منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > منتدى الكتاب

كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


منتدى الكتاب

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
قديم 13-07-2013, 05:38 AM   #3211
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

عزير عليه السلام
سيرته:
مرت الأيام على بني إسرائيل في فلسطين، وانحرفوا كثير عن منهج الله عز وجل. فأراد الله أن يجدد دينهم، بعد أن فقدوا التوراة ونسوا كثيرا من آياتها، فبعث الله تعالى إليهم عزيرا.
أمر الله سبحانه وتعالى عزيرا أن يذهب إلى قرية. فذهب إليها فوجدها خرابا، ليس فيها بشر. فوقف متعجبا، كيف يرسله الله إلى قرية خاوية ليس فيها بشر. وقف مستغربا، ينتظر أن يحييها الله وهو واقف! لأنه مبعوث إليها.
فأماته الله مئة عام. قبض الله روحه وهو نائم، ثم بعثه. فاستيقظ عزير من نومه.
فأرسل الله له ملكا في صورة بشر: (قَالَ كَمْ لَبِثْتَ).
فأجاب عزير: (قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). نمت يوما أو عدة أيام على أكثر تقدير.
فرد الملك: (قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ). ويعقب الملك مشيرا إلى إعجاز الله عز وجل (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ) أمره بأن ينظر لطعامه الذي ظل بجانبه مئة سنة، فرآه سليما كما تركه، لم ينتن ولم يتغير طعمه او ريحه. ثم أشار له إلى حماره، فرآه قد مات وتحول إلى جلد وعظم. ثم بين له الملك السر في ذلك (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ). ويختتم كلامه بأمر عجيب (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا)
نظر عزير للحمار فرأى عظامه تتحرك فتتجمع فتتشكل بشكل الحمار، ثم بدأ اللحم يكسوها، ثم الجلد ثم الشعر، فاكتمل الحمار أمام عينيه.
يخبرنا المولى بما قاله عزير في هذا الموقف: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
سبحان الله أي إعجاز هذا.. ثم خرج إلى القرية، فرآها قد عمرت وامتلأت بالناس. فسألهم: هل تعرفون عزيرا؟ قالوا: نعم نعرفه، وقد مات منذ مئة سنة. فقال لهم: أنا عزير. فأنكروا عليه ذلك. ثم جاءوا بعجوز معمّرة، وسألوها عن أوصافه، فوصفته لهم، فتأكدوا أنه عزير.
فأخذ يعلمهم التوراة ويجددها لهم، فبدأ الناس يقبلون عليه وعلى هذا الدين من جديد، وأحبوه حبا شديدا وقدّسوه للإعجاز الذي ظهر فيه، حتى وصل تقديسهم له أن قالوا عنه أنه ابن الله (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ).
واستمر انحراف اليهود بتقديس عزير واعتباره ابنا لله تعالى –ولا زالوا يعتقدون بهذا إلى اليوم- وهذا من شركهم لعنهم الله.
----------------
للفايدة


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-2013, 06:11 AM   #3212
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

زكريا عليه السلام
سيرته:
امرأة عمران:
في ذلك العصر القديم.. كان هناك نبي.. وعالم عظيم يصلي بالناس.. كان اسم النبي زكريا عليه السلام.. أما العالم العظيم الذي اختاره الله للصلاة بالناس، فكان اسمه عمران عليه السلام.
وكان لعمران زوجته لا تلد.. وذات يوم رأت طائرا يطعم ابنه الطفل في فمه ويسقيه.. ويأخذه تحت جناحه خوفا عليه من البرد.. وذكرها هذا المشهد بنفسها فتمنت على الله أن تلد.. ورفعت يديها وراحت تدعو خالقها أن يرزقها بطفل..
واستجابت لها رحمة الله فأحست ذات يوم أنها حامل.. وملأها الفرح والشكر لله فنذرت ما في بطنها محررا لله.. كان معنى هذا أنها نذرت لله أن يكون ابنها خادما للمسجد طوال حياته.. يتفرغ لعبادة الله وخدمة بيته.
ولادة مريم:
وجاء يوم الوضع ووضعت زوجة عمران بنتا، وفوجئت الأم! كانت تريد ولدا ليكون في خدمة المسجد والعبادة، فلما جاء المولود أنثى قررت الأم أن تفي بنذرها لله برغم أن الذكر ليس كالأنثى.
سمع الله سبحانه وتعالى دعاء زوجة عمران، والله يسمع ما نقوله، وما نهمس به لأنفسنا، وما نتمنى أن نقوله ولا نفعله.. يسمع الله هذا كله ويعرفه.. سمع الله زوجة عمران وهي تخبره أنها قد وضعت بنتا، والله أعلم بما وضعت، الله.. هو وحده الذي يختار نوع المولود فيخلقه ذكرا أو يخلقه أنثى.. سمع الله زوجة عمران تسأله أن يحفظ هذه الفتاة التي سمتها مريم، وأن يحفظ ذريتها من الشيطان الرجيم.
ويروي الإمام مسلم في صحيحه: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ». ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
كفالة زكريا لمريم:
أثار ميلاد مريم بنت عمران مشكلة صغيرة في بداية الأمر.. كان عمران قد مات قبل ولادة مريم.. وأراد علماء ذلك الزمان وشيوخه أن يربوا مريم.. كل واحد يتسابق لنيل هذا الشرف.. أن يربي ابنة شيخهم الجليل العالم وصاحب صلاتهم وإمامهم فيها.
قال زكريا: أكفلها أنا.. هي قريبتي.. زوجتي هي خالتها.. وأنا نبي هذه الأمة وأولاكم بها.
وقال العلماء والشيوخ: ولماذا لا يكفلها أحدنا..؟ لا نستطيع أن نتركك تحصل على هذا الفضل بغير اشتراكنا فيه.
ثم اتفقوا على إجراء قرعة. أي واحد يكسب القرعة هو الذي يكفل مريم، ويربيها، ويكون له شرف خدمتها، حتى تكبر هي وهي تخدم المسجد وتتفرغ لعبادة الله، وأجريت القرعة.. وضعت مريم وهي مولودة على الأرض، ووضعت إلى جوارها أقلام الذين يرغبون في كفالتها، وأحضروا طفلا صغيرا، فأخرج قلم زكريا..
قال زكريا: حكم الله لي بأن أكفلها.
قال العلماء والشيوخ: لا.. القرعة ثلاث مرات.
وراحوا يفكرون في القرعة الثانية.. حفر كل واحد اسمه على قلم خشبي، وقالوا: نلقي بأقلامنا في النهر.. من سار قلمه ضد التيار وحده فهو الغالب.
وألقوا أقلامهم في النهر، فسارت أقلامهم جميعا مع التيار ما عدا قلم زكريا.. سار وحده ضد التيار..
وظن زكريا أنهم سيقتنعون، لكنهم أصروا على أن تكون القرعة ثلاث مرات. قالوا: نلقي أقلامنا في النهر.. القلم الذي يسير مع التيار وحده يأخذ مريم. وألقوا أقلامهم فسارت جميعا ضد التيار ما عدا قلم زكريا. وسلموا لزكريا، وأعطوه مريم ليكفلها.. وبدأ زكريا يخدم مريم، ويربيها ويكرمها حتى كبرت..
كان لها مكان خاص تعيش فيه في المسجد.. كان لها محراب تتعبد فيه.. وكانت لا تغادر مكانها إلا قليلا.. يذهب وقتها كله في الصلاة والعبادة.. والذكر والشكر والحب لله..
وكان زكريا يزورها أحيانا في المحراب.. وكان يفاجأه كلما دخل عليها أنه أمام شيء مدهش.. يكون الوقت صيفا فيجد عندها فاكهة الشتاء.. ويكون الوقت شتاء فيجد عندها فاكهة الصيف.
ويسألها زكريا من أين جاءها هذا الرزق..؟
فتجيب مريم: إنه من عند الله..
وتكرر هذا المشهد أكثر من مرة.
دعاء زكريا ربه:
كان زكريا شيخا عجوزا ضعف عظمه، واشتعل رأسه بالشعر الأبيض، وأحس أنه لن يعيش طويلا.. وكانت زوجته وهي خالة مريم عجوزا مثله ولم تلد من قبل في حياتها لأنها عاقر.. وكان زكريا يتمنى أن يكون له ولد يرث علمه ويصير نبيا ويستطيع أن يهدي قومه ويدعوهم إلى كتاب الله ومغفرته..
وكان زكريا لا يقول أفكاره هذه لأحد.. حتى لزوجته.. ولكن الله تعالى كان يعرفها قبل أن تقال.. ودخل زكريا ذلك الصباح على مريم في المحراب.. فوجد عندها فاكهة ليس هذا أوانها.
سألها زكريا: (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا)؟!
مريم: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).
قال زكريا في نفسه: سبحان الله.. قادر على كل شيء.. وغرس الحنين أعلامه في قلبه وتمنى الذرية.. فدعا ربه.
سأل زكريا خالقه بغير أن يرفع صوته أن يرزقه طفلا يرث النبوة والحكمة والفضل والعلم.. وكان زكريا خائفا أن يضل القوم من بعده ولم يبعث فيهم نبي.. فرحم الله تعالى زكريا واستجاب له. فلم يكد زكريا يهمس في قلبه بدعائه لله حتى نادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا).
فوجئ زكريا بهذه البشرى.. أن يكون له ولد لا شبيه له أو مثيل من قبل.. أحس زكريا من فرط الفرح باضطراب.. تسائل من موضع الدهشة: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) أدهشه أن ينجب وهو عجوز وامرأته لا تلد..
(قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)
أفهمته الملائكة أن هذه مشيئة الله وليس أمام مشيئة الله إلا النفاذ.. وليس هناك شيء يصعب على الله سبحانه وتعالى.. كل شيء يريده يأمره بالوجود فيوجد.. وقد خلق الله زكريا نفسه من قبل ولم يكن له وجود.. وكل شيء يخلقه الله تعالى بمجرد المشيئة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
امتلأ قلب زكريا بالشكر لله وحمده وتمجيده.. وسأل ربه أن يجعل له آية أو علامة. فأخبره الله أنه ستجيء عليه ثلاثة أيام لا يستطيع فيها النطق.. سيجد نفسه غير قادر على الكلام.. سيكون صحيح المزاج غير معتل.. إذا حدث له هذا أيقن أن امرأته حامل،
وأن معجزة الله قد تحققت.. وعليه ساعتها أن يتحدث إلى الناس عن طريق الإشارة.. وأن يسبح الله كثيرا في الصباح والمساء..
وخرج زكريا يوما على الناس وقلبه مليء بالشكر.. وأراد أن يكلمهم فاكتشف أن لسانه لا ينطق..
وعرف أن معجزة الله قد تحققت.. فأومأ إلى قومه أن يسبحوا الله في الفجر والعشاء.. وراح هو يسبح الله في قلبه.. صلى لله شكرا على استجابته لدعوته ومنحه يحيي..
ظل زكريا عليه السلام يدعوا إلى ربه حتى جاءت وفاته.
ولم ترد روايات صحيحة عن وفاته عليه السلام. لكن ورايات كثير -ضعيفة- أوردت قتله على يد جنود الملك الذي قتل يحيى من قبل.
-------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-2013, 07:40 AM   #3213
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

عشر وصايا للصبر على المصائب
بسم الله الرحمن الرحيم
ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلاً معبراً للمؤمن في هذه الحياة، فقال: «مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأَرْزِ لا تهتز حتى تُستحصد»(1). لقد اختلطت جذور الزرع في الأرض وتماسكت؛ فالريح ـ وإنْ أمالته ـ لا تطرحه ولا تكسره ولا تسقطه. وكذلك المؤمن فإنّ المصائب وإنْ آلمته وأحزنته فإنها لا يمكن أنْ تهزمه أو تنال من إيمانه شيئاً؛ ذلك أنّ إيمانه بالله عاصمُه من ذلك.
وهذه الدنيا مليئة بالحوادث والفواجع، والأمراض والقواصم؛ فبينا الإنسان يسعد بقرب عزيز أو حبيب إذا هو يفجع ويفاجأ بخبر وفاته، وبينا الإنسان في صحة وعافية وسلامة وسعة رزق إذا هو يُفجع ويفاجأ بمرض يكدر حياته ويقضي على آماله، أو بضياع مال أو وظيفة تذهب معه طموحاته، وتفسد مخططاته ورغباته.
في هذه الدنيا منح ومحن، وأفراح وأتراح، وآمال وآلام؛ فدوام الحال من المحال، والصفو يعقبه الكدر، والفرح فيها مشوب بترح وحذر. وهيهات أنْ يضحك من لا يبكي، وأنْ يتنعّم من لم يتنغَّصْ، أو يسعدَ من لم يحزنْ!!
هكذا هي الدنيا، وهذه أحوالها، وليس للمؤمن الصادق فيها إلا الصبر؛ فذلكم دواء أدوائها. قال الحسن - رحمه الله -: «جرَّبْنا وجرَّب المجرِّبون فلم نر شيئاً أنفع من الصبر، به تداوى الأمور، وهو لا يُداوى بغيره». «وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر»(2)
، وكان أمر المؤمن ـ من بين الناس ـ أمراً عجيباً؛ لأنّه «إنْ أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيراً له»(3).
أمرنا الله بالصبر، وجعله من أسباب العون والمعيّة الإلهية؛ فقال - سبحانه - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]،
ثم أخبر مؤكِّداً أنّ الحياة محل الابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأرزاق والأموال والأنفس والثمرات، وأطلق البشرى للصابرين، وأخبر عن حالهم عند المصائب، وأثبت جزاءهم؛ فقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْـخَوْفِ وَالْـجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].
فالصبر سبب بقاء العزيمة، ودوام البذل والعمل، وما فات لأحد كمال إلا لضعف في قدرته على الصبر والاحتمال، وبمفتاح عزيمة الصبر تُعالج مغاليق الأمور، وأفضل العُدَّة الصبر على الشدَّة.
ما يعين على الصبر على النوائب:
ونظراً لحاجة الناس جميعاً إلى هذه الخصلة، وافتقارهم الشديد إليها أقف معها وقفات، أذكِّر فيها بعشر وصايا تعين المسلم في الصبر على المصائب. وهي:
* أولاً: إعداد النفس:
على المسلم أن يهيِّئ نفسه للمصائب قبل وقوعها، وأنْ يدرِّبها عليها قبل حدوثها، وأنْ يعمل على صلاح شؤونها؛ لأنّ الصبر عزيز ونفيس، وكل أمر عزيز يحتاج إلى دربة عليه.
عليه أنْ يتذكّر دوماً وأبداً زوال الدنيا وسرعة الفناء، وأنْ ليس لمخلوق فيها بقاء، وأنّ لها آجالاً منصرمة، ومدداً منقضية، وقد مثَّل الرسول - عليه الصلاة والسلام - حالَه في الدنيا «كراكب سار في يوم صائف، فاستظلَّ تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها»(1).
فلا تغترّ ـ أيها المسلم ـ برخاء، ولا تؤمِّلْ أنْ تبقى الدنيا على حالة، أو تخلوَ من تقلُّب وإصابة واستحالة؛ فإنّ من عرف الدنيا وخبر أحوالها هان عليه بؤسها ونعيمها، وقد قال بعض الحكماء: «من حاذر لم يهلع، ومن راقب لم يجزع، ومن كان متوقِّعاً لم يكن متوجِّعاً». ومن أحبَّ البقاء فليُعِدَّ للمصائب قلباً صبوراً.
* ثانياً: الإيمان بالقضاء والقدر:
من آمن بالقضاء والقدر، وعلم أنّ الدنيا دار ابتلاء وخطر، وأنّ القدر لا يُردّ ولا يؤجَّل اطمأنت نفسه، وهان أمره. ومن المشاهَد المعلوم أنّ المؤمنين هم أقلّ الناس تأثُّراً بمصائب الدنيا، وأقلُّهم جزعاً وارتباكاً؛
فالإيمان بالقضاء والقدر صار كصِمَام الأمان الواقي لهم ـ بإذن الله ـ من الصدمات والنكسات.
إنهم مؤمنون بما أخبرهم به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفت الصحف»(2)، وبأنّ الآجال والأرزاق مقرَّرة مقدَّرة والمرء في بطن أمه؛
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وكَّل الله بالرَّحِم مَلَكاً، فيقول: أيْ ربِّ نُطفةٌ؟ أيْ ربِّ عَلقةٌ؟ أيْ ربِّ مُضغَةٌ؟ فإذا أراد الله أن يقضي خلقها، قال: أيْ ربِّ أذَكَر أم أنثى؟ أشقيٌّ أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيُكتب كذلك في بطن أمه»(3).
قالت أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً ـ: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قد سألتِ الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئاً قبل حِلّه، أو يؤخر شيئاً عن حله، ولو كنت سألتِ الله أن يعيذكِ من عذابٍ في النار، أو عذابٍ في القبر، كان خيراً وأفضل»(4). قال النووي - رحمه الله -: «وهذا الحديث صـريح في أنّ الآجـال والأرزاق مقدَّرة، لا تتغيّر عما قدّره الله - تعالى - وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك»(5).
وأتى ابنُ الديلميِّ أُبَيَّ بنَ كعب فقال له: وقع في نفسي شيء من القَدَر، فحدِّثْني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي. قال: لو أنّ الله عذّب أهل سماواته وأهل أرضه عذَّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أُحُد ذهباً في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمنَ بالقدر، وتعلمَ أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار. قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود، فقال مثل ذلك. قال: ثم أتيت حذيفة بن اليمان، فقال مثل ذلك. قال: ثم أتيت زيد بن ثابت، فحدَّثني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك»(6).
* ثالثاً: تذكر حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح:
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة لكل مسلم، كما قال - تعالى -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]،
وفي تأمُّل حاله - عليه الصلاة والسلام - عظة وسلوى وعزاء؛ فقد كانت حياته كلها صبراً وجهاداً؛ ففي فترة وجيزة مات عمه أبو طالب الذي كان يمنع المشركين من أذاه، وماتت زوجته الوفيّة الصابرة خديجة، ثمّ ماتت بعض بناته، ومـات ابنـه إبـراهيم، فلـم يـزد على أنْ قـال ـ
وقد دمعت عيناه ـ: «إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يَرْضَى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»(1)، ومات الكثير من أصحابه الذين أحبَّهم وأحبّوه، فما فَتَّ ذلك في عضُدِه، ولا قلَّل من عزيمته وصبره.
ومن تأمَّل أحوال السـلف الصـالـح وجدهم - رضي الله عنهم - قد حازوا الصبر على خير وجوهه، وقد قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الممتحنة: 6].
تأمَّلوا حال عروة بن الزبير - رحمه الله - وقد ابتلي في موضع واحد بقطع رجله مع موت ابنه، فلم يزد على أنْ قال: «اللهمّ كان لي بنون سبعة فأخذتَ واحداً، وأبقيتَ لي ستة، وكان لي أطراف أربعة؛ فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة؛ ولئن ابتلَيْتَ لقد عافيت، ولئن أخذتَ لقد أبقيت»(2).
ومات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، فدفنه أبوه، ثم استوى على قبره قائماً، فقال وقد أحاط به الناس: «رحمك الله يا بُنيّ! قد كنت براً بأبيك، والله ما زلتُ مذ وهبكَ الله لي مسروراً بك، ولا والله ما كنتُ قطّ أشدَّ بك سروراً، ولا أرجى بحظي من الله - تعالى - فيك منذ وضعتك في هذا المنْزل الذي صيَّرك الله إليه».
* رابعاً: استحضار سعة رحمة الله، وواسع فضله:
المؤمن الصادق في إيمانه يُحْسِن ظنَّه بربه، وقد قال الله كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا عند ظن عبدي بي»(3)، فثقوا بسعة رحمة الله بكم، وأنّ أقداره خير في حقيقة أمرها، وإنْ كانت في ظاهرها مصائبَ مكروهةً وموجعةً، وقد قال الله: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]،
وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم -: «عجباً للمؤمن؛ لا يقضي الله له شيئاً إلا كان خيراً له! »(4).
ثمَّ تأمَّلوا فيما حباكم به الله من النعم والمنن؛ لتعلموا أنّ ما أنتم فيه من البلاء كقطرة صغيرة في بحر النعماء! وتذكَّروا أنّ الله لو شاء لجعل المصيبة أعظم، والحادثة أجل وأفدح. واعلموا أنّ فيما وُقيتم من الرزايا وكُفيتم من الحوادث ما هو أعظم مما أُصبتم به.
لمّا قتل الخضرُ الغلامَ الذي لقيه مع موسى أنكر موسى ذلك أول الأمر، حتى تبيّن له أنّ قتله كان لحكمة عظيمة، أخبر الخَضِر بها كما حكى عنه الله في كتابه فقال: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 80 - 81]،
وأخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إنّ الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً»(5)، وقال قتادة: «قد فرح به أبواه حين وُلد، وحزنا عليه حين قُتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرضَ امرؤ بقضاء الله»(6).
* خامساً: التأسي بغيره من أهل المصائب:
تأسَّوْا بغيركم، وتذكَّروا مصاباتهم، وانظروا إلى من هو أشدّ مصيبة منكم؛ فإنّ في ذلك ما يُذهب الأسى، ويخفف الألم، ويقلِّل الهلع والجزع، وتذكَّروا أنّ «مَن يتصبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله»(7).
ليتذكَّرْ من أصيب بعاهة أو مرض مَنْ أصيب بما هو أشدّ، وليتذكَّرْ من فجع بحبيب مَن فُجع بأحباب، وليتذكَّرْ من فقد ابنه مَن فقد أبناء، وليتذكَّرْ مَن فقد أبناءً مَن فقد عائلة كاملة.
ليتذكَّر الوالدان المفجوعان بابنٍ آباءً لا يدرون شيئاً عن أبنائهم؛ فلا يعلمون: أهم أحياء فيرجونهم، أم أموات فينسونهم. وقد فقد يعقوبُ يوسفَ - عليهما السلام - ومكث على ذلك عقوداً من السنين، وبعد أنْ كبِر وضعف فقد ابناً آخر، فلم يزد على أنْ قال في أول الأمر: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْـمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]، ثمّ قال في الحال الثاني: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْـحَكِيمُ} [يوسف: 83].
جاء رجل كفيف مشوَّه الوجه إلى الوليد بن عبد الملك، فرأى حاله، ولم ير عليه شيئاً من علامات الجزع، فسأله عن سبب مصابه، فقال: كنت كثير المال والعيال، فبتنا ليلة في واد، فدهمنا سيل جرّار، فأذهب كل مالي وولدي إلا صبيّاً وبعيراً، فندّ البعير والصبيُّ معي، فوضعته وتبعت البعير لأمسك به، فعدت إلى الصبي فإذا برأس الذئب في بطنه قد أكله، فتركته وتبعت البعير فرمحني رمحة حطَّم بها وجهي، وأذهب بصري،
فأصبحت بلا مال ولا ولد ولا بصر، فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أنّ في الناس من هو أعظم بلاءً منه.
* سادساً: تذكّر أنّ المصائب من دلائل الفضل:
المصائب من دلائل الفضل، وشواهد النبل، وكيف لا يكون ذلك،
وقد سأل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! أيُّ الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياءُ، ثم الأمثل، فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان دينه صُلْباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه؛ فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة»(1).
وقال عليه ـ الصلاة والسلام ـ: «مَن يرد الله به خيراً يُصِبْ منه»(2)، وأخبر أنّ «الله إذا أحبّ قوماً ابتلاهم»(3).
* سابعاً: تذكر حُسن الجزاء:
ليتذكر كل منا حُسن الجزاء ليخف حمل البلاء عليه؛ فإنّ الأجر على قدر المشقة، والنعيم لا يُدرك بالنعيم، والراحة لا تنال إلا على جسور من التعب، وما أقدم أحد على تحمُّل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجّلة، والصبر على مرارة العاجل يفضي إلى حلاوة الآجل، و «إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء»(4).
سأل أبو بكر - رضي الله عنه - رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مستشكلاً وجلاً، فقال: يا رسول الله! كيف الصلاح بعد هذه الآية: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} [النساء: 123]، فكل سوء عملنا جُزينا به؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «غفر الله لك يا أبا بكر! ألست تمرض؟ ألست تنصَب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ »، قال: بلى! قال: «فهو ما تجزون به»(5).
تذكَّروا ما أعدّه الله للمبتلَين الصابرين من الأجر والثواب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات، وحسن الخلف والعوض.
فأمّا الأجر والثواب فلا أحسن ولا أعظم من الجنة جزاءً وثواباً، وقد وعد بها كثير من الصابرين؛ فوُعِدت بها تلك المرأة التي كانت تُصرع إذا ما صبرت، كما حدَّث بذلك عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى! قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إني أُصرَع، وإني أتكشف، فادْعُ الله لي! قال: «إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك»، فقالت: أصبر. وقالت: إني أتكشف، فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها»(6).
ووُعِد بها الذي فقد بصره، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «إنّ الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوَّضته منهما الجنة»(7).
ووُعِد بها المؤمن الذي يصبر عند موت حبيب له، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «يقول الله - تعالى -: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»(8).
وكان لمن فقد ولداً نصيب كبير من البشارة بالجنة؛ لعلم الله بعظم مصيبته، وكونه بعباده رحيماً. فبشّر - عليه الصلاة والسلام - المرأة التي مات لها ثلاثة من أولادها بأنها احتمت بحمًى منيع من النار؛ فقد أتته ومعها صبي لها مريض، وقالت: يا نبي الله! ادعُ الله له! فلقد دفنت ثلاثة. قال: «دفنتِ ثلاثة؟! »، قالت: نعم! قال: «لقد احتظرت بحظار شديد من النار»(1). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّمَا مُسْلِمَينِ مَضَى لَهُمَا ثَلاثَةٌ مِن أولادِهِمَا، لم يبلُغُوا حِنْثاً كانُوا لَهُمَا حِصْناً حَصِيناً مِن النَّارِ»، فَقَالَ أبُو ذَرٍّ: مَضَى لِي اثنان يا رسولَ اللهِ! قال: «واثنان»، فقال أُبَيُّ أبُو المُنْذِرِ سَيِّدُ القُـرَّاءِ: مَضَـى لي واحـدٌ يَا رسول اللهِ! فقال رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وواحدٌ؛ وذلك في الصَّدمة الأولى»(2). وعن محمود بن لبيد عن جـابر قــال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل الجنة»، قال: قلنا: يا رسول الله! واثنان؟ قال: «واثنان». قال محمود: فقلت لجابر: أراكم لو قلتم: وواحد لقال: وواحد. قال: وأنا ـ والله ـ أظنّ ذاك»(3).
وإليكما ـ أيُّها الوالدان المكلومان ـ حديثاً آخر ـ وحسبكما به عزاءً وتفريجاً ـ: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم! فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم! فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حَمِدَكَ واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسَمُّوه بيت الحمد»(4).
بل إنّ السِّقْطَ ـ وهو الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه ـ سبب لدخول أمه الجنة؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده إنَّ السِّقْطَ ليجر أمه بسَرَرِهِ إلى الجنة، إذا احتسبته»(5).
وأما تكفير السيئات فقد جاء في الحديث الصحيح: «ما من مسلم يصيبه أذى؛ شوكة فما فوقها إلا كفَّر الله بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها»(6)، وفي الحديث الصحيح الآخر: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا همٍّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»(7)، و «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة»(8).
والمصائب من أسباب رفعة الدرجات؛ فبالصبر عليها يبلغ العبد منْزلة لم يبلغها بعمله.
جاء في مسند الإمام أحمد: «إذا سبقت للعبد من الله منْزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبَّرَه، حتى يُبَلِّغَه المنْزلة التي سبقت له منه»(9).
سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوماً: «ما تعدون الرَّقُوب فيكم؟ » قالوا: الذي لا يولد له. قال: «ليس ذاك بالرقوب، ولكنه الرجل الذي لم يقدِّم من ولده شيئاً»(10) أي: يموت قبل أنْ يموت أحد أولاده، وفي هذا إشارة إلى أنّ الأجر والثواب لمنْ قدَّم شيئاً من الولد، وأنّ الاعتداد به أكثر، والنفع فيه أعظم.
وهي من أسباب حسن الخلف والعوض، فقد يعوَّض من فقد حبيباً بآخر أحسن منه، وقد يعوَّض من فقد ولداً بولد أبرَّ مـنه وأنفــع، وكـم في ثنـايا المحـن مـن منـح!
أخبـرت أم سلمة - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها».
قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أيُّ المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -»(11).
ولذا فإنّ وفاة أحد الأبناء قد تكون خيراً لوالديه من وجوه؛ فقد يكون قد سبق في علم الله أنّ هذا الولد لو عاش لأتعب أبويه، كما مرّ في قصة الخضر والغلام، وقد يكون صبر الوالدين واحتسابهما سبباً لحسن الخلف،
كما مرّ في قصة أم سلمة - رضي الله عنها -، وقد يكون دعاء المعزِّين والزائرين للوالدين: «اللهمّ اخلف عليهما خيراً، واجبر كسرهما، وأبدلهما خيراً منه» سبباً في صلاح إخوانه وتوفيقهم، وأنْ يُرزقا بخلف خير منه وأبرّ.
* ثامناً: كف النفس عن تذكر المصيبة:
على من أصيب بمصيبة أنْ يكفَّ نفسه عن تذكُّرها، وتردادها في ذهنه وتجوُّلها، وأنْ ينفيَ الخواطر والمهيِّجات إذا مرَّتْ به، ولا ينمّيها ويعايشها؛ فإنها تصير أماني لا نفع منها ولا غنًى وراءها، وأمثال هـذه الأمانـي رؤوس أموال المفاليس؛ لأنّ من مـات لا يعـود، وما قُضي لا يـردّ، وقـد روي عن عمر ابن الخطاب ـ - رضي الله عنه - ـ قوله: «لا تستفزُّوا الدموع بالتذكُّر».
وممّا يقع فيه كثير ممّن أصيب بفقد حبيب أو قريب أنه يسعى إلى الاحتفاظ ببعض أشـياء الميـت التـي تذكِّـره به في كـل حـين، ممـا يحـول دون برء جراحه، ويجدِّد همومه وأحزانه.
* تاسعاً: الابتعاد عن العزلة والانفراد:
ابتعد ـ أيُّها المصاب ـ عن العزلة والانفراد؛ فإنّ الوسـاوس لا تزال تجاذب المنعزل المتفرِّغ، والشيطان على المنعزل أقدر منه على غيره.
وأشغـل نفـسك بمـا فيـه نفعـك، واحـزم أمـرك، واشـتغل بـالأوراد المتـواصـلة والقـراءة والأذكـار والصـلوات، واجعلها أنيـسك ورفيـقك؛ فـإنّـه بـذكر الله تطمئنّ القلوب.
* عاشراً: ترك الجزع والتشكي:
إيّـاكم ـ عنـد المصائـب ـ والجـزعَ وكثـرةَ الشـكـوى، فإنّ مـن غفـل عـن أسبـاب العـزاء ودواعـي السلـوة تضـاعـفت عليه شـدّة الأسـى والحـسرة، وهـو بهـذا كمن سعى في حتفه وأعـان علـى تلـفه، فـلا يطـيـق علـى مصابه صبراً، ولا يـجد عنـه سُلُـوّاً، ولئـن كـان الصبر مستأصِلَ الحَدَثان فإنّ الجزع مـن أعـوان الزمان. من علم أنّ المقدَّر كائن والمقضيَّ حاصل كان الجزع عناءً خالصاً، ومصاباً ثانياً، وقد قال - تعالى -: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 22 - 23].
حُكي أنّ أعرابية دخلت من البـادية، فسمـعت صُــراخاً في دار، فقـالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان. فقالت: ما أراهم إلا من ربهم يستغيثون، وبقضائه يتبرّمون، وعن ثوابه يرغبون!
تـذكَّـروا أنّ الجـزع لا يــردّ الفـائــت، ولكـنه يُحزن الصـديق ويـسرّ الشـامـت، ولا تـقـرنـوا بحــزن الحـادثــة قـنـوط الإيـاس؛ فإنـهـما لا يـبقـى معـهمـا صـبر، ولا يتّسع لهما صدر. وقد قيل: المصيبة بالصبر أعظم المصيبتين. مات لرجـل وامـرأة ابـنٌ يُحِبَّـانِهِ،
فــقال الرجــل لزوجــته: اتـقي اللـه واحتـسبيه واصبري! فقالت: مصيبتي أعظم من أنْ أفسدها بالجزع.
وقال بعض العقلاء: «العاقل عند نزول المصيبة يفعل ما يفعله الأحمق بعد شهر...فإذا كان آخر الأمر الصبر والعبد غير محمود فما أحسن به أنْ يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره! »(1).
وإنما تُـنـال درجة الصبر في المصائب بما يدخل تحت اخـتيار المـرء؛ فتُـنال بتـرك الجـزع، وشــقّ الجــيوب، وضرب الخــدود، والمبـالغة فـي الشكـوى، وإظهار الكآبة، وتغيير الـعادة فـي الملبـس والمفـرش والمطـعـم. وعلـيـه أنْ يُظــهر الرضا بقضاء الله - تعالى -، ويعتقد أنّ ذلك كان وديعة فاستُـرجِعتْ،
ويصـنع كــما صنـعت أم سُليم - رضي الله عنها - حين مات ابن لها، فقالت لزوجها أبي طلحة - رضي الله عنه - : «أرأيتَ لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: «فاحتسب ابنك». فلما علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: بارك الله لكما في غابر ليلتكما»(2).
وأخيـــراً: فإنّ الصـبر على المصائـب يُعقـب الصابرَ الـراحــة منها، ويُكسبه المثوبة عنها، فإنْ صبر طائعاً وإلا احتمل همّاً لازماً، وصبر كارهاً آثماً، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سُلُوَّ البهائم.
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ـ: «إنّك إنْ صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور، وإنْ جزعت جرى عليك القلم وأنت مأزور»(3).
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : «إنا وجدنا خير عيشنا الصبر».
وروي عن علي - رضي الله عنه - قوله: «اعلموا أنّ الصبر من الإيمان بمنْزلة الرأس من الجسد، ألا وإنه لا إيمان لمن لا صبر له». وقال الحسن - رحمه الله -: «ما تجرَّع عبد جرعة أعظم من جرعة حلم عند الغضب، وجرعة صبر عند المصيبة».
وقال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - : «ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عوَّضه خيراً مما انتزعه».
جعلنا الله جميعاً من الصابرين الشاكرين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
-------------
للفايدة
----------------------------------------
(1) صحيح مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب مثل المؤمن كالزرع والمنافق والكافر كالأرزة، وهو في صحيح البخاري في مواضع، منها ما جاء في كتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة: «مثل المؤمن كمثل خامة الزرع يفىء ورقه من حيث أتتها الريح تكفؤها، فإذا سكنت اعتدلت، وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء. ومثل الكافر كمثل الأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء».
(2) صحيح البخاري: كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، وصحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب فضل التعفف والصبر والقناعة، واللفظ للبخاري.
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-2013, 10:14 PM   #3214
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

قصة موت أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم
على دين قومه
عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ :« أَىْ عَمِّ ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ » . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ: تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَالاَ يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَىْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .
فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم : « لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ » . فَنَزَلَتْ ( مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) وَنَزَلَتْ ( إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ ) (1).
شرح المفردات(2):
(عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ) هو سعيد بن المسيب بن حزن
قال العلماء: يحتمل أن يكون المسيب حضر هذه القصة، وكان الثلاثة يومئذ كفارا فمات أبو جهل على كفره وأسلم الآخران .
( لما حضرت أبا طالب الوفاة ) حضرت علامات الوفاة، وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة لم ينفعه الإيمان لو آمن ، ويدل على الأول ما وقع من المراجعة بينه وبينهم.
( آخر ما كلمهم به: على ملة عبد المطلب) وفي رواية " هو على ملة عبد المطلب " وأراد بذلك نفسه. ويحتمل أن يكون قال " أنا " فغيرها الراوي أنفة أن يحكي كلام أبي طالب استقباحا للفظ المذكور؛ وهي من التصرفات الحسنة .
من فوائد الحديث (3):
أبو طالب بن عبد المطّلب هو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، كَفَل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موت جدّه عبد المطّلب، وبقي أبو طالب حول الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها، يدافع عنه، ويحميه، إلى سنة ثمان من البعثة، وهو لم يفارقه، يدافع عنه، ويحميه من أذى قومه، ويصبر معه على مضايقات المشركين، وبذل معه شيئاً كثيراً، وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على هدايته، لعلّ الله أن ينقذه من النار، ومن ذلك أنه لما حضرته الوفاة جاء إليه، لعله يسلم وينقذ نفسه من النار، ولكن الله بحكمته البالغة لم يكتب له الهداية فمات على دين قومه.
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الدعوة إلى الله، وصبره على ذلك.
خطر الرفقة السيئة، وأنها من أعظم أسباب الغواية والضلال، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم جليس السوء بنافخ الكير ؛ إما أن يحرق ثيابك ، أو تجد منه رائحة كريهة.
أهمية البداءة في الدعوة إلى الله، بالدعوة إلى التوحيد لأنه أصل الدِّين الذي لا يصح شيء إلا به.
لما نزل قوله تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }، انتهى صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لعمه أبي طالب ، وتبرأ من الشرك وأهله . ولكن الله عز وجل أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يشفع له، لأنه قام بسعي مشكور في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام. فشفع النبي صلى الله عليه وسلم فيه فكان في ضحضاح من نار، وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولو لا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار".
أن الأعمال بالخواتيم، فلو أسلم أبوطالب لنفعه ذلك.
أن الهداية في كتاب الله تجيء ويراد بها تارة الدلالة والإرشاد فالنبي صلى الله عليه وسلم يهدي إلى صراط مستقيم ، أي يدل الناس عليه ويدعوهم إليه بأقواله وأفعاله وأخلاقه الكريمة كما قال تعالى في { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }[الشورى:52]، وتأتي الهداية ويراد بها التوفيق والإلهام، كما في قول الله تعالى: { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[ القصص:56] ومعناها : أن الله - جل وعلا - يجعل في قلب العبد من الإعانة الخاصة بحيث يقبل الهدى ويسعى فيه . فجعل هذا في القلوب ليس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ، فهو وحده الذي يجعل من يشاء مسلما مهتديا، مما يوجب تعلق القلوب بالله تعالى وحده.
----------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-2013, 10:48 PM   #3215
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

أضرار جليس السوء
بسم الله الرحمن الرحيم
جليس السوء مضرة على صاحبه من كل وجه وشؤم عليه في الدنيا والآخرة ومن أضراره:
1ـ من أضرار جلس السوء انه قد يشكك في معتقداتك الصحيحة ويصرفك عنها .
أن جليس السوء يدعو جليسه إلى مماثلته في الوقوع في المحرمات والمنكرات .
3ـ أن المرء بطبيعته يتأثر بعادات جليسه وأخلاقه وأعماله قال - صلى الله عليه وسلم -: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)"رواه أبو داود"، وقد قيل"إياك ومجالسة الشرير فإن طبعك يسرق من طبعه وأنت لا تدري".
أن رؤيته تذكر بالمعصية سواء كانت ظاهرة عليه أو خفية وكنت تعرف ذلك منه فتخطر المعصية في بال المرء بعد أن كان غافلا أو متشاغلا عنها .
5ـ أنه يصلك بأناس سيئين يضرك الارتباط بهم وقد يكونون اشد انحرافا وفسادا .
أنه يخفي عنك عيوبك ويسترها عنك ويحسن لك خطاياك ويخفف وقع المعصية في قلبك ويهون عليك التقصير في الطاعة .
7ـ أنك تحرم بسببه من مجالسة الصالحين وأهل الخير لانهماكك معه في الشهوات والملذات ويحذرك من مجالستهم فيفوتك من الخير والصلاح بقدر بعدك عنهم .
أن الذي يجالس أهل السوء يقارن أفعاله السيئة بأفعالهم فيستقل سيئاته بجنب سيئاتهم فيكون ذلك سببا في زيادة طغيانه وانحرافه وتقصيره في الأعمال الصالحة وعلى الأقل يصاب بالعجب بما هو عليه والعجب مرض مهلك، جليس السوء مضرة على صاحبه من كل وجه وشؤم عليه في الدنيا والآخرة ومن أضراره .
9ـ أن صحبته ومؤاخاته عرضة للزوال عند وجود أدنى خلاف أو تغيير مصلحة بل وتحصل البغضاء بدون ذلك قال عبد الله بن المعتز - رحمه الله - "إخوان السوء ينصرفون عند النكبة ويقبلون مع النعمة".
قال أبو الحسن التهامي ـ رحمه الله -:
شيئان ينقشعان أول وهلة
ظل الشباب وخلة الأشـرار
وقال ابن حبان - رحمه الله - "العاقل لا يصاحب الأشرار لان صحبة السوء قطعة من النار تعقب الضغائن لا يستقيم وده ولا يفي بعهده .
10.ـ أن مجالس أهل السوء لا تخلو من ا لمحرمات والمعاصي كالغيبة والنميمة والكذب واللعن ونحو ذلك فربما يوافقهم جليسهم فيما هم فيه أو ينكر عليهم لكن لا يفارق مجلسهم فيقع في الإثم .
11ـ أنها لو دامت مودتهم في الدنيا فإنها سرعان ما تنقشع في الدار الآخرة وتنقلب إلى عداوة وبغضاء قال - تعالى -: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) .
12ـ أن غالب مجالس أهل الفسق لا يذكر الله فيها فتكون حسرة وندامة على أصحابها يوم القيامة .
13ـ أن في مجالستهم تضييعا للوقت الذي سيحاسب العبد على التفريط فيه يوم القيامة .
14ـ انك به تعرف ويساء بك الظن من اجل صحبتك له .
وختاما قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - "وبالجملة فمصاحبة الأشرار مضرة من جميع الوجوه على من صاحبهم وشر على من خالطهم فكم هلك بسببهم أقوام وكم أقادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون"، وقال أبو الأسود الدؤلي - رحمه الله - "ما خلق الله خلقا اضر من الصاحب السوء".
فعلى العاقل الناصح لنفسه الذي يريد لها النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة أن يتجنب مخالطة هؤلاء ويفر منهم غاية الفرار ولا يتهاون في ذلك .
---------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-2013, 11:28 PM   #3216
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

عندما يحال بين المرء وقلبه
بسم الله الرحمن الرحيم
المرء بقلبه لا بجسده ومنظره؛ حقيقةٌ مهمة ينبغي للإنسان أن يتفطن لها ولا يغفلها أو يغضَّ الطرف عنها أو يتجاوزها،
يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم»(1)، ولذا فقد جاء ذكر لفظ (القلب) في القرآن أكثر من مائة مرة، ناهيكَ عن مرادفات (القلب) من (الصدر) و (الفؤاد)، ولهذا جاءت الشريعة بمخاطبة هذا الجزء المهم خطاباً يتواكب مع كل حدث يمرُّ به المرء، ومع كل قضية تقابله، أو معضلة ومصيبة تواجهه.
وها هو ـ- تبارك وتعالى -ـ يعلن لعباده المؤمنين في «جملة تُعدّ من أعجب جمل القرآن»(2): {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]، «إذ إن من سنن الله في البشر الحيلولة بين المرء وقلبه الذي هو مركز الوجدان والإدراك ذو السلطان على إراداته وعمله، وهذا أخوف ما يخافه المتقي على نفسه إذا غفل عنها وفرَّط في جنب ربه، كما أنه أرجى ما يرجوه المسرف عليها إذا لم ييأس من روح الله فيها»(3)،
كما أن هذه الجملة أيضاً «أبلغ جُمل القرآن وأجمعها لحقائق علم النفس البشرية وعلم الصفات الربانية وعلم التربية الدينية التي تعرف وقائعها بما تثمره من الخوف والرجاء»(4).
ولعلِّي في هذه المقالة أحاول الغوص في إشراقات هذه الآية ومقاصدها وفوائدها؛ رغبةً في الوصول إلى فهم يؤثر في سلوكياتنا ونيّاتنا وأعمالنا؛ ليرتقي ويسمو بها إن شاء الله.
أولاً: ماهية القلب:
القلب عند أهل اللغة: «تحويل الشيء عن موضعه، يقال: قَلَبه يَقْلِبُه قَلْباً، وقلَّبه أي: حوله ظهراً لبطن، وتقلّب الشيء ظهراً لبطن.
قال الشاعر:
وما سُمِّي القلب إلا مِنْ تقلُّبه
لرأي يصرف بالإنسان أطوارا»(5)
وقال آخر:
ما سُمِّي القلب إلا مِنْ تقلُّبه
فاحذر على القلب من قلب وتحويل
وعندما يطلق اللفظ فإنه يتناوله صنفان من الناس، فكل صنف يعرِّفُه بطريقته:
الصنف الأول: الأطباء، ويقولون: إنه عضو عضلي أجوف يقع في منتصف التجويف الصدري تقريباً. أو هو المضخة التي تضخ الدم من بداية تشكّل الجنين وحتى وفاة الإنسان دون توقف من ليل أو نهار بما يعادل سبعة آلاف ومئتي لترٍ من الدم يومياً إلى كل خلية في الجسم عبر شبكة معقدة طويلة من الشرايين والأوردة والشعيرات الدموية التي يبلغ طولها آلاف الكيلومترات.
الصنف الثاني: العلماء والفقهاء والعارفون بأحوال القلوب، وقد قالوا: «هو لطيفة ربانية روحانية لها تعلّق بالقلب الذي عرّفْناه آنفاً»(1).
وفرّق بعضهم فجعل الأول القلب العضلي والثاني القلب المعنوي.
خلاصة الأمر: إن تحقيق الأمر في تعريف القلب هو من قبيل تحقيق عن السر الذي لم يفصح عنه ربنا ـ - جل وعلا - ـ ولا نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وهو الأجدر بالاعتماد، وما ذكرته ما هو إلا تقريب للمعنى.
ثانياً: القلب هو الأصل وهو الـمَلِك:
ينبغي أن نعلم أنَّ «القلب هو الأصل في جميع الأقوال والأفعال؛ فما أمر به الله من الأفعال الظاهرة فلا بد فيه من معرفة القلب وقصده، وما أمر به من الأقوال كذلك، والمنهي عنه من الأقوال والأفعال إنما يعاقب عليه إذا كان بقصد القلب»(2). وهو «الـمَلِك الذي تصدر الأقوال والأفعال عنه، فإذا لم يعلم ما يقول لم يكن ذلك صادراً عن القلب بل يجري مجرى اللَّغْو، والشارع لم يرتِّب المؤاخذة إلا على ما كسبه القلب من الأقوال والأفعال كما قال ـ - تعالى -ـ: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]»(3).
ولما كان الأمر كذلك فإن الأنبياء والعلماء والصالحين جعلوا له مكانة مرموقة ودرجة عالية من الاهتمام والعناية، يقول ابن القيم ـ - رحمه الله - ـ: «ولما كان هذا القلب لهذه الأعضاء كالـمَلِك المتصرّف في الجنود التي تصدر كلها عن أمره ويستعملها فيما شاء فكلها تحت عبوديته وقهره، وتكتسب منه الاستعانة والزيغ، وتتبعه فيما يعقده من العزم ويحله؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله»(4) «فهو ملكها وهي المنفِّذة لما يأمرها به، القابلة لما يأتيها من هدايته، ولا يستقيم لها شيء من أعمالها حتى تصدر عن قصده، وهو المسؤول عنها كلها؛ لأن كل راعٍ مسؤول عن رعيته، كان الاهتمام بتصحيحه وتسديده أولى ما اعتمد عليه السالكون والنظر في أمراضه وعلاجها أهم ما تنسك به الناسكون»(5).
وقال أبو هـريرة - رضي الله عنه - : «القلب مَلِك والأعضاء جنوده، فإذا طاب الـمَلِك طابت جنوده، وإذا خبث خبثت جنوده»(6).
ثالثاً: التلازم بين القلب والجوارح:
هذه الآية دليل واضح لهذا التلازم المهم والمؤثر في حياة الإنسان وعلاقته بربه وخالقه، إذ لن يصلح القلبلـمَلِك) إلا إذا صلحت جنوده (أعضاء الجسم)، ولن تصلح الجنود إلا بصلاح الـمَلِك، فيجب على المرء أن يستجيب لأمر الله، وينتهي عمّا نهى الله عنه وزجر، وبذلك يستقيم هذا الـمَلِك، فتصبح أوامره للجوارح صحيحة، ومن ثم تكون النتائج صحيحة، فالجنود يجب عليهم تنفيذ الأوامر بل الاستبشار بها، والاستجابة لها والمبادرة السريعة لتنفيذها، فإن حصل ذلك تمكّن هذا الـمَلِك في ملكه، وتعزّز وضعه، وثبت على عرشه،
وكان جديراً له أن يحكم الرعية ويسوسها بحكم عادل ثابت بعيداً عن الزيغ والضلال والانحراف؛ «وإذا قام بالقلب التصديق به ـ أي: الله - عز وجل - ـ والمحبة له لزم ضرورةً أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة؛ فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمُه ودليله ومعلوله، كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له ـ أيضاً ـ تأثير فيما في القلب، فكل منهما يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له، والفرع يستمد من أصله، والأصل يثبت ويقوى بفرعه»(1).
«إنَّ ما يقوم بالقلب من تصديق وحب لله ورسوله وتعظيم، لا بد أن يظهر على الجوارح، وكذلك بالعكس، ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن، كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب»،
وكما قال الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: لمن رآه يعبث في الصلاة: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)...فإن الإرادة التي في القلب مع القدرة توجب فعل المراد»(2)، فـالجوارح وإن كانت تابعة للقلب فقد يتأثر القلب ـ وإن كان رئيسها وملكها ـ بأعمالها؛ للارتباط الذي بين الظاهر والباطن،
قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرجل ليصدق فتنكت في قلبه نكتة بيضاء، وإن الرجل ليكذب الكذبة فيسودّ قلبه»(3)،
فمثلاً: الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره: قول اللسان وعمل الجوارح، وباطنه: تصديق القلب وانقياده ومحبته، فلا ينفـع ظــاهـر لا باطن له وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية، ولا يجزئ باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك، فتخلُّف العمل ظاهراً مع عدم المانع دليلٌ على فساد الباطن وخلوّه من الإيمان، ونقصه دليل نقصه، وقوته دليل قوته، فالإيمان قلب الإسلام ولبّه، واليقين قلب الإيمان ولبّه، وكل علم وعمل لا يزيد الإيمانَ واليقينَ قوةً فمدخول، وكل إيمان لا يبعث على العمل فمدخول»(4).
وتأكيداً على هذه المسألة المهمة آتي بمثال يوضحها أكثر، حيث إنه: «لا يصرُّ على ترك الصلاة إصراراً مستمراً من يصدق بأن الله أمر بها أصلاً، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقاً تصديقاً جازماً أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب، وهو مع ذلك مصرٌّ على تركها، هذا من المستحيل قطعاً، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبداً، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها فليس في قلبه شيء من الإيمان، ولا تصغِ إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها. وتأمّل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له من الفعل، وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية»(5).
والكلام في هذا الباب يطول، ومقصودي أن ذكر الآية للمرء بما فيه من جوارح تنقاد بالضرورة لـمَلِكها (القلب) وما فيه من أعمال؛ فهذه الحيلولة ما حصلت إلا لوجود هذا التلازم العظيم والمهم والذي يثبت قواعد راسخة لمسألة تعاطي الإيمان وترجمة مدّعيه عملاً حقيقياً في أرض الواقع.
رابعاً: التحذير من الحيلولة بين المرء وقلبه:
المتأمِّل الآية الكريمة ـ التي هي محور مقالنا هذا ـ والعالِم بوقت نزولها والحادثة التي نزلت فيها يستشفُّ مدى عظمتها ومكانتها. لقد نزلت هذه الآية في السنة الثانية من الهجرة وفي سياق الحديث عن معركة بدر في سورة الأنفال، السورة التي بيّنت وقائع مهمة من أحداث المعركة. ولعلِّي ألخّص عدداً من الفوائد التي قدّمتْها لنا هذه الآية فيما يتعلق بالباب الذي نحن بصدده:
1 ـ ينادي ربنا ـ جلّ في علاه ـ الصحابة ـ - رضي الله عنهم - ـ بوجوب الاستجابة له ـ - سبحانه - ـ ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يحصل ذلك منهم فإنه قادر على أن يحول بين المرء وبين قلبه، فكأن هذا تحذير لهذه العصابة المؤمنة المبتدئة والحديثة العهد بالتبعات الإيمانية من مغبّة الاستهتار والغفلة عــن مقتضيـات الإســـلام والإيمــان، فكـمـا أدخـل وكتـب ـ - سبحانه وتعالى - ـ الإيمان في القلب فإنه قادر أن يمنع استمراره فيه وثباته عليه، إنه «يخبرهم ويعلمهم أنه أملك لقلوب عباده منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شـاء حتـى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئاً من إيمان أو كفر، أو أن يعيَ به شيئاً، أو أن يفهم إلاَّ بإذنه ومشيئته. وذلك أن الـحول بـين الشيء والشيء إنـما هو الـحجز بـينهما، وإذا حجز ـ جلّ ثناؤه ـ بـين عبد وقلبه فـي شيء أن يدركه أو يفهمه، لـم يكن للعبد إلـى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكَه سبـيـلٌ»(1).
2 ـ أنه خطاب ونداء مهمّ للصحابة ـ - رضي الله عنهم - ـ في تلك المرحلة خصوصاً، وللأمة عموماً في كل مرحلة تمرّ بها؛ من رخاء وشدة وعُسْر ويُسْر وبَأْساء وضرّاء، بأن يلتفتوا إلى قلوبهم فيعزّزوها بالاستجابة السريعة والمساعي الحثيثة لتنفيذ ما يريده الله، وتحكيم شريعته بينهم، لتحيا أجسادهم حياة كريمة طيبة وعزيزة، بعيدة عن الذلّة والمهانة في الدنيا والآخرة؛ «فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهراً وباطناً، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة، فمَنْ فاته جزء منه فاته جزء من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول - صلى الله عليه وسلم -»(2)، فاستجابة القلب وإذعانه لخالقه ومولاه أعظم السبيل لحياته وسلامته؛ ذلك أن الله ـ جل جلاله، وتقدّست أسمـاؤه وصفـاته ـ متمـكنٌ مـن قلـوب العـباد كيف يشاء بما لا يقدر عليها صاحبها؛ فيفسخ عزائمه ويغير مقاصده ويلهمه رشده ويزيغ عن الصراط السويّ قلبه ويبدله بالأمن خوفاً وبالذكر نسياناً، وذلك كمن حالَ بين شخص ومتاعه، فإنه القادر على التصرف فيه بدونه»(3).
3 ـ وليس معنى ذلك أن الله ـ - سبحانه وتعالى - ـ يفعل ذلك ظلماً وعدواناً بقلوب عباده، بل إن فعله ـ- تبارك وتعالى -ـ عدلٌ فيمن حادَ وضلَّ عن الصراط المستقيم وأعرض عن الهداية والاستقامة، أما من كان مستجيــباً ومستقيماً فــإنه ـ - عز وجل - ـ أخبر أنه لولا استغفار عباده ورجوعهم إليه لعذَّبهم وأهلكهم في الدنيا قبل الآخرة، قال ـ - تعالى -ـ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]، وقال ـ - سبحانه - ـ: {وَأَنِيبُوا إلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} [الزمر: 54]، فالمقدمات الصـادقة الصحيحة لا تولد إلا نتائج صادقة صحيحة، فمتى ما تحققت الاستقامة والاستجابة تحققت الحياة الطيبة الكريمة وتحقــق ثبات القلــب واستقامــته، ولهــذا فالله ـ - سبحانه - ـ يحول بين الكافر وبين الإيمان «وهكذا فعل بفرعون، منعه من الإيمان جزاء على تركه الإيمان أولاً؛ فدسّ الطين في فم فرعون من جنس الطبع والختم على القلب ومنع الإيمان وصون الكافر عنه، وذلك جزاءً على كفره السابق»(4).
4 ـ إن حياة القلب واطمئنانه وثباته واستقامته إنما تكون بالامتثال والالتزام بأوامر الله والاقتداء بهدي نبيه - صلى الله عليه وسلم - والانتهاء والابتعاد عن نواهيه، فإن لم يحصل ذلـك فـإن الله ـ جلَّ جلاله ـ «يحول بين العبد وبين قلبه، فيعلم هل استجاب له قلبه؟ وهل أضمر ذلك؟ أو أضمر خلافه؟ »(5)؛ حينها يجعل ـ - سبحانه وتعالى - ـ المرء لا يملك قلبه الذي بين جنبيه، ولا يستطيع بأيِّ حال من الأحــوال أن يقــوده إلى ما يريد، بل إن هذا القلب تنقلب عليه الأمور رأساً على عقب، وتختلط عنده الموازين، وتهتزّ أرضه من تحته، وتسقط قواعده وأركانه، ويخرّ السقف عليه من فوقه، ويصبـح كالبيت الخرب ليس فيه قرار ولا مأوى، والأسوأ أن يكون عشّاً تعشعش فيه الشياطين، فلا الإيمان فيه يقوم ولا الإسلام إليه يروم. وحدِّث ولا حرج عن قلب كهذا يقود جوارح الإنسان، فإنه ولا شك يرديها ويوبقها ويسوقها إلى حتفها وسوء مأواها، وبئس القرار والمأوى، نسأل الله العفو والعافية.
--------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-2013, 12:02 AM   #3217
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

خامساً: صــور من الحيلولة:
لا تحدث الحيلولة بين المرء وقلبه دفعة واحدة أو فجأة، بل ينبغي أن تحدث بعد عدد من المراحل والخطوات يسلكها المرء في لحظات من الغفلة والاستهانة بسنن الله في خلقه حيناً، ومن الإعراض والإصرار على الخطأ والذنب حيناً آخر،
ودعني أوضِّح المقال بالأمثلة:
- هذا الملتزِم حديث عهد بالتزام تجده في خطوات التزامه الأولى مجتهداً في ظاهره بطاعة ربه، ملتزماً بهدي نبيه - صلى الله عليه وسلم -، خاشعاً في صلاته وقراءته القرآن، محباً للخير فعّالاً له، سبّاقاً لفعل المعروف والأمر به، نهًّاءً عن المنكر، ثابتاً على المبادئ والقيم التي ترسخت في قلبه وعقله، وبما أن الطريق طويل والابتلاءات والمطبّات كثيرة، والعقبات في وجه التزامه تتوالى؛ يحصل له فتورٌ وكـسلٌ،
كما قــال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثم إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة.. الحديث»(1).
نجد أن هذا الملتزِم ـ كما يقال ـ يبدأ يتهاون شيئاً فشيئاً بعد أن كان ملتزِماً، ويقصر عن الذي كان له محافظاً، ويتأخر كثيراً عن الذي كان له مشمِّراً، ويبدأ الشيطان يزيِّن له المعصية وإن صغرت، ويحلّيها فيقع فيها بنظرة أو كلام أو سماع أو تناول محرّم، فإن عاد واستغفر فإنما هي عودةُ متردّدٍ وإذا به يرتادها بين الفينة والأخرى، ناهيكَ أن يكون عاشقاً أو مغرماً بجمال امرأة أو أمرد كلما عرضت له صورة أحدهما في تلفاز أو أمام عينه مباشرة، كل ذلك وقلبه تُنكت فيه نكت المعاصي والذنوب وهو لا يحس! ويخلط العمل الصالح بالعمل السيِّئ، فربما تجده في زمرة الطيبين، في مجالسهم ومنتدياتهم ومحاضراتهم وندواتهم وشتــى أعمالهـم، وشتـّان بيـنه وبينهم! فقلبه حينئذ بدأ وكأنه يـودع صاحبه في سلّم طائرة الشيطـان والأخ كأعمى لا يبصر تلويح الوداع، حينها تكون الحيلولة، فيلتفت يمنة ويسرة فإذا الخشوع قد ولّى، وإذا الرقّة واللين قد غابا وتـلاشا كـلاهما فلم يبقَ له إلا القسوة والحسرة، فهذا الأمر لم يكـن إلا بعد خطوات شيطانية لم ينتبه المسكين إليها،
فيستيقظ من غفلته ويحافظ على قلبه بالأَوْبة الصادقة والـتوبة النصـوح والمحـاسبة الدائمة مع استجابة مستمرة لا تنقطـع لأمـر اللـه ونهيـه، واقتـداء متـواصل بهـدي رسوله - صلى الله عليه وسلم -، حتى يبقى قلبه متلألئاً نيِّراً كأنما علِّق على صدره سراج وهّاج يضيء له الطريق حتى يحذر بنياته المهلكة.
- كما أن العالم أو الداعية أو الواعظ تعرض لهم هذه الحيلولة فمستقل أوّابٌ إلى ربه، ومستكثرٌ يزلُّ فيزلّ به العالـَم ويُمحى ذكرهُ بعد أن كان منشوراً بين الخلائق، فمنهم من لم يطلب العلم إلا ليقال: العالم الفلاني، ومنهم الداعية النشط في الدعوة والواعظ الخطيب المفوّه الذي يهزّ أعواد المنابر وتجتمع له الناس مصغية متأثرة وما ذلك إلا ليُمدح وتنشر له دواوين الثناء في الآفاق، وفي ذلك يقول ابن الجوزي ـ - رحمه الله - ـ: «فالعالم منهم يغضب إن ردَّ عليه خطــؤه، والواعـظ متصــنّع بوعظــه، والمتزهد منافق أو مراءٍ. فأول عقوباتهم إعراضهم عن الحق شُغلاً بالخَلْق. ومن خفيِّ عقوباتهم سلب حلاوة المناجاة، ولذة التعبد»(2). ثم يقول: «إن من العلماء من شغلهم العلم عن الكسب، فاحتاجوا إلى ما لا بد منه، وقلَّ الصبر فدخلوا مداخل شانتْهم وإن تأولوا فيها، إلا أن غيرها كان أحسن لهم؛ فالزهري مع عبد الـمَلِك، وأبو عبيدة مع طاهر بن الحسين، وابن أبي الدنيا مؤدب المعتضد، وابن قتيبة صدَّر كتابه بمدح الوزير. وما زال حِلفٌ من العلماء والزهاد يعيشون في ظل جماعة من المعروفين بالظلم، وهؤلاء وإن كانوا سلكوا طريقاً من التأويل فإنهم فقدوا من قلوبهم وكمال دينهم أكثر مما نالوا من الدنيا»(3).
قلت: هذا كلام ابن الجوزي ـ - رحمه الله - ـ في قوم قد سبقوه، فكيف لو رأى حالنا وزماننا لكتبَ مجلدات من كثرة ما سيصطاده خاطره! لـقد حيل بينهم وبين قلوبهم حتى سرحت مع المركـب الهنيّ والفراش الوطيء وسعي للنعيـم والراحـة بعيداً عن مواطـن الأذى والتضـييق، حـتى تغيرت المواقـف واهتـزت الثوابت وانقلبت إلى متغيرات بين عشية وضحاها!
ولست أعمّم هنا، فلا زالت الأمّة تمتلك علماء كُثُر أجلاء أكابر تفتخر بهم وبجهودهم، ودعاة ينافحون لأجل تبليغ دعوة الله، والذّود عن شريعته، وإن اختلفت مذاهبهم ومواقفهم، إلا أنهم لا زالوا صِمَام أمان لأمّتهم، ولا زالت أمّتهم تكنّ لهم محبة واحتراماً وتوقيراً، وما ذلك إلا لصدقهم واستقامتهم، كأنهم عود هندي طُرح على مجمر ففاح طيبهم فاستنشقتهم الخلائق ومدحتهم الألسن ورُفعت الأكفُّ ابتهالاً إلى المولى أن يحفظهم ويسدد خطاهم، هكذا أحسبهم، والله حسيبهم، ولا أزكي على الله أحداً.
سادساً: الأسباب الشرعية للوقاية من الحيلولة:
لقد نبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهمية العناية بالقلب وأعماله في كثير من المواضع؛ ليُعلِّم الصحابة ـ - رضي الله عنهم - ـ أن لا يركنوا إلى أعمالهم وطاعاتهم ويعتقدوا أن النجاة بسببها، بل يتعاهدوا قلوبهم ويحافظوا على سلامتها وصفائها من الزيغ والانحراف، فإذا أصابتهم الشدائد والابتلاءات كانوا أسرع أَوْبة واستجابة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فعن عائشة ـ - رضي الله عنها - ـ قالت: «دعواتٌ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهــا: يا مقلِّب القلــوب ثبِّــتْ قلبــي علـى دينــك، قـالت: فقلت: يا رسول الله! إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء، فقال: إن قلب الآدمي بين أصبعين من أصابع الله فإذا شاء أزاغه وإذا شاء أقامه»(1). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، قال: فقلنا: يا رسول الله! آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم؛ إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها»(2).
وعن النواس بن سمعان الكلابي - رضي الله عنه - يقول: «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقـول: ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه. وكان يقول: يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، قال: والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه»(3).
وعن أم سلمة ـ - رضي الله عنها - ـ: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر في دعائه يقول: اللهم مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، قالت: فقلت: يا رسول الله! أو إن القلوب لتقلّب؟ قال: نعم؛ ما خلق الله من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع الله ـ - عز وجل - ـ فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه، فنسأله ربنا أن لا يزغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، قالـت: فقلــت: يا رسول الله! ألا تعلّمني دعوة أدعو بها لنفسي، قال: بلى؛ قولي: اللهم ربّ النبي محمد! اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني»(4).
«لقد كـان - صلى الله عليه وسلم - يكثــر من هـــذا الــدعاء وهو رسول اللـه المعصوم، فكيــف بالنــاس وهـــم غــيـر مــرسلــين ولا معصومين؟ »(5).
هذا الإكثار والتكرار النبوي في دعائه - صلى الله عليه وسلم - ربَّه بثبات قلبه على الدين يثمر لنا عدداً من الفوائد:
- منــها: ما سُمِّـي القلــب إلا لتـقلّبه، كما وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ القلبِ مثل الريشة تقلبها الرياحُ بفَلاة»(6). وهذه الميزة حريٌّ بنا أن ننتبه لها، فهنا يصوّر لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - القلب، وأنه لخفّته تماماً مثل الريشة التي تؤثر فيها أقل النسمات فتغيّر اتجاهها، فهذا القلب الأصل فيه أنه ليس بثابت على حالة واحدة لا يتأثر بما يعرض عليه، بل إنه يتفاعل مع أبسط الأشياء؛ كنظرة وكلمة وربما همسة..، ناهيكَ عن التأثر العضوي لمضغة اللحم والتأثيرات المتعددة عليه، لذلك فهو بحاجة ماسّة للمدد والعون الإلهي، وبحاجة إلى الرجوع إلى صانعه، فهو أعلم بحاله وما يصلحه أو يفسده، إذ هو صنعته التي صنعها وأبدع فيها.
- ومنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - ركّز في دعائه على أهمية ثبات القلب على الدين وعلى الطاعة، وهي معانٍ مترادفة توحي إلى أن القلـب لا يصلـحه إلا الـدين وطـاعة الخالق ـ - سبحانه وتعالى - ـ، ألم يقل ربنا ـ- تبارك وتعالى -ـ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]؟؟ ولا يطمئنه ويسكنه إلا ذكر الله ـ - عز وجل - ـ، فإن «ذكر الله يُخامر قلب المؤمن عندما يزله الشيطان إلى ذنب يرتكبه في جنب الله.. إنه لا يبقـى في وهدته التي انزلق إليها، إنه لا يبـقى فـي سقطته التي جرّه الشيطان عندها، إنه يذكـر أن له ربّاً يغفر الذنب، ويقبل التوب.. ولذلك فهو ينهض من كبوته، ويطهِّر نفسه، ويعود إلى ربه، ويستأنف الطريق إليه، كما قال الله ـ - تعالى -ـ: {وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]»(7).
- ومنها: «سلوك طريق التواضع وإظهار العبودية وإلزام خوف الله وإعظامه والافتقار إليه وامتثال أمره في الرغبة إليه، ولا يمتنع تكرار الطلب مع تحقق الإجابة؛ لأن ذلك يحصل الحسنات ويرفع الدرجات، وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك؛ لأنه إذا كان مع تحقق المغفرة لا يترك التضرع فمن لم يتحقق ذلك أحرى بالملازمة»(8)، كما تعلِّمنا الآية أن لا نأمن من مكر الله ـ - عز وجل - ـ فنغترّ بطاعاتنا ونعجب بأنفسنا، وبالمقابل أن لا ييأس العاصي والمقصر من روح الله فيسترسل في اتباع هواه حتى تحيط به خطاياه، ومن كان هذه حاله جدير أن يراقب الله ويحاسب نفسه على خواطره وهفواته.
- ومنها: هذا الإكثار النبوي يقابله ما كان يدعو - صلى الله عليه وسلم - ويُعلِّم صحابته ـ - رضي الله عنهم - ـ أن يأتوا به في الصلاة، ألا وهو الاستعاذة من الفتن وأنواعها، فعـن ابـن عبـاس ـ - رضي الله عنهما - ـ قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلِّمنا هذا الدعاء كما يعلِّمنا السورة من القرآن: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات»(1).
وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه، تعوّذوا بالله من عذاب النار، تعوّذوا بالله من عذاب القبر، تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، تعوّذوا بالله من فتنة الدجال»(2)؛ ذلك لأن الفتن أول ما يتأثر بها القلب، فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: تُعْرَضُ الفتن على القلوب كالحصير عُوداً عُوداً، فأي قلب أُشْرِبَهَا نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سوداءُ، وأي قلب أنكرها نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضرهُ فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض، والآخرُ أسود مُرْبَادّاً كَالْكُوزِ مُجَخِّياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكرُ منكراً إلا ما أُشْرِبَ من هواه»(3)، «فالقلب الذي لا تردّه الشدة إلى الله قلب متحجر، فلم تعد فيه نداوة تعصرها الشدة ومات فلم تعد الشدة، تثير فيه الإحساس! وتعطلت أجهزة الفطرية فيه، فلم يعد يستشعر هذه الوخزة الموقظة التي تنبه القلوب الحية للتلقِّي والاستجابة»(4).
والفتن تُظهِر مقدارَ الإيمان وثباته في القلبِ وصلابةَ العقيدة في النفس، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «بادِروا بالأعمالِ فتناً كقِطَع الليل المظلم، يصبِح الرجل مؤمناً ويمسِي كافراً، ويمسِي مؤمناً ويصبِح كافراً، يبيع دينَه بعرضٍ من الدنيا»(5).
وعن عبد الله بن عمرو ـ - رضي الله عنهما - ـ أنَّ النبيّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أمّتكم هذه جُعل عافيتها في أوّلها، وسيصيب آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكِرونَها، وتجيء فتنٌ يرقّق بعضُها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكَتي، ثم تَنكشِف، ثم تجيء الفتنة فيقول: هذِه هذه، فمَن أحبَّ أن يُزحزَح عن النار ويُدخَل الجنّة فلتأتِه منيّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليَأتِ إلى الناس الذي يحبُّ أن يُؤتَى إليه»(6).
سابعاً: اليقظة اليقظة من تقلّب القلب:
وبعد هذه السياحة اليسيرة مع إشراقات هذه الآية وبعض مقاصدها وفوائدها حريٌّ بنا أن نؤكد على أن هذه الآية توضح لنا «صورة تستوجب اليقظة الدائمة والحذر الدائم والاحتياط الدائم؛ اليقظة لخلجات القلب وخفقانه ولفتاته، والحذر من كل هاجسة فيه وكل ميل مخافةَ أن يكون انزلاقاً، والاحتياط الدائم للمزالق والهواتف، والتعلق الدائم بالله مخافةَ أن ينقلب هذا القلب في سهوة من سهواته أو غفلة من غفلاته أو دفعة من دفعاته»(7).
فكلما مررت بهذه الآية تذكّرْ أن قلبك يحتاج منك اهتماماً وعناية ورعاية، فاحملْه على التوِّ على جناحي الخوف من الله وحده والرجاء فيه ـ - سبحانه - ـ، وفرَّ إلى ربك ومولاك، فإن رمقْتَ بطرفك حبلَه المتين فتمسك به بقوة واعتصم به بشدة، وإياك ثم إياك من مغبّة الوقوع في شراك المعصية فإنها توهن القلب وتضعفه، وإذا الرّان قد ظهر والختم قد وقع والسواد قد انتشر حينها تبني بنفسك وتشيد جدار الحيلولة بينك وبين قلبك، فإن هدمت الجدار فنِعْمَ العمل، وإن تركته فاعلم أنك لن تعود إلى إيمانك وطاعة ربك، ولا يملك بالمقابل الكافر أن يؤمن بخالقه بعد أن أعرض وأبى هذا الإيمان من قبل وحلّت عليه ساعة الصفر.
نسأل الله العلي القدير مقلّب القلوب أن يثبت قلوبنا على دينه وطاعته، وأن يحسن خاتمتنــا في الأمــور كلها، ربنــا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-2013, 02:18 AM   #3218
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

يحيى عليه السلام
سيرته:
ذكر خبر ولادة يحيى عليه السلام في قصة نبي الله زكريا. وقد شهد الحق عز وجل له أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا، وهو النبي الذي قال الحق عنه: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا)..
ومثلما أوتي الخضر علما من لدن الله، أوتي يحيي حنانا من لدن الله، والعلم مفهوم، والحنان هو العلم الشمولي الذي يشيع في نسيجه حب عميق للكائنات ورحمة بها، كأن الحنان درجة من درجات الحب الذي ينبع من العلم.
ولقد كان يحيي في الأنبياء نموذجا لا مثيل له في النسك والزهد والحب الإلهي.. هو النبي الناسك. كان يضيء حبا لكل الكائنات، وأحبه الناس وأحبته الطيور والوحوش والصحاري والجبال، ثم أهدرت دمه كلمة حق قالها في بلاط ملك ظالم، بشأن أمر يتصل براقصة بغي.
فضل يحيى عليه السلام:
يذكر العلماء فضل يحيي ويوردون لذلك أمثلة كثيرة. كان يحيي معاصرا لعيسى وقريبه من جهة الأم (ابن خالة أمه)..
وتروي السنة أن يحيي وعيسى التقيا يوما.
فقال عيسى ليحيي: استغفر لي يا يحيي.. أنت خير مني.
قال يحيي: استغفر لي يا عيسى. أنت خير مني.
قال عيسى: بل أنت خير مني.. سلمت على نفسي وسلم الله عليك.
تشير القصة إلى فضل يحيي حين سلم الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء.
قال قائل: موسى كليم الله.
وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته.
وقال قائل: إبراهيم خليل الله.
ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء،
فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيي. أين الشهيد ابن الشهيد؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. أين يحيي بن زكريا؟
نشأته:
ولد يحيي عليه السلام.. كان ميلاده معجزة.. فقد جاء لأبيه زكريا بعد عمر طال حتى يئس الشيخ من الذرية.. وجاء بعد دعوة نقية تحرك بها قلب النبي زكريا.
ولد يحيي عليه السلام فجاءت طفولته غريبة عن دنيا الأطفال.. كان معظم الأطفال يمارسون اللهو، أما هو فكان جادا طوال الوقت.. كان بعض الأطفال يتسلى بتعذيب الحيوانات، وكان يحيي يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها، وحنانا عليها، ويبقى هو بغير طعام.. أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها.
وكلما كبر يحيي في السن زاد النور في وجهه وامتلأ قلبه بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام. وكان يحيي يحب القراءة، وكان يقرأ في العلم من طفولته.. فلما صار صبيا نادته رحمة ربه: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).
صدر الأمر ليحيي وهو صبي أن يأخذ الكتاب بقوة، بمعنى أن يدرس الكتاب بإحكام، كتاب الشريعة..
رزقه الله الإقبال على معرفة الشريعة والقضاء بين الناس وهو صبي.. كان أعلم الناس وأشدهم حكمة في زمانه درس الشريعة دراسة كاملة، ولهذا السبب آتاه الله الحكم وهو صبي.. كان يحكم بين الناس، ويبين لهم أسرار الدين، ويعرفهم طريق الصواب ويحذرهم من طريق الخطأ.
وكبر يحيي فزاد علمه، وزادت رحمته، وزاد حنانه بوالديه، والناس، والمخلوقات، والطيور، والأشجار.. حتى عم حنانه الدنيا وملأها بالرحمة.. كان يدعو الناس إلى التوبة من الذنوب، وكان يدعو الله لهم.. ولم يكن هناك إنسان يكره يحيي أو يتمنى له الضرر. كان محبوبا لحنانه وزكاته وتقواه وعلمه وفضله.. ثم زاد يحيي على ذلك بالتنسك.
وكان يحيي إذا وقف بين الناس ليدعوهم إلى الله أبكاهم من الحب والخشوع.. وأثر في قلوبهم بصدق الكلمات وكونها قريبة العهد من الله وعلى عهد الله..
وجاء صباح خرج فيه يحيي على الناس.. امتلأ المسجد بالناس، ووقف يحيي بن زكريا وبدأ يتحدث.. قال: إن الله عز وجل أمرني بكلمات أعمل بها، وآمركم أن تعملوا بها.. أن تعبدوا الله وحده بلا شريك.. فمن أشرك بالله وعبد غيره فهو مثل عبد اشتراه سيده فراح يعمل ويؤدي ثمن عمله لسيد غير سيده.. أيكم يحب أن يكون عبده كذلك..؟ وآمركم بالصلاة لأن الله ينظر إلى عبده وهو يصلي، ما لم يلتفت عن صلاته.. فإذا صليتم فاخشعوا.. وآمركم بالصيام.. فان مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك جميل الرائحة، كلما سار هذا الرجل فاحت منه رائحة المسك المعطر. وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، فان مثل ذلك كمثل رجل طلبه أعداؤه فأسرع لحصن حصين فأغلقه عليه.. وأعظم الحصون ذكر الله.. ولا نجاة بغير هذا الحصن.
مواجهة الملك:
كان أحد ملوك ذلك الزمان طاغية ضيق العقل غبي القلب يستبد برأيه، وكان الفساد منتشرا في بلاطه.. وكان يسمع أنباء متفرقة عن يحيي فيدهش لأن الناس يحبون أحدا بهذا القدر، وهو ملك ورغم ذلك لا يحبه أحد.
وكان الملك يريد الزواج من ابنة أخيه، حيث أعجبه جمالها، وهي أيضا طمعت بالملك، وشجعتها أمها على ذلك. وكانوا يعلمون أن هذا حرام في دينهم. فأرد الملك أن يأخذ الإذن من يحيى عليه السلام. فذهبوا يستفتون يحيى ويغرونه بالأموال ليستثني الملك.
لم يكن لدى الفتاة أي حرج من الزواج بالحرام، فلقد كانت بغيّ فاجرة. لكن يحيى عليه السلام أعلن أمام الناس تحريم زواج البنت من عمّها. حتى يعلم الناس –إن فعلها الملك- أن هذا انحراف. فغضب الملك وأسقط في يده، فامتنع عن الزواج.
لكن الفتاة كانت لا تزال طامعة في الملك. وفي إحدى الليالي الفاجرة أخذت البنت تغني وترقص فأرادها الملك لنفسهن فأبت وقالت: إلا أن تتزوجني. قال: كيف أتزوجك وقد نهانا يحيى. قالت: ائتني برأس يحيى مهرا لي. وأغرته إغراء شديدا فأمر في حينه بإحضار رأس يحيى له.
فذهب الجنود ودخلوا على يحيى وهو يصلي في المحراب. وقتلوه، وقدموا رأسه على صحن للملك، فقدّم الصحن إلى هذه البغيّ وتزوجها بالحرام.
------------
للفايدة

الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-2013, 12:03 AM   #3219
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

ومضات إيمانية
الحـــياء
الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين
أيها الإخوة الكرام، من لوازم الإيمان الحياء، الله عز وجل يقول :
{ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) }
سورة العلق
لا شك أن أي واحد منا إذا كان في حضرة إنسان من وجهاء قومه
محترم يخجل أن يكون له وضع شاذ في جلسته، ومنطقه، وحركته،
وتعبيره، وكلامه، والإنسان حينما يراقب الله عز وجل،
ويشعر أنه في قبضته وحركته وسكنته وأقواله في علم الله عز وجل،
علمك أن الله يعلم يولد حالة في نفس المؤمن هي الحياء.
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) }
سورة النساء
لكن سبحانك ! يا رب، شعور الإنسان أن الله معه ليس متعباً،
لو أن إنسانًا معك لم يفارقك إطلاقاً لا تحتمل، وهو معكم، لكن الله لطيف،
معنا من دون أن تكون هذه المعية عبئاً علينا، لكنه يرى، ويسمع،
وهو رقيب علينا.
شيء آخر، مهما تصورت دقائق الأمور فهي في علم الله لا تخفى
عليه خافية.
{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) }
سورة غافر
والحقيقة أن خائنة الأعين ليس في مقدور البشر كشفها،
يمكن أن تختلس نظرة، ولا تستطيع جهة في الأرض أن تضبطك بها،
ذلك هذه النظرة يعلمها الله عز وجل، فكلما نما إيمانك، وعلا قدر الله عندك،
وكلما شعرت أنه معك، وأنه ناظر إليك انعكست في نفسك حالة رائعة
هي الحياء.
أيها الإخوة، تكاد تكون هذه الصفة فاصلة بين من يستحي، ومن لا يستحي،
الذي لا يستحي بعيد عن الله، جاهل بعظمة الله عز وجل، المؤمن يستحي،
تجلس مع المؤمن سنوات وسنوات لا ينطق بكلمة نابية، ليس له نظرة
غير حكيمة، ليس عنده حركة لا ترضي الله عز وجل.
يوجد حقيقة دقيقة، أن غير المؤمن لا يمكن أن يكون حيياً، لأنه في الصحيح،
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا :
( مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ يَقُولُ:
إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي، حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ )
صحيح البخاري
لا تتوقع إنسانًا يعبدًا عن الإيمان حيياً، ولا يمكن أن تتوقع أن مؤمناً
لا يكون حيياً، أبرز صفة للمؤمن بأنه يستحي، كلامه وسمعه وحديثه
مضبوط ، جلس في بيت، هناك من ينظر بحدة إلى كل شيء،
سمع حركة التفت، المؤمن يخجل أن يتفحص ببصره كل شيء،
ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ )
صحيح البخاري
قد يحول الحياء بينك وبين مئات المعاصي، هذه المعصية ما الذي منعك
منها ؟ حياؤك من الله عز وجل، إحساسك أنه معك، ويراقبك، ويسمعك،
وأنه بصير بك، الحياء لا يأتي إلا بخير، والحياء من لوازم المؤمن،
وكأن الحياء فاصل بين المؤمن وغير المؤمن.
ومن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،
وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ )
صحيح مسلم
لمجرد أن تزيل عن الطريق شيئاً يؤذي المارة فهذا من الحياء،
في فر بعض المركبات تستعين بحجر في وقوف عند الصعود
فإذا سارت تركت هذا الحجر، فتجد مؤمن يقود مركبته في سفر
وبسرعة عالية يقف، ويزيل هذا الحجر على طرف الطريق،
لأن هذا الحجر قد يسبب حادثا قاتلا، ما الذي حمله على أن يقف،
ويزيل الحجر عن الطريق ؟
هذا إيمان، رجاء أن يغفر الله له، أن هؤلاء البشر هم عباد الله،
و يقعون في حادث مروع بسبب أن السائق لم ينتبه لهذا الحجر،
وهذا الحجر كافٍ ليسبب مشكلة كبيرة، لمجرد أن تميط الأذى
عن الطريق فهذا إيمان، فكأن النبي عليه الصلاة والسلام رتب التوحيد أولا
والحد الأدنى أيّ عمل صالح مهما ظننته صغيراً فهو يدل على الإيمان،
والحياء شعبة من الإيمان، فالمؤمن إذا كان على حياء فهو في خير.
----------
يتبع
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-2013, 12:32 AM   #3220
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:
( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا )
صحيح البخاري
فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ:
( تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ،
ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا،
ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً، فَتَطَهَّرُ بِهَا، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ:
وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا ؟
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ ! تَطَهَّرِينَ بِهَا،
فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ، وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ،
فَقَالَ: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ،
ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا،
ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ،
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ
لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ )
صحيح مسلم
والذي لا يستحي لا خير منه، وكان عليه الصلاة والسلام يكره أن يواجه
الإنسان بما يكره، فإذا صعد المنبر يقول:
( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا )
كان يستحي أن يواجه أحد أصحابه بما يكره،
فإذا أراد أن ينصح أصحابه كان يعمم، ولا يخصص،
لئلا يستحي أحد من هذه المواجهة.
لكن يوجد حديث يفهم على معنيين متناقضين:
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ )
صحيح البخاري
هذا الحديث له تفسيران الأول: تهديد، كقوله تعالى:
{ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }
سورة الكهف
هذه لام الأمر، يعني اكفر، وسترى نتائج الكفر ،هذا أسلوب التهديد.
وقد قال بعض شراح الحديث:
إن هذا الحديث قد يعني أنه تهديد، فإذا لم تستحي من الله فاصنع ما شئت،
فسوف ترى !أسلوب التهديد، لكن بعضهم اختار معنى آخر،
وهو دقيق جداً، أنت حينما لا تستحي من الله في شأن شرعي،
والناس ينكرون عليك هذا العمل لا تعبأ بهم ما دام الله معك، أو راضياً عنك
أو ما دمت وفق منهج الله، أو ما دمت تسعى لإرضاء الله،
ولو كان هذا الذي تفعله مستنكراً ممن حولك.
أحياناً تكون هناك ضرورة شرعية كي تتزوج امرأة ثانية،
والناس لا يقدرون ذلك، والتعدد في الزواج مرفوض اجتماعياً،
مقبول شرعاً، فلو أنك ابتغيت بهذا التعدد رضوان الله عز وجل،
وكل من حولك أنكر هذا فلا ينبغي أن تعبأ به،
فإذا لم تستحي من الله فاصنع ما شئت، هناك نساء يتمنين أن يزني زوجها
كل يوم، ولا يتزوج عليها امرأة ثانية، لأن التعدد مرفوض اجتماعياً،
لكنه مقبول عند الله بشروط، لكن التعدد الموجود في مجتمعنا
مرفوض أيضاً، لا يوجد عدل، يميل إلى واحدة كل الميل،
يعطيها مودته ووقته، واهتمامه وماله، والثانية مهملة،
فنحن ما رأينا تعدداَ شرعياً، بل تعدداً ظالماً فلذلك: قد يكون المجتمع
على صواب حينما يرفض التعدد،
لأنه رأى تعدداً ظالماً، ولم ير تعدداً عادلاً،
على كل إذا كان عملك ضمن الشرع أفضل ألف مرة ولو استنكر الناس
عملك من أن تعصي الله عز وجل، فالمعصية مرفوضة كلياً،
بينما لو سلكت طريقاً مغطى بالشرع هذا أفضل ألف مرة من الحالة الأولى،
فإذا لم تستحي فاصنع ما شئت.
الشيء اللطيف:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ،
قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ،
قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ
وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ
تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )
سنن الترمذي
في الرأس يوجد عين، والعين ينبغي أن تعبد الله بغض البصر عن المحرمات،
وتتبع العورات، والأذن ينبغي أن تعبد الله بألا تسمع ما يسخط الله،
واللسان ينبغي أن يعبد الله بأن لا ينطق إلا بالحق.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا
دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا
يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ )
صحيح البخاري
فأن تحفظ الرأس وما وعى، الحواس التي أودعها الله في الرأس
ينبغي أن تستحي من الله أن تستخدمها في معصية الله.
( وَالْبَطْنَ وَمَا حوى )
ينبغي ألاّ تأكل طعاما بمال حرام، ينبغي ألا يدخل جوفك إلا طعاماً حلالاً،
( وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا )
{ وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا }
سورة الإسراء
ينبغي أن يدع الترف في الدنيا والمبالغة في المباحات،
هذه لا تتناسب مع إنسان أراد الآخرة،
( فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )
والحياء من صفة المؤمنين، ولا يأتي إلا بخير،
وربما يحجزك عن معصية تسبب هلاك الإنسان.

موسوعة الاسرة المسلمة
--------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ الوآصل المنتدى الرياضي 6 10-12-2009 01:49 AM
اســـــــرار القلــــب..! الســرف المنتدى العام 22 29-09-2008 01:03 AM
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء امـــير زهران منتدى الحوار 4 02-09-2008 03:05 PM
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة رياح نجد المنتدى العام 19 15-08-2008 01:10 PM
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! البرنسيسة المنتدى العام 13 17-08-2007 11:04 PM


الساعة الآن 08:13 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved