منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > منتدى الكتاب

كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


منتدى الكتاب

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
قديم 07-08-2013, 05:54 PM   #3511
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

مفــاهيـــم جـــديـــدة لتـــوبة
إذا سمع أحدنا كلمة التوبة، فهي تعني أن إنسانا عاصيا شاردا يتوب من عصيانه، ويرجع عن غفلته؛ ليصحح مسار حياته بينه وبين الله تعالى، ولكن حين ننظر إلى قول الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقول رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: ((إني لأستغفر الله تعالى وأتوب إليه في اليوم أكثر من مائة مرة)) وغير ذلك من الآيات والأحاديث الداعية إلى عموم التوبة، لتلفت الانتباه إلى أن مفهوم التوبة لا ينحصر فيما يظهر على سطح رؤوسنا، وأن دلالات التوبة أشمل من التوبة من الذنب إلى الطاعة.
إن نداء الله تعالى بملازمة التوبة، وإخبار رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أنه يتوب إلى الله تعالى في اليوم أكثر من مائة مرة يوجب أن تكون التوبة ملازمة للإنسان، وألا يقف حد التوبة إلى النظرة الفردية للتوبة، فإن هناك معاني متعددة متجددة للتوبة، ومن ذلك: السعي الدائم لتطوير النفس والذات، والتوبة من التقصير في أداء الأعمال؛ فإن الله - سبحانه وتعالى- أحب لنا الإحسان في كل شيء.
وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)) أو ما عبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله إجابة لسؤال جبريل -عليه السلام- عن الإحسان، حين قال: ((الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) وهذا يعني كمال الإحسان في الأعمال كلها، وليس في العبادة وحدها، فإن كان الله تعالى يطلب من الإنسان أن يعبده على أكمل وجه، فإن هذا يولد أن يفعل الإنسان الأشياء التي يقوم بها على أكمل وجه، ولعل مما يكمل هذه النظرة حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)).
فعدم إتقان العمل، والتقصير في أدائه يوجب التوبة من التقصير إلى الإحسان، ومن العمل الاعتيادي إلى العمل المتقن، وهذا في كل مجال من مجالات العمل في الحياة.
ولا يشترط في التوبة ترك العمل بالكلية إن كان خطأ، بل ربما يكون البقاء في العمل مع تصحيحه هو التوبة بعينها، ومثال ذلك: التمثيل، فبعض الممثلين يتركون التمثيل بالكلية، وهذا يعني أنهم يتوبون مما كانوا يفعلونه من تمثيل محرم، لما فيه من المحرمات التي لا تخفى على أحد، ولكن ترك الميدان للعابثين فيه ضرر أكبر، فيكون من حسن التوبة أن يبقى الإنسان في عمله، مع تصحيح مساره، وأن تكون التوبة بمقابلة التمثيل النظيف -الذي يهدف إلى بناء المجتمع،
وغرس القيم الحضارية والإسلامية والإنسانية- بالتمثيل الذي يهدف إلى هدم المجتمع، ونشر الرذيلة والفاحشة، وتغيير أخلاق وسلوكيات المجتمع، والسعي لنشر التغريب بشقه السلوكي، الذي لا يتوافق مع روح الإسلام، ولا روح البيئة التي نعيش فيها. هذا فيما يخص الأفراد.
وهناك التوبة الجماعية، وتوبة المؤسسات، وتوبة الدول؛ فقد يكون لبعض المؤسسات نشاط ضار بالمجتمع؛ كتلك المؤسسات التي تقوم بأنشطة محرمة، أو أنشطة غير نافعة، وإن لم تكن حراما، سواء أكانت هذه المؤسسات تقوم بأنشطة محرمة من حيث التعامل بالربا، أو التعامل في بضائع محرمة، أو التعامل في بضائع لا نفع فيها للمجتمع، أو المؤسسات التي تقوم على بث الأفكار الهدامة، والقنوات الفضائية التي تسعى لنشر الإباحية،
مثل برنامج "ستار أكاديمي"، وغيره من البرامج التي لم تكن تعرفها المجتمعات الإسلامية، ولا البيئات العربية المحافظة.
ومن توبة المؤسسات أن تسعى لنشر العدل، وأن تقضي على الفساد الإداري، وأن تلغي التفريق بين العاملين المتساوين في الكفاءة والخبرة إلى أن يكونوا على قدم المساواة، وألا تكون هناك محاباة لرفع درجة أحدهم، لا لشيء إلا لقربه من صاحب القرار، أو تجعل هناك فروقا شاسعة في الرواتب بين العاملين المتساوين في درجاتهم الوظيفية، وأن تكون هناك محاولات دائمة للمراجعة والتقييم،
وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأبي موسى الأشعري: "ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم أن تراجع فيه نفسك؛ فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل".
وهذه القاعدة التي أرساها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تعد أساسا للتوبة بمفاهيم متنوعة ليست محصورة في الرجوع عن المعصية؛ لتشمل الرجوع عن الخطأ والتقصير، والخروج من الأسوأ للسيئ على الأقل، ومن السيئ للحسن، ومن الحسن للأحسن، ويكون التحسين والتجميل والإتقان والإحسان من أهم مظاهر هذه التوبة الجديدة.
ويلحق بتوبة المؤسسات توبة الدول، فيما يخص علاقتها بالمواطنين من حيث الحقوق والواجبات، وترشيد الإنفاق، وإنفاق المال في الأوجه العامة بما يعود بالنفع على أكبر شريحة ممكنة، والمحافظة على حقوق الإنسان، وإتاحة الحريات للمواطنين، وإشاعة الأمن والحفاظ عليه، وإتاحة الفرص لأصحاب المواهب والقيادات أن يقوموا بدورهم تجاه دولتهم، وألا تحصر ولاية الأمر في بعض أفراد دون غيرهم، وأن تقوم سياسة الدولة على المصلحة العامة، لا المصلحة الشخصية، وأن تتحرر الدولة من التبعية لدول أخرى لها مصالح لا تتماشى مع طبيعة الدولة والشعب والهوية والدين،
وأن تكون هي صاحبة قرار، لا أن تنفذ قرارات تملى عليها، وأن تفجر الطاقات الكامنة داخل المجتمع للانتفاع بها، وأن تُوجِد الدولة علاقة دائمة بينها وبين القاعدة الشعبية، وأن يحترم القائمون على الأمر طبيعة الشعب المحكوم؛ من حيث اللغة والدين والبيئة، فلا يفرضوا عليهم أمورا لا تتماشى مع طبيعة الدين واللغة والأعراف.
ومن التوبة للدولة التي تدين بالإسلام ألا تحكم بغير شرع الله تعالى؛ بل يجب أن يكون الشرع حاكما.
واستيراد قوانين تتصادم مع الشرع هو نوع من الخيانة، يجب التوبة منه والرجوع عنه، ولا يتعارض مع هذا أن تستورد الدولة قوانين تتماشى مع مصالح الناس، وتحقق بعض الأهداف الشرعية بوسائل حديثة متجددة، شريطة ألا تصطدم مع أمور شرعية.
ومن توبة الدولة مع الشعب أن تقوم بتوفير الاحتياجات الأساسية التي لا غنى للشعب عنها، وألا تنفق الأموال في أمور قد تكون لها وجاهتها من وجهة نظر الدولة، ولكنها لا تصب في مصلحة الأفراد؛ كالإغداق في الإنفاق على الرياضة والفن، مع ترك الخدمات العامة، وإهمال فقر الناس، وعدم حصولهم على حاجاتهم الأساسية. وغير ذلك مما يختص بعلاقة الدولة بالشعب، وعلاقتها الخارجية بالدول الأخرى، وما في ذلك من مصلحة وضرر.
ويمكن إدخال مفهوم التوبة هذا في كل مجالات الحياة، بمختلف اتجاهاتها وتنوعاتها الثقافية والفكرية والإنتاجية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعلمية والإعلامية وغيرها.
وهناك توبة الملتزمين، أو يمكن أن يطلق عليه توبة الأبرار والمقربين؛ وهي تعني أن يستغفر العبد ربه بعد أداء العمل الصالح ألا يكون أداه على الوجه المطلوب، وأن يكون وجلا ألا يتقبل منه، وقد يفهم هذا النوع من التوبة من قوله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).
ليكون ذلك تطبيقا لقول الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
----------
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-08-2013, 06:20 PM   #3512
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

من أسباب رقه القلب
الخطبة الأولى
أيها الأحبة في الله، إن القلب موضع نظر الربِّ سبحانه، فإن الله تعالى لا ينظر إلى الصور والهيئات، ولا إلى الأجساد والثروات، ولكنه ينظر إلى القلوب والطاعات، قال رسول الله: ((إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) رواه مسلم.
فالقلب موضع نظر الرب - سبحانه وتعالى -، وما ذاك إلا لأنه سيّد الأعضاء كما قال ابن القيم - رحمه الله -: "إن القلب للأعضاء كالملك المتصرف في الجنود التي تصدر كلها عن أمره، فتكتسب منه الاستقامة أو الزيغ، وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله" اهـ.
إذَا القلوب استرسلت في غيها
كانت بليّتها على الأجسام
قال النبي: ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) رواه البخاري.
وسلامة القلب علامة من علامات النجاة يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛ لذلك كان الاهتمام بتصحيح القلب أوّل ما يعتمد عليه السالكون، والنظر في أمراضه وعلاجه أهمّ ما تنسك به الناسكون؛ حتى يلاقوا ربهم به سليما يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
عباد الله، علم إبليس عدوّ الله مكانة القلب، فأجلب عليه بخيله ورجله، وأقبل عليه بالوساوس تارة، وبالشهوات والشبهات تارة أخرى، فزين للنفس من الأحوال والأعمال ما يصدها عن طريق الله المتعال، ونصب من الحبائل والمصائد ما يجعل به العبد عن الله شارد، فتغيرت القلوب وتبدّلت، وانصرفت عن الله وتحولت حتى انقسم الناس إلى: صاحب قلب سليم مقبل على الله ومرضاته، وصاحب قلب مريض يصارع نفسه وشيطانه، وصاحب قلب ميت لا يعرف ربّه ولا يؤدّي حقه ولا يستجيب لداعيه.
إذا قسا القلب لم تنفعه موعظة
كالأرض إن سبخت لم ينفع المطر
أحبتي في الله، إن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، ولزيادة الإيمان ونقصه أثر في القلوب، فكلّما زاد الإيمان أثّر في القلب وزاد في انكساره ورقّته، وكلما نقص الإيمان وانشغلت النفس بالفتن زاد مرض القلب وعلته وزاد بُعده واشتدت قسوته.
نعم أحبّتي في الله، ما رقّ قلبٌ لله -عز وجل- إلا كان صاحبه سابقًا إلى الخيرات، مشمّرًا في الطاعات والمرضاة، وما رق قلب لله إلا وجدتَ صاحبه إذا ذكِّر بالله تذكّر وإذا بصِّر به تبصّر، وما رقّ قلب لله إلا كان أبعد ما يكون عن معاصي الله.
وإن لرقّة القلب علامات، فمن علامات رقة القلب أن لا يفتر صاحبه عن ذكر ربّه، فإن ذِكرَ الله تطمئن به القلوب (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
وفي القلب فاقه لا يسدّها إلا ذكر الله، فيكون صاحبه غنيًا بلا مال، عزيزًا بلا عشيرة، مهيبًا بلا سلطان، قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد، أشكو قسوة قلبي! قال: أذِبه بذكر الله.
ومن علامات رقّة القلب أن يكون صاحبه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا، ووجد فيها راحته ونعيمه وقرّة عينه وسرور قلبه، وسبحان الله! نحن الواحد منا إذا دخل في الصلاة تذكّر أمور دنياه، وما هذا إلا لقسوة في القلب.
ومن علامات رقه القلب أن صاحبه إذا فاته ورده أو طاعة من الطاعات وجد لذلك ألمًا أعظم من تألم الحريص بفوات ماله ودنياه.
ومنها أن صاحبه يخلو بربّه فيتضرع إليه ويدعوه، ويتلذّذ بين يديه - سبحانه -، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (اطلب قلبك في مواطن ثلاثة: عند سماع القرآن، وعند مجالس الذكر، وفي أوقات الخلوة، فإن لم تجده فسَل الله قلبًا، فإنه لا قلب لك).
ولعلنا نسأل أو نتساءل: من أين تأتي رقة القلوب وانكسارها وإنابتها إلى ربها؟ ومن الذي يتفضل عليها بإخباتها؟ إنه الله -سبحانه وتعالى-، فالقلوب بين إصبعين من أصابعه، يقلبها كيف يشاء، كما قال: ((قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الله - عز وجل -، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه)) رواه الطبراني والحاكم وصححه. اللهم يا مثبت القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم ما مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك.
فإذا أرسل الله سبحانه على القلب رحمة فإنها تتغلغل فيه، وتحوّل ذلك القلب من القسوة إلى الرقة، ومن الغفلة إلى اليقظة، ومن البعد عن الله إلى القرب منه - سبحانه -، فبعدما كان العبد جريئًا على التفريط في جنب الله متساهلاً بأوامر الله فإذا به يتغير حاله، وتحسن عاقبته ومآله، يعرف لله حقوقه، وينفر من عصيانه، ويخشى عقابه، ويرجو ثوابه.
أحبتي في الله، إن رقه القلب هي النعمة التي ما وجدت نعمة على الأرض أجل وأعظم منها، وما من قلب يحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعودًا بعذاب الله، قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر: 22] لذلك ما من مؤمن صادق في إيمانه إلا وهو يتفكر: كيف أرقّق قلبي لذكر الله ومحبة الله؟
اعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ لرقه القلب أسبابًا وسبلاً، أولها الإيمان بالله، فما رقّ قلب بسبب أعظم من الإيمان بالله، ولا عرف عبد ربه بأسمائه وصفاته إلا رقّ قلبه وصفت سريرته، فلا تأتيه الآية من الله والحديث عن رسول الله إلا قال بلسان حاله ومقاله: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
ومن أسباب رقه القلب النظر والتدبر في كتاب الله وآياته، قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24].
فالمؤمن المتدبر لآيات الله هو أرق الناس قلبا وأنقاهم نفسًا، وما قرأ العبد هذه الآيات متفكرًا متدبرًا إلا والعَين تدمع والقلب يخشع والنفس تخضع، وإذا بأرض هذا القلب تنقلب خصبة غضّة طرية، تنبت في النفس السكينة والخضوع لله رب العالمين، (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر: 23].
إن هذا القرآن موعظة رب العالمين وكلام إله الأولين والآخرين، فما قرأه عبد يرجو الهداية إلا وتيسرت له أسبابها واتضحت له طرائقها. هذا القرآن الذي حوّل قلوب الصحابة من الظلمة إلى الإشراق ومن الغلظة إلى الرقة، فها هو عمر بن الخطاب يسمع آيات من سورة طه فتملأ قلبه القاسي رقة وخشية،
وها هو الطفيل بن عمرو الدوسي يسمع آيات من الذكر الحكيم فيسارع إلى هذا الدين مؤمنًا مستجيبًا لأوامره داعيًا قومه إليه، وهذا أسيد بن الحضير جاء ليمنع مصعب من الدعوة في المدينة فيشير عليه مصعب بسماع بعض الآيات، فما هي إلا آيات تتلى وإذا بها تسري إلى القلب سريان النور في الظلماء، حتى يسلم أسيد ويتحول من محارب للإسلام إلى داع إليه؛ لذلك ما أدمن عبد تلاوة القرآن إلا رق قلبه من خشية الله.
ومن الأسباب المعينة على رقة القلب تذكّر الآخرة وأهوالها والجنة ونعيمها والنار وجحيمها، أعاذنا الله وإياكم من النار، أن يتذكر العبد أنه إلى الله صائر، وأنه ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار. فإذا تذكر الإنسان أن الحياة زائلة وأن المتاع فان فإنه حينئذ يحتقر الدنيا، ويقبل على ربها، عندئذ يرق قلبه وتخشع جوارحه.
إن انشغال النفس بالدنيا ومتاعها لمن أكبر أسباب قسوة القلب، فهي التي تجعل العبد ينشغل بالمظهر عن الجوهر وبالمبنى دون تحقيق المعنى، ويصبح اللهو سمة له؛ لذا كان التفكر في اليوم الآخر كالحادي الذي يسوق النفوس إلى ربها، ويرقق القلوب بعد قسوتها واغترابها، ويردعها عن غيها، وذلك لأن يوم القيامة هو يوم الحسرة، وما أدراك ما يوم الحسرة؟! إنه يوم خوّف الله به، وتهدّد وأنذر به وتوعد، قال تعالى: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [مريم: 39] وأي حسرة أعظم من فوات رضوان الله وجنته واستحقاق النار أعاذنا الله من النار؟!
يوم القيامة لا يتذكر العبد نعيمًا تنعم به في الدنيا ولا شقاء أصابه في الدنيا، قال رسول الله: ((يؤتى بأنعم أهل الأرض، فيغمس في النار غمسة، فيقال: هل رأيت نعيمًا قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشقى أهل الأرض، فيغمس في الجنة غمسة، فيقال: هل رأيت بؤسًا قط؟ فيقول: لا والله يا رب)) رواه مسلم.
ذلك اليوم العظيم المهيب الذي تشخص فيه الأبصار، ويشيب فيه الولدان (يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ) [المزمل: 17]. الولد الذي لا ذنب له ورفع عنه القلم يشيب من هوله، فما بالنا بمن اسودّت من الذنوب صحائفه. ذلك اليوم العبوس القمطرير الذي تذهل فيه المرضعات عن الرضيع، ويتمايل الناس سكرى وما بهم سكر، ولكنه الخوف من عذاب الله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 1، 2].
وذلك يوم يكون الناس كالجراد المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش. يوم تتطاير الصحف، ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ) [الحاقة: 19- 29].
يوم يقال لآدم: يا آدم أخرج بعث النار، فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة. رواه البخاري.
يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الرؤوس حتى تكون قدر ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم من العرق. (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) هذا اليوم لا ينجو فيه إلا أصحاب القلوب السليمة، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88، 89].
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يظلنا بظله يوم لا ظل إلا ظله، وأن يؤمننا يوم الفزع الأكبر، وأن يدخلنا الجنة بغير حساب ولا سابق عذاب، وأن يرقق قلوبنا ويصلح أحوالنا، إنه هو البر الرحيم.
------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-08-2013, 06:40 PM   #3513
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

فيــــــــض مـــــن الرحمــــــات
" ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً " [النساء: 147]انسابت كلمات هذه الآية إلى مسمعي بهدوءٍ لا يُضاهى .. وكأنني أسمعها لأول مرة ..فأدمعت عيني وأيقظت في قلبي نبضاً اشتقتُ له ..وجلستُ أتأمل معناها.. يا الله! .. ما أرحمك بنا!:( جعل الله الرحمة مائة جزء، أنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه )) حديث صحيح(( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ))حديث صحيح(( إن رحمتي تغلب غضبي ))حديث قدسي صحيح(( فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَـٰفِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرحِمِينَ )) [يوسف:64](( وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِنَا يُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلامّىَّ ))[الأعراف:156، 157](( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ )) [الزخرف:22]ورحمة ربك خير مما يجمعون .. كم مرة يسّر لنا الله عز وجل طاعة ً ؟
وكم مرة عسّر علينا معصية وأبعدها عنا ؟ كم مرة كان بيننا وبين الموت بضعة شعيرات فأنجانا برحمته ؟ كم مرة ابتُلينا بكربٍ عظيم لم نعلم الحكمة منه إلا بعد سنوات ؟ كم مرة يسّر الله عز وجل لنا سبُلاً لأمور ٍ كنا نشعر أنه يستحيل علينا تحقيقها فأتانا التيسير من حيث لم نحتسب ..؟
كم مرة سمعنا أو قرأنا عن قصة رجل أخّره نومه عن موعد الطائرة فغادرت المطار قبل أن يصل.. فحزن لذلك واشتد همّه فإذا به عند المساء يسمع خبر سقوط تلك الطائرة التي كان سيستقلها ؟كم مرة سمعنا قصصاً مشابهة لتلك القصة التي تتجلى فيها رحمة الله جل في علاه ، ولطفه بنا ..؟
كم مرة سمعنا عن خطبة شابٍ وفتاة انتهت لسببٍ مفاجئ لم يفهم كلا الطرفين مغزاه إلا بعد فترة من الزمن .. فحمدا الله أن أنهى أمرهما وأبدلهما خيراً وإلا كانت حياتهما ستصبح بحراً متلاطم الأمواج ..؟:
فالحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.. الحمد لله على نعمة الرحمة التي يغمرنا بها جل في علاه.. فيضٌ من الرحمة واللهِ نعيش فيه يا أخواتي .. فهلا استشعرنا هذه الرحمات التي تحيط بنا وشكرنا هذه النعمة ؟ والكون كله يشهد بذلك..
فمن رحمة الله عز وجل بنا أننا لا نرى الجراثيم والبكتيريا وإلا لأصبحت حياتنا لا تُطاق .. ومن رحمة الله عز وجل بنا أننا لا نسمع الأصوات العالية جداً والتي يبلغ ارتفاعها : 16000 هرتز.. وإلا لتسبب ذاك الارتفاع لآذاننا بفقدان السمع .. ومن رحمة الله بنا أن لم يجعل كل أعمال المؤمن تنقطع بعد وفاته.. بل جعل الدعاء والصدقة تصلان ميزان حسناته.. فتكون له رحمة من الله جل في علاه.. وبنفس الوقت تكون سلواناً لمن فارقه من أهله وأحبابه.. تثلج صدورهم وتشعرهم بشيء من الاطمئنان على من فارقوا ..من رحمة الله عز وجل أنه يرسل لنا رسائل بسيطة المبنى عظيمة المعنى .. تهز كياننا وتغيّر مجرى حياتنا من الخطأ إلى الصواب وتوقظ نفوسنا الغافلة ..فمن تلك الرسائل :
موت قريب أو صديق .. حادث .. خبر مؤثر .. كلمة نسمعها في محاضرة.. والكثير الكثير من الرسائل الربانية التي تصلنا فتحدث نقلة نوعية في حياتنا..حتى همومنا وجراحنا ما هي إلا هدايا القدر .. أرسلها لنا الله عز وجل لكي تكون كفارة ً لذنوبنا في الدنيا.. ولـولا الـهــدى ربنــا واليقـيـن ........ لضاعت زهــور الجـراح سـدىجــراحـي ومــاذا تكـون الجـراح ....... أليسـت جراحي هدايـا القـدر؟إذا ما ارتضيـت يــطيــر الجنــاح ...... يـكحــل بالنــور عـيـن القمــرلك الحمد في الليل حتى الصباح ... لك الحمد في الصبح حتى السحرجراحــي وما لي جراح ســوى ...... ذنـوبـي فكيـف أداوي الـذنـوب؟لو تأمل كلّ منا ما حوله لوجد رحمة الله عز وجل تحيط به من كل جانب.. سبحان من أجرى لهاجر زمزما بين الرمال القاحلة.. سبحان من ساق الهداية لأهل سبأ من خلال هدهد ..سبحان الرحمن الرحيم ..::في امان الله
--------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-08-2013, 12:06 PM   #3514
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

كل عام وجميع الاحبة في الله بخير
عساكم من عوادة ان شاء الله
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-2013, 12:17 AM   #3515
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الا اكون عبدا شكورا
مايهم اني اعيد ثاني عيد على التوالي في المستشفى اهم شي ان يكون الله سبحانة راضي عني اهم شي ان الله سبحانة يحبني اهم شي اني احمد الله على كل حال اهم شي اني اخاف الله واحبة واحب رسولة صل الله علية وسلم المؤمن مبتلى والحمد لله على فضلة وكرمة علية انا الفقير اليه سبحانة ما يهمني اني لا اعيد حتى مع والدية اسال الله ان يمد في اعمارهم ويجزيهم عني خير الجزاء واسال الله لهم الجنة والعتق من النار وما يهم اني لم اعيد مع اولادي واهل بيتي المهم ان اكون عبدا شكورا لله سبحانة الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانة عدد خلقة وزنة عرشة ومداد كلماتة سبحانك ربي ما ارحمك

وما الطفك ربي لاله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين والحمدلله رب العالمين وصل الله على افضل الانبياء والمرسلين وعلى اله وصحبة وسلم
وكل عام واحبتي في الله بخير وكل من يحبونهم اللهم امين
ابو عبدالله
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-2013, 01:17 AM   #3516
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

تغييـــــر نبـــــوي




محمد رسول الله
أعمق تغيير في التاريخ كان سلميًّا وهادئاً، ولكنه حاسم وعميق.. غيَّر النبي صلى الله عليه وسلم المعتقدات والسلوك والعادات الاجتماعية بالإقناع والرفق والرحمة واللين، واستخدم القوة في أضيق نطاق.
ثلاث عشرة سنة في مكة كانت مرحلة استضعاف. معركة بدر كانت من غير ترتيب. معركة أحد كانت دفاعاً. الأحزاب كانت دفاعاً. صلح الحديبية كان ميثاقاً ظنه بعض المسلمين دنيَّة في دينهم. فتح مكة لم يُرَق فيه إلا القليل من الدماء، وتم إعلان "اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ". أنصف المظلومين، وحرر العبيد، ورفع قيمة الإنسان، وكرَّم المرأة. أزال أبهة المتنفذين والمستبدين بأقل الخسائر.
تعجب كيف قضى النبي صلى الله عليه وسلم على عادات الثأر في الجاهلية العربية. وكيف بنى العقلية الواعية المنعتقة من التقليد والتبعية، ومن الكهانة والعرافة والخط والرمل. وكيف بنى الحواجز النفسية في عقول أتباعه ضد كل ما هو جاهلي؛ "تبرج الجاهلية"، "حمية الجاهلية"، "حكم الجاهلية"، "فخر الجاهلية"، "عصبية الجاهلية". حتى قال لأبي ذر: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ".
لم يهادن الوثنية طرفة عين مهما كانت التضحيات، وسعى لهدمها في عقول الناس ومشاعرهم، وبناء التوحيد، ولكنه دخل مكة في عمرة القضاء وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فلم يهدمها؛ لأن إعادة بنائها سهل وبطريقة أفضل لدى من لا يزالون يؤمنون بها، ويملكون فعل ذلك،
ولم يهدمها حتى فتح مكة، ودانت له الأرض ومن عليها، وصنع القناعة الراسخة ببطلانها لدى القاعدة العريضة من الناس حتى قال قائلهم: "لو كانت تغني شيئاً ماخذلتنا".
يظهر صبره صلى الله عليه وسلم في التعايش مع الوثنيين بمكة، واستنفاد كافة الوسائل في مصابرتهم وسعة الصدر عليهم مع صدودهم وأذاهم وعدوانهم عليه وعلى أصحابه من الرجال والنساء. ثم في المدينة حيث ساكن اليهود والوثنيين من الأوس والخزرج والمنافقين وضعفاء الإيمان الذين ظلوا موجودين إلى آخر حياته، فقد نزلت سورة الحجرات سنة تسع وفيها التحذير من سوء الأدب معه ورفع الصوت ومن التنابز بالألقاب والسخرية وسوء الظن وختمت بقوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[الحجرات:14].
ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي على طعام اشتراه لأهله، لقد كان الشراء بالنسبة له خيراً، والبيع بالنسبة لليهودي خيراً، وهذا أساس التعايش أن تدرك أن مصلحتك ربما تكون هي مصلحة الآخرين أيضاً والعكس صحيح. كان درساً عمليًّا للأجيال أن تكون المدينة النبوية عاصمة الإسلام الأولى حافلة بهذا التنوع؛ ليتعلم الناس أسلوب الداعية العظيم في التعامل مع مساكنيه ومواطنيه من غير أهل ملته.
الحكم الإسلامي عبر العصور حفظ الطوائف والمذاهب المختلفة ضمن نسيجه الاجتماعي، ولم يفرض عليهم تغيير مذاهبهم، وإن كان يجادلهم بالتي هي أحسن. حين يتهتك هذا النسيج بسبب صدامات تغذيها السياسة، وتحفز عليها الجهالة، ويضريها التعصب وضيق الأفق تقع المصادمات بين الجيران، وينسى الناس الوصية النبوية بحسن الجوار حتى مع الخصوم، وقد حكت لنا السنّة عن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع جاره اليهودي. عند الصدام يتراجع مستوى الوعي والعقل، ويهرع الناس إلى سوء الظن بالآخر والاستعداد لأسوأ الاحتمالات، ويعودون للوعي الأولي البدائي. العقلاء يدركون أن هذا الأمر طارئ وقابل للتراجع حين تضع الحروب أوزارها، ويفكر الناس بالمصالح المشتركة والعيش والمساكنة. ولهذا مدح عمرو بن العاص الروم بأنهم "أسرع الناس إفاقة بعد مصيبة".
هو هنا يتحدث عن صفة في العقل الجمعي لهم، وأنهم يتجاوزون فترات التوتر والحرب والاحتقان إلى ميدان الحوار والبحث عن المشترك، وهذا ما شاهدناه في أوروبا بعد الحربين العالميتين حيث اتجهت شعوبها إلى العولمة والاتحاد في السوق الأوروبية، ثم في الاتحاد الأوروبي بمؤسساته الضخمة. بينما تظل بعض القبائل العربية بسبب عادة الثأر محتفظة بعداوتها القديمة تلقنها لأجيالها الشابة، وتعيد إنتاج قصصها وأشعارها وكأنها حدثت البارحة. وقد يأخذ هذا الاحتقان طابعاً مذهبياً أو صفة حزبية، فيقحم الناس المذهب أو الانتماء السياسي أو الفكري في علاقاتهم، وتجد هذا لدى الإسلامي والعلماني مما يدل على أن الفكر لم يفلح في تهذيب هذه النزعة، ولكنه وجهها ذات اليمين أو ذات الشمال.
د. سلمان بن فهد العودة
----------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-2013, 01:51 AM   #3517
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الـــــــــــديـــــــن والحيـــــــــــــاة



في غمرة الصراع بين المعسكرين الإسلامي والعلماني الذي تشهده دول "الربيع العربي"، برزت أصوات نشاز تطالب بإخضاع الدين لواقع الحياة ومستنقعها، وهذا مطلب فاسد؛ لأن الدين يجب أن يحكم الحياة وينظم شئونها لا أن تحكمه، وأن يخضعها لـمُـثُـله ومبادئه وأخلاقياته لا أن تُخضعه لمعطياتها وصراعاتها.
وعلى حين أخذت المجتمعات الأخرى الراكدة، التي طالما تتلمذت على المجتمع الإسلامي، والثـقافة الإسلاميّـة، تستيقظ وتنهض وتتطوّر،
ثم تنمو وتـتقدّم، ثم تزحف غازية مستعمرة، والمسلمون في غمرة ساهون، نرى أن بعض أبناء المجتمع الإسلامي يحاولون إخضاع ما من شأنه الثبات والدوام والاستقرار للتطـوّر والتغيّـر، في محاولة يائسة لخلع الأمة من دينها، وعزلها عن تراثها كله، باسم "التطوّر" يريدون أن يفتحوا الباب للإلحاد في العقيدة، والانسلاخ من الشريعة، والتحلل من الفضيلة.
إن هناك حاجة ماسة إلى وجود تصورٍ ثابتٍ للمقوِّمات والقيم، يتمثّـل في ضبط الحركة البشريّـة، والتطوّرات الحيويّـة، فلا تمشي شاردةً على غير هدى، كما وقع في الحياة الماديّـة البحتة عندما أفلتـت من عروة العقيدة.. فانـتهت إلى نهاية بائسة ذات بريـق خادع، يُخفي في طيّـاته الشقوة والحيرة والنكسة والارتكاس.
الدين هو الميزان الثابـت الذي يرجع إليه "الإنسان" بكل ما يعرض له من مشاعر وأفكارٍ وتصورات، وبكل ما يجد في حياته من ملابسات وظروف وارتباطات.. فيزنها بهذا الميزان الثابت، ليرى قربها أو بعدها من الحق والصواب، ومن ثم يظل دائماً في الدائرة المأمونة، ولا يشرد في التّـيه، الذي لا دليل عليه من نجم ثاقب، ولا من معالم هاديـة في الطريق.
وبين الثبات والخلـود، والمرونة والتطوّر، تتراوح الشريعة، حيث يتمثل الثبات في العقائد الأساسيّـة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وفي الأركان من الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت.. وفي المُحرَّمات اليقينيّـة، من السِّـحر، وقتل النفس، والزنا، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، والتولِّي يوم الزحف، والسرقة، والغيـبة، والنميمة..
مما ثبت بقطعيِّ القرآن والسُّنة.. وفي أمهات الفضائل من الصدق، والأمانة، والعـفة، والصبر، والوفاء بالعهد، والحياء.. وغيرها من مكارم الأخلاق التي اعتبرها "الدّيـن القيّم" من شُعب الإيمان. وفي شرائع الإسلام القطعيّـة في شئون الزواج، والطلاق، والميراث والحدود، والقصاص.. ونحوها من نظم الإسلام التي تـثبت بنصوص قطعيّـة الثبوت قطعيّـة الدلالة، فهذه أمورٌ ثابـتة، ونجد في مقابل ذلك القسم الآخر الذي تتمثـل فيه المرونة، وهو ما يتعلق بجزئيّـات الأحكام وفروعها، وخصوصاً في مجال السياسة الشرعيّة.
ابن القيِّـم: يقسم الأحكام إلى نوعين: نوع لا يتغيّـر عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرّمات، والحدود المقـدّرة بالشرع على الجرائم.. ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيـيرٌ ولا اجتهادٌ يخالف ما وُضع عليه.
والنوع الثاني: ما يتغيّـر بحسب اقتضاء المصلحة له، زماناً ومكاناً، وحالاً كمقادير التعزيرات وأجناسها، وصفاتها؛ فإن الشارع ينوِّع فيها بحسب المصلحة. وضرب لذلك عدة أمثلة من سُنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسُنة خلفائه الراشدين المهديِّـين من بعده، ثم قال: وهذا بابٌ واسع، اشتبه فيه على كثير من الناس الأحكام الثابـتة اللازمة التي لا تتغيّـر بالتعزيرات التابعة للمصالح وجوداً وعدماً. وتصوِّر لنا الثبات والمرونة في هدي القرآن الكريم.. ويتمثـل الثبات في مثل قول الله تعالى في وصف المؤمنين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى:38]، وفي قوله جل شأنه لرسوله صلى الله عليه وسلم:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران:159]، فلا يجوز لحاكم، ولا لمجتمع أن يُلغي الشورى من حياته السياسيّـة والاجتماعيّـة، ولا يحل لسلطان أن يقود الناس رغم أنوفهم إلى ما يكرهون، بالتسلِّط والجبروت.
وتـتمثّـل المرونة، في عدم تحديد شكل معيّـن للشورى، يلتزم به الناس في كل زمان ومكان، فيتضرر المجتمع بهذا التـقليد الأبدي، إذا تغيّـرت الظروف بتغيّـر البيئات أو الأمصار أو الأحوال.
إن المجتمع الإسلامي إذا اتخذ الثبات المطلق مبدأً له في كل الأمور: الدينيّـة والدنيويّـة.. المعنويّـة والماديّـة.. الكليّـة والجزئيّـة.. الأصليّـة والفرعيّـة.. وثبتَ على الوسائل ثباته على الأهداف، تجمّـدت الحياة وتحجّـرت، ولم يستفد الناس من الملاحظة والتجربة التي هي أساس العلم الكوني، وهي أمر واقعي حتمي في حياتهم.. وهذا ضد قوانين الكون، وضد قوانين الفطرة. كما أنه لو اتخذ المرونة مبدأ له، وشعاراً لحياته، لتطوّر على طول الزمن إلى مجتمع بلا قيم ولا ضوابط، وأفلت زمامُه من التصوّر الإسلامي.. أو يصبح التصوّر الإسلامي خاضعاً لظروفه، وتابعاً لحياته.. يستقيم إذا استقامت، وينحرف إذا انحرفت.
إن نعمة الله عظيمة على المجتمع الإسلامي الذي حفظ له الإسلام توازنه بين الثبات والتطوّر.. حين ننظر إلى مجتمعات أخرى - كالمجتمعات الغربيّـة اليوم - كيف فتحت الباب على مصراعيه للتطوّر المطلق في كل شيء، فلم يبق في حياتها شيءٌ ثابت تستـند إليه، وترتكز عليه، فلا عقيدة، ولا فضيلة، ولا تشريع، ولا أي قيمة من القيم العليا التي ورثتها الإنسانيّـة من كتب السماء، وتعلمتها على أيدي الهداة من رسل الله وورثـتهم بحق.
وكانت ثمرة هذا التطرّف اضطراب الحياة كلها: من قلق نفسي.. إلى تخبّط فكري.. إلى تحلّل خلقي.. إلى تفسّخ أسري.. إلى تفكّك اجتماعي. وقد قابل هذا التطرّف تطرف مضادٌ، يتمثّـل في أولئك الشباب الذين رفضوا تطـوّر مجتمعهم إلى ما صار إليه من ماديّـة فاختاروا حياة غريبةً شاذةً.. هي حياة "الهيبيّين" ومن على شاكلتهم، وفي ذلك خطر مُحدق.. حين نجمد ما من شأنه التغيّـر والتطـوّر والحركة، فتصاب الحياة بالعقم والجمود، وتصبح كالماء الراكد الآسن الذي يجعله الركود مرتعاً للجراثيم والميكروبات. وهذا ما حدث في عصور الانحطاط والشـرود عن هـدي الإسـلام الصحيح، فرأينا كيف توقف الاجتهاد في الفقه، وتوقف الإبـداع في العلم، وتوقفت الأصالة في الأدب، وتوقف الابتكار في الصناعة، وتوقف الإعداد فيما يتطلّـبه الدفاع عن الدّين.. وضربت الحياة بالخمود والتقليد في كل شيء.
د.سعد المرصفي
-------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-2013, 02:13 AM   #3518
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

شبــــــاب آخـــــــر زمـــــــــــن




شباب آخر زمن
هذا العنوان اخترته قبل أكثر من عشر سنوات لمحاضرة ألقيتها على الشباب في نشاط صيفي، وقبل البدء وزعت أوراقاً على الجمهور ليكتبوا توقعاتهم عن دلالة العنوان؛ فجاء معظمها عن (شباب المخدرات) (شباب التقليعات) وهكذا، ثم اخترت العنوان نفسه لمحاضرة ألقيتها في إحدى الجامعات، وكررت السؤال وتكرر الجواب، وها أنا ذا اليوم أكرر العنوان نفسه.
في المرة الأولى تحدثت عن شباب المقاومة والانتفاضة في فلسطين، وقدمت نماذج منهم في العشرينات والثلاثينات من العمر؛ لكنهم قدموا أرواحهم في سبيل الله وأرعبوا العدو الصهيوني حتى صار يعد قتل الواحد منهم نصراً عسكرياً وإنجازاً استخبارياً من الطراز الأول.
وفي المرة الثانية تحدثت عن شباب التطوع والخدمة في أعمالهم المتنوعة لمساعدة المحتاجين وإغاثة المنكوبين والمحافظة على البيئة وحملات التوعية ونحو ذلك.
ففي كل مرة كنت أحرص على أن أقدم صورة إيجابية عملية شواهدها حية وأمثلتها قوية، وذلك لأنني مؤمن بأن في شبابنا خيرًا كثيرًا، وأن في داخله طاقة حيوية، وفي نفسه مشاعر خيرية، وفي فكره آراء ورؤى إيجابية، وأن المشكلة تكمن في أنه ليست هناك قنوات تستوعب الطاقة وتستثمر الحيوية وتوجه الفكر وتحول هذا الشباب إلى قوة دافعة منتجة.
أمتنا شابة، ونسبة الشباب في مجتمعاتنا هي الأكبر عالمياً، واليوم جلّ شبابنا متعلمون، ومع الانفتاح الإعلامي والثورة المعلوماتية صار أكثرهم مطلعين وجلّهم واعين، ورؤيتهم للواقع فيها طموح للأفضل ورغبة في التغيير والإصلاح، وعند مقارنتهم لواقع دولهم ومجتمعاتهم مع دول ومجتمعات أخرى أقل في الموارد والثروات وليس لديها
ما في الإسلام من شرائع محكمة، وأخلاق فاضلة، ومنهجية متكاملة؛ ومع ذلك يرون تلك الدول متفوقة علمياً، ومنتجة صناعياً، ومتقدمة اقتصادياً، وهنا نجد الاتجاهات مختلفة؛ ففئة تستسلم لليأس والإحباط، وقلة تهوي مع الملهيات والمخدرات، وجموع أخرى تتحرك لمزيد من التعليم والتأهيل والتطوير والتغيير.
وشباب اليوم – كما رأينا في الأحداث – هم شباب الثورة والانتصار،
وهنا أسجل معالم جديدة لشباب آخر زمن .
إنهم شباب التقنية والتواصل في الفيس بوك والتويتر واليوتيوب والبلاك بيري .
إنهم شباب التعليم والتدريب من خريجي الجامعات والحاصلين على الشهادات والمنخرطين في الدورات .
إنهم شباب الوحدة الوطنية الذي يوحّد ولا يفرّق ، ويأتلف ولا يختلف .
إنهم شباب المدينة والحضارة الذي يحافظ على المرافق العامة وينظف الشوارع ويمارس السلوك الحضاري .
إنهم شباب السلم الاجتماعي الذي يرفض العنف ويمتنع عن التخريب ويتقن فن الحصول على الحقوق بإيجابية وحيوية وقوة وقدرة دون حاجة للمواجهة والعنف .
إنهم شباب الوعي السياسي الذي قدم نموذجاً في الفهم والتحليل وأسس بناء الدولة الحديثة .
إنهم شباب واعد لديه كثير مما يمكن أن يقدمه ويسهم به في خدمة مجتمعه ونهضة أمته .
وهناك قلق لمسته لدى بعض الغيورين أنهم يريدون لهذا الشباب صبغة دينية لها في أذهانهم صورة معينة، وأنا لست قلقاً بشكل كبير، ولا شك أنني محب وحريص على تدين شبابنا، ولكنني أقول إن تدينهم فطري، وإن كثيرين منهم ملتزمون بالفرائض ولديهم عاطفة إيمانية ورؤى إسلامية، ولا ننسى أن إسهامهم التقني والعلمي والعملي ودفعهم لعجلة الحياة المدنية هو إسلام؛ فالإسلام هو الحياة، فتحية لشبابنا.
وآمل أن يقولوا لنا: " اللهم اجعلنا خيراً مما يظنون واغفر لنا وما لا يعلمون "، وأنا أتمنى أن يكونوا أعلى من قول القائلين ومدح المادحين، وأن يترجموا قول الشاعر:
قد نهضنا للمعالي ومضى عنا الجمود
ورسمنا خطى للعز والنصر تقود
وأن يجسدوا الصورة المتمثلة في قول الشاعر:
على قدر أهل العزمِ تأتي العزائمُ
وتأتي على قدر الكرامِ المكارمُ
وأخيراً أهديهم قول إقبال:
همُمُ الأحرار تحيي الرِّمَما
نفخةُ الأبرار تُحيِي الأُمَمَا
------------
للفايدة





الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-2013, 03:07 AM   #3519
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

يـــا ليتنـــي قـــدمــــت لحيــاتـــــي



حياة المسلم ليست هي الأيام والأعوام التي يعيشها، بل هي الأعمال والآثار التي يتركها {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12].
فأيُّ أثرٍ تريد أن تتركه؟!
وأي عمل تريد أن تقدِّمه لنفسك، وتثقل به ميزانك يوم تخف الموازين؟!
حياتنا الحقيقية هي أن نشعر بالأحياء من حولنا {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
فنحن بحاجة لترقية معاني الإنسانية في أنفسنا؛ لتفيض رحمة وتنساب رأفة وتتدفق مواساة بإغاثة ملهوف وكفالة يتيم وكفاية أرملة وإطعام جائع وتعليم جاهل وإكرام حفاظ القرآن الكريم وإجلال طلبة العلم.
ولننظر إلى الحياة برؤية التنمية والإعمار بحفر الآبار، وبناء المساجد، وتشييد المدارس، وإقامة المعاهد.
كم نحن بحاجة لتلبية نداء الأخوة الإيمانية باقتحام عقبة الأنانية {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 11-17].
هل ترغب في اقتحام العقبة؟ ألا تحب أن تكون من ذوي المرحمة؟
الثمرة لا توصف.. الجنة.. بل مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ألا تعرف ثواب كفالة اليتيم؟! ألا تعرف قصة البغيّ التي سقت كلبًا فدخلت الجنة؟! فكيف لو سقيتَ إنسانًا؟!
الجمعيات الخيرية تفتح لك الأبواب.. تمهِّد لك الطريق.. تسهِّل لك الوصول.. اختر الخير الذي تريد ودَعِ الباقي عليهم، فهم سيرشدونك إلى الطريق الذي تسلك، والباب الذي تطرق، فهذه الجمعيات تأسست من أجل دلالتك على الخير.
لا تدع الفرصة تفوتك، وقدِّم لنفسك خيرًا {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20].
--------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-2013, 03:44 AM   #3520
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
اخى العزيز:
إن قصتي معك اليوم قصة بطل من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، هو المُثنَّى بن حارثة -رضي الله عنه-، أسلم سنة تسع، وقيل: سنة عشر، وقيل: أسلم قديمًا.
وكان موصوفًا بالشهامة والشجاعة وحُسن الرأي.
- سمَّاه عمر -رضي الله عنه-: "مؤمر نفسه"؛ لأن ديار قومه كانت قريبة من الإمبراطورية الفارسية، فكان يُغِير بقومه على سواد العراق -أي: قُراها-، وكانت أخباره الطيبة تأتي المدينة زمن أبي بكر -رضي الله عنه-، فيقول: "من هذا الذي تأتينا وقائعه -معاركه- قبل معرفة نسبه؟!".
- ثم إنه قدِم المدينة، وقال لأبي بكر -رضي الله عنه-: "يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ابعثني على قومي؛ فإن فيهم إسلامًا أقاتل بهم أهل فارس"، ففعل أبو بكر -رضي الله عنه-.
- فرجع إلى قومه يقاتل بهم الفرس، ولما أرسل أبو بكر خالدًا -رضي الله عنه- إلى العراق أميرًا للجهاد انضم إليه المثنى بقومه، وما كان منه إلا السمع والطاعة.
- ولما طلب أبو بكر من خالد أن يذهب مددًا للمجاهدين بالشام استناب خالدٌ المثنى على الجيش.
من أيامه البيضاء -رضي الله عنه-:
وللمثنى -رضي الله عنه- أيام بيضاء كثيرة بأرض العراق، نذكر منها: "يوم البُوَيْب"، وكان من خبر هذا اليوم أن الفرس أرسلوا جيشًا كثيفًا بقيادة "مِهران"؛ ليأخذوا بثأر "يوم الجسر" الذي قتل فيه منهم مقتلة عظيمة.
- فاجتمعوا عند مكان يقال له: "البُوَيْب"، يفصل بينهم وبين المسلمين نهر الفرات، فقال الفرس للمسلمين: "إما أن تعبروا إلينا، وإما أن نعبر إليكم".
قال المسلمون: بل اعبروا إلينا. فعبرت الفرس.
اختىَّ الفاضلة:

لقد كان هذا اليوم يومًا مباركًا مِن أيام شهر رمضان، فعبَّى المثنى جيشه جيدًا، وعزم عليهم بالفطر، ليكون أقوى على القتال؛ ففعلوا، وحضهم على الجهاد والصبر، وقال: إني مُكَبِّرٌ ثلاثَ تكبيرات، فتهيئوا، فإذا كبّرتُ الرابعة فاحملوا -أي: اهجموا على العدو-. فقالوا: السمع والطاعة.
فلما كبَّر التكبيرة الأولى عاجلتهم الفرس، وحملوا عليهم حتى غالقوهم -أي: أحدثوا بينهم اضطرابًا-، واقتتل الطرفان اقتتالاً شديدًا، وجعل المثنى يقول: "يا معشر المسلمين، عاداتكم.. انصروا الله ينصركم". فجعل المسلمون يدعون الله بالنصر والظفر.
- استمر القتال.. ولما طالت مدة الحرب جمع المثنى جماعة من أصحابه الأبطال، وطلب منهم أن يحموا ظهره، وحمل على "مِهران" قائد الفرس، فأزاله عن موضعه حتى دخل في ميمنة جيشه، وحمل عليه المنذر بن حسان فطعنه، ثم قام جرير بن عبد الله بحَزِّ رأسه -أي: قطعها-، -رضي الله عنهم جميعًا-.
- لقد قتلوا قائد الفرس.. يا له من عمل رائع!
- فلما رأت الفرسُ مصرعَ قائدها هربت، وتبعهم المسلمون يفصلون رؤوسهم عن أكتافهم فصلاً.
- وسبق المثنى البطلُ الشجاعُ إلى الجسر؛ ليمنعهم من العبور، وليتمكن منهم المسلمون، فمكنهم الله -تعالى-، وقتلوا من الفرس قريبًا مِن مائة ألف -ولله الحمد والمنة-!
ولدي الحبيب:
هذا يوم كريم من أيام المثنى -رضي الله عنه-، التي نصره الله -عز وجل- فيها على عُبَّاد النار، نتعلم منه:
1- نحمد الله -تعالى- على أن جعلنا مسلمين؛ فإنها أعظم نعمة، قال مجاهد -رحمه الله-: "لا أدري أي النعمتين عليَّ أعظم، أن هداني للإسلام أو عافاني من هذه الأهواء".
2- التحلي بمكارم الأخلاق التي كان عليها رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، حيث مدحه الله -تعالى- بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4).
3- المسارعة إلى الخير متى علم العبدُ به.
4- الرجوع إلى أهل العلم الربانيين لا سيما في أوقات الفتن.
5- التواضع، والمُهم الأكبر هو نُصرة دين الله -تعالى-، والدعوة إليه لا إلى أنفسنا، قال -صلى الله عليه وسلم-: (طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِى الْحِرَاسَةِ كَانَ فِى الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِى السَّاقَةِ كَانَ فِى السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ) (رواه البخاري).
6- ما أجمل خُلُق الإقدام والشجاعة في موضعه، وأجمل منه خُلُق الإحجام في موضعه؛ لأن هذا لا يعرفه إلا أهل العلم.
7- أعظم الغزوات هي التي يُقتل فيها قائد الأعداء، كما قال ابن كثير -رحمه الله- عند قوله -تعالى-: (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) (البقرة:251): "فيه دلالة على شجاعة داود -عليه السلام-، وأنه قتله قتلاً أذل به جنده، وكسر جيشه، ولا أعظم من غزوة يُقتل فيها ملك عدوه، فيُغنم بسبب ذلك الأموال الجزيلة، ويؤسر الأبطال والشجعان والأقران، وتعلو كلمة الإيمان على الأوثان، ويُدال أولياء الله على أعدائه، ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه" اهـ من قصص الأنبياء ص482.
8- مشروعية الفطر في شهر رمضان للتقوِّي به على قتال الأعداء.
9- مَن نصر الله -تعالى- نصره الله -تعالى-، وأعزه وأقرَّ عينه.
10- الدعاء لا سيما عند الشدائد ومقاتلة الأعداء (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60).
11- محبة الصحابة -رضي الله عنهم- والترضِّي عليهم، ونشر محاسنهم، والتصدِّي للروافض أعداء الصحابة -رضي الله عنهم-.
وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم.
----------

للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ الوآصل المنتدى الرياضي 6 10-12-2009 01:49 AM
اســـــــرار القلــــب..! الســرف المنتدى العام 22 29-09-2008 01:03 AM
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء امـــير زهران منتدى الحوار 4 02-09-2008 03:05 PM
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة رياح نجد المنتدى العام 19 15-08-2008 01:10 PM
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! البرنسيسة المنتدى العام 13 17-08-2007 11:04 PM


الساعة الآن 06:38 AM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved