منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > منتدى الكتاب

كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


منتدى الكتاب

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
قديم 12-06-2015, 02:19 AM   #10301
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

مع النبي صلى الله عليه وسلم-
في شهر رمضان
إننا نستقبل ضيفاً عزيزاً غائباً لا يفدُ إلينا إلا مرة في العام، يزورنا غبَّاً فنكون له أشدُّ حبّاً، ضيفٌ تَخفق بحبه القلوب، وتشرئب إليه الأعناق، وتتطلّع الأعين لرؤية هلاله، وتتعبَّد النفوس المؤمنة ربَّها بذلك.
وهذا الضيف الكريم المبارك يعرفه المؤمنون حقاً لأنهم هم أنفسهم الذين يؤدَّونه حقَّه، ويقدرونه قدره فيكرمون وفادته صدقاً وعدلاً.
إنَّ الله رفع قدر هذا الضيف في القرآن، وعلى لسان النبي العَدنان –صلى الله عليه وسلم-، فجعل الخير كله فيه؛ في أوَّله ووسطه وآخره؛ قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيِّنات من الهدى والفرقان}.
لا شك أنَّك عرفت أخي القارئ من هو هذا الضيف!!
تُرى ما هي خصائصه وما هي فضائله؟! حتى تستعدّ لاستقباله وتُشمِّر عن ساعد الجد لاهتباله، لتنال ما أودع الله فيه من خير وبركة ورحمات:
هذا الشهر أنزل الله القرآن فيه، ولو لم يكن فيه إلا هذا الفضل لكفى، فكيف وفيه ما فيه والله أعلم به من مغفرة الذنوب، ورفع درجات المؤمنين، ومضاعفة الحسنات، وإقالة العثرات، يُعتق الله في كل ليلة من لياليه عتقاء من النَّار.
وهو شهر تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتُصفَّد فيه الشياطين، ينزل فيه ملكان يقول الأول: يا باغي الخير أقبل، ويقول الثاني: يا باغي الشر أقصر».
فيه ليلة من حُرمها حُرم خيراً كثيراً، ليلة يُفرق كل أمر حكيم.
إنَّها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
وأنَّ الوقوف على هديه –صلى الله عليه وسلم- في كلّ طاعة أمرٌ في غاية الأهميَّة، خصوصاً هديه في شهر رمضان، لأن العمل الصالح لا يرفع للعبد إلا إذا أخلص فيه لله وجرَّد المتابعة لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-؛ فالإخلاص والمتابعة هما ركنا قَبول العمل الصالح، وهما كجناحي الطائر، فهيهات أن يُحلِّق الطائر بجناح واحد.
وفي هذه السطور نقف وإياك أخي القارئ على أحواله –صلى الله عليه وسلم- في رمضان، باختصار واعتصار، لتكون على بيِّنة من هديه -صلوات الله وسلامه عليه-، فمن لم يكن مع الرسول –صلى الله عليه وسلم- في هديه في الدنيا لم يكن معه في دار الكرامة في الآخرة، إذ الفلاح كل الفلاح في اتباع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ظاهراً وباطناً، ولا يُنال ذلك إلا بالعلم النافع، ولا يوجد علم نافع إلا بعمل صالح، فثمرةُ العلم النافع العمل الصّالح.
فيا عبد الله إليك بعض أحواله1–صلى الله عليه وسلم- وهديه في رمضان لتتأسّى به فتنال محبَّته وتُحشر معه:
* كان –صلى الله عليه وسلم- لا يصوم حتى يرى الهلال رؤية محقَّقة أو بإخبار العدل أو بإكمال عدّة شعبان ثلاثين يوماً.
* وكان –صلى الله عليه وسلم- يكتفي بشهادة الواحد، وفي هذا حجَّة على قبول خبر الواحد. وثبت أنَّ الأمة صامت برؤية أعرابي جاء من البادية فأخبر النَّبي –صلى الله عليه وسلم- أنَّه رأى الهلال فأمر –صلى الله عليه وسلم- بلالاً أن يؤذن بالصيام.
* وكان –صلى الله عليه وسلم- ينهى أمَّته أن تتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين احتياطاً وتعمقاً إلا أن تكون عادةً لأحدهم؛ لذلك نهى عن صيام يوم الشك.
* وكان –صلى الله عليه وسلم- يبيُّت النيَّة من الليل قبل الفجر، وأمر أمَّته بذلك.
وهذا الحكم من خصوصيات صيام الفريضة، أمَّا صيام النافلة فلا يشمله هذا الحكم.
* وكان –صلى الله عليه وسلم- لا يُمسك عن الأكل والشرب والمفطرات حتى يرى الفجر الصادق رؤية محقَّقة عملاً بقول الله تعالى: {وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}.
وبيَّن –صلى الله عليه وسلم- لأمته أن الفجر فجران صادق وكاذب، فالكاذب لا يُحرم طعاماً ولا شراباً ولا جِماعاً، ولم يكن –صلى الله عليه وسلم- يُشدِّد على أمَّته في رمضان ولا في غيره، فلم يشرع لهم ما يسمى -بغير حق- أذان الإمساك.
* وكان –صلى الله عليه وسلم- يُعجل الفطور ويؤخر السحور، ويأمر أمَّته بذلك قائلاً: «لا تزال أمَّتي بخير ما عجَّلوا الفطور».
* وكان بين سحوره –صلى الله عليه وسلم- وقيامه لصلاة الفجر قدر قراءة خمسين آية.
* أمَّا أخلاقه –صلى الله عليه وسلم- فحدِّث عن حُسنها ورِفعتها ولا حرج؛ فقد كان –صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس أخلاقاً، كيف لا وقد كان خلقه القرآن، كما وصفته أم المؤمنين عائشة.
وقد أمر –صلى الله عليه وسلم- أمَّته بحُسن الخُلق خصوصاً للصائمين منهم فقال: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
* وكان يتعاهد أهله ويُحسن عشرتهم في رمضان أكثر من غيره.
* وكان لا يمنعه الصيامُ من تقبيل أهله ومباشرتها وكان أملك الناس لإربه.
* ولم يكن يدع السِّواك في رمضان وغير رمضان؛ يطهِّر فاه ويُرضي ربَّه.
* وكان –صلى الله عليه وسلم- قد احتجم وهو صائم، ورخَّص بالحجامة للصائم؛ وخلاف ذلك منسوخ.
* وكان –صلى الله عليه وسلم- يُجاهد في رمضان، ويأمر أصحابه بالفطر ليقْوَوا على ملاقاة عدوِّهم.
ومن رحمته –صلى الله عليه وسلم- بالأمَّة أن رخَّّص للمسافر بالفطر، وللمريض، والشيخ الفاني، والمرأة العجوز، والمرأة الحامل أو المرضع، فيقضي المسافر، ويُطعم الشيخ الفاني والحامل أو المرضع.
* وكان يجتهد في العبادة والقيام في رمضان ما لا يجتهد في غيره، خصوصاً في العشر الأواخر يلتمس ليلة القدر.
* وكان يعتكف في رمضان خصوصاً في العشر الأواخر واعتكف في العام الذي توفي فيه عشرين يوماً، وكان لا يعتكف إلا صائماً.
* وأمَّا مدارسته للقرآن: فلم يكن أحد يجتهد اجتهاده، وكان جبريل يلقاه فيدارسه القرآن في رمضان لأنه شهر القرآن.
* وأمَّا جوده وكرمه في رمضان فلا يوصف؛ فقد كان –صلى الله عليه وسلم- كالريح المرسلة بالخير لا يَخشى من ذي العرش إقلالاً.
* وقد كان –صلى الله عليه وسلم- أعظم المجاهدين ولم يمنعه الصيام من المشاركة في الغزوات، فقد غزا ستُّ غزوات في تسع سنين سنواتٍ، كلها في شهر رمضان، وقام بأعمال جِسام في رمضان حيث هدم مسجد الضرار وهدم أشهر أصنام العرب، واستقبل الوفود، وتزوَّج بِحفصة أم المؤمنين، وفتح مكة في رمضان.
والخلاصة: أن شهر رمضان شهر اجتهاد وجهاد وتضحية في حياة الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا كما يفهم ويفعل كثيرٌ من المسلمين زماننا أنه شهر دعةٍ وكسل وخمول وبطالة!!
فاللهم وفِّقنا لاقتفاء أثره نبيَّك –صلى الله عليه وسلم-، وأحينا على سنَّته، وأمَّتنا على شريعة.
----------------
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2015, 02:30 AM   #10302
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب










































الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2015, 02:42 AM   #10303
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

رمضان شهر النصر




تستقبل الأمة الإسلامية شهر رمضان وهي مفعمة بالأمل، راجية من الله التوفيق والنصر، كيف لا ورمضان قد امتاز عن شهور السنة جميعها بأنه شهر النصر والعزة، وأن الله تعالى كما اختاره لترتيل القرآن فيه، فقد اختاره ليفرح عباده بنصره لهم، ومعونته إياهم.
لقد ظهر هذا في معارك الأمة فيها في أمس الحاجة لانتصار يداوي ويخفف آلامهم، فهذه بدر، وقد كانت معركة عجيبة حقًّا بين معسكر طاغ كافر كثير عدده، وكتيبة مؤمنة صالحة قليلة عددها وعُدتها، وليس لها سلاح على التحقيق إلا الإيمان بالله تعالى، ودخل الكافرون المعركة لا يشكون في النصر، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، ودارت عليهم الدوائر، وانتصر المسلمون انتصارًا مدهشًا.
ونصر آخر كبير وقع في رمضان، وهو فتح مكة وانتقالها من دائرة الشرك لتكون قبلة للمسلمين ودارة الإسلام، ولينطلق على إثرها المسلمون فاتحين أكبر إمبراطوريتين في ذلك الزمن.
ثم دار الزمان دورته، ويجتاح المد التتري الغاشم الأمة الإسلامية ليحرق بغداد، ويلتهم حلب ودمشق، وقد كان قبل ذلك اجتاح ممالك الإسلام فيما وراء النهر وقتل من الموحدين الملايين، وبعد أن فرغ من بلاد الشام توجه إلى مصر ليدمرها، فبرز له أسود ميامين من أبطال المماليك وغيرهم، والتقوا في رمضان في عين جالوت في فلسطين، وانتصر المسلمون انتصارًا كان الأول على التتار، وشردوهم وفَلّوا حدهم، ولا ننسى أن شعار المعركة كان "واإسلاماه".
ثم إن المسلمين ضعفوا وذلوا بعد عزة قعساء وسيادة طويلة؛
وذلك لأنهم وضعوا كتاب الله خلف ظهورهم ودَبْر آذانهم،
ونسوا الله فنسيهم، فجاس المستعمر في أرضهم، واستولى على عامتهم إلا قليلاً، وثبت أقدام المعتدين في فلسطين، فكان لنا معارك هُزمنا فيها؛ لأننا لم نكن مسلمين كما أراد الله لنا أن نكون، فلما شممنا رائحة الإسلام ودخلنا المعركة صائمين مهللين مكبرين في رمضان سنة 1393هـ/ 1973م، فرَّ اليهود من أمامنا كالفئران، ولم يصمدوا لصيحات التكبير، وحققنا نصرًا عزيزًا كنا ننتظره قرونًا طويلة.
وهذا رمضان يأتي والأمة تشتعل في مواطن كثيرة، فهذا جرح الشيشان نازف، والمجاهدون مستأسدون لا تلين لهم قناة، وذاك جرح ثانٍ في كشمير وأسودها يجاهدون منذ سنوات طويلة، وجرح ثالث في جنوب الفلبين، ورابع في بورما المنسية وأَرَكان المنكوبة، ولكن أعظم جروحنا على الإطلاق ما نكبت به فلسطين، التي ما فتئ الصهاينة المعتدون يتآمرون عليها منذ أكثر من قرن حتى مُكِّن لهم في البلاد.
والبشائر كثيرة باقتراب النصر في فلسطين خاصة إن شاء الله تعالى؛وذلك لأنهم ذاقوا طعم الجهاد ونتائجه، وعرفوا ألا حل إلا بالجهاد، وتبينوا طريقهم بعد ظلام طويل، واتصل جهاد القسام بالأمس بجهاد أبنائه اليوم، فاستعصى أبطال فلسطين على التركيع، فويل ثم ويل لليهود وأذنابهم!!
ويوم يكتمل رجوعنا إلى الإسلام -إن شاء الله تعالى- فذلك يوم عرسنا ونصرنا.. {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الروم: 4-6].
--------------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2015, 02:55 AM   #10304
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

أياما معدودات



الحمد لله الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وهو الذي جعل الليلَ والنهارَ خِلْفَةً لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكورًا، وصلى الله على مَنْ بُعِثَ بالهدى ودين الحق بشيرًا ونذيرًا، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإن رمضانَ أيامٌ معدوداتٌ، وفرصٌ سانحاتٌ، وإن اغتنام هذه الأيام لدليلُ الحزم، وإنَّ انتهاز تلك الفرص لعنوانُ العقل؛ ذلكم أن الوقت رأسُ مالِ الإنسان، وساعاتِ العمرِ هي أنفسُ ما عني الإنسان بحفظه؛ فكل ساعة من ساعاتِ عُمُرِكَ قابلةٌ لأن تضعَ فيها حجرًا يزداد بها صرحُ مجدِك ارتفاعًا، ويقطع بها قومك في السعادة باعًا أو ذراعًا.
فإن كنت حريصًا على أن يكون لك المجدُ الأسمى، ولقومك السعادةُ العظمى، وأن تفوز بخيري الآخرة والأولى - فَدعِ الراحةَ جانبًا، واجعل بينك وبين اللهو حاجبًا؛ فالحكيمُ الخبيرُ يَقْدُرُ الوقتَ حقَّ قدره، ولا يتخذه وعاءً لأبخس الأشياء، وأسخف الكلام، ويعلم أنه من أجلِّ ما يصان عن الإضاعة والإهمال، وَيقْصُره على المساعي الحميدة التي ترضي الله، وتنفع الناس.
ولعظم شأن الوقت أقسم به اللهُ في غير ما آية من كتابه العزيز، قال : {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 1، 2]، وقال: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: 1، 2]، وقال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1، 2].
ولئن كان حفظُ الوقتِ مطلوبًا في كل حين وآن، فلهو أولى وأحرى بالحفظ في الأزمنة المباركة، ولئن كان التفريطُ فيه وإضاعتُه قبحًا في كل زمان، فإن قبح ذلك يشتد في المواسم الفاضلة.
ومن الناس مَنْ قَلَّ نصيبه من التوفيق، فلا تراه يلقي بالاً لحكمة الصوم، ولا لفضل الشهر، فتراه يجعل من رمضان فرصةً للسهر واللهو الممتد إلى بزوغ الفجر، والنومِ العميق في النهار حتى غروب الشمس.
ولا يخفى على عاقل لبيب ما لهذا الصنيع من أضرار على دين الإنسان ودنياه، فهو قلب للفطرة، فالله جعل الليل لباسًا والنهار معاشًا، كما أنه إضاعة للوقت، وتعطيل للمصالح.
ومن كان هذا صنيعَه فلن يرجى منه خيرٌ -في الغالب- لا لنفسه ولا لغيره.
ثم إن السهرَ سببٌ لإضاعة حقوق الأهل والوالدين؛ فالذي يسهر الليل في مشاهدة الحرام، ويعكف أمام ما تبثه الفضائيات من شرور سيضيِّع أولاده وزوجته إن كانوا يشاهدونها معه، وإن كان يسهر خارجَ المنزل كان ذلك سببًا في بُعده عن بيته، وغفلته عما استرعاه الله إياه، وإن كان شابًّا في مقتبل عمره أقلق والديه بطول سهره، وبعده عن المنزل.
ثم إن الذي يسهرُ ليله وينام نهارَه سيضيع صلة أرحامه؛ إذ لا وقت لديه لِصِلتهم، وهكذا تنفصم عُرا الأمة، وتنفك روابطها.
كما أن السهر أمام تلك الفضائيات له آثارُه السلوكيةُ المدمرةُ، ومنها الصد عن سبيل الله، وإضعاف أثر الدين في النفوس، وذلك من خلال ما تبثه من مشاهد فاضحة، وما تطرحه من شبهات كثيرة تطعن في الدين، وتُلْقى على عقول خواء، وأفئدة هواء.
ومن آثارها: التمرد على القيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة، والآداب المرعية.
ومنها: شيوع العادات السيئة كالاستهانة بمحارم الله، والاستخفاف بشعائر الدين.
ومنها: الإعجابُ بالكفار وتقليدهم في مستهجن عاداتهم من نحو الملبس، والهيئة، وقصات الشعر، وما إلى ذلك.
ومنها: انتشار الجريمة، وشيوع المظاهر المخلة بالأمن كالقتل، والسرقة، وتعاطي المخدرات، ونحو ذلك.
ومنها: الزهد بالفضيلة والعفاف، وذلك من خلال الافتتان بالمذيعات والممثلات والمغنيات، فقد يفضي ذلك الصنيعُ إلى الزهد بالزوجات؛ لأن بعض مشاهدي تلك القنوات -لفرط جهله- يعقد مقارنة ظالمةً بين زوجته وبين ما يشاهده من تلك النسوة اللاتي نزعن الحياءَ، ووضعْنَ من الأصباغ ومواد التجميل ما يغري بهن.
وهذه مقارنةٌ ظالمةٌ لم تُبن على أسس سليمة؛ إذ تغافل ذلك المُقارِنُ عن عفاف زوجته، وسترها، وحيائها.
بل ربما تكون أجملَ مما يشاهد، ولكن الشيطان يقبحها في عينه، ويزين ما يشاهده في نفسه.
أيها الصائمون، ومن آثار السهر أن له آثارًا على نَفْس الإنسان وخُلُقِه؛ إذ يصبح ونفسه كزَّةٌ، وخلقُهَ سيئٌ؛ وذلك لما للسهر من تأثير على الأعصاب؛ فينتج من جَرَّاء ذلك انقباضُ النفس، وقلة احتمالها.
ولو لم يأت من آثار السهر إلا أنه سبب لترك صلاة الفجر لكفى.
أما النوم الكثير -خصوصًا بالنهار- فلا يخفى ضرره؛ فذلك مضيعة للوقت، وحرمانٌ للبركة؛ فالنومُ يعطل قوةَ العقل، ويُلْحِقُ الإنسان بالخشب المسندة.
وبما أن أمرَه غالبُ ما له من مَرَدٍ، فإن أولي الحكمةِ لا يخضعون لسلطانه إلا حيثُ يَغْلِب على أمرهم، ولا يعطونه من الوقت إلا أقلَّ ما تفرضُه عليهم الطبيعةُ البشرية، ويبتغون بذلك أن تبقى عقولهم في حركات تثمر علمًا نافعًا، أو عملاً صالحًا.
فحقيق على هؤلاء المُفرِّطين المضيعين أوقاتَهم أن يتنبهوا لأسرار الصيام، وأن يغتنموا مدرستَه العظيمة؛ ليجنوا ثمارَه الصحيحةَ، ويستمدوا منه قوةَ الروح؛ فيكونَ نهارُهم نشاطًا وإنتاجًا وإتقانًا، وتعاونًا على البر والتقوى.
ويكونَ ليلُهم تهجدًا، وتلاوةً لكتاب ربهم، ومحاسبةً لأنفسهم على ضوئه؛ ليخرجوا من مدرسة الصيام مفلحين فائزين.
اللهم أيقظنا من رقدات الغفلات، وأعنا على اغتنام الأوقات في الباقيات الصالحات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
-----------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2015, 03:17 AM   #10305
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

مدرسة الثلاثين يوما



لم أقرأ لأحدٍ قولاً شافيًا في فلسفة الصوم وحكمته. أما منفعته للجسم، وأنه نوع من الطب له، وباب من السياسة في تدبيره، فقد فرغ الأطباء من تحقيق القول في ذلك. وكأن أيام هذا الشهر المبارك إن هي إلا ثلاثون حبة تؤخذ في كل سنة مرة؛ لتقوية المعدة وتصفية الدم وحياطة أنسجة الجسم. ولكنا الآن لسنا بصددٍ من هذا، وإنما نستوحي تلك الحقيقة الإسلامية الكبرى التي شرعت هذا الشرع لسياسة الحقائق الأرضية الصغيرة، عاملة على استمرار الفكرة الإنسانية فيها؛ كي لا تتبدل النفس على تغيُّر الحوادث وتبدلها، ولكيلا تجهل الدنيا معاني الترقيع إذا أتت على هذه الدنيا معاني التمزيق.
من معجزات القرآن الكريم أنه يدخر في الألفاظ المعروفة في كل زمن، حقائق غير معروفة لكل زمن، فيجلّيها لوقتها حين يضج الزمان العلمي في متاهته وحيرته، فيشغب على التاريخ وأهله مستخفًّا بالأديان، ويذهب يتتبع الحقائق، ويستعصي في فنون المعرفة، ليستخلص من بين كفر وإيمان، دينًا طبيعيًّا سائغًا، يتناول الحياة أول ما يتناول فيضبطها بأسرار العلم، ويوجهها بالعلم إلى غايتها الصحيحة، ويضاعف قواها بأساليبه الطبيعية؛ ليحقق في إنسانية العالم هذه الشيئية المجهولة التي تتوهمها المذاهب الاجتماعية ولم يهتدِ إليها مذهب منها ولا قاربها، فما برحت سعادة الاجتماع كالتجربة العلمية بين أيدي علمائها، لم يحققوها ولم ييئسوا منها، وبقيت تلك المذاهب كعقارب الساعة في دورتها: تبدأ من حيث تبدأ، ثم لا تنتهي إلا إلى حيث تبدأ.
يضطرب الاشتراكيون في أوربا وقد عجزوا عجز من يحاول تغيير الإنسان بزيادة ونقص في أعصابه، ولا يزال مذهبهم في الدنيا مذهب كتب ورسائل، ولو أنهم تدبروا حكمة الصوم في الإسلام، لرأوا هذا الشهر نظامًا عمليًّا أقوى وأبدع من الأنظمة الاشتراكية. فهذا الصوم فقر إجباري تفرضه الشريعة على الناس فرضًا ليتساوى الجميع في بواطنهم، سواءٌ منهم من ملك المليون من الدنانير، ومن ملك القرش الواحد، ومن لم يملك شيئًا.
كما يتساوى الناس جميعًا في ذهاب كبريائهم الإنسانية بالصلاة التي يفرضها الإسلام على كل مسلم، وفي ذهاب تفاوتهم الاجتماعي بالحج الذي يفرضه عليه من استطاع.. فقر إجباريّ يراد به إشعار النفس الإنسانية بطريقة عملية واضحة كل الوضوح، أن الحياة الصحيحة وراء الحياة لا فيها، وأنها إنما تكون على أتمها حين يتساوى الناس في الشعور لا حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة.
ولو حققت رأيت الناس لا يختلفون في الإنسانية بعقولهم، ولا بأنسابهم، ولا بمراتبهم، ولا بما ملكوا، وإنما يختلفون ببطونهم وأحكام هذه البطون على العقل والعاطفة، فمن البطن نكبة الإنسانية، وهو العقل العملي على الأرض. وإذا اختلف البطن والدماغ في ضرورة، مدَّ البطن مدّه من قوى الهضم فلم يبق ولم يذر.
ومن ها هنا يتناوله الصوم بالتهذيب والتأديب والتدريب، ويجعل الناس فيه سواء، ليس لجميعهم إلا شعور واحد وحسّ واحد وطبيعة واحدة، ويحكم الأمر فيحول بين هذا البطن وبين المادة، ويبالغ في إحكامه، فيمسك حواشيه العصبية في الجسم كله، يمنعها تغذيتها ولذتها حتى نفثة من دخينة.
وبهذا يضع الإنسانية كلها في حالة نفسية واحدة تتلبس بها النفس في مشارق الأرض ومغاربها، ويطلق في هذه الإنسانية كلها صوت الروح يعلّم الرحمة ويدعو إليها، فيشبع فيها بهذا الجوع فكرة معينة هي كل ما في مذهب الاشتراكية من الحق، وهي تلك الفكرة التي يكون عنها مساواة الغني للفقير من طبيعته، واطمئنان الفقير إلى الغني بطبيعته، ومن هذيْن (الاطمئنان والمساواة) يكون هدوء الحياة بهدوء النفسين اللتين هما السلب والإيجاب في هذا الاجتماع الإنساني، وإذا أنت نزعت هذه الفكرة من الاشتراكية بقي هذا المذهب كله عبثًا من العبث في محاولة جعل التاريخ الإنساني تاريخًا لا طبيعة له.
من قواعد النفس أن الرحمة تنشأ عن الألم، وهذا بعض السرِّ الاجتماعي العظيم في الصوم، إذ يبالغ أشد المبالغة، ويدقق كل التدقيق، في منع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدة آخرها آخر الطاقة، فهذه طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس، ولا طريقة غيرها إلا النكبات والكوارث، فهما طريقتان كما ترى، مبصرة وعمياء، وخاصة وعامة، وعلى نظام وعلى فجأة.
ومتى تحققت رحمة الجائع الغنيّ للجائع الفقير أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ، وحكم الوازع النفسيّ على المادة، فيسمع الغني في ضميره صوت الفقير يقول "أعطني"، ثم لا يسمع منه طلبًا من الرجاء، بل طلبًا من الأمر لا مفر من تلبيته والاستجابة لمعانيه، كما يواسي المبتلى من كان في مثل بلائه.
أية معجزة إصلاحية أعجب من هذه المعجزة الإسلامية التي تقضي أن يحذف من الإنسانية كلها تاريخ البطن ثلاثين يومًا في كل سنة، ليحل في محله تاريخ النفس! وأنا مستيقن أن هناك نسبة رياضية هي الحكمة في جعل هذا الصوم شهرًا كاملاً من كل اثني عشر شهرًا، وأن هذه النسبة متحققة في أعمال النفس للجسم، وأعمال الجسم للنفس، كأنه الشهر الصحيّ الذي يفرضه الطب في كل سنة للراحة والاستجمام وتغيير المعيشة؛ لإحداث الترميم العصبيّ في الجسم، ولعلَّ ذلك آتٍ من العلاقة بين دورة الدم في الجسم الإنساني وبين القمر منذ يكون هلالاً إلى أن يدخل في المحاق، إذ تنتفخ العروق وتربو في النص الأول من الشهر، كأنها في (مدّ) من نور القمر ما دام هذا النور إلى زيادة، ثم يراجعها (الجزر) في النصف الثاني حتى لكأن للدم إضاءة وظلامًا، وإذا ثبت أن للقمر أثرًا في الأمراض العصبية وفي مدّ الدم وجزره، فهذا من أعجب الحكمة في أن يكون الصوم شهرًا قمريًّا دون غيره.
وفي ترائي الهلال ووجوب الصوم لرؤيته معنى دقيق آخر، وهو -مع إثبات رؤية الهلال وإعلانها- إثبات الإرادة وإعلانها، كأنما انبعث أول الشعاع السماويّ في التنبه الإنساني العام لفروض الرحمة والإنسانية والبر.
وهنا حكمة كبيرة من حِكم الصوم، وهو عمله في تربية الإرادة وتقويتها بهذا الأسلوب العملي الذي يدرِّب الصائم على أن يتمنع باختياره من شهواته ولذة حيوانيته، ويبقيه مصرًّا على الامتناع، متهيئًا له بعزيمته، صابرًا عليه بأخلاق الصبر، مزاولاً في كل ذلك أفضل طريقة نفسية لاكتساب الفكرة الثابتة، ترسخ لا تتغير ولا تتحول، ولا تعدو عليها عوادي الغريزة.
وإدراك هذه القوة من الإرادة العملية منزلة اجتماعية سامية، هي في الإنسانية فوق منزلة الذكاء والعلم؛ ففي هذين تعرض الفكرة مارة مرورها ولكنها في الإرادة تعرض لتستقر وتتحقق، فانظر في أي قانون من القوانين وفي أي أمة من الأمم، تجد ثلاثين يومًا من كل سنة قد فرضت فرضًا لتربية الشعب ومزاولته فكرة نفسية واحدة بخصائصها وملابساتها؛ حتى تستقر وترسخ وتعود جزءًا من عمل الإنسان، لا خيالاً يمرُّ برأسه مرًّا.
أليست هذه هي إتاحة الفرصة العملية التي جعلوها أساسًا في تكوين الإرادة؟ وهل تبلغ الإرادة فيما تبلغ أعلى من منزلتها حين تجعل شهوات المرء مذعنة لفكرة، منقادة للوازع النفسيّ فيه، مصرّفة بالحسّ الديني المسيطر على النفس ومشاعرها؟
أما -والله- لو عمَّ هذا الصوم الإسلامي أهل الأرض جميعًا، لآَلَ معناه أن يكون إجماعًا من الإنسانية كلها على إعلان الثورة شهرًا كاملاً في السنة لتطهير العالم من رذائله وفساده، ومحق الأثرة والبخل فيه، وطرح المسألة النفسية ليتدارسها أهل الأرض دراسة عملية مدة هذا الشهر بطوله، فيهبط كل رجل وكل امرأة إلى أعماق نفسه ومكامنها، ليختبر في مصنع فكره معنى الحاجة ومعنى الفقر، وليفهم في طبيعة جسمه -لا في الكتب- معاني الصبر والثبات والإرادة، وليبلغ من ذلك وذلك درجات الإنسانية والمواساة والإحسان، فيحقق بهذه وتلك معاني الإخاء والحرية والمساواة.
شهر هو أيام قلبية في الزمن، متى أشرفت على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السموّ، يتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنما أجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو، وكأنما أفرغت من خسائسها وشهواتها كما فرغ هو، وكأنما ألزمت معاني التقوى كما ألزمها هو. وما أجمل وأبدع أن تظهر الحياة في العالم كله -ولو يومًا واحدًا- تسبح لله! فكيف بها على ذلك شهرًا من كل سنة؟!
إنها -والله- طريقة عملية لرسوخ فكرة الخير والحق في النفس، وتطهر الاجتماع من خسائس العقل الماديّ، وردّ هذه الطبيعة الحيوانية المحكومة في ظاهرها بالقوانين والمحررة من القوانين في باطنها، إلى قانون من باطنها نفسه، يطهر مشاعرها، ويسمو بإحساسها، ويصرفها إلى معاني إنسانيتها، ويهذب من زياداتها، ويحذف كثيرًا من فضولها، حتى يرجع بها إلى نحو من براءة الطفولة، فيجعلها صافية مشرقة بما يجتذب إليها من معاني الخير والصفاء والإشراق، إذ كان من عمل الفكرة الثابتة في النفس أن تدعو إليها ما يلائمها ويتصل بطبيعتها من الفِكر الأُخرى، والنفس في هذا الشهر محتسبة في فكرة الخير وحدها، فهي تبني بناءها من ذلك ما استطاعت.
هذا على الحقيقة ليس شهرًا من الأشهر، بل هو فصل نفساني كفصول الطبيعة في دورانها، ولهو –والله- أشبه بفصل الشتاء في حلوله على الدنيا بالجو الذي من طبيعته السحب والغيث، ومن عمله إمداد الحياة بوسائل لها ما بعدها إلى آخر السنة، ومن رياضته أن يكسبها الصلابة والانكماش والخفة، ومن غايته إعداد الطبيعة للتفتح عن جمال باطنها في الربيع الذي يتلوه.
وعجيب جدًّا أمر هذا الشهر الذي يدّخر فيه الجسم من قواه المعنوية فيودعها مصرف روحانيته، ليجد منها عند الشدائد مدد الصبر والثبات والعزم والجلد والخشونة. عجيب جدًّا أن هذا الشهر الاقتصادي هو من أيام السنة كفائدة 8.3%، فكأنه يسجّل في أعصاب المؤمن حساب قوته وربحه فله في كل سنة زيادة 8.3 من قوته المعنوية الروحانية.
وسحر العظائم في هذه الدنيا إنما يكون في الأمة التي تعرف كيف تدّخر هذه القوة وتوفرها،لتستمدها عند الحاجة، وذلك هو سرّ أسلافنا الأولين الذين كانوا يجدون على الفقر في دمائهم وأعصابهم ما تجد الجيوش العظمى اليوم في مخازن الأسلحة والعتاد والذخيرة.
كل ما ذكرته في هذا البحث من فلسفة الصوم فإنما استخرجته من هذه الآية الكريمة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. وقد فهمها العلماء جميعًا على أنها من معنى "التقوى"، أما أنا فأوَّلتها من "الاتّقاء"؛ فبالصوم يتّقي المرء على نفسه أن يكون كالحيوان الذي شريعته معدته، وألاّ يعامل الدنيا إلا بمواد هذه الشريعة، ويتّقي المجتمع على إنسانيته وطبيعته مثل ذلك، فلا يكون إنسان مع إنسان كحمار مع إنسان، يبيعه القوة كلها بالقليل من العلف.
وبالصوم يتّقي هذا وهذا ما بين يديه وما خلفه، فإنما ما بين يديه هو الحاضر من طباعه وأخلاقه، وما خلفَه هو الجيل الذي سيرث من هذه الطباع والأخلاق، فيعمل بنفسه في الحاضر، ويعمل بالحاضر في الآتي.
وكل ما شرحناه فهو اتّقاء ضرر لجلب منفعة، واتّقاء رذيلة لجلب فضيلة، وبهذا التأويل تتجه الآية الكريمة جهة فلسفية عالية، لا يأتي البيان ولا العلم ولا الفلسفة بأوجز ولا أكمل من لفظها، ويتوجه الصيام على أنه شريعة اجتماعية إنسانية عامة، يتّقي بها المجتمع شرور نفسه، ولن يتهذب العالم إلا إذا كان له مع القوانين النافذة هذا القانون العام الذي اسمه الصوم، ومعناه: "قانون البطن".
ألا ما أعظمك يا شهر رمضان! لو عرفك العالم حق معرفتك لسمَّاك "مدرسة الثلاثين يومًا"[1].
--------------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2015, 03:37 AM   #10306
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

فــــــوائـــــد الصـــوم



الصيام عبادة قوامها أن يمتلك المرء نفسه، وأن يحكم هواه، وأن تكون لديه العزيمة التي يترك بها ما يشتهي، ويقدم بها على ما يكره!!
قوام الصيام تحرير الإرادة الإنسانية، وجعلها تبعًا لأوامر الله لا لرغائب النفس!! وتحرير الإرادة هو الفرق الهائل، لا أقول بين الحر والعبد بل بين الإنسان والحيوان!! إن الدابة تفعل ما تحب وتدع ما يضايقه، والمسافة بين عزيمتها وشهوتها معدومة, بل لا عزيمة هنالك, ولا صراع بين شهوات وواجبات. أما الإنسان فيتطلع إلى أمور تردعه عنها حواجز شتى.. فإن غلب رشده كان عقله حاكمًا لرغائبه, وإلاَّ فهو إلى الدواب أدنى. وليس الصيام عن الشهوات فارقًا بين الإنسان والحيوان فقط, بل هو فارق بين الناجحين من الناس والفاشلين؛ فالنجاح في كل شيء قدرة على تحميل النفس الصعاب, وتصبيرها على الشدائد, وقدرة على منعها ما تستحلى, وفطامها عما تبغي.
ومن قديم عرف طُلاّب العُلا هذه الحقيقة,واستيقنوا من أن الراحة الكبرى لا تنال إلا على جسرٍ من التعب, وأن من طلب عظيمًا خاطر بعظيمته, وأن ركوب المشقّات هو الوسيلة الوحيدة لإدراك المجد. وقد شرع الإسلام الصيام للناس؛ كي يدربهم على قيادة شهواتهم, لا الانقياد لها. ومن هنا حرَّم على المؤمنين من مطلع الفجر إلى أول الليل أن يجيبوا أقوى رغائبهم, وأن يتمرنوا الحرمان الموقوت, وأن يتدربوا عمليًّا على فهم الحديث الجليل "حُفَّتِ الجنةُ بالمكاره, وحفت النار بالشهوات".
والصيام امتناع عن أمور.. والامتناع عنصر "سلبي" لا يراه الناس عادةً.. إنه سر باطن كالإخلاص ما يعرفه إلا علام الغيوب. وذلك تفسير ما ورد في الحديث القدسي: "الصوم لي". إنه امتناع عن الطبائع المادية للبطن والفرج، وهو كذلك امتناع عن مطاوعة طبائع الغضب والاستفزاز.
والصائم ساكن وقور, وذاك أعون له على ذكر الله, وصفاء النفس. وتجد ذلك كله في الحديث المشهور عن أبى هريرة قال: قال رسول الله : "قال الله : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
"والصيام جُنَّة, فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب, فإن سابه أحد, أو قاتله فليقل:إني صائم, إني صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره, وإذا لقي ربه فرح بصومه".
والمشقة التي يلقاها الناس ضروب تحتاج إلى تفصيل.. فهناك مشقة من الجد الذي يقابل الهزل, أو العمل الذي يقابل العطل, أو الحق الذي يقابل الباطل, أو الجهاد الذي يقابل القعود. وهذا الضرب من المشقة لا بُدَّ من تحمله, ومن ترويض النفس على أعبائه, ويصعب أو يستحيل تصور الإيمان بدونه. وهناك مشقة النهوض للكمال الأعلى, والعكوف على مرضاة الله مهما حملت صاحبها من مكابدة الناس، وتحمُّل العنت. وقد بيَّن الله لنبيه طرفًا من هذه المشقة عندما استثاره لقيام الليل, ووجَّهه لهداية الناس, وصارحه بطبيعة الرسالة: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل: 5]. إنه قول ثقيل حقًّا بما تضمنه من واجبات عظام, ولكنها طبيعة المناصب الجليلة لا تنفك أبدًا عن هذه الأحمال الثقال!!
وهذا الضرب من المشقة مفروض على أصحاب النفوس الكبار..وهو نهج من الحياة يصطفي الله له من يشاء, وتسترخص فيه مهج ونزوات, وآمال وملذات. وثمَّ ضرب آخر وهو تحميل النفس ما لا قِبل لها به, وما تعجز عن أدائه. وهذا لم يكلف الله به أحدًا من خلقه {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. والصيام فريضة لا بد منها لتدريب المسلم على المشقة الأولى, وتهيئته للثانية؛ فإذا عرضت المشقة الأخيرة سقط الصيام فلا يجب على أحد. ويستبين من هذا أن الصوم ليس تعذيبًا جسمانيًّا, وليس تعطيلاً عن عمل, إلا إذا اعتبرنا الرياضة البدنية محاولات لهدم الجسم الإنساني، وتعجيزه عن أداء الواجبات.
الصوم رياضة لها هدف, وغراس تُرجى منه ثمار.. الصوم مشقة محدودة لتدريب الناس على المعنويات العالية, وتعليمهم كيف يفعلون الخير ويتركون الشر, أو كيف يعشقون الحسن ويكرهون القبيح, أو كيف يسارعون إلى مرضاة الله ويفرون من مساخطه. إنه ليس معركة مبهمة ضدَّ الجسد, ولكنه خطة واضحة لتزكية القلب ودعم الإيمان, واحتساب التعب عند الله لا عند أحد من الناس. وفي هذا الجو من ترشيح النفوس للتقوى, والعزوف بها عن الشهوات الدنيا, والتحليق بها إلى مصافّ الملائكة, يذكر أن القرآن نزل في هذا الشهر, وأن على المؤمنين بعد أن يقضوا سحابة النهار على ما وصفنا أن يصفُّوا أقدامهم في المحاريب, ويرطبوا ألسنتهم بتلاوة الكتاب العزيز. قال عليه الصلاة والسلام: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"[1].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 183-185].
وقبل أن نذكر الآية التي تلت هذه الآيات, والتي يبدو للناظر السطحي أنها مقحمة وسط آيات تتحدث عن شريعة الصيام وأحكامه, نعود مرة أخرى إلى الجو الصافي المشرق الذي يحدثه الصيام في النفوس.. إن هذه الفرصة تطهر أصحابها بالنهار؛ كي تعدهم لاستقبال هدايات القرآن في قيام الليل.. وهذا النوع من التخلية ثم التحلية كما يقول علماء القلوب يجعل المسلم أقرب شيء إلى رضوان الله وغفرانه, وقد جاء في الحديث، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أيْ رب، منعته الطعام والشهوة, فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه". قال: "فيشفعان"[2]. وفي رواية عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله : "إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد". قال: وسمعت عبد الله يقول عند فطره: "اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي". وفي رواية: "ثلاث حق على الله أن لا يرد لهم دعوة: الصائم حتى يفطر, والمظلوم حتى ينتصر, والمسافر حتى يرجع"[3].
وهذا كله يشرح لنا قوله تعالى بعد آيتي الصيام السابقتين: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186][4].
--------------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2015, 03:51 AM   #10307
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

فـــــــريضــــة الصيــــام



بقلم الدكتور مصطفى محمود رحمة الله
الصيام من الشعائر القديمة المشتركة في جميع الأديان.
وهواة الجدل دائمًا يسألون.. كيف يخلق لنا الله فمًا وأسنانًا وبلعومًا ومعدة؛ لنأكل
ثم يقول لنا: صوموا؟ كيف يخلق لنا الجمال والشهوة ثم
يقول لنا: غضوا أبصاركم وتعففوا؟ هل هذا معقول؟
وأنا أقول لهم: بل هو المعقول الوحيد؛ فالله يعطيك الحصان لتركبه لا ليركبك.. لتقوده وتخضعه لا ليقودك هو ويخضعك.. وجسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه وتحكمه وتقوده وتلجمه وتستخدمه لغرضك، وليس العكس أن يستخدمك هو لغرضه، وأن يقودك هو لشهواته.
ومن هنا كان التحكُّم في الشهوة وقيادة الهوى ولجام المعدة هي علامة الإنسان، أنت إنسان فقط في اللحظة التي تقاوم فيها ما تحب، وتتحمل ما تكره. أما إذا كان كل همِّك هو الانقياد لجوعك وشهواتك، فأنت حيوان تحركك حزمة برسيم وتردعك عصا، وما لهذا خلقنا الله.
الله خلق لنا الشهوة لنتسلق عليها مستشرفين إلى شهوة أرفع.. نتحكم في الهياج الحيواني لشهوة الجسد ونصعد عليها لنكتفي بتلذذ العين بالجمال، ثم نعود فنتسلق على هذه الشهوة الثانية لنتلذذ بشهوة العقل إلى الثقافة والعلم والحكمة، ثم نعود فنتسلق إلى معراج أكبر لنستشرف الحقيقة ونسعى إليها ونموت في سبيلها.
معارج من الأشواق أدناها الشوق إلى الجسد الطيني، وأرفعها الشوق إلى الحقيقة والمثال.. وفي الذروة.. أعلى الأشواق لربِّ الكمالات جميعها الحق I.
ولهذا سخّر الله لنا الطبيعة بقوانينها وثرواتها وكنوزها، وجعلها بفطرتها تطاوعنا وتخدمنا، فنحن لم نبذل مجهودًا كبيرًا لنجعل الجمل يحمل أثقالنا، أو الكلب يحرس ديارنا، أو الأنعام تنفعنا بفرائها ولحومها وجلودها، وإنما هكذا خُلقت مسخَّرة طائعة، وإنما العمل الذي خلقنا الله من أجله والتكليف الذي كلفنا به هو أن نركب هذه الدواب مهاجرين إلى الهدف.. إلى الله.. إليه وحده في كماله..
{يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ} [الانشقاق: 6].
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
والعبادة لا تكون إلا عن معرفة؛ فالحياة رحلة تعرُّف على الله، وسوف يؤدي بنا التعرف على الله وكمالاته إلى عبادته.. هكذا بالفطرة ودون مجهود، وهل نحتاج إلى مجهود لنعبد الجميلة حبًّا، إنما تتكفل بذلك الفطرة التي تجعلنا نذوب لحظة التطلع إلى وجهها؟! فما بالنا لحظة التعرُّف على جامع الكمالات الذي هو نبع الجمال كله! إننا نفنى حبًّا.
وما الصيام إلا التمرين الأول في هذه الرحلة، إنه التدريب على ركوب الفرس وترويضه وتطويعه بتحمُّل الجوع والمشقة، وهو درس الانضباط والأدب والطاعة.
وهذه المعاني الراقية (الجميلة) ليس منها ما نعرف في (صيام اليوم) من فوازير ونكات وهزليات وصوانٍ ومكسرات وسهرات. وإنما الصائم يفرِّغ نفسه للذكر وليس للتليفزيون.. ويخلو للصلاة وقيام الليل، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه، وليس للرقص وترديد الأغاني المكشوفة.
وقد كان رمضان دائمًا شهر حروب وغزوات واستشهاد في سبيل الله.. كانت غزوة بدر في رمضان.. كما كانت حربالتتار في رمضان.. وحرب الصليبيين في رمضان.. وحرب إسرائيل في رمضان.
ذلك هو الصيام الرفيع.. ليس تبطلاً،ولا نومًا بطول النهار، وسهرًا أمام التليفزيون بطول الليل، وليس قيامًا متكاسلاً في الصباح إلى العمل، وليس (نرفزة) وضيق صدر وتوترًا مع الناس..
فالله في غِنى عن مثل هذا الصيام، وهو يرده على صاحبه ولا يقبله، فلا ينال منه إلا الجوع والعطش. وإنما الصيام هو ركوب لدابة الجسد لتكدح إلى الله بالعمل الصالح، والقول الحسن، والعبادة الحقة. واسألْ نفسك عن حظك من كل هذا في رمضان، وستعلم إلى أيِّ حدٍّ أنت تباشر شعيرة الصيام[1].
----------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2015, 04:01 AM   #10308
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2015, 05:32 AM   #10309
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

أئمة السلف في رمضان
الإمام الشافعي



كان الشافعي -رحمه الله- إمامًا في الاجتهاد والفقه، كذلك كان إمامًا في الإيمان والتقوى والورع والعبادة؛ فعن الربيع قال: كان الشافعي قد جزَّأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام.
وكان -رحمه الله- لا يقرأ قرآنًا بالليل إلا في صلاة؛ يقول المزني: ما رأيت الشافعي قرأ قرآنًا قط بالليل إلا وهو في الصلاة. ووُصِفَ الشافعي -رحمه الله- أيضًا بالحكمة، كما وُصِفَ بالكرم والسخاء، وغير ذلك من جميل الأخلاق وحسن السجايا.
وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة، يقرؤها في غير الصلاة.
عبدالله بن عمر
كان ابن عمر لا يفطر في رمضان إلا مع اليتامى والمساكين، وربما لا يفطر إذا علم أن أهله قد ردُّوهم عنه في تلك الليلة. وكان من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة؛ إذ كان تاجرًا أمينًا ناجحًا، وكان راتبه من بيت مال المسلمين وفيرًا، ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قَطُّ، إنما كان يُرسِله إلى الفقراء والمساكين والسائلين، فقد رآه "أيوب بن وائل الراسبي" وقد جاءه أربعة آلاف درهم وقطيفة[1]، وفي اليوم التالي رآه في السوق يشتري لراحلته علفًا بالدَّيْن، فذهب أيوب بن وائل إلى أهل بيت عبد الله وسألهم، فأخبروه: إنه لم يبِتْ بالأمس حتى فَرَّقَهَا جميعًا، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره وخرج، ثم عاد وليست معه، فسألناه عنها فقال: إنه وهبها لفقير.
قتادة السدوسي
قتادة بن دعامة السدوسييُكنَّى أبا الخطاب، بصري تابعي ثقة، ولد سنة ستين من الهجرة، وكان ضرير البصر، عَدَّهُ أصحاب الطبقات من "الطبقة الرابعة"، وكان يختم القرآن في كل سبعٍ دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاثٍ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة. ومات بواسط سنة 117هـ، وهو ابن سِتٍّ وخمسين سنة.
الإمام الزهري



محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري (58- 124هـ)،من بني زهرة بن كلاب، من قريش، أوَّل من دوَّن الحديث، وأحد أكابر الحفَّاظ والفقهاء، تابعيٌّ من أهل المدينة. كان يحفظ ألفين ومائتي حديث، نصفها مسند[2].
وعن أبى الزناد: كنا نطوف مع الزهري ومعه الألواح والصحف؛ ليكتب كل ما يسمع.
نزل الشام واستقر بها، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عُمَّالِه: عليكم بابن شهاب؛ فإنكم لا تجدون أحدًا أعلم بالسنة الماضية منه.
وكان الزهري إذا دخل رمضان يَفِرُّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقبِل على تلاوة القرآن من المصحف.
سفيان الثوري
سفيان بن سعيد الثوري (97- 161هـ) أمير المؤمنين في الحديث.. كان سيِّد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى، وُلد ونشأ في الكوفة، وراوده المنصور العباسيّ على أن يلي الحكم، فأبى، وخرج من الكوفة (سنة 144هـ)، فسكن مكة والمدينة، ثم طلبه المهديّ، فتوارى، وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفيًا[3].
وكان سفيان إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة،
وأقبل على قراءة القرآن.
----------------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2015, 05:47 AM   #10310
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

السلف والقرآن




شهر رمضان
له خصوصية بالقرآن، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَالَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185]. ولهذا حرص السلف -رحمهم الله- على الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان؛ فعن إبراهيم النخعي قال:
"كان الأسود بن يزيد يختم القرآن في رمضان في كل ليلتيْن، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليالٍ"[1].
وعن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير أنه كان يختم القرآن في كل ليلتيْن
وقيل: كان الخليفة الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمة
وقال مسبِّح بن سعيد: "كان محمد بن إسماعيل البخاري يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة"
كثرة قراءة القرآن




شهر رمضان هو شهر القرآن، فينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءته، وقد كان من حال السلف العناية بكتاب الله، فكان جبريل يدارس النبي القرآن في رمضان، وكان عثمان بن عفان يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها.
كذلك كان للشافعي في رمضان ستون ختمة، يقرؤها في غير الصلاة. وكان قتادة يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة. وكان الزهريُّ إذا دخل رمضان يفرُّ من قراءة الحديث، ومجالسة أهل العلم، ويُقبِل على تلاوة القرآن من المصحف. وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
قال ابن رجب الحنبلي: "إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاثٍ على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضَّلة كشهر رمضان، والأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحبُّ الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتنامًا لفضيلة الزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم، كما سبق".
شهر القرآن




كان الإمام أحمد يُغلِق الكتب ويقول: هذا شهر القرآن. وكان الإماممالك بن أنس لا يفتي ولا يدرِّس في رمضان،
ويقول: هذا شهر القرآن.
وقد احتضر أحد السلف، فجلس أبناؤه يبكون، فقال لهم: لا تبكوا؛ فوالله لقد كنتُ أختم في رمضان في هذا المسجد
عند كل سارية 10 مرات.
وكان في المسجد 4 ساريات،أي: كان يختم القرآن 40 مرة
في رمضان.
وكان بعض السلف الصالح يُحيي ليله بقراءة القرآن، فمرَّ عليه أحد تلاميذه، فسمعه يردد: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]. فأخذ يكرِّر الآية حتى طلع الفجر. فذهب إليه تلميذه بعد صلاة الفجر، وسأله عما رآه.. فقال له: استرْ عليَّ ما رأيت.
فقال:أستره عليك ما دمتَ حيًّا، ولكن أخبرني بخبرك.
فقال: عندما كنت أردِّدها، نازلَ قلبي الودُّ الذي بين العبد وربِّه، فأخذت أتلذَّذُ بذلك الوداد، وكلما كرَّرت الآية ازداد ذلك الودُّ في قلبي.
------------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ الوآصل المنتدى الرياضي 6 10-12-2009 01:49 AM
اســـــــرار القلــــب..! الســرف المنتدى العام 22 29-09-2008 01:03 AM
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء امـــير زهران منتدى الحوار 4 02-09-2008 03:05 PM
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة رياح نجد المنتدى العام 19 15-08-2008 01:10 PM
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! البرنسيسة المنتدى العام 13 17-08-2007 11:04 PM


الساعة الآن 11:48 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved