![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4451 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() عشر وصايا للصبر على المصائب بسم الله الرحمن الرحيم ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلاً معبراً للمؤمن في هذه الحياة، فقال: «مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأَرْزِ لا تهتز حتى تُستحصد»(1). لقد اختلطت جذور الزرع في الأرض وتماسكت؛ فالريح ـ وإنْ أمالته ـ لا تطرحه ولا تكسره ولا تسقطه. وكذلك المؤمن فإنّ المصائب وإنْ آلمته وأحزنته فإنها لا يمكن أنْ تهزمه أو تنال من إيمانه شيئاً؛ ذلك أنّ إيمانه بالله عاصمُه من ذلك. وهذه الدنيا مليئة بالحوادث والفواجع، والأمراض والقواصم؛ فبينا الإنسان يسعد بقرب عزيز أو حبيب إذا هو يفجع ويفاجأ بخبر وفاته، وبينا الإنسان في صحة وعافية وسلامة وسعة رزق إذا هو يُفجع ويفاجأ بمرض يكدر حياته ويقضي على آماله، أو بضياع مال أو وظيفة تذهب معه طموحاته، وتفسد مخططاته ورغباته. في هذه الدنيا منح ومحن، وأفراح وأتراح، وآمال وآلام؛ فدوام الحال من المحال، والصفو يعقبه الكدر، والفرح فيها مشوب بترح وحذر. وهيهات أنْ يضحك من لا يبكي، وأنْ يتنعّم من لم يتنغَّصْ، أو يسعدَ من لم يحزنْ!! هكذا هي الدنيا، وهذه أحوالها، وليس للمؤمن الصادق فيها إلا الصبر؛ فذلكم دواء أدوائها. قال الحسن - رحمه الله -: «جرَّبْنا وجرَّب المجرِّبون فلم نر شيئاً أنفع من الصبر، به تداوى الأمور، وهو لا يُداوى بغيره». «وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر»(2)، وكان أمر المؤمن ـ من بين الناس ـ أمراً عجيباً؛ لأنّه «إنْ أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيراً له»(3). أمرنا الله بالصبر، وجعله من أسباب العون والمعيّة الإلهية؛ فقال - سبحانه - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، ثم أخبر مؤكِّداً أنّ الحياة محل الابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأرزاق والأموال والأنفس والثمرات، وأطلق البشرى للصابرين، وأخبر عن حالهم عند المصائب، وأثبت جزاءهم؛ فقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْـخَوْفِ وَالْـجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157]. فالصبر سبب بقاء العزيمة، ودوام البذل والعمل، وما فات لأحد كمال إلا لضعف في قدرته على الصبر والاحتمال، وبمفتاح عزيمة الصبر تُعالج مغاليق الأمور، وأفضل العُدَّة الصبر على الشدَّة. ما يعين على الصبر على النوائب: ونظراً لحاجة الناس جميعاً إلى هذه الخصلة، وافتقارهم الشديد إليها أقف معها وقفات، أذكِّر فيها بعشر وصايا تعين المسلم في الصبر على المصائب. وهي: * أولاً: إعداد النفس: على المسلم أن يهيِّئ نفسه للمصائب قبل وقوعها، وأنْ يدرِّبها عليها قبل حدوثها، وأنْ يعمل على صلاح شؤونها؛ لأنّ الصبر عزيز ونفيس، وكل أمر عزيز يحتاج إلى دربة عليه. عليه أنْ يتذكّر دوماً وأبداً زوال الدنيا وسرعة الفناء، وأنْ ليس لمخلوق فيها بقاء، وأنّ لها آجالاً منصرمة، ومدداً منقضية، وقد مثَّل الرسول - عليه الصلاة والسلام - حالَه في الدنيا «كراكب سار في يوم صائف، فاستظلَّ تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها»(1). فلا تغترّ ـ أيها المسلم ـ برخاء، ولا تؤمِّلْ أنْ تبقى الدنيا على حالة، أو تخلوَ من تقلُّب وإصابة واستحالة؛ فإنّ من عرف الدنيا وخبر أحوالها هان عليه بؤسها ونعيمها، وقد قال بعض الحكماء: «من حاذر لم يهلع، ومن راقب لم يجزع، ومن كان متوقِّعاً لم يكن متوجِّعاً». ومن أحبَّ البقاء فليُعِدَّ للمصائب قلباً صبوراً. * ثانياً: الإيمان بالقضاء والقدر: من آمن بالقضاء والقدر، وعلم أنّ الدنيا دار ابتلاء وخطر، وأنّ القدر لا يُردّ ولا يؤجَّل اطمأنت نفسه، وهان أمره. ومن المشاهَد المعلوم أنّ المؤمنين هم أقلّ الناس تأثُّراً بمصائب الدنيا، وأقلُّهم جزعاً وارتباكاً؛ فالإيمان بالقضاء والقدر صار كصِمَام الأمان الواقي لهم ـ بإذن الله ـ من الصدمات والنكسات. إنهم مؤمنون بما أخبرهم به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفت الصحف»(2)، وبأنّ الآجال والأرزاق مقرَّرة مقدَّرة والمرء في بطن أمه؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وكَّل الله بالرَّحِم مَلَكاً، فيقول: أيْ ربِّ نُطفةٌ؟ أيْ ربِّ عَلقةٌ؟ أيْ ربِّ مُضغَةٌ؟ فإذا أراد الله أن يقضي خلقها، قال: أيْ ربِّ أذَكَر أم أنثى؟ أشقيٌّ أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيُكتب كذلك في بطن أمه»(3). قالت أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً ـ: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قد سألتِ الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئاً قبل حِلّه، أو يؤخر شيئاً عن حله، ولو كنت سألتِ الله أن يعيذكِ من عذابٍ في النار، أو عذابٍ في القبر، كان خيراً وأفضل»(4). قال النووي - رحمه الله -: «وهذا الحديث صـريح في أنّ الآجـال والأرزاق مقدَّرة، لا تتغيّر عما قدّره الله - تعالى - وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك»(5). وأتى ابنُ الديلميِّ أُبَيَّ بنَ كعب فقال له: وقع في نفسي شيء من القَدَر، فحدِّثْني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي. قال: لو أنّ الله عذّب أهل سماواته وأهل أرضه عذَّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أُحُد ذهباً في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمنَ بالقدر، وتعلمَ أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار. قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود، فقال مثل ذلك. قال: ثم أتيت حذيفة بن اليمان، فقال مثل ذلك. قال: ثم أتيت زيد بن ثابت، فحدَّثني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك»(6). * ثالثاً: تذكر حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة لكل مسلم، كما قال - تعالى -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وفي تأمُّل حاله - عليه الصلاة والسلام - عظة وسلوى وعزاء؛ فقد كانت حياته كلها صبراً وجهاداً؛ ففي فترة وجيزة مات عمه أبو طالب الذي كان يمنع المشركين من أذاه، وماتت زوجته الوفيّة الصابرة خديجة، ثمّ ماتت بعض بناته، ومـات ابنـه إبـراهيم، فلـم يـزد على أنْ قـال ـ وقد دمعت عيناه ـ: «إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يَرْضَى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»(1)، ومات الكثير من أصحابه الذين أحبَّهم وأحبّوه، فما فَتَّ ذلك في عضُدِه، ولا قلَّل من عزيمته وصبره. ومن تأمَّل أحوال السـلف الصـالـح وجدهم - رضي الله عنهم - قد حازوا الصبر على خير وجوهه، وقد قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الممتحنة: 6]. تأمَّلوا حال عروة بن الزبير - رحمه الله - وقد ابتلي في موضع واحد بقطع رجله مع موت ابنه، فلم يزد على أنْ قال: «اللهمّ كان لي بنون سبعة فأخذتَ واحداً، وأبقيتَ لي ستة، وكان لي أطراف أربعة؛ فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة؛ ولئن ابتلَيْتَ لقد عافيت، ولئن أخذتَ لقد أبقيت»(2). ومات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، فدفنه أبوه، ثم استوى على قبره قائماً، فقال وقد أحاط به الناس: «رحمك الله يا بُنيّ! قد كنت براً بأبيك، والله ما زلتُ مذ وهبكَ الله لي مسروراً بك، ولا والله ما كنتُ قطّ أشدَّ بك سروراً، ولا أرجى بحظي من الله - تعالى - فيك منذ وضعتك في هذا المنْزل الذي صيَّرك الله إليه». * رابعاً: استحضار سعة رحمة الله، وواسع فضله: المؤمن الصادق في إيمانه يُحْسِن ظنَّه بربه، وقد قال الله كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا عند ظن عبدي بي»(3)، فثقوا بسعة رحمة الله بكم، وأنّ أقداره خير في حقيقة أمرها، وإنْ كانت في ظاهرها مصائبَ مكروهةً وموجعةً، وقد قال الله: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم -: «عجباً للمؤمن؛ لا يقضي الله له شيئاً إلا كان خيراً له! »(4). ثمَّ تأمَّلوا فيما حباكم به الله من النعم والمنن؛ لتعلموا أنّ ما أنتم فيه من البلاء كقطرة صغيرة في بحر النعماء! وتذكَّروا أنّ الله لو شاء لجعل المصيبة أعظم، والحادثة أجل وأفدح. واعلموا أنّ فيما وُقيتم من الرزايا وكُفيتم من الحوادث ما هو أعظم مما أُصبتم به. لمّا قتل الخضرُ الغلامَ الذي لقيه مع موسى أنكر موسى ذلك أول الأمر، حتى تبيّن له أنّ قتله كان لحكمة عظيمة، أخبر الخَضِر بها كما حكى عنه الله في كتابه فقال: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 80 - 81]، وأخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إنّ الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً»(5)، وقال قتادة: «قد فرح به أبواه حين وُلد، وحزنا عليه حين قُتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرضَ امرؤ بقضاء الله»(6). * خامساً: التأسي بغيره من أهل المصائب: تأسَّوْا بغيركم، وتذكَّروا مصاباتهم، وانظروا إلى من هو أشدّ مصيبة منكم؛ فإنّ في ذلك ما يُذهب الأسى، ويخفف الألم، ويقلِّل الهلع والجزع، وتذكَّروا أنّ «مَن يتصبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله»(7). ليتذكَّرْ من أصيب بعاهة أو مرض مَنْ أصيب بما هو أشدّ، وليتذكَّرْ من فجع بحبيب مَن فُجع بأحباب، وليتذكَّرْ من فقد ابنه مَن فقد أبناء، وليتذكَّرْ مَن فقد أبناءً مَن فقد عائلة كاملة. ليتذكَّر الوالدان المفجوعان بابنٍ آباءً لا يدرون شيئاً عن أبنائهم؛ فلا يعلمون: أهم أحياء فيرجونهم، أم أموات فينسونهم. وقد فقد يعقوبُ يوسفَ - عليهما السلام - ومكث على ذلك عقوداً من السنين، وبعد أنْ كبِر وضعف فقد ابناً آخر، فلم يزد على أنْ قال في أول الأمر: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْـمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]، ثمّ قال في الحال الثاني: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْـحَكِيمُ} [يوسف: 83]. جاء رجل كفيف مشوَّه الوجه إلى الوليد بن عبد الملك، فرأى حاله، ولم ير عليه شيئاً من علامات الجزع، فسأله عن سبب مصابه، فقال: كنت كثير المال والعيال، فبتنا ليلة في واد، فدهمنا سيل جرّار، فأذهب كل مالي وولدي إلا صبيّاً وبعيراً، فندّ البعير والصبيُّ معي، فوضعته وتبعت البعير لأمسك به، فعدت إلى الصبي فإذا برأس الذئب في بطنه قد أكله، فتركته وتبعت البعير فرمحني رمحة حطَّم بها وجهي، وأذهب بصري، فأصبحت بلا مال ولا ولد ولا بصر، فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أنّ في الناس من هو أعظم بلاءً منه. * سادساً: تذكّر أنّ المصائب من دلائل الفضل: المصائب من دلائل الفضل، وشواهد النبل، وكيف لا يكون ذلك، وقد سأل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! أيُّ الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياءُ، ثم الأمثل، فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان دينه صُلْباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه؛ فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة»(1). وقال عليه ـ الصلاة والسلام ـ: «مَن يرد الله به خيراً يُصِبْ منه»(2)، وأخبر أنّ «الله إذا أحبّ قوماً ابتلاهم»(3). * سابعاً: تذكر حُسن الجزاء: ليتذكر كل منا حُسن الجزاء ليخف حمل البلاء عليه؛ فإنّ الأجر على قدر المشقة، والنعيم لا يُدرك بالنعيم، والراحة لا تنال إلا على جسور من التعب، وما أقدم أحد على تحمُّل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجّلة، والصبر على مرارة العاجل يفضي إلى حلاوة الآجل، و «إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء»(4). سأل أبو بكر - رضي الله عنه - رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مستشكلاً وجلاً، فقال: يا رسول الله! كيف الصلاح بعد هذه الآية: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} [النساء: 123]، فكل سوء عملنا جُزينا به؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «غفر الله لك يا أبا بكر! ألست تمرض؟ ألست تنصَب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ »، قال: بلى! قال: «فهو ما تجزون به»(5). تذكَّروا ما أعدّه الله للمبتلَين الصابرين من الأجر والثواب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات، وحسن الخلف والعوض. فأمّا الأجر والثواب فلا أحسن ولا أعظم من الجنة جزاءً وثواباً، وقد وعد بها كثير من الصابرين؛ فوُعِدت بها تلك المرأة التي كانت تُصرع إذا ما صبرت، كما حدَّث بذلك عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى! قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إني أُصرَع، وإني أتكشف، فادْعُ الله لي! قال: «إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك»، فقالت: أصبر. وقالت: إني أتكشف، فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها»(6). ووُعِد بها الذي فقد بصره، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «إنّ الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوَّضته منهما الجنة»(7). ووُعِد بها المؤمن الذي يصبر عند موت حبيب له، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «يقول الله - تعالى -: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»(8). وكان لمن فقد ولداً نصيب كبير من البشارة بالجنة؛ لعلم الله بعظم مصيبته، وكونه بعباده رحيماً. فبشّر - عليه الصلاة والسلام - المرأة التي مات لها ثلاثة من أولادها بأنها احتمت بحمًى منيع من النار؛ فقد أتته ومعها صبي لها مريض، وقالت: يا نبي الله! ادعُ الله له! فلقد دفنت ثلاثة. قال: «دفنتِ ثلاثة؟! »، قالت: نعم! قال: «لقد احتظرت بحظار شديد من النار»(1). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّمَا مُسْلِمَينِ مَضَى لَهُمَا ثَلاثَةٌ مِن أولادِهِمَا، لم يبلُغُوا حِنْثاً كانُوا لَهُمَا حِصْناً حَصِيناً مِن النَّارِ»، فَقَالَ أبُو ذَرٍّ: مَضَى لِي اثنان يا رسولَ اللهِ! قال: «واثنان»، فقال أُبَيُّ أبُو المُنْذِرِ سَيِّدُ القُـرَّاءِ: مَضَـى لي واحـدٌ يَا رسول اللهِ! فقال رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وواحدٌ؛ وذلك في الصَّدمة الأولى»(2). وعن محمود بن لبيد عن جـابر قــال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل الجنة»، قال: قلنا: يا رسول الله! واثنان؟ قال: «واثنان». قال محمود: فقلت لجابر: أراكم لو قلتم: وواحد لقال: وواحد. قال: وأنا ـ والله ـ أظنّ ذاك»(3). وإليكما ـ أيُّها الوالدان المكلومان ـ حديثاً آخر ـ وحسبكما به عزاءً وتفريجاً ـ: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم! فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم! فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حَمِدَكَ واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسَمُّوه بيت الحمد»(4). بل إنّ السِّقْطَ ـ وهو الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه ـ سبب لدخول أمه الجنة؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده إنَّ السِّقْطَ ليجر أمه بسَرَرِهِ إلى الجنة، إذا احتسبته»(5). وأما تكفير السيئات فقد جاء في الحديث الصحيح: «ما من مسلم يصيبه أذى؛ شوكة فما فوقها إلا كفَّر الله بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها»(6)، وفي الحديث الصحيح الآخر: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا همٍّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»(7)، و «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة»(8). والمصائب من أسباب رفعة الدرجات؛ فبالصبر عليها يبلغ العبد منْزلة لم يبلغها بعمله. جاء في مسند الإمام أحمد: «إذا سبقت للعبد من الله منْزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبَّرَه، حتى يُبَلِّغَه المنْزلة التي سبقت له منه»(9). سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوماً: «ما تعدون الرَّقُوب فيكم؟ » قالوا: الذي لا يولد له. قال: «ليس ذاك بالرقوب، ولكنه الرجل الذي لم يقدِّم من ولده شيئاً»(10) أي: يموت قبل أنْ يموت أحد أولاده، وفي هذا إشارة إلى أنّ الأجر والثواب لمنْ قدَّم شيئاً من الولد، وأنّ الاعتداد به أكثر، والنفع فيه أعظم. وهي من أسباب حسن الخلف والعوض، فقد يعوَّض من فقد حبيباً بآخر أحسن منه، وقد يعوَّض من فقد ولداً بولد أبرَّ مـنه وأنفــع، وكـم في ثنـايا المحـن مـن منـح! أخبـرت أم سلمة - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها». قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أيُّ المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -»(11). ولذا فإنّ وفاة أحد الأبناء قد تكون خيراً لوالديه من وجوه؛ فقد يكون قد سبق في علم الله أنّ هذا الولد لو عاش لأتعب أبويه، كما مرّ في قصة الخضر والغلام، وقد يكون صبر الوالدين واحتسابهما سبباً لحسن الخلف، كما مرّ في قصة أم سلمة - رضي الله عنها -، وقد يكون دعاء المعزِّين والزائرين للوالدين: «اللهمّ اخلف عليهما خيراً، واجبر كسرهما، وأبدلهما خيراً منه» سبباً في صلاح إخوانه وتوفيقهم، وأنْ يُرزقا بخلف خير منه وأبرّ. * ثامناً: كف النفس عن تذكر المصيبة: على من أصيب بمصيبة أنْ يكفَّ نفسه عن تذكُّرها، وتردادها في ذهنه وتجوُّلها، وأنْ ينفيَ الخواطر والمهيِّجات إذا مرَّتْ به، ولا ينمّيها ويعايشها؛ فإنها تصير أماني لا نفع منها ولا غنًى وراءها، وأمثال هـذه الأمانـي رؤوس أموال المفاليس؛ لأنّ من مـات لا يعـود، وما قُضي لا يـردّ، وقـد روي عن عمر ابن الخطاب ـ - رضي الله عنه - ـ قوله: «لا تستفزُّوا الدموع بالتذكُّر». وممّا يقع فيه كثير ممّن أصيب بفقد حبيب أو قريب أنه يسعى إلى الاحتفاظ ببعض أشـياء الميـت التـي تذكِّـره به في كـل حـين، ممـا يحـول دون برء جراحه، ويجدِّد همومه وأحزانه. * تاسعاً: الابتعاد عن العزلة والانفراد: ابتعد ـ أيُّها المصاب ـ عن العزلة والانفراد؛ فإنّ الوسـاوس لا تزال تجاذب المنعزل المتفرِّغ، والشيطان على المنعزل أقدر منه على غيره. وأشغـل نفـسك بمـا فيـه نفعـك، واحـزم أمـرك، واشـتغل بـالأوراد المتـواصـلة والقـراءة والأذكـار والصـلوات، واجعلها أنيـسك ورفيـقك؛ فـإنّـه بـذكر الله تطمئنّ القلوب. * عاشراً: ترك الجزع والتشكي: إيّـاكم ـ عنـد المصائـب ـ والجـزعَ وكثـرةَ الشـكـوى، فإنّ مـن غفـل عـن أسبـاب العـزاء ودواعـي السلـوة تضـاعـفت عليه شـدّة الأسـى والحـسرة، وهـو بهـذا كمن سعى في حتفه وأعـان علـى تلـفه، فـلا يطـيـق علـى مصابه صبراً، ولا يـجد عنـه سُلُـوّاً، ولئـن كـان الصبر مستأصِلَ الحَدَثان فإنّ الجزع مـن أعـوان الزمان. من علم أنّ المقدَّر كائن والمقضيَّ حاصل كان الجزع عناءً خالصاً، ومصاباً ثانياً، وقد قال - تعالى -: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 22 - 23]. حُكي أنّ أعرابية دخلت من البـادية، فسمـعت صُــراخاً في دار، فقـالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان. فقالت: ما أراهم إلا من ربهم يستغيثون، وبقضائه يتبرّمون، وعن ثوابه يرغبون! تـذكَّـروا أنّ الجـزع لا يــردّ الفـائــت، ولكـنه يُحزن الصـديق ويـسرّ الشـامـت، ولا تـقـرنـوا بحــزن الحـادثــة قـنـوط الإيـاس؛ فإنـهـما لا يـبقـى معـهمـا صـبر، ولا يتّسع لهما صدر. وقد قيل: المصيبة بالصبر أعظم المصيبتين. مات لرجـل وامـرأة ابـنٌ يُحِبَّـانِهِ، فــقال الرجــل لزوجــته: اتـقي اللـه واحتـسبيه واصبري! فقالت: مصيبتي أعظم من أنْ أفسدها بالجزع. وقال بعض العقلاء: «العاقل عند نزول المصيبة يفعل ما يفعله الأحمق بعد شهر...فإذا كان آخر الأمر الصبر والعبد غير محمود فما أحسن به أنْ يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره! »(1). وإنما تُـنـال درجة الصبر في المصائب بما يدخل تحت اخـتيار المـرء؛ فتُـنال بتـرك الجـزع، وشــقّ الجــيوب، وضرب الخــدود، والمبـالغة فـي الشكـوى، وإظهار الكآبة، وتغيير الـعادة فـي الملبـس والمفـرش والمطـعـم. وعلـيـه أنْ يُظــهر الرضا بقضاء الله - تعالى -، ويعتقد أنّ ذلك كان وديعة فاستُـرجِعتْ، ويصـنع كــما صنـعت أم سُليم - رضي الله عنها - حين مات ابن لها، فقالت لزوجها أبي طلحة - رضي الله عنه - : «أرأيتَ لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: «فاحتسب ابنك». فلما علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: بارك الله لكما في غابر ليلتكما»(2). وأخيـــراً: فإنّ الصـبر على المصائـب يُعقـب الصابرَ الـراحــة منها، ويُكسبه المثوبة عنها، فإنْ صبر طائعاً وإلا احتمل همّاً لازماً، وصبر كارهاً آثماً، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سُلُوَّ البهائم. قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ـ: «إنّك إنْ صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور، وإنْ جزعت جرى عليك القلم وأنت مأزور»(3). وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : «إنا وجدنا خير عيشنا الصبر». وروي عن علي - رضي الله عنه - قوله: «اعلموا أنّ الصبر من الإيمان بمنْزلة الرأس من الجسد، ألا وإنه لا إيمان لمن لا صبر له». وقال الحسن - رحمه الله -: «ما تجرَّع عبد جرعة أعظم من جرعة حلم عند الغضب، وجرعة صبر عند المصيبة». وقال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - : «ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عوَّضه خيراً مما انتزعه». جعلنا الله جميعاً من الصابرين الشاكرين، وهو حسبنا ونعم الوكيل. -------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4452 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() عندما يحال بين المرء وقلبه بسم الله الرحمن الرحيم المرء بقلبه لا بجسده ومنظره؛ حقيقةٌ مهمة ينبغي للإنسان أن يتفطن لها ولا يغفلها أو يغضَّ الطرف عنها أو يتجاوزها، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم»(1)، ولذا فقد جاء ذكر لفظ (القلب) في القرآن أكثر من مائة مرة، ناهيكَ عن مرادفات (القلب) من (الصدر) و (الفؤاد)، ولهذا جاءت الشريعة بمخاطبة هذا الجزء المهم خطاباً يتواكب مع كل حدث يمرُّ به المرء، ومع كل قضية تقابله، أو معضلة ومصيبة تواجهه. وها هو ـ- تبارك وتعالى -ـ يعلن لعباده المؤمنين في «جملة تُعدّ من أعجب جمل القرآن»(2): {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]، «إذ إن من سنن الله في البشر الحيلولة بين المرء وقلبه الذي هو مركز الوجدان والإدراك ذو السلطان على إراداته وعمله، وهذا أخوف ما يخافه المتقي على نفسه إذا غفل عنها وفرَّط في جنب ربه، كما أنه أرجى ما يرجوه المسرف عليها إذا لم ييأس من روح الله فيها»(3)، كما أن هذه الجملة أيضاً «أبلغ جُمل القرآن وأجمعها لحقائق علم النفس البشرية وعلم الصفات الربانية وعلم التربية الدينية التي تعرف وقائعها بما تثمره من الخوف والرجاء»(4). ولعلِّي في هذه المقالة أحاول الغوص في إشراقات هذه الآية ومقاصدها وفوائدها؛ رغبةً في الوصول إلى فهم يؤثر في سلوكياتنا ونيّاتنا وأعمالنا؛ ليرتقي ويسمو بها إن شاء الله. أولاً: ماهية القلب: القلب عند أهل اللغة: «تحويل الشيء عن موضعه، يقال: قَلَبه يَقْلِبُه قَلْباً، وقلَّبه أي: حوله ظهراً لبطن، وتقلّب الشيء ظهراً لبطن. قال الشاعر: وما سُمِّي القلب إلا مِنْ تقلُّبه لرأي يصرف بالإنسان أطوارا وقال آخر: ما سُمِّي القلب إلا مِنْ تقلُّبه فاحذر على القلب من قلب وتحويل وعندما يطلق اللفظ فإنه يتناوله صنفان من الناس، فكل صنف يعرِّفُه بطريقته: الصنف الأول: الأطباء، ويقولون: إنه عضو عضلي أجوف يقع في منتصف التجويف الصدري تقريباً. أو هو المضخة التي تضخ الدم من بداية تشكّل الجنين وحتى وفاة الإنسان دون توقف من ليل أو نهار بما يعادل سبعة آلاف ومئتي لترٍ من الدم يومياً إلى كل خلية في الجسم عبر شبكة معقدة طويلة من الشرايين والأوردة والشعيرات الدموية التي يبلغ طولها آلاف الكيلومترات. الصنف الثاني: العلماء والفقهاء والعارفون بأحوال القلوب، وقد قالوا: «هو لطيفة ربانية روحانية لها تعلّق بالقلب الذي عرّفْناه آنفاً»(1). وفرّق بعضهم فجعل الأول القلب العضلي والثاني القلب المعنوي. خلاصة الأمر: إن تحقيق الأمر في تعريف القلب هو من قبيل تحقيق عن السر الذي لم يفصح عنه ربنا ـ - جل وعلا - ـ ولا نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وهو الأجدر بالاعتماد، وما ذكرته ما هو إلا تقريب للمعنى. ثانياً: القلب هو الأصل وهو الـمَلِك: ينبغي أن نعلم أنَّ «القلب هو الأصل في جميع الأقوال والأفعال؛ فما أمر به الله من الأفعال الظاهرة فلا بد فيه من معرفة القلب وقصده، وما أمر به من الأقوال كذلك، والمنهي عنه من الأقوال والأفعال إنما يعاقب عليه إذا كان بقصد القلب»(2). وهو «الـمَلِك الذي تصدر الأقوال والأفعال عنه، فإذا لم يعلم ما يقول لم يكن ذلك صادراً عن القلب بل يجري مجرى اللَّغْو، والشارع لم يرتِّب المؤاخذة إلا على ما كسبه القلب من الأقوال والأفعال كما قال ـ - تعالى -ـ: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]»(3). ولما كان الأمر كذلك فإن الأنبياء والعلماء والصالحين جعلوا له مكانة مرموقة ودرجة عالية من الاهتمام والعناية، يقول ابن القيم ـ - رحمه الله - ـ: «ولما كان هذا القلب لهذه الأعضاء كالـمَلِك المتصرّف في الجنود التي تصدر كلها عن أمره ويستعملها فيما شاء فكلها تحت عبوديته وقهره، وتكتسب منه الاستعانة والزيغ، وتتبعه فيما يعقده من العزم ويحله؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله»(4) «فهو ملكها وهي المنفِّذة لما يأمرها به، القابلة لما يأتيها من هدايته، ولا يستقيم لها شيء من أعمالها حتى تصدر عن قصده، وهو المسؤول عنها كلها؛ لأن كل راعٍ مسؤول عن رعيته، كان الاهتمام بتصحيحه وتسديده أولى ما اعتمد عليه السالكون والنظر في أمراضه وعلاجها أهم ما تنسك به الناسكون»(5). وقال أبو هـريرة - رضي الله عنه - : «القلب مَلِك والأعضاء جنوده، فإذا طاب الـمَلِك طابت جنوده، وإذا خبث خبثت جنوده»(6). ثالثاً: التلازم بين القلب والجوارح: هذه الآية دليل واضح لهذا التلازم المهم والمؤثر في حياة الإنسان وعلاقته بربه وخالقه، إذ لن يصلح القلب (الـمَلِك) إلا إذا صلحت جنوده (أعضاء الجسم)، ولن تصلح الجنود إلا بصلاح الـمَلِك، فيجب على المرء أن يستجيب لأمر الله، وينتهي عمّا نهى الله عنه وزجر، وبذلك يستقيم هذا الـمَلِك، فتصبح أوامره للجوارح صحيحة، ومن ثم تكون النتائج صحيحة، فالجنود يجب عليهم تنفيذ الأوامر بل الاستبشار بها، والاستجابة لها والمبادرة السريعة لتنفيذها، فإن حصل ذلك تمكّن هذا الـمَلِك في ملكه، وتعزّز وضعه، وثبت على عرشه، وكان جديراً له أن يحكم الرعية ويسوسها بحكم عادل ثابت بعيداً عن الزيغ والضلال والانحراف؛ «وإذا قام بالقلب التصديق به ـ أي: الله - عز وجل - ـ والمحبة له لزم ضرورةً أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة؛ فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمُه ودليله ومعلوله، كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له ـ أيضاً ـ تأثير فيما في القلب، فكل منهما يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له، والفرع يستمد من أصله، والأصل يثبت ويقوى بفرعه»(1). «إنَّ ما يقوم بالقلب من تصديق وحب لله ورسوله وتعظيم، لا بد أن يظهر على الجوارح، وكذلك بالعكس، ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن، كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب»، وكما قال الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: لمن رآه يعبث في الصلاة: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)...فإن الإرادة التي في القلب مع القدرة توجب فعل المراد»(2)، فـالجوارح وإن كانت تابعة للقلب فقد يتأثر القلب ـ وإن كان رئيسها وملكها ـ بأعمالها؛ للارتباط الذي بين الظاهر والباطن، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرجل ليصدق فتنكت في قلبه نكتة بيضاء، وإن الرجل ليكذب الكذبة فيسودّ قلبه»(3)، فمثلاً: الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره: قول اللسان وعمل الجوارح، وباطنه: تصديق القلب وانقياده ومحبته، فلا ينفـع ظــاهـر لا باطن له وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية، ولا يجزئ باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك، فتخلُّف العمل ظاهراً مع عدم المانع دليلٌ على فساد الباطن وخلوّه من الإيمان، ونقصه دليل نقصه، وقوته دليل قوته، فالإيمان قلب الإسلام ولبّه، واليقين قلب الإيمان ولبّه، وكل علم وعمل لا يزيد الإيمانَ واليقينَ قوةً فمدخول، وكل إيمان لا يبعث على العمل فمدخول»(4). وتأكيداً على هذه المسألة المهمة آتي بمثال يوضحها أكثر، حيث إنه: «لا يصرُّ على ترك الصلاة إصراراً مستمراً من يصدق بأن الله أمر بها أصلاً، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقاً تصديقاً جازماً أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب، وهو مع ذلك مصرٌّ على تركها، هذا من المستحيل قطعاً، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبداً، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها فليس في قلبه شيء من الإيمان، ولا تصغِ إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها. وتأمّل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له من الفعل، وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية»(5). والكلام في هذا الباب يطول، ومقصودي أن ذكر الآية للمرء بما فيه من جوارح تنقاد بالضرورة لـمَلِكها (القلب) وما فيه من أعمال؛ فهذه الحيلولة ما حصلت إلا لوجود هذا التلازم العظيم والمهم والذي يثبت قواعد راسخة لمسألة تعاطي الإيمان وترجمة مدّعيه عملاً حقيقياً في أرض الواقع. رابعاً: التحذير من الحيلولة بين المرء وقلبه: المتأمِّل الآية الكريمة ـ التي هي محور مقالنا هذا ـ والعالِم بوقت نزولها والحادثة التي نزلت فيها يستشفُّ مدى عظمتها ومكانتها. لقد نزلت هذه الآية في السنة الثانية من الهجرة وفي سياق الحديث عن معركة بدر في سورة الأنفال، السورة التي بيّنت وقائع مهمة من أحداث المعركة. ولعلِّي ألخّص عدداً من الفوائد التي قدّمتْها لنا هذه الآية فيما يتعلق بالباب الذي نحن بصدده: 1 ـ ينادي ربنا ـ جلّ في علاه ـ الصحابة ـ - رضي الله عنهم - ـ بوجوب الاستجابة له ـ - سبحانه - ـ ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يحصل ذلك منهم فإنه قادر على أن يحول بين المرء وبين قلبه، فكأن هذا تحذير لهذه العصابة المؤمنة المبتدئة والحديثة العهد بالتبعات الإيمانية من مغبّة الاستهتار والغفلة عــن مقتضيـات الإســـلام والإيمــان، فكـمـا أدخـل وكتـب ـ - سبحانه وتعالى - ـ الإيمان في القلب فإنه قادر أن يمنع استمراره فيه وثباته عليه، إنه «يخبرهم ويعلمهم أنه أملك لقلوب عباده منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شـاء حتـى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئاً من إيمان أو كفر، أو أن يعيَ به شيئاً، أو أن يفهم إلاَّ بإذنه ومشيئته. وذلك أن الـحول بـين الشيء والشيء إنـما هو الـحجز بـينهما، وإذا حجز ـ جلّ ثناؤه ـ بـين عبد وقلبه فـي شيء أن يدركه أو يفهمه، لـم يكن للعبد إلـى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكَه سبـيـلٌ»(1). 2 ـ أنه خطاب ونداء مهمّ للصحابة ـ - رضي الله عنهم - ـ في تلك المرحلة خصوصاً، وللأمة عموماً في كل مرحلة تمرّ بها؛ من رخاء وشدة وعُسْر ويُسْر وبَأْساء وضرّاء، بأن يلتفتوا إلى قلوبهم فيعزّزوها بالاستجابة السريعة والمساعي الحثيثة لتنفيذ ما يريده الله، وتحكيم شريعته بينهم، لتحيا أجسادهم حياة كريمة طيبة وعزيزة، بعيدة عن الذلّة والمهانة في الدنيا والآخرة؛ «فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهراً وباطناً، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة، فمَنْ فاته جزء منه فاته جزء من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول - صلى الله عليه وسلم -»(2)، فاستجابة القلب وإذعانه لخالقه ومولاه أعظم السبيل لحياته وسلامته؛ ذلك أن الله ـ جل جلاله، وتقدّست أسمـاؤه وصفـاته ـ متمـكنٌ مـن قلـوب العـباد كيف يشاء بما لا يقدر عليها صاحبها؛ فيفسخ عزائمه ويغير مقاصده ويلهمه رشده ويزيغ عن الصراط السويّ قلبه ويبدله بالأمن خوفاً وبالذكر نسياناً، وذلك كمن حالَ بين شخص ومتاعه، فإنه القادر على التصرف فيه بدونه»(3). 3 ـ وليس معنى ذلك أن الله ـ - سبحانه وتعالى - ـ يفعل ذلك ظلماً وعدواناً بقلوب عباده، بل إن فعله ـ- تبارك وتعالى -ـ عدلٌ فيمن حادَ وضلَّ عن الصراط المستقيم وأعرض عن الهداية والاستقامة، أما من كان مستجيــباً ومستقيماً فــإنه ـ - عز وجل - ـ أخبر أنه لولا استغفار عباده ورجوعهم إليه لعذَّبهم وأهلكهم في الدنيا قبل الآخرة، قال ـ - تعالى -ـ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]، وقال ـ - سبحانه - ـ: {وَأَنِيبُوا إلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} [الزمر: 54]، فالمقدمات الصـادقة الصحيحة لا تولد إلا نتائج صادقة صحيحة، فمتى ما تحققت الاستقامة والاستجابة تحققت الحياة الطيبة الكريمة وتحقــق ثبات القلــب واستقامــته، ولهــذا فالله ـ - سبحانه - ـ يحول بين الكافر وبين الإيمان «وهكذا فعل بفرعون، منعه من الإيمان جزاء على تركه الإيمان أولاً؛ فدسّ الطين في فم فرعون من جنس الطبع والختم على القلب ومنع الإيمان وصون الكافر عنه، وذلك جزاءً على كفره السابق»(4). 4 ـ إن حياة القلب واطمئنانه وثباته واستقامته إنما تكون بالامتثال والالتزام بأوامر الله والاقتداء بهدي نبيه - صلى الله عليه وسلم - والانتهاء والابتعاد عن نواهيه، فإن لم يحصل ذلـك فـإن الله ـ جلَّ جلاله ـ «يحول بين العبد وبين قلبه، فيعلم هل استجاب له قلبه؟ وهل أضمر ذلك؟ أو أضمر خلافه؟ »(5)؛ حينها يجعل ـ - سبحانه وتعالى - ـ المرء لا يملك قلبه الذي بين جنبيه، ولا يستطيع بأيِّ حال من الأحــوال أن يقــوده إلى ما يريد، بل إن هذا القلب تنقلب عليه الأمور رأساً على عقب، وتختلط عنده الموازين، وتهتزّ أرضه من تحته، وتسقط قواعده وأركانه، ويخرّ السقف عليه من فوقه، ويصبـح كالبيت الخرب ليس فيه قرار ولا مأوى، والأسوأ أن يكون عشّاً تعشعش فيه الشياطين، فلا الإيمان فيه يقوم ولا الإسلام إليه يروم. وحدِّث ولا حرج عن قلب كهذا يقود جوارح الإنسان، فإنه ولا شك يرديها ويوبقها ويسوقها إلى حتفها وسوء مأواها، وبئس القرار والمأوى، نسأل الله العفو والعافية. خامساً: صــور من الحيلولة: لا تحدث الحيلولة بين المرء وقلبه دفعة واحدة أو فجأة، بل ينبغي أن تحدث بعد عدد من المراحل والخطوات يسلكها المرء في لحظات من الغفلة والاستهانة بسنن الله في خلقه حيناً، ومن الإعراض والإصرار على الخطأ والذنب حيناً آخر، ودعني أوضِّح المقال بالأمثلة: - هذا الملتزِم حديث عهد بالتزام تجده في خطوات التزامه الأولى مجتهداً في ظاهره بطاعة ربه، ملتزماً بهدي نبيه - صلى الله عليه وسلم -، خاشعاً في صلاته وقراءته القرآن، محباً للخير فعّالاً له، سبّاقاً لفعل المعروف والأمر به، نهًّاءً عن المنكر، ثابتاً على المبادئ والقيم التي ترسخت في قلبه وعقله، وبما أن الطريق طويل والابتلاءات والمطبّات كثيرة، والعقبات في وجه التزامه تتوالى؛ يحصل له فتورٌ وكـسلٌ، كما قــال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثم إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة.. الحديث»(1). نجد أن هذا الملتزِم ـ كما يقال ـ يبدأ يتهاون شيئاً فشيئاً بعد أن كان ملتزِماً، ويقصر عن الذي كان له محافظاً، ويتأخر كثيراً عن الذي كان له مشمِّراً، ويبدأ الشيطان يزيِّن له المعصية وإن صغرت، ويحلّيها فيقع فيها بنظرة أو كلام أو سماع أو تناول محرّم، فإن عاد واستغفر فإنما هي عودةُ متردّدٍ وإذا به يرتادها بين الفينة والأخرى، ناهيكَ أن يكون عاشقاً أو مغرماً بجمال امرأة أو أمرد كلما عرضت له صورة أحدهما في تلفاز أو أمام عينه مباشرة، كل ذلك وقلبه تُنكت فيه نكت المعاصي والذنوب وهو لا يحس! ويخلط العمل الصالح بالعمل السيِّئ، فربما تجده في زمرة الطيبين، في مجالسهم ومنتدياتهم ومحاضراتهم وندواتهم وشتــى أعمالهـم، وشتـّان بيـنه وبينهم! فقلبه حينئذ بدأ وكأنه يـودع صاحبه في سلّم طائرة الشيطـان والأخ كأعمى لا يبصر تلويح الوداع، حينها تكون الحيلولة، فيلتفت يمنة ويسرة فإذا الخشوع قد ولّى، وإذا الرقّة واللين قد غابا وتـلاشا كـلاهما فلم يبقَ له إلا القسوة والحسرة، فهذا الأمر لم يكـن إلا بعد خطوات شيطانية لم ينتبه المسكين إليها، فيستيقظ من غفلته ويحافظ على قلبه بالأَوْبة الصادقة والـتوبة النصـوح والمحـاسبة الدائمة مع استجابة مستمرة لا تنقطـع لأمـر اللـه ونهيـه، واقتـداء متـواصل بهـدي رسوله - صلى الله عليه وسلم -، حتى يبقى قلبه متلألئاً نيِّراً كأنما علِّق على صدره سراج وهّاج يضيء له الطريق حتى يحذر بنياته المهلكة. - كما أن العالم أو الداعية أو الواعظ تعرض لهم هذه الحيلولة فمستقل أوّابٌ إلى ربه، ومستكثرٌ يزلُّ فيزلّ به العالـَم ويُمحى ذكرهُ بعد أن كان منشوراً بين الخلائق، فمنهم من لم يطلب العلم إلا ليقال: العالم الفلاني، ومنهم الداعية النشط في الدعوة والواعظ الخطيب المفوّه الذي يهزّ أعواد المنابر وتجتمع له الناس مصغية متأثرة وما ذلك إلا ليُمدح وتنشر له دواوين الثناء في الآفاق، وفي ذلك يقول ابن الجوزي ـ - رحمه الله - ـ: «فالعالم منهم يغضب إن ردَّ عليه خطــؤه، والواعـظ متصــنّع بوعظــه، والمتزهد منافق أو مراءٍ. فأول عقوباتهم إعراضهم عن الحق شُغلاً بالخَلْق. ومن خفيِّ عقوباتهم سلب حلاوة المناجاة، ولذة التعبد»(2). ثم يقول: «إن من العلماء من شغلهم العلم عن الكسب، فاحتاجوا إلى ما لا بد منه، وقلَّ الصبر فدخلوا مداخل شانتْهم وإن تأولوا فيها، إلا أن غيرها كان أحسن لهم؛ فالزهري مع عبد الـمَلِك، وأبو عبيدة مع طاهر بن الحسين، وابن أبي الدنيا مؤدب المعتضد، وابن قتيبة صدَّر كتابه بمدح الوزير. وما زال حِلفٌ من العلماء والزهاد يعيشون في ظل جماعة من المعروفين بالظلم، وهؤلاء وإن كانوا سلكوا طريقاً من التأويل فإنهم فقدوا من قلوبهم وكمال دينهم أكثر مما نالوا من الدنيا»(3). قلت: هذا كلام ابن الجوزي ـ - رحمه الله - ـ في قوم قد سبقوه، فكيف لو رأى حالنا وزماننا لكتبَ مجلدات من كثرة ما سيصطاده خاطره! لـقد حيل بينهم وبين قلوبهم حتى سرحت مع المركـب الهنيّ والفراش الوطيء وسعي للنعيـم والراحـة بعيداً عن مواطـن الأذى والتضـييق، حـتى تغيرت المواقـف واهتـزت الثوابت وانقلبت إلى متغيرات بين عشية وضحاها! ولست أعمّم هنا، فلا زالت الأمّة تمتلك علماء كُثُر أجلاء أكابر تفتخر بهم وبجهودهم، ودعاة ينافحون لأجل تبليغ دعوة الله، والذّود عن شريعته، وإن اختلفت مذاهبهم ومواقفهم، إلا أنهم لا زالوا صِمَام أمان لأمّتهم، ولا زالت أمّتهم تكنّ لهم محبة واحتراماً وتوقيراً، وما ذلك إلا لصدقهم واستقامتهم، كأنهم عود هندي طُرح على مجمر ففاح طيبهم فاستنشقتهم الخلائق ومدحتهم الألسن ورُفعت الأكفُّ ابتهالاً إلى المولى أن يحفظهم ويسدد خطاهم، هكذا أحسبهم، والله حسيبهم، ولا أزكي على الله أحداً. سادساً: الأسباب الشرعية للوقاية من الحيلولة: لقد نبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهمية العناية بالقلب وأعماله في كثير من المواضع؛ ليُعلِّم الصحابة ـ - رضي الله عنهم - ـ أن لا يركنوا إلى أعمالهم وطاعاتهم ويعتقدوا أن النجاة بسببها، بل يتعاهدوا قلوبهم ويحافظوا على سلامتها وصفائها من الزيغ والانحراف، فإذا أصابتهم الشدائد والابتلاءات كانوا أسرع أَوْبة واستجابة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فعن عائشة ـ - رضي الله عنها - ـ قالت: «دعواتٌ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهــا: يا مقلِّب القلــوب ثبِّــتْ قلبــي علـى دينــك، قـالت: فقلت: يا رسول الله! إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء، فقال: إن قلب الآدمي بين أصبعين من أصابع الله فإذا شاء أزاغه وإذا شاء أقامه»(1). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، قال: فقلنا: يا رسول الله! آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم؛ إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها»(2). وعن النواس بن سمعان الكلابي - رضي الله عنه - يقول: «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقـول: ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه. وكان يقول: يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، قال: والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه»(3). وعن أم سلمة ـ - رضي الله عنها - ـ: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر في دعائه يقول: اللهم مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، قالت: فقلت: يا رسول الله! أو إن القلوب لتقلّب؟ قال: نعم؛ ما خلق الله من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع الله ـ - عز وجل - ـ فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه، فنسأله ربنا أن لا يزغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، قالـت: فقلــت: يا رسول الله! ألا تعلّمني دعوة أدعو بها لنفسي، قال: بلى؛ قولي: اللهم ربّ النبي محمد! اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني»(4). «لقد كـان - صلى الله عليه وسلم - يكثــر من هـــذا الــدعاء وهو رسول اللـه المعصوم، فكيــف بالنــاس وهـــم غــيـر مــرسلــين ولا معصومين؟ »(5). هذا الإكثار والتكرار النبوي في دعائه - صلى الله عليه وسلم - ربَّه بثبات قلبه على الدين يثمر لنا عدداً من الفوائد: - منــها: ما سُمِّـي القلــب إلا لتـقلّبه، كما وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ القلبِ مثل الريشة تقلبها الرياحُ بفَلاة»(6). وهذه الميزة حريٌّ بنا أن ننتبه لها، فهنا يصوّر لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - القلب، وأنه لخفّته تماماً مثل الريشة التي تؤثر فيها أقل النسمات فتغيّر اتجاهها، فهذا القلب الأصل فيه أنه ليس بثابت على حالة واحدة لا يتأثر بما يعرض عليه، بل إنه يتفاعل مع أبسط الأشياء؛ كنظرة وكلمة وربما همسة..، ناهيكَ عن التأثر العضوي لمضغة اللحم والتأثيرات المتعددة عليه، لذلك فهو بحاجة ماسّة للمدد والعون الإلهي، وبحاجة إلى الرجوع إلى صانعه، فهو أعلم بحاله وما يصلحه أو يفسده، إذ هو صنعته التي صنعها وأبدع فيها. - ومنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - ركّز في دعائه على أهمية ثبات القلب على الدين وعلى الطاعة، وهي معانٍ مترادفة توحي إلى أن القلـب لا يصلـحه إلا الـدين وطـاعة الخالق ـ - سبحانه وتعالى - ـ، ألم يقل ربنا ـ- تبارك وتعالى -ـ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]؟؟ ولا يطمئنه ويسكنه إلا ذكر الله ـ - عز وجل - ـ، فإن «ذكر الله يُخامر قلب المؤمن عندما يزله الشيطان إلى ذنب يرتكبه في جنب الله.. إنه لا يبقـى في وهدته التي انزلق إليها، إنه لا يبـقى فـي سقطته التي جرّه الشيطان عندها، إنه يذكـر أن له ربّاً يغفر الذنب، ويقبل التوب.. ولذلك فهو ينهض من كبوته، ويطهِّر نفسه، ويعود إلى ربه، ويستأنف الطريق إليه، كما قال الله ـ - تعالى -ـ: {وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]»(7). - ومنها: «سلوك طريق التواضع وإظهار العبودية وإلزام خوف الله وإعظامه والافتقار إليه وامتثال أمره في الرغبة إليه، ولا يمتنع تكرار الطلب مع تحقق الإجابة؛ لأن ذلك يحصل الحسنات ويرفع الدرجات، وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك؛ لأنه إذا كان مع تحقق المغفرة لا يترك التضرع فمن لم يتحقق ذلك أحرى بالملازمة»(8)، كما تعلِّمنا الآية أن لا نأمن من مكر الله ـ - عز وجل - ـ فنغترّ بطاعاتنا ونعجب بأنفسنا، وبالمقابل أن لا ييأس العاصي والمقصر من روح الله فيسترسل في اتباع هواه حتى تحيط به خطاياه، ومن كان هذه حاله جدير أن يراقب الله ويحاسب نفسه على خواطره وهفواته. - ومنها: هذا الإكثار النبوي يقابله ما كان يدعو - صلى الله عليه وسلم - ويُعلِّم صحابته ـ - رضي الله عنهم - ـ أن يأتوا به في الصلاة، ألا وهو الاستعاذة من الفتن وأنواعها، فعـن ابـن عبـاس ـ - رضي الله عنهما - ـ قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلِّمنا هذا الدعاء كما يعلِّمنا السورة من القرآن: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات»(1). وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه، تعوّذوا بالله من عذاب النار، تعوّذوا بالله من عذاب القبر، تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، تعوّذوا بالله من فتنة الدجال»(2)؛ ذلك لأن الفتن أول ما يتأثر بها القلب، فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: تُعْرَضُ الفتن على القلوب كالحصير عُوداً عُوداً، فأي قلب أُشْرِبَهَا نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سوداءُ، وأي قلب أنكرها نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضرهُ فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض، والآخرُ أسود مُرْبَادّاً كَالْكُوزِ مُجَخِّياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكرُ منكراً إلا ما أُشْرِبَ من هواه»(3)، «فالقلب الذي لا تردّه الشدة إلى الله قلب متحجر، فلم تعد فيه نداوة تعصرها الشدة ومات فلم تعد الشدة، تثير فيه الإحساس! وتعطلت أجهزة الفطرية فيه، فلم يعد يستشعر هذه الوخزة الموقظة التي تنبه القلوب الحية للتلقِّي والاستجابة»(4). والفتن تُظهِر مقدارَ الإيمان وثباته في القلبِ وصلابةَ العقيدة في النفس، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «بادِروا بالأعمالِ فتناً كقِطَع الليل المظلم، يصبِح الرجل مؤمناً ويمسِي كافراً، ويمسِي مؤمناً ويصبِح كافراً، يبيع دينَه بعرضٍ من الدنيا»(5). وعن عبد الله بن عمرو ـ - رضي الله عنهما - ـ أنَّ النبيّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أمّتكم هذه جُعل عافيتها في أوّلها، وسيصيب آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكِرونَها، وتجيء فتنٌ يرقّق بعضُها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكَتي، ثم تَنكشِف، ثم تجيء الفتنة فيقول: هذِه هذه، فمَن أحبَّ أن يُزحزَح عن النار ويُدخَل الجنّة فلتأتِه منيّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليَأتِ إلى الناس الذي يحبُّ أن يُؤتَى إليه»(6). سابعاً: اليقظة اليقظة من تقلّب القلب: وبعد هذه السياحة اليسيرة مع إشراقات هذه الآية وبعض مقاصدها وفوائدها حريٌّ بنا أن نؤكد على أن هذه الآية توضح لنا «صورة تستوجب اليقظة الدائمة والحذر الدائم والاحتياط الدائم؛ اليقظة لخلجات القلب وخفقانه ولفتاته، والحذر من كل هاجسة فيه وكل ميل مخافةَ أن يكون انزلاقاً، والاحتياط الدائم للمزالق والهواتف، والتعلق الدائم بالله مخافةَ أن ينقلب هذا القلب في سهوة من سهواته أو غفلة من غفلاته أو دفعة من دفعاته»(7). فكلما مررت بهذه الآية تذكّرْ أن قلبك يحتاج منك اهتماماً وعناية ورعاية، فاحملْه على التوِّ على جناحي الخوف من الله وحده والرجاء فيه ـ - سبحانه - ـ، وفرَّ إلى ربك ومولاك، فإن رمقْتَ بطرفك حبلَه المتين فتمسك به بقوة واعتصم به بشدة، وإياك ثم إياك من مغبّة الوقوع في شراك المعصية فإنها توهن القلب وتضعفه، وإذا الرّان قد ظهر والختم قد وقع والسواد قد انتشر حينها تبني بنفسك وتشيد جدار الحيلولة بينك وبين قلبك، فإن هدمت الجدار فنِعْمَ العمل، وإن تركته فاعلم أنك لن تعود إلى إيمانك وطاعة ربك، ولا يملك بالمقابل الكافر أن يؤمن بخالقه بعد أن أعرض وأبى هذا الإيمان من قبل وحلّت عليه ساعة الصفر. نسأل الله العلي القدير مقلّب القلوب أن يثبت قلوبنا على دينه وطاعته، وأن يحسن خاتمتنــا في الأمــور كلها، ربنــا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين. ------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4453 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() روائـــــــع غـــــــزاليـــــــة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على مَنْ لا نبيَّ بعده وبعد، فعند تنزُّهي وسياحتي في رياضٍ مثمرة، وبساتينٍ مزهرة، في (إحياء علوم الدين) للإمام الغزالي رحمه الله تعالى، وقفتُ على حِكَم بليغة، ودُرَر مستنيرة، ومواعظ مستفيضة، ذكرها في مواضع متفرِّقةٍ من كتابه، (فما الدُّرُّ في انتظامه أزهى من دُرَر كلامِه، ولا السِّحر الحلال أوقع في النفوس مِنْ نثره ونظامِه)، فأحببتُ أنْ أجمع بعض ما وقفت عليه من فيض غَمامِه، عسى أنْ يُسقى بها متعطشٌ إلى بحر علمه وإنعامِه، فتنفعه في دينه وتذكِّره بربِّه، وتزيل الغشاوة عن بصره، وترفع الرَّان عن قلبه، فإنَّ الكلمةَ الطيِّبةَ كالشجرة الطيِّبة، ذات الأصل الثابت التي لا تزعزعها الأعاصير، ولا تعصف بها الرياح، وهي عالية مرتفعة فوق الشرِّ والباطل، وثمارها دائمة مستمرة، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}. فيا لها مِنْ كواكبٍ دريَّة، وجواهرٍ من المعاني عليَّة، ولباسٍ من التقوى سندسيَّة، تجعل الروحَ مِنْ جمالها مُشرقة بهيَّة، فالسعيد مَن انتفع بها ورجعتْ نفسُه إلى ربِّها راضيةً مرضيَّة.. واللهُ وليُّ التوفيق والسداد.. ومِنْ هذه الأقوال والحِكَم: العلم النافع: - (إنَّ غذاءَ القلب: العلمُ والحكمةُ وبهما حياته، كما أنَّ غذاءَ الجسد الطعام، ومَنْ فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم، ولكنه لا يشعر به؛ إذ حبُّ الدنيا وشغله بها أبطل إحساسه، كما أنَّ غلبةَ الخوف قد تبطل ألم الجراح في الحال وإن كان واقعاً، فإذا حطَّ الموت عنه أعباء الدنيا أحسَّ بهلاكه، وتحسَّر تحسُّراً عظيماً ثم لا ينفعه، وذلك كإحساس الآمن خوفه، والمفيق من سكره بما أصابه من الجراحات في حالة السُّكْر أو الخوف، فنعوذ بالله من يوم كشف الغطاء فإنَّ الناسَ نيام فإذا ماتوا انتبهوا). - (إنَّ العلمَ حياةُ القلوب من العمى، ونورُ الأبصار من الظلم، وقوةُ الأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازلَ الأبرار والدرجات العلى، والتفكر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، به يُطاع الله عزَّ وجلَّ، وبه يُعبد وبه يوحَّد وبه يمجَّد وبه يُتورَّع، وبه تُوصَل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، وهو إمام والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء). - (التلطُّفُ في اجتذاب القلوب إلى العلم الذي يفيد حياة الأبد، أهمُّ من التلطُّف في اجتذابها إلى الطبِّ الذي لا يفيد إلا صحة الجسد، فثمرة هذا العلم: طب القلوب والأرواح، المتوصل به إلى حياة تدوم أبد الآباد، فأين منه الطب الذي يعالج به الأجساد؟ وهي معرَّضة بالضرورة للفساد في أقرب الآماد، فنسأل الله سبحانه التوفيق للرشاد والسداد إنه كريم جواد). الطاعات والخيرات الأخروية: - (الطاعات غذاءٌ للقلوب، والمقصود شفاؤها وبقاؤها، وسلامتها في الآخرة وسعادتها، وتنعُّمها بلقاء الله تعالى، فالمقصد لذة السعادة بلقاء الله فقط، ولن يتنعم بلقاء الله إلا مَنْ مات محبَّاً لله تعالى، عارفاً بالله، ولن يحبه إلا مَنْ عرفه، ولن يأنس بربِّه إلا من طال ذكره له، فالأنس يحصل بدوام الذكر، والمعرفة تحصل بدوام الفكر، والمحبة تتبع المعرفة بالضرورة، ولن يتفرغ القلب لدوام الذكر والفكر إلا إذا فرغ من شواغل الدنيا، ولن يتفرغ من شواغلها إلا إذا انقطع عنه شهواتها، حتى يصير مائلاً إلى الخير مريداً له، نافراً عن الشر مبغضاً له، وإنَّما يميل إلى الخيرات والطاعات إذا علم أنَّ سعادته في الآخرة منوطة بها، كما يميل العاقل إلى القصد والحجامة لعلمه بأنَّ سلامته فيهما، وميل النفس إلى الخيرات الأخروية وانصرافها عن الدنيوية هو الذى يفرغها للذكر والفكر، ولن يتأكد ذلك إلا بالمواظبة على أعمال الطاعة، وترك المعاصي بالجوارح). القلب والجوارح: - (إنَّ بين الجوارح وبين القلب علاقة حتى إنَّه يتأثر كلُّ واحد منهما بالآخر، فترى العضو إذا أصابته جراحة تألم بها القلب، وترى القلب إذا تألم بعلمه بموت عزيز مِنْ أعزته، أو بهجوم أمر مخوف، تأثَّرت به الأعضاء، وارتعدت الفرائص، وتغيَّر اللون، إلا أنَّ القلبَ هو الأصلُ المتبوع، فكأنَّه الأميرُ والراعي، والجوارحُ كالخدم والرعايا والأتباع، فالجوارحُ خادمةٌ للقلب بتأكيد صفاتها فيه، فالقلبُ هو المقصود، والأعضاءُ آلات موصلة إلى المقصود، ولذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم (أَلا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ) ([1]) ). - (قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}، وهي صفة القلب، فمن هذا الوجه يجب لا محالة أن تكون أعمال القلب على الجملة أفضل من حركات الجوارح ثم يجب أن تكون النية من جملتها أفضل لأنها عبارة عن ميل القلب إلى الخير وإرادته له وغرضنا من الأعمال بالجوارح أن يعود القلب إرادة الخير ويؤكد فيه الميل إليه ليفرغ من شهوات الدنيا ويكب على الذكر والفكر). - (قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً) ([2])؛ لأنَّ همَّ القلب هو ميلُه إلى الخير وانصرافُه عن الهوى وحب الدنيا وهي غاية الحسنات، وإنَّما الإتمام بالعمل يزيدها تأكيداً، فليس المقصود من إراقة دم القربان: الدم واللحم، بل ميل القلب عن حبِّ الدنيا، وبذلها إيثاراً لوجه الله تعالى، وهذه الصفة قد حصلت عند جزم النية والهمة، وإنْ عاق عن العمل عائق فـ {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}، والتقوى ههنا صفة القلب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن قوماً بالمدينة قد شركونا في جهادنا) ([3])؛ لأنَّ قلوبَهم في صدق إرادة الخير وبذل المال والنفس، والرغبة في طلب الشهادة وإعلاء كلمة الله تعالى، كقلوب الخارجين في الجهاد، وإنَّما فارقوهم بالأبدان لعوائق تخص الأسباب الخارجة عن القلب، وذلك غير مطلوب إلا لتأكيد هذه الصفات). - (لا تظنن أنَّ في وضع الجبهة على الأرض غرضاً من حيث إنَّه جمع بين الجبهة والأرض، بل من حيث إنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب، فإنَّ مَنْ يجد في نفسه تواضعاً، فإذا استكان بأعضائه وصورها بصورة التواضع تأكَّد تواضعه، ومَنْ وجد في قلبه رقَّة على يتيم، فإذا مسح رأسه وقبله تأكَّد الرقة في قلبه، ولهذا لم يكن العمل بغير نيَّة مفيداً أصلاً؛ لأنَّ مَنْ يمسح رأس يتيم وهو غافل بقلبه، أو ظانٌّ أنَّه يمسح ثوباً لم ينتشر من أعضائه أثر إلى قلبه لتأكيد الرقة، وكذلك مَنْ يسجد غافلاً وهو مشغول الهمِّ بأعراض الدنيا، لم ينتشر من جبهته ووضعها على الأرض أثر إلى قلبه يتأكَّد به التواضع، فكان وجود ذلك كعدمه، وما ساوى وجوده عدمه بالإضافة إلى الغرض المطلوب منه يُسمى باطلاً، فيقال: العبادة بغير نيَّة باطلة). ------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4454 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() شرف العقل: - (قد ظهر شرف العلم مِنْ قِبَل العقل، والعقل منبع العلم ومطلعه وأساسه، والعلم يجري منه مجرى الثمرة من الشجرة، والنُّور من الشمس، والرؤية من العين، فكيف لا يشرف ما هو وسيلة السَّعادة في الدنيا والآخرة، أو كيف يستراب فيه والبهيمة مع قصور تمييزها تحتشم العقل، حتى إنَّ أعظم البهائم بدناً وأشدها ضراوة وأقواها سطوة، إذا رأى صورة الإنسان احتشمه وهابه، لشعوره باستيلائه عليه، لما خصَّ به من إدراك الحِيَل). حدود العقل: - (اعلم أنه كما يطلع الطبيب الحاذق على أسرار في المعالجات يستبعدها من لا يعرفها، فكذلك الأنبياء أطباء القلوب والعلماء بأسباب الحياة الأخروية، فلا تتحكم على سننهم بمعقولك فتهلك، فكم من شخص يصيبه عارض في أصبعه فيقتضي عقله أن يطليه، حتى ينبهه الطبيب الحاذق أنَّ علاجه أن يطلي الكف من الجانب الآخر من البدن، فيستبعد ذلك غاية الاستبعاد من حيث لا يعلم كيفية انشعاب الأعصاب ومنابتها ووجه التفافها على البدن، فهكذا الأمر في طريق الآخرة وفي دقائق سنن الشرع وآدابه، وفي عقائده التي تعبد الناس بها أسرار ولطائف ليست في سعة العقل وقوته الإحاطة بها، كما أنَّ في خواص الأحجار أموراً عجائب غاب عن أهل الصنعة علمها، حتى لم يقدر أحد على أن يعرف السبب الذي به يجذب المغناطيس الحديد، فالعجائب والغرائب في العقائد والأعمال وإفادتها لصفاء القلوب ونقائها وطهارتها، وتزكيتها وإصلاحها للترقي إلى جوار الله تعالى، وتعرضها لنفحات فضله، أكثر وأعظم مما في الأدوية والعقاقير، وكما أنَّ العقول تقصر عن إدراك منافع الأدوية مع أنَّ التجربةَ سبيلٌ إليها، فالعقول تقصر عن إدراك ما ينفع في حياة الآخرة، مع أنَّ التجربة غير متطرقة إليها، وإنما كانت التجربة تتطرق إليها لو رجع إلينا بعض الأموات فأخبرنا عن الأعمال المقبولة النافعة المقربة إلى الله تعالى زلفى، وعن الأعمال المبعدة عنه، وكذا عن العقائد، وذلك مما لا يطمع فيه، فيكفيك من منفعة العقل: أن يهديك إلى صدق النبي صلى الله عليه وسلم ويفهمك موارد إشاراته، فاعزل العقل بعد ذلك عن التصرُّف، ولازم الاتباع فلا تسلم إلا به والسَّلام). السعادة الحقيقية: - (وأعظم الأشياء رتبة في حقِّ الآدمي السعادة الأبدية، وأفضل الأشياء ما هو وسيلة إليها، ولن يتوصل إليها إلا بالعلم والعمل، ولا يتوصل إلى العمل إلا بالعلم بكيفية العمل، فأصل السعادة في الدنيا والآخرة هو العلم فهو إذن أفضل الأعمال). - (ما أبعدَ عن السَّعادة مَنْ باع مهمَّ نفسِهِ اللازم بمهمِّ غيره النادر، إيثاراً للتقرب والقبول من الخلق على التقرب من الله سبحانه). - (قد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان جميعاً، والعدل سبب النجاة فقط، وهو يجري من التجارة مجرى رأس المال، والإحسان سبب الفوز ونيل السعادة، وهو يجري من التجارة مجرى الربح ولا يعد من العقلاء من قنع في معاملات الدنيا برأس ماله فكذا في معاملات الآخرة فلا ينبغي للمتدين أن يقتصر على العدل واجتناب الظلم ويدع أبواب الإحسان وقد قال الله: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ}، وقال عز و جل: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، وقال سبحانه: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ}، ونعني بالإحسان فعل ما ينتفع به المعامل وهو غير واجب عليه ولكنه تفضل منه). - (وقد أهمل الناسُ طبَّ القلوب، واشتغلوا بطب الأجساد، مع أن الأجساد قد كتب عليها الموت لا محالة، والقلوب لا تدرك السعادة إلا بسلامتها، إذ قال تعالى: { إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }). وقال رحمه الله بعد أن ذكر قول ابن مسعود «الهالك في اثنتين القنوط والعجب»: (وإنما جمع بينهما؛ لأنَّ السَّعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمر، والقانط لا يسعى ولا يطلب، والمعجب يعتقد أنه قد سعد وقد ظفر بمراده فلا يسعى، فالموجود لا يطلب، والمحال لا يطلب، والسعادة موجودة في اعتقاد المعجب حاصلة له، ومستحيلة في اعتقاد القانط، فمن ههنا جمع بينهما). - (فمفتاح السعادة: التيقظ والفطنة، ومنبع الشقاوة: الغرور والغفلة، فلا نعمة لله على عباده أعظم من الإيمان والمعرفة، ولا وسيلة إليه سوى انشراح الصدر بنور البصيرة، ولا نقمة أعظم من الكفر والمعصية، ولا داعي إليهما سوى عمى القلب بظلمة الجهالة). - (اعلم أنَّ كلَّ خير ولذة وسعادة بل كل مطلوب ومؤثر فإنه يُسمى نعمة، ولكن النعمة بالحقيقة هي السعادة الأخروية، وتسمية ما سواها نعمة وسعادة إما غلط وأما مجاز، كتسمية السعادة الدنيوية التى لا تعين على الآخرة نعمة، فإن ذلك غلط محض، وقد يكون اسم النعمة للشيء صدقاً، ولكن يكون إطلاقه على السعادة الأخروية أصدق، فكل سبب يوصل إلى سعادة الآخرة ويعين عليها إما بوسطة واحدة أو بوسائط، فإنَّ تسميه نعمة صحيحة وصدق لأجل أنه يفضى إلى النعمة الحقيقية). - (غاية السعادة أن يموت محبَّاً لله تعالى، وإنما تحصل المحبة بالمعرفة بإخراج حب الدنيا من القلب، حتى تصير الدنيا كلها كالسجن المانع من المحبوب، ولذلك رأى بعض الصالحين أبا سليمان الداراني في المنام وهو يطير، فسأله فقال: الآن أفلت. فلما أصبح سأل عن حاله، فقيل له: إنه مات البارحة). - (قد انكشف لأرباب القلوب ببصيرة الإيمان وأنوار القرآن أن لا وصول إلى السعادة إلا بالعلم والعبادة، فالناس كلهم هلكى إلا العالمون، والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم، فالعمل بغير نية عناء، والنية بغير إخلاص رياء، وهو للنفاق كفاء، ومع العصيان سواء، والإخلاص من غير صدق وتحقيق هباء، وقد قال الله تعالى في كل عمل كان بإرادة غير الله مشوبَاً مغمورا، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورَا}، وليت شعري كيف يصحح نيته مَنْ لا يعرف حقيقة النية، أو كيف يخلص من صحح النية إذا لم يعرف حقيقة الإخلاص، أو كيف تطالب المخلص نفسه بالصدق إذا لم يتحقق معناه، فالوظيفة الأولى على كل عبد أراد طاعة الله تعالى: أن يتعلم النية أولاً لتحصل المعرفة، ثم يصححها بالعمل، بعد فهم حقيقة الصدق والإخلاص اللذين هما وسيلتنا العبد إلى النجاة والخلاص). - (لا سعادة في دار البقاء إلا في لقاء الله تعالى وإنَّ كلَّ محجوب عنه يشقى لا محالة محول بينه وبين ما يشتهي، محترق بنار الفراق ونار الجحيم، وعلم أنه لا مبعد عن لقاء الله إلا اتباع الشهوات والأنس بهذا العالم الفاني، والإكباب على حب ما لا بد من فراقه قطعاً ولا مقرب من لقاء الله إلا قطع علاقة القلب عن زخرف هذا العالم، والإقبال بالكلية على الله طلباً للأنس به بدوام ذكره، وللمحبة له بمعرفة جلاله وجماله على قدر طاقته، وأنَّ الذنوب التي هي إعراض عن الله واتباع لمحاب الشياطين أعداء الله المبعدين عن حضرته سبب كونه محجوباً مبعداً عن الله تعالى، فلا يشك في أنَّ الانصرافَ عن طريق البُعْد واجب للوصول إلى القُرْب، وإنما يتم الانصراف: بالعلم والندم والعزم، فإنه ما لم يعلم أنَّ الذنوب أسباب البعد عن المحبوب، لم يندم ولم يتوجع بسبب سلوكه في طريق البعد، وما لم يتوجع فلا يرجع، ومعنى الرجوع الترك والعزم، فلا يشك في أنَّ المعاني الثلاثة ضرورية في الوصول إلى المحبوب، وهكذا يكون الإيمان الحاصل عن نور البصيرة، وأما من لم يترشح لمثل هذا المقام، المرتفع ذروته عن حدود أكثر الخلق، ففي التقليد والاتباع له مجال رحب، يتوصل به إلى النجاة من الهلاك، فليلاحظ فيه قول الله وقول رسوله وقول السلف الصالحين فقد قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وهذا أمر على العموم وقال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحَا} الآية، ومعنى النصوح: الخالص لله تعالى خالياً عن الشوائب). ------------- يتبع |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4455 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() الخــــــــــوف: - فضل الخوف تارة يعرف بالتأمل والاعتبار وتارة بالآيات والأخبار أما الاعتبار فسبيله أن فضيلة الشيء بقدر غنائه في الإفضاء إلى سعادة لقاء الله تعالى في الآخرة إذ لا مقصود سوى السعادة، ولا سعادة للعبد إلا في لقاء مولاه والقرب منه، فكلُّ ما أعان عليه فله فضيلة وفضيلته بقدر غايته، وقد ظهر أنه لا وصول إلى سعادة لقاء الله في الآخرة إلا بتحصيل محبته والأنس به في الدنيا، ولا تحصل المحبَّة إلا بالمعرفة، ولا تحصل المعرفة إلا بدوام الفكر، ولا يحصل الأنس إلا بالمحبة ودوام الذكر، ولا تتيسر المواظبة على الذكر والفكر إلا بانقطاع حب الدنيا من القلب، ولا ينقطع ذلك إلا بترك لذات الدنيا وشهواتها، ولا يمكن ترك المشتهيات إلا بقمع الشهوات، ولا تنقمع الشهوة بشيء كما تقمع بنار الخوف، فالخوف هو النار المحرقة للشهوات، فإنَّ فضيلته بقدر ما يحرق من الشهوات، وبقدر ما يكف عن المعاصي ويحث على الطاعات، ويختلف ذلك باختلاف درجات الخوف، وكيف لا يكون الخوف ذا فضيلة وبه تحصل العفة والورع والتقوى والمجاهدة، وهي الأعمال الفاضلة المحمودة التي تقرب إلى الله زلفى0 صفة الدنيا: - (إن الدنيا سريعة الفناء، قريبة الانقضاء، تعد بالبقاء، ثم تخلف في الوفاء، تنظر إليها فتراها ساكنة مستقرة، وهي سائرة سيراً عنيفاً، ومرتحلة ارتحالاً سريعاً، ولكن الناظر إليها قد لا يحس بحركتها فيطمئن إليها، وإنَّما يحس عند انقضائها، ومثالها: الظل، فإنَّه متحرِّك ساكن، متحرِّك في الحقيقة ساكن الظاهر، لا تدرك حركته بالبصر الظاهر، بل بالبصيرة الباطنة، ولما ذكرت الدنيا عند الحسن البصري رحمه الله أنشد وقال: أحلامُ نومٍ أو كظِلٍّ زَائِلٍ إنَّ اللبيبَ بمثلها لا يُخدَعُ - إنَّ طبع الدنيا: التلطف في الاستدراج أوَّلاً، والتوصُّل إلى الإهلاك آخراً، وهي كامرأة تتزين للخطاب، حتى إذا نكحتهم ذبحتهم. - إنَّ الدنيا مزيَّنة الظواهر، قبيحة السرائر، وهي شبه عجوز متزينة، تخدع الناس بظاهرها، فإذا وقفوا على باطنها، وكشفوا القناع عن وجهها، تمثل لهم قبائحها فندموا على اتباعها، وخجلوا من ضعف عقولهم في الاغترار بظاهرها. - إنَّ أوائل الدنيا تبدو هينة لينة، يظن الخائض فيها أنَّ حلاوة خفضها كحلاوة الخوض فيها، وهيهات فإن الخوض في الدنيا سهل، والخروج منها مع السلامة شديد، وقد كتب علي رضي الله عنه إلى سلمان الفارسي بمثالها فقال: مثل الدنيا مثل الحية، لين مسها، ويقتل سمها، فأعرض عما يعجبك منها، لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها بما أيقنت من فراقها، وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها، فإنَّ صاحبها كلَّما اطمأن منها إلى سرور أشخصه عنه مكروه والسَّلام. - إنَّ أهل الدنيا مثلهم في غفلتهم مثل قوم ركبوا سفينة، فانتهت بهم إلى جزيرة فأمرهم الملاح بالخروج إلى قضاء الحاجة، وحذَّرهم المقام وخوَّفهم مرور السفينة واستعجالها، فتفرقوا في نواحي الجزيرة، فقضى بعضهم حاجته وبادر إلى السفينة فصادف المكان خالياً، فأخذ أوسع الأماكن وألينها وأوفقها لمراده، وبعضهم توقف في الجزيرة ينظر إلى أنوارها وأزهارها العجيبة، وغياضها الملتفة ونغمات طيورها الطيبة، وألحانها الموزونة الغريبة، وصار يلحظ من بريتها أحجارها وجواهرها ومعادنها المختلفة الألوان والأشكال، الحسنة المنظر، العجيبة النقوش، السالبة أعين الناظرين بحسن زبرجدها، وعجائب صورها، ثم تنبه لخطر فوات السفينة فرجع إليها، فلم يصادف إلا مكاناً ضيقاً حرجاً، فاستقر فيه، وبعضهم أكبَّ على تلك الأصداف والأحجار، وأعجبه حسنها ولم تسمح نفسه بإهمالها، فاستصحب منها جملة، فلم يجد في السفينة إلا مكاناً ضيقاً وزاده ما حمله من الحجارة ضيقاً، وصار ثقيلاً عليه ووبالاً، فندم على أخذه ولم يقدر على رميه، ولم يجد مكاناً لوضعه، فحمله في السفينة على عنقه وهو متأسف على أخذه، وليس ينفعه التأسف، وبعضهم تولج الغياض ونسي المركب، وبعد في متفرجه ومتنزهه منه حتى لم يبلغه نداء الملاح، لاشتغاله بأكل تلك الثمار واستشمام تلك الأنوار، والتفرج بين تلك الأشجار، وهو مع ذلك خائف على نفسه من السباع، وغير خال من السقطات والنكبات، ولا منفك عن شوك ينشب بثيابه، وغصن يجرح بدنه، وشوكة تدخل في رجله، وصوت هائل يفزع منه، وعوسج يخرق ثيابه، ويهتك عورته، ويمنعه عن الانصراف لو أراده، فلما بلغه نداء أهل السفينة انصرف مثقلاً بما معه، ولم يجد في المركب موضعاً، فبقي في الشط حتى مات جوعاً، وبعضهم لم يبلغه النداء، وسارت السفينة فمنهم من افترسته السباع، ومنهم من تاه فهام على وجهه حتى هلك، ومنهم من مات في الأوحال، ومنهم من نهشته الحيات فتفرقوا كالجيف المنتنة. وأما من وصل إلى المركب بثقل ما أخذه من الأزهار والأحجار فقد استرقته وشغله الحزن بحفظها والخوف من فوتها وقد ضيقت عليه مكانه فلم يلبث أن ذبلت تلك الأزهار وكمدت تلك الألوان والأحجار فظهر نتن رائحتها فصارت مع كونها مضيقة عليه مؤذية له بنتنها ووحشتها فلم يجد حيلة إلا أن ألقاها في البحر هرباً منها وقد أثر فيه ما أكل منها فلم ينته إلى الوطن إلا بعد أن ظهرت عليه الأسقام بتلك الروائح فبلغ سقيماً مدبراً، ومن رجع قريباً ما فاته إلا سعة المحل، فتأذى بضيق المكان مدة ولكن لما وصل إلى الوطن استراح، ومن رجع أوَّلاً وجد المكان الأوسع، ووصل إلى الوطن سالماً، فهذا مثال أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة، ونسيانهم موردهم ومصدرهم، وغفلتهم عن عاقبة أمورهم، وما أقبحَ مَنْ يزعم أنه بصير عاقل أن تغره أحجار الأرض وهي الذهب والفضة، وهشيم النبت وهي زينة الدنيا، وشيء من ذلك لا يصحبه عند الموت، بل يصير كلَّا ووبالاً عليه، وهو في الحال شاغل له بالحزن والخوف عليه، وهذه حال الخلق كلهم إلا مَنْ عصمه الله عزَّ و جلَّ. - إنَّ مثل الناس فيما أعطوا من الدنيا مثل رجل هيَّأ داراً وزيَّنها، وهو يدعو إلى داره على الترتيب قوماً واحداً بعد واحد، فدخل واحد داره فقدم إليه طبق ذهب عليه بخور ورياحين ليشمه ويتركه لمن يلحقه لا ليتملكه ويأخذه، فجهل رسمه وظن أنَّه قد وهب ذلك، فتعلق به قلبه لما ظن أنه له، فلما استرجع منه ضجر وتفجع، ومَنْ كان عالماً برسمه انتفع به وشكره، ورده بطيب قلب وانشراح صدر، وكذلك من عرف سنَّة الله في الدنيا علم أنَّها دار ضيافة، سبلت على المجتازين لا على المقيمين ليتزودوا منها وينتفعوا بما فيها كما ينتفع المسافرون بالعواري، ولا يصرفون إليها كل قلوبهم حتى تعظم مصيبتهم عند فراقها. ------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4456 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() التســــــــامــــــــح يعتبر التسامح أحد المبادئ الإنسانية وما نعنيه هنا هو مبدأ التسامح الإنساني كما أن التسامح يعني نسيان الماضي المؤلم بكامل ارادتنا , وهو أيضاً التخلي عن رغبتنا في إيذاء الآخرين لأي سبب قد حدث في الماضي وهو رغبة قوية في أن نفتح أعيننا لرؤية مزايا الناس بدلا من أن نحكم عليهم ونحاكمهم أو ندين أحد منهم. والتسامح أيضاً هو الشعور بالرحمة والتعاطف والحنان وكل هذا موجود في قلوبنا ومهم لنا ولهذا العالم من حولنا. والتسامح أيضاً أن تفتح قلبك، وأن لا يكون هناك شعور بالغضب ولا لوجود المشاعر السلبية لأي شخص أمامك. وبالتسامح فإنك تستطيع أن تعلم بأن جميع البشر يخطؤون ولا بأس بأن يخطئ الإنسان. والتسامح في اللغه معناه أيضا التساهل فبالتسامح تكون لك نصف السعاده. وبالتسامح تسامح كل من أخطأ بحقك. كما أن التسامح ليس بالأمر السهل إلا لمن يصل إليه فيسعد. ونعني بالتسامح أيضا أن تطلب السماح من نفسك أولاً ومن الآخرين. وليس التسامح فقط من أجل الآخرين ولكن من أجل أنفسنا وللتخلص من الأخطاء التي قمنا بها والإحساس بالخزي والذنب الذي لازلنا نحتفظ به داخلنا. التسامح هو معناه العميق هو أن نسامح أنفسنا. فمن هذه الناحية نرى كم هي عظيمة تلك النفوس المتسامحة التي تنسى إساءة من حولها،وتظل تبتلع حماقاتهم، وأخطائهم، لا لشيء سوى أنها تحبهم حبا صادقا يجعلها تعطف على حماقاتهم تلك،وتضع في اعتبارها أنه لا يوجد إنسان معدوم الخير،ولكن يحتاج إلى مخلص يبحث عن ذلك الخير، فهي تعذرهم ،لأنها تضع في اعتبارها أن من يسيء لغيره قد يعيش ظروفا صعبة أدت به أن يسيء لمن حوله، لكنه لايجد من يعذره ويتسامح عن زلته. فالتسامح قد يقلل كثيرا من المشاكل التي تحدث بين الأقران والأحبة لسوء الظن وعدم إلتماس الأعذار. فقد يكون صديقك وأخ لك ولكن لتصرف صدر منه خطأ قامت الدنيا ولم تقعد، وبدأ الشيطان يوسوس لا بد أنه فعل كذ لأنه يريد كذا، أو قال كذا يقصد كذا، وهو قد يكون ماقال تلك الكلمة لشىء ولا لسبب، إنما خرجت منه دون قصد، لذلك نقول أنه علينا أن نزن كلماتنا قبل أن تخرج لأن الكلمة رصاصة إذا خرجت فلا تعود. التسامح من القيم النبيلة لدى البشر التي تكون في العفو عند المقدرة وللتسامح دور كبير في تقرب الناس وحل الخلافات بينهم والقضاء على الحقد. التسامح.. التسامح، بين الناس في التعامل باعتباره أساس لا غنى عنه في التواصل بين الناس وذلك لما له من دور فعال في إنشاء المودة بين الناس وتقليل الاختلاف والحقد بينهم ، كما أن للتسامح دورا مهما في بناء مجتمع وعالم متحاب تسوده أجواء الإيحاء بعيد عن أجواء الحقد. التسامح والصفح والمحبة وحتى تكون نفوسنا عظيمة كتلك النفوس،صافية شفافة لا تعرف الأحقاد، كالزجاجة تشف عما بداخلها، لأنها لا تحوي سوى الحب والإخلاص، تلك النفوس حقا هي التي تستحق أن تقدر وتحترم، فهي تأسر القلوب بسرعة ولأول وهلة، لأنها صدقت مع نفسها فصدقت بالتالي مع الأخرين ... اغلبنا بل معظمنا يعلم هذا الكلام بل ويحفظه ايضا ولكن قليل منا من يفهم ما بين السطور وقليل من يعمل بهذه الكلمات الراقيه.. صدق من قال ان التسامح هو امر منسي في هذه الايام رغم احتياجنا الشديد اليه الان في حياتنا جددوا النيه وضعوا ايديكم في ايدي بعض وصفوا انفسكم وقلوبكم واروحكم ضعوا التسامح قي اعلي مرتبه في قلوبنا عندما تختلف مع صديق لك، أو يشوب علاقتك الزوجية شيء من سوء الفهم، لا تجعل لحظات الكدر تؤثر على إدراكك للأمور أو تستدرجك مشاعر الغضب إلى إصدار حكم ظالم جائر وتسل سيف العدوان عليهم، وتسلب منهم فِعالهم الطيبة وصفاتهم فكر في نفس الشخص واستحضر ثلاثة مواقف ايجابية قد أسدى فيها لك خدمة، أو موقفا قدم لك فيه معروفا، أو مشهدا تصرف معك تصرفا حسنا وغيرها من مواقف ايجابية خدمك أو أسعدك بها كإخلاصه لك، أو كان بجانبك وأنت مريض، أو سافر معك إلخ.. وستجد من الذكريات جزما ما يفي بالغرض ثلاثة مواقف جميلة.. حاول أن تعيش كل موقف وكأنه يحدث أمامك، وحاول أيضاً أن تستصحب نفس المشاعر والأحاسيس، وأنت تسترجع الموقف. سترى نفسك قد انكفأت عن المشاعر السلبية وعززت المشاعر الايجابية بعد تنفس عميق هادئ حاول أن تتذكر الموقف الأول.. ثم الثاني.. وافعل به كما بالمثال الأول.. ومن بعده أفصل الحالة ثم أذهب للموقف أو الصفة الثالثة وهكذا بعد ذلك.. ستجد أنك قد سامحت ذلك الشخص وشفعت له مواقفه السابقة عندك وهنا ستستمتع بلذة التحكم بذاتك لا تتردد وجرب هذه المهاراة الآن وسترى كم تتناقص قائمة العداوات لديك جرب وستلمس.. جرب وسوف تندهش لما يحدث بداخلك لا شك أن في التسامح والعفو ما يكسب إيجابية هائلة ------ للفايدة التعديل الأخير تم بواسطة الفقير الي ربه ; 28-10-2013 الساعة 07:51 AM. |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4457 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() لماذا بكى الداعية ؟! بسم الله الرحمن الرحيم ذكر لي أحد الأخوة الثقات قال : ذهبت أنا وأحد الإخوة كعادتنا لدعوة الشباب في المقاهي والاستراحات والأرصفة، فتوقفنا عند استراحة سمعنا فيها غناءً، فطرقنا الباب وأذن لنا. فعندما دخلنا عليهم توقفوا عن الغناء احتراماً لنا ، ولكن أحدهم لم يرض عن وجودنا بينهم فأصبح يكيل لنا الشتائم والسب واللعن، وينفخ في وجوهنا دخان الشيشة. بعد أن تكلم الأخ الناصح بما فتح الله عليه ذهبنا، ولكن صاحبي هذا أبى إلا أن ينتظر الرجل الذي شتمنا وتلفظ علينا بالسب . سألته : لماذا؟ . قال: سوف ترى عندما يخرج . فبعد ساعتين من الانتظار إذا بصاحبنا يخرج من الاستراحة ، فنزل له صاحبي ليدعوه ، وقرب منه، فبصق في وجه صاحبي ، فمسحها ، وحاول معه أخرى فبصق عليه مرة أخرى ودفعه، فرجع صاحبي إلي وطلب مني اللحاق به ، فسألته : لماذا؟ قال : ستعرف غداً. ثم تبعنا هذا الأخ حتى عرفنا منزله، فتواعدنا أن نصلي المغرب في المسجد القريب من دار صاحبنا المقصر. وبعد صلاة المغرب ذهب صاحبي وطرق الباب على ذلك الرجل الذي بصق في وجهه البارحة، وما إن رآه إلا وبادره بالشتم واللعن كعادته، فأمسك صاحبي برأسه وصار يقبله ويرجوه أن يسمح له بالدخول لمدة ربع ساعة فقط. وفعلاً استطاع صاحبي إقناع الرجل ، ودخل عنده ، وتبعتهم ، وبدأ صاحبي بالوعظ ، وبعد عشر دقائق بكى الواعظ والموعوظ ، وبكيت أنا معهما . طلب صاحبي من صاحبنا المقصر أن يغتسل ويتوضأ، فقام الرجل فاغتسل وتوضأ ، ثم صلينا العشاء سوياً في المسجد ،وانتظم هذا الرجل على الصلاة ، وحافظ عليها . لم تنته القصة بعد.. العجيب في الأمر أن هذا الرجل قد توفي بعد عشرين يوماً فقط من استقامته وهدايته – رحمه الله -. وقفه : ما أجمل الصبر من أجل الدعوة إلى الله . ------------------ للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4458 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() قصة أصحاب الجنة بسم الله الرحمن الرحيم حديثي معكم اليوم عن قصة اصحابة الجنة هذه القصة التي تتكرر مئات المرات في حياة الناس هذه القصة محورها يتصل اشد الاتصال بحياة كل مسلم فما من مسلم الا وساق الله له من الشدائد ما ساق القصة بحد ذاتها لها اثار جميله على النفس البشريه ولذلك كثر ورودها في الايات القرانيه كثيرا والسبب لان القصه تغرس مبادي الخير اذا كان محورها يدور حوله فتزرع في النفوس الخير بسهوله دون قصد وبدون شعور لانها القصة تتسلل منها معاني الخير في النفس من حيث لايشعر صاحبها و بدون قصد هذه القصه تحدثنا عن خلق من اخلاق اهل النار هذه القصة تحدثنا عن خلق تدعوا الملائكة على صاحبه كل صباح ومساء ((مَا مِنْ يوم يُصبِحُ فيه العبادُ؛ إلا مَلَكانِ يَنْزِلان، يقول أحدُهما: اللهم أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، ويقول الآخر: اللهم أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً)) [أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة] هذه القصه تحدثنا عن خلق الشح والبخل وما يلحق صاحبه من اللوم والحسرة في الدنيا والعقاب الشديد في الاخرة هذه القصة فيها تسليه لرسوله حينما كذبه قومة وقد انعم الله عليهم ببعثه رسوله وانعم عليهم بنعمة المال والجاه والولد واطعمهم من جوع وامنهم من خوف فكما ان الله عاقب من كفر بنعمة من اصحاب الجنة فان هؤلاء الذي لم يشكروا نعمة الله عليهم لازالوا معرضين للعقاب صباحا ومساء 2- اما قصة اصحاب الجنة فكانت لرجل من اهل اليمن من اهل الكتاب لانه كان قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لازال باليمن بقايا من اليهود والنصارى وهذا الرجل الصالح من اهل الكتاب وكان في قرية يُقال لها: "ضَرَوان" على سِتَّة أميال من صَنعاء، عاش هناك وكانت له جَنَّة فيها من كل الثمرات وكان هذا الرجلُ الصالح لا يُدخِل بيتَه ثمرةً منها حتى يقسمَ الثمار ثلاثة أقسام: قسم للفقراء والمساكين، وقسم لأهل بيته، وقسم يردُّه في المحصول؛ لِيزرعَ به الأرض؛ لذلك بارك الله له في رِزْقه وعياله.فلمَّا مات الشيخ ووَرِثه بَنُوه - وكان له خمسة من البنين - فحَملت جنَّتُهم في تلك السَّنة التي هلَك فيها أبوهم حملاً لم تكن حملَتْه مِن قبل ذلك فلمَّا نظروا إلى الفضل طَغَوا وبَغَوا، وقال بعضُهم لبعض: لقد كان أبونا أحْمَق؛ إذْ كان يَصرِف من هذه الثمار للفقراء، دَعُونا نتعاهد فيما بيننا ألاَّ نُعطيَ أحدًا من فقراء والمساكين في عامِنا هذا شيئًا؛ حتى نَستَغنِيَ وتَكثر أموالنا فقال اوسطهم أي اعقلهم واقرب الابناء شبها بابيه الصالح سيروا فيها بسيرة ابيكم فرفضوا وهذا الامر يتكرر في كل عصر كان هناك شجرة ليمون في بيتٌ من بيوت الشام القديمة، تحمِلُ من الثمرات ما لا يُعَدّ ولا يُحصى، و يوجد في هذا البيت امرأةٌ صالحة، فكلَّما طُرق باب هذا البيت وطُلِب منهم ثمرة من هذه الثمار قدمتها، وكأن هذه الشجرة وقفٌ لأهل الحيّ، فماتت هذه المرأة الصالحة وجاءت من بعدها زوجة ابنها الشابَّة، فلمَّا طُرِق الباب وطلب الطارق ثمرةً من هذه الثمار طردته ومنعته، وبعد حين يَبِسَت هذه الشجرة وماتت. فذا كان بين يديك شيء ثمين وينفع الناس فاياك ثم اياك ان تمنعهم عن نفعهم به لانك اذا فعلت ذلك اخذ منك وحوله الى غيرك 3- اذا اقسموا ليصرمنها مصبحين اول نقطة في قصة أصحاب الجنة انهم أقسموا ليصرمونها مصبحين ولا يستثنون اجتمعوا وتشاوروا وتحاوروا ثم قرروا واقسموا ليصرمنها مصبحين 4- ولا يستثنون قيل ولا يستثنون نصيب الفقراء وقيل ولا يستثنون حتى كلمة ان شاء الله فلم يقولوها 5- فطاف عليها طائف من ربك الطائف قيل ضريب وقيل صقيع موجة صقيع في دقائق وقيل نار احرقت الجنة لان النية السيئه بينها وبين السلوك علاقه فلما بيت اصحاب الجنة النية السيئة عاقبهم الله فنيتهم بعدم إطعام المسكين أتلف محصولهم كله هي هكذا الجزاء من جنس العمل من اكرم الناس اكرمه الله ومن حرمهم حرمه الله ومن منعهم منعه الله فالطائف موجود في كل عصر فطائف التجار قد يسلط الله عليهم حرائق ففي الحديث وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : (( ما خالطت الصدقة أو قال الزكاة مالا إلا أفسدته )) رواه البزار والبيهقي فالتجار معرضين للعقوبات مثل الضرائب ومثل الحرائق او مصادرة بعض البضائع او تاتي بضاعه غير التي اشتراها واما طائف المزارعين فهناك فيضانات ورياح تقتلع الزروع والاشجار وهناك افات كالذباب والعناكب والحشرات والضريب او موجه صقيع يقول احد المشائخ جاءت في الغوطة وهي بلدة بسوريا على مزارع المشمش فاهلكتها وفي احدى بلاد الشام قبل خمسين عاما جاءت موجة جراد اكلت الاخضر واليابس الا مزرعه بقيت على نضرتها وخضرتها فقال اصحاب المزارع الاخرى لماذا سلمت مزرعتك من الجراد ما السر في ذلك فقال السر في الدواء فقالوا الا تتقي الله وتخفي عنا الدواء فقال انه الزكاة سئل احد العلماء هل في العسل زكاة فقال نعم فقال طيب اذا لم ازكي فقال العقاب جاهز القراد ياكل النحل والشمع لقد قرأت مرَّةً أن زارعي البرتقال في أمريكا أرادوا إتلافه للحفاظ على الأسعار المرتفعة، فقد خافوا من هبوط الأسعار فأرادوا إتلاف هذا المحصول، فتسلل الزنوج الفقراء تحت الأسلاك الشائكة ليأكلوا هذا البرتقال الطيِّب الذي أراد أصحابه إتلافه، و في العام القادم فعلوا الشيء نفسه ولكن مع تسميم هذا المحصول لئلا ينتفع منه إنسان، فهذا هو الكافر.. شحيح دائماً.. ﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ ﴾ وفي أستراليا أيضاً قبل عدّة أعوامٍ تمّ إعدام عشرين مليون رأس غنم بالرصاص، وحُفرت الحفر ودُفِن هذا العدد الكبير للحفاظ على أسعارها المرتفعة.. بينما هناك شعوبٌ قد أهلكتها المجاعات، ولا يُستبعد أن يكون أصحاب الأغنام في أستراليا هم أنفسهم أصحاب البقر الذي جنّ في إنكلترا، لأن العقاب كان شديداً، فقد توجب إحراق ثلاثة عشر مليون بقرة قيمتها ثلاثة وثلاثون مليار جنية إسترليني، فهذا هو الكافر.. 6- فاصبحت كالصريم يقول ابن عباس أي صارت محترقه مثل الليل بينما الثمرة كبيرة تصغر وتنكمش ويتلف داخلها وتذبل اوراقها وتسود كانها محترقه سبحان الله كم من انسان امسى ونام وهو يملك ما يملك واصبح وما يملك شيئا كم من انسان كان يملك ثروات ولكن بسبب ذنوبه ضاع كل شي كم من انسان كان يملك عقارات وسيارات وبسبب اكله للربا ضاع منه كل ما يملك كم من انسان رفض او تهرب او تفنن في عدم اخراج الزكاة وضاع ماله كله كما حصل لاهل الجنة رفض ان يعطوا ثلثها فذهبت الحديقه كلها فالله قد يؤدبه بذهاب مقدار الزكاه وبعضهم يؤدبه بذهاب نصف ماله وبعضهم يذهب ماله كله وهذا بحسب حكمة الله الله يعلم كيف يؤدب الشخص ورد في الاثر (إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك وإني أدبر لعبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير.) أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والمعاصي إن العبد ليذنب الذنب فينسى به الباب من العلم، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيىء له، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم } قد حرموا خير جنتهم بذنبهم 7- فتنادوا مصبحين الى ان قال فانطلقوا وهم يتخافتون أي يتسارون بالحديث الا يدخلنها اليوم عليكم مسكين العقوبه حصلت لهم بالليل بعدما بيتوا النية السيئه ثم بين الله لنا هنا كيف خرجوا من بيوتهم وهم مصرين على منع الفقراء وكيق كانوا يتناجون ويتسارون بالحديث حتى لا يشعر بهم الفقراء 8 وغدوا على حرد أي غدوا على منع للفقراء قادرين 9 – فلما راوها قالوا انا لضالون أي تائهون 10 –بل نحن محرمون 11- كذلك العذاب هذه الكلمة كذلك العذاب يدور محور القصة عليها لما كانت الخسارة كبيرة كانت سببا في عودتهم الى الله وكانت سببا في توبتهم وندمهم ومحاسبتهم لانفسهم وفي اقبالهم وندمهم ولولا تأديب الله لهم لما كان هذا الكلام منهم ياويلنا انا كنا ظالمين كما قيل لولا هذه الشِدَّة لما كانت هذه الشَدَّة قد تجد تسعين في المئة من توبه الناس كانت بسبب التضييق عليهم لان العذاب في الدنيا موظف للخير بعض الناس لايفكر في صلاة ولا طاعه عنده مال وقوة وصحه وجاه وابهة فما قال يوما يا رب فلما افلس قال يا الله سئل بعض العلماء بعد ان مكث يدعوا الى الله عشرين سنة ما ملخص دعوتك فقال اذا لم تاتي الى الله مسرعا جاء بك اليه مسرعا بمعنى اخر اذا لم تاتي الى الله برجليك جاء بك على وجهك اصحاب الجنة قال لهم اخوهم لولا تسبحون فاقسموا ليصرمنها مصبحين فلما احرق الله جنتهم كلها وعاقبهم قالوا انا الى الله راغبون وقبلها كانوا لايقبلون النصح شاب وزجته شاردان عن الله عاشا حياة التفلت معهم مال وجمال وصحه وهما ينتقلان من مكان الى مكان ومن بلد الى بلد ومن نزهة الى نزهته ولا يصلون ولا يصومون رزقهم الله بفتاة صغيرة من اجمل الناس صورة واحلاهم منطقا ملكت قلوبهم واصيبت بمرض خبيث فصاروا ينتقلون من طبيب الى طبيب ومن مستشفى الى مستشفى ومن تحليل الى تحليل ثم جاءتهم خاطره لو تبنا الى الله ودعوناه فلما تابا وانابا الى الله شفى هذه البنت ولو لم يستجبوا لهذا العلاج ﴿ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)﴾ دروس وعبر من قصة اصحاب الجنة 1- لو ان الله اخر العقاب الى يوم القيامة لهلك كثير من الناس ففي الحديث عن انس وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله إذا أراد بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبد شراً أمسك عنه حتى يوافى يوم القيامة بذنبه) رواه الترمذي السنن رقم 2396 وهو في صحيح الجامع رقم 308 وعن عَبْد اللَّهِ بْن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا لَقِيَ امْرَأَةً كَانَتْ بَغِيًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَ يُلاعِبُهَا حَتَّى بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ مَهْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَهَبَ بِالشِّرْكِ وَقَالَ عَفَّانُ مَرَّةً ذَهَبَ بِالْجَاهِلِيَّةِ وَجَاءَنَا بِالإِسْلامِ فَوَلَّى الرَّجُلُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ الْحَائِطُ فَشَجَّهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْراً عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرّاً أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ رواه أحمد رحمه الله المسند 4/87 والحاكم في المستدرك 1/349 2- اقول لكم ولكل من يتهرب من اخراج الزكاة هل سمعتم برجل تدعوا عليه الملائكة صباحا مساء وبما تدعوا عليه تدعوا عليه بتلف ماله 3- قصة اصحاب الجنة رسالة من الله يذكر بها الناس وان كل من ينفق ماله في سبيل الله ويعطي حق الفقراء فان الله يبارك له في ماله واهله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينا رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتاً في سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحّى ذلك السحاب ، فأفرغ ماءه في حَرّة ، فإذا شَرجةٌ من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبّع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته ، فقال له : يا عبد الله ، ما اسمك ؟ ، قال : فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة ، فقال له : يا عبد الله ، لم تسألني عن اسمي ؟ ، فقال : إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه ، يقول : اسق حديقة فلان - لاسمك - ، فما تصنع فيها ؟ ، قال : أما إذ قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثاً ، وأرد فيها ثلثه ) رواه مسلم 4- كل امة تمنع الزكاة كل غني يبخل بماله كل من يتهرب من اخراج الزكاة فعقوبته الهلاك 5- اخطر لباس لباس الجوع والخوف لذلك ذكر الله قريش بنعمتين امنهم من خوف واطعمهم من جوع ضرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنه 6- احياننا يختار البعد حتفه بنفسه ويختار طريقة الموت ولو علم ان فيه حتفه لما اقدم مثل اصحاب الجنة ومثل من يكفر نعمة الله عليه السيارات ويفحط بها ويعبث يركب سيارة اخر مديل فلا يشكر نعمة الله فكم من قتيل قد اهلكته --------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4459 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() (٧) سنوات وهو ماسك قدم أمه بسم الله الرحمن الرحيم دخل على رجل يشتكي من غضب زوجته عليه وهجرانها له ولا يعرف كيف يتصرف معها، فقلت له: ان كثيرا من المشاكل التي نراها كبيرة ومعقدة يكون علاجها بخلق صغير وتصرف بسيط، فقال لي: ماذا تقصد؟ قلت له: جرب أن تدخل اليوم بيتك وتسلم على زوجتك وتبتسم بوجهها ثم تحدث معها، فإنها ستستجيب لك، فالابتسامة خلق صغير ولكن مفعولها كبير، فنظر إلي باستغراب، فقلت له: لا تستغرب، ولكن جرب، فانطلق ثم عاد وقال لي: صدقت، وما كنت أتوقع أن هذا الخلق الصغير له معنى كبير. استوقفتني هذه الحادثة، وبدأت أتذكر أخلاقا وأعمالا صغيرة ولكن معانيها كبيرة، ولهذا قيل: «رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تحقره النية»، والأصل ألا نحقر من الأعمال شيئا كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق». وأعرف رجلا غير مسلم كان سبب دخوله في الإسلام ما فعله زميله بالجامعة من دفع حساب وجبته للهمبورغر وقت الغداء، فاستغرب من تصرفه ومبادرته، فأجابه المستضيف: ان هذا من إكرام الضيف عندنا بالإسلام، فكان هذا العمل الصغير سببا في دخوله في الإسلام، وهناك أب اشتكى لي مرة من عصيان ابنه المراهق على الرغم من كثرة العقوبات التي فرضها عليه، فقلت له: جرب أن تعالج مشكلته بالحوار والكلمة الطيبة، فلما جربها كان مفعولها معه مثل السحر، وأعرف فتاة تعيش في أسرة مفككة تقدم لها خاطب، فعبرت لي عن مخاوفها وتشاؤمها من نجاح زواجها، فقلت لها: كوني متفائلة ولا تستسلمي لوساوس الشيطان، فقاومت التشاؤم وسعدت بزواجها، ورجل أعمال شهير سألته مرة: من أين لك هذه الثروة العظيمة؟ فقال: بسبب أمي، فظننت أنه ورث هذا المال منها، ولكنه شرح لي قصده أن أمه أصيبت بغيبوبة لمدة سبع سنوات وكانت بالعناية المركزة بالمستشفى، فكان كل يوم يزورها ويمسك قدمها ويدعو لها قبل الذهاب لعمله في الصباح، واستمر على ذلك إلى ان توفيت، فبارك الله له في رزقه بسبب بره بأمه. فهذه مجموعة قصص من الواقع عشتها أنا شخصيا «بأخلاق صغيرة ولكنها ذات معان كبيرة»، واستوقفتني خمسة أحاديث نبوية تفيد نفس المعنى وتشجعنا على عمل أعمال صغيرة تقودنا لرضا الله تعالى ودخول الجنة، فالأول في الغرس والثاني في الهدية والثالث رفع الأذي والرابع سقي الحيوان والخامس مسامحة المعسر، فأما الأول فقد فقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة»، والثاني: «يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة»، يعني عظم قليل اللحم، والثالث: «لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس»، والرابع: «أن امرأة بغيا (أي: فاجرة) رأت كلبا في يوم حار يطوف ببئر قد أدلع لسانه من العطش (أي أخرج لسانه)، فنزعت له بموقها (أي: استقت من البئر بخفها)، فغفر لها»، والخامس: «كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، قال: فلقي الله، فتجاوز عنه»، فهذه خمسة معان لأخلاق بسيطة ولكن مفعولها كبير، وهذه الأحاديث تشجعنا على العمل وبذل السبب ولو كان قليلا، فلا نستهين بالقليل، وفي الأمثال: «ارجع بهدية من السفر ولو كانت حجر»، وأذكر مرة كنت مسافرا مع د.عبدالرحمن السميط لبلدة في أفريقيا وزيارة القرى الفقيرة هناك فلما دخلنا القرية قدم لي أهل القرية هدية عبارة عن غصن شجرة فيها بعض الأوراق وقالوا لي هذا كل ما نستطيع أن نقدمه لك وما زلت أذكر هذه الهدية حتى اليوم ولا أستطيع أن أنساها على الرغم من بساطتها فالعطاء ولو كان قليلا فهو عطاء وجميل فلنحرص على القليل المستمر حتى يصبح كثيرا، فمن يقرأ أربع صفحات من القرآن بعد كل صلاة يختم القرآن في شهر واحد، ومن يقرأ كل يوم 20 دقيقة يقرأ مليون كلمة بالشهر فلا نستهين بالعمل القليل فقليل دائم خير من كثير منقطع. ----------------- د. جاسم المطوع |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4460 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() شاهدت طفلين صغيرين في السن .. تساويا في السن ولكن ماذا فعلا ( حادثة عجيبة ) !! السلام عليكم ورحمة الله بركاته أسأل الله لكم التوفيق والسداد وأن ينفع بكم البلاد والعباد مررت مرة بجوار أحد مقاهي الإنترنت عرضا وكانت الأجهزة مكشوفة للناس لا تخفى على أحد . نظرت إلى المقهى .. وإذا بطفلين صغيرين في السن حتما لم يبلغا سن الخامسة عشر .. يجلسان بجوار بعضهما ويظهر عليهما تبادل ضحكات .. وتشعر وأنت تنظر من بعد أن عندهما عجبا .. في لحظة .. نظرت إلى الشاشة .. لأجد ما يهول العقل .. !! وقد ظهرت على الشاشة .. صور .. لا أدري ؟؟!! كيف ينظر إليها مسلم ؟؟ يعلم أن الله يراه .. يراه بجلاله وعظمته .. يراه وهو على هذه الحال .. في مشهد يشيب له الرأس .. صور عرفت أنها إباحية .. !! في لمح البصر .. رأيت هذا .. أغمضت عيني .. واستغفرت الله .. وقد قف شعر رأسي .. أهكذا يجاهر بهذه المعصية ؟؟ ألم يعلم بأن الله يرى ؟! ويمر عليهم العامل والناس ولا يغيران مما هما عليه شيئا .. !! زفرت زفرة .. كادت تزهق روحي معها ألما وأسفا .. ودعوت الله لهما بالهداية .. !! أسأل الله أن يهيهما وأن يهد من سار على دربهما والله وحده المستعان ورأيت في المقابل .. وأنا في المسجد النبوي كعادتي بين المغرب والعشاء وقد أنهيت درسي عند أحد المشائخ في الفرائض وإذا بأحد الزملاء يرسل علي طالبا وقال : يــ ( المؤمن كالغيث ) هذا طالب جديد أعطيه مبادئ الفرائض .. فرددت أبشر .. يا شيخ .. !! أرسله لي .. فانتظرت الشاب الذي بدأ في المرحلة الجامعية .. ويريد أن يتعلم الفرائض وهو علم يحتاج لتركيز .. وجلست أراجع على عجل المبادئ التي ينبغي أن تذكر للطالب في أول لقاء .. وما ينبغي أن أعطيه في أوجز وقت .. وطريقة العرض ... و .. و .. و وإذا بابن صغير – بالضبط في عمر الطفلين اللذين قضيا وقتهما في مشاهدة المحرم – قلت لعله ابن الطالب .. !! يعني هذا أنه كبير .. !! وإذا بالإبن الصغير يجلس بكامل الأدب ومعه المذكرة الخاصة بالرحبية ودفتر صغير لحل المسائل ..!! إنت الطالب ؟؟ نعم .. ترددت المشاعر في ذهني .. ؟؟! كيف يستوعب هذا الصغير .. ؟؟ ما شاء الله .. فتفرست في عينيه .. ؟؟ فإذا شعلة من النشاط وتوقد الذهن وصفائه مع تمام الأدب .. يجلله نور في وجهه أذهلني حفظك الله يا بني .. استعن بالله يا بطل .. فبدأ وقرأ علي بداية الرحبية .. والوارثون من الرجل والنساء على ترتيب الرحبي رحمه الله .. ثم شرحت له ما تيسر .. وإذا به يتطلع للمزيد .. !! سبحان الله .. يتطلع للمزيد من العلم .. والطفلان الآخران يتطلعان للمزيد من العري والفواحش .. فلم يرض حتى شرعت له في المسائل .. وما إن شرحت له في دقائق بسيطه .. حتى أذهلني بسرعة حله مع تمام الصواب والإجادة حتى إني أعطيته ما يقارب أربع عشرة مسألة .. فلم يخطئ إلا في القليل .. !! آه .. وهو يعكف ركبه أمامي يحل ويجتهد على تحصيل شهد العلم ولطائف الشريعة .. وآه .. وغيره يعكف حتى يرى جديد التفسخ وأكثر المقاطع إثارة .. آه .. فرق بينهما .. كم تمنيت أن الجميع أمامي .. ؟؟!! ولكن هيهات هيهات .. كم تفطر قلبي على مشاهدت هذين المنظرين .. ؟؟ تخيل معي ؟؟ لو كان أحد رواد المقاهي ابنك ؟؟ وتخيل لو هذا ابنك ؟؟ صف قدر الألم .؟؟ وصف لي قدر الأمل ؟؟ فقط مشهدين أثارا مشاعري وهيجا ما بداخلي فأحببت أن أشركك .. حتى تتنبه لإبنك وقريبك .. وحتى لا يكون فلذة كبدك .. فريسة للفساد والإنحلال .. واللبيب بالإشارة يفهم .. أصلح الله لي ولكم الحال والذرية ---------------- اخوكم/المؤمن كالغيث |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ | الوآصل | المنتدى الرياضي | 6 | 10-12-2009 01:49 AM |
اســـــــرار القلــــب..! | الســرف | المنتدى العام | 22 | 29-09-2008 01:03 AM |
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء | امـــير زهران | منتدى الحوار | 4 | 02-09-2008 03:05 PM |
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة | رياح نجد | المنتدى العام | 19 | 15-08-2008 01:10 PM |
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! | البرنسيسة | المنتدى العام | 13 | 17-08-2007 11:04 PM |