منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > منتدى الكتاب

كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


منتدى الكتاب

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
قديم 18-04-2014, 06:37 PM   #6381
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-2014, 07:30 PM   #6382
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

جنـــــــــاح الـــــــذل
الحمد لله وبعد،،
كثيرة هي العبارات التي تمر بالمرء في حياته قراءةً أو سماعاً، بعضها يفقده الذهن ويتشرد من الذاكرة فور مروره عليها ..
بعض الكلمات كأنها زائر دخل بالخطأ واعتذر أنه يريد السلام ويمضي فقط..
وبعض الكلمات تحفر حروفها في الذهن .. بل لربما مضى الزمن وقد ترعرعت حولها ذرية من العبارات المتولدة عنها..
هل للعبارات تاريخ صلاحية؟ أم أن أذهاننا كولونيالية، تؤوي وتقمع تطرد، دون قوانين واضحة؟
وثمة كلمة في كتاب الله مرت بي ولأول وهلة سمعتها وهي تحمل سؤالاً في نفسها ..
وهي استعارة قرآنية خلبت اهتمامي .. ومكثت أفكر فيها زمناً:
ما مراد الله سبحانه بهذا التركيب؟
وماذا أراد الله أن يوحي من المعاني من جزء العبارة الأول لجزء العبارة الثاني؟
هذه الاستعارة القرآنية هي التي اخترت أن تكون عنوان هذه الرسالة التي أكتبها إليك .. وهي قول الله (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ)[الإسراء:24].
نحن نعرف أن (الجناح) جزء حسي في الطيور ركّبه الله فيها تخفق به وتتنقل.. ونرفع رؤوسنا في ميادين السماء فنرى هذه الطيور تميل بأجنحتها.. فتنشرها وتصفق بها.. بل هذه الصورة ذاتها ذكرها القرآن في موضع آخر (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ)[الملك:19]
فوصف الله في هذه الآية أجنحة الطير وهي فوقنا في السماء إذ تبسط أجنحتها تارة فتصفّها.. وإذا تضرب بأجنحتها جنوبها تارةً أخرى فتقبضها..
ويدلك على عظمة هذا المشهد من مشاهد حركة أجنحة الطير أن الله ذكره أيضاً في موضع آخر من القرآن فقال الله (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ)[النور:41]
وأشار الله لهذا المشهد بصورة مجملة في موضع آخر فقال سبحانه (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ)[النحل:79].
حسناً .. هذا مشهد من مشاهد جناح الطير في كتاب الله.. وهو لا يخفى على القارئ.. لكن السؤال الذي كان يقرع ذهني بصورة مستمرة
هو السؤال التالي:
لماذا أضاف الله هذا (الجناح) الحسي المعروف، إلى (الذل) الذي هو سلوك أخلاقي وجزء منه شعور معنوي؟
ما مغزى هذه الاستعارة؟ وماذا يريد الله سبحانه بهذا التركيب اللغوي؟
ولنجعل التساؤل أكثر تحديداً: ما هي الدلالة المتطلب إيحاؤها من لفظ الجناح بما يخدم مفهوم الذل؟
هذا السؤال تأملته كثيراً .. ومازالت تتكشّف لي فيه دلالات فسيحة الأرجاء ..
ثم لما تتبعت تأملات البلاغيين والمفسرين في هذه الاستعارة القرآنية استحوذت علي الدهشة من تفاوتهم في استكشاف العلاقة بين الجناح والذل.. ورأيتهم داروا حول أربع علاقات..
ومن أول من رأيته من أهل العلم طرح تحليلاً لمكونات هذه الاستعارة وتفسير العلاقة بين الجناح والذل هو العلامة القفال الشاشي الكبير (ت365هـ)،
والقفال الشاشي رحمه الله طرح وجهين للعلاقة بين الجناح والذل:
فأما الوجه الأول فهو أنه لما كان الطائر ينشر جناحه ويرفعه إذا أراد التحليق والصعود، ويخفض جناحه إذا أراد الهبوط والنزول، فناسب أن يصوّر التذلل للوالدين بأنه كأنه خفض جناح من الطأطأة والخضوع.
وأما الوجه الثاني فجوهره أن الطائر يحنو على فراخه فيلفّهم بجناحه ويسبله عليهم تعطّفاً وشفقة، فناسب أن يصوّر التذلل للوالدين والرحمة بهم كأنه خفض جناح الطائر على فراخه.
كما يقول القفال:
(في تقريره وجهان: الأول: أن الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحه، ولهذا السبب صار خفض الجناح كناية عن حسن التربية، فكأنه قال للولد اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك حال صغرك.
والثاني: أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه، وإذا أراد ترك الطيران وترك الارتفاع خفض جناحه؛ فصار خفض الجناح كناية عن فعل التواضع من هذا الوجه)[تفسير الرازي (20/192)، تفسير أبي حيان (6/25)، تفسير ابن عادل (12/259)].
هذان هما الوجهان اللذان طرحهما القفّال الشاشي رحمه الله في تفسيره، إلا أن تفسيره هذا مفقود، ولم يقع بأيدينا، ردّه الله على أمة محمد، ونحن ننقل عنه هذه المعلومة السابقة بالواسطة، من خلال ما يقتبسه المفسرون عنه.
وكثيراً ما يمر بالقارئ في كتب التفسير قولهم "قال القفال"، وهذا الذي يرد في كتب التفسير هو القفال الشاشي الكبير، وأما إذا قيل "قال القفال" في كتب الفقه الشافعي الوسيط كالنهاية والوسيط والمهذب ونحوها فالمقصود به القفال المروزي الصغير (ت417هـ)، وهو نجم الطريقة الخراسانية في الفقه الشافعي، وكلاهما شافعيان، وكلاهما يكنى أبو بكر، ومن هنا ينشأ الخلط بينهما، ونبّه على هذا الفرق بين القفّالَيْن أبو زكريا النووي رحمه الله [تهذيب الأسماء للنووي(442)].
وقد رأيت أطروحات أكاديمية في جمع تفسير القفال الشاشي الكبير من خلال النقولات المتناثرة عنه في كتب التفسير.
وفي القرن السابع رأيت الأديب ضياء الدين ابن الأثير (ت637هـ) يطرح تحليلاً ثالثاً للعلاقة بين الجناح والذل، ففي كتابه "المثل السائر"
اعتبر أن الطائر إذا أدركه الإعياء والوهن خفض جناحه، فصوّر التذلل للوالدين بهذه الصورة، كما يقول ابن الأثير:
(فإن الجناح للذل مناسب، وذاك أن الطائر إذا وهن أو تعب بسط جناحه، وخفضه وألقى نفسه على الأرض)[المثل السائر:2/153].
وبصراحة فإن هذا الكتاب لابن الأثير ثري بتحليلات تطبيقية بلغة في غاية العذوبة لكيفية صناعة الجمال البياني.
وأما العالم المتفنن الشهاب الخفاجي (ت1069هـ) فقد أشار إلى وجه رابع، وهو أنه لما كان الطائر يحلق ويطير شامخاً، فإذا فاجأه الجارح والبازي شلّه الذعر وأعياه الطيران ولصق بالأرض وخفض جناحيه كالمطرق الذليل،
فناسب أن يصوّر التذلل للوالدين كأنه خفض جناح الطائر المستسلم المطرق، كما يقول الشهاب:
(وأيضاً: هو إذا رأى جارحاً يخافه لصق بالأرض، وألصق جناحيه، وهي غاية خوفه وتذلله)[حاشية الشهاب:6/24]
هذه أربع استكشافات لمغزى الاستعارة القرآنية (جناح الذل).. ذكر اثنتين منها القفال الشاشي وذكر الأخريين الضياء ابن الأثير والشهاب الخفاجي ..وثلاثتهم في علوم العربية بمنزلة الغُرر والحجول.
وحينما اطلعت أول مرة على هذه التحليلات الأربع لوجه الصلة بين الجناح والذل في هذه الاستعارة القرآنية مكثت زمناً تداهمني المقارنة بينها كلما ارتطمت بموقف تسح فيه الكهولة عبراتها على موقف عقوق..
حينما أرى شاباً عليه سيماء الاستقامة لكنه يجادل والده بمنطق الند ويستظهر عليه الحجة تحاصرني مجدداً هذه الوجوه الأربعة في هذه الاستعارة القرآنية ..
حتى ربما خرجت من عالم الموقف المحيط بي وسرحت في عالم التأملات..
وأبقى أردد في ذهني:
هل هذا خفض جناح الذل كما يخفض الطير جناحه للهبوط؟
هل هذا خفض جناح الذل كما يسبل الطير جناحه لفراخه حنواً عليهم؟
أهذا خفض الجناح كما يخفض الطير جناحه من الوهن؟
هل هذا الإطراق الذي يريده الله أمام الوالدين كما يطرق الطير استسلاماً أمام البازي؟
وهكذا أعيد قراءة المشهد على ضوء كل التحليلات البلاغية التي طالعتها لآية (واخفض لهما جناح الذل)..
هل كنت أتفطّر من الفارق بين البر الشاهق في الآية وبين منحدرات العقوق في حياتنا الاجتماعية؟
أم تراني كنت أقارن بين هذه التحليلات أبحث عن الراجح منها على ضوء الواقع؟
أم تراني كنت أبحث عن أكبر قدر من التحليلات البيانية تجوب أقصى ما يمكن من الجغرافيا الدلالية لهذه الاستعارة التي خلبت اهتمامي؟
-------------
للفايدة

التعديل الأخير تم بواسطة الفقير الي ربه ; 18-04-2014 الساعة 07:40 PM.
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-2014, 08:00 PM   #6383
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

كلمات أهديها لكم...
* الوطن كيان واسع يحتضن الجميع؛ العاق قبل البار.. اللهم لا تحرمنا الأمن والأمان وأدم علينا نعمتك. لمن أراد استشراف مستقبل المملكة العربية السعودية عليه الجلوس لشبابنا.. عندها سيدرك أنه أمام شباب واعد بحول الله
* قد أختلف معك وقد أتفق، ولكن المعضلة التي علينا التعامل معها هو تأسيس أرضية ثابتة من الاحترام.. ولكل الأطراف، شرط ألا نحيد عن الثوابت الدينية والوطنية.
* الاختلاف طبيعة بشرية لا يمكن لنا إنكار وجودها، ولكن التعامل معها برقي هو لب القضية التي كثيرا ما ننسى التوقف عندها.. فلنختلف دون المساس بالثوابت..
* قيمتك تنبع من احترامك لأمك.. لأبيك.. لأسرتك.. لوطنك.. تعاملك معهم باحترام، وإظهارك هذا الاحترام للملأ هو المحك الذي يحدد مستواك الثقافي والاجتماعي.
* الفشل لم يكن نهاية الحياة.. ولن يكون لمن أدرك أنه قادر بحول الله أن يصنع الفرق.
* الصديق الذي يقترب من روحك ويلامسها ويحرص عليك كحرصه على نفسه عملة نادرة، فإذا صادفتها احرص عليها، ولا تفرط فيها فالصديق الصدوق هو بحق نعمة من المولى سبحانه تستوجب الشكر والحمد.
* أدرك أنك قادر على تحويل عملك مهما كان بسيطا إلى عمل ديناميكي.. كن مبادرا ولا تجزع، ولا تتعثر، وابحث على الطريق الذي تستطيع تمهيده لتصل إلى التألق بسلام.
* إذا قدر لك أن تكون شريكا أو قريبا من شخص لا يتحرك بإيجابية حاول الإمساك بيده إلى بر الأمان، وإذا عجزت عن تحريكه للاتجاه الصحيح فلا تجعل منه عائقا أمام أهدافك.
* لا تتوقف أمام أشخاص امتهنوا التقليل من قدر الآخرين فهؤلاء يأكلون أنفسهم قبل القضاء على غيرهم
* التخطيط للمستقبل بدقة ووعي هو أنسب طريق لتحقيق المأمول بإذن الله.
* الارتجال في ردة الفعل مفيد، ولكنه لن يكون دوما الضامن لتحقيق المأمول.
* حياتنا عبارة عن رحلة سفر شاقة نوعا ما، ولكننا نجد فيها كثيرا من البهجة والسرور.. فلا تتوقف عند الأطلال تبكي نفسك.. حاول اجتياز العقبات، وتذكر أن الخالق سبحانه قادر على صنع المعجزات، فاطرق بابه سبحانه بيقين.
* ارفق بمن هم دونك فهم قادرون - بحول الله - على بقائك مبتهجا
* احترم عملك واحترم العاملين معك وستجد أمامك تغذية راجعة تفوق المأمول.
* الوطن كيان واسع يحتضن الجميع العاق قبل البار.. اللهم لا تحرمنا الأمن والأمان وأدم علينا نعمتك.
* لمن أراد استشراف مستقبل المملكة العربية السعودية عليه الجلوس لشبابنا.. عندها سيدرك أنه أمام شباب واعد بحول الله.
* الحسد وباء يأكل صاحبه قبل غيره، حصن نفسك ولا تبالي.
* الحزن عارض طبيعي ملاصق للإنسان على اختلاف مراحله، لا تستسلم له، وتعامل معه على أنه عارض موقت سرعان ما يغادر ليعود بثوب جديد.
* السلبية معدية والإيجابية كذلك.. فلا تدمن مجالسة من امتهن نشر سلبيته في من حوله.
* ليس عيبا أن تشعر أنك خلقت لتكون داخل الدائرة لا خارجها ولا لتحوم حولها.. لكن حاول بأفعالك إثبات أنك تستحق ذلك
* حول بيئة عملك إلى بيئة صحية تنتج الخير أينما وجهت.
* أنت قادر بحول الله أن تصنع الفرق.. تقدم بخطوات مدروسة ولا تجزع إذا ما تعثرت قدميك هنا أو هناك.
* الأسرة كيان قائم على العاطفة وعلى العقل معا، من الصعب أن تسير بسلام دون طرفيه، العاطفة ممثلة بالزوجة والأم، والعقل ممثل بالزوج والأب.
* لن تُجرح رجولتك لو ساعدت زوجتك في أعمال المنزل،
كما لن تُجرح أنوثتها لو ساعدتك في تكاليف الحياة.. ولنا في رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام وأم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - أكبر مثل.
* إن الله سبحانه يأبى أن ننشغل بحب غيره.. فكثر من ذكره وتسبيحه وستجد أثر ذلك في حياتك وحياة من تعول بإذن الله
* لكل فعل ردة فعل، واحترامك لغيرك يولد عادة احترامهم لك.
* احتسب أجر أفعالك كلها عند الله سبحانه - حتى حراك جسدك اليومي - تجد الخير أمامك وحولك ومعك بإذن الله
* لا أعرف لماذا يتحرج بعضنا من عمره؟! إلا إذا كان عمره خاليا من أي إنجاز.
* المطالبة بالحق ليست عيبا، العيب هو تجاهل الأنظمة والقوانين والعمل على إخفاء معالمها وتعطيلها.
* الوقوف أمام من خالف النظام ليس عيبا، العيب هو السكوت عنه والأمر بذلك.
* ارفق بالعامل البسيط يرفق بك رب العباد.. أحسن إليه تجد البركة في حياتك بحول الله تعالى
* الابتسامة حركة لن تكلفك كثيرا، ولكنها تترك خلفها كثيرا من البهجة والفرح.
* اعرف أن سقوطك اليوم لن يكون نهاية العالم، فهناك كثير من الفرص قف وارفع رأسك.. حاول واستمر في المحاولة، والله المستعان.
* آمن بنفسك وبقدراتك وتحرك من خلالهما، ولا تنتظر تصفيق الآخرين الذي ستسمعه عاجلا أم آجلا بحول الله.
* لا تتباكى على نفسك امسح دموعك.. أكمل مشوارك، أو ابحث عن مجال تحقق فيه ذاتك.
* المرأة تبحث عن احترام الزوج ثم حبه، لا على حبه ثم احترامه.
* الرجل قد يلتفت في البداية لمظهر المرأة ولكنه سرعان ما يتجاوز هذه المرحلة ليقف عند جوهره.
------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-2014, 10:26 PM   #6384
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

أَصَـــلاتُـــكَ تَــأمُــرك ؟!
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحياةَ التي تُبنى في ظِلِ العقيدة ، تحت كنفِ الله ورحمته ،
وإتباع نهجه ، والسيرِ على سَنن النبي - صلى الله عليه وسلم -
لحياةٌ تحفّها الراحة ، تغشاها السكينة ، يتلبسها الوقار !
وما في العبادات كُلها عبادةٌ تُزلف العبد إلى الله ، فيتفيء
بها نعيم قربه ، وخُشوع القلب له ، وإستشعارهُ بأنه عبدًا له
كما الحالُ في الصلاة !
وإن العبدَ ليُصيبه الغمُّ والحَزن ، والكَربُ والشَجن ،
فما يرفع أسجافه، ولا يُبدد ألامه !
إلا الصلاة !
وإنكَ لو أفنيتَ العمر كُله تتنقل بين أفياء الأرض ، تسيرُ من
المشرقِ إلى المغرب إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومن عليها !
والله ما وجدتَ الراحة ، ولا السكينة ، ولا الطمأنينة ،
ولا الروحانية التي تجدها في الصلاة !
" أرحنا بها يا بلال " !
أتخالُها أتت من فراغ ؟
أتخالُها جاءت من فيّ أحدٍ لا يعرفُ عظمتها ومكانتها عند الله ؟
أتخالُها تمرُّ مرور العابرينَ على الآذان ؟!
لا وربي الذي نفسي بيده !
وإنها لمربع أُنسٍ ، وميدانٌ يُستدرُ به الدمع ،
تخضغ فيه القلوب وتخشع !
وحسبُنا منها أنها الصلة بيننا وبين الله .
وإن كنا قد فقدنا تلك اللذة فمن ذنبٍ أصبناه !
وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنبِ يُصيبه .. وإن العبد
إذا آثر شهوته على الله حرمه الله لذة مناجاته !
والله المستعان !
مما يُشجي الفؤاد ، ويورث الآلام ، ويُبدد الحسرات ..
ما نفعله نحنُ اليوم مع الصلوات !
فتجد أحدُنا يمكثُ بالساعات أمامَ الشاشات ،
يُقلّبُ في الصور والآفات ، وتمضي الدقائقُ والأوقات ..
حتى يردُ مسمعه ..
الله أكبر .. الله أكبر !
فلا يُلقِ له بالًا مثقال ذرة ، ويشعر بالثقل والنفرة ..
فتقومُ الصلاة ويذهبُ وقتها وهو منغمسٌ في أشلاء
التقنية الحديثة .. ولا يقومُ لها إلا كسولًا .. حتى
إذا ما بدأها تراهُ ينقرها نقرَ الغراب !
وآخرٌ .. يمشي في السوقِ - الذي هو أبغض
الأماكن إلى الله - يقطع الأميالَ والمسافات ،
وهو والله عليه هيّن !
حتى إذا رُفع الأذان ونُوديَ للصلاة ، أتاه الكسل
من حيثُ لا يحتسب !
وآخرٌ .. يسيرُ مع صَحبهِ في رحلةٍ بحرية ، في وسطِ
جُندٍ من جنودِ الله !
وتأذنُ الشمسُ بالمغيب ، ولا يتوانونَ بالعودة ،
ولا يُكلّفون أنفسهم عناء هذا !
وآخرٌ .. يمتطي رِكاب مُذاكرته ، فيغوصُ في
بحارها وآفاقها ..
ويمضي الوقتُ وما أعطى الصلاة حقها ،
ظنًا منه أنها تأخذُ جزءًا من وقته !
والضروبُ كثيرة ، والقلبُ يفتُّ من حسرته ،
وفرطَ تقصيره !
أولم يعلم هؤلاء أن الصلاة في وقتها من أحبِّ
الأعمال إلى الله ؟
أولم يعيي هؤلاء أن الله لو أرادَ أن يُميتهم
على حالهم هذا لفعل - لكنه حليمٌ غفّار - ؟!
أولم يتفكّر هؤلاء أن الصلاة أول ما يُحاسب عليها
العبد في قبره ؟!
إلى متى ونحنُ نُشغلُ بالدُنى ، ونطفِقُ نواري بالآخرة !
إلى متى ونحنُ نتناسى رِكاب الموت ، وما بعده !
وبمثلِ هذا يعلمُ المرء البونَ الشاسع بين السلفِ والخلف !
وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
خير مثالٍ يُحتذى به ..
رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، امتطوا رِكاب
الدين ولم ينسوا نصيبهم من الدنيا !
جَاوزوا الجوزاء ، واعتلوا العَلياء ، وخاضوا مفارقَ
الفراقد ..
وتاللهِ .. وباللهِ .. وواللهِ .. ما فازوا بشيءٍ أعظم
من هذا ، وما امتازوا علينا إلا بصدقهم مع الله ..
وتلك والله تجارةٌ لن تبور !
فهذا الصديقُ - رضي الله عنه وأرضاه - كان يُصلي
فيبكي من شِدة خشوعه ، ولا يسمع الناس قراءته !
فكانت النتيجة : " مُروا أبا بكرٍ فليُصلِّ بالناس "
وصيةُ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته !
وهذا الفاروق - رضي الله عنه وأرضاه - يُطعن من
أبي اللؤلؤة المجوسي ، فينزفُ دمًا حتى يُغشى عليه !
ويهزُّه الصحابة ويوقظوه فما يفيقُ إلا على :
الصلاة يا أمير المؤمنين !
فيفيقُ من غشيته ويُمسك بابنِ العباس ليقول :
هل صلى الناس ؟!
فيطمئن عليهم ثم يُصلي هو وجرحه ينزف دمًا !
وهذا ابنُ الزبير - رضي الله عنه وأرضاه -
إذا ركعَ نزلت العصافير على ظهره ، تحسبه
جذعًا أو حائطًا أو خشبة منصوبة ليسَ
إلا من فرط خشوعه !
وهذا علي بن الحسين - رضي الله عنهما وأرضاهما -
إذا فرغ من وضوئه للصلاة، وصار بين
وضوئه وصلاته، أخذته رعدةٌ ونفضةٌ !
فعندما سُئل عنها كان الجواب : "ويحكم، أتدرون إلى
من أقوم ومن أريد أن أناجي؟".
وهذا مسلم بن يسار - رضي الله عنه وأرضاه -
لا يلتفت في صلاته، ولقد انهدمت ناحية من
المسجد ففزع لها أهل السوق فما التفت.
وكان إذا دخل منزله سكت أهل بيته، فإذا
قام يصلي تكلموا، أو ضحكوا، علمًا منهم بأن
قلبه مشغول عنهم، وكان يقول: "إلهي، متى
ألقاك وأنت راضٍ" !
وهذا ابن العباس - رضي الله عنه وأرضاه -
سافر تاركًا زوجه وابنته التي تساوي عنده
الدنيا بمن فيها ، فلما رجع أول ما دخل المدينة ،
سمع رجلٌ يقول : يا ابن عباس عظم الله
أجرك في ابنتك !
وعلى شدةِ الصدمة والفاجعة ، تولّى عنهم
وفرَّ إلى الصلاة !
فلما انتهى سأله الناس عن سبب فعله ،
فأجاب : قال الله : ( واستعينوا بالصبر
والصلاة وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين ) !
وهذا عروة بن الزبير وقعت الأكلة في قدمهِ
فاحتيج إلى قطعها حتى لا يدب المرض
في جسده ، فقال له الأطباء : ألا نسقيك
مُرقدًا حتى يذهب عقلك منه فلا تحسُّ بألم النشر؟
فقال: "لا والله، ولكن إن كنتم لابد فاعلين فاقطعوها
وأنا في الصلاة، فإني لا أحسُّ بذلك، ولا أشعر به"
فقام الأطباء بقطع رجله وهو يصلي فما تضوّر
ولا صاح ولا اختلج ، حتى أُغشي عليه !
ولو توسعتّم لذُهلتم ، وحسبكم من القلادة ما
أحاطَ بالعُنق !
واللهِ مواقفٌ لو أُنزلت على الجبالِ الراسيات
لدكتها دكًا فأهبطتها ، ولو فَتقت الحديد لما رتقته !
فكيف بجسدِ عبدٍ ضعيف ؟!
أفتعجبون ؟ أفتنكرون ؟!
واللهِ لا عجبَ ولا نُكران !
وإنها والله لقلوب وَفت بعهدها مع الله ، فصدقها الله وثبتها ..
ومن أوفى بعهدهِ من الله ! .. ومن أصدقُ من الله حديثًا !
قال تعالى : ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ
أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا
مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ )
وقِسَ على سياقِ هذا !
أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟!
أن تعصيَ الله ، وإذا ما خلوتَ انتهكتَ حُرماته !
أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟!
أن تقل لوالديكَ أُفٍ وتنهرهما ، ولا تقل لهما قولًا كريما !
أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟!
أن تقهر اليتيم ، وتنهر السائل ، ولا تؤتِ المسكينَ
وابن السبيل وذا القربى حقه !
أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟!
أن تجزع وتسخط إذا ما أصابتك مصيبة ،
فتطفقُ تُسيء لنفسك ودينك !
أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟!
أن تسرق ، وتُرشي ، وتعمل بالربا !
أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟!
أن تشتم ، وتغتاب ، وتتجسس !
كلا والله لا تأمر بكل هذا ، لكن القلب إذا
ما أحسنَ في صلاته واتقى !
كان حريٌ ألا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر والبغي !
وإذا أحسنَ فيها ، وصلاها كما أمر الله ،
وصلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -
فسيجدُ نفسه غيرَ التي كانت تُصلي صلاة كنقرِ الغراب !
ومصداقُ ذلك في قوله تعالى :
( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ
إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )
إن أولَ ما يرتقي به العبد سلالم المجد ..
إحسانه لصلاته ، وسدُ الخلل ما أمكن فيها !
وهذه ثمة وصايا - عسى الله أن ينفعني بها
وإياكم - للصلاة :
1/
إذا سمعتَ النداء يُنادي .. فردد خلفه ،
حتى إذا ما فرغ قُل ما جاء عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - :
اللهم ربَّ هذه الدعوةِ التامة والصلاة القائمة
آتِ محمدٍ الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا
محمودًا الذي وعدته ..
ثم ادعُ بما شِئت بين الأذان والإقامة .
عن أبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن "
2/
أحسن الوضوء ، واحتسب الأجر فيه ..
ابدأه بـ : بسم الله ..
واختمه بـ : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ..
اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ..
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه
من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره "
3/
كلما همّت نفسُك بالسُرعة لإنتهاءِ الصلاة ،
فتذكر أن لا ثمة شيء أعظم من الله !
وأن الأمور كلها سِواه تفنى ، وإن تعذرتَ
بواجبٍ مُهم ، أو محادثةٍ لا تستطيع تركها ... إلخ !
وتذكر أن بمقدار تفريطك في صلاتك فإنها تدعُ عليكَ
: ضيعكَ الله كما ضيعتني !
4/
إياكَ والغرور والكِبر والعُجب ، وأعلم أن كل
ما تحمله من خشوعٍ وخضوع ..
لم يكن لولا أن الله تفضل عليكَ وأكرمك ..
وإن العُجب ليُذهب أجر العمل !
5/
[ من تعمَّد اللهو واللعب حتى مضى
وقتُ صلاة مفروضة ولم يصلها ، أخفُ ذنبًا
عند الله ممن صلاها لأجل الناس ] !
ابن حَزم الأندلسي .
6/
إذا فرغت من الصلاة ، فلا تقم من مقعدك
إلا بعد أن تسير على سَنن النبي -
صلى الله عليه وسلم -
تُسبح الله خمسًا وعشرين ، وتحمده خمسًا
وعشرين ، وتكبره خمسًا وعشرين !
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه
الذي صلى فيه ما لم يُحدث ، تقول :
اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه "
7/
تأخيرُك عن الصلاة ، وتهاونُ الأمر في قلبك ..
يُسلب منك مهابتها ، ويهون عليكَ فيما
بعد تركها وتأخيرها !
وإن حدث فتُب لله توبة نصوحًا ..
وللهِ أشد فرحًا بتوبةِ أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها !
8/
مُحافظتك على السُنن الرواتب تزيدُك زلفى إلى الله ..
قال صلى الله عليه وسلم :
" مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ
رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ له بيتًا في الجنة "
9/
مهما شعرتَ بالضيق والتعب والألم ..
لا تتوانى عن قيامِ الليل وتُفرّط فيها !
وكلما همّت نفسك بالتكاسل فذكّرها :
قال تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع
يدعون ربهم خوفًا وطمعًا )
قال صلى الله عليه وسلم :
" اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا "
10/
لا تنمْ إلا وأنتَ متوضأً ، ذاكرًا لربك
في مقعدكِ ومرقدك !
فذلك أقربُ لأن تقوم لصلاة الفجر ..
تلكَ عشرةٌ كاملة ..
تفضّل الله بها علينا ، وألهمنا الرصف بها !
فله الحمدُ والمنّة .. على كل نعمة ..
شعور المرء بعظمِ تقصيره ، وفرطَ سياطِ ما
يُلاقيه منه ، يُخجله من أن يرقم مقالًا
فيه نصحٌ وتوجيه !
لكن إذا علم العبدُ أن ثمَة ما ينفع الناس فليُبادر
ولا يتوانى ..
( ولأن يهدي الله بكَ رجلًا واحدًا خيرٌ لكَ
من حمر النعم ) !
- نسألُ الله من فضله -
وما المواعظ والتوجيهات بنافعة ،
ما لم تبدأ أنتَ بالتغيير في نفسك ..
ولن يُغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم !
وما المرء منفوعًا بتجريبِ واعظٍ
إذا لم تعظه نفسُه وتجاربُه !
ألا إنها تذكرةٌ * فمن شاء ذكره !
أسألُ الله أن ينفع بها ويُنفع ، وأن يهدي
بنا ويهدينا ، وأن يُعيد للأمة فسائلَ
عِلمها بالآي والسنة ..
والتطبيق بما فيهما ..
وأن يرزقني خلوصَ الكَلِم وقبوله ،
وألا يجعل لأحدٍ فيه حظًا ولا نصيب !
من ينشرُ المقال للهِ ، مُحتسبًا به أجرًا ..
أسألُ الله أن يُبارك عمره ومسيرته ،
وأن يهديه لأحسنِ الأفعال وأبلغ الأقوال ،
وأن يعصمه من الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
وأن يجزيه عني خيرَ ما جازى به ربنا
عباده الصالحين ، وأن يجعله ممن
يستمع القول فيتبع أحسنه .
سبحانَ ربك رب العزة عما يصفون ،
وسلامٌ على المرسلين ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين !
----------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-2014, 11:38 PM   #6385
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم
(قصة كعب بن مالك رضي الله عنه )
بسم الله الرحمن الرحيم
تخلف كعب بن مالك [1] رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك من السنة التاسعة للهجرة من شهر رجب فقال:
لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك.. تخلفت عنها وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتجهزوا جميعاً للخروج معه.
غير أني تخلفت كذلك في غزوة بدر أول قتال بين المسلمين والكافرين، ولم يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ممن تخلف عنها، فقد كان يريد عير قريش القادمة من بلاد الشام، فخرج ومن كان معه من أصحابه، لا يريدون قتالاً، لكن الله تعالى قدره لأمر يريده سبحانه،
فجمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ونصرهم عليهم، فكان ذلك وسام فخر لمن حضرها، فكان يقال له: البدري، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر في كل مناسبة مادحاً البدريين قائلاً:
((كأن الله اطلع عليهم فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)).
ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حيث تواثقنا على الإسلام، فكنت من أوائل الأنصار الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعلى أثرة علينا .. وأن نكون دعاة إليه سبحانه. وانطلقت الدعوة الوليدة إلى المدينة على أيدينا، فكنا لا نعدل بهذه البيعة مشهداً آخر، وما أحِبُّ أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدرٌ أذكَرَ في الناس منها.
أما قصة تخلفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
غزوة تبوك، فقد كانت درساً بليغاً لي ولغيري ممن عقلها.
فقد كنت إذ ذاك غنياً موسراً، صحيح البنية قادراً على تجهيز نفسي لهذه الغزوة التي ندبنا إليها رسول الله دون عَنَتٍ أو تكلف، بل أستطيع تجهيز عدد ممن عذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفقرهم، أو ضعف ذوات أيديهم.
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورّى بغيرها، وأوهم أنه يريد سواها، والحرب خدعة، فكان المشركون يُؤخذون على حين غَرّة، ويخافون أن يدهمهم المسلمون كل لحظة فكانوا – دائماً – على خوف ووجل،
وزرع الله في قلوبهم الرعبَ والفزع فما يقرّ لهم قرار، وهكذا يجب أن يكون المسلمون مع أعدائهم .. إلا في هذه الغزوة فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بوجهته التي يريد،
لأسباب عدة منها:
1- أن المسافة بين المدينة وتبوك طويلة جداً.
2- وأن الطريق مفاوز وصحارى، يجب الاستعداد لها أتم الاستعداد.
3- وأن العدو قوي عدَّةً وعدداً، فهم الروم أكبر دولة، وأشرس عدو.
4- وأنه صلى الله عليه وسلم يريد تجنيد أوفى عدد من المسلمين، فأرسل إلى القبائل كلها يأمرهم أن يشتركوا في هذه الغزوة.
5- وأنه يريد أن يثأر للمسلمين في غزوة مؤتة من عدوهم الذي فاق عدده المسلمين عشرات المرات.
6- وأنه مصمم على إثبات وجود هذه الدولة الناشئة في جزيرة العرب، وعلى الروم أن يفكروا ألف مرَّة قبل أن يهاجموها.
وأجاب المسلمون نبيَّهم، فوفدوا إلى مدينته صلى الله عليه وسلم ، فكانت تعُج بهم، بعضهم حمل معه جهازه، ومنهم مَن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجهِّزَه، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى البذل والعطاء، فالأمر يحتاج إلى ذلك،
وبذل المسلمون، فهذا الصديق رضي الله عنه يضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّ ماله، وهذا عمر رضي الله عنه يقدم نصف ما يملك، وهذا ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه يجهِّز الحملة كلها،
فقدّم ألف بعير محمّل بالزاد حتى دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم له بالخير، وبشره بالجنة فقال: ((ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)).
ولم يبخل الصادقون منهم بما يستطيعون، وهل يمتنع المسلمون عن اكتساب فرص الفوز برضا ربهم جلَّ شأنه ونبيهم الكريم؟! إنها نفحات مَنْ تعرّض إليها أفلح ونجا.
ولم يكن هناك ديوان يجمع المسلمين، يحصيهم ويتابعهم، فالدولة ما تزال فتيّة، وكل جندي إذ ذاك متكفل بنفسه، فمن عنَّ على باله التأخر أو التخلف وعدم المشاركة في الغزو، فقد يضيع في زحمة هذا الزخم المتدفِّق على المدينة، ولن يعرف بغيابه أحد إلا إذا نزل فيه وحي يفضحه، ويكشف لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين أمره.
كان الصيف حاراً، والسفر ذا مشقة، ونفسي تميل للبقاء، فقد أينع الثمر وطابَ، وشدّتني ظلال الأشجار وبردُها إلى الأرض، فأنا أتأرجح بين الامتثال إلى دعوة الجهاد تحت راية الرسول المجاهد، وبين التثاقل إلى الدعة وخفض العيش، ورخاء الحياة، والبون شاسع بين هذه وتلك، فكنت أخرج أحاول تجهيز نفسي فأعود متثاقلاً لم أقض شيئاً،
وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، ولم أزل على هذه الحال من التردد والتباطؤ حتى استمر الناس بالجد، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئاً..
الرغبة في صحبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحبه الأبرار تشدني فأغدو لأجهز نفسي وأعد راحلتي وزادي، فأعود وقد اجتمع عليَّ شيطاني وحبُّ الأرض والمال والنساء والأولاد، فأراني اثاقلت إليها والتصقت بها حتى أسرعَ ركب الجهاد وتسابق، فخَلَتِ المدينة منهم، ثم ابتعدوا عنها وتفارطوا.
ما أشد وحشة المدينة مذ فارقها ضوءها، وما أشدَّ كآبتي فيها حيث خلا منها الحبيب والأنيس .. يا ويحي! أهذه المدينة التي أهواها؟ أراها باهتة!!
أهذه المرابع التي ملأت قلبي فأحببتها وجاهدت عنها في أحد والخندق؟ غاب عنها النور، ابتعدت عنها مصابيح الهداية، غادرها المسلمون بقيادة هاديهم إلى مهمة عظيمة،
يا ويحي!! ما لي أنظر في أرجائها فلا أرى فيها إلا المنافقين يرتعون ويمرحون.. أأنا منهم؟! رحماك يارب .. هؤلاء بعض الضعفاء من المسلمين جالسين، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لضعفهم..
ولست منهم، فأنا صحيح الجسم معافى.. ما الذي أخّرني عن حبيبي وقرّة عيني.. رحماك يارب، وهؤلاء بعض المسلمين الفقراء جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يحملهم معه للجهاد فيعتذر حين لا يجد ما يحملهم عليه، فيتولّون باكين، وأعينهم تفيض من الدمع أن لم يجدوا ما يبلغون عليه تبوك..
وأنا غني ميسور.. رحماك يارب!! أي معصية حلت بي وأيُّ فتنة لزمتني؟!
أدور في أنحاء المدينة كاللديغ لا يقرُّ لي قرار، ثم أعود إلى بيتي وبستاني وزرعي وظلي وأهلي!! بئس ما صنعتُ .. رحماك يارب .. رحماك يارب ..
ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم: ((ما فعل كعب بن مالك؟)) واخجلتاه منك يا سيدي يا رسول الله! واخجلتي منك يا سيد المجاهدين وبطل المحاربين، قد خاب ظنك بكعب هذا.. ليت كعبا لم تلده أمه ..
تسأل عني يا رسول الله، فيجيبك رجل من بني سلمة يغمز من قناتي، وأنا أستحق ذلك بل أستحق أكثر من ذلك
فيقول: يا رسول الله حبسه برداه، والنظرُ في عطفيه، منعه الإعجاب بماله والقعود بين أهل بيته في ظل ظليل وماء بارد .. حبسه تخلفٌ عن ركب الهداة الصالحين وإيثارُه الراحة على التعب، والرخاء على الشدة .. رحماك يارب رحماك يارب ..
ويحسُّ معاذ بن جبل وهو أخي وصاحبي، يحسُّ بي وهو بعيد عني مئات الأميل، فيعلم أنني جواد أصيل كبا به حظُّه وخانه تفكيره وتدبيره، فيدفع عني هذه التهمة التي أستحقها، ويخفف من وَجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيتوجه إلى ذلك الرجل مؤنباً: بئس ما قلتَ، فالمسلم يلتمس لأخيه سبعين عذراً، فهلا قلت خيراً يا رجل .. ويلتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول راغباً في الدفاع
المهدّئ الحاني: والله يا رسول الله ما علمنا منه إلا خيراً.
رحمك الله يا أخي معاذ، وأجزل لك المثوبة، هكذا تكون الأخوُّة.. جزاك الله خيراً، جزاك الله خيراً.
ويسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينبس ببنت شفة، فلعله قصد من سؤاله أنه على علم بمن تبعه، ومن تخلّف عنه، وأن الفرق كبير بين من استجاب ولبى، ومن تخلّف وتكاسل..
نعم إن الفرق كبير والبَوْن واسع، وينظر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامه، فيرى في قلب الصحراء المترامية الأطراف مِنْ بين السراب المتلألئ هيولى تتحرك باتجاه المسلمين، سرعان ما يظهر رجل يخب السير نحوهم، يلبس البياض.. ويبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
لقد عرفه، إنه الصحابي الجليل أبو خيثمة الذي لم يستطع أن يقدّم لجيش المسلمين سوى صاع تمر، فلمزه المنافقون
وضحكوا منه، وقالوا: إن الله غني عن صاع هذا، ونسي هؤلاء الطاعنون العابثون أن الأعمال بالنيات، وأنّ دِرْهماً سبق ألف درهم.. لم يستطع الرجل أن يلحق بالمسلمين أوّل مسيرهم، فلحق بهم، بَعْدُ مسرعاً وسرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فعبَّر عن سروره حين قال: ((كن أبا خيثمة)) فكان أبا خيثمة، وتمنى كعب لو فعل مثل ما فعل أبو خيثمة، ولكن سبق السيف العذل، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر جيش الروم ليعلمه كيف يكون الجهاد والقتال،
وكيف يكون الصبر على المبدأ والدفاع عنه، لكنَّ الروم الذين عجبوا لصمود ثلاثة آلاف مسلم في غزوة مؤتة أمام مئة ألف منهم، هابوا وهم مئتا ألف أن يثبتوا أمام ثلاثين ألف مسلم، قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - بطل الأبطال – ورأس المجاهدين فانسحبوا إلى الشمال مضحين بما كان لهم من مهابة وجبروت، راضين من الغنيمة بالإياب،
لقد نصر الله نبيه بالرعب مسيرة شهر، فكيف وهو وجيشه على تخوم بلاد الشام؟!
قال كعب: فلما بلغني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجّه قافلاً من تبوك، اشتد حزني، سوف أقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسألني سبب تخلفي عنه، فماذا أقول له؟ أأكْذِبه متعللاً بما ليس من الحقيقة بمكان؟
وهل يليق بمن بايع رسول الله أن يكذب؟ حاشا وكلا، بمَ أخرج من سخَطه غداً؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي .. وأنّى للباطل أن يكون ردءاً؟ إنه سرعان ما يزول حين يسطع ضياء الحقِّ، ويضمحل حين يبزغ فجر الصدق، أنا لست خائفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو رحيم ودود، يقبل العذر ولو كان صاحبه كاذباً،
لكنني أخاف أن لا يرى في كعباً الذي كان يعرفه، فأسقط في ميزانه، وقد خاب وخسر من زلّت مكانته عند الصادق الأمين.. فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلَّ قادماً زاح عني الباطل حتى عرفت أني لم أنجُ منه بشيء أبداً،
فعزمت على الصدق معه، وإذا كان الكذب – ينجي – أحياناً فالصدق أنجى .. يا ربّ، هب لي لسان الصدق، ورضِّ عني نبيك وحبيبك..
وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً، وكان إذا قدم بدأ بالمسجد، فركع فيه ركعتين سنة المجيء من السفر، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلَّفون يعتذرون إليه ويحلفون كعادتهم كاذبين، ليرضى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً،
فقبل منهم علانيتهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، فليس من عمل الداعية أن يبحث وينّقب عما في نفوس الناس .. وجئت أمشي إليه صلى الله عليه وسلم وقلبي يخفق ونَفَسي يتردد.. كيف يفعل حين تقع عيناه عليَّ.. لا بد أن آتيه، إنه قَدَري وأحْبِب به من قَدَرٍ سام عليَّ سامق صلى الله عليه وسلم ، فلما سلمت عليه، تبسَّم تبسم المغضب، تبُّسم الذي يعرف معادن الرجال، فيسألهم ليحفظم لهم ماء وجوههم،
ثم قال: تعال.. بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هكذا كنت أٌقول في نفسي.. فقال لي: ((ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك واشتريت راحلتك؟))
قلت – خافضاً رأسي غاضاً بصري متجهاً إليه بكلّي: يا رسول الله؛ إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر، وسيرضى عني، لقد وهبني الله لسانا فصيحاً وبديهة حاضرة وجدلاً صائباً، ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثَ كذبٍ ترضى به عنّي ليوشكن الله يسخطك علي، وإن حدثتك حديث صدق يجعلك تغضب عليَّ فيه إني لأرجو حسن العاقبة بتوبة الله تعالى عليَّ إذ كنت صادقاً ..
ولن أقول سوى الصدق يا رسول الله، والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قطُّ أقوى، ولا أيسر منّي حين تخلفت عَنك.
إن الإنسان العادي ليعرف من محدثه نبرة الصدق، وتهويم الكذب، فكيف برسول الله صلى الله وعليه وسلم الذي بلغ العلا بكماله، وكرمت جميع خصاله .. لقد قال صلى الله عليه وسلم : ((أمّا هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك))
وقمتُ، وسار رجال من بني سلمة قومي فاتّبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا، لقد عجَزْت أن تعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون، فقد كان كافيك ذنبَكَ استغفارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لك،.. إنهم لم يريدوني أن أكذب.. إنما أرادوا أن أختصر الطريق إلى السلامة كما فعل الآخرون حين أبدوا الأعذار، فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا أني حملت نفسي ما لا لزوم له،
فألحوا عليّ يؤنبونني على ذلك، ويكثرونه، حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكذّب نفسي وأدعي ما ادعاه المتخلفون الآخرون.
لكن الله ثبتني إذ قلت لهم: هل قال غيري مثل ما قلتُ، فأجابهم رسول الله بما أجابني؟ قالوا: نعم، رجلان، قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قلت: من هما؟ قالوا: مُرارة بن الربيع العَمْريُّ، وهلال بن أمية الواقفيُّ.. قلت: إنَّ لي بهما أسوة حسنة، فهما رجلان صالحان قد شهدا بدراً، ولن أكون إلا ثالثهما.. ومضيت حين ذكروهما لي.
إن الذهب يشتد لمعانه حين تلمسه النار فتُذهبُ عنه خبثه ويزداد تألقاً وحسناً وهكذا كنّا – أيها الثلاثة – فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمنا أحد، فاجتَنبَنا الناس، وتغيّروا لنا، كأنهم لا يعرفوننا، حتى تنكّرتْ لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلةً، فأما صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيتيهما يبكيان، ويصليان، ويستغفران، ويسألان الله التوبة، وانقطعا عن الناس إذ كانا عجوزين هدّتهما المقاطعة،
وأما أنا فكنت أشبَّ القوم، وأجلدَهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد – إن المجتمع المسلم المتماسك يلتزم بأوامر القيادة وتعليماتها، ولا يدع للمخطئ مجالاً ينفذ منه، كي لا يتمادى في خطئه – وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأسلم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت علي صلاتي نظر إليّ، وإذا التفتُّ نحوه أعرض عنّي.
فالقائد قدوة، يلتزم بما يصدره من أوامر، فيكون لها من قوّة الأداء وحسن الالتزام عند العامة الأثر الإيجابي الطيب.. وأنا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نهى عن كلامنا إلا ليقضي الله تعالى فينا.. فيارب هيئ لنا من أمرنا رشداً..
حتى إذا طال ذلك عليَّ من جفوة المسلمين فاض ما في النفس من حزن وكرب، وانطلقت إلى ابن عمي أبي قتادة وهو من أحب الناس إليّ فعلوت سور بستانه، وسلمت عليه، فوالله ما ردَّ السلامَ، فقلت له: يا أبا قتادة أنشُدُك بالله! هل تعلمني أحبُّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ فسكت .. وكيف يجيب، وقد امتنع عن ردّ السلام آنفاً التزاماً بأوامر رسول الله وإيمانا به؟.. فعدتُ فنشادته، فسكت .. فعدت فناشدته، فلما رأى ما بي من الحزن والألم نظر إليَّ مشفقاً فقال: الله ورسوله أعلم .. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسوَّرت الجدار، فبينا أنا أمشي في أسواق المدينة إذا نبطيُّ (فلاح) من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة
يقول: من يدلُّ على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون إليَّ، حتى جاءني فدفع إليَّ كتاباً من ملك غسان، وكنت كاتباً، فقرأت فإذا فيه: أما بعدُ، فإنّه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوانٍ ولا مضْيَعَةٍ، فالحق بنا نواسِك.
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، آمنت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً.
إنها الفتنة تُطلُّ عليَّ من أوسع أبوابها تدعوني إلى الكفر بعد الإيمان، وإلى الردّة بعد الثبات، إنني يا هذا لست في دار هوان ولا ذلّة، إنني في دار الهداية والرشاد، في كنف خير العباد، لئن جافاني لقد أخطأت، وما هي بجفوةٍ إن هي إلا عقوبة أستحقها، يطهرني الله بها ويمحو ذنبي، إنَّ هذا لمن البلاء، فتيممت بها التنّور فأحرقتها.. لن أضعف عن احتمال ما كتبه الله عليَّ، ولأصبرن حتى يكتب الله لي خير الدنيا والآخرة، حتى إذا مضت أربعون يوماً من الخمسين، وأبطأ الوحي إذا رسولٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأتيني فقال: إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلِّقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها فلا تقربنَّها.. فقلت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نافذ.. سمعاً وطاعة وإيمانا واحتساباً، وأرسل إلي صاحبيَّ بمثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله هذا الأمر.
فجاءت امرأة هلال بن أمية، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: ((لا، ولكن لا يقربنّك)). قالت: إنه والله ما به من حركة إلى شيء، ووالله ما زال يبكي مُذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.
فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟
فقلت: لا أستأذنه فيها وأنا رجل شاب – فلبثت بذلك عشر ليالٍ – فكمل لنا خمسون ليلةً من حين نُهيَ عن كلامنا.
اللهم مالك السماوات والأرض اجعل لنا فرجاً وهيّئْ لنا من أمرنا رشداً.
ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله منا – قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت – سمعت صوت صارخ صعِد على جبل سلْعٍ
يقول بأعلى صوته: يا كعبُ بن مالك أبشر .. لم أتمالك نفسي إذا سمعتُ البشرى فخررت ساجداً لله أبكي وأحمده، أبكي وأستغفره، أبكي وأشكره، وعرفت أنه قد جاء الفرج من الله تعالى،
فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله عزّ وجلّ علينا حين صلى الفجر، فذهب الناس يبشروننا.. أرأيت يا كعب عاقبة الصبر؟ إنها التوبة من الله تعالى، ينتظرها رسول الله لك ولصاحبيك، وينتظرها الناس لك ولصاحبيك، إنهم يحبونكم. أيها الثلاثة،
هكذا المجتمع المسلم المتماسك، يلتزم أمر الله تعالى فيمتنع عن كلامكم، لا عن هجرٍ وقِلى، إنما عن امتثال وطاعة، وقلوب الجميع ترجو لكم التوبة والمغفرة.. ها قد جاءت، فسمعتَ صوت أحد إخوانك يبشرك، ولمّا يصل إليك.. انطلق جمع من المصلين يبشرون مُرارة بن الربيع وهلال بن أمية بما أنعم الله عليهما من التوبة، وامتطى أحدهم فرسه مسرعاً إليك، وسعى رجل من عشيرتك إليك مبتهجاً،
فصعد الجبل فكان صوته أسرع من فرس ذاك، وفي كلٍّ فضلٌ وخيرٌ، ولم تتمالك نفسك أن نزعت ثوبك لصاحب الصوت، بل أعطيته ثوبك الثاني ولم تكن تملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين غيرهما وانطلقت إلى حَبِّ القلوب، وضياء الأفئدة، وصاحب الرسالة العظمى، انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتلقونك فوجا فوجاً يهنئونك بالتوبة، ويقولون لك: ليهنِك توبة الله عليك، حتى وصلت إلى المسجد ودخلته إلى رسول الله، العزيز عليه ما أعنتك، الحريصِ عليك، الرحيم بك وبالمؤمنين، فإذا هو يبرق وجهه من السرور فيقول لك: ((أبشر بخير يوم عليك مذ ولدتك أمُّك))، أهناك أجمل من هذه البشرى؟
أهناك أعظم من هذه البشرى؟ لا ورب الكعبة. فلم تتمالك نفسك أن قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: ((لا بل من عند الله عز وجل))، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر.. صلى الله عليه وحشرنا في زمرته وسقانا من حوضه وجعلنا إلى الجنة في ركابه.
قال كعب: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك))، وكأنه أحس أني في غمرة الفرح والسعادة قد أتخلى عما قد أضنُّ به إذا سكن فرحي وعادت إليَّ نفسي. فأمرني بالاحتفاظ ببعض مالي، فقلت: إني أمسك نصيبي الذي وهبتنيه في فتح خيبر،
وقلت: يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدِّث إلا صدقاً ما بقيت، فوالله ما علمت أحداً من المسلمين أنعم الله عليه في صدق الحديث منذ ذكرتُ ذلك لرسول اله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أنعم الله تعالى به عليَّ، والله ما تعمَّدتُ كذبة منذ قلتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي منه، لقد أنزل الله تعالى فينا معشر الثلاثة قوله: ) لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ( حتى بلغ ) إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ( حتى بلغ ) اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ( [سورة التوبة].
قال كعب: والله ما أنعم الله عليَّ من نعمة قط بعد إذ هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن لا أكون كذبته، فأهلِك كما هلك الذين كذبوا، إنّ الله تعالى قال للذين كذبوا حين أَنْزَل الوحي شرَّ ما قال لأحد، فقال الله تعالى: ) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) (
قال كعب: كنا خلّفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك، قال الله تعالى: ) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ( وليس الذي ذكر مما خُلِّفنا تخلّفَنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له، واعتذر إليه، فقبل منه.
-------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-2014, 12:08 AM   #6386
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

[frame="8 80"]
تغريدات عن مواعظ القلوب
١. القلوب بحاجة إلى التذكير والوعظ والإرشاد ليقوم المسلم بالعبادة كما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الخوف والرجاء والمحبة #مواعظ
٢. الوعظ والعِظة والموعظة هي النصح والتذكير بما يليِّن القلوب من الثواب والعقاب ، وقد ورد في القرآن الكريم لفظ موعظة في ثلاثة عشر وجهاً #مواعظ
٣. العبد في طريقه إلى مولاه عزوجل يحتاج دائماً إلى التذكير بالآخرة وبمعرفة شرف الطاعات وفضائلها وقبح المعاصي ومثالبها #مواعظ
٤. إذا أقبل العبد بقلبه على الله تعالى أقبلت عليه وفود الخيرات والبركات وإذا أعرض واتبع هواه أقبلت عليه سحائب الشر والبلاء من كل جانب #مواعظ
٥. من علامة سعادة العبد في الدارين أن يؤثر مراد الله تعالى ويسعى لطاعته ورضاه فإذا آثر الآخرة على الدنيا نال السعادة الحقيقية #مواعظ
٦. متى ما اتصلت الروح بالوحي الإلهي تنعمت بالسعادة ومتى ما انغمست في مستنقعات الشهوات والملذات المحرمة حارت في الوصول إلى طريق سعادتها #مواعظ
٧. إذا أكثر العبد من الشهوات أخلد إلى الأرض وضاق صدره وإذا قلل منها وأكثر من الطاعات حلَّق في السماء وانشرح صدره لذكر الله تعالى #مواعظ
٨. الأُنس بالله تعالى والشوق إلى ذكره ومناجاته وحبه وإيثاره على ماسواه من أعظم أعمال القلوب التي ضعف الاهتمام بها في هذا الزمان #مواعظ
٩. لايقاس عمر الإنسان بطول السنين ولكن بعرض الأحداث والخير كل الخير لمن طال عمره وحسن عمله والشر كل الشر لمن طال عمره وساء عمله #مواعظ
١٠. إذا أردت أن يرق قلبك وتدمع عيناك وتخشع جوارحك ويقشعر جلدك وتسابق في الخيرات وتزداد في العبادات فعليك بتدبر كتاب الله تعالى #مواعظ
[/frame]
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-2014, 02:17 AM   #6387
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-2014, 02:24 AM   #6388
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-2014, 02:26 AM   #6389
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-2014, 02:29 AM   #6390
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ الوآصل المنتدى الرياضي 6 10-12-2009 01:49 AM
اســـــــرار القلــــب..! الســرف المنتدى العام 22 29-09-2008 01:03 AM
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء امـــير زهران منتدى الحوار 4 02-09-2008 03:05 PM
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة رياح نجد المنتدى العام 19 15-08-2008 01:10 PM
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! البرنسيسة المنتدى العام 13 17-08-2007 11:04 PM


الساعة الآن 06:40 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved