![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#21 |
![]() |
![]() مرحبا أخي متمرد على الهاوية،،، شكراً لكلماتك المعبرة التي تعني لي الكثير،،،،،فجر العيد أرجو أن تبقي هنا على الدوام حتى نهاية المذكرات،،، شكراً لك
الحلقة الحادية عشر زرت معظم دول العالم وتزلجت فوق جبال الألب وركبت الأفيال ونمت في معابد الهندوس في الهند وسكنت في أجمل المنازل المترفة في بيفرلي هيلز وسانتا مونكا، عشت أياما عيشة الملوك وأيام أخرى أطول عيشة الصعاليك، تناولت ألذ أنواع الطعام في أرقى المطاعم، وأردئها من عربات مكشوفة في دليهي بجوار الجامع الكبير "مسجد جهان ناما"، لكن قلبي تعلق بام الدنيا منذ أول مرة زرتها فيها ففضلتها على دنيا رب العالمين. أحببت أزقتها القديمة وشعبها البسيط الطيب وبازراتها ومطاعمها الشعبية والحمام المحشي بالفريك والملوخية والفول والطعمية على ما تقدمه مطاعم لو تراين بلو الفرنسية ومطاعم النايتس برج ومطعم سينيور ساسي. وقد كنت محظوظا عندما تعرفت أثناء الدراسة في الجامعة الأمريكية في القاهرة على "تبثا سمنثا" البنت الأمريكية الكلاس والمتخصصة بالدراسات الشرقية والتي تتقن اللغة العربية كأنها من نسل"يعرب بن قحطان"، وتحب القاهرة كلها على بعضها بحلوها ومرها، وتحب كذلك المشي على الأقدام طوال الليل والنهار لا تتوقف كأنها تكسي الجيزة أو خط البلدة في الرياض. فكنا نمضي أكثر أوقاتنا مشياً وسط الأحياء الشعبية والأزقة الضيقة والمنازل المتلاصقة والحوانيت المتداخلة ببعضها والتي تتميز بكثافة سكانية عالية، وأشكال الناس فيها غريبة عجيبة جدا، فلباسهم عتيق ومتسخ وشعورهم مقروضة قرضا وليس لها ستايل معين، نظراتهم غائرة ونظاراتهم بائرة، إما يكون الشخص فيهم ضخم كأنها ماموث أو صعلوك لدرجة تحسبه أنه يد الشخص الضخم الذي بجانبه، فالدخول لهذه المنطقة كركوب ساعة الزمن التي تأخذك لمئات السنين الغابرة. لكن كل تلك المثالب كانت هي سر سحر وجاذبية القاهرة لنا، فكنا نقوم باستمرار بالتجول فيها ابتداءً من الساعة الحادية عشر صباحاً من حي الحسين وذلك بعدأن نتانول وجبة الغداء في أحد المطاعم الشعبية والتي يشتهر كل مطعم فيها باجادة نوع معين من الطعام لا يمكن أن تجد مثيله في أي مطعم آخر. فمثلا مطعم الحاتي في الحسين "الكبابجي يسمى الحاتي في مصر" رهيب جدا في عمل الحمام المحشي بالفريك والكباب والكفته، ولن تجد كبابا مثل كباب الحاتي لو أفنيت عمرك كله تلف العالم من أقصها لأقصاه، مستحيل. أو نتناول الرز باللبن في مطعم المالكي، أما الطعمية والفول والمسقعة فألذها التي يعملها مطعم الجحش، خخخخخخ، هذا اسمه والله،وعندما يصل الأمر لطبق الكشري المصري الأصيل فألذه الذي يعده مطعم العمده، بينما يتميز مطعم الشبراوي بأنه أفضل مطعم شعبي يعمل السندوتشات الغنية بالمخللات والشطة الحراقة. كنا كل يوم نجرب أحد تلك المطاعم الشعبية، ثم نذهب فنتربع على مصطبات قهوة الفيشاوي العتيقة في حي الحسين والتي تجاوز عمرها المئة عام فنشرب الشاي الثقيل أو السحلب والعرق سوس أو الزنجبيل أو اليانسون، ونأرجل المعسل العجمي ذي العبق السلطاني والرائحة الزكية، وعندما يروق"دماغ تبثا" ويعتدل مزاجها من المعسل العجمي يحلو لها أن تستعرض ثقافتها عن المقهى فتحكي لي كيف كان يجلس في هذا المكان قبل أكثر من ستين سنة الفنان محمد عبد الوهاب وهو يغني بانشراح وتهادي للسهارى )أمانة عليك ياليل طول.. وهات العمر من الأول)، وتواصل بشوق كيف كان الناس يتحلقون حوله أو حول الكتاب والأدباء والقصاصين الذين تعج بهم القهوة وخاصة في ليالي رمضان المبارك ليستمعوا بشغف منقطع النظير لسيرة أبو زيد الهلالي أوالزير سالم أو عنتر بن شداد وعشيقته عبله أو لقصة تغريبة بني هلال. وبعد هذا الفاصل الزمني، نكمل رحلتنا إلى حي خان الخليلي الملاصق لحي الحسين فنتجول حول مبانية التاريخية والتي تعود لعصر المماليك، أي أنها بنيت قبل 600 سنة، ويتميز الحي بتزاحم بازاراته التي تبيع الحلي والنحاسيات والاكسسوارات والفرعونيات. ثم نعرج بعد ذلك على الأماكن التاريخية الأخرى مثل شارع ما بين القصرين وقهوة الحرافيش التي أستوحى منها الكاتب الكبير نجيب محفوظ معظم قصصه الواقعية ومسلسلاته وأفلامه، وبعدها نكمل السير في القاهرة القديمة فنتجول وسط حارة اليهود والقاهرة الإسلامية والقاهرة القبطية والقاهرة الفاطمية ومسجد عمر بن العاص وقلعة صلاح الدين وحي السيدة زينب، ثم ننهي عادة جوالتنا نحو النقطة التي بدأنا منها في حي الحسين فنقوم بتناول وجبة العشاء عند الساعة الواحدة ليلاً. في أحد الليالي زرنا منطقة المقابر التي تقع في القاهرة القديمة أسفل قلعة صلاح الدين، وتجولنا وسط القبور والأظرحة ونحن نشعر برهبة شديدة تزيدها ظلمة الليل وعواء الكلاب والقطط من كل مكان، وكنا نستغرب من "أطفال المقابر" الذين يلهون وسطها ويلعبون "الاستغماية، هايد آند سيك" دون وجل أو شيء من الخوف، كما كان الكثير من النساء يقمن بكل أريحية بنشر الغسيل فوق حبل مربوطة بشدة بين الأظرحة. تعرفنا خلال التجوال وسط المقابر على عائلة تتسامر أمام "بيتها" فدعونا لشرب الشاي لديهم ورؤية المقابر التي تقع داخل فناء منزلهم، فوجدنا من ينام منهم وهو يسند رأسه على طوبة القبر لينام هنيئا في "الطراوة"، بل أن ابنهم الكبير كشف لنا عن قبو داخل فناء المنزل كان يستخدم كقبر لأحد قواد المماليك وأخبرنا أن الجثة قد ازيلت منذ زمن بعيد وأنه ينام داخل القبر في بعض الأحيان وخاصة في الشتاء عندما تشتد برودة الجو. وفي أحد الأيام الربيعية المعتدلة الجو قررنا ركوب الحنطور فأستأجرناه من قبالة فندق ماريوت وطلبنا من "العربجي" جولة لمدة ساعة حول أزقة القاهرة واتفقنا أن نعطيه 60 جنيها أجرة عن الرحلة، وفعلا بدأنا في التنزه بجوار نهر النيل لنتمتع بمناظره الخلابة والتي تمخر به البواخر السياحية وتصدح منها الموسيقى الراقصة والصاخبة، وآلاف البشر يمشون حول كورنيش النيل تراهم يهيمون في كل ركن وكل زاوية وفي البلكونات وفي الساحات، في كل مكان مئات البشر، كثافة سكانية لا حصر لها، وعادة لا تخلو يد المصري من طعام يأكله أو كوباية شاي تعدل مزاجه، فتراه يأكل سندوتش فلافل أو باذنجان بالطرشي أو حتى خبز حاف أو كوز ذره أو يقزقز لب أو يشرب كازوزه، وإذا غلبت الروم وجدته يشعل سيجارة، وشعب لا يتوقف عن أسباب الحياة أبدا، فقلدناهم واشترينا بليلة من أحد الأكشاك ثم واصلنا الطريق نحو كوبري 26 يوليه وكنا نسير عكس اتجاه السير. وددت في البداية تحذير "العربجي" (العربجي كلمة تركية يعني سائق عربة، عربة جي، وفي السعودية عربجي يعني متخلف) بعدم عكس خط السير ولكني تركته لشأنه ففي القاهرة كل شيء ماشي بالبركة، لكن فجأة ظهر لنا شاويش مختبئ خلف جدار وسط الظلام وقام بتوبيخ "العربجي" وقال له لازم تدفع 100 جنيه غرامة السياقة في الاتجاه المعاكس للسير، ولم أتدخل طوال الوقت بينهم، إلا أن الشاويش التفت إلي في النهاية وقال لي "يرضيك برضه كدا يا بركة " قلت والله ما يرضيني، خذ يا عم 50 جنيه وسامح الراقل الغلبان أصله ما يقصدش، وناولته الفلوس وكملنا المشوار ورحنا شربنا عصير منقة وفخفخينا عند فرغلي في شارع جامعة الدول العربية. وفي اليوم التالي اتجهنا شرقا في رحلتنا على الأقدام لاكتشاف مدينة القاهرة، فسرنا باتجاه شارع الدول العربية وتناولنا طعام العشاء في مطعم أبو شقرا، وهو من أنظف والذ المطاعم في المشويات في مصر، ثم قفلنا عائدين نحو السكن وكنا نسير بمحاذات مسجد مصطفى محمود والذي يوجد بالقرب منه حراسة أمنية مشددة لوزير مصري سابق، فاستوقفنا جندي جاهل وأحمق يبدو أنه قد خرج بالأمس فقط من الترعة وقال "حضرة الصون عاوزكم"، رديت بكل ثقة مين حضرة الصون يا عمي، إذا الصون عاوزنا يجي هو عندنا، فما كان من الجاهل ابن الأحمق إلا أن رفع الرشاش في وجهي دون مقدمات وقال "الي يقوله حضرة الصون هو الي يمشي قدامي يا غجر"، فأدركت أنني مقدم على مصيبة لا محالة فسلمت أمري لله وتوجهنا للصون الأجهل من جهل الجاهلين، وبدأ لي منذ البداية من سحنة وجه حضرته اللاحم وبريهته العسكرية التي تغطي اذنيه وشنبه المنفوش كأنه برادة حديد جذبها مغناطيس، بأن عقله مقفول بالضبة والمفتاح. بادرني حضرة الصون بالسؤال مباشرة مين دي الي معاك وتعملوا ايه هنا، رديت يا محترم انت إنك عسكري حماية لشخصية مهمة زي ماهو واضح، لكن مش شغلتك تصيد الزباين من الشارع بسنارة وتحقق معاهم، بعدين هذي أمريكية ياعمي بلاش فضايح. أخونا بالله لما سمع انها أمريكية فكر انها ما تعرف عربي ودخل معاي بكلام ساقط عنها وقالي اسئلها كدا "بالامريكاني" وشوف جوابها ايه على الكلام إلي قلته لك!!!، رديت عليه وقلت عيب عليك يا حضرة الصون هذي برضه انسانة محترمة وعندها مباديء ودين وأخلاق إنت فاكر الدعوة سايبة وإلا أيه، رد وقال لي "دي عندها دين!!!! دينها ايه؟"، رديت قلت مسيحية، قام فحرك سبابته مثل مساحة سيارة، يمين شمال وهو يشير نافيا وقال بكل جدية "الأمريكان مش مسيحين، قلت أمال إيه يا حضرة الصون، قال الأمريكان دينهم كفار!!!" (يفكر كلمة كفار ديانة مستقلة خخخخخخ)"، عند هذه النقطة فهمت مدى المصيبة التي وقعنا فيها وأدركت إنه ما فيه غير طريقة واحدة للتفاهم مع هذا العبيط وهي النصب على إلي خلفوه، فقلت كلامك عين العقل يا حضرة الصون، بس لو تعرف جنابك إن "الآنسة فتاكات بنت وزير الداخلية حسن بيه الألفي"، ربنا يقازيها ألف خير كل يوم تديها دروس خصوصية عن الإسلام، أمال يا راجل، مهي صاحبتها الروح بالروح وتدعيلها كل يوم بعد كل فرض صلاة بالهداية، عندها هبط شنب الصون الجاهل وكأن المغناطيس أعطاه سالب هذه المرة وبلع ريقه وقال "يارب ينجح مقاصدها وتسلم على ايديها، أصلو باين ع البنت إنها أمريكانية طيبة قوي قوي قوي يا ولد أبوي، ما تشربوا الشاي معانا يا قماعة؟؟، الشاي ع النار!!!". رديت بسعادة يجعله عامر يا فندم، أنا لازم أروح دي الوقت تلاقي الحجة أم فتكات زمانها بدور علينا، وأنتهت المشكلة وتخلصنا من الصون الجاهل وشتمناه لما غادرنا المكان إلى أن طلع الصباح. في يوم لاحق أشترينا وجبة كباب من الحاتي في الحسين وركبنا أحد الزوراق النيلية وكان الجو جميل منعش فطلبت من سائق الزورق أن نركب في أعلى الزورق فوق قمرة القيادة في مقدمة الزورق لنتناول وجبة الغداء حيث يمكننا أن نتمتع بمنظر جريان مياه النيل وأشجار البردى على جانبي النيل، فوافق بسعادة وجلسنا وفتحنا الكباب الحار والطرشي والسلطات والطحينية وعلب البيبسي وبدأنا في تناول الطعام بشهية عارمة. فجأة سمعنا بعض من جنود حرس المسطحات المائية يخاطبونا بالميكروفون من زورقهم وباسلوب شوارعجي "أنت يا الي هناك، إنزل يا وله (يا ولد) منك ليها ممنوع تقعد فوق، انزل يا وله، انزلي يا بت"، فقلت سننزل إلى وسط الزورق بدلا من نعيق هذا الجاهل الآخر، فرد علي صاحب الزورق "خليك مكانك، دا القندي داه لو هوب ناحيتك دنا حا أديله بالقزمة على قفاه، ما تعبروش، دنا المعلم حوشة يا راقل" إنت أصلك معذور ما تعرفش مين هو الريس حوشة سبع النيل!!!!، قلت أكيد تقدر تتفاهم معاه يا معلم حوشة، قال عيب عليك، أمال هو حد يقدر يتجرأ يقول ثلت التلاته كم للمعلم حوشة، بعدين ما تخدش بي بالك، دا عسكري غلبان، فأكملنا تناولنا الطعام ونحن فوق قمرة القيادة دون أي اعتبار للعسكري الغلبان، بيد أن العسكري لم يعجبه ذلك فلحق بنا فنبهت المعلم حوشة وقلت يا عم أهو العسكري جاي، جهز بقا جزمتك عشان أول ما يوصل تديله على قفاه. ولما اقترب الجندي المزعج من زورقنا وتحققت من رتبته التي تسطع على كتفيه وإذا هو برتبة عقيد بحري يا للهول"أو يا لهوتي"!!!، فأخبرت صاحب الزورق " العسكري طلع عقيد يا حبيبي، حتمل ايه معاه دا الوقت" اصفر وجه صاحب الزورق واحمر ولما وصل له العقيد وغسل شراعة وسأله لماذا لم لم يستجيب للنداءات المتكررة، رد عليه المعلم "حوشة سبع النيل" بانكسار وتذلل وقال "أبوس معــــــالـــــي جــزمتــك تسامحني يا بيه دنا غلبان" خخخخخخخخخ، معالي جزمتك حته واحدة يا معلم حوشة يا جبان، وين يا عمي سبع النيل الي بيديله بالجزمة على قفاه، والله حلوة منك يا ريس حوشة، وماشي يا بركة،،،،،ذكرتي والله بالعسكري بركة ، خلونا نرجع للبركة مرة ثانية. اشتقنا لركوب الحنطور مرة أخرى فركبنا مع نفس الشخص من عند فندق ماريوت وذلك بعد مدة اسبوعين من المرة الأولى، ويبدو أن العربجي لم يتعرف علينا، فبعد أن سار بنا نحو برج القاهرة ومايسبيرو "برج التلفزيون" اتجه مرة أخرى نحو كوبري 26 يوليه وبالاتجاه المعاكس مرة أخرى، فنبهتني "تبثا" بأنه سوف يكرر نفس الخطأ ومن الأفضل تحذيره، لكني قلت لها لا، لا، لن نحذره خلينا نشوف آخرتها، وفعلا لم يخطيء حدسي فبعد مدة وأثناء السير عكس الاتجاه فوق كوبري 26 يوليه ظهر الشاويش النصاب المختبئ من نفس المكان وبدأ بمسرحية توبيخ العربجي وطلب منه غرامة 100 جنية، ثم استدار نحوي وقال بصوت يستدعي الشفقة "يرضيك برضه كدا يا بركة ؟". ضحكنا لما كشفنا سر عملية النصب التي اتفق عليها صاحب الحنطور والشاويش الغلبان، وقلنا لهم، لا المرة هذي سامحونا انتم، العرض المسرحي مجاني، حنا زباينكم خلاص، ما يصير تاخذون منا فلوس، فركش يا حبيبي منك له،،،خخخخخ . وبعيدا عن تبثا سامنثا، سأختصر في النهاية كيف استطعت أن أصل إلى بريصة الأصفهاني بعد أن دوختكم باللفة الطويلة على القاهرة وأيامها الحلوة، فأصل الحكاية يعود لزميلنا العزيز سهيل من مدينة جدة والذي كان يدرس في المرحلة النهائية في الجامعة الأمريكية ويتقلد منصب رئيس نادي الطلبة السعوديين في مصر، ورغب في المشاركة في الحفل السنوي الذي يقيمه الطلاب في الجامعة الأمريكية للتعريف ببلدانهم تحت مسمى "اليوم العالمي". كان يتوفر لدى سهيل ميزانية 6 آلاف جنيه مصري فقط كميزانية للاشتراك في "اليوم العالمي"، وكان يحتاج أكثر من عشرة آلاف جنيه أخرى للحصول على مجسمات ونماذج تمثل البيئة السعودية يعملها عمال مصريون وعلى شراء ملابس سعودية صناعة صينية، وشماغ وطني سعودي صناعة انجليزية ودواليب عتيقة مزينة بمرايات ومعشقة بالدبابيس لحفظ وتطبيق الملابس وسجادات الصلاة صناعه هندية، وزير ماء ووجار للجمر ومهفات صناعة سورية وابريق الشاي القديم الملون بمثلثات متداخلة حمراء أو خضراء يستخدمها عادة أهل البادية وهي صناعة بلغارية. كما تقاول سهيل مع مطعم مصري لعمل "كبسة بخارية" لتوزيعها في اليوم السعودي على الزوار على أنها طبخة سعوديةّ!!!!. وكان عمنا سهيل يحاول أن يجمع المبلغ من أي كان فطرق باب السفارة ولم يجد أكثر من الستة آلاف، وتحدث مرة معي وذكر لي بأن الأمير تركي يقيم بصفة دائمة في "فندق مينا هاوس" ولو استطاع الوصول إليه فسوف يساعده لا محالة فهو مشهور عنه الكرم ويأتي بعد الأمير سلطان بن عبد العزيز في الكرم كما هو معروف. أخبرت سهيل أني من الممكن أن أساعده في هذه الحالة لعلاقتي السابقة بسمو الأمير، فركبنا سيارته السوفت الحمراء واتجهنا لطريق الأسكندرية الصحرواي الذي يوجد في بدايته فندق مينا هاوس. استقبلنا مدير الفندق المناوب وأخبرنا بكل أسف أنه لا يمكن أن يساعدنا في الوصول لسموه لأنه هو وأفراد الفندق لا يمكنهم التواصل مع الأمير الذي يسكن في قسم كامل ومفصول تماما عن الفندق إلا في الحالات الضرورية القصوى، لكني طلبت من المدير المناوب أن يبلغه باسمي ويذكره إذا نسى من أنا عن بعض الأحداث التي حصلت بيننا في لندن. وفعلا عاد المدير المناوب مع حارس شخصي للأمير أمريكي الجنسية طوله نحو متران ويبدو أنه لم يبتسم منذ حرب فيتنام، "أصول الشغلة ياعمي" وقام بكل وقاحة بتفتيشنا دون أن يتحدث بكلمة واحدة، ثم تبعناه وأدخلنا صالة كبيرة يبدو أنها قد أضيفت حديثا في الفندق وتخص الأمير وليس الفندق وانتظرنا فيها قدوم سمو الأمير. حظر الأمير وابتسامته المعهودة تسبقه وقد بدا لي أنه قد تقدم به السن بعض الشيء وازداد وزنه فرحب بنا ترحيب أخجلنا ولمت نفسي لأني لم آتي فقط للسلام ولكن لطلب دعم النادي السعودي الكحيان. بيد أن سمو الأمير بنبله هو الذي بادر وقال "وش أقدر أسوي لكم، محتاجين مساعدة، ناقصكم فلوس، آمروا، لا يردكم إلا لسانكم". شكرته وأخبرته أولا أني أريد أن أعرف كيف أصل لبريصة وثانيا بأنا نحتاج دعما ماديا لنقيم يوم سعودي في الجامعة وينقصنا 10 آلاف جنيه مصري. أشار الأمير لأحد الحراس ودنا منه فكلمه وذهب في الحال وأحضر ظرفين ذكراني بالظروف التي استلمتها في لندن. وقال خذ هذه للنادي والأخرى لبريصة، وسوف تجد بريصة في مسجد العابد في مدينة الشيخ زايد، فشكرناه من قلبينا وودعناه بمثل ما استقبل به من حفاوة وتقدير،،، وكان في وداعة،،،لا بلاش نطول عليكم. فتحنا الظروف في سيارة سهيل ووجدناها عشرة آلاف دولار للنادي، وخمسة أخرى لبريصة، فناولت سهيل العشرة آلاف فطار بها فرحا، وقال سوف أطلب تيوس مندية بدل من الدجاج البخاري الله يوفق الأمير بيخلينا نلعب بالورق لعب،خخخخخ. ركبت في اليوم التالي القطار العتيق المتجه نحو مدينة الشيخ زايد وتعجبت من حالة القطار المزرية وقارنته بالقطار الذي كنت أركبه بين لندن ومانشستر، فالقطار البريطاني أنيق أحمر اللون يلمع كالبلور من الخارج وركابه يلبسون أجمل الملابس وقصات شعر النساء رائعة وجلهن يرتدين نظرات أنيقة وفخمة وعطوراتهن جذابة ويجلسون على كنبات وثيرة ويحمل أكثر الركاب الآي بود أواللاب توب أو يقرأون الكتب ويتحدثون بأصوات تتناغم مع تهادي القطار، أما المناظر الخارجية الخلابة نحو الشمال الأنجليزي ففيها متعة العشاق من أنهار وجداول وشلالات تجري طوال الطريق بين السهول والتلال والأشجار الباسقة الخضراء، والقرى المتناثرة بأكواخها الجميلة وفي كل قرية توجد بعض الحصون أو القلاع التي تذكرني بقصص سندريلا وعشيقها الأمير شارل. أما القطار الحجري الذي ركبته في طريقي لبريصة فكان لونه بلون الصدأ وقبل أن أركبه حسبت أنه مركون كمتحف لقطار من عهد الخديوي إسماعيل، وأقل جماعة من ركاب قطارنا التعيس كانوا عبارة عن أسرة تتكون من عشرة أشخاص، الحاج والحجة وأبنائهم وزوجاتهم وأحفادهم ويحملون في أيديهم وأرجلهم وفوق رؤوسهم وظهورهم الطعام والأقفاص، أما الصعيدي الذي يجلس أمامي ويلف فوق رأسه عمامة ضخمة لو فردتها لغطت سيارة سوبربان، ومن ضخامة شنباته كان من المفترض يقص لها تذكرة، ولو تذكرة أطفال على أقل حال، وكان يحمل بين يديه قفص مليئ بالحمام والوز والبيض ويسمى "الزيارة" أي الهدية التي تهدى عندما يزور أقربائه. أما القطار المتهالك فكان الأجدر تسميته قطار شحن وليس قطار أوادم، لأنا فعلا كنا مشحونين فيه كالبضائع، وزاد الطين بلة من يبيع المية والذره وسندوتشات الكبدة في القطار فأصبحنا في خرابة صاخبة، والذي هالني أكثر هي دورة المياه، كرمتم، يعني لا تزعلون مني لأني سميتها دورة مياه بس عشان تعرفون عن أيش اتكلم، فلقد فتحت الباب الذي سمي بهتانا بحمام الهنا فوجدت حمام عربي فيه فتحة مكشوفة ترى منها الأرض التي يمشي فوقها القطار، يعني عدم المؤاخذة يستطيع صعيدي واحد نقل البلهارسيا لجميع المحافظات في رحلة ذهاب واحدة ومجانا كذلك. طيب تخيلوا لو كان في السكة تحت القطار، مثلا يعني، تنكه حديد طايحة وإلا أسلاك شائكة واقتربت من الفتحة، أترك لكم لتتصورا حجم الكارثة.,,,,,خخخخخ ،،،،،،،،قصدي وووووووووووووووووعععععععععععع. إن لم تخني الذاكرة فقد مررت بنفس هذه الرحلة، على مدينة "قها" والتي أثارت شجوني لأني عندما كنت صغيرا في مدينة الطايف كنت أحب كثيرا أن أشرب من "منجا قها"، هل تذكرونها؟؟؟، لقد كانت تباع بعلب صغيرة مغلفة بورقة بيضاء يتسوطها رجل يبتسم مرسوم على هيئة منجة وفوق رأسه طاقية طاهي وأمامه كوب من عصير المنقة المصرية اللذيذة. كانت "منجا قها" أفضل هدية تقدم في الطايف للمرضى عند زيارتهم في مستشفى الملك فيصل في الشرقية، أيام حلوة وحياة كانت بسيطة. وصلت مدينة الشيخ زايد والتي بنيت بمنحة من صندوق أبو ظبي للتنمية، وسألت عن مسجد العابد فوصلته بسهولة، وبحثت عن بريصة، فقال لي أحد الأشخاص هل تقصد العارف بالله الشيخ الزاهد العابد العالم النحرير بريصة الأصفهاني، قلت في قلبي زين ما أضفت "رائد الفضاء" كل هاالأسماء له، وفي رقبته خمسة آلاف باوند يلعن أبو النصب، ورديت على الرجال نعم هو بذاته قدس الله سره وسر جيرانه، فأوصلني إليه في أحد القهاوي فتفجأت لما رأيته للوهلة الأولى، فقد تقدم به السن كثيراً وشاب شعر رأسه وطال حتى وصل كتفيه ويلبس ثوبا أخضرا طويل فضفاض وعمامة على رأسه مربوطة باحكمام وتدلى سلاسل وتعاويذ لاحصر لها من رقبته كما يحمل مسبحة طولها نصف متر. لما رأني فز كأن ثعبان قرصه وصرخ بأعلى صوته، مدد، مدد يا سدنا أحمد الرفاعي مدد ، وأقبل نحوي مرحبا بك يا شيخنا نديم، هذه والله رؤياي التي رأيتها البارحة، أهلا بالكريم أهلا بمن أتى من مكة والمدينة وقبر النبي (ص)، وبادلته التحايا والترحيب وجلسنا سويا في القهوة ثم أخذني لبيته وذبح لي وزه وبطه وعمل كوشري بالسمن والتقلية وملوخية بالطشة وطاجن سمك وفطير مشلتت بالعسل الأسود وحلينا بالمهلبية البيضاء بالقشطة والكنافة وبسبوسة مصرية بقمر الدين والفستق، وسألني عن صحة أخي وعما أفعل في مصر فأعطيته الأخبار بالتفصيل وأخذت منه بدوري أخباره، فأطماننت عليه لما أحسست أنه يعيش في صفاء وايمان جميل بعد أن طلق الدنيا بالثلاث والنصب بالعشرة، واعترف لي بما كنت متأكد منه، بأنه قد لطش الخمسة آلاف جنيه الاسترليني التي طلبت منه أن يرجعها للأمير قبل عشرة سنوات، وطلب مني السماح فسامحته وقلت له لن أسامحك فقط بل لك عندي خمسة آلاف دولار أمانة من سمو الأمير تركي، فقز من مكانه وقال مدددددددددددددددد ، يامانت كريم يا رب، وسلمته الخمسة الآف ثم ودعني بمثل ما استقبلت به من حفاوة وترحيب، وقفلت عائداً نحو لقاهرة في قطار الغرام، لألحق باحتفال اليوم السعودي كي نعرض بضاعتنا أمام الطلاب من ايطاليا وفرنسا وأمريكا ونسألهم السؤال التقليدي ماركة "غصب وان + غصب تو" وش رايك فينا قبل عشر سنوات والآن، وماذا تقول عن أوجه التقدم التي رأيتها اليوم خلال تجوالكم في المعرض، طبعا الإجابة ستكون " لقد دهشت مما رأيت اليوم وكانت فكرتي أن بلدكم عبارة عن صحاري ورمال، ولكن هذا المعرض غير من رأي وسوف أنقل الفكرة إلى أصدقائي عندما أعود لجزر الواق الواق....." شكلي بروح السجن مع القصة هذي، يا عمي خلني أنهي الحلقة هذي، انتهت يا حبايبي. لكن بقي لدي كلام كثير عن القاهرة، لكني سوف أعود بكم إلى لندن في الحلقة القادمة وأكتب عن محمد الفايد صاحب محل هارودز وعن أول مرة رأيته فيها في العام 1984 |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#22 |
![]() |
![]() الحلقة الثانية عشر شاهدت محمد عبد المنعم الفايد أول مرة في العام 1984، بعد سنة من شراءه شركة هاوس أوف فريرز والتي تتبعها محلات هارودز الشهيرة، وذلك عندما كنت أتناول القهوة والكعك مع موظف السفارة السعودية سليمان المتروك "تقاعد عن العمل ويوجد بالرياض حاليا" في المقهى الفرنسي الراقي والموجود في الطابق الأرضي والذي يعود تاريخ للعام 1871، ورواده هم من الطبقة المخملية الإنجليزية. كان الفايد يجلس مع بعض رفاقه في طاولة قصية بيد أن صوته النشاز كان يطن في آذاننا من بد كل رواد المقهى، خاصة وهو يتحدث بانجليزيته الركيكة بلكنة مصرية بلدية، فيردد زيس، زات، توقيزر"this, that, together" ، ثم يكركر بعد كل جملة أو جملتين. سألني المتروك هل تعرف من ذا الرجل، كنت أعتقد أنه يوناني أو من مواطني شرق أوربا على أبعد تقدير، لكنه قال لي هذا هو الفايد الذي اشترى هارودز مع أخويه علي وصلاح. وأثناء خروجنا من المقهى القينا عليه التحية ورد بتحية أحسن منها وهو الشي الذي لم يعد يقوم به الآن ويعرف ذلك كل من قابله من العرب في السنوات الأخيرة أثناء تجواله طوال النهار وخاصة في الصيف في "وكالة البلح بتاعته، هارودز"، ففي السنوات الأخيرة أصبح أكثر تجهما وكأنه لا يمت للعرب بصلة ولم يأكل معهم يوما فولاً أو بصلة. قد يكون ذلك بسبب حجم المآسي التي ألمت به وأنهكته في مشواره حياته المتقلب بين الجوع والفقر والغنى الفاحش والحروب التجارية الطاحنة والنجاح وصعود المراتب الاجتماعية بسرعة ثم فقدانه المأساوي لابنه ولفظه من قبل الطبقة المخملية الانجليزية واقفال أبواب الملكية في وجهة. لكن من هو هذا الفايد الرجل اللغز الذي تدور حول حقيقة شخصيته الكثير من علامات الاستفهام حتى للسلطات البريطانية نفسها. ولمعرفته نبدأ باسمه الحقيقي الذي هو محمد عبد المنعم فايد وليس الفايد، يقال أنه أضاف ال للتفخيم وأخرون يقولون أن شخصاً اسمه محمد فايد وصل الي جزيرة تاهيتي بالبحر الكاريبي في يونيو عام 1964 وقد صادق المسؤولين في حكومة فرانسوا روفاليه وقام بنشاط تجاري ضخم هناك بصفته قريبا من حكام الكويت ثم هرب بعد ذلك ومعه مبلغ كبير من المال فقام حاكم الجزيرة في ذلك الوقت بإبلاغ البوليس الدولي الإنتربول ضد محمد فايد، لذلك أضاف لاسمه "ال" لتلافي القبض عليه عند ادخال اسمه في المطارات بأجهزة الكمبيوتر أوالمعاملات التجارية الأخرى. أما أبوه فهو رجل بسيط كان يعمل مدرس لغة عربية في مدارس الاسكندرية، وبدأ الفايد حياته بكل عصامية فعمل عندما كان يافعا كحمال في ميناء الإسكندرية، ثم أنشأ مكتب استيراد وتصدير في الاسكندرية مع اخويه علي وصلاح وامتلكوا ثلاثة مراكب بحرية صغيرة وسماها صلاح الله وما شاء الله وعماد الله، وهذا يوضح تأثير النشئة الدينية عليه في بداية حياته. تعرف مع مرور الوقت على تاجر السلاح السعودي حينئذ عدنان خاشقجي وتزوج من شقيقته الكاتبة الراحلة سميرة خاشقجي "والدة ابنه دودي، أو عبد المنعم" وبدأ من هنا الانطلاق نحو الحلم الكبير، فبدأ بالتكسب من الأعمال التجارية والصفقات وتجارة الإستيراد التي بدأ يزاولها في المملكة. حقق في البداية مكاسب كبيرة لكن سرعان ما تراجع للصفر بعد أن أمم جمال عبد الناصر بعض أملاكهم في مصر التي توافقت مع بعض الخسائر التجارية في السعودية فقرر ترك المملكة والتوجه للعمل في السوق الجديدة الواعدة في الامارات العربية المتحدة، فسافر برا بسيارته البيجو الكحيانة وحمل عليها عفشا بارتفاع السيارة مرتين، مثل ما نرى الآن السيارات الصغيرة في الصيف وجلهم من المدرسين العرب وهم عائدون نحو أوطانهم، فنرى سيارة كورلا مثلا تحمل عفش شقة كاملة وتسير بسرعة سيكل وعادة تكون شبابيكها مفتوحة بالرغم من حرارة الصيف اللاهبة. لم يكن يتوفر لدى الفايد الكثير من الكاش في ذلك الوقت، ولكن كان يتوفر في عقله مشاريع بالمليارات، فوصل للإمارات بشق الأنفس بعد أن عانى من وعثاء السفر وكأبة المنظر، وبدأ بسرعة العمل هنالك وكون ثروة جيدة وعوض الكثير من الخسائر المالية السابقة. دخل مع شيوخ الإمارات الكرام الذين أكرموه وأعجبوا بهذا الجنتلمان المصري الأنيق والذي كان يسرح بهم بالكثير من المشاريع التي تسيل لها اللعاب واستطاع تكوين ثروة كبيرة خلال ثلاث سنوات وهو يبلغ من العمر حوالي 36 عاما فقط. انشأ وهو في الامارات شركة مقرها بريطانيا اسمها "كوستين للمقاولات" التي فازت بعقود عمرانية ضخمة في الخليج، كما أنشأ شركة أخرى في بريطانيا استطاعت أن تفوز بعقد توفير الخضار والفواكة يوميا للقصر الملكي، وهي من أحد أسباب رفض الملكية البريطانية أن يكون المعلم بتاع الباذنجان والكوسة والقرع البلدي، نسيبا لهم في يوم من الأيام، حتى وإن اشترى لاحقا هارودز والكثير من الشركات الناجحة، فلا يزال في نظرهم المعلم الجاهل ولا تهمهم كنوزه أبداً. قام الفايد في العام 1979، بشراء فندق رتز التاريخي في باريس وأعاد له السمعة الراقية التي تميز بها طوال تاريخه العريق بعد أن تدهورت لبعض الوقت بسبب سوؤ الإدارة السابقة له، وقام بكل ذكاء بالتلحوس والتقرب من أهم زبائنه في ذلك الوقت وهو "سلطان بروناي حسن بلقيه" الذي تعود على أن يقيم فيه عند زيارته لباريس وكان يحجز عادة له ولحاشيته 111 حجرة من أصل 260 حجرة. وبسبب هذا الاهتمام الشخصي من الفايد وتوطد العلاقة بينهما، طلب منه سلطان بروناي أن يقوم بسلسلة من الاستثمارات التجارية باسمه في بريطانيا فبدأ أولا بشراء فندق الدورشستر في شارع الباركلين بملغ يصل نحو 250 مليون جنيه استرليني، ثم اشترى في العام 1983 شركة هاوس أوف فريزر وتملك بذلك متجر هارودز بالاضافة إلى العديد من المشاريع الضخمة الأخرى. "كنت سأبدأ الحش فيه هنا ولكن الحمد لله توقفت كما وعدتكم سابقاً". الفايد لديه الآن أربعة أبناء وبنات من زوجته عارضة الأزياء السابقة الفنلدنية، بالاضافة إلى ابنه الراحل دودي من سميرة خاشوقجي. وبالرغم من استثماراته الكبيرة في بريطانيا فهو لم يحصل على الجنسية البريطانية التي يحصل عليها أي هلفوت يطلب اللجوء السياسي ويخسر الدولة البريطانية راتب ومعيشة وسكن وتعليم أبناءه مجانا، وسبب الرفض هو أنه ثبت للسلطات البريطانية بأنه شخص "غير نزيه، وغير صادق"، كما أنه ولهول المصيبة، وبالرغم من كل تلك المليارات وأنه يمتلك متجر هارودز رمز الطبقة المخملية وقبلة الطبقات العليا في المجتمع الإنجليزي والعالم كله، إلا أنه مرفوض ومنبوذ تماما من حفلات ولقاءات الطبقة الإنجليزية الراقية. فهو ممنوع عرفيا منذ نحو عشرين سنة من حضور الحفلات التي تشرفها الملكة وخاصة من قبل عدوه اللدود وزوج الملكة اليزابيث، الأمير فليب، ولذلك حاول المعلم "حسب الله" محمد الفايد أن يضرب ضربة معلم جديدة في بلاد الانجليز ويتشعبط بالعائلة المالكة بواسطة يد الأميرة ديانا في محاولة مستميته لدخول المجتمع المخملي البريطاني من أوسع أبوابه، ويحسب أن المسألة مثل الشعبطة في أتوبيس ميدان التحرير. فالمشكلة أن الفايد لا زال ورغم ثرائه الفاحش يشعر بعقدة النقص في قرارة نفسه، فحاول أن يزج بابنه للزواج من الليدي ديانا والتي كانت تمر بحالة احباط بعد طلاقها من ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز. وفي رأيي المتواضع بان الأميرة لم تكن تنوي الزواج منه بتاتا، لكن كأي مطلقة محبطة تحاول أن تغيض طليقها وأهله بأقصى ما يمكنها وأن تداوي جراحها وتنتقم لكرامتها المهدرة، فلم تمانع من التقرب من دودي كيدا في حماتها الملكة اليزابيث، وفكر المعلم "حسب الله" أبو دودي أن المسألة سايبة وأن الطريق سالكة للطبقة المخملية، فهو في مخيلته الواسعة، أنه بعد كتب الكتاب الخميس القاي إن شاء الله، وعمل الفرح فوق سطوح هارودز سيكون بلا شك أبو نسب مع العيلة المالكة وما فيش حد أحسن من حد بعد كدا ، لكن حساباته كانت خاطئة للأسف، فالعائلة البريطانية والبريطانيون لا يمانعون أن تستثمر وأن تشتري وتبيع مثلك مثل جميع تجار العالم في بلادهم، لكن أن تدخل عليهم من المنور وتختلط بالدماء الملكية، فهذه وحدها تحتاج حرب صليبية عكسية تدوم 800 سنة أخرى، والله أعلم. وللأسف فإن الفايد مازال بعد أن تفركشت القوازه إلي كانت في دماغة لوحده، يحاول طوال الوقت أن يتحجج بقميص الأميرة ديانا وأن خلفها مؤامرة استخباراتية بريطانية فرنسية، ويضع تمثال لهما في هارودز وخاتم "ألماز" داخل هرم صغير من الكرستال في النصب التذكاري لدودي وديانا، يعني غصب خطيبته. كل ذلك غير صحيح وهراء تام، لكن الفايد إما أنه كذب الكذبة وصدقها، أو أنه يستثمرها لأخر مدى لأنها في النهاية تصب في مصلحته وتظهر مدى أهميته لأن خصومة مش أي كلام، فهم بمستوى العائلة الملكية والاستخبارات البريطانية، فهذا هو العلاج الذي يحتاجه باستمرار لمرض عقدة النقص . وبعيداً عن الفايد وسنينه الذي أتمنى أن يتوب ويعود مثل بريصة على أقل تقدير، سأتحدث لكم اليوم عن بعض "الإخوة" الذين كانوا يتحلقون حول أخي سواءً في شقتنا في 41 رالف كورت في الكوينزواي، أو في عيادة هارلي ستريت كلينك، والتي كان أخي ينوم بها ثم يخرج للشقة، وما يلبث أن ينتكس فيعود للتنويم للأسف مرة أخرى. كان أكثر المترددين علينا هم من الأخوة من شمال أفريقيا وآخرين من سوريا، وهنالك شخص أمريكي يتحدث العربية لا أذكر اسمه الآن ولكن أذكر الشخص الثاني وهو انجليزي مسلم واسمه سليمان وهو زنجي يشبه في شكله وبناء جسمه القوي مايك تايسون. وبالرغم من أنني أصغر من أخي كثيراً فقد كنت أحس أن الشقة وكذلك المستشفى أصبحت وكراً لكل أولئك، فقد كانت تلك الأيام هي أيام الغليان التي حمى فيها ا****************س في أفغانستان وتصاعدت فيها ألهبة نيران حرب العراق وإيران والفاو وعبدان، وهؤلاء الشباب من شمال أفريقيا يتميزون بالغلظة والجلافة وبالعنف ولا شيء غير العنف، كانوا يأخذون دروس في العقيدة والحث على الجهاد عند "العلامة" أخي، بمحاضرات لا تتوقف، حتى وهو يتناول الطعام، وحدث أن أتى الطعام في أحد المرات وكاد أن ينقطع نفسه وهو يتحدث لهم ويحثهم على فضل الجهاد، ثم يحاول أن يأكل اللقمة التي في يده، فلم يقوى على الاستمرار فطلب منهم العذر لارجاء الحديث حتى ينهوا الطعام!!!!!. في يوم من الأيام وأخي منوم في المستشفى وعندما كنت أصلي الجمعة في مسجد ريجنت ستريت الجميل الذي بني في العام 1941 في حديقة ريجنت بارك والتي تقع بالقرب من بيكر ستريت، وتم افتتاحه من قبل السفير المصري د. حسن بهجت باشا وتمت إدارته لاحقاً من قبل جماعة المسلمين، حصلت على منشور يوزعه أحد مريدي أخي وهو جزائري الجنسية، وهالني ما رأيت في المنشور الذي يدعو إلى قتل الشرطة الجزائرية والحكومة وكل المتعاونين معهم، ويظهر بالصور آثار الهجوم والتفجير بالشوارع وهنالك بعض صور الأبرياء الذين طالهم القتل، كما أنهم في نهاية المنشور يتظلمون من القوات الجزائرية التي قامت "ظلماً وعدواناً" بقتل "المجاهدين" الذين ارتكبوا المجزرة!!!!! يا حلاوة، يعني المفروض يسمحون للإرهابيين يقتلون على راحتهم ويجمعون الغنايم والسبايا، ثم يعطونهم شهادة تقدير في نهاية تلك الصولة الجهادية. صدمت من محتوى المنشور وكانت في تلك الأيام السلطات البريطانية تحتوي هؤلاء الرعاع وتغض الطرف عنهم وقد عشعشوا في كل ركن فيها قبل أن تكتوي بنارهم، الآن لو حاول أحد توزيع مثل هذا المنشور لنشروا خشمه قبل أن يجف حبر المنشور في طابعته. أخذت المنشور واحتفظت به لأجد الوقت المناسب للحديث مع أخي لكي يعرف خطورة الناس التي تتردد علينا ووحشيتها. ولكن السؤال،لماذا تستقبل بريطانيا هؤلاء الأعداد من اللاجئين وغيرهم من الذين يشوهون سمعة الإسلام دين الله الحق؟؟، والجواب بكل بساطه بأن بريطانيا قد وقعت على معاهدة جنيف في العام 1951، والتي تقضي بضرورة منح اللاجئين السياسيين الذين يفرون من بلدانهم خشية التعرض لاضطهاد أو القتل، وهي تهيئ لهم كما رأيت بعيني السكن المجاني مع الراتب الأسبوعي وتدريس أبنائهم مع الطعام المجاني لهم في المدراس وكسوة الصيف والشتاء، وأشياء أخرى كثيرة لا تحصى، بل أن بعض اللاجئين، والله العظيم، عندما عدنا للسعودية في اجازة قصيرة أعطونا أموال لشراء ذهب لهم، وعندما سألني أحد الأقرباء ونحن نتسوق لهم، لمن هذا الذهب ما شاء الله، قلت لهم لبعض اللاجئين المساكين والمشردين بعيدا عن أوطانهم في شوارع بريطانيا، رد بحسرة، ما ياخذونا معاهم لاجئين تحت التمرين، أي لاجئين يا عمي إلي يقدرون يشترون ذهب، السعودي ما يقدر يشتريه!!!!!. والأغرب منه قيام مؤتمر في تلك الأيام أتذكر اسمه وأنا لا أصدق عقلي وكان عنوان المؤتمر "القضاء على الإمبرايلية الغربية وزعزعة أركانها" وأين أقيم!!! في لندن، عقر دار الإمبريالية وبحماية من البوليس الإنجليزي!!!!! يا صبر الإنجليز وكل شعوب العالم علينا والله. كما زاد الطين بلة بالنسبة لي شكي المستمر بأن هذا الخليط الغريب من أفريقيين وسوريين وأمريكان وانجليز لا بد أن يكون مخترقا، خاصة من الانجليزي والأمريكي، والمسألة واضحة ما يبيلها تفكير كثير، ولكن الحماس الزائد من أخي والإخلاص المنقطع النظير يعمي العيون أحياناً، وفعلا تأكدت من حدسي كما سأخبركم بالتفصيل. فلنبدأ بالنصاب "سليمان الزنجي "اسم حقيقي وهو شخص معروف لجميع جماعة المركز الإسلامي الرئيسي في لندن"، كان هذا الشخص المفتول العضلات يخفي في نفسه ما الله مبديه لي، لم أكن مرتاح له من ناحية حماسه الزائد وشخصيته التي تتغير عندما يبتعد أخي عنا. ففي أحد الأيام كنا وحدنا وبدأ مترددا، ثم أراني كتاب اسمه "ثورة الملوخية في شارع أبو مية" موجه ضد السعودية وحاول أن يستميلني، قرأت الكتاب ورميته في وجه وقلت 90% منه كذب، 10% صحيح لأن الكمال لله وحده في أي دولة بالعالم، غضب من رأيي الصريح والحقيقي له وأشار لصورة قديمة في الكتاب ليحاول بيأس إقناعي، وكانت صورة لجبل قارة في الأحساء، وقال شوف السعودية كيف كانت واحة خضراء جميلة، نخيل وأشجار وحدائق غناء، ثم أراني صورة أخرى، صحراوية مقفرة لمكان بنفس تضاريس الصورة الأولى ويقصد بأن الأشجار قد ماتت وأزيلت بفعل الإهمال والفقر والظلم، تفحصت الصورة جيدا، وأدركت بسرعة أنها لجبل القارة في الأحساء وأن الصورة لجهة أعتقد الشرقية نحو الواحة والأخرى من جهة الصحراء وفبركت على أنها قبل وبعد. المكان لحسن الحظ زرته سابقا عندما كنا نلعب في فريق يسمى "فريق الربيع" لكرة القدم، حيث كنا نلعب يوميا في مكان سوق الواحة الحالي في الدمام، وكانت الأرض تابعة للسكة الحديد، وكابتن الفريق وأكثر لاعبيه من أبناء عائلة الغربي من الأحساء، ورتبوا لنا في يوم من الأيام مباراة مع فريق من أولاد عمومتهم في الأحساء. توجهنا نحو الأحساء في يوم المباراة وأكرمنا الأحسائيون بكرمهم المعتاد فخرجت القرية عن بكرة أبيها وعملوا لنا غداء مهيبا في الحديقة نفسها التي أظهرها لي سليمان الزنجي. أتذكر عندما لعبنا المباراة في ذلك المكان أن أتت جميع القرى المجاورة بشيبهم وشبابهم وذرارهيم وقواريهم "عربات تجرها الحمير" وقواريرهم "النساء"، فكنا نلعب أمام جمهو بالآلاف، وكانت المباراة بالنسبة لهم حياة أو موت، لا نعلم لماذا، وحنا كنا جايين نلعب ونتوكل على الله، ولا كنا ندري أصلا حتى إنه في غداء وجمهور. كان من أخشن المتواجدين في الملعب والذي سبب لنا الكثير من الإصابات والمشاكل والنرفزة هو الحكم الحساوي، صدقوا أو لا، فكان رافع ثوبه ولابس طاقية وعرقان أكثر من اللاعبين وله فحيح شديد يصدر من خنافره ويزداد كلما لحق بنا، فأحس عندما أجري خلف الكرة أن أسدا خلف أذني يوشك أن يقفز فوقي من هول فحيحة، وإذا صارت هجمة لهم، يشجع فريقه بكل صفاقة وكأنه ليس بحكم ويركض معاهم، ويصيح بأعلى صوته، يا الله، يا الله يا الله، عليهم، عليهم يا عيال، وإذا قطعنا الكورة منهم، قرعهم وسبهم ويسفل فيهم ، مالت عليكم، الله ياخذكم إن شاء الله كأنها ولية غلبانة تدعو على ابنها العاق، وفي الكثير من الأحيان كان يضايقنا بكتفه ويحاول يعيقنا من الجري، ما أحد يقدر يقوله شيء، فالصافرة في يده. لكن بالرغم من كل ذلك فزنا عليهم وكان الضحية 2 من عيال الغربي، واحد عينه ووجه انتفخوا لمدة اسبوعين بعد المباراة والثاني مفصل قدمه انفك لمدة شهرين وهنالك اصابات بسيطة شفيت خلال نهاية الأسبوع. ما أطول عليكم، حاولت أقنع اللوح سليمان، لكن ما صدق، لكن ولله الحمد، تفحصت الصورة إلي فيها الشجر مرة أخرى وكأنت مأخوذه من فوق جبل القارة كما ذكرت ولاحظت وجود سيارة كابرس صغيرة وبعيدة في الصورة موديل 82 أو 81، وقلت يا حبيبي أنا ما أبي أرد عليك، طالع السيارة هذي، الكلام المكتوب يقول "إن البلاد كانت فيما مضى مليئة بالأشجار والواحات قبل؟؟؟؟؟" طيب حنا الحين في العام 84 وموديل السيارة له سنتين تقريبا، يعني البلاد لسا بخير وما خربت زي ما يدعون في الكتاب، ومن كتابتهم بدينهم. بهت سليمان وتحجج أنه لا يعرف أنواع السيارات الأمريكية ونافح لنصف ساعة دون أن يقول شيء. لذلك أخذته عند محل سيارات شهير في البارك لين بين فندق القروسفينور وفندق لندن هيلتون، وسألت البائع عن موديل السيارة الأمريكية في الصورة فأكد لنا بأن موديلها 81، عندها انتفخ برطم سليمان وأصبح بحجم فنجال القهوة وهو الكبير في أصله، وقفل مزاجه طول اليوم ولم يعد يتحدث معي إلى أن غادر في الليل لشقته في شيبرد بوش. ضربت فيوز سليمان بعد ذلك لمدة طويلة وأظنه عاد بعد تلك الحادثة لشغلته القديمة كما اتضح لي، فقد كنا نسير أنا وهو وقاسم اليماني في يوم من الأيام ونحن نغني أغنية بوب مارلي بفلو سولجر "buffellow soldier "، فقال إذا كنتم تحبون بوب مارلي حقا، ما رأيكم أن نزور بيته الذي يقع في نتونق هيل قيت، وافقنا فرحين لأن بوب مارلي كان هو معشوق الشباب في أيامنا تلك، ولم نكن نعلم أن له منزل في لندن، لأنه كان قبل وفاته المأساوية يعيش بين أمريكا وجاميكا، فتوجهنا فرحين عند غروب الشمس وركبنا الأندرقراوند من البايزوتر ونزلنا في نوتنق هيل قيت بعد محطة واحدة فقط، وعندما صعدنا بالأصنصير الحجري والذي يعمل عليه رجل أسود في تلك الأيام ووصلنا إلى المنطقة الموحشة اكتشفنا بأنها منطقة خطرة جدا ورأينا لوحة تحذيرية من البوليس في مدخل الحارة، بأن الدخول على مسؤوليتنا بعد الساعة السادسة مساء، ونحن الآن عند السادسة والنصف، لكن كنا متطمنين لأن سليمان البودي قارد المفتول العضلات معنا ولن نخشى أحد، سرنا قليلا فبدأت لنا لندن أخرى لم نكن نتوقع أن نجدها هنا بالقرب من الكوينز واي، فهاهو الوجه الآخر المظلم والبشع منها، فكل سكانها من الزنوج الكاريبيين والجمايكيين والأفارقة الآخرين، وزاد من رهبتنا ظلمة الشوارع الحالكة واشكال الناس المخيفة وشعورهم الطويلة المنيلة بستين نيلة والمجدولة كأنهم يحملون فوق رؤوسهم خلية نحل مؤجرة لعائلة من العناكب، وآخرين يعتمرون القبعات الكاريبية الصوفية ذات الألوان الحمراء والخضراء والصفراء، ويدخنون المروانا بكل استرخاء زرافاتا ووحدانا وأمام منازلهم الأم والأب والأبناء، وأصواتهم تتعالى وصرخاتهم الهستيرية لا تنقطع، والبعض يرقص البريك دانس موضة الثمانينات. جلسنا أمام منزل بوب مارلي الأبيض اللون وطرازه الفكتوري الجميل وبدأنا بتأمل أبوابة وسياجة المفتوح، وبدأ لنا أنه أكبر بكثير من جميع البيوت المحيطة به ويجلس فوق عتباته الكثير من الشباب الزنوج الصيع بملابسهم الغريبة المليئة بالألوان ويلبسون الخواتم الفضية والذهبية والسلاسل التي تنوء من حملها البعارين، كان شكلنا شاذا وكنا كالصعاليك مقارنة بأجاسامهم العملاقة وعضلاتهم المفتولة، وأحسسنا أننا أخطأنا عندما دخلنا المنطقة الخطرة هذه وكان الأجدر بنا هو الانصياع لنصيحة الشرطة وعدم دخولها في الليل، ولكن الذي اثار استغرابنا أكثر أن أتت بنت شقراء جميلة تتقصع في مشيتها وهي الوحيدة التي كنا نستطيع رؤية ملامحها واضحة في الظلام، لأن الزنوج الآخرين كان من الصعب علينا رؤيتهم جيدا في الظلام، إلا إذا ابتسموا فعنئذ نستطيع أن نحددهم من اسنانهم البيضاء فنرسم في عقولنا ما غم علينا من بقية زولهم "الظاهر عشان كذا السودانيين ينادون الرجل ب زول". ودون مقدمات اتجهت البنت الشقراء نحو سليمان الزنجي صاحبنا وطلبت منه شراء الماروانا، فأنزوى بها بعيدا عنا وأشار لنا بعدم الاقتراب، وقلت في نفسي يا ساتر عليك يا نديم، هذي آخرة التربية وكيف وصلت لهذا المكان ووقعت في هذه الوحل الذي لا يصدق، وبدأت باسترجاع شريط حياتي ومن أنا وماذا أريد أن أصل إليه في الحياة وكأني أنا تاجر المخدرات. وبينما أنا أفكر سألني قاسم اليماني، أين سليمان لقد أختفى فجأة ولم أعد أراه، تقدمنا للركن الذي أنزوى فيه فلم نجده بحثنا عنه حول بيت بوب مارلي فلم نجد له أثرا بالمرة، وظهر لنا فجأة خلف منزل بوب مارلي زنجي بطول مترين إلا ربع سانتي، وقلت يا قاسم سوي نفسك شراي ولا يحس إنا ضايعين، وفعلا كان هو من بدأ وعرض علينا البضاعة ونحن لا نعلم هل كانت بضاعة تشرب أو تأكل أو تشم مثل ما نراه في الأفلام، قلبنا القطعة بين أيدينا وقلنا له، "مش بطالة، بكم يا الاخو الدرزن" (زين ما طلبناه هورية، هورية مايعرفها إلا أهل الغربية) مسوين بعد فيها حقين جملة، فرد القطعة فقط ب 70 باوند، قلنا انتظرنا لحظات فصديقنا الذي معه المال قادم حالا. ابتعدنا وكأننا ننتظر صديقنا ومعه الفلوس، ثم أطلقنا سيقاننا للريح باتجاه محطة نوتنق هيل قيت التي أتينا منها، ركضنا بكل ما أتوينا من خفة ورشاقة وشباب، ثم ركضنا ونحن لا نلقي بالاً للعبند إلي يصرخون علينا في الطريق أو يتهكون بأعلى أصواتهم، فيا روح ما بعدك روح، وبعد أكثر من 9 دقائق من الجري المتواصل تعبنا فبدأنا نمشي قبل أن نستكمل الجري مرة أخرى، وفجأة ظهر لنا نفس الشخص الطويل 2 متر إلا ربع سانتي إلي خليناه ورانا بعد كل هالمارثون من الجري وهو يبتستم وقال أين صديقكم ألم يأت بعد، وأكتشفنا أن الطريق الذي ركضنا فيه وسط الحارة أنه يدور كقوس ثم يكتمل دائرة كاملة، مثل شوارع الهيلز في أرامكو، أي أننا عدنا لنفس النقطة التي بدأنا منها عملية الهروب الكبير، يا لهوتي ، قلت ما بدهاش يا قاسم، أنا عندي طريقة قديمة تعلمتها في البر وهو أن نتبع القمر ونجم سهيل مثل البدو وبنجرب الطريقة في لندن، شوف يا عمي، الكوينز واي شرق نوتنق هيل قيت يعني حط طال عمرك نجم سهيل يمينك، والقمر فوق رأسك وعلى طول إنحش باتجاه اليمين وبنوصل الكوينز واي إن قاله الله، طالعت السما، لا نجم سهيل ولا قمر، غيوم وظلمات بعضها فوق بعض، لا حول، طيب وش الحل، أخيرا سالنا واحد خال وين جهة الشرق، أشر لنا جهة الشرق وما صدقنا ودعسنا دعسة واحدة وما وقفنا إلأ بعد ما تعدينا الكوينز واي وخليناه ورانا من الخوف ووصلنا كزينوا اسمه "الكيت كات" اندثر الآن، أمام موقف الباص في البايزوتر إلي يودي لأكسفورد ستريت عند صرافين العملة، وتنفسنا الصعداء، وحمدنا الله على السلامة وقلنا توبة إن كنت أحبك تاني يا بوب مارلي ومنك يا سليمان يا نصاب، عرفناك وتأكدنا الحين يالي مسوي نفسك من "الإخوة" إنك بلغة المخابرات "مخترق للأخوة". بعد أن تأكدت من شخصية سليمان الزائفة ومن هم الأخوة الآخرين من شمال أفريقيا كنت محتار كيف أوصل الفكرة لأخي بالرغم من تلميحي له بذلك أكثر من مرة ولكن كان أخي لا يجادل ولا يساوم ولا يجامل حتى أبي في سبيل الدعوة والجهاد، بل أن أبي قد أتخذ منه قبل مرضه الأخير مواقف كثيرة نظرا لأنه كان يريد أن يطبق التعاليم التي يؤمن بها بالقوة علينا في البيت، حتى أنه في بداية التزامه كان يمنعنا من مشاهدة صلاة المغرب المنقولة من مكة المكرمة على الهواء في "غصب وان" أثناء شهر رمضان ، كل شيء ممنوع. أتت الفرصة عندما كان أخي منوم في هارلي ستريت كلنك، وكنت قد طلبت منه تخفيف عدد الزوار بناء على طلب الدكتور قولد مان بسبب مناعته التي بدأت تضعف، لكنه قال بأنه يعتبر الدعوة جهاد وأن روحة رخيصة في سبيل الله "وأين أنا من المجاهدين الذين يضحون بأنفسهم وأبنائهم ودمائهم" وبقية الكلام الذي تعرفونه، لكني أخرجت من جيبي المنشور وقلت له إقرأ، هل يرضيك أن يوزع مثل هذا المنشور والصور التي فيها رجل من أصحابك، يأكل ويشرب معك، بل يسمع منك ويستنير بحديثك، قرأ واستطرد في القرأة ولاحظت أن تعابير وجهة قد تغيرت غضبا وقال من وزع هذا المنشور، إن فيه الكثير من المخالفات من الخروج على الحاكم وقتل الأبرياء، لا يمكن تحليل قتل الأبرياء، نحن ندعو للجهاد ضد الروس وضد من يقتلون الأبرياء وليس ضد الأوطان، من الذي وزع هذا المنشور، أخبرته فلان الفلاني، رد بغضب مستحيل، وبدأ بالدفاع عنه، قلت سأزيدك من الشعر بيت، هل تعلم ماذا حاول سليمان أن يعمل معي، حاول أن يدخلني في مشروع "ثورة الملوخية بشارع أبو مية" وذكرت له القصة وقصة حارة نويتنق هيل قيت بالتفصيل فغصب مني ولم يصدقني وقال كلمة جرحتني والله في وقتها جرح كبير "لا تغلط على أصدقائي، تراهم عندي أهم من أخواني" والله هذا ما قاله لي، لكنه كان معذور ومخدوع بشعارات براقة ستنكسر حتما على أمواج الحقيقة عندما تأتيه عارية تماما. أخذت على خاطري، وقلت له لن أتحدث معك في هذا الموضوع وسوف أجعلك ترى بنفسك، كانت حالة أخي قد تردت تلك الأيام وكنت عندما خرجنا لصلاة الجمعة ولرؤية المنشورات بنفسه كما اتفقنا، يركب عربة المعاقين لعدم مقدرته على المشي، ركبنا التاكسي اللندني الأسود من شارع هارلي ستريت ووصلنا المسجد فدفعت عربته وصلينا صلاة الجمعة، وبعد صلاة الجمعة وقفنا في صحن المسجد وهو يرقب من بعيد ورأى النعيق والعويل من الأشخاص الذين يشتمون ويلعنون أنظمة بلدانهم ويوزعون المنشورات ووقعت عين أخي علي صاحبنا وأحضر له قاسم اليماني المنشور فقرأه وغضب غضب شديد وقال أعدني للمستشفى بسرعة. وفي يوم الأحد أخذت أخي أدفه في العربة من المستشفى حتى وصلنا الهايدبارك عند ركن الخطباء وكان سليمان الزنجي أحد الخطباء المفوهين والذين يجتمع حوله المخدوعين أمثال أخي، كان العدد يصل لمئات المعجبين بهذا الزنجي الإنجليزي المسلم الذي يدافع عن الإسلام وهم لا يعلمون حقيقته. دفعت أخي واندسينا وسط الزحام حتى لا يرى أخي ويتكلم على راحته، بدأ سليمان حديثه في الهايدبارك بالآذان ...الله أكبر.....الله أكبر....أشهد أن لا إله إلا الله...أشهد أن لا إله إلا الله....أشهد أن محمد رسول الله...........كان من بعض الضحايا الذين يرددون خلفه هو "أبوخالد" المحاسب الطيب في الملحقية العسكرية السعودية وحرمه المصون وسلم ع لي وقال بفرح وحبور" شفت كيف الإسلام عظيم، هذولا يتعبون عشان يتعلمون الاسلام واللغة وحنا ما نسوي شي للإسلام" لم أناقشه في الموضوع ولكن قلت الله يدله للحق ويوفقه لكل خير. وبدأ سليمان في موعظته واللعب على العواطف وفي النهاية بدأ بالحديث عن الموضوع الذي أتى من أجله وهو "ثورة الملوخية في شارع أبو مية" وبدأ يكيل الشتائم والتحريض والتعريض بالسعودية وتقليب الأمور ويجد الدعم للأسف من الكثير من المخدوعين الذين غرهم حماسهم وحميتهم للدين، فكانوا يتجاوزون عن بعض زلاته. نظرت لأخي وقد تغير وجهه وقلت من الأفضل أن نبتعد لأن صحته لا تساعده كثيرا في سماع هذا الهراء، فتحركنا ولاحظنا سليمان، وبدأ بتغيير الموضوع خجلا من أخي، وأردف " لا ننكر أن السعودية تبني المساجد وتوسع الحرم ولها أعمال خير كثيرة في العالم..." يبي يرقع يعني، فقال لي أخي بحزن شديد"اللهم إهدي قومي فإنهم لا يعلمون"، خذني يا أخي الحقيقي إلى المستشفى لم أعد أحتمل أحداً الآن. نظرت إليه بحزن شديد، فهذا أخي الذي كان قبل أقل من عامين يحمل الأثقال ويهتم بجمال جسمه وطوله الفارع ويدرس في كلية الطب في جامعة الملك فيصل وفي عز الشباب ووسامته، أدفعه الآن في عربة المعاقين والملاية البيضاء تغطي نصفه السفلي، وقد خذله الناس جميعا، فقبلت رأسه وقلت له، لا تحزن يا أخي إن الله معنا، ولديك في السعودية أخوة خير منهم، فيهم وفاء قحطان ونخوة عتيبة وكرم شمر وطيبة الأحساء وذوق الحجاز وفزعة أهل الجنوب وشيمة حرب، فلا تأس على القوم الفاسقين. يتبع |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|