منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > منتدى الكتاب

كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


منتدى الكتاب

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
قديم 26-09-2013, 08:31 PM   #4051
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الصـــــــــــدق
يحكى أن رجلا كان يعصي الله -سبحانه- وكان فيه كثير من العيوب، فحاول أن يصلحها، فلم يستطع، فذهب إلى عالم، وطلب منه وصية يعالج بها عيوبه، فأمره العالم أن يعالج عيبًا واحدًا وهو الكذب، وأوصاه بالصدق في كل حال، وأخذ من الرجل عهدًا على ذلك، وبعد فترة أراد الرجل أن يشرب خمرًا فاشتراها وملأ كأسًا منها، وعندما رفعها إلى فمه قال: ماذا أقول للعالم إن سألني: هل شربتَ خمرًا؟ فهل أكذب عليه؟ لا، لن أشرب الخمر أبدًا.
وفي اليوم التالي، أراد الرجل أن يفعل ذنبًا آخر، لكنه تذكر عهده مع العالم بالصدق. فلم يفعل ذلك الذنب، وكلما أراد الرجل أن يفعل ذنبًا امتنع عن فعله حتى لا يكذب على العالم، وبمرور الأيام تخلى الرجل عن كل عيوبه بفضل تمسكه بخلق الصدق.
ويحكى أن طفلا كان كثير الكذب، سواءً في الجد أو المزاح، وفي إحدى المرات كان يسبح بجوار شاطئ البحر وتظاهر بأنه سيغرق، وظل ينادي أصحابه: أنقذوني أنقذوني.. إني أغرق. فجرى زملاؤه إليه لينقذوه فإذا به يضحك لأنه خدعهم، وفعل معهم ذلك أكثر من مرة.
وفي إحدى هذه المرات ارتفع الموج، وكاد الطفل أن يغرق، فأخذ ينادي ويستنجد بأصحابه، لكنهم ظنوا أنه يكذب عليهم كعادته، فلم يلتفتوا إليه حتى جري أحد الناس نحوه وأنقذه، فقال الولد لأصحابه: لقد عاقبني الله على كذبي عليكم، ولن أكذب بعد اليوم. وبعدها لم يعد هذا الطفل إلى الكذب مرة أخري.
ما هو الصدق؟
الصدق هو قول الحق ومطابقة الكلام للواقع. وقد أمر الله -تعالى- بالصدق، فقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119].
صدق الله:
يقول الله تعالى: {ومن أصدق من الله قيلا} [النساء: 122]، فلا أحد أصدق منه قولا، وأصدق الحديث كتاب الله -تعالى-. وقال تعالى: {هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله} [الأحزاب: 22].
صدق الأنبياء:
أثنى الله على كثير من أنبيائه بالصدق، فقال تعالى عن نبي الله إبراهيم: {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقًا نبيًا} [مريم: 41].
وقال الله تعالى عن إسماعيل: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيًا} [مريم: 54].
وقال الله تعالى عن يوسف: {يوسف أيها الصديق} [يوسف: 46].
وقال تعالى عن إدريس: {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقًا نبيًا} [مريم: 56].
وكان الصدق صفة لازمة للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان قومه ينادونه بالصادق الأمين، ولقد قالت له السيدة خديجة -رضي الله عنها- عند نزول الوحي عليه: إنك لَتَصْدُقُ الحديث..
أنواع الصدق:
المسلم يكون صادقًا مع الله وصادقًا مع الناس وصادقًا مع نفسه.
الصدق مع الله: وذلك بإخلاص الأعمال كلها لله، فلا يكون فيها رياءٌ ولا سمعةٌ، فمن عمل عملا لم يخلص فيه النية لله لم يتقبل الله منه عمله، والمسلم يخلص في جميع الطاعات بإعطائها حقها وأدائها على الوجه المطلوب منه.
الصدق مع الناس: فلا يكذب المسلم في حديثه مع الآخرين، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كَبُرَتْ خيانة أن تحدِّث أخاك حديثًا، هو لك مصدِّق، وأنت له كاذب) [أحمد].
الصدق مع النفس: فالمسلم الصادق لا يخدع نفسه، ويعترف بعيوبه وأخطائه ويصححها، فهو يعلم أن الصدق طريق النجاة، قال صلى الله عليه وسلم: (دع ما يُرِيبُك إلى ما لا يُرِيبُك، فإن الكذب ريبة والصدق طمأنينة) [الترمذي].
فضل الصدق:
أثنى الله على الصادقين بأنهم هم المتقون أصحاب الجنة، جزاء لهم على صدقهم، فقال تعالى: {أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} [البقرة: 177].
وقال تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم} [المائدة: 119].
والصدق طمأنينة، ومنجاة في الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: (تحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهَلَكَة، فإن فيه النجاة) [ابن أبي الدنيا].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليَصْدُقُ؛ حتى يُكْتَبَ عند الله صِدِّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل لَيَكْذِبُ، حتى يكْتَبَ عند الله كذابًا) [متفق عليه].
فأحرى بكل مسلم وأجدر به أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقه، وأن يجعل الصدق صفة دائمة له،
وما أجمل قول الشاعر:
عليك بالصـدق ولــو أنـــه
أَحْـرقَكَ الصدق بنـار الوعـيـد
وابْغِ رضـا المـولي، فأَشْقَـي الوري
من أسخط المولي وأرضي العبيــد
وقال الشاعر:
وعـوِّد لسـانك قول الصدق تَحْظَ به
إن اللسـان لمــا عـوَّدْتَ معــتـادُ
الكذب:
وهو أن يقول الإنسان كلامًا خلاف الحق والواقع، وهو علامة من علامات النفاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان) [متفق عليه].
والمؤمن الحق لا يكذب أبدًا، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: (نعم).
قيل: أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: (نعم).
قيل: أيكون المؤمن كذابًا؟ قال: (لا) [مالك].
والكذاب لا يستطيع أن يداري كذبه أو ينكره، بل إن الكذب يظهر عليه، قال الإمام علي: ما أضمر أحد شيئًا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.
وليس هناك كذب أبيض وكذب أسود، أو كذب صغير وكذب كبير، فكل الكذب مكروه منبوذ، والمسلم يحاسَب على كذبه ويعاقَب عليه، حتى ولو كان صغيرًا، وقد قالت السيدة أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إذا قالت إحدانا لشيء تشتهيه: لا أشتهيه، يعدُّ ذلك كذبًا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الكذب يكْتَبُ كذبًا، حتى تُكْتَبَ الكُذَيبَة كذيبة) [أحمد].
وعن عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- قال: دعتني أمي يومًا -ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا- فقالت: تعالَ أعطِك، فقال لها: (ما أردتِ أن تعطيه؟). قالت: أردتُ أن أعطيه تمرًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنك لو لم تعطِه شيئًا كُتِبَتْ عليك كذبة) [أبوداود].
الكذب المباح:
هناك حالات ثلاث يرخص للمرء فيها أن يكذب، ويقول غير الحقيقة، ولا يعاقبه الله على هذا؛ بل إن له أجرًا على ذلك، وهذه الحالات هي:
الصلح بين المتخاصمين: فإذا علمتَ أن اثنين من أصدقائك قد تخاصما، وحاولت أن تصلح بينهما، فلا مانع من أن تقول للأول: إن فلانًا يحبك ويصفك بالخير.. وتقول للثاني نفس الكلام...وهكذا حتى يعود المتخاصمان إلى ما كان بينهما من محبة ومودة.
الكذب على الأعداء: فإذا وقع المسلم في أيدي الأعداء وطلبوا منه معلومات عن بلاده، فعليه ألا يخبرهم بما يريدون، بل يعطيهم معلومات كاذبة حتى لا يضر بلاده.
في الحياة الزوجية: فليس من أدب الإسلام أن يقول الرجل لزوجته: إنها قبيحة ودميمة، وأنه لا يحبها، ولا يرغب فيها، بل على الزوج أن يطيب خاطر زوجته، ويرضيها، ويصفها بالجمال، ويبين لها سعادته بها -ولو كان كذبًا-، وكذلك على المرأة أن تفعل هذا مع زوجها، ولا يعد هذا من الكذب، بل إن صاحبه يأخذ عليه الأجر من الله رب العالمين.
المسلم لا يكذب في المدح أو المزاح:
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم أناسًا منافقين يمدحون مَنْ أمامهم ولو كذبًا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) [مسلم].
وهناك أناس يريدون أن يضحكوا الناس؛ فيكذبون من أجل إضحاكهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (ويل للذي يحدِّث بالحديث ليضحك به القوم؛ فيكذب، ويل له، ويل له) [الترمذي].
وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم بيت في رَبَضِ الجنة (أطرافها) لمن ترك المراء وإن كان مُحِقَّا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وبيت في أعلى الجنة لمن حَسُن خلقه) [أبوداود].
وكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- إذا سمع من يمدحه يقول: اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.
-------------
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-09-2013, 08:47 PM   #4052
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الأخــــــــــــلاق
الإسلام دين الأخلاق الحميدة، دعا إليها، وحرص على تربية نفوس المسلمين عليها. وقد مدح الله -تعالى- نبيه، فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
[القلم: 4].
وجعل الله -سبحانه- الأخلاق الفاضلة سببًا للوصول إلى درجات الجنة العالية، يقول الله -تعالى-: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين . الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 133-134].
وأمرنا الله بمحاسن الأخلاق، فقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا بالذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بمكارم الأخلاق، فقال: (اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُق حَسَن) [الترمذي].
فعلى المسلم أن يتجمل بحسن الأخلاق، وأن يكون قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أحسن الناس خلقًا، وكان خلقه القرآن، وبحسن الخلق يبلغ المسلم أعلى الدرجات، وأرفع المنازل، ويكتسب محبة الله ورسوله والمؤمنين، ويفوز برضا الله -سبحانه- وبدخول الجنة.
وهذا الكتاب يتناول جملة من الأخلاق الرفيعة التي يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، وأن يجعلها صفة لازمة له على الدوام.
-------------

للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-09-2013, 09:14 PM   #4053
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الإخــــــــــــــــلاص
يحكى أنه كان في بني إسرائيل رجل عابد، فجاءه قومه، وقالوا له: إن هناك قومًا يعبدون شجرة، ويشركون بالله؛ فغضب العابد غضبًا شديدًا، وأخذ فأسًا؛ ليقطع الشجرة، وفي الطريق، قابله إبليس في صورة شيخ كبير، وقال له: إلى أين أنت ذاهب؟
فقال العابد: أريد أن أذهب لأقطع الشجرة التي يعبدها الناس من دون الله. فقال إبليس: لن أتركك تقطعها.
وتشاجر إبليس مع العابد؛ فغلبه العابد، وأوقعه على الأرض.

فقال إبليس: إني أعرض عليك أمرًا هو خير لك، فأنت فقير لا مال لك، فارجع عن قطع الشجرة وسوف أعطيك عن كل يوم دينارين، فوافق العابد.
وفي اليوم الأول، أخذ العابد دينارين، وفي اليوم الثاني أخذ دينارين، ولكن في اليوم الثالث لم يجد الدينارين؛ فغضب العابد، وأخذ فأسه، وقال: لابد أن أقطع الشجرة. فقابله إبليس في صورة الشيخ الكبير، وقال له: إلى أين أنت ذاهب؟ فقال العابد: سوف أقطع الشجرة.
فقال إبليس: لن تستطيع، وسأمنعك من ذلك، فتقاتلا، فغلب إبليسُ العابدَ، وألقى به على الأرض،

فقال العابد: كيف غلبتَني هذه المرة؟! وقد غلبتُك في المرة السابقة! فقال إبليس: لأنك غضبتَ في المرة الأولى لله -تعالى-، وكان عملك خالصًا له؛ فأمَّنك الله مني، أمَّا في هذه المرة؛ فقد غضبت لنفسك لضياع الدينارين، فهزمتُك وغلبتُك.
هاجرت إحدى الصحابيات من مكة إلى المدينة، وكان اسمها أم قيس، فهاجر رجل إليها ليتزوجها، ولم يهاجر من أجل نُصْرَةِ دين الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصِيبُها أو امرأة ينكحها (يتزوجها)؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه) [متفق عليه].
ما هو الإخلاص؟
الإخلاص هو أن يجعل المسلم كل أعماله لله -سبحانه- ابتغاء مرضاته، وليس طلبًا للرياء والسُّمْعة؛ فهو لا يعمل ليراه الناس، ويتحدثوا عن أعماله، ويمدحوه، ويثْنُوا عليه.
الإخلاص واجب في كل الأعمال:
على المسلم أن يخلص النية في كل عمل يقوم به حتى يتقبله الله منه؛ لأن
الله -سبحانه- لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه تعالى. قال تعالى في كتابه: {وما أمروا إلا يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [البينة: 5]. وقال تعالى: {ألا لله الدين الخالص} [الزمر: 3]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابْتُغِي به وجهُه) [النسائي].
والإخلاص صفة لازمة للمسلم إذا كان عاملا أو تاجرًا أو طالبًا أو غير ذلك؛ فالعامل يتقن عمله لأن الله أمر بإتقان العمل وإحسانه، والتاجر يتقي الله في تجارته، فلا يغالي على الناس، إنما يطلب الربح الحلال دائمًا، والطالب يجتهد في مذاكرته وتحصيل دروسه، وهو يبتغي مرضاة الله ونَفْع المسلمين بهذا العلم.
الإخلاص صفة الأنبياء:
قال تعالى عن موسى -عليه السلام-: {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصًا وكان رسولاً نبيًا} [مريم: 51]. ووصف الله -عز وجل- إبراهيم وإسحاق ويعقوب -عليهم السلام- بالإخلاص، فقال تعالى: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار . إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار . وإنهم عندنا من المصطفين الأخيار} [ص: 45-47].
الإخلاص في النية:
ذهب قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: يا رسول الله، نريد أن نخرج معك في غزوة تبوك، وليس معنا متاع ولا سلاح. ولم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعينهم به، فأمرهم بالرجوع؛ فرجعوا محزونين يبكون لعدم استطاعتهم الجهاد في سبيل الله، فأنزل الله -عز وجل- في حقهم قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا ما نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم . ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون}.
[التوبة: 91-92].
فلما ذهب صلى الله عليه وسلم للحرب قال لأصحابه: (إن أقوامًا بالمدينة خلفنا ما سلكنا شِعْبًا ولا واديا إلا وهم معنا فيه (يعني يأخذون من الأجر مثلنا)، حبسهم (منعهم) العذر) [البخاري].
الإخلاص في العبادة:
لا يقبل الله -تعالى- من طاعة الإنسان وعبادته إلا ما كان خالصًا له، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن رب العزة: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشركَه) [مسلم].
فالمسلم يتوجه في صلاته لله رب العالمين، فيؤديها بخشوع وسكينة ووقار، وهو يصوم احتسابًا للأجر من الله، وليس ليقول الناس عنه: إنه مُصَلٍّ أو مُزَكٍّ أو حاج، أو صائم، وإنما يبتغي في كل أعماله وجه ربه.
الإخلاص في الجهاد:
إذا جاهد المسلم في سبيل الله؛ فإنه يجعل نيته هي الدفاع عن دينه، وإعلاء كلمة الله، والدفاع عن بلاده وعن المسلمين، ولا يحارب من أجل أن يقول الناس إنه بطل وشجاع، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا نبي الله، إني أقف مواقف أبتغي وجه الله، وأحب أن يرَى موطني (أي: يعرف الناس شجاعتي). فلم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نزل قول الله تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا}.
[الكهف: 110].
وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر (يشتهر بين الناس)، والرجل يقاتل ليرَى مكانه (شجاعته)، فمن في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله) [متفق عليه].
جزاء المخلصين:
المسلم المخلص يبتعد عنه الشيطان، ولا يوسوس له؛ لأن الله قد حفظ المؤمنين المخلصين من الشيطان، ونجد ذلك فيما حكاه القرآن الكريم على لسان الشيطان: {قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 39-40]. وقد قال الله تعالى في ثواب المخلصين وجزائهم في الآخرة: {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرًا عظيمًا} [النساء: 146].
الـريـاء:
هو أن ينشط المرء في عمل الخيرات إذا كان أمام الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويجتهد إذا أثنى عليه الناس، وينقص من العمل إذا ذمه أحد، وقد ذكر الله صفات هؤلاء المرائين المنافقين، فقال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى . يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً} [النساء: 142].
فالرياء صفة من صفات المنافقين، والمسلم أبعد ما يكون عن النفاق، فهو يخلص قلبه ونيته دائمًا لله، قـال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم) [مسلم].
الرياء شرك بالله:
المسلم لا يرائي؛ لأن الرياء شرك بالله -سبحانه-، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أَخْوَفَ ما أتخوَّف على أمتي الإشراك بالله، أما إني لستُ أقول: يعبدون شمسًا ولا قمرًا ولا وَثَنًا، ولكن أعمالا لغير الله وشهوة خفية) [ابن ماجه]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر). قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (الرياء، يقول
الله -عز وجل- يوم القيامة -إذا جزي الناس بأعمالهم-: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا؛ فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً؟
) [أحمد].
وهكذا.. لا يأخذ المرائي جزاءً على عمله؛ لأنه أراد بعمله الحصول على رضا الناس ومدحهم والمكانة بينهم، فليس له من أجرٍ يوم القيامة.
المرائي في النار:
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه في إحدى الغزوات أن فلانًا سيدخل النار، وكان فلان هذا يقاتل مع المسلمين، فتعجب الصحابة، وراقبوا الرجل ليعرفوا حاله؛ فوجدوه يقاتل قتالا شديدًا؛ فازداد عجب الصحابة، ولكن بعد قليل حدث أمر عجيب؛ فقد جُرح هذا الرجل؛ فأخذ سيفه، وطعن به نفسه؛ فقال له بعض الصحابة: ويلك! أتقتل نفسك، وقد كنت تقاتل قتالا شديدًا؟

فقال الرجل: إنما كنتُ أقاتل حميةً (عزة للنَّفْس)، وليرى الناس شجاعتي، ثم مات الرجل، وصدق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المرائين أول الناس عذابًا يوم القيامة؛ فأول ثلاثة يدخلون النار: عالم، وقارئ للقرآن، وشهيد؛ لأنهم كانوا لا يخلصون أعمالهم لله، ولا يبتغون بها وجهه.
الرياء يبْطِلُ العبادات:
إذا أدَّى الإنسان عبادته، وليس فيها إخلاص لله، فإنه لا يأخذ عليها أجرًا ولا ثوابًا، بل عليه الوزر والعقاب؛ لأنه لم يخلص لله رب العالمين. قال الله -تعالى-: {فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون . الذين هم يراءون . ويمنعون الماعون} [الماعون: 4-7].
والذين يتصدقون، ولكن يمُنُّون بأعمالهم، ولا يخلصون فيها لله، فإنهم لا يأخذون على صدقتهم أجرًا من الله، وتصبح مثل الأرض الصلبة التي لا تخرج زرعًا كما وصف القرآن الكريم المرائي بقوله تعالى: {فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدًا لا يقدرون على شيء مما كسبوا} [البقرة: 264].
كما جعل الله -عز وجل- عبادة المرائين عديمة الفائدة لهم، يقول تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورًا} [الفرقان: 23].
---------------

للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-2013, 12:57 PM   #4054
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

رسالة إلى كل أب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
أيها الآباء الكرام أكتب إليكم هذه الرسالة انطلاقاً من قوله تعالى: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] و من قوله : { إذا أحببت أخاك فأخبره أنك تحبه } ومن قوله { الدين النصيحة } لقد حباكم الله محبة وهيبة وقبولاً في قلوب أبنائكم وإخوانكم وعشيرتكم ومَن عرَفَكُم وما ذلك إلاّ لإخلاصكم وصدق نيتكم وأريحية تعاملكم وقوتكم في الحق وحرصكم عليه.
من هذا المنطلق وددت أن أذكّرَكُم ببعض الأمور التي لا تخفى عليكم حيث أنكم تذكرونها وتعلمونها وتستشعرونها ولكن لحاجة في نفس يعقوب أحببت الكتابة إليكم مُذَكّراً وناصحاً ومحباً..
الأمر الأول: والذي أود أن أذكركم به هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه أولادكم، فقد أصبح ثغرةً يجب أن تُسَدَّ ويحتاج إلى رباط وصبر يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:٢٠٠].
فأين نحن من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟! أين واجبنا في إنكار المنكرات التي لا أقول أصبحت في الشوارع ولكنها دخلت إلى بيوتنا وإلى غرفنا الخاصة، وإلى عقولنا وعقول أولادنا وبناتنا؟! واجبنا أن نأمر أولادنا بالمعروف وننهاهم عن المنكر، ونبعدهم عنه، ونطهر بيوتنا من المنكرات، وألا نجلب لهم ما يؤدي إلى انحرافهم وفسادهم.
واجبنا أن نبذل مما أعطانا الله من الوقت والجهد والنصيحة والتوجيه والإرشاد وأن نربي أولادنا على معاني الرجولة والهمة ونجعل منهم رجالاً لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ [النور:٣٧] رجالاً يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ [التوبة:١٠٨].
الأمر الثاني: أن نحرص على تعليمهم أصول الإيمان ومبادئ العقيدة الصحيحة وأن نُعرفهم بربّهم وخالقهم ورازقهم، وأنّه واحد لا شريك له، وليس معه إله ثان، وأنّه لا معبود بحق إلاّ الله، وأن نحذرهم من الشرك وأهله وصوره، ونحول بينهم وبين كل ما يخدش عقيدتهم أو يفسدها.
الأمر الثالث: أن نربي أولادنا على الطاعة... أن نربيهم على دين الله وعلى حفظ كتاب الله... وحفظ أحاديث رسوله ، ونكون قدوة صالحة لهم... فإنّ الأب هو القدوة في طيب كلامه وحسن معشره وبُعده عن الحرام... قدوة بحكمته في كل الأمور... قدوة بأسلوبه في التصحيح والرفق... قدوة باستشارته لهم وإشراكهم معه ومصادقته لهم... والعدل بينهم والصدق معهم.
الأمر الرابع: أن نحثهم على الصلاة ونحرضهم عليها، ونوقظهم لها وندرِّبهم عليها منذ الصغر، ونصحبهم معنا إلى بيوت الله، امتثالاً لأمر الله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:١٣٢] ونعظم هذه الشعيرة العظيمة في قلوبهم... فمن عظّمها أحياها في قلبه... وأحياها في بيته...
ونوصيهم بأن ترك الصلاة محاربة لله، وبتركها ينقطع عنهم مدد السماء، ويغضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، ونعلمهم أن تارك الصلاة الذي لا يتعرف على بيت الله لا يُواكَل ولا يُشارَب ولا يُجالَس، ولا يُرافَق ولا يُصدَّق ولا يؤتمن،
ولا يُغسل إذا مات ولا يُصلّى عليه، ولا يُقبر في مقابر المُسلمين والعياذ بالله.
الأمر الخامس: أن نربطهم بالقرآن، ونحثّهم على حفظه وقراءته وتلاوته وفهمه وتدبره وسماعه، وأن نحرص على تعليمه لهم منذ الصِغَر، فهم أقدر على الحفظ لصفاء ذهنهم وتفرغ عقولهم، كما أنّ ارتباطهم بالقرآن منذ الصغر أدعى إلى أن ينشئوا محبين له متعلقين به، مؤتمرين بأوامره، منتهين عن نواهيه، متخلقين بأخلاقه، سائرين على منهاجه.
الأمر السادس: أن نحول بينهم وبين الأسباب التي تؤدي إلى انحرافهم وضياعهم... فنجلب لهم ما ينفعهم وندفع عنهم ما يضرهم، ونكون على ثقة بوعد الله وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
واعلم أيها الأب الكريم أن أهم ما يجب أن تحذر ابنك منه وتبعده عنه هم قرناء السوء، وأصدقاء الشر،، فالولد الذي يخالط قرناء السوء وخلطاء الشر لا بد أن يتأثر بأخلاقهم ويتعلم منها الفساد، ويكتسب منهم أحط العادات و أقبح الأخلاق.
أيها الآباء: بعد هذا كله أذكركم و نفسي بالإحتساب في كل عمل تقومون به، وفي كل كلمة تقولونها أو تكتبونها، وفي كل خطوة تخطونها، احتسبوا عند الله كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة، وتحملوا مشاق التربية، وصعوبة التوجيه،
واعلموا أنكم أول من يكتوي بنار انحرافهم وعقوقهم إن أهملتم تربيتهم، وفرطتم في حقهم.
وأختم حديثي معكم بهذه القصة لعل فيها عبرة لكل أب يهمل أولاده ويغفل عن تربيتهم..
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأخذ يأنِّبه على عقوقه لأبيه.
فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟
قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر : أن ينتقي أمَّه ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب - أي القرآن - فقال الولد: يا أمير المؤمنين إنّ أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أمّا أمي فإنّها زنجية كانت لمجوسي، و قد سمّاني جُعلاً - أي خنفساء - ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئتَ إليّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسئ إليك.
فاستعينوا بالله أيها الآباء على تربية أولادكم واطلبوا الهداية لهم منه، فهو وحده الهادي وهو وحده القادر على ذلك واسألوه الذرية الصالحة، وألحوا عليه في الدعاء رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:٧٤].
أسأل الله أن يرزقني وإيّاكم الذرية الصالحة، وأن يوفقنا لما يحبه و يرضاه.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
---------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-2013, 02:40 PM   #4055
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

فضل نعيم الجنة على نعيم الدنيا
متاع الدنيا واقع مشهود، ونعيم الجنة غيب موعود، والناس يتأثرون بما يرون ويشاهدون، ويثقل على قلوبهم ترك ما بين أيديهم إلى شيء ينالونه في الزمن الآتي، فكيف إذا كان الموعود ينال بعد الموت؟
من أجل ذلك قارن الحق-- تبارك وتعالى -- بين متاع الدنيا ونعيم الجنة، وبين أن نعيم الجنة خير من الدنيا وأفضل، وأطال في ذم الدنيا وبيان فضل الآخرة، وما ذلك إلا ليجتهد العباد في طلب الآخرة ونيل نعيمها.
وتجد ذم الدنيا ومدح نعيم الآخرة، وتفضيل ما عند الله على متاع الدنيا القريب العاجل في مواضع كثيرة، كقوله - تعالى -: (لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً من عند الله وما عند الله خيرٌ للأبرار) [آل عمران: 198]، وقوله: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزوجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خيرٌ وأبقى) [طه: 131].
وقال في موضع ثالث: (زين للناس حب الشهوات من النساء والنساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب * قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزوج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد) [آل عمران: 14-15].
ولو ذهبنا نبحث في سر أفضلية نعيم الآخرة على متاع الدنيا لوجدناه من وجوه متعددة:
أولاً: متاع الدنيا قليل، قال - تعالى -: (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى) [النساء: 77].
وقد صور لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قلة متاع الدنيا بالنسبة إلى نعيم الآخرة بمثال ضربه فقال: (( والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه وأشار بالسبابة في اليم، فلينظر بم ترجع)) (1). ما الذي تأخذه الإصبع إذا غمست في البحر الخضم، إنها لا تأخذ منه قطرة. هذا هو نسبة الدنيا إلى الآخرة.
ولما كان متاع الدنيا قليلاً، فقد عاتب الله المؤثرين لمتاع الدنيا على نعيم الآخرة (يا أيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل) [التوبة: 38].
الثاني: هو أفضل من حيث النوع، فثياب أهل الجنة وطعامهم وشرابهم وحليهم وقصورهم أفضل مما في الدنيا، بل لا وجه للمقارنة، فإن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ففي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها)) (2). وفي الحديث الآخر الذي يرويه البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير مما طلعت عليه الشمس)) (3). وقارن نساء أهل الجنة بنساء الدنيا لتعلم فضل ما في الجنة على ما في الدنيا، ففي صحيح البخاري عن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها)) (4).
الثالث: الجنة خالية من شوائب الدنيا وكدرها، فطعام أهل الدنيا وشرابهم يلزم منه الغائط والبول، والروائح الكريهة، وإذا شرب المرء خمر الدنيا فقد عقله، ونساء الدنيا يحضن ويلدن، والمحيض أذى، والجنة خالية من ذلك كله، فأهلها لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يبصقون ولا يتفلون، وخمر الجنة كما وصفها خالقها (بيضاء لذة للشاربين * لا فيها غولٌ ولا هم عنها ينزفون) [الصافات: 46-47] وماء الجنة لا يأسن، ولبنها لا يتغير طعمه (أنهار من ماء غير ءاسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه) [محمد: 15]، ونساء أهل الجنة مطهرات من الحيض والنفاس وكل قاذورات نساء الدنيا، كما قال - تعالى -: (ولهم فيها أزوج مطهرة) [البقرة: 25].
وقلوب أهل الجنة صافيه، وأقوالهم طيبة، وأعمالهم صالحة، فلا تسمع في الجنة كلمة نابية تكدر الخاطر، وتعكر المزاج، وتستثير الأعصاب، فالجنة خالية من باطل الأقوال والأعمال، (لا لغو فيها ولا تأثيم) [الطور: 23]، ولا يطرق المسامع إلا الكلمة الصادقة الطيبة السالمة من عيوب كلام أهل الدنيا (لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا) [النبأ: 35]، (لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاما) [مريم: 62]، (لا تسمع فيها لاغية) [الغاشية: 11]، إنها دار الطهر والنقاء والصفاء الخالية من الأوشاب والأكدار، إنها دار السلام والتسليم (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً * إلا قيلاً سلاماً سلاما) [الواقعة: 25-26].
ولذلك فإن أهل الجنة إذا خلصوا من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، ثم يهذبون وينقون بأن يقتص لبعضهم من بعض، فيدخلون الجنة وقد صفت منهم القلوب، وزال ما في نفوسهم من تباغض وحسد ونحو ذلك مما كان في الدنيا، وفي الصحيحين في صفة أهل الجنة عند دخول الجنة: (( لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً)) (5). وصدق الله إذ يقول: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين) [الحجر: 47].
والغل: الحقد، وقد نقل عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب أن أهل الجنة عندما يدخلون الجنة يشربون من عين فيذهب الله ما في قلوبهم من غل، ويشربون من عين أخرى فتشرق ألوانهم وتصفو وجوههم. ولعلهم استفادوا هذا من قوله - تعالى -: (وسقاهم ربهم شراباً طهورا) [الإنسان: 21]. (6)
الرابع: نعيم الدنيا زائل، ونعيم الآخرة باق دائم، ولذلك سمى الحق-تبارك وتعالى- ما زين للناس من زهرة الدنيا متاعاً، لأنه يتمتع به ثم يزول، أما نعيم الآخرة فهو باق، ليس له نفاد، (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) [النحل: 96]، (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) [ص: 54]، (أكلها دائم وظلها) [الرعد: 35]، وقد ضرب الله الأمثال لسرعة زوال الدنيا وانقضائها (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا * المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملا) [الكهف: 45 46].
فقد ضرب الله مثلاً لسرعة زوال الدنيا وانقضائها بالماء النازل من السماء الذي يخالط نبات الأرض فيخضر ويزهر ويثمر، وما هي إلا فترة وجيزة حتى تزول بهجته، فيذوى ويصفر، ثم تعصف به الرياح في كل مكان، وكذلك زينة الدنيا من الشباب والمال والأبناء الحرث والزرع...كلها تتلاشى وتنقضي،
فالشباب يذوى ويذهب، والصحة والعافية تبدل هرماً ومرضاً، والأموال والأولاد قد يذهبون، وقد ينتزع الإنسان من أهله وماله، أما الآخرة فلا رحيل، ولا فناء، ولا زوال (ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين * جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار) [النحل: 30-31].
الخامس: العمل لمتاع الدنيا ونسيان الآخرة يعقبه الحسرة والندامة ودخول النيران: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) [آل عمران: 185].
--------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-2013, 02:49 PM   #4056
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

انجـــــــــــاز
حين تصلي الفجر جماعة.. إنجاز
حين تبتسم صباحاً...
و تقبل الوالدين باكراً..
و تحنو على الزوجة والأولاد صباحاً.. إنجاز
حين تقرأ أذكار الصباح....
و تقود سيارتك بلطف وفن...
و تصل لعملك أو متجرك أو مدرستك أو معهدك أو جامعتك في الموعد... إنجاز
حين تتزود من العلم والثقافة والأدب
ويهمك الوقت والساعة والدقيقة والثانية... إنجاز
حين تكن مصدر أمل وإشراقة عمل
وفيض عطاء ونبع صفاء لمن حولك
تشكر الناس وتحرك إحساس.. تصل رحمك وتعفو عمن ظلمك، تنصر المظلوم وتعين المكلوم.. إنجاز
حين تغض الطرف وتضع النقط على الحرف... وتحب الصدق... إنجاز
حين يهزك الوفاء، ويشدك البكاء
حين تحن للحبيبة (الزوجة) ويشتاق إليك الأهل خاصة الطفل
وتعود للمنزل في موعدك
وتسلم لحظة دخولك العش الزوجي الأنيق، وتضع هموم العمل على عتبة بابك
حين تجعل من منزلك أنموذجاً للحب والجمال والإنسان...بحق هو
---------------
خظر الزهراني
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-2013, 03:18 PM   #4057
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

المراة وصرخة الافواة
نعم... هي صرخة وأي صرخة!!
ما أقواها من معاناة؟
ما أسوأه من منظر؟
ما أعظمه من خدش في صفاء المرأة؟
المرأة تمثل لنا معاشر الرجال شمس إشراقتنا، وقوة انطلاقتنا، على نغمات دعائها الجميل يرقص الفرح، وعلى أبواب قلبها العظيم يرفرف المرح، حين تبتسم المرأة تضحك الأرض وتنبت من كل زوج بهيج، وحين تغضب المرأة يحزن الأمل ويكثر الضجيج.
كم أنت غالية على قلوبنا أيتها المرأة، ما أجمل الحياة معك، وما أطيب العيش بك، وما ألذ التضحية من أجلك.
اسمحي لي أيتها المرأة الأنيقة أن يقف قلمي المتواضع بين يديك الكريمتين ويخاطب عينيك الجميلتين عن معاناة أبكته، وخطيئة أحرقته، ومنظر صارخ أفزعه، وصوت شفاه ينادي هل إلى خروج من سبيل؟ وها هو يا سيدتي قلمي المحب لك يبادرك التحية والإجلال ويعتذر مسبقاً عما قد يسبب لك من ذهول واستغراب، ولاشك!!
سيدتي المرأة: أليست المرأة راعية الأجيال، ورمز الجمال، ونبع الدلال، أليست المرأة حسنة الدنيا وزينتها، فلم إذاً يا سيدتي تقترف المرأة هذه الخطيئة القاتلة بحق الحسن والجمال!
سيدتي المرأة: أليست المرأة الحديقة الغناء ذات القطوف الدانية والمنظر الآسر الجميل، فلم إذاً يا سيدتي تبدل ذاك المنظر الآسر الجميل إلى منظرٍ تقشعر منه الأبدان وتنفر منه الأفنان!
سيدتي المرأة: أليست المرأة تطالع بعينيها الكحيلتين "وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ"، وتقرأ "وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ"، فلِمَ إذاً يا سيدتي تهلك نفسها الغالية، وتعيش وسط الخبائث البالية!
سيدتي المرأة: أليست المرأة يهمها التميز، ويشدها الإبداع، ويسحرها الإمتاع، فلِمَ َإذا يا سيدتي لا تبادر إلى التوبة فتكون أكثر تميزاً، ومنطلقة إلى الإقلاع عنه لتكون أحسن إبداعاً، ومشرقة بالاستغفار فتكون أحلى أمتاعاً.
سيدتي المرأة: طبعاً ستقولين لي بلطفك المعهود: نعم أيها القلم الجريح الناصح أشعر بعظيم معاناتك، وستقولين أيضاً يا سيدتي الكريمة مَنْ السبب الأكبر في كل هذه عذاباتك وصرخاتك، عسى أن أخفف من لوعتك وعذابك؟
سيدتي المرأة: شكراً جميلاً لمشاعرك الرائعة، نعم هو السبب الأكبر ولاشك في كل عذاباتي وصرخاتي أنه التدخين حين تعشقه المرأة.
فهل تساعديني.... أرجو ذلك!!
---------
خظر الزهراني
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-2013, 04:49 PM   #4058
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

كي يظل قلبك حياً
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
أما بعد:
فإن القلب هو جوهر الحياة في الإنسان، فبحسب حياته وسلامته ونقائه؛ تكون حياة الإنسان وسلامته ونقاؤه، وهذه الحقيقة كما تدل عليها الشواهد الشرعية تقررها النظريات العلمية والفلسفية في سائر المِلل عبر التاريخ.
ومن هنا فإن المسلم الحكيم هو من يفتش عن أسباب صلاح قلبه، وأسباب قوته وعافيته؛ لأنه يدرك أنه متى امتلك قلبًا سليمًا من الآفات؛ فقد امتلك الحياة وامتلك نقاءها وجمالها.
وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيّن أنّ السلامة والصلاح في الإنسان مرتبطة بصلاح قلبه فيقول: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي: القلب} الحديث [رواه: النعمان بن بشير، المحدث: الألباني، صحيح الترغيب، رقم: 1731].
أخي الكريم: إن قلبك هو مفتاح السعادة والغنى، ووعاء السلامة والهدى، ومصدر القوة والرضى، ولَحرصك على صفائه ونقائه، أهم بكثير من حرصك على الهواء والطعام. فكيف تجعل قلبك سليمًا نابضًا بالإيمان والحياة؟
أولًا: كن صاحب عقيدة
فتوحيد الله -جلّ وعلا- نور يملأ القلوب، ويبصِّرها، ويقويها، فهو مادة حياته، وأساس قوته وسلامته، ولا حياة للقلب إلا بالإيمان بالله -جلّ وعلا- ذلك الإيمان الذي يصنع الطمأنينة في القلوب، والسكينة في النفوس؛ لأنه يولِّد فيها من التوكل على الله ما تهون أمامها الصِّعاب:وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3]، ويولِّد فيها من الثقة بالله، واليقين به ما تزول به الهموم والغموم والأحزان، ويولِّد فيها من البصيرة والهدى ما يجعلها أكثر ثباتًا، وقدرة على مواجهة الصِّعاب، كما قال -تعالى-: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التغابن: 11].
فالإيمان بالله -جلّ وعلا- نور يسري في قلب المؤمن، يضيء له الطريق، ويمكنه من الثبات عليه؛ فيرى به الأشياء على حقيقتها: القبيح قبيحًا، والحسن حسنًا.
أخي الكريم: اعلم أن السعادة والحياة الطيبة في الحياة لا تقوم إلا على أساس واحد هو: الهدى. كما قال -تعالى-: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (124) [طه].
ثم اعلم أن محل الهدى هو القلب، وأنّ هذا المحل لا يمكنه حمل الهدى إلا إذا كان فيه من الإيمان واليقين ما يؤهله لذلك؛ ولهذا قال -تعالى-: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: 11].
ومن هنا فإن تحقيق الهداية مشروط بتحقيق العقيدة الصحيحة، والإيمان النقي من شوائب الشرك بالله، وعلى قدر معرفة المؤمن بربّه، ويقينه به، تكون بصيرته وخشيته وهدايته كما قال -تعالى-: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر: 28].
وإذا تأملت أخي في تأثر القلوب بذكر الله، ووجلها من الله؛ وجدت ذلك التأثر لا يحصل إلا للقلوب المؤمنة، كما قال -تعالى-: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28]، فعطف -سبحانه- في هذه الآية اطمئنان القلوب بالذكر على الإيمان، وهو ما يدل على أن قلب المؤمن أعقل حين سماع ذكر الله؛ للمعاني التي يتضمنها الذكر، وهو ما يجعله متأثرًا به، وأبصر بالآيات والحقائق الغيبية؛ لذلك، إذا ذكر الله، أبصر عيبه وأبصر عظمة الله، وأبصر قدرته ورحمته وصفاته العليا، وأبصر تقصيره، وضعفه؛ فأورثته بصيرة قلبه ذلك التأثر الحاصل حين سماع ذكر الله، بعكس ضعيف الإيمان الذي مات إحساس قلبه، فلا يسمع ولا يعقل كما قال -تعالى-: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا [الأعراف: 179]، وكما قال -تعالى-: أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24] ، وكما قال -تعالى-: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].
فقلب المؤمن قلب عاقل، لا تخدعه مظاهر الأشياء لأنه لا يرى بعينه فقط، وإنما بقلبه أيضًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {إن العقل في القلب، والرحمة في الكبد، والرأفة في الطحال، والنفس في الرئة} [المحدث: الألباني، صحيح الأدب المفرد برقم: 425].
ولأن قلب المؤمن منور بتوحيد الله؛ فإنه أعقل بالآيات الكونية والشرعية، ولذلك قال -تعالى-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: 2].
قال الشيخ عبد الرحمن السّعدي: "فوصف الله المؤمنين بهذه الصفات المتضمنة للقيام بأصول الدين وفروعه، وظاهره وباطنه، فإنه وصفهم بالإيمان به إيمانًا: ظهرت آثاره في عقائدهم، وأقوالهم، وأعمالهم الظاهرة والباطنة، وأنه مع ثبوت الإيمان في قلوب - يزداد إيمانهم كلما تليت عليهم آيات الله، ويزداد خوفهم ووجلهم كلما ذكر الله؛ وهم في قلوبهم وسرهم متوكلون على الله" (التوضيح والبيان لشجرة الإيمان ص15).
ثانيًا: فرِغ قلبك من الشواغل والأخلاط
1- تقلب القلب: أخي إن الإيمان بالله -جلّ وعلا-، والتوكل عليه، واليقين به كل ذلك يولِّد في القلب قوة، وبصيرة وعقلًا يزن بها الأمور، ويحقق بها الهدى ليعيش آمنًا من شرور الغي وطرق الردى. لكن سنة الله اقتضت أن يظل المؤمن في تنازع، ومكابدة ليظل قلبه ثابتًا على الإيمان والتقوى، لكن المؤمن مهما كانت قوة إيمانه؛ فلابد له من غفوة وضعف، فإنما سمي القلب لشدة تقلبه، وعدم ثبته على حاله، كما قال الشاعر:
وما سمي الإنسان إلا لأنسه
ولا القلب إلا أنه يتقلب
وأحسن منه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {إنما سمي القلب من تقلّبه، إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة، تعلّقت في أصل شجرة، يقلّبها الريح ظهرًا لبطن} [الراوي: أبو موسى الأشعري، المحدث: الألباني، صحيح الجامع رقم: 2365].
وهذا التقليب الذي هو أخص صفات القلب، هو منشأ كون الإنسان موصوفًا بالظلم والغدر والخطأ؛ فإنه متقلب في أحواله، متغير في صفاته، تغلبه الشهوة، كما تلتبس عليه الأمور بالشبهة، ويطغى عليه النسيان كما يتمادى به الهوى والطغيان، وتغره المتاع، كما تقهره الطباع، فهو لسبب أو لآخر متقلب في طبعه.
2- تطهير القلوب بالتوبة: وهذا التقلب في الإنسان، ما خلقه الله -جل وعلا- إلا ليبتليه بخطئه كما يبتليه بصوابه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {والذي نفسي بيده! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله، فيغفر لهم} [الراوي: أبو هريرة، المحدث: مسلم، صحيح].
وليطلعه على رحمته إذا هو تبصَّر بذنبه وعاد إلى الله تائبًا طائعًا، ومن هنا أخي لابد أن تعلم أنك في كل وقت وحين في حاجة إلى تجديد التوبة والإكثار من الاستغفار؛ فإنهما يطهران القلب من شوائب المعاصي وآثارها وسوادها، ولهذا أوصى الله -جل وعلا- عباده المؤمنين بالتوبة، وجعلها أساس فلاحهم فقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].
وفي الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربدًّا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه}[الراوي: حذيفة بن اليمان، المحدث: الألباني، صحيح الجامع رقم: 2960].
رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها

أخي الكريم: فإذا علمت أن الذنوب تمرض القلوب، وتطمس بصيرتها، وتعطل عقلها، فاحرص على تطهير قلبك من أمراض المعاصي باجتنابها، وملازمة التوبة والاستغفار لإبطال مضراتها، فإن قوة قلبك وسلامته مرهونة بصفائه ونقائه،
وإنما ينقى قلبك بثلاثة أشياء:
الأول: بالتوبة إلى الله، والاستغفار من الذنب.
الثاني: بالإكثار من الحسنات، فإنهن يذهبن السيئات، كما قال -تعالى-: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود: 114].
الثالث: الحرص على أسباب المغفرة، كالصلاة، والنوافل، والوضوء، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والعمرة والحج، ونحو ذلك من موجبات المغفرة المبسوطة في كتب الفضائل والسلوك.
فقد أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذًا فقال له: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} [الراوي: معاذ بن جبل و أبو ذر الغفاري، المحدث: الألباني، حسن].
3- تطهير القلب من الأمراض: فإن طهارة القلب من أمراضه، وخلوّه من أعراضها، هو أعظم أسباب قوته ولينته ورقته وخشوعه، وصاحبه هو خير الناس وأحبهم إلى الله، كما في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : قلنا: يا نبي الله من خير الناس؟ قال: {ذو القلب المخموم، واللسان الصادق، قال: قلنا: يا نبي الله! قد عرفنا اللسان الصادق، فما القلب المخموم؟ قال: هو التقي النقي؛ الذي لا إثم فيه، ولا بغي ولا حسد، قال: قلنا: يا رسول الله! فمن على أثره؟ قال: الذى يشنأ الدنيا، ويحب الآخرة. قلنا: ما نعرف هذا فينا إلا رافع مولى رسول الله، فمن على أثره، قال: مؤمن في خلق حسن} [الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص، المحدث: الألباني، صحيح].
فها هنا بيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طريق نقاء القلوب وحقيقتها، وجمع بيانه ثلاث صفات هي: اجتناب الإثم، والبغي، والحسد.
فهذه الصفات هي من أخطر أمراض القلوب، والتي ما أصابت قلبًا إلا ملأته سوءًا، وظلمة، وطمست نوره وأضعفت بصيرته.
وإذا كانت الآثام تنكت نكتات سوداء في القلوب، فإن الحسد يأكل حسناتها الموجبة لنقائها كما تأكل النار الحطب.
"والحسد هو: تمني زوال نعمة المحسود، أو هو البغض والكراهية لما يراه من حسن حال المحسود، وهو طبع لئيم يسكن القلوب الضعيفة الميتة مهما كان شأن أصحابها، فلربما وجدت الضعيفة الميتة -مهما كان شأن أصحابها- فلربما وجدت المرء قد ملك من صفات الحسن، وأسباب الملك ما لم يملكه غيره؛ لكنه لغلبة طبعه الحاسد لا يحب رؤية النعمة على غيره".
أخي الكريم: واعلم أن الحسد هو من الاعتراض على حكم الله -سبحانه-، كما قيل: "من رضي بقضاء الله لم يسخطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد".
قال بعضهم: "ما رأيت ظالمًا أشبه بمظلوم من الحسود؛ نفس دائم، وهم لازم، وقلب هائم". وإذا تأملت في قول الله -جلّ وعلا-: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق: 5]؛ علمت أن الحسد طبع غالبًا ما يتسلل إلى القلوب، لكن القلوب الحية بالإيمان تبصر شعاعه، فتعكسه وتطرده وترده خائبًا، لكن القلوب الضعيفة تستجيب؛ ولذلك قال -تعالى-: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق: 5].
قال ابن تيمية: "ما خلا جسد من حسد، ولكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه".
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: {لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث} [الراوي: أنس بن مالك، المحدث: الألباني، صحيح].
واعلم أخي أن الحسد كما يوجب قسوة القلب، ولؤم الطبع، وفساد الأخلاق، فهو يعطل القلب من اكتساب أعظم الثواب، إذ القلب الخالي من الحسد مملوء ولابد بالخير؛ فلا تجد صاحبه إلا يحدث نفسه بفعل الخيرات، وإن عجز عنها، قد سارت به نيته الصافية، وحبه لنفع العباد، ما لم تسر الصلوات والقربات بالعباد!.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلّ امرئ ما نوى} الحديث [رواه: عمر بن الخطاب، المحدث: الألباني، صحيح].
أخي: فإن رُمت القلب الطاهر، فوطن نفسك على الصبر، وجاهد نفسك في بذل النفع للعباد، تُحسن إلى من أساء إليك، وتصل من قطعك، وتعطي من منعك، وتسامح من آذاك، في الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم} [الراوي: عبدالله بن عمر، المحدث: ابن حجر العسقلاني، إسناده حسن].
فكما أن تطهير قلبك من الحسد يوجب لك النقاء والسلامة، فهكذا صبرك على الحسود، واحتمالك لأذاه، وإحسانك إليه؛ يوجب لك الخيرية والراحة والنصر، كما يمتص حسد الحاسد ويرده، فإن الغالب في الناس أن الإحسان يمتلك قلوبهم، ويردهم إلى رشدهم.
كما قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان
وأحسن منه قول الله -جل وعلا-: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34].
4- أغن قلبك بالقناعة: فإن الحرص يسبب الفقر للقلب، ويحدث فيه فاقة لا يسدّها شيء أبدًا، أما القناعة والرضى بما كتبه الله من الرزق؛ فيوجب للقلب الغنى، ويولِّد فيه الطمأنينة والسكينة، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر: {يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: فترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب} [الراوي: أبو ذر الغفاري، المحدث: الألباني، صحيح الترغيب برقم: 3203].
والقناعة متى سكنت القلوب؛ أصابها الخير كله، وسلِمت من آفات الشح والحرص والبخل، وهي من أخطر الأمراض الفتاكة قال -تعالى-: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن: 16].
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم} [الراوي: جابر بن عبدالله، المحدث: مسلم، صحيح].
والشح: هو شدة الحرص.
ومن ينفق الأيام في جمع ماله
مخافة فقر فالذي فعل الفقر
ولا تحسبن الفقر فقر من الغنى
ولكن فقر الدين من أعظم الفقر
أخي الكريم: واعلم أن العناية بمقويات القلب وأسباب عافيته أكثر من أن تحصر في هذا الكتاب، ولكن عليك بكثرة ذكر الله بعد أداء فرائضه؛ فإنه أعظم عون لك على طهارة قلبك، فإنك إن داومت على ذكر الله تسبيحًا، واستغفارًا، وتهليلاً، وتكبيرًا؛ وجدت أثر ذلك واضحًا على قلبك، فإن زدت حرصًا على الصيام واجتنبت كثرة النوم والأكل والكلام والضحك؛ نلت عافية قلبك وسلامته.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
-------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-2013, 08:18 PM   #4059
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الموت.. قاطع الأفراح
الحمد لله تعالى الذي علا في سماواته. الذي جعل الموت والحياة آية من آياته. والصلاة والسلام على محمد سيد البريات. وصاحب المعجزات الباهرات. وعلى آله وأصحابه ألوية الصدق، ونسيم الأنفس الزاكيات وبعد.
أخي المسلم: رووا أن أعرابيا كان يسير على جمل له فخر الجمل ميتا! فنزل الأعرابي عنه وجعل يطوف به يتفكر فيه! ويقول: مالك لا تقوم؟، مالك لا تنبعث؟!،
هذه أعضاؤك كاملة، وجوارحك سالمة!، ما شأنك؟، ما الذي كان يحملك؟!، ما الذي كان يبعثك ما الذي صرعك؟!، ما الذي عن الحركة منعك؟! ثم تركه وانصرف متفكرا في شأنه!
أخي: إنه (الموت!) مهلك العباد.. وموحش البلاد وميتم الأولاد... ومذل الجبابرة الشداد.. لا يعرف الغير.. ولا يميز بين الوضيع والوزير.. ولا يحابي صاحب المنصب الكبير.. سيوفه على العباد مصلتة.. ورماحه على صدورهم مشرعة.. وسهامه لا تطيش عن الأفئدة.
خبر علمنا كلنا بمكانه
وكأننا في حالنا لم نعلم

أخي: إنه (الموت) كم قرح من قلوب.. وكم أوقع من كروب.. أبشع من أن يوصف! وأشد من أن يعرف!، سره مطوي من الخلائق.. لا يعلمه إلا كاشف الضر والبوائق... تبارك وتعالى وتنزه من خالق..
أخي: كأس الموت أمر من الحنظل!، لا يعرف طعمها إلا من ذاقها!، وأنى لمن ذاقها أن يوصفها على حقيقتها؟!
- لما نزل الموت بعمرو بن العاص قال له ابنه: يا أبت قد كنت تقول: إني لا أعجب من رجل ينزل به الموت ومعه عقله ولسانه كيف لا يصفه؟!
فقال: يا بني الموت أعظم من أن يوصف!، ولكن سأصف لك منه شيئا والله لكأن على كتفي جبال رضوى وتهامة!، وكأني أتنفس من سم إبرة!، ولكأن في جوفي شوكة عوسج!، ولكأن السماء أطبقت على الأرض وأنا بينهما!
أخي: يا حر قلب علم أن له يوما يتجرع فيه مرارة تلك الكأس!... أخي ألا قلت معي بقلب صادق: اللهم هون علينا سكرات الموت يوم تطوى صحائفنا! وتنقضي أيامنا!، برحمتك يا راحم المستعيذين بك... وواهب المخطئين لعفوك..
أخي: ألا أنبه ما بك من الغفلة؟ ألا أدخل الفزع في قلبك فخذ أخي هذا الوصف الفظيع للموت! قال عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- لكعب: يا كعب حدثنا عن الموت!، قال: إن الموت كشجرة شوك أدخلت في جوف ابن آدم!، فأخذت كل شوكة بعرق منه! ثم جذبها رجل شديد القوى فقطع منها ما قطع، وأبقى ما أبقى! أخي: فيا لله كم هذا الموت فظيع وكم هو شديد وعظيم!، وروى أيضا: أن الموت أشد من ضرب بالسيوف! ونشر بالمناشير! وقرض بالمقاريض! وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق: 19]، حقا.. يا لها من سكرة ويا لها من شدة هنالك حيث الروح تحشرجت!، والأعين قد شخصت!، والقلوب قد وجفت!، والكلمات تلجلجت!، فيا لله! كم في ذلك من كربات! وكم فيه للنفوس من مصائب وبليات!
أخي في الله: أليس مما يدخل الفزع في النفوس! أن نبينا يوم أن أجاب داعي ربه سأله ربه -تعالى- أن يخفف عنه سكرات الموت؟!!، فها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تحكي لنا ذلك فتقول: وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يديه فيا لماء فيمسح بها وجهه يقول: {لا إله إلا الله إن للموت سكرات!} [رواه البخاري]، وللترمذي: {اللهم أعني على غمرات الموت! أوسكرات الموت!} [حسن غريب].
أخي: ما أعظم سكرات الموت!، وما أشد كرباته!، أبعد رسول الله يرجى لأحد أن يشرب كأس الموت صافيا؟!
فمثل نفسك يا مغرور وقد حلت بك السكرات! ونزل بك الأنين والغمرات!، فمن قائل يقول: إن فلانا قد أوصى وماله لا يحصى، ومن قائل قول: إن فلانا ثقل لسانه. فلا يعرف جيرانه!، ولا يكلم إخوانه!، فكأني أنظر إليك تسمع الخطاب، ولا تقدر على رد الجواب!، ثم تبكي ابنتك وهي كالأسيرة وتتضرع وتقول: حبيبي!، أبي!، من ليتمي من بعدك؟!، ومن لحاجتي؟!، وأنت والله تسمع الكلام!، ولا تقدر على رد الجواب!
وأقْبَلتِ الصُّغرى تُمرِّغُ خدَّها
على وجْنتي حينًا وحينًا على صَدْري
وتَخمشُ خدَّيها وتَبكي بحُرْقةٍ
تُنادي: أبي إني غُلِبْتُ على الصَّبْر
حَبيبي أبي مَنْ لليتَامى تركتَهمُ
كأفراخ زُغْب في بعيدٍ من الوَكر

أخي المسلم: لمثل هذا اليوم! فلتعد الزاد.. لمثل هذا اليوم!، فتهجر العناد والفساد.. ولمثل هذا اليوم!، فلتتق رب العباد..
دخل الحسن البصري رحمه الله على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت! فنظر إلى كربه وشدة ما نزل به، فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم!
فقالوا له: الطعام يرحمك الله.
فقال: يا أهلاه! عليكم بطعامكم وشرابكم، فوالله لقد رأيت مصرعا لا أزال أعمل له حتى ألقاه!
أخي: أولئك الصالحون حقا. أخذوا في التهيؤ للرحيل.. وقد غفل الغافلون! حتى هجم عليهم الموت! فطالت الحسرات وكثرت الجراحات.. فيا لسعادة أهل الخواتم الحسنة يوم تتلقاهم الملائكة: سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32] وقال الله تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب: 44].
قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "فيسلم ملك الموت على المؤمن عند قبض روحه، لا يقبض روحه حتى يسلم عليه أخي في الله: إذا انكشف غطاء الحياة الفانية!، خرجت تلك الأرواح المؤمنة الطاهرة تنزف إلى بارئها تعالى.. وقد أحدقت بها الملائكة المقربون فتفتح لها أبواب السماوات!، فسيتبشر بها أهل السماوات، ويثنون على صاحبها! وهم يتنسمون ريحها الطيب! الذي يشبه عمل صاحبها!
فيا الله! ما أسعدها من لحظات لتلك الأرواح الطاهرة وكأنها تقول: وداعا دار النحس والنكد.. وداعا دار الشفاء والجهد.. وداعا أيتها الدار الدنية.. الآسنة الردية..
أخي: سلمني الله وإياك من كل سوء، تلك هي قصة الأرواح الطاهرة! وها أنا أخبرك بقصة عروجها الطاهر، كما أخبرنا بذلك النبي إذ يقول : { إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس! معهم كفن من أكفان الجنة! وحنوط من حنوط الجنة! حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان }.
قال: { فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء! فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين! حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض! } قال: { فيصعدون بها فلا يمرون يعني بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟! فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها! حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة!. فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، أعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى } [رواه أحمد وغيره، صححه الألباني].
أخي: أرأيت كيف سعدت تلك الأنفس الزكية بلقاء بارئها تعالى؟!، فما أسعدها من أرواح عاملت ربها -تعالى- في الدنيا بالصدق والإخلاص فلقاها جزاء الصادقين.. وألبسها رداء الصديقين.. ولمثل هذا فليعمل العاملون...
ثم أخي أما بلغك خبر تلك الأرواح التي تنكرت لخالقها تعالى! فكفرت بعبوديته تعالى؟!، فما هي قصتها يا ترى لقد جازاها الله -تعالى- جزاء أعدائه!، الذين أعد لهم من العذاب والنكال ما تتفطر لذكره الأفئدة! فها هو نبينا الصادق -صلى الله عليه وسلم- يخبرنا عن تلك الأنفس الخبيثة التي لم تقم بوظيفة العبودية لله -تعالى-! قال -صلى الله عليه وسلم-: {وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه! معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب!} قال: {فتفرق في جسده! فينتزعها كما ينتزع السفود (حديدة يشوي بها اللحم) من الصوف المبلول! فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين! حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض! فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث؟! فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا! حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له! ثم قرأ رسول الله : لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]. فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا! ثم قرأ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31] } [رواه أحمد وغيره، صححه الألباني].
أخي: أرأيت كيف هو مصير أهل الخواتم الرديه؟! أعاذني الله وإياك من الخواتم السيئة.. أخي: ما أشقى روحه ملائكة العذاب! وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93].
أخي المسلم إنها منزلتان بعد الموت! لا ثالث لهما: إما لهما: إما أن تأتيك ملائكة الله تزف لك البشرى برضوان الله تعالى، وأنت يومها السعيد فزت وأفلحت.. وإما أن تأتيك ملائكة سود الوجوه تبشرك بسخط الله تعالى وسوء الخاتمة! فما أشقاك! وما أعظم خسراتك!
أخي: ألا دموع تذرفها؟! ألا زفرات تنفثها؟! ألا توجعات من بين الضلوع تخرجها؟! حقاً! قست القلوب! وران عليها غطاء الذنوب! نودع الأموات والقلوب أموات! نودع الأموات ولا عبرة ولا عظات! نودع الأموات ولا سؤال: أين القرار في النيران أو الجنات؟! نودع الأموات وها نحن قبل الممات أموات!
أخي في الله: إنه (كأس الموت!) وهو حكم الحي الذي لا يموت تبارك وتعالى.. فهل تذكرت أخي أنك ستتجرع يوما هذا الكأس حتى النهاية؟!!
أخي: (إنه هادم اللذات!) دعاك النبي إلى كثرة تذكرة إذ يقول : { أكثروا ذكر هاذم اللذات } [رواه الترمذي ونسائي، المحدث: الألباني، حسن صحيح، صحيح الترغيب 3333].
أخي: أتدري ما معنى: (هادم اللذات؟!) إنه قاطعها ومعدمها! حقا! أنه مزيل النعم... وقاطع اللذات! فهل من معتبر؟!
أخي: تذكر الموت يورث صدق الإقبال على الله تعالى ويمحو عن القلب آثار الدنيا! قال الدقاق: ( من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة ).
أخي: ألا تنضم إلى قافلة أهل الصائر؟! الذين كان ذكر الموت شعارهم.. ومحاسبة النفس دثارهم.. فهنيئاً أخي لمن كان في ركابهم! وهاهم يمرون فيملأون النفس عظة وذكرى..
- فهذا سفيان الثوري رحمه الله كان إذا ذكر الموت لا ينتفع به أياما! فإن سئل عن شيء، قال: ( لا أدري! لا أدري! ).
- وقال التيمي رحمه الله: ( شيئان قطعا عني لذة الدنيا: ذكر الموت! وذكر الموقف بين يدي الله تعالى! ).
- وكان محمد بن واسع رحمه الله إذا أراد أن ينام قال لأهله قبل أن يأخذ مضجعه: أستودعكم الله! فلعلها أن تكون منيتي التي لا أقوم فيها! فكان هذا دأبه إذا أراد النوم.
أخي المسلم: تلك هي حال الصالحين.. عرفوا أنهم لهم يوما يفارقون فيه دار الغرور! فتذكروا ساعة الرحيل.. وأعدوا الزاد للسفر الطويل..
أخي: يا ترى ما الذي دهانا؟! قد أطبقت الغفلة على القلوب وما تركت فيها موضعا لتذكر ذلك اليوم الموهوب.
أخي: هذا لمن سمع ندائي:
إخواني ما هذه السنة وأنتم منتبهون؟!
وما هذه الحيرة وأنتم تنظرون؟!
وما هذه الغفلة وأنتم حاضرون؟!
وما هذه السكرة وأنتم صاحون؟!
وما هذا السكون وأنتم مطالبون؟!
وما هذه الإقامة وأنتم راحلون؟!
أما آن لأهل الرقدة أن يستيقظوا؟! أما حان لأبناء الغفلة أن يتعظوا؟! واعلم أن الناس كلهم في هذه الدنيا على سفر! فاعمل لنفسك ما يخلصها يوم البعث من سقر!
آن الرحيل فكن على حذر
ما قد ترى يغني عن الحذر
لا تغترر باليوم أوبغد
فلرب مغرور على خطر

أخي: أليس من العجيب أن تودع كل يوم ميتا! ثم لا يحرك ذلك قلبا؟! ولا يثير خوفا أو فزعا؟! بل كان الموت مكتوب على هذا المشيع وحدة! أخي كم هي هذه الغفلة قبيحة! وكم هي كريهة وشنيعة! إنه عمى القلوب! وما أسوأه من عمى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور [الحج: 46].
قال الربيع بن برة: "عجبت للخلائق كيف ذهلوا عن أمر حق! تراه عيونهم، وتشهد عليه معاقد قلوبهم، إيمانا وتصديقا، بما جاء به المرسلون. ثم ها هم في غفلة عنه سكارى يلعبون!".
أخي في الله: تذكر الموت أنفع دواء للغفلة! فيا لهف نفسي إن لم يشفك ذلك أخي فأي دواء يشفيك؟! أم أي ترياق ينجيك؟! أخي: حقا! إن غطاء الغفلة شر غطاء! وإن رداء الغفلة شر رداء.. ومن لبسه اجتمعت عليه الأدواء.
أخي: إذا شغلتك الدنيا! فتذكر الموت.. فإنك راحل! ولن تجد أخي لتلك النفس سوطا أشد عليها من تذكر الموت! فإنه السوط الرادع الذي لطالما ضرب به الصالحون قلوبهم فارتدعت! وعادت طيعة... ذلولة إذا سلكت سبيل الطاعات! ونفورة... جامحة إذا دنت من سبيل المعاصي والخطايا!
"فتفكر يا مغرور في الموت وسكراته! وصعوبة كأسه ومرارته! فيا للموت من وعد ما أصدقه!، ومن حاكم ما أعدله! كفى بالموت مقرحا للقلوب!، ومبكيا للعيون ومفرقا للجماعات!، وهادما للذات!، وقاطعا للأمنيات!
فهل تفكرت يا بابن آدم في يوم مصرعك وانتقالك من موضعك؟!، وإذا نقلت من سعة إلى ضيق! وخانك الصاحب والرفيق! هجرك الأخ والصديق! وأخذت من فراشك وغطائك إلى غرر! وغطوك من بعد لين لحافك بتراب ومدر!، فيا جامع المال والمجتهد في البنيان! ليس لك والله من مال إلا الأكفان!، بل هي والله للخراب والذهاب! وجسمك للتراب والمآب! فأين الذي جمعته من المال؟!، فهل أنقذك من الأهوال؟!، كلا بل تركته إلى من لا يحمدك!، وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك!!" الإمام القرطبي.
أخي: إن طوال الأمل خلف كل بلية!؛ فالكل إذا أصبح ومسح النوم عن عينيه قتل الحبال الطوال من الآمال!
فيا لله... لقد افترشنا الآمال!، والتحفنا الآمال!، وتوسدنا الآمال!، لا الكبير يرده دنوه من الأجل!، ولا الصغير يرتدع بموت من هو في الصغر!

أتَطْمَعُ أنْ تُخَلَّدَ لا أَبالَكْ
أَمنْتَ من المنِيَّةِ أَنْ تَنَالَكْ
أَمَا والله إنَّ لَهَا رَسُولًا
وأَقْسمُ لو أتَاكَ لما أَقالَكْ
كأنِّي بالتُّرابِ عَليكَ رَدْمًا
وبالبَاكينَ يَقْتَسمُونَ مَالَكْ
فَلَسْتَ مُخَلِّفًا في النَّاس
ولا مُتَزَوِّدًا إلاَّ فِعَالَكْ

أخي: تذكر الموت ترياق نافع لعلاج داء (طول الأمل!).
فقد جاء أن امرأة جاءت إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تشكو إليها قساوة قلبها! فقالت لها عائشة رضي الله عنها: ( أكثري من ذكر الموت يرق قلبك! ) ففعلت المرأة ذلك، فرق قلبها! فجاءت تشكر عائشة رضي الله عنها.
أخي: ما أطال أحد الأمل إلا وركن إلى دنياه الفانية فأفنى أيامه في غير الطاعات.. وأضاع ساعات عمره في أحلام الأمنيات.
قال الحسن البصري رحمه الله: ( ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل! ).
أخي: وقف عند هذه القصة مع الصالحين يعلمونك: ما هو طول الأمل؟!
ففي لقاء جمع القلوب المؤمنة وهي تؤدي الصلاة، وفي الجمع قدوة الزهاد، وزينة العباد معروف الكرخي رحمه الله فأقام معروف الصلاة ثم قال لمحمد بن أبي توبة: تقدم.
فقال محمد: إني إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم غيرها.
فقال معروف: وأنت تحدث نفسك أن تصلي صلاة أخرى؟! نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل!
أخي المسلم: كم مضى من الدنيا؟!، وكم هلكت من أجيال وأمم؟!
أخي: كم مرت عليك من الأيام؟!، كم مرت عليك من الشهور؟!، كم مرت عليك من الأعوام؟
أخي: كم من ميت من إخوانك وأحبابك أودعته في جوف الثرى؟!
أخي: كم مرة في يومك أو شهرك أو سنتك تذكرت الموت؟!
أخي: كم مرة في حدثتك نفسك أنك قد تموت اليوم أو غدا؟!
أخي: كم من العمر مضى وانت تؤمل الآمال العراض؟!
وهل بلغت كل كما تؤمل؟! وإن هل وقفت بك الآمال عند أملك؟!
أخي: تذكر... ثم تذكر.. وإليك: "للعبد رب هو ملاقيه، وبيت هو ساكنه، فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه، ويعمر بيته قبل انتقاله إليه" الإمام ابن القيم.
أخي: هو الموت!، زائر غير محبوب... ووارد غير مرغوب وقريب غير مطلوب... قاطع اللذات.. ومفرق الجماعات ومبدد الأمنيات..
أخي: كن على حذر! وهل يغني الحذر؟! ما بقى أخي غير العمل الصالح فهو خير زاد.. وخير رفيق يوم المعاد.. وروضتك يوم الرقاد.. وأنيسك إذا تفرق عن قبرك العباد.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
--------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-2013, 08:58 PM   #4060
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

وعظ القلوب بكلام علام القلوب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لا بد أن تكون الموعظة مصاحبة للقلب الذي يتقلب بين حين وآخر، ولا بد للمؤمن أن يوطن نفسه على حضور مجالس الوعظ ففي ذلك ثبات له بإذن الله وإغاظة للشيطان الذي هو قريب من الواحد بعيد عن الجماعة، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء كما أخبر النبي بل قال: { اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك }. فإذا كان رسول الله لا يأمن على نفسه فكيف بنا نحن خاصة مع تلاطم أمواج الفتن في هذا الزمان، وإن القرآن الكريم من أكبر المواعظ الذي توعظ بها القلوب كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ [يونس:57]، ولقد كان رسول الله يجلس مع أصحابه ليعظهم ويذكّرهم ويرغّبهم ويرهّبهم بهذا القرآن العظيم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: قلنا يا رسول الله، ما لنا إذا كنا عندك رقّت قلوبنا وزهدنا في الدنيا وكنا من أهل الآخرة، فإذا خرجنا من عندك وآنسنا أهلنا وأولادنا أنكرنا أنفسنا ولهونا؟ فقال رسول الله : { لو أنكم إذا خرجتم من عندي كنتم على حالكم ذلكم لزارتكم الملائكة في بيوتكم }.
والقرآن يرقق القلوب بل يرقق الحجر، قال تعالى: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ [البقرة:74]. وقال تعالى: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21].
يخبر الله تعالى عن عظمة القرآن وفضله وجلاله، وأنه لو خوطب به صم الجبال لتصدّعت من خشية الله. فهذه حال الجبال وهي الحجارة الصلبة، وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال الله ربّها وعظمته وخشيته. فيا عجباً من مضغة لحم كانت أقسى من هذه الجبال تخاف من سطوة الجبار وبطشه، فلا ترعوي ولا ترتدع، وتسمع آيات الله تتلى عليها فلا تلين ولا تخشع ولا تنيب، فليس بمستنكر على الله عز وجل، ولا يخالف حكمته أن يخلق لها ناراً تذيبها إذا لم تلن بكلامه وزواجره ومواعظه، فمن لم يلن قلبه لله في هذه الدار، ولم ينب إليه ولم يذبه بحبه والبكاء من خشيته، فليتمتع قليلاً، فإن أمامه الملين الأعظم، وسيردّ إلى عالم الغيب والشهادة فيرى ويعلم.
فيا أيها الغافل عن تدبّر القرآن! إلى متى هذه الغفلة؟ قل لي وتكلم، حنانيك بادر بصالح الأعمال قبل أن تندم.
نشكو إلى الله القلوب التي قست
وران عليها كسب تلك المآثم
من خشية المولى هوى الجبل الذي
بالطور لانت قسوة الأحجار
أولم يئن وقت الخشوع فلا
تغرن الحياة سوى مغرار

ورقة القلب تنشأ عن الذكر والقرآن لأن ذلك يوجب خشوع القلب وصلاحه ورقته ويذهب بالغفلة عنه قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، وقال تعالى: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا [الحج:35،34]، وقال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]، وقال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23].

بذكر الله ترتاح القلوب
ودنيانا بذكراه تطيب

ولكن لم يتعظ بهذه الموعظة إلا القليل من الناس الذين رقت قلوبهم للقرآن واستجابوا لنداء الرحمن كما أخبر تعالى بقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].
لقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يجتهدون في قراءة القرآن لا سيما في رمضان لأنهم يعلمون أن شهر رمضان هو شهر القرآن،
كانوا يغلقون كتب العلم، ويتفرغون لهذا المنبع العظيم يروون به عطش قلوبهم، قدوتهم في ذلك نبي الرحمة فقد كان يدارسه جبريل القرآن في رمضان، وكان لأصحابه مثالا يحتذى في قراءته، فهذا عثمان بن عفان يختم القرآن كل يوم مرة.
وكان بعضهم يختمه في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم كل سبع، وبعضهم كل سبع، وبعضهم كل عشر، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، ولأبي حنيفة نحوه، وكان أحمد بن حنبل إمام أهل السنة يختم القرآن كل أسبوع، وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان ويختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان كل ثلاث وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: رمضان هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
قال ابن الحكيم: كان مالك بن أنس إذا دخل رمضان يفرّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف وكان لا يتشاغل إلا بالقرآن ويعتزل التدريس والفتيا والجلوس للناس ويقول: هذا شهر القرآن.
وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وترك بعض العبادات وأقبل على قراءة القرآن.
وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت.
كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه وكان بعضهم يختم في كل يوم وليلة ختمة، وبعضهم يختم في اليوم والليلة ثلاث ختمات، فالله أكبر، كانوا يفتحون المصاحف ويحلون ويرتحلون مع القرآن الكريم، كان لبيوتهم دوي كدوي النحل تشع نوراً وتملأ سعادة، وكانوا يرتلونه ترتيلاً ويقفون عند عجائبه ويبكون من عظاته ويفرحون بشاراته ويأمرون بأمره وينتهون بنهيه.
فهذه حال السلف الصالح، يدمنون تلاوة القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، إذاً فتلاوة القرآن مطلوبة في كل وقت ولا سيما في هذا الشهر.
فهذه حال القوم، فمن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من النوافل كثرة تلاوة القرآن واستماعه بتفكر وتدبر وتفهم.
قال خبّاب بن الأرت رحمه الله لرجل: تقرب إلى الله تعالى ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه.
وقال عثمان بن عفان: من أحب القرآن أحب الله ورسوله، فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره، ولا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم، فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم، كما قال بعض السلف: ( إذا أردت أن تعرف قدرك عند الله فانظر إلى قدر القرآن عندك ).
وكان بعضهم يكثر من تلاوة القرآن ثم اشتغل عنه بغيره فرأى في المنام قائلاً يقول له:

إن كنت تزعم حبي
فلم جفوت كتابي؟
أما تأملت ما فيه من عير
وما فيه من لذيذ خطابي

ولم يكونوا يقرؤونه ليقال إنهم يقرؤونه ولا يهذّونه هذّ الشعر كما الناس يفعلون، وإنما كانوا يتدبرون معانيه ويتأثرون بألفاظه فيحركون به قلوبهم ويرسلون به مدامعهم يتأملون عبره ويعيشون أنداءه ويسرحون طرف أفئدتهم في خمائله ويطلقون أكف الحب في كنوزه.
وليس الذي يجري في العين ماؤها
ولكنها روح تسيل فتقطُرُ

ويستحب البكاء عند تلاوة القرآن، وهو صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى في وصف الخاشعين من عباده عند تلاوة كتابه اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23].

سمعتك يا قرآن والليل غافل
سريت تهز القلب سبحان من أسرى
فتحنا بك الدنيا فأشرق صبحها
وطفنا ربوع الكون نملؤها أجرا

وقد كان صحابة رسول الله يتلون كتاب الله ويتأثرون يآياته فتلين جلودهم، وتدمع عيونهم وتخشع قلوبهم، فيرفعون أكفهم إلى ربهم ضارعين يسألونه قبول الأعمال ويرجونه غفران الزلات، ويتشوقون الى ما عنده من النعيم المقيم.
روي أن أبا بكر ابتنى مسجداً بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يتعجبون منه وينظرون إليه، وكان رجلاً بكّاءً لا يملك دموعه إذا قرأ.. وكان عمر بن الخطاب يصلي بالناس فبكى في قراءته حتى انقطعت قراءته وسمع نحيبه من وراء ثلاثة صفوف.
وكان عمر أيضاً إذا اجتمع الصحابة قال: يا أبا موسى ذكّرنا ربنا، فيندفع أبو موسى يقرأ بصوته الجميل وهم يبكون.
وإني ليبكيني سماع كلامه
فكيف بعيني لو رأت شخصه بدا
تلا ذكر مولاه فحنّ حنينه
وشوق قلوب العارفين تجددا

وللأسف لما أفسدت أمزجة المتأخرين عن سماع كلام رب العالمين، ظهرت التربية معوجة والفطرة منكوسة، والأفهام سقيمة.
ولما استبدل القرآن الكريم بغيره حل الفساد، وكثر البلاء، واضطربت المفاهيم وفشلت العزائم.
أسأل الله أن يهدينا ويصلح أحوالنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
----------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 21 ( الأعضاء 0 والزوار 21)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ الوآصل المنتدى الرياضي 6 10-12-2009 01:49 AM
اســـــــرار القلــــب..! الســرف المنتدى العام 22 29-09-2008 01:03 AM
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء امـــير زهران منتدى الحوار 4 02-09-2008 03:05 PM
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة رياح نجد المنتدى العام 19 15-08-2008 01:10 PM
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! البرنسيسة المنتدى العام 13 17-08-2007 11:04 PM


الساعة الآن 03:08 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved