الحرب على ايران: إحتمالات وقوعها أقل من عدمه
الحرب على ايران إحتمالات وقوعها أقل من عدمه لما كان يصدر من الادارات الاميركية المتعاقبة، خلال فترات رئاسة كل من بوش الاب وكلينتون وبوش الابن، من تصريحات حادة ومواقف متشددة فيما يتعلق بالعراق (بعد حرب الخليج الثانية) في تسعينات القرن الماضي وقضية “اسلحة الدمار الشامل”، قد يخلص – مقارنا ذلك بما يحدث الان بشأن ايران – الى نتيجة انه لن تكون هناك حرب على ايران. لكن ربما يكون هذا تبسيطا للامور. فالحرب، وان لم تكن هناك بوادر توحي باندلاعها كتلك التي سبقت غزو العراق عام 2003، قد تأخذ اشكالا ودرجات مختلفة. فقد تلجأ الولايات المتحدة (وربما اسرائيل بالتنسيق معها) في ظرف ما الى توجيه ضربات عسكرية ضد منشآت ايران النووية وقواعدها العسكرية والصاروخية، على غرار ما قام به الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون عندما أمر بشن هجمات جوية عسكرية ضد العراق عام 1998 ولكن على نطاق اوسع وبدرجة اشد.
بارومتر الحرب على ايران لازال يتراوح ارتفاعا وهبوطا منذ فترة حتى اصبحت الحرب احيانا قضية حدس اكثر منها قراءة تحليلية. ويبدو ان المنحى العام هو باتجاه الارتفاع لا الهبوط. فتارة يقال ان اميركا في “طور التحضير” لها وتارة اخرى ان اسرائيل اعدت الخطة وطائراتها جاهزة للاقلاع بانتظار اشارة. وما يلبث ان يرتفع البارومتر حتى يهبط ليعود مجددا الى الارتفاع. ولم ينجو من هذا لا الدولار الاميركي ولا الريال الايراني الذي انخفض الاسبوع الماضي الى مستويات قياسية خطيرة بعد تهديد ايران باغلاق مضيق هرمز – الذي يعتبره الغرب بمثابة اعلان حرب – على خلفية احتمال موافقة الاتحاد الاوروبي على قرار فرض حظر على النفط الايراني.
فما ان اعلنت اميركا انها “اخذت علما” بموقف ايران حول انقاذ الجنود الاميركيين لبحارة ايرانيين كان اختطفهم قراصنة صوماليون واعلان ايران امتنانها، مااوحى بتخفيف حدة التوتر بينهما، حتى عادت الامور للسخونة ثانية بعدما اعلن قائد القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني الادميرال علي فدوي إن بلاده “لديها القدرة التامة على غلق مضيق هرمز وإن العالم لن يصمد 24 ساعة اذا توقف ضخ النفط عن هذا المضيق الحيوي”. ما دفع وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا ليحذر إيران من رد شديد من جانب بلاده لو حاولت طهران إغلاق المضيق، موضحا “هذا خط احمر بالنسبة لنا وسنرد عليه”.
وكان تومي فيتور الناطق باسم مجلس الامن القومي الاميركي صرح على خلفية عملية انقاذ البحارة ان “وجودنا البحري في الخليج وحوله يهدف الى المساهمة في السلامة والامن في هذه المنطقة من العالم ويشتمل على مهمات مختلفة، بما فيها مكافحة القرصنة”. وفي لهجة تهدف الى التهدئة على ما يبدو اكد ان “هذه القضية هي موضع اهتمام متبادل مع ايران”. لكن هذا لم يمنع مسؤول ايراني اعلان رفض بلاده مجددا للوجود العسكري الاميركي في الخليج، على الرغم من من اعتباره عملية الانقاذ “بادرة انسانية ايجابية”.
في هذه الاثناء تواصل ايران استعراض عضلاتها العسكرية برا وبحرا. فما لبثت ان انتهت من مناوراتها البحرية الاخيرة في الخليج حتى اعلنت انها بدأت مناورات عسكرية برية قرب الحدود مع افغانستان ووعدت باجراء المزيد من المناورات في المستقبل القريب.
من جانبها، اعلنت بريطانيا انها “ارسلت احدث سفنها الحربية الى الخليج للقيام بأول مهمة مقررة منذ اكثر من عام”. واعلنت وزارة الدفاع البريطانية امس الاول ان المدمرة “ديرينغ” Daring (الجسور) ستنضم الى السفن العسكرية البريطانية الاخرى في المنطقة.
التهديد الحقيقي الذي يهدد ايران حاليا هو العقوبات الاقتصادية. فهي بمثابة حرب اقتصادية عليها وايران تعي هذا وتشعر بوطأة ذلك على اقتصادها بمجمل قطاعاته لكنها تشعر في نفس الوقت ان بامكانها ان تتعايش مع هذا الوضع طالما انها (العقوبات) ظلت محصورة في نطاق معين يمكن للاقتصاد الايراني ان يمتص تأثيرها وطالما لم تطل قطاعها النفطي وانها قادرة على تصدير نفطها – السلعة الرئيسية لتأمين دخلها القومي – بدون تهديدات جدية. لهذا شعرت ايران بخطر يهدد اقتصادها ونظامها المالي الذي بدونه يصعب بل لايمكن اتمام معاملاتها النفطية، حينما طلبت بريطانيا في كانون الاول (ديسمبر) العام الماضي من المؤسسات المالية البريطانية انهاء تعاملها مع البنك المركزي الايراني وهو ما فجر ازمة بين البلدين في اعقاب الهجوم على السفارة البريطانية في طهران واغلاقها.
ايران ترى انها تتلقى ضربات موجعة (اقتصاديا) بدون ان يكون بوسعها عمل شئ لتلافيها. وهذا ما يفسر حملات التصعيد التي تطلقها بين الحين والاخر ضد الغرب وتهديداتها باغلاق مضيق هرمز. فهي تسعى للخروج من عنق الزجاجة بنقل المعركة الى خارج “العقوبات” التي ترى نفسها المتضررة الوحيدة فيها. كما انها تريد ان تفهم الغرب بانها تشارك في هذه اللعبة التي تلعب هي دورا في وضع بعض قوانينها.
في ظل هذه الظروف لا توجد هناك حاليا بوادر حرب تشنها الولايات المتحدة على ايران، الا اذا حدث شئ طارئ ودراماتيكي كاغلاق مضيق هرمز. مهما كانت الاحتمالات ما هو واضح هو ان ايران لن تتعرض الى غزو واحتلال ولن تدمر بنيتها التحتية ولن يعودوا بها الى “العصر الحجري” كما حدث في العراق. وهذا لن يكون في صالح اسرائيل على اية حال، اذ ان الحفاظ على توازن القوى في المنطقة بين العرب وايران وتركيا يخدم اسرائيل اكثر من غيرها.
بغض النظر عن المواقف الايرانية والخلاف بين ايران من جهة والغرب واسرائيل من جهة اخرى حول قضايا عديدة ومنها القضية الفلسطينية فايران تختلف عن العراق (قبل الغزو الاميركي) اذ هي ليست ضمن المجموعة العربية وما يسمى ب “النظام العربي” (ان وجد وبكل سلبياته) وعلى المدى البعيد خارج استراتيجية المفهوم التقليدي للصراع العربي الاسرائيلي، وينظر اليها على هذا الاساس من قبل اسرائيل والغرب، بعكس العراق الذي كان جزءا اساسيا من هذا النظام ومكونا رئيسيا لما كان يعرف ب “دول المواجهة” في المشرق العربي. فجوهر الصراع بين العرب واسرائيل، فيما يتعلق بالمجتمعات والشعوب العربية، لن يتغير بتغير الانظمة السياسية للدول العربية على خلاف ما هو في ايران.
بالنسبة للغرب السلاح الاقوى والاقل كلفة في هذه المرحلة هو “العقوبات الاقتصادية”. فلماذا تلجأ اميركا والغرب الى الخيار العسكري اذا كانوا يعتقدون انه ربما سيكون بوسعهم ارغام النظام الايراني على التراجع عن انشطته النووية “المشبوهة” وايضا تغيير سلوكه ليصبح “اقل عدائية” لهم، بدون استخدام القوة. وكما يقول المثل الايراني “لو كان بوسعك حل العقدة باصابعك فلماذا تحاول حلها باسنانك؟”.
اما ايران فما عليها الا ان تنتظر لتلقي مزيد من العقوبات بينما تحاول اختبار صبر الغرب بمزيد من التصعيد والتهديدات ومواصلة انشطتها النووية.
من الصعب التكهن بما ستؤول اليه الامور. الانتخابات الاميركية قادمة وقد تحمل معها بعض المفاجآت وكذلك الانتخابات التشريعية في ايران، والنوروز على الابواب حامل فصل جديد. لكن بين هذا وذاك هل نحن بحاجة الى عملية قرصنة اخرى او حدث مشابه لنشهد مجددا هبوط بارومتر الازمة المتواصلة بين ايران والولايات المتحدة ولو لساعات، ام سيحدث العكس.
|