين ويغفر ذنوب المذنبين ويمسح خطايا المخطئين إلا الله العلي الكبير “الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويتوب الله على من تاب” كما جاء في الحديث الشريف.
------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-2014, 05:53 AM   #8214
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

جزاء المؤمنين الصادقين
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: “وَالذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالِحَاتِ لاَ نُكَلفُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم منْ غِل تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبنَا بِالْحَق وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (الآيتان: 42 43).
بعد أن تحدث الحق سبحانه في الآيات السابقة على هاتين الآيتين عن المكذبين والمعاندين الذين تحيط بهم نار جهنم من فوقهم ومن تحتهم أعقب ذلك بما أعده سبحانه للمؤمنين من نعيم ويسر فقال: “وَالذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالِحَاتِ...”.
أي: والذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعملوا الأعمال الصالحة التي لا عسر فيها ولا مشقة، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، أولئك الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، هم أصحاب الجنة.

صفاء نفسي

ثم بيّن سبحانه ما هم عليه في الجنة من صفاء نفسي ونقاء قلبي فقال تعالى “وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم منْ غِل تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُأي: قلعنا ما في قلوبهم من تحاقد وعداوات في الدنيا، فهم يدخلون الجنة بقلوب سليمة زاخرة بالتواد والتعاطف حالة كونهم تجري من تحتهم الأنهار فيرونها وهم من غرفات قصورهم فيزداد سرورهم.
ومعنى قوله عز وجل: “وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُأي قالوا شاكرين لله أنعمه ومننه: الحمد لله الذي هدانا في الدنيا إلى الإيمان والعمل الصالح، وأعطانا في الآخرة هذا النعيم الجزيل، وما كنا لنهتدي إلى ما نحن فيه من نعيم لولا أن هدانا الله إليه بفضله وتوفيقه.
وقوله عز وجل: “قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبنَا بِالْحَقأي: ولقد جاءت رسل ربنا في الدنيا بالحق لأن ما أخبرونا به قد وجدنا مصداقه في الآخرة.
وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ أي ونودوا من قبل الخالق عز وجل بأن قيل لهم: تلكم هي الجنة التي كانت الرسل تعدكم بها في الدنيا قد أورثكم الله إياها بسبب ما قدمتموه من عمل صالح.

العمل الصالح

فالآية الكريمة كما يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي صريحة في أن الجنة قد ظفر بها المؤمنون بسبب أعمالهم الصالحة.. فإن قيل: إن هناك أحاديث صحيحة تصرح بأن دخول الجنة ليس بالعمل وإنما بفضل الله، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لن يدخل أحدا عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته”. فإن الجواب على ذلك كما يقول الدكتور طنطاوي: أنه لا تنافي في الحقيقة بين ما تخبرنا به الآية الكريمة وما يرشدنا إليه الحديث النبوي الصحيح، لأن المراد أن العمل لا يوجب دخول الجنة، بل الدخول بمحض فضل الله، والعمل سبب عادي ظاهري، وتوضيحه أن الأعمال مهما عظمت فهي ثمن ضئيل بالنسبة لعظمة دخول الجنة، فإن النعيم الأخروي سلعة غالية جدا فمثل هذه المقابلة كمثل من يبيع قصورا شاهقة وضياعا واسعة بدرهم واحد. فإقبال البائع على هذه المبادلة ليس للمساواة بين العمل ونعمة الجنة، بل لتفضله على المشتري ورحمته به،
فمن رحمته بعباده المؤمنين أن جعل بعض أعمالهم الفانية وأموالهم الزائلة ثمنا لنعيم لا يبلى، ولذلك قال ابن عباس عندما قرأ قوله تعالى: “إِن اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَن لَهُمُ الجَنةَ”: نعمت الصفقة، أنفس هو خالقها، وأموال هو رازقها ثم يمنحنا عليها الجنة.
إنه سبحانه هو المتفضل في الحقيقة بالثمن والمثمن جميعا.. فدخول الجنة بفضله سبحانه، وهو الموفق للعمل والمعين عليه.
ويقول بعض العلماء في الربط بين الآية الكريمة والحديث الصحيح: إن الفوز بالجنة إنما هو بفضل الله والعمل جميعاً، فيقول سبحانه: “وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” أي من فضل الله تعالى، وإنما لم يذكر ذلك لئلا يتكلوا، وقوله صلى الله عليه وسلم: “لن يدخل أحدا عمله الجنة..” أي مجردا من فضل الله، وإنما اقتصر على هذا لئلا يغتروا.
--------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-2014, 06:09 AM   #8215
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

جزاء الجاحدين لنعم الله
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة النحل: “وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون” النحل (الآيتان: 112-113).

للمفسرين اتجاهان في تفسير قوله تعالى: “وضرب الله مثلا قرية”.. فمنهم من يرى أن هذه القرية غير معينة، وإنما هي مثل لكل قوم قابلوا نعم الله بالجحود والكفران.. وإلى هذا المعنى اتجه صاحب تفسير(الكشاف) حيث قال: قوله تعالى “وضرب الله مثلا قرية” أي جعل القرية التي هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفروا وتولوا، فأنزل الله بهم نقمته.

ومن المفسرين من يرى أن المقصود بهذه القرية مكة، وعلى هذا الاتجاه سار الإمام ابن كثير حيث قال: هذا مثل أريد به أهل مكة، فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة، يتخطف الناس من حولها، ومن دخلها كان آمنا، فجحدت آلاء الله عليها، وأعظمها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.

أمهات النعم

يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر: يبدو لنا أن الاتجاه الأول هو اقرب إلى الصواب لتنكير لفظ قرية، ولشموله الاتجاه الثاني، لأنه يتناول كل قرية بدلت نعمة الله كفرا، ويدخل في ذلك كفار مكة دخولا أوليا
فيكون المعنى: وجعل الله قرية موصوفة بهذه الصفات مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم بهذه النعم، فلم يشكروا الله تعالى عليها، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

وقوله: “كانت آمنة مطمئنة” أي كانت تعيش في أمان لا يشوبه خوف، وفي سكون واطمئنان لا يخالطهما فزع أو انزعاج..

وقوله: “يأتيها رزقها رغدا من كل مكان” بيان لسعة عيشها.. أي يأتيها ما يحتاج إليه أهلها واسعا لينا سهلا من كل مكان من الأمكنة.

فالآية الكريمة قد تضمنت أمهات النعم: الأمان والاطمئنان ورغد العيش.

وقوله تعالى “فكفرت بأنعم الله” بيان لموقفها الجحودي من نعم الله تعالى.. أي: فكان موقف أهل هذه القرية أنهم جحدوا هذه النعم ولم يقابلوها بالشكر وإنما قابلوها بالإشراك بالله تعالى.

وقوله تعالى: “فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون” بيان للعقوبة الأليمة التي حلت بأهلها بسبب كفرهم وبطرهم.. أي فأذاق الله سبحانه أهلها لباس الجوع والخوف بسبب ما كانوا يصنعونه من الكفر والجحود والعتو عن أمر الله ورسله وذلك بأن اظهر أثرهما فيهم بصورة واضحة تجعل الناظر إليهم لا يخفى عليه ما هم فيه من فقر مدقع وفزع شديد.

ففي الجملة الكريمة تصوير بديع لما أصابهم من جوع وخوف، حتى لكان ما هم فيه من هزال وسوء حال يبدو كاللباس الذي يلبسه الإنسان ويجعلهم يذوقون هذا اللباس ذوقا يحسون أثره إحساسا عميقا.

عاقبة الجاحدين

ثم بين سبحانه وتعالى رذيلة أخرى من رذائل أهل هذه القرية الكافرة بأنعم الله فقال: “ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه”.

أي: ولقد جاء أهل هذه القرية رسول يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فأمرهم بطاعة الله وشكره، ولكنهم كذبوه وأعرضوا عنه.

والتعبير بقوله “جاءهم” يدل على أن هذا الرسول وصلى إليهم وبلغهم رسالة ربه دون أن يكلفهم الذهاب إليه، أو البحث عنه.. والتعبير بالفاء في قوله “فكذبوه” يشعر -كما يقول الدكتور طنطاوي بأنهم لم يتمهلوا ولم يتدبروا دعوة هذا الرسول، وإنما قابلوها بالتكذيب السريع من دون روية، مما يدل على غباوتهم وانطماس بصيرتهم.

وقوله تعالى “فأخذهم العذاب وهم ظالمون” بيان للعاقبة السيئة التي حاقت بهم.. أي فكانت نتيجة تكذيبهم السريع لنبيهم أن أخذهم العذاب العاجل الذي استأصل شأفتهم والحال أنهم هم الظالمون لأنفسهم، لأن هذا العذاب ما نزل بهم إلا بعد أن كفروا بأنعم الله وكذبوا رسوله.

ورغم عموم وشمول هاتين الآيتين الكريمتين لكل من يجحد نعم الله تعالى.. فإن الذي يتأملهما يراهما ينطبقان تمام الانطباق على كفار مكة
----------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-2014, 06:23 AM   #8216
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الباقيات الصالحات
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الكهف: “واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات
الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا. المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات
خير عند ربك ثوابا وخير أملا”.
والمعنى: واذكر لهم أيها الرسول الكريم ما يشبه هذه الحياة الدنيا في حسنها ونضارتها، ثم في سرعة زوال هذا الحسن
والنضارة لكي لا يركنوا إليها، ولا يجعلوها اكبر همهم، ومنتهى آمالهم.
وقوله عز وجل: “كماء أنزلناه من السماء” بيان للمثل الذي شبّه الله به الحياة الدنيا. أي مثلها في ازدهارها ثم في زوال
هذا الازدهار كهيئة أو كصفة ماء أنزلناه بقدرتنا من السماء، في الوقت الذي نريد إنزاله فيه.
فاختلط به نبات الأرض” أي امتزج بهذا الماء نبات الأرض فارتوى منه وصار قويا بهيجا يعجب الناظرين إليه. وفي
التعبير بقوله: “فاختلط به نبات الأرض” إشارة إلى كثرة الماء النازل من السماء، وإلى انه السبب الأساسي في ظهور هذا النبات.
وقوله: “فأصبح هشيما تذروه الرياح” بيان لما صار إليه هذا النبات من يبوسته وتفتته، بعد اخضراره وشدته وحسنه.
قال القرطبي: “هشيماأي متكسرا متفتتا بسبب انقطاع الماء عنه و”تذروه الرياح” أي تفرقه وتنسفه.

زينة الحياة الدنيا

فالآية الكريمة كما يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي في تفسيره لها قد شبهت حال الدنيا في حسنها وجمال رونقها، ثم في سرعة
زوالها وفنائها بعد ذلك، بحال النبات الذي نزل عليه الماء فاخضر واستوى على سوقه، ثم صار بعد ذلك يابسا متفتتا تذهب به
الرياح حيث شاءت. وهكذا الحياة تبدو للمتشبثين بها جميلة عزيزة ولكنها سرعان ما تفارقهم ويفارقونها حيث ينزل بهم الموت
فيجعل آمالهم تحت التراب.
ثم ختم سبحانه الآية بقوله “وكان الله على كل شيء مقتدرا” أي وكان الله تعالى ومازال على كل شيء من الأشياء التي من جملتها
الإنشاء والإفناء، كامل القدرة، لا يعجزه شيء.
ثم بين سبحانه القيمة الحقيقية للمال وللبنين فقال: “المال والبنون زينة الحياة الدنياوالمال: اسم لكل ما يتموله الإنسان ويمتلكه
من النقود والعقار والحرث والأنعام.
والزينة: ما في الشيء من محاسن ترغب الإنسان في حبه.
والمعنى: المال والبنون زينة يتزين بها الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ويتباهى بها على غيره وإنما كانا كذلك لأن في المال كما يقول
القرطبي جمالا ونفعا، وفي البنين قوة ودفعا.

الإيمان والعمل الصالح

وفي التعبير بقوله سبحانه “زينة” بيان بديع وتعبير دقيق لحقيقتهما فهما زينة وليسا قيمة، فلا يصح أن توزن بهما أقدار الناس وإنما
توزن أقدار الناس بالإيمان والعمل الصالح.
ولذا جاء التعقيب منه سبحانه بقوله: “والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا”.
أي المال والبنون زينة يتزين ويتفاخر بها كثير من الناس في الحياة الدنيا، وإذا كان الأمر كذلك في عرف كثير منهم، فإن الأقوال الطيبة
والأعمال الحسنة، هي الباقيات الصالحات التي تبقى ثمارها للإنسان، وتكون عند الله تعالى “خير” من الأموال والأولاد، ثوابا وجزاء
وأجرا “وخير أملا” حيث ينال بها صاحبها في الآخرة ما كان يؤمله ويرجوه في الدنيا من فوز بنعيم الجنة.
وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الآثار في تعيين المراد بالباقيات الصالحات فقال: قال ابن عباس وسعيد بن جبير واكثر من واحد من
السلف إن “الباقيات الصالحات” هي الصلوات الخمس. وقال عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير عن ابن عباس “والباقيات الصالحات
سبحان الله والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله اكبر.
ويقول الدكتور طنطاوي، يبدو لنا أن قوله تعالى: “والباقيات الصالحات” لفظ عام يشمل كل قول أو عمل يرضي الله عز وجل،
ويدخل في ذلك دخولا أوليا: الصلوات الخمس وغيرها مما ذكره المفسرون من أقوال.
وسمى سبحانه ما يرضيه من أقوال وأعمال الباقيات الصالحات لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية، بخلاف زينة الحياة الدنيا فإنها زائلة فانية.
------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-2014, 02:02 PM   #8217
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

لوط عليه السلام
نبذة:
أرسله الله ليهدي قومه ويدعوهم إلى عبادة الله، وكانوا قوما ظالمين يأتون الفواحش ويعتدون على الغرباء وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء فلما دعاهم لوط لترك المنكرات أرادوا أن يخرجوه هو وقومه فلم يؤمن به غير بعض من آل بيته، أما امرأته فلم تؤمن ولما يئس لوط دعا الله أن ينجيهم ويهلك المفسدين فجاءت له الملائكة وأخرجوا لوط ومن آمن به وأهلكوا الآخرين بحجارة مسومة.

سيرته:

حال قوم لوط:
دعى لوط قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن كسب السيئات والفواحش. واصطدمت دعوته بقلوب قاسية وأهواء مريضة ورفض متكبر. وحكموا على لوط وأهله بالطرد من القرية. فقد كان القوم الذين بعث إليهم لوط يرتكبون عددا كبيرا من الجرائم البشعة.
كانوا يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويتواصون بالإثم، ولا يتناهون عن منكر، وقد زادوا في سجل جرائمهم جريمة لم يسبقهم بها أحد من العالمين. كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء.

لقد اختلت المقاييس عند قوم لوط.. فصار الرجال أهدافا مرغوبة بدلا من النساء، وصار النقاء والطهر جريمة تستوجب الطرد.. كانوا مرضى يرفضون الشفاء ويقاومونه.. ولقد كانت تصرفات قوم لوط تحزن قلب لوط.. كانوا يرتكبون جريمتهم علانية في ناديهم..
وكانوا إذا دخل المدينة غريب أو مسافر أو ضيف لم ينقذه من أيديهم أحد.. وكانوا يقولون للوط: استضف أنت النساء ودع لنا الرجال.. واستطارت شهرتهم الوبيلة، وجاهدهم لوط جهادا عظيما، وأقام عليهم حجته، ومرت الأيام والشهور والسنوات، وهو ماض في دعوته بغير أن يؤمن له أحد.. لم يؤمن به غير أهل بيته.. حتى أهل بيته لم يؤمنوا به جميعا. كانت زوجته كافرة.

وزاد الأمر بأن قام الكفرة بالاستهزاء برسالة لوط عليه السلام، فكانوا يقولون: (ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). فيئس لوط منهم، ودعا الله أن ينصره ويهلك المفسدين.

ذهاب الملائكة لقوم لوط:

خرج الملائكة من عند إبراهيم قاصدين قرية لوط.. بلغوا أسوار سدوم.. وابنة لوط واقفة تملأ وعاءها من مياه النهر.. رفعت وجهها فشاهدتهم.. فسألها أحد الملائكة: يا جارية.. هل من منزل؟

قالت [وهي تذكر قومها]: مكانكم لا تدخلوا حتى أخبر أبي وآتيكم.. أسرعت نحو أبيها فأخبرته. فهرع لوط يجري نحو الغرباء. فلم يكد يراهم حتى (سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) سألهم: من أين جاءوا؟ .. وما هي وجهتهم؟.. فصمتوا عن إجابته. وسألوه أن يضيفهم.. استحى منهم وسار أمامهم قليلا ثم توقف والتفت إليهم يقول: لا أعلم على وجه الأرض أخبث من أهل هذا البلد.

قال كلمته ليصرفهم عن المبيت في القرية، غير أنهم غضوا النظر عن قوله ولم يعلقوا عليه، وعاد يسير معهم ويلوي عنق الحديث ويقسره قسرا ويمضي به إلى أهل القرية - حدثهم أنهم خبثاء.. أنهم يخزون ضيوفهم.. حدثهم أنهم يفسدون في الأرض. وكان الصراع يجري داخله محاولا التوفيق بين أمرين.. صرف ضيوفه عن المبيت في القرية دون إحراجهم، وبغير إخلال بكرم الضيافة.. عبثا حاول إفهامهم والتلميح لهم أن يستمروا في رحلتهم، دون نزول بهذه القرية.

سقط الليل على المدينة.. صحب لوط ضيوفه إلى بيته.. لم يرهم من أهل المدينة أحد.. لم تكد زوجته تشهد الضيوف حتى تسللت خارجة بغير أن تشعره. أسرعت إلى قومها وأخبرتهم الخبر.. وانتشر الخبر مثل النار في الهشيم. وجاء قوم لوط له مسرعين.. تساءل لوط بينه وبين نفسه: من الذي أخبرهم؟.. وقف القوم على باب البيت.. خرج إليهم لوط متعلقا بأمل أخير، وبدأ بوعظهم:

(هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ).. قال لهم: أمامكم النساء -زوجاتكم- هن أطهر.. فهن يلبين الفطرة السوية.. كما أن الخالق -جلّ في علاه- قد هيّئهن لهذا الأمر.

(فَاتَّقُواْ اللّهَ).. يلمس نفوسهم من جانب التقوى بعد أن لمسها من جانب الفطرة.. اتقوا الله وتذكروا أن الله يسمع ويرى.. ويغضب ويعاقب وأجدر بالعقلاء اتقاء غضبه.

(وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي).. هي محاولة يائسة لِلَمْس نخوتهم وتقاليدهم. و ينبغي عليهم إكرام الضيف لا فضحه.

(أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ).. أليس فيكم رجل عاقل؟.. إن ما تريدونه -لو تحقق- هو عين الجنون.

إلا أن كلمات لوط عليه السلام لم تلمس الفطرة المنحرفة المريضة، ولا القلب الجامد الميت، ولا العقل المريض الأحمق.. ظلت الفورة الشاذة على اندفاعها.

أحس لوط بضعفه وهو غريب بين القوم.. نازح إليهم من بعيد بغير عشيرة تحميه، ولا أولاد ذكور يدافعون عنه.. دخل لوط غاضبا وأغلق باب بيته.. كان الغرباء الذين استضافهم يجلسون هادئين صامتين.. فدهش لوط من هدوئهم.. وازدادت ضربات القوم على الباب.. وصرخ لوط في لحظة يأس خانق: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) تمنى أن تكون له قوة تصدهم عن ضيفه.. وتمنى لو كان له ركن شديد يحتمي فيه ويأوي إليه.. غاب عن لوط في شدته وكربته أنه يأوي إلى ركن شديد.. ركن الله الذي لا يتخلى عن أنبيائه وأوليائه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ هذه الآية: "رحمة الله على لوط.. كان يأوي إلى ركن شديد".

هلاك قوم لوط:

عندما بلغ الضيق ذروته.. وقال النبي كلمته.. تحرك ضيوفه ونهضوا فجأة.. أفهموه أنه يأوي إلى ركن شديد.. فقالوا له لا تجزع يا لوط ولا تخف.. نحن ملائكة.. ولن يصل إليك هؤلاء القوم.. ثم نهض جبريل، عليه السلام، وأشار بيده إشارة سريعة، ففقد القوم أبصارهم.

التفتت الملائكة إلى لوط وأصدروا إليه أمرهم أن يصحب أهله أثناء الليل ويخرج.. سيسمعون أصواتا مروعة تزلزل الجبال.. لا يلتفت منهم أحد.. كي لا يصيبه ما يصيب القوم.. أي عذاب هذا؟.. هو عذاب من نوع غريب، يكفي لوقوعه بالمرء مجرد النظر إليه..
أفهموه أن امرأته كانت من الغابرين.. امرأته كافرة مثلهم وستلتفت خلفها فيصيبها ما أصابهم.

سأل لوط الملائكة: أينزل الله العذاب بهم الآن.. أنبئوه أن موعدهم مع العذاب هو الصبح.. (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ

خرج لوط مع بناته وزوجته.. ساروا في الليل وغذوا السير.. واقترب الصبح.. كان لوط قد ابتعد مع أهله.. ثم جاء أمر الله تعالى..
قال العلماء: اقتلع جبريل، عليه السلام، بطرف جناحه مدنهم السبع من قرارها البعيد.. رفعها جميعا إلى عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، قلب المدن السبع وهوى بها في الأرض.. أثناء السقوط كانت السماء تمطرهم بحجارة من الجحيم.. حجارة صلبة قوية يتبع بعضها بعضا، ومعلمة بأسمائهم، ومقدرة عليهم.. استمر الجحيم يمطرهم.. وانتهى قوم لوط تماما.. لم يعد هناك أحد.. نكست المدن على رؤوسها، وغارت في الأرض، حتى انفجر الماء من الأرض.. هلك قوم لوط ومحيت مدنهم.

كان لوط يسمع أصوات مروعة.. وكان يحاذر أن يلتفت خلفه.. نظرت زوجته نحو مصدر الصوت فانتهت.. تهرأ جسدها وتفتت مثل عمود ساقط من الملح.

قال العلماء: إن مكان المدن السبع.. بحيرة غريبة.. ماؤها أجاج.. وكثافة الماء أعظم من كثافة مياه البحر الملحة.. وفي هذه البحيرة صخور معدنية ذائبة.. توحي بأن هذه الحجارة التي ضرب بها قوم لوط كانت شهبا مشعلة. يقال إن البحيرة الحالية التي نعرفها باسم "البحر الميت" في فلسطين.. هي مدن قوم لوط السابقة.

انطوت صفحة قوم لوط.. انمحت مدنهم وأسمائهم من الأرض.. سقطوا من ذاكرة الحياة والأحياء.. وطويت صفحة من صفحات الفساد.. وتوجه لوط إلى إبراهيم.. زار إبراهيم وقص عليه نبأ قومه..
وأدهشه أن إبراهيم كان يعلم.. ومضى لوط في دعوته إلى الله.. مثلما مضى الحليم الأواه المنيب إبراهيم في دعوته إلى الله.. مضى الاثنان ينشران الإسلام في الأرض.
-------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-2014, 02:17 PM   #8218
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

يوسف عليه السلام
ليوسف عليه السلام دعاء، كما كان لأبيه يعقوب عليه السلام دعاء، فقد دعا يوسف ربه أن يصرف عنه كيد امرأة العزيز وصاحباتها، وأن يدفع عنه إغراءهن، وقد فضّل عليه السلام السجن على أن ينزلق في الفاحشة. قال تعالى: “قال رب إن السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين. فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم” (يوسف، الآيتان: 33-34).

ودعاؤه الآخر، استغفاره لإخوته على الرغم مما فعلوه به. قال تعالى: “قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين” (يوسف، الآية: 92)، وذلك بعد أن تبوأ مكانة مرموقة وعرفهم واعترفوا بفضله عليهم رغم إساءتهم إليه.

ودعاؤه الثالث بعد أن أصبح عزيز مصر واجتمع شمله بأهله وإخوته، فدعا ربه بحسن الختام وأن يتوفاه على الإسلام وأن يلحقه بالصالحين، وأثنى على ربه بما أنعم عليه وذكر فضله قبل أن يدعوه، وفي هذا تعريف لنا بما ينبغي أن نكون عليه من آداب في الدعاء إذا دعونا الله، حيث يجب ألا ننسى أفضال المنعم علينا وأن نحمده ونشكر فضله. قال تعالى على لسان يوسف: “رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليِّ في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين” (يوسف، الآية: 101).

ولشعيب عليه السلام الذي أرسل لقومه أهل مدين دعاء توجه به إلى الله لينصره على قومه الذين كذبوه وتوعدوه أيضاً بإخراجه من قريته، وقد ذكر دعاؤه في قوله تعالى: “وسع ربنا كل شيء علماً على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين” (الأعراف، الآية: 89). وجاءت الإشارة أيضاً الى دعائه في (سورة هود - الآية 88). قال تعالى: “وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب”.
--------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-2014, 05:32 PM   #8219
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

نصيحــــــــــــــــــــة جامعة للأبناء
نصيحة
نصح أحد الصالحين ابنه قبل وفاته نصيحة جامعة فقال :
يا بنى : لا عقل لمن لا وفاء له ، ولا مروءة لمن لاصدق له ، ولا علم لمن لارغبة له ،
ولا كرم لمن لا حياء له ، ولا توبة لمن لا توفيق له ،
ولا كنز أنفع من العلم ، ولا مال
أربح من الحلم ، ولا حسب أرفع من الأدب ،
ولا رفيق أزكي من العقل ، ولا دليل اوضح
من الموت ، ولا كرم انفع من ترك المعاصي ،
ولا حمل اثقل من الدين ، ولا عبادة افضل
من الصمت ، ولا شر اشر من الكذب ، وعارلا أقبح
من البخل ، ولا فقر اضر من الجهل ،
ولا غني أغني من القناعة ، ولا ذل اذل من الطمع ،
يا بني :
من صارع الحق صرع ، ومن تعرض لهتك مسلم هتك الله عورته ، ومن أعجب برأيه ضل ، ومن تكبر علي الناس ذل ، ومن شاور لم يندم ، ومن جالس العلماء وقر ، ومن جالس السفهاء حقر ، يا بني :
اذا جاورك قوم فغض نظرك عن محارمهم ، ومن أساء اليك فأحسن اليه ،
يا بني :
يا بني ازرع الجميل تحصد الجميل الجزيل ، واصحب الأشراف وتجنب الأطراف ، لأن الأشراف اذا صخبتهم رفعوك وان ظلمت نصروك وان تكلمت سمعوك ، اما الأطراف فإن صحبتهم وضعوك ، وان أمنتهم
خدعوك ، وان اطلعوا علي سرك فضحوك ، وان استغنوا عنك تركوك ، يا بني عليك بالندامة علي الذنب ،
واذكر الله بالابكار والعشي وصلي علي النبي المختار
والسلام عليكم
--------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-2014, 05:39 PM   #8220
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الأرزاق والأعمار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لن أطيل عليكم اخواني وأخواتي
ولكن أوضح شيء بسيط وهو :
أن الله كتب لكل مخلوق رزقه كاملا لا يأخذه أحد غيره مهما كان ولا يموت حتي يوفي رزقه كاملا ولذالك قال تعالي ( فأمشوا في مناكبها ..) ولم يقول فأسرعوا أو أجروا لأن الرزق مضمون فكن مطمئن وتأكد أن رزقك آتيك آتيك
أما الأعمال الصالحة والعبادات والعمر الذى لا يضمنه لك أي بشر مهما كان فقال الله تعالي ( وسارعوا الي مغفرة ... ) وكثير من الأيات التي فيه العمل يستخدم فيها الفاظ السرعة لماذا ؟
لأن العمر غير معلوم والموت ربما يأتي فجأة فطلب منا الله السرعة في التقرب اليه ووالاسراع بتقديم اي عمل صالح او توبة قبل فوات الآوان ودون تأخير
وشكرا
--------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ الوآصل المنتدى الرياضي 6 10-12-2009 01:49 AM
اســـــــرار القلــــب..! الســرف المنتدى العام 22 29-09-2008 01:03 AM
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء امـــير زهران منتدى الحوار 4 02-09-2008 03:05 PM
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة رياح نجد المنتدى العام 19 15-08-2008 01:10 PM
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! البرنسيسة المنتدى العام 13 17-08-2007 11:04 PM


الساعة الآن 01:54 AM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved