منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > منتدى الكتاب

كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


منتدى الكتاب

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
قديم 18-06-2013, 01:56 AM   #2941
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

أســـاليــب الـدعــوة إلــى الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوة في اللغة والاصطلاح
تعريف الدعوة ومعناها لغة واصطلاحا
أولا : الدعوة في اللغة
كلمة ( الدعوة ) مصطلح إسلامي، وهناك علاقة وثيقة بين مدلول هذا اللفظ في الأصل اللغوي، وبين استعماله كمصطلح إسلامي صرف .
معاني الدعوة في القرآن
ورد لفظ الدعوة في القرآن الكريم للدلالة على معاني متعددة منها:
1 ـ معنى الطلب: نحو قوله تعالى: ( لا تدعو اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً) (الفرقان: 14). بمعنى لا تطلبوا اليوم هلاكاً واحداً بل اطلبوا هلاكاً وويلاً كثيراً فإن ذلك لن ينفعكم.
2 ـ معنى النداء: نحو قوله تعالى ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقًا) (الكهف:52). أي فنادوهم فلم يستجيبوا لهم.
3 ـ معنى السؤال: نحو قوله تعالى حكاية عن بني إسرائيل قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) (البقرة:69). أي اسأل ربّك يبين لنا ما لون البقرة التي أمرنا بذبحها.
4 ـ معنى الحث والتحريض على فعل شيء: نحو قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار) (غافر:41). بمعنى أنه ليس من العدل والإنصاف أن أحثّكم وأحرضكم على فعل ما من شأنه نجاتكم في الدنيا والآخرة، وأنتم تحرضونني على فعل ما من شأنه هلاكي.
5 ـ معنى الاستغاثة: نحو قوله تعالى قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين) (الأنعام:40).
بمعنى: هل إذا أتاكم عذاب وغضب من الله وأصابتكم كارثة أو مصيبة أو أتتكم الساعة هل إذ حدث ذلك تستغيثون بغير الله؟ فإن كلمة تدعون في الآية بمعنى الاستغاثة.
6 ـ معنى الأمر: نحو قوله تعالى : {وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم} (الحديد:8). أي والرسول يأمركم أن تؤمنوا بالله ربكم.
7 ـ معنى الدعاء: نحو قوله تعالى ادعوا ربكم تضرُّعاً وخفية) (الأعراف:55). بمعنى توسلوا إلى الله بالدعاء وتقربوا إليه به.
هذه معاني متعددة استُعمل لفظ الدعوة للدلالة عليها كما ورد في القرآن الكريم ، وإذا نظرنا بشيء من الإمعان إلى تلك المعاني سوف نجد أنها تعود جميعها إلى أصل واحد وهو معنى «الطلب».
فالنداء هو طلب الحضور والمجيء سواء لأمر حسي أو معنوي.
والسؤال: هو طلب العلم بشيء لم يكن معلوماً لدى السائل.
والتحريض والحث: هو طلب إتيان فعل غير مرغوب فيه عند المخاطب.
والاستغاثة: طلب رفع ضرر واقع على المستغيث.
والأمر: طلب إتيان الفعل مطلقاً.
والدعاء: هو الطلب من الله سبحانه وتعالى.
وتعدّد معنى الدعوة كما هو واضح بغرض بيان القصد المراد منها.
ومن ثمّ يمكن تعريف الدعوة إلى الإسلام من خلال ما تقدم بأنها : الطلب من الناس الدخول في طاعة الله تبارك وتعالى، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والالتزام بشرائعه أي التدين بالدين الإسلامي الحنيف الذي اختاره الله تبارك وتعالى لخلقه والعمل بتعاليمه. ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة:21) .
الدعوة في الاصطلاح
الدعوة في لسان الشرع قد وردت فيها عدة تعاريف، نذكر منها:
1) تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
(الدعوة إلى الله، هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا).
انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية ج15/ 157
2) تعريف د. السيد محمد الوكيل:
الدعوة إلى الله هي جمع الناس إلى الخير،ودلالتهم على الرشد، بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، قال تعالى: ((والتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)) [آل عمران 103].
انظر: أسس الدعوة وآداب الدعاء للدكتور السيد محمد الوكيل، ص9
3) تعريف الشيخ الصواف:
الدعوة هي رسالة السماء إلى الأرض، وهي هدية الخالق إلى المخلوق، وهي دين الله القويم، وطريقه المستقيم، وقد اختارها الله وجعلها الطريق الموصل إليه سبحانه، ((إن الدين عند الله الإسلام)) [آل عمران 19]، ثم اختارها لعباده، وفرضها عليهم، ولم يرض بغيرها بديلاً عنها ((ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)) [آل عمران 185].
انظر: الدعوة والدعاء للصواف، ص22
وخلاصة التعاريف فإننا نقول بأن الدعوة إلى الله هي قيام الداعية المؤهل بإيصال دين الإسلام إلى الناس كافة (أمة الدعوة وأمة الاستجابة) وفق الأسس والمنهج الصحيح، وبما يتناسب مع أصناف المدعوين ويلائم أحوال وظروف المخاطبين
------------
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-06-2013, 02:48 AM   #2942
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


ايات قرانية للفايدة












الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-06-2013, 01:10 PM   #2943
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

فن التطنيش لمن أراد أن يعيش
د. عائض القرني




قال أحد الصالحين رضي الله عنه: طنش تعش تنتعش، ومعنى ذلك أن لا تبالي بالحوادث والمنغصات، وقد سبق إلى ذلك زميلي وصديقي الدكتور أبو الطيب المتنبي، حيث يقول: فعشت ولا أبالي بالرزايا لأني ما انتفعت بأن أبالي وأنت إذا ذهبت تدقق خلف كل جملة وتبحث عن كل مقولة قيلت فيك وتحاسب كل من أساء إليك، وترد على كل من هجاك، وتنتقم من كل مَنْ عاداك، فأحسن الله عزاءك في صحتك وراحتك ونومك ودينك واستقرار نفسك وهدوء بالك، وسوف تعيش ممزقاً قلقاً مكدراً، كاسف البال منغص العيش، كئيب المنظر سيئ الحال،

عليك باستخدام منهج التطنيش، إذا تذكرت مآسي الماضي فطنش، إذا طرقت سمعك كلمة نابية فطنش، وإذا أساء لك مسيء فاعف وطنش، وإذا فاتك حظ من حظوظ الدنيا فطنش، لأن الحياة قصيرة لا تحتمل التنقير والتدقيق، بل عليك بمنهج القرآن: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
سبّ رجل أبا بكر الصديق فقال أبو بكر: سبُّك يدخل معك قبرك ولن يدخل قبري، الفعل القبيح والكلام السيئ والتصرف الدنيء يُدفن مع صاحبه في أكفانه ويرافقه في قبره ولن يُدفن معك ولن يدخل معك، قال العلامة عبد الرحمن بن سعدي: وأعلم أن الكلام الخبيث السيئ القبيح الذي قيل فيك يضر صاحبه ولن يضرك، فعليك أن تأخذ الأمور بهدوء وسهولة واطمئنان ولا تُقِم حروباً ضارية في نفسك فتخرج بالضغط والسكري وقرحة المعدة والجلطة ونزيف الدماء، لقد علمتنا الشريعة الإسلامية أن نواجه أهل الشر والمكروه والعدوان بالعفو بالتسامح والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه، والهجر الجميل الذي لا أذى فيه، والصفح الجميل الذي لا عتب فيه، إذا مررت بكلب ينبح فقل: سلاما، وإذا رماك شرير مارد بحجر فكن كالنخلة أرمه بتمرها، إن أفضل حل للمشكلة أن تنهيها من أول الطريق، لا تصعّد مع من أراد التصعيد، انزع الفتيل تخمد الفتنة، صب على النار ماءً لا زيتاً لتنطفئ من أول وهلة، ادفع بالتي هي أحسن وتصرف بالأجمل وأعمل الأفضل وسوف تكون النتيجة محسومة لصالحك؛ لأن الله مع الصابرين ويحب العافين عن الناس وينصر المظلومين، إننا إذا فتحنا سجل المشكلات وديوان الأزمات ودفتر العداوات فسوف نحكم على أنفسنا بالإعدام، انغمس في عمل مثمر مفيد يشغلك عن الترهات والسفاهات والحماقات،
إذا رفع سفيهٌ صوته بشتمك فقل له: سلام عليكم ما عندنا وقت، إذا نقل لك غبي تافه كلاماً قبيحاً من عدو فقل له: سلام عليكم ما سمعنا شيئاً، إذا تذكرت أنه ينقصك مال أو عندك أزمة أو عليك دين فتذكر النعم العظيمة والكنوز الكبيرة التي عندك من فضل الله من سمعٍ وبصر وفؤاد وعافية وستر وأمن ودين وذرية وغير ذلك لتجد أن الكفة تميل لصالحك، وأن المؤشر الأخضر يبشرك أن النتيجة تدل على أرباحك ونجاحك وفوزك، أفضل رد على النقّاد والحسّاد هي الأعمال الجليلة والصفات النبيلة والأخلاق الجميلة، أما المهاترات والسباب فهذا شأن كلاب الحارة، والله يقول في وصف النبلاء الأبرار: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)، ونعود إلى آية الله أبا الطيب المتنبي ليقول لنا: لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينارِ فلو ذهبنا نرمي الكلاب إذا نبحتنا بحجارة فسوف يرتفع سعر الحجارة ولا نستطيع شراءها،
ويقول الشاعر سعد بن جدلان رضي الله عنه (بالشعبي): وأنت لو حصّلت لك في الزمن وجهٍ غريبْ مثلْ ما قال المثل: دام تمشي مشّها
------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-06-2013, 01:35 PM   #2944
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

لا تحـــــــــــــــــــــزن
يـــــــا الله
{ يسأله من في السموات والارض كل يوم هو في شأن } : إذا اضطرب البحر وهاج الموج وهبت الريح العاصف ، نادى أصحاب السفينة : يا الله.
إذا ضل الحادي في الصحراء ومال الركب عن الطريق وحارت القافلة في السير ، نادوا : يا الله.
إذا وقعت المصيبة وحلت النكبة وجثمت الكارثة ، نادى المصاب المنكوب : يا الله.
إذا أوصدت الأبواب أمام الطلاب ، وأسدلت الستور في وجوه السائلين ، صاحوا : يا الله.
إذا بارت الحيل وضاقت السبل وانتهت الامال وتقطعت الحبال ، نادوا : يا الله.
إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت وضاقت عليك نفسك بما حملت ، فاهتفت : يا الله.
ولقد ذكرتك والخطوب كوالح
سود ووجه الدهر أغبر قاتم
فهتفت في الأسحار باسمك صارخا
فإذا محيا كل فجر باسم
إليه يصعد الكلم الطيب ، والدعاء الخالص ، والهاتف الصادق ، والدمع البريء ، والتفجع الواله.
إليه تمد الأكف في الأسحار ، والأيادي في الحاجات ، والأعين في الملقات ، والأسئلة في الحوادث.
باسمه تشدو الألسن وتستغيث وتلهج وتنادي ، وبذكره تطمئن القلوب وتسكن الأرواح ، وتهدأ المشاعر وتبرد الأعصاب ، ويثوب الرشد ، ويستقر اليقين ، { الله لطيف بعباده }
الله :
أحسن الأسماء وأجمل الحروف ، وأصدق العبارات وأثمن الكلمات ، { هل تعلم له سميا }
الله :
فإذا الغنى والبقاء ، والقوة والنصرة ، والعز والقدرة والحكمة ، { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار }
ا لله :
فإذا اللطف والعناية ، والغوث والمدد ، والود والإحسان ، { ومابكم من نعمة فمن لله }
الله :
الجلال والعظمة ، والهيبة والجبروت.
مهما رشفنا في جلالك أحرفا
قدسية تشدو بها الأرواح
فلأنت أعظم والمعاني كلها
يارب عند جلالكم تنداح
اللهم فاجعل مكان اللوعة سلوة ، وجزاء الحزن سرورا ، وعند الخوف أمنا.
اللهم أبرد لاعج القلب بثلج اليقين ، وأطفىء جمر الأرواح بماء الإيمان.
يا رب ، ألق على العيون الساهرة نعاسة امنة منك ، وعلى النفوس المضطربة سكينة ، وأثبها فتحا قريبا.
يا رب اهد حيارى البصائر إلى نورك ، وضلال المناهج إلى صراطك ، والزائغين عن السبيل إلى هداك.
اللهم أزل الوساوس بفجر صادق من النور ، وأزهق باطل الضمائر بفيلق من الحق ، ورد كيد الشيطان بمدد من جنود عونك مسومين. اللهم أذهب عنا الحزن ، وأزل عنا الهم ، واطرد من نفوسنا القلق.
نعوذ بك من الخوف إلا منك ، والركون إلا إليك ، والتوكل إلا عليك ، والسؤال إلا منك ، والاستعانة إلا بك ، أنت ولينا ، نعم المولى ونعم النصير.
فكر واشكر
المعنى أن تذكر نعم الله عليك فإذا هي تغمرك من فوقك ومن تحت قدميك { وان تعدوا نعم الله لا تحصوها } صحة في بدن ، أمن في وطن ، غذاء وكساء ، وهواء وماء ، لديك الدنيا وأنت ما تشعر ، تملك الحياة وأنت لا تعلم { واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } عندك عينان ، ولسان وشففان ، ويدان ورجلان { فبأي الاء ربكما تكذبان } هل هي مسئلة سهلة أن تمشي على قدميك ، وقد بترت أقدام؟! وأن تعتمد على ساقيك ، وقد قطعت سوق؟! أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير؟! وأن تملأ معدتك من الطعام الشهي وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام ، ونغص عليه الشراب بأمراض وأسقام؟! تفكر في سمعك وقد عوفيت من الصمم ، وتأمل في نظرك وقد سلمت من العمى ، وانظرإلى جلدك وقد نجوت من البرص والجذام ، والمح عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول .
أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهبا ؟! أتحب بيع سمعك وزن ثهلان فضة؟! هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكم؟! هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع؟! إنك في نعما عميمة وأفضال جسيمة ، ولكنك لا تدري ، تعيش مهموما مغموما حزينا كئيب! وعندك الخبز الدافىء ، والماء البارد ، والنوم الهانىء ، والعافية الوارفة ، تتفكر في المفقود ولا تشكر الموجود ، تنزعج من خسارة مالية وعندك مفتاح السعادة ، ومن اطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والأشياء ، فكر واشكر { وفي انفسكم افلا تبصرون } فكر في نفسك ، وأهلك ، وبيتك ، وعملك ، وعا فيتك ، وأصدقائك ، والدنيا من حولك { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها }
ما مضى فات
تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاره ، والحزن لماسيه حمق وجنون ، وقتل للإرادة وتبديد للحياة الحاضرة. ان ملف الماضي عند العقلاء يطوى ولا يروى ، يغلق عليه أبدا في زنزانة النسيان ، يقيد بحبال قوية في سجن الإهمال فلا يخرج أبدا ، ويوصد عليه فلا يرى النور ، لأنه مضى وانتهى ، لا الحزن يعيده ، لا الهم يصلحه ، لا الغم يصححه ، لا الكدر يحييه ، لأنه عدم ، لا تعش في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت ، أنقذ نفسك من شبح الماضي ، أتريد أن ترد النهر إلى مصبه ، والشمس إلى مطلعها ، والطفل إلى بطن أمه ، واللبن إلى الثدي ، والدمعة إلى العين ، إن تفاعلك مع الماضي ، وقلقك منه واحتراقك بناره ، وانطراحك على أعتابه وضع مأساوي رهيب مخيف مفزع.
القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر ، وتمزيق للجهد ، ونسف للساعة الراهنة ، ذكر الله الأمم وما فعلت ثم قال : { تلك امة قد خلت } انتهى الأمر وقضي ، ولا طائل من تشريح جثة الزمان ، وإعادة عجلة التا ريخ.
إن الذي يعود للماضي ، كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصلا ، وكالذي ينشر نشارة الخشب. وقديما قالوا لمن يبكي على الماضي : لا تخرج الأموات من قبورهم ، وقد ذكر من يتحدث على ألسنة البهائم أنهم قالوا للحمار لم لا تجتر؟ قال : أكره الكذب.
إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا ونشتغل بماضينا ، نهمل قصورنا الجميلة ، ونندب الأطلال البالية ، ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا لأن هذا هو المحال بعينه.
إن الناس لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف ، لأن الريح تتجه إلى الأمام والماء ينحدر إلى الأمام والقافلة تسير إلى الأمام ، فلا تخالف سنة الحياة.
يومك يومك
إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، اليوم فحسب ستعيش ، فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره ، ولا الغد الذي لم يات إلى الان . اليوم الذي أظلتك شمسه ، وأدركك نهاره هو يومك فحسب ، عمرك يوم واحد ، فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه حينها لا تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه ، وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب ، لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدك وجدك ، فلهذا اليوم لابد أن تقدم صلاة خاشعة وتلاوة بتدبر واطلاعا بتأمل ، وذكرا بحضور ، واتزانا في الأمور ، وحسنا في خلق ، ورضا بالمقسوم ، واهتماما بالمظهر ، واعتناء بالجسم ، ونفعا للاخرين.
لليوم هذا الذي أنت فيه فتقسم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات ، ومن ثوانيه شهور ، تزرع فيه الخير ، تسدي فيه الجميل ، تستغفر فيه من الذنب ، تذكر فيه الرب ، تتهيا للرحيل ، تعيش هذا اليوم فرحا وسرورا ، وأمنا وسكينة ، ترضى فيه برزقك ، بزوجتك ، بأطفالك بوظيفتك ، ببيتك ، بعلمك ، بمستواك { فخذ ما اتيتك وكن من الشاكرين } تعيش هذا اليوم بلا حزن ولا انزعاج ، ولا سخط ولا حقد ، ولا حسد. إن عليك أن تكتب على لوح قلبك عبارة واحدة تجعلها أيضا على مكتبك تقول العبارة : (يومك يومك). إذا أكلت خبزا حارا شهيا هذا اليوم فهل يضرك خبز الأمس الجاف الرديء ، أو خبز غد الغائب المنتظر.
إذا شربت ماء عذبا زلالا هذا اليوم ، فلماذا تحزن من ماء أمس الملح الأجاج ، أو تهتم لماء غدا الاسن الحار.
إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولاذية صارمة عارمة لأخضعتها لنظرية : لن أعيش إلى هذا اليوم. حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك ، وتزكية عملك ، فتقول : لليوم فقط أهذب ألفاظي فلا أنطق هجرا أو فحشا ، أو سبا ، أو غيبة ، لليوم فقط سوف أرتب بيتي ومكتبتي ، فلا ارتباك ولا بعثرة ، وإنما نظام ورتابة. لليوم فقط سوف أعيش فأعتني بنظافة جسمي ، وتحسين مظهري والاهتمام بهندامي ، والاتزان في مشيتي وكلامي وحركاتي.
لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي ، وتأدية صلاتي على أكمل وجه ، والتزود بالنوافل ، وتعاهد مصحفي ، والنظر في كتبي ، وحفظ فائدة ، ومطالعة كتاب نافع.
لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة وأجتث منه شجرة الشر بغصونها الشائكة من كبر وعجب ورياء وحسد وحقد وغل وسوء ظن لليوم فقط سوف أعيش فأنفع الاخرين ، وأسدي الجميل إلى الغير ، أعود مريضا ، أشيع جنازة ، أدل حيران ، أطعم جائعا ، أفرج عن مكروب ، أقف مع مظلوم ، أشفع لضعيف ، أواسي منكوبا، اكرم عالما ، أرحم صغيرا ، أجل كبيرا.
لليوم فقط سأعيش فيا ماض ذهب وانتهى اغرب كشمسك ، فلن أبكي عليك ولن تراني أقف لأتذكرك لحظة ، لأنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود إلينا أبد الابدين.
ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الأحلام ، ولن أبيع نفسي مع الأوهام ولن أتعجل ميلاد مفقود ، لأن غدا لا شيء لأنه لم يخلق ولأنه لم يكن مذكورا.
يومك يومك أيها الإنسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى صورها وأجمل حللها.
----------------
يتبــــــــــــع
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-06-2013, 02:04 AM   #2945
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

اترك المستقبل حتى ياتي

{ اتى امر الله فلا تستعجلوه } لا تستبق الأحداث ، أتريد إجهاض الحمل قبل تمامه ، وقطف الثمرة قبل النضج ، إن غدامفقود لا حقيقة له ، ليس له وجود ، ولاطعم ، ولا لون ، فلماذا نشغل أنفسنا به ، ونتوجس من مصائبه ، ونهتم لحوادثه ، نتوقع كوارثه ، ولا ندري هل يحال بيننا وبينه ، أو نلقاه ، فإذا هو سرور وحبور ، المهم أنه في عالم الغيب لم يصل إلى الأرض بعد ، إن علينا أن لا نعبر جسراحتى نأتيه ، ومن يدري؟ لعلنا نقف قبل وصول الجسر ، أو لعل الجسر ينهار قبل وصولنا ، وربما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسلام.
إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الاكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوت شرعا ، لأنه طول أمل ، ومذموم عقلأ ، لأنه مصارعة للظل. إن كثيرا من هذا العالم يتوقع في مستقبله الجوع العري والمرض والفقر والمصائب ، وهذا كله من مقررات مدارس الشيطان { الشيطان يعدكم الفقر ويامركم باالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا } كثير هم الذين يبكون ، لأنهم سوف يجوعون غدا ، وسوف يمرضون بعد سنة ، وسوف ينتهي العالم بعد مائة عام. إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم ، والذي لا يدري متى يموت لا يجوز له الاشتغال بشيء مفقود لا حقيقة له.
اترك غدا حتى ياتيك ، لا تسأل عن أخباره ، لا تنتظر زحوفه ، لأنك مشغول باليوم.
وان تعجب فعجب هؤلاء يقترضون الهم نقدا ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسه ولم ير النور ، فحذار من طول الامل

كيف تواجه النقد الاثم

الرقعاء السخفاء ستوا الخالق الرازق جل في علاه ، وشتموا الواحد الأحد لا إله إلأ هو ، فماذا أتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ ، إنك سوف تواجه في حياتك حربا! ضروسا لا هوادة فيها من النقد الاثم المر ، ومن التحطيم المدروس المقصود ، ومن الإهانة المتعمدة مادام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتسطع وتلمع ، ولن يسكت هؤلاء عنك حتى تتخذ نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتفر من هؤلاء ، أما وأنت بين أظهرهم فانتظر منهم ما يسوؤك ويبكي عينك ، ويدمي مقلتك ، ويقض مضجعك.
إن الجالس على الأرض لا يسقط ، والناس لا يرفسون كلبا ميتا ، لكنهم يغضبون عليك لأنك فقتهم صلاحا ، أو علما ، أو أدبا ، أو مالأ ، فأنت عندهم مذنب لا توبة لك حتى تترك مواهبك ونعم الله عليك ، وتنخلع من كل صفات الحمد ، وتنسلخ من كل معاني النبل ، وتبقى بليدا!غبيا صفرا محطما ، مكدودا ، هذا ما يريدون بالضبط.
اذا فاصمد لكلام هؤلاء ونقدهم وتشويههم وتحقيرهم "أثبت أحد" وكن كالصخرة الصامتة المهيبة تتكسر عليها حبات البرد لتثبت وجودها وقدرتها على البقاء. إنك إن أصغيت لكلام هؤلاء وتفاعلت به حققت أمنيتهم الغالية في تعكير حياتك وتكدير عمرك ، الا فاصفح الصفح الجميل ، ألا فأعرض عنهم ولا تك في ضيق مما يمكرون. إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك ، وبقدر وزنك يكون النقد الاثم المفتعل.
إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه هؤلاء ولن تستطيع أن تعتقل ألسنتهم لكنك تستطيع أن تدفن نقدهم وتجنيهم بتجافيك لهم ، وإهمالك لشأنهم ، وإطراحك لأقوالهم!. { قل موتوا بغيظكم } بل تستطيع أن تصب في أفواههم الخردل بزيادة فضائلك وتربية محاسنك وتقويم اعوجاجك.
إن كنت تريد أن تكون مقبولأ عند الجميع ، محبوبا لدى الكل ، سليما من العيوب عند العالم ، فقد طلبت مستحيلأ وأملت أملأ بعيدا.

لا تنتظر شكرا من احد


خلق الله العباد ليذكروه ورزق الله الخليقة ليشكروه ، فعبد الكثير غيره ، وشكر الغالب سواه ، لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس ، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك ، وأحرقوا إحسانك ، ونسوا معروفك ، بل ربما ناصبوك العداء ، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين ، لا لشيء إلأ لأنك أحسنت إليهم { وما نقموا الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله } وطالع سجل العالم المشهود ، فإذا في فصوله قصة أب ربى ابنه وغذاه وكساه وأطعمه وسقاه ، وأدبه ، وعلمه ، سهر لينام ، وجاع ليشبع ، وتعب ليرتاح ، فلما طرشارب هذا الابن وقوي ساعده ، أصبح لوالده كالكلب العقور ، استخفافا ، ازدراء ، مقتا ، عقوقا صارخا ، عذابا وبيلأ.
ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر ، ومحطمي الإرادات ، وليهنأوا بعوض المثوبة عند من لا تنفذ خزائنه.
إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل ، وعدم الإحسان للغير ، وإنما يوطنك على انتظار الجحود ، والتنكر لهذا الجميل والإحسان ، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون.
اعمل الخير لوجه الله ، لأنك الفائز على كل حال ، ثم لا يضر غمط من غمطه ، ولا جحود من جحده ، واحمد الله لأنك المحسن ، وهو المسيء واليد العليا خير من اليد السفلى { انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولاشكورا } وقد ذهل كثير من العقلاء من جبلة الجحود عند الغوغاء ، وكأنهم ما سمعوا الوحي الجليل وهو ينعي على الصنف عتؤه وتمرده { مر كان لم يدعنا الى ضر مسه } لا تفاجأ إذا أهديت بليدا قلما فكتب به هجاءك ، أو منحت جافيا عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه ، فشج بها رأسك ، هذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في علاه ، فكيف بها معي ومعك.

الاحسان الى الغير انشراح للصدر

الجميل كاسمه ، والمعروف كرسمه ، والخير كطعمه. أول المستفيدين من إسعاد الناس هم المتفضلون بهذا الإسعاد ، يجنون ثمرته عاجلا في نفوسهم ، وأخلاقهم ، وضمائرهم ، فيجدون الانشراح والانبساط ، والهدوء والسكينة.
فإذا طاف بك طائف من هئم أو ألم بك غم فامنح غيرك معروفا واسد له جميلأ تجد الفرج والراحة. اعط محرومأ ، انصر مظلومأ ، أنقذ مكروبا ، أطعم جائعأ ، عد مريضأ ، أعن منكوبا ، تجد السعادة تغمرك من بين يديك ومن خلفك.
إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه ، وعوائد الخير النفسية عقاقير مباركة تصرف في صيدلية الذي عمرت قلوبهم بالبر وا لإحسان.
ان توزيع البسمات المشرقة على فقراء الأخلاق صدقة جارية في عالم القيم ( ولو ان تلقى اخاك بوجه طلق ) وإن عبوس الوجه إعلان حرب ضروس على الاخرين لا يعلم قيامها إلأ علأم الغيوب.
شربة ماء من كف بغي لكلب عقور أثمرت دخول جنة عرضها السموات والأرض لأن صاحب الثواب غفور شكور جميل ، يحب الجميل ، غني حميد.

يا من تهددهم كوابيس الشقاء والفزع والخوف هلموا إلى بستان المعروف وتشاغلوا بالغير ، عطاء وضيافة ومواساة وإعانة وخدمة وستجدون السعادة طعمأ ولونأ وذوقأ { وما لاحد عنده من نعمة تجزى الا ابتغاء وجه ربه الاعلى ولسوف يرضى }

أطرد الفراغ بالعمل


الفارغون في الحياة هم أهل الأراجيف والشائعات لأن أذهانهم موزعة { رضوا بان يكونوا مع الخوالف } إن أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق تجنح ذات اليمين وذات الشمال.
يوم تجد في حياتك فراعا فتهيا حينها للهم والغم والفزع ، لأن هذا الفراغ يسحب لك كل ملفات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة فيجعلك في أمر مريج ، ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدلأ من هذا الاسترخاء القاتل لأنه وأد خفي ، وانتحار بكبسول مسكن.
إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارس في سجون الصين بوضع السجين تحت أنبوب يقطر كل دقيقة قطرة ، وفي فترات انتظار هذه القطرات يصاب السجين بالجنون.
الراحة غفلة ، والفراغ لص محترف ، وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية.
اذا قم الان صل أو اقرأ ، أو سبح ، أو طالع ، أو اكتب ، أو رتب مكتبك ، أو أصلح بيتك ، أو انفع غيرك حتى تقضي على الفراغ وإني لك من الناصحين.
اذبح الفراغ بسكين العمل ، ويضمن لك أطباء العالم 50% من السعادة مقابل هذا الإجراء الطارىء فحسب ، انظر إلى الفلاحين والخبازين والبناءين يغردون بالأناشيد كالعصافير في سعادة وراحة وأنت على فراشك تمسح دموعك وتضطرب لأنك ملدوغ.
-----------
يتبـــــــــــــــــــــع
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-06-2013, 02:46 AM   #2946
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الفصــــــل الثـــــــــــانــــي
لا تكـــــــــــــن إمعـــــــــــة

لاتتقمص شخصية غيرك ولاتذب في الاخرين. إن هذا هو العذاب الدائم ، وكثير هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتهم وحركاتهم ، وكلامهم ، ومواهبهم ، وظروفهم ، لينصهروا في شخصيات الاخرين ، فإذا التكلف والصلف ، والاحتراق ، والإعدام للكيان وللذات.
من ادم إلى اخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة ، فلماذا يتفقون في المواهب والأخلاق.
أنت شيء اخر لم يسبق لك في التاريخ هثال ولن ياتي مثلك في الدنيا شبيه.
أنت مختلف تمامأ عن زيد وعمرو فلا تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان.
انطلق على هيئتك وسجيتك { قد علم كل اناس مشربهم } ، { ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات } عش كما خلقت لا تغير صوتك ، لاتبدل نبرتك ، لاتخالف مشيتك ، هذب نفسك بالوحي ، ولكن لا تلغي وجودك وتقتل استقلالك.
أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ، لأنك خلقت هكذا وعرفناك هكذا ("لا يكن أحدكم إمعة").
إن الناس في طبائعهم أشبه بعالم الأشجار : حلو وحامض ، وطويل وقصير ، وهكذا فليكونوا. فإن كنت كالموز فلا تتحول إلى سفرجل ، لأن جمالك وقيمتك أن تكون موزأ ، إن اختلاف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا اية من ايات الباري فلا تجحد اياته.

قضاء وقدر

{ ما اصاب من مصيبة فى الارض ولا فى انفسكم الا فى كتاب من قبل ان نبراها } ، جف القلم ، رفعت الصحف ، قضي الأمر ، كتبت المقادير ، { لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا } ، ما أصابك لم يكن ليخطأك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
إن هذه العقيدة إذا رسخت في نفسك وقرت في ضميرك صارت البلية عطية ، والمحنة منحة ، وكل الوقائع جوائز وأوسمة ("ومن يرد الله به خيرأيصب منه )" فلا يصيبك قلق من مرض أو موت ابن ، أو خسارة مالية ، أو احتراق بيت ، فإن الباري قد قدر والقضاء قد حل ، والاختيار هكذا ، والخيرة لله، والأجر حصل ، والذنب كفر.
هنيئأ لأهل المصائب صبرهم ورضاهم عن الاخذ ، المعطي ، القابض ، الباسط ، { لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون }
ولن تهدأ أعصابك وتسكن بلابل نفسك ، وتذهب وساوس صدرك حتى تؤمن بالقضاء والقدر ، جف القلم بما أنت لاه فلا تذهب نفسك
حسرات ، لا تظن أنه كان بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار ، وحبس الماء أن ينسكب ، ومنع الريح أن تهب ، وحفظ الزجاج أن ينكسر ، هذا ليس بصحيح على رغمي ورغمك ، وسوف يقع المقدور ، وينفذ القضاء ، ويحل المتكوب { فعسى الله ان ياتى بالفتح او امر من عنده }
استسلم للقدر قبل أن تطوق بجيش السخط والتذمر والعويل ، اعترف بالقضاء قبل أن يدهمك سيل الندم ، اذا فليهدا بالك إذا فعلت الأسباب ، وبذلت الحيل ، ثم وقع ما كنت تحذر ، فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع ، ولا تقل ("لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ").
{ ان مع العسر يسرا }
يا إنسان بعد الجوع شبع ، وبعد الظمأ ري ، وبعد السهر نوم ، وبعد المرض عافية ، سوف يصل الغائب ، ويهتدي الضال ، ويفك العاني ، وينقشع الظلام { فعسى الله ان ياتي بالفتح او امر من عنده } بشر الليل بصبح صادق يطارده على رؤوس الجبال ، ومسارب الأودية ، بشر المهموم بفرج مفاجىء يصل في سرعة الضوء ، ولمح البصر ، بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة.
إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد ، فاعلم أن وراءها رياضا خضراء وارفة الظلال.
إذا رأيت الحبل يشتد ويشتد ، فاعلم أنه سوف ينقطع.
مع الدمعة بسمة ، ومع الخوف أمن ، ومع الفزع سكينة ، النار لا تحرق إبراهيم التوحيد ، لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة { بردا وسلما } البحر لا يغرق كليم الرحمن ، لأن الصوت القوي الصادق نطق بـ { كلا ان معي ربي سيهدين } المعصوم في الغار بشر صاحبه بأنه وحده معنا فنزل الأمن والفتح والسكينة.
إن عبيد ساعاتهم الراهنة وأرقاء ظروفهم القاتمة لا يرون إلأ النكد والضيق والتعاسة ، لأنهم لا ينظرون إلأ إلى جدار الغرفة وباب الدار فحسب. ألا فليمدوا أبصارهم وراء الحجب وليطلقوا أعنة أفكارهم إلى ما وراء الأسوار.
اذا فلا تضق ذرعأ فمن المحال دوام الحال ، وأفضل العبادة انتظار الفرج ، الأيام دول ، والدهر قلب ، والليالي حبالى ، والغيب مستور ، والحكيم كل يوم هو في شأن ، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرأ ، وان مع العسر يسرأ.
---------
يتبـــــــــــــع
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-06-2013, 03:07 AM   #2947
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

اصنع من الليمون شرابا حلوا

الذكي الأريب يحول الخسائر إلى أرباح ، والجاهل الرعديد يجعل المصيبة مصيبتين.‍‍‍ ‍
طرد الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة فأقام في المدينة ، دولة ملأت سمع التاريخ وبصره.
سجن أحمد بن حنبل وجلد ، فصار إمام السنة ، وحبس ابن تيمية فأخرج من حبسه علما جما ، ووضع السرخسي في قعر بئر معطلة فأخرج عشرين مجلدا في الفقه ،
وأقعد ابن الأثير فصتف جامع الأصول والنهاية من أشهر وأنفع كتب الحديث ، ونفي ابن الجوزي من بغداد ، فجود القراءات السبع ، وأصابت حمى الموت مالك بن الريب فأرسل للعالمين قصيدته الرائعة الذائعة التي تعدل دواوين شعراء الدولة العباسية ، ومات أبناء أبي ذوئيب الهذلي فرثاهم بإلياذة أنصت لها الدهر ، وذهل منها الجمهور ، وصفق لها التاريخ.
إذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها ، وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون فأضف إليه حفنة من سكر ، وإذا أهدى لك ثعبانا فخذ جلده الثمين واترك باقيه ، وإذا لدغتك عقرب فاعلم أنه مصل واقي ومناعة حصينة ضد سم الحيات. تكيف في ظرفك القاسي ، لتخرج لنا منه زهرا ووردا وياسمينا { وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم } سجنت فرنسا قبل ثورتها العارمة شاعرين مجيدين متفائلا ومتشائما فأخرجا رأسيهما من نافذة السجن. فأما المتفائل فنظر نظرة في النجوم فضحك. وأما المتشائم فنظر إلى الطين في الشارع المجاور فبكى. انظر إلى الوجه الاخر للمأساة ، لأن الشر المحض ليس موجودا بل هناك خير ومكسب وفتح واجر .
{ من يجيب المضطراذا دعاه } من الذي يفزع اليه المكروب ، ويستغيث به المنكوب وتصمدإليه الكائنات، وتسأله المخلوقات ، وتلهج بذكره الالسن وتالهه القلوب انه الله لا إله الا هو.
وحق علي وعليك ان ندعوه في الشدة والرخاء والسراء والضراء ونفزع اليه في الملمات ونتوسل اليه في الكربات وننطرح علىعتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيبين حينها ياتي مدده ويصل عونه ويسرع فرجه ويحل فتحه { امن يجيب المضطر اذا دعاه } فينجي الغريق ويرد الغائب ويعافي المبتلي وينصر المظلوم ويهدي الضال ويشفي المريض ويفرج عن المكروب { فاذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } ولن اسرد عليك هنا أدعية ازاحة الهم والغم والحزن والكرب، ولكن احيلك إلى كتب السنة لتتعلم شريف الخطاب معه فتناجيه وتناديه وتدعوه وترجوه، فإن وجدته وجدت كل شيء ، وان فقدت الإيمان به فقدت كل شيء ، ان دعاءك ربك عبادة أخرى ، وطاعة عظمى ثانيه فوق حصول المطلوب ، وإن عبدا يجيد فن الدعاء حري ان لايهتم ولايغتم ولايقلق كل الحبال تتصرم الا حبله كل الابواب توصد الابابه وهوقريب سميع مجيب ، يجيب المضطر اذا دعاه يامرك وانت الفقير الضعيف المحتاج ، وهو الغني القوي الواحد الماجد- بأن تدعوه { ادعوني استجب لكم } إذا نزلت بك النوازل ، وألمت بك الخطوب فالهج بذكره ، واهتف باسمه ، واطلب مدده واسأله فتحه ونصره ، مرغ الجبين لتقديس اسمه ، لتحصل على تاج الحرية ، وارغم الأنف في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة ، مد يديك ، ارفع كفيك ، أطلق لسانك ، أكثر من طلبه ، بالغ في سؤاله ، ألح عليه ، إلزم بابه ، انتظر لطفه ، ترقب فتحه ، أش باسمه ، أحسن ظنك فيه ، انقطع إليه ، تبتل إليه تبتيلأ حتى تسعد وتفلح.

وليسعك بيتك

العزلة الشرعية السنية : بعدك عن الشر وأهله ، والفارغين واللأهين والفوضويين ، فيجتمع عليك شملك ، ويهدأ بالك ، ويرتاح خاطرك ، ويجود ذهنك بدرر الحكم ، ويسرح طرفك في بستان ا لمعارف.
إن العزلة عن كل ما يشغل عن الخير والطاعة دواءعزيز جربه أصباء القلوب فنجح ايما نجاح ، وأنا أدلك عليه ، في العزلة عن الشر واللغو وعن الدهماء تلقيح للفكر ، وإقامة لناموس الخشية ، واحتفال بمولد الإنابة والتذكر ، وإنما كان الاجتماع المحمود والاختلاط الممدوح في الصلوات والجمع ومجالس العلم والتعاون على الخير ، أما مجالس البطالة والعطالة فحذار حذار ، اهرب بجلدك ، إبك على خطيئتك ، وأمسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، الاختلاط الهمجي حرب شعواء على النفس ، وتهديد خطير لدنيا الأمن والاستقرار في نفسك ، لأنك تجالس أساطين الشائعات ، وأبطال الأراجيف ، وأساتذة التبشير بالفتن والكوارث والمحن ، حتى تموت كل يوم سبع مرات قبل أن يصلك الموت { لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا } اذافرجائي الوحيد إقبالك على شانك والانزواء في غرفتك إلأ من قول خير أو فعل خير ، حينها تجد قلبك عاد إليك ، فسلم وقتك من الضياع ، وعمرك من الإهدار ، ولسانك من الغيبة ، وقلبك من القلق ، وأذنك من الخنا ونفسك من سوء الظن ، ومن جرب عرف ، ومن أركب نفسه مطايا الأوهام ، واسترسل مع العوام فقل عليه السلام.

العوض من الله

لا يسلبك الله شيئا إلأ عوضك خيرا منه ، إذا صبرت واحتسبت ("من أخذت حبيبتيه فصبرعوضته منهما الجنة") يعني عينيه (من سلبت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسب عوضته من الجتة) من فقد ابنه وصبر بنى له بيت الحمد في الخلد ، وقس على هذا المنوال فإن هذا مجرد مثال.
فلا تأسف على مصيبة فان الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم.
إن أولياء الله المصابين المبتلين ينوه بهم في الفردوس { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } وحق علينا أن ننظر في عوض المصيبة وفي ثوابها وفي خلفها الخير { اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون } هنيئا للمصابين ، بشرى للمنكوبين.
إن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير ، والاخرة خير وأبقى فمن أصيب هنا كوفيء هناك ، ومن تعب هنا ارتاح هناك ، اما المتعلقون بالدنيا العاشقون لها الراكنون إليها ، فأشد ما على قلوبهم فوت حظوطهم منها وتنغيص راحتهم فيها لأنهم يريدونها وحدها فلذلك تعظم عليهم المصائب وتكبر عندهم النكبات لأنهم ينظرون تحت أقدامهم فلا يرون إلأ الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة.
أيها المصا بون ما فات شىء وأنتم الرابحون ، فقد بعث لكم برسالة بين أسطرها لطف وعطف وثواب وحسن اختيار. ان على المصاب الذي ضرب عليه سرادق المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وضاهره من قبله العذاب } ، وما عند الله خير وأبقى وأهنأ وأمرأ وأجل وأعلى.
الايمان هو الحياة
الأشقياء بكل معاني الشقاء هم الم
-------------
يتبــــــــــع
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-06-2013, 03:38 AM   #2948
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الفصــــــــل الثـــــــالــــــث
وقفــــــــــــــــــه
لا تحزن : لأنك جربت الحزن بالأمس فما نفعك شيئا ، رسب ابنك فحزنت ، فهل نجح؟! مات والدك فحزنت فهل عاد حيا؟! خسرت تجارتك فحزنت ، فهل عادت الخسائر أرباحا؟! ،
لا تحزن : لأنك حزنت من المصيبة فصارت مصائب ، وحزنت من الفقر فازددت نكدا ، وحزنت من كلام أعدائك فأعنتهم عليك ، وحزنت من توقع مكروه فما وقع.
لاتحزن : فإنه لن ينفعك مع الحزن دار واسعة ، ولا زوجة حسناء ، ولا مال وفير ، ولا منصب سام ، ولا أولاد نجباء.
لا تحزن : لأن الحزن يريك الماء الزلال علقمة ، والوردة حنظلة ، والحديقة صحراء قاحلة ، والحياة سجنا لا يطاق.
لا تحزن : وأنت عندك عينان وأذنان وشفتان ويدان ورجلان ولسان ، وجنان وأمن وأمان وعافية في الأبدان: { فبأى ءالآء ربكما تكذبان } .
لا تحزن : ولك دين تعتقده ، وبيت تسكنه ، وخبز تأكله ، وماء تشربه ، وثوب تلبسه ، وزوجة تأوي إليها ، فلماذا تحزن؟!
نعمة الألم
الألم ليس مذموما دائما ولا مكروه أبدا ، فقد يكون خيرا للعبد أن يتألم.
إن الدعاء الحا يأتي مع الألم ، والتسبيح الصادق يصاحب الألم ، وتألم الطالب زمن التحصيل وحمله لأعباء الطلب يثمر عالما جهبذا ، لأنه احترق في البداية فأشرق في النهاية. وتألم الشاعر ومعاناته لما يقول تنتج أدبا مؤثرا خلابا ، لأنه انقدح مع الألم من القلب والعصب والدم فهز المشاعر وحرك الأفئدة. ومعاناة الكاتب تخرج نتاجا حيا جذابا يمور بالعبر والصور والذكريات.
إن الطالب الذي عاش حياة الدعة والراحة ولم تلذعه الأزمات ، ولم تكوه الملمات ، إن هذا الطالب يبقى كسولا مترهلا فاترا.
وإن الشاعر الذي ما عرف الألم ولا ذاق المر ولا تجرع الغصص ، تبقى قصائده ركاما من رخيص الحديث ، وكتلا من زبد القول ، لأن قصائده خرجت من لسانه ولم تخرج من وجدانه ، وتلفض بها فهمه ولم يعشها قلبه وجوانحه.
وأسمى من هذه الأمثلة وأرفع : حياة المؤمنين الأولين الذين عاشوا فجر الرسالة ومولد الملة ، وبداية البعث ، فإنهم أعظم إيمانا ، وأبر قلوبا ، وأصدق لهجة ، وأعمق علما ، لأنهم عاشوا الألم والمعاناة : ألم الجوع والفقر والتشريد ، والأذى والطرد والإبعاد ، وفراق المألوفات ، وهجر المرغوبات ، وألم الجراح ، والقتل والتعذيب ، فكانوا بحق الصفوة الصافية ، والثقة المجتباة ، آيات في الطهر ، وأعلاما في النبل ، ورموزا في التضحية ، { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولانصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين } وفي عالم الدنيا أناس قدموا أروع نتاجهم ، لأنهم تألموا ، فالمتنبي وعكته الحمى فأنشد رائعته :
وزائرتي كأن بها حياء
فليسن تزور إلا في الظلام
والنابعه خوفه النعمان بن المنذر بالقتل ، فقدم للناس:
فإنك شمس والملوك كواكب
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
وكثير أولئك الذين أثروا الحياة ، لانهم تألموا.
إذن فلا تجزع من الألم ولا تخف من المعاناة ، فربما كانت قوة لك ومتاعا إلى حين ، فإنك إن تعش مشبوب الفؤاد محروق الجوى ملذوع النفس ، أرق وأصفى من أن تعيش بارد المشاعر فاتر الهمة خامد النفس { ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين }
ذكرت بهذا شاعرا عاش المعاناة والأسى وألم الفراق وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في قصيدة بديعة الحسن ، ذائعة الشهرة بعيدة عن التكلف والتزويق : إنه مالك بن الريب ، يرثي نفسه :

ألم ترني بعت الضلالة بالهدى
وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا
فلله دري يوم أترك طائعا
بنى بأعلى الرقمتين وماليا
فيا صاحبي رحلي دنا الموت
فانزلا برابية إني مقيم لياليا
أقيما علي اليوم أو بعض ليلة
ولاتعجلاني قد تبين ما بيا
وخطا بأطراف الأسنة مضجعي
وردا على عيني فضل ردائيا
ولا تحسداني بارك الله فيكما
من الأرض ذات العرض أن توسع ليا

إلى آخر ذاك الصوت المتهدج ، والعويل الثاكل ، والصرخة المفجوعة التى ثارت حمما من قلب هذا الشاعر المفجوع بنفسه المصاب في حياته.
إن الوعظ المحترق تصل كلماته إلى شغاف القلوب ، وتغوص في أعماق الروح لأنه يعيش الألم والمعاناة { فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا } .

لا تعذل المشتاق في أشواقه
حتى يكون حشاك في أحشائه
لقد رأيت دواوين لشعراء ولكنها باردة لا حياة فيها ولا روح لأنهم قالوها بلا عناء ، ونظموها في رخاء فجاءت قطعا من الثلج وكتلا من الطين.
ورأيت مصنفات في الوعظ لا تهز في السامع شعرة ، ولا تحرك في المنصت ذرة ، لأنهم يقولونها بلا حرقة ولا لوعة ، ولا ألم ولا معاناة ، { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } .
فإذا أردت أن تؤثر بكلامك أو بشعرك ، فاحترق به أنت قبل ، وتأثر به وذقه وتفاعل معه ، وسوف ترى أنك تؤثر في الناس ،{ فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج } .

نعمة المعرفة

{ وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما } الجهل موت للضمير وذبح للحياة ، ومحق للعمر { إني أعظك أن تكون من الجاهلين } .
والعلم نور البصيرة ، وحياة للروح ، ووقود للطبع ، { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منه } إن السرور والانشراح ياتي مع العلم ، لأن العلم عثور على الغامض ، وحصول على الضالة ، واكتشاف للمستور ، والنفس مولعة بمعرفة الجديد والاطلاع على المستطرف.
أما الجهل فهو ملل وحزن ، لأنه حياة لا جديد فيها ولا طريف ، و لا مستعذب ، أمس كاليوم ، واليوم كالغد.
فإن كنت تريد السعادة فاطلب العلم وابحث عن المعرفة وحصل الفوائد ، لتذهب عنك الغموم والهموم والأحزان ، { وقل ربي زدني علما } ، { اقرأ باسم ربك الذى خلق } .(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين). ولا يفخر أحد بماله أو بجاهه ، وهو جاهل صفر من المعرفة ، فإن حياته ليست تامة وعمره ليس كاملا : { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى } .
قال الزمخشري المفسر :

سهري لتنقيح العلوم ألذ لي
من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طربا لحل عويصة
أشهى وأحلى من مدامة ساقي
وصرير أقلامي على أوراقها
أحلى من الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها
نقري لألقي الرمل عن أوراقي
يا من يحاول بالأماني رتبتي
كم بين مستغل وآخر راقي
أأبيت سهران الدجى وتبيته
نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي ما أشرف المعرفة ، وما أفرح النفس بها ، وما أثلج الصدر ببردها ، وما أرحب الخاطر بنزولها ، { أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواهم } .

فن السرور

من أعظم النعم سرور القلب ، واستقراره وهدوءه ، فإن في سروره ثبات الذهن وجودة الإنتاج وابتهاج النفس ، وقالوا. إن السرور فن يدرس ، فمن عرف كيف يجلبه ويحصل عليه ، ويحظى به استفاد من مباهج الحياة ومسار العيش ، والنعم التي من بين يديه ومن خلفه. والأصل الأصيل في طلب السرور قوة الاحتمال ، فلا يهتز من الزوابع ولا يتحرك للحوادث ، ولا ينزعج للتوافه. وبحسب قوة القلب وصفائه ، تشرق النفس.
إن خور الطبيعة وضعف المقاومة وجزع النفس ، رواحل للهموم والغموم والأحزان ، فمن عود نفسه التصبر والتجلد هانت عليه المزعجات ، وخفت عليه الأزمات.
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا
فأهون ما تمر به الوحول
ومن أعداء السرور ضيق الأفق ، وضحالة النظرة ، والاهتمام بالنفس فحسب ، ونسيان العالم وما فيه ، والله قد وصف أعداءه بأنهم ( أهمتهم أنفسهم ، فكأن هؤلاء القاصرين يرون الكون في داخلهم ، فلا يفكرون في غيرهم ، ولا يعيشون لسواهم ، ولا يهتمون للآخرين. إن على وعليك أن نتشاغل عن أنفسنا أحيانا ، ونبتعد عن ذواتنا أزمانا لننسى جراحنا وغمومنا وأحزاننا ، فنكسب أمرين : إسعاد أنفسنا ، وإسعاد الآخرين.
من الأصول في فن السرور : أن تلجم تفكيرك وتعصمه ، فلا يتفلت ولا يهرب ولا يطيش ، فإنك إن تركت تفكيرك وشأنه جمح وطفح ، وأعاد عليك ملف الأحزان وقرأ عليك كتاب المآسي منذ ولدتك أمك. إن التفكير إذا شرد أعاد لك الماضي الجريح والمستقبل المخيف ، فزلزل أركانك وهز كيانك وأحرق مشاعرك ، فاخطمه بخطام التوجه الجاد المركز على العمل المثمر المفيد ، { وتوكل على الحى الذي لا يموت } .
ومن الأصول أيضا في دراسة السرور : أن تعطي الحياة قيمتها ، وأن تنزلها منزلتها ، فهي لهو ، ولا تستحق منك إلا الإعراض والصدود ، لأنها أم الهجر ومرضعة الفجائع ، وجالبة الكوارث ، فمن هذه صفتها كيف يهتم بها ، ويحزن على ما فات منها. صفوها كدر ، وبرقها خلب ، ومواعيدها سراب بقيعة ، مولودها مفقود ، وسيدها محسود ، ومنعمها مهدد ، وعاشقها مقتول بسيف غدرها.

أبني أبينا نحن أهل منازل
أبدا غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر
جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الجبابرة الأكاسرة الألى
كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بعيشه
حتى ثوى فحواه لحد ضيق
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا
أن الكلام لهم حلال مطلق
وفي الحديث : ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ) وفي فن الآداب : وإنما السرور باصطناعه واجتلاب بسمته ، واقتناص أسبابه ، وتكلف بوادره ، حتى يكون طبعا.
إن الحياة الدنيا لا تستحق منا إعادتها العبوس والتذمر والتبرم.

حكم المنية في البرية جاري
ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا ترى الإنسان فيها مخبرا
ألفيتة خبرا من الأخبار
طبعت على كدر، وأنت تريدها
صفوا من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما
تبني الرجاء على شفير هاو
والعيش نوم والمنية يقظة
والمرء بينهما خيال ساري
فاقضوا مآربكم عجالا إنما
أعماركم سفر من الأسفار
وتركضوا خيل الشباب وبادروا
أن تسترد فإنهن عوار
ليس الزمان وإن حرصت مسالما
طبع الزمان عداوة الأحرار
والحقيقة التي لاريب فيها أنك لا تستطيع أن تنزع من حياتك كل آثار الحزن ، لأن الحياة خلقت هكذا { لقد خلقنا الإنسان في كبد }
د الشيخ عايض القرني
-------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-06-2013, 04:07 AM   #2949
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

على بوابة الوحي المعجزة الخالدة

المقدمة :
أحمدك يا رب حمد مقر بربوبيتك ، معترف بألوهيتك ، متعبد بأسمائك ، أنت الأول فليس قبلك شئ ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شئ ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، وأنت الحي القيوم الذي لا يموت والإنس والجن يموتون ، أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . وأشهد أن محمد عبدك ورسولك وصفيك وخليلك ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
أما بعد ، فإن القرآن هو معجزة محمد عليه الصلاة والسلام التي بعث بها ، وهي معجزة دائمة باقية دوام الإسلام وبقاء الحق .
والقرآن أسمى وأجل من أن يمدحه بشر ؛ لأنه كلام رب البشر ، وأعلى وأعظم من أن يثني عليه مخلوق ؛ لأنه تنزيل من الخالق ، وإن أحسن الأوقات وأسعد اللحظات حين يعيش العبد مع آياته البينات تاليا متدبرا خاشعا .
وقد أحسن علماء الأمة في تفسير كتاب الله ، فمنهم من قصد اللغة في القرآن فشرح اللفظ وبسط القول فيه ، ومنهم من قصد الآثار وما ورد في الآية من أحاديث وأخبار فجمع وأوعى ، ومنهم من أراد مقاصد الكلام وفقه كتاب الله فاستنبط من الآية ما فتح به الفتاح العليم
والناس كل له مذهب في قراءته ومطالعته ؛ فما يعجب ذاك ؛ لأنه قد علم كل أناس مشربهم ، ثم أنهم لا يصبرون على طعام واحد ولا يدومون على حال واحدة ، فمهما كتب كاتب من القرآن وجد لما كتبه محبين ومعجبين ، وقد استعنت الله في كتابة ما أستطيعه من معان تظهر لي عند تلاوة كتابه لو لم أستفد من كتابتها إلا أنها كانت سببا لتدبيري القرآن والتأمل في حكمه ومواعظه وقصصه وأخباره وأحكامه وأمثاله لكان ذلك من أجل فائدة واحسن عائدة ، وقد حرصت على أن يكون ما كتبته وعظا لمن قرأه ولمن سمعه ، وتربية لمن طالعه وتأمله ، وجانبت الفنون التي ذكرها المفسرون في تفاسيرهم ؛ كالمسائل اللغوية والنحوية ، وفروع الفقه ، وجمع الآثار الوارد في الآية بل حاولت التسهيل والتقريب مع ربط أحوال الناس بالقرآن في كل أحوالهم وفي شؤون حياتهم ، وربما بسطت الكلام عن الآية كمعان ظهرت لي لا يجمل إغفالها .
ولك أن تعتبر ما كتبته من التفسير الوعظي الأدبي التربوي الذي يعتمد على الأسلوب الخطابي ليكون صالحا إن شاء الله للخطيب على المنبر ، وللوعظ في محاضراته ، وللمعلم في دروسه ، ولعل من عنده أدنى باللغة العربية أو أثاره من علم يفهم ما أكتبه ويعي ما أمليه ؛ فالمقصود بهذا الكلام جمهور الناس وإنما كانت الشريعة في عمومها للغالب والجمهور وجانبت الغريب والشاذ من الأقوال وإيراد الخلاف في تفسير الآية وحشر أقوال المفسرين ، وكل هذا مفروغ منه فيما كتبته الأمة من قبل ، فنحن بحاجة إلى إلهاب العاطفة ، واستثارة الهمة ، ومخاطبة الوجدان في زمن غلبت فيه المادة والخلود إلى الأرض ، والتهافت على الشهوات ، والوقوع في المنهيات ، والعزوف عن العلم ، والإعراض عن الفقه في الدين ، فكان من المهم توجيه الرسائل الخطابية الوعظية التربوية ، وقد تكون في ثنايا التفسير او في غصون شروح الحديث ؛ لأن الأسلوب العلمي التقريري قد تم والحمد لله وكثرت كتبه وتعددت مصنفاته .
وأسأل الله باسمه الأعظم الذي وأسأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب أن يقبله مني وأن ينفعني به ومن قرأه أو سمعه إن ربي على كل شيء قدير .

(وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ )


ليس من مواهبه الشعر ولا من طبيعته ، وليس عنده وقت لتهوك الشعراء ووله الأدباء ، وليس لديه خيال شارد يقتص سوارح الأفكار ، بل جاء برسالة جليلة ووفد بوحي عظيم ، وأن محمد صلى الله عليه وسلم ليس شاعر يضرب الأخماس بالأسداس ، ويهيم في أودية الخيال ، بل هو نبي معصوم ، كل كلمة منه دين ، وكل جملة منه سنة ؛ لأنه جاء لإصلاح العالم ، وليس لدغدغة العواطف وملاعبة المشاعر كما يفعل الشعراء ، فليس عنده فراغ في العمر لنظم بنيات الأفكار ، ولا لإطراب الجمهور ، والحق مقصده ، والإصلاح أمنيته : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ)
ولم يكن صلى الله عليه وسلم شاعر ؛ لأن الشعر لا ينبني على الحقائق ، ولا يقوم على البرهان ، فالشعر مزيج من الخيال والهيام والغرام والوله والكذب والزيف ، وصان الله رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك .
وما ينبغي لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يقول الشعر ، فما جاء لتسلية الناس ولا لمدح الملوك ، ووصف الديار والبكاء على الآثار ، بل أتي ـ بنفسي هو ـ لغسل الضمير من أوضار الشرك ، وتطهير الروح من دنس الوثينة ، وعمارة الكون بالإيمان ، فأنفاسه تعد ، وثواني عمره تحسب ؛ لأن مهمته لا تحمل التأخير فهو مبعوث من الخالق إلى الخلق برسالة محمدية عنوانها لا إله إلا الله محمد رسول الله . العاطفية والتسليات لهو تعطيل لهذه الرسالة عن أداء مهمتها وتفريغ لها من محتواها الجلي العامر .
إن مع محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أجمل من الشعر ، وأبهى من الأدب ، وأحسن من الحسن ، ألا هو هذا الكتاب الباهر المعجز الذي أسكت الشعراء ، وأفحم الأدباء ، وأذهل العلماء ، وحير العرب العرباء :
إذا تغلغل فكر المرء في طرف
--------------
يتبـــــــــــع
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-06-2013, 04:21 AM   #2950
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

من حسنه غرقت فيه خواطره

(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)
نحن نقص عليك فدع قصص غيرنا ، ولا تلفت إلى قصص سوانا ؛ لأن قصصنا هو الحق الصريح والعلم الصحيح ، قصص تسكب في النفس نهرا من النور ، وفي الضمير وابلا من الرشد ، قصص ليس كقصص البشر الذي يعتريه ضعف النقل ، أو شذوذ الغرابة ، أو جموح الخيال ، أو مخالفة المعهود ، ومناقضة سنة الكون .
يروى في بعض الآثار أن الصحابة قالوا : يا رسول الله ، لو قصصت علينا ، فأنزل الله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ) وقالوا : لو حدثتنا فأنزل : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيث) وقالوا : لو وعظتنا ، فأنزل : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) .
إن في عالم المعرفة اليوم آلاف القصص بكل لغات البشر ، ولكنها عرضة للتحريف والتزييف والزيادة والنقص ، ثم إنها ليست قطعية في ثبوتها ولا دقيقة في نقلها مع ما يكتنفها من تهويل وتضخيم وتكلف وافتعال ، فبعضها لا حقيقة لها إلا في عقول مصنفيها ، وبعضها له أصل ولكنه أضيف إليه أضعافا مضاعفة من المبالغة حتى مسخ الأصل وشوه ، وبعضها ثابت لكن قدم بأسلوب فاتر وعرض بعرض مشلول .
أما هذه القصة وأمثالها من قصص القرآن فيكفيها سموا وجلالا ورفعة أن الله هو الذي يقصها على عبده المصطفى وحبيبه المجتبى صلى الله عليه وسلم .
وفي قوله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ ) تنبيه على الاتجاه إلى مصدر المعرفة ومنبع الحقيقة ، والمسلم يتلقى علمه وثقافته من هذا الكتاب الجليل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خافه تنزيل من حكيم حميد . وما أدري كيف يصلح شأن أمة تستورد قصصها من مروجي المكر ، وساسة الخداع ، وسماسرة الرذيلة ، وكيف يهتدي جيلها وهو يطاله زبد تلك الأقلام الكافرة بربها ، العاقة لفطرتها ، المتنكرة لمبادئها ؟ ‍!
ولن نقص عليك قصصا فحسب بل أحسن القصص ، ويرى بعض أهل العلم أن أحسن القصص هنا هي قصص القرآن كله ، فقصصه بالنسبة لعامة القصص أحسن قصص وأوثقها وأجملها وأكملها .
ومن أهل العلم من قال : بل المقصود بأحسن القصص قصة يوسف ؛ لأنها مذكورة في السياق المقدم لها بهذا الاحتفال والتنبيه .
وإن قصة يوسف أحسن قصة بالنسبة لما يماثلها في غرضها ومعناها ، بل كل قصة في القرآن أحسن وأجل من مثيلاتها في غير القرآن ،
وقصة يوسف أحسن قصة ، لأن فيها مقاصد الهداية ومعاني الإصلاح وأسرار الفلاح ما يفوق الوصف .
فقصص الناس إما قصة بطولية تهيج النفس الغضبية على الاعتداء وطلب الثأر وحب الانتقام بلا ضوابط ولا أصول ، وإما قصة غرامية تشعل الغريزة وتحرك كوامن الشهوة بلا رادع من تقوى ، ولا وازع من عفاف ، ولا حجاب من صيانة ، وإما قصة غابرة بلا ثقة من ناقل ، ولا اطمئنان إلى صدق ، ولا مراعاة للحقيقة .
قصة يوسف فيها دروس تربوية ترتقي بالنفس في سلم الفضيلة ، وتصعد بالروح في معارج الكمال .
في القصة كيف تكون خاتمة من آمن بالله ، وصدق معه ، وأخلص له ، وصبر على أمره ، ودعا إليه ، وجاهد في سبيله . وفي القصة نهاية المكر ، وعاقبة الكيد المحرم ، والحسد المؤذي ، وفيها انتظار الفرج وحسن الظن بالله ، والفأل الحسن والاستكانة إلى موعوده ، والرضا بأمره ، والسكون إلى اختياره ، والاطمئنان إلى جميل صنعه .
وفيها جلال التقوى ، وجمال العفة ، وحسن مراقبة الله ، وإيثار طاعته والانتصار على النفس الأمارة بالهوى الجارف والشباب المجنح .
في قصة يوسف رؤيا تفسر ، وأحلام تعبر النبي صلي الله عليه وسلم وأمثال تضرب ، وعظات تطرق ودروس تلقى .
في القصة قميص يلطخ بدم ، وقميص يقد من دبر ، وقميص يلقى على الأعمى فيرتد بصيرا .
في القصة رجل يتهم بامرأة ، ورجل يتهم بسرقة ، وذئب يتهم بقتل ، وفيها طفل يصارع الحياة ، وإخوة يغلبهم الحسد ، وأب يبرح به حب ابنه ، وبئر يلقى فيها غلام ، وقافلة تبيع العبيد ، وملك يغفل أمور القصر ، وامرأة يغفلها هواها ، وزنزانة تستقبل داعية ، وشيخ كبير يذهب البكاء ببصره ، وقافلة تعبر الصحراء لطلب المعاش ، وصواع الملك يختفي ، ومحاكمة وشهود ، ومفاجآت ليست في الحسبان .
كل موقف يختم بحبكة ، وكل مشهد ينتهي بقفلة ، وكل رحلة فيها عبرة .
وفي القصة آهات ودموع ، وتفجع وشكوى ، واتهامات وحقائق ، ومكائد ودسائس ، وإهباطات وانتصارات ، وفيها وحشة غائب ، وفرحة لقاء ، وحزن وفرقة ، وسرور اجتماع ، وإسمال فقر ، وهالة ملك ، ونفس أمارة ، ونفس مطمئنة ، نبوة وسلطان ، وحرية ورق ، ونساء وخدم ، حاشية ومستشارون ، وشباب وشيوخ ، بيع وشراء .
قميص من عالم اللباس ، وامرأة في دنيا النساء ، وذئب وسبع بقرات في ارض الحيوان ، وصواع من قسم الأواني .
طفل يقفده أهله ، ويكيده إخوانه ، ويبكيه أبوه ، ثم يباع في سوق الرقيق ، ثم يدخل الخدمة في القصر ، ثم يعيش النكبة في السجن ، ثم ينعم بالملك ، ثم يحضى بجمع الشمل وتمام الأمر وكمال الأمنية ، ثم يموت .
المشاهد تلاحقك أينما اتجهت ، الصور تملأ ناظريك حيثما التفت ، يثب قلبك مع كل مشهد ، ويقفز مع كل حركة .
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)
كل ما سبق توطئه وتمهيد للقصة ، وتهيئة لها ولفت انتباه قبل إيرادها وسردها .
وتبدأ القصة الشائقة الماتعة الرائعة بلا حواش ثقيلة وبلا تفاصيل مملة .
تبدأ ويوسف في عهد الصبا وسن الطفولة ، يستفيق ذات يوم من نومه وقد رأى رؤيا عجيبة ليقصها على أبيه النبي يعقوب عليه السلام .
رأى يوسف أحد عشر نجما مع الشمس والقمر يسجدان له . وعرف يعقوب التأويل ؛ لأن النبوة في قلبه ، ولم يشرح ليوسف الرؤيا لمصلحة رءاها ، بل وجد أن الأهم من ذلك وصيته له بكتمها وعدم إفشائها وترك نشرها على إخواته ؛ لأنها سوف تثير عليه حسدا دفينا وعداوة متربصة وانتقاما مؤذيا .
وفي الآية لطف الأب مع ابنه وحنانه عليه ، وتوجيهه إلى ما ينفعه ، وتحذيره عما يسوءه ، ونجابة يوسف وذكائه مع صغره ، وعرض الرؤيا على العالم إذا كانت من المبشرات ، وترك تفسير الرؤيا إذا كان في ذلك مصلحة ، وكتم السر إذا حصل بإفشائه ضرر وعليه الأثر : (( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ، فإن كل ذي نعمة محسود )) ، والحذر من الأقران ، وستر النعم إذا خشي من إظهارها عدوان عليها ، وأن الشمس والقمر والنجوم في المنام عظماء أو علماء أو زعماء ، وفيه تفسير الرؤيا قد تتأخر سنوات عديدة وأزمانا مديدة ثم تقع بإذن الله .
وإنما قال رايتهم لي ساجدين ، بالجمع للعقلاء ، ولم يقل ساجدات ؛ لأنه لما نسب إليها السجود وهو وصف لمن يعقل ألحقها بالعقلاء وهذه رؤيا ليست عادية ، بل تنبئ عن مستقبل زاهر ليوسف ، وسوف يكون له مع التاريخ صولة ومع الدهر دولة ، ومع الأيام جولة ، سوف بصل إلى تحقيق هذه الرؤيا لكن عبر طريق ملؤه الشوك والضنى والمشقة والبلوى والدموع والشكوى والفراق والفجيعة والمكر والكيد والحبس والقيد والأذى والتشويه والامتحان والصبر كما قال أبو الطيب :
جزى الله المسير إليك خيرا
وإن ترك المطايا كالمزاد
سوف تقع هذه الرؤيا كفلق الصبح ، ولكنها لن تقدم بين عشية وضحاها وعلى طبق من ذهب ، لأن المنازل العالية والمراتب الجليلة لا يوصل إليها إلا بجهود شاقة وتكاليف باهظة وتضحيات هائلة ؛ لأن السنة اقتضت ذلك والحكمة نصت على ذلك ليكون العطاء لذيذا ، والهبة غالية ، والثمن ضخما راقيا .
لا يدرك المجد إلا سيد فطن
بما يشق على السادات فعال
لولا المشقة ساد الناس كلهم
---------------
يتبـــــــــــع ان شاء الله
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ الوآصل المنتدى الرياضي 6 10-12-2009 01:49 AM
اســـــــرار القلــــب..! الســرف المنتدى العام 22 29-09-2008 01:03 AM
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء امـــير زهران منتدى الحوار 4 02-09-2008 03:05 PM
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة رياح نجد المنتدى العام 19 15-08-2008 01:10 PM
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! البرنسيسة المنتدى العام 13 17-08-2007 11:04 PM


الساعة الآن 07:33 AM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved