![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#5331 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() علاقة الإنسان بالإنسان 1- بين النظائر. 2- بين الأصول والفروع (الآباء والأبناء). {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ * وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 19 - 25]. علاقة الإنسان بالإنسان: بعد استعراض العلاقات الإنسانيَّة أولاً مع الغيب، ثم مع المخلوقات المحيطة به من كلِّ اتجاه فيما تقدَّم من أبواب، وعلى ضوء ما وصلنا إليه من نتائج توضِّح كيف أنه لا يوجد في الدنيا كلِّها شيءٌ خلقه الله لهوًا ولعبًا، وكيف أن الإنسان بقدراته وإمكانياته لم يُخلق عبثًا، كما أكَّد ذلك رب العالمين - نتعرض لأعقد علاقة للإنسان وأكثرها تداولاً وجدلاً؛ لأن علاقة الإنسان بأصوله (الوالدين وإن علوا)، أو بفروعه (الأبناء وإن نزلوا)، أو بذوي أرحامه (الأقارب من الوالدين)، أو حتى بالأباعد، كلُّها علاقات متشابكة متماسكة متسلسلة كحبات المسبحة، إذا انفرط طرف العقد، تساقطت كلُّها واحدة بعد الأخرى. والمثل الأعلى في علاقة الإنسان ضَرَبَه المجتمع المؤمن، الذي قال فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى))، فالإنسان هو نقطة الارتكاز في دائرة المجتمع، وهو - أيضًا - المحيط والقطر والمساحة. وحينما نوجِّه الكلام للإنسان المفرد في أيِّ موقع كان، وفي كلِّ مراحل عمره، يكون الكلام قد انسحب إلى كلِّ المجتمع في آنٍ واحدٍ، وربما يختلف أسلوب الكلام من ظرفٍ لآخر، أو من شخص لآخر حسب الموقف، مع أن المضمون واحدٌ؛ حيث لكلِّ مقامٍ مقالٌ، كما قال أحد الحكماء: "أيها الشيوخ، أكثروا من الحسنات؛ فإن سيئاتكم كثيرة، ويا معشر الشباب، أقِلُّوا من الذنوب؛ فإن حسناتكم قليلة". ومما لا شكَّ فيه أن التعرُّض لمسألة العلاقات الإنسانية عمومًا، ومع أخيه الإنسان خصوصًا، يجب أن تكون بالحِكْمة والموعظة الحسنة؛ لأن المنافس الذي يدْعو إلى الاتجاه المعاكس، ويريد أن يوقِع بيننا العداوة والبغضاء أبدًا، مع أنه يدعو إلى الضلال، إلاَّ أنَّ أسلوبه معسولٌ مذهب، وطريقة الاستدراج عنده مُحْكَمة إلى حدٍّ بعيد، وأحْرَى بنا أن نكون ألين، والدعوة عمومًا لا تُثْمر إلا في إطارها الخصب: فكر صحيح، بتواضع متكامل، وأسلوب هادئ، كلُّ هذا مشفوعًا بصبرٍ جميل، ولا ننس أبدًا أن أقوى سُبُل الإقناع هو الإيحاء، كما أن قوةَ الشيطان تكمن في الوسوسة، وكلاهما صوت حقيقي (الإيحاء - الوسوسة)، وعلى العكس نجد أن أعلى الأصوات أنكرها، قال - تعالى - في وصايا لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19]. ويجب أن نقف على أرضيَّة فكريَّة صلبة؛ لمداولة هذه العلاقة الشائكة المعقَّدة، مع الوضع في الاعتبار ما ورد عن السلف الصالح أنهم قالوا: "مَن ألَّف كتابًا استُهدف"، ونحن في غنًى عن فتح أبواب العداء على أنفسنا مع أيِّ طَرَفٍ كان، ولكن الحقَّ أحقُّ أن يُتَّبع. ولبناء الكلام وتشييده؛ نرسي أولاً القواعد التي نرتكز عليها على أساس التوجيه الإلهي، نذكر منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر: 1- يقول - تعالى -: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]. 2- يقول - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. 3- يقول - تعالى -: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16]. ولترتيب الكلام ترتيبًا منطقيًّا؛ نرتِّب الأولويات كما قال - تعالى -: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34، 35]. ولابدَّ أن يكون الابتداء بعلاقة الإنسان بوالديه؛ لأنها الأساس والركيزة، وهي أولى المعاملات، وأصل العلاقات، ومَن ساءت علاقته بوالديه فلا خير يُرجى منه في باقي العلاقات، ومَن عقَّ والديه، فمن باب أولى أن يعق المجتمع، ويعيث في الأرض بالفساد والقطيعة، وعندئذٍ نفتقد الخضر - عليه السلام - ونذكر له تدخُّله في قصة الغلام الذي كان أبواه صالحين، وتفاصيل القصة في سورة الكهف. ثم بعد الوالدين بصفتهما أصل النشأة، نأتي إلى الفروع، وهم الأبناء، ثم الأرحام والأقارب عمومًا، ثم تتوالى تِباعًا بقيَّة السطور عن العلاقات مع الإنسان، والأزواج، والجيران، والأباعد، حسب ما تمَّ تأصيله في الأصول والفروع. ولتنسيق الكلام وتوثيقه؛ نذكر أن هذه العلاقات يجب أن تكون متوازنة دون إفراط أو تفريط، كما قال سُقْراط عندما سأله تلاميذه عن سبب المشاكل التي بين الناس، قال: "القرب الشديد أو البُعد الشديد، قيل: وما الحلُّ؟ قال: الاعتدال في ملامسة الناس"، وجاء: "أحبب حبيبك هونًا ما؛ ربما يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما؛ عسى أن يكون حبيبك يومًا ما"، وصدق الله العظيم إذ وضَّح ذلك من قبل ومن بعد، بقوله - تعالى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]. هذه الوسطيَّة التي تحتِّم علينا الاحتفاظ بصلةٍ ما مع الجميع بصرف النظر عن معتقداتهم، وإن كانت المعتقدات أحيانًا في بعض المسائل تحدِّد مدى القرب المناسب من الغير، سواء كان هذا القرب على هيئة موالاة، أو مودة، أو رفقة وصحبة، أو تلاقٍ موقوت، وربما تعادٍ. فقد تدفعك الظروف إلى موقف مُعاداة مع شخصٍ ما، أو فكرٍ ما، وفي هذه الحالة يجب عليك أن ترتِّب أوراقك على أساس قوله - تعالى -: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34]، وكما ورد "أبغِض بغيضك هونًا ما؛ عسى أن يكون حبيبك يومًا ما"، ونُسب هذا الكلام إلى سيدنا علي بن أبي طالب موقوفًا. ومن الملاحَظ أن كلَّ القوانين التي وضعها البشر تتناوَل تنظيم العلاقات بين الناس في إطار محدودٍ، بحيث تنسق تبادل المنافع مع تحجيم العداوات والخلافات، وتوزيع الحقوق والواجبات في الأمور المتعلِّقة بالمصالح المتبادلة، وتمنع بالتالي تصادم الاتجاهات. أمَّا كيف تكون المودَّة والتآلف والتراحم بين الناس، فهي أمور لم يتطرَّق إليها القانونيون من قريب أو بعيد، وكأنما تركوا هذه المسائل للوازع الديني أو الضمير الإنساني كما يقولون، مع أن الميول الدينية تختلف من شخصٍ لآخر، كما أن الضمير الإنساني يتشكَّل حسب ظروف كلِّ فئةٍ من البشر، بما يتماشى مع ثقافاتهم ومصالحهم وعاداتهم وأخلاقهم، فما يأباه الضمير في المجتمعات الشرقية، يقبله الضمير في المجتمعات الغربية، والعكس صحيح أحيانًا، والأقليات المسلمة المضطهَدة في الغرب خير دليل على ذلك، وحتى في القليل من القوانين التي حاولت تنظيم شكلٍ من أشكال العلاقات، فشِل القانونيون في وضع الأمور في نصابها، ولعبت الأهواء دورًا بارزًا في تلك النظم. وتصدَّت الشرائع السماوية لهذه المسائل، إلا أنها اعتراها التبديلُ والتحريف بما يحقق مصالح فئات معيَّنة من القائمين عليها، وانفردت الشريعة الإسلامية بوضع تنظيم دقيق مُحْكم وعادل لكلِّ ما يتعلق بالصلات بين الناس في كلِّ حالات ومناحي الحياة، بما يحفظ للحياة رونقَها وجمالها، وللأحياء أمنَهم وكرامتهم، وما كانت المستجدات التي نراها في الساحة البشرية عمومًا، وفي الأوساط الإسلامية خصوصًا، إلا عندما تخلَّى الناس - جلُّهم - عن الفطرة القويمة {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]. لأن الشريعة الإسلامية لم تُغفل صغيرةً ولا كبيرةً في العلاقات مع الغير، حتى وإن كان هذا الغير من الذين لم يبلغوا الحُلُم، فكيف بعد أن يبلغ الأطفال الحُلُم، وكيف إذا شبُّوا وترعرعوا، وفي ذلك كانت الوصية العربية التي تقول: "لاعب ولدك سبعًا (أي: سبع سنوات)، وأدِّبه سبعًا، وصاحبه سبعًا، ثم اترك له الحبل على الغارب"[1] ، أما إذا اختلَّت المسألة من بدايتها، فإن النتيجة خاسرة، ولا يستقيم الظلُّ والعود أعوج. أولاً: بين الأصول والفروع (الآباء والأبناء): بناءً على ما تقدَّم، وإذا جاز لنا أن نساهم في تنظيم علاقات الإنسان بمن حوله من البشر، فأول ما نتعرَّض له هو التنظيم الإلهي لعلاقة الإنسان بوالديه، حيث إن نسبة هذه العلاقة في المعاملات كالصلاة في العبادات؛ لأن في العلاقة بالوالدين أمر الله - سبحانه - أن تكون إحسانًا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]. وقد بيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الإحسان في العبادات: ((أن تعبدَ الله كأنك تراه))، وأنقى صورة لهذه العبادة تكون في الصلاة. وكما أنَّ الصلاة هي عماد الدين، فإن العلاقة بالوالدين هي عماد الخُلُق الفاضل، وهي الأساس الذي ترتكز عليه كلُّ العلاقات الإنسانية مع الخَلْق، وبالتالي فهي البوابة الرئيسة التي تدخل منها إلى بقية المداخل. وكما أنَّ الصلاة لا تسقط فرضيتها عن الإنسان في أيِّ حال من الأحوال؛ مريضًا كان أو مسافرًا، فكذلك علاقة الإنسان بوالديه يَجب أن تكون موصولةً، بصرف النظر عن ظروف الحياة التي تحيط بالأبناء والآباء، وبصرف النظر عن معتقدات الأطراف كلِّها، وبصرف النظر عن مكان حياة الأبناء أو الآباء، ولا تنتهي أهمية هذه العلاقة الوطيدة حتى بعد موت أحد الأطراف، فإن عمل ابن آدمَ ينقطع عن الدنيا إلاَّ من ثلاث: أولهم: ((ولدٌ صالح يدعو له)). والعلاقة التي لا تنتهي بموت الإنسان لهي أجدر العلاقات التي يجب على الإنسان أن يحافظ عليها، ويبذل من أجلها كلَّ شيءٍ، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: ((رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما، ولم يدخلاه الجنة)). والله - سبحانه وتعالى - وهو عليم بما في الصدور، نظَّم لنا هذه العلاقة ابتداءً من مرحلة ما قبل الميلاد، وأنت ما زلت نطفة في صلب والدك، فحدَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف يختار الرجل زوجته؛ حتى لا يأتي لأولاده بعد ذلك بأمٍّ غير صالحة، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((تُنكَح المرأة لأربع: لمالها، لشرفها، لجمالها، لدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك))[2] ويقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((خير النساء مَن إذا نظرتَ إليها سرَّتْك، وإذا أمرتَها أطاعتْك، وإذا أقسمتَ عليها أبرتْك، وإذا غبتَ عنها حفظتْك في نفسها ومالك)). ولبناء مجتمع قوامه الآباء والأبناء؛ لا بدَّ من وضع اللبنة الأولى (التزاوج) على أساس متين؛ حتى لا يتصدَّع البُنيان الأسري عند أول هزَّة تعترض مشوار الحياة الزوجية. فالعلاقة الزوجية يجب أن تكون علاقة متكافئة بين الزوجين في الحقوق والواجبات، مع تسليم قيادة السفينة الزوجية للرجل؛ بصفته رب الأسرة المؤهَّل لهذا الدور من كلِّ النواحي، والمرشَّح من قِبل الله - سبحانه - لهذه المسؤولية؛ لأن الأسرة هي المجتمع الصغير، ولا بدَّ من راعٍ يقودها، وإلا دبَّتِ الفوضى، وتاهت المسؤولية، وتشرَّد الأبناء تباعًا، وبذلك يتفكَّك المجتمع الصغير، وبالتالي يتحوَّل المجتمع الكبير إلى غابةٍ يتصارع فيها الأقوياء، ويضيع فيها الضعفاء؛ ولذلك كانت وصية الرسول الكريم في خطبة الوداع شاملة، قال فيها: ((أيها الناس، اتقوا الله في النساء)). ذلك لأن العلاقات الزوجية تعدُّ من أخطر العلاقات البشرية؛ لأنها إن حسنتْ، أنجبت للمجتمع حَمَلَة المشاعل الفكرية، وحُماة الحقِّ والعدل، وصُنَّاع الحضارة، وإن ساءت، أفرختْ عناكبَ تسري كالنار لتفسدَ كلَّ شيءٍ أتتْ عليه. ------- يتبع |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#5332 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() يجب ألاَّ ننسى أن كلََّّ المشاكل التي يعاني منها المجتمع من بعض المارقين على النظم، أساسُها شباب لم ينشؤوا في بيئة طبيعيَّة، فكلُّ المدمنين تقريبًا نشؤوا في بيئاتٍ مفكَّكة. والأخطرُ أن بعض المجتمعات تتبنَّى رعاية اللقطاء دون البحث عن ذويهم، وسيكبر هؤلاء وهم فاقدو الانتماء إلى الأسرة أو المجتمع الصغير، وأيضًا سيفقدون الانتماء إلى مجتمعهم الكبير، وأتوقَّع أن يعيثوا في الأرض فسادًا. ولذلك يجب أن ينظر المجتمع إلى العلاقات الأسرية على أنها علاقات مقدسة بين الزوجين، ويتعامل معها على هذا الأساس، فلا يدسُّ المجتمع أنفَه في الأسرار الخاصة، ولا يشرع لتنظيم هذه الأمور على أنها تجارة وشراكة، وحتى إذا كان هناك خلاف بين الزوجين، فعلى المجتمع أن يتحرَّك لاحتواء هذا الخلاف، منطلقًا من خلال قوله - تعالى -: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]. وعمومًا الخطأ متوقَّع من كلِّ بني آدمَ، فإن حدث ما يعكِّر صفو الحياة الزوجية، فلا بدَّ من علاج هذا الأمر أيضًا حسب وحي الله - سبحانه وتعالى -: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]. هكذا، وبنفس الترتيب الإلهي، دون قلب الآيات، وبهدف محدد دون افتراءٍ أو إذلال، هذا إن كان سبب الخلاف هي (الزوجة). أما إذا كان الرجل هو سبب المشكلة، فالوصية الإلهيَّة واضحة: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]. على أن تكون وصايا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع دائمًا نصب أعيننا، فإذا كان للرجل نصيب في طاعة الله - خصوصًا عند اختيار الزوجة كما حدَّدها الرسول الكريم - وتزوَّج،لم يتركه الرسول إلا وقد وصَّاه بتجنُّب الشيطان من بداية الطريق، وحينما يضاجع زوجته يقول: ((بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا))[3] فتوضع البذرة الأولى للمولود بسم الله، داعيًا الله أن يحفظ الجميع من خبث الشيطان الرجيم، وأن يجنِّب الزارع والزرع والحرث مزالقَ الشيطان. وتتوالى الأيام، والجنين ينتقل في بطن أمِّه من مرحلة إلى مرحلة بعناية الله وقدرته، وينمو شيئًا فشيئًا لا ترعاه إلا عينُ الله التي لا تنام، ويخرج إلى الحياة بعد ذلك واهنًا ضعيفًا لا يملك سنًّا يقطع، ولا رجلاً تحمله، ولا عقلاً يفكِّر، ولا شيئًا على الإطلاق، والله - سبحانه وتعالى - يضع الرأفة والرحمة في قلوب الوالدين، كما يثبِّت الحبَّ في أعماقهما، فيقومان برعايته، ويهتمان بشؤونه، ويشب على ذلك وهو في كلِّ أمرٍ من أموره في حاجة إلى الوالدين. والبداية الصحيحة التي يجب أن يتَّبعها الوالدان لإرساء القواعد المتينة التي ستكون عليها علاقتهما بولدهما، هو اتباع سُنَّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وتنفيذ وصاياه، مثل الأذان في أُذُن الطفل؛ ليكون اسمُ الله هو أولَ ما طرق أذنَ الوليد، ثم بعد ذلك اختيار الاسم المناسب؛ حتى لا تكون المسألة كما ورد عن سيدنا عمر - رضي الله عنه وأرضاه - أنه قال لرجلٍ بينه وبين ولده عقوق: "لقد عققتَه قبل أن يعقك"؛ لأنه لم يلتزم بوصايا الرسول الكريم في اختيار الاسم المناسب، وعليه أيضًا إذا أمكن أن يتقدَّم بالعقيقة فيطعم الأحباب؛ ابتهاجًا بنعمة الله، وشكرًا وحمدًا للرزَّاق، وحيث إنه - وكما قال سبحانه وتعالى -: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، معنى ذلك أن الوالدين ينتظران من الابن أن يزيِّنهما في الحياة الدنيا. وحيث يقول - سبحانه وتعالى - في موضعٍ آخر من مُحكم التنزيل: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن: 15]، معنى ذلك أن الوالدين يخشون من الابن أن يكون فتنة لهما، ومن اليوم الأول الذي يُرزقان فيه بالابن، فهما يتأرجحان بين الأمل والرجاء في أن يكون الابن عند حُسن الظن، وأن يُنْبِتَه اللهُ نباتًا حسنًا، وتمرُّ الأيام ويأتي الدور على الابن ليكون إمَّا نعمة، وإمَّا نقمة، فإن مدَّ الله في عُمْر الابن وشبَّ وترعرع، وأصبح له من الأمر شيء، يأتي الدور عليه، ويصبح الولد في موقع المسؤولية، وعليه رعاية والديه، كما ربَّياه صغيرًا، وعليه ألاَّ يظن أنه أدَّى ما عليه بمجرد أن قام ببعض الإنفاق؛ لأن المسألة أعظم من ذلك، وخيرُ ما ورد في هذا الصدد قصةُ الرجل الذي قال: "إن أمي امرأة مقعدة، أقضي لها كلَّ شؤونها وحاجاتها داخل وخارج البيت، وطلبتْ مني أن تحجَّ بيت الله الحرام، فحملتُها على كتفي وطفت بها حول الكعبة، وسعيت بها بين الصفا والمروة، وأدَّيتُ لها كلَّ مناسك الحج محمولةً على عنقي، وأريد أن أعرف هل أديت لها بعضًا من حقوقها؟ قيل له: لا، ولا بزفْرة من زفراتها حين وضعتْك". أما إذا لم يكتبِ الله لذلك الوليد الواصل أن يمتدَّ به العمر، وقضى نحبَه في طفولته، فإن على الوالدَين الصبرَ؛ ليكون لهم حسنُ الجزاء، وبذلك يتضح أن الصبر من الباقيات الصالحات التي هي خيرٌ عند الله ثوابًا وأملاً ومردًّا. فقد ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جزاء الصابرين أن الأولاد الذين يموتون قبل أن يبلغوا الحُلم يشفعون لوالديهم حينما يأمر الله - سبحانه وتعالى - ملائكته بأن يأخذوا هؤلاء الشفع إلى الجنة بدون حساب، فيقفون على باب الجنة، ويسألون الملائكة: أين آباؤنا وأمهاتنا؟ فيُقال لهم: إن لهم أعمالاً في الدنيا يحاسَبون عليها، فيسأل الأولاد:، أوَلَم يصبروا على فقدنا؟ لا ندخل الجنة إلا مع آبائنا وأمهاتنا، فيقول الله - سبحانه -: ألحقوا بهم مَن صبر مِن آبائهم وأمهاتهم. فإذا كان الابن الذي يموت قبل أن يبلغ الحُلم يشفع لوالديه الصالحين الصابرين؛ ليدخلهما الجنة بإذن الله، فمِن الأجدر أن يجتهد الابن الذي يبقى على قيد الحياة يجتهد في معاونة والديه؛ لأنه رأى بعينيه كيف قاسى الوالدان لتربيته وتنشئته، فعليه أن يعين والديه ويعين نفسه للدخول إلى رحمة الله الواسعة، وإلا كان الذي مات صغيرًا أفضل للوالدين من الذي بَقِي ولم يوفِّهما حقَّهما دنيا ودِينًا وأخرى. فكيف إذا كان الابن عاقًّا يذيق والديه الهوان؟ ولذلك نجد أن الله - سبحانه وتعالى - تدخَّل بعنايته ولطفه لإنقاذ أبوين مؤمنَينِ من الدخول في متاهات مع ابنٍ لهما؛ لِعِلْم الله أنه سيكون من الطاغين، فأرسل الله - سبحانه - من يصحح الوضع لصالح المؤمنين، ويزيح عن طريقهما الإرهاقَ والقلق؛ حتى لا يقول لهما الولد: أفٍّ لكما، حين يستغيثان الله قائلين للولد: {وَيْلَكَ آمِنْ} [الأحقاف: 17]. ويشرح الله - تعالى - هذه القصةَ عن الوالدَين المؤمنين وابنِهما المتوقَّعِ منه العقوقُ، وعن ذلك العبد الصالح الذي آتاه الله من لدنه علمًا، ومعه نبيٌّ رسول يتتلمذ على يديه بأدبٍ جمٍّ مع عجلة في تلقِّي العلم، فماذا فعل موسى - عليه السلام - والخضر؟ {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف: 74]. فالعبد الصالح مُرسَل من قِبَل الله - سبحانه وتعالى - لتصحيح أشياء معيَّنة، بأمرٍ من عند الله وإذن منه، وسيدنا موسى - عليه السلام - يقيِّم الأمور بطبيعته البشرية، وفي حدود علومه المتاحة، ولكنَّ الله بالغ أمره، وفي نهاية المشوار يعرف سيدنا موسى - ونحن من خلاله - الحكمةَ البليغة مِن قَتْل ذلك الغلام: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 80، 81]. هكذا كانت عناية الله ترعى الوالدَين الصالحَينِ حينما جاءهما ابنٌ عاق، أيضًا - عناية الله بالوالدين واسعة إذا صلحا حتى بعد وفاتهما، فيكون لهما الدعاء الصالح من الأبناء الصالحِينَ، وللأبناء منهم البركة، وإذا كانت الآيات توضِّح مدى استفادة الأبناء من الآباء والعكس، فأيضًا هناك حديث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوضِّح الفائدة التي تلحق الآباءَ من أبنائهم الصالحين: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، صدقة جارية، ولد صالح يدعو له)). ولكن، كيف يستفيد الأبناء من صلاح الوالدين بعد وفاتهما؟ لدينا قصة أخرى تبيِّن هذه المسألة في نفس مشوار العبد الصالح، وبرفقته سيدنا موسى - عليه السلام -: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} [الكهف: 77]. والمعروف أن ضيافةَ العابرين شرعٌ خالد، ورفض الضيافة دليلٌ على فساد الخُلُق عند أهل هذه القرية المذكورة، وكذلك دليل على عدم أمانتهم في خلافتهم التي خُلقوا من أجلها، كما أنه دليلٌ واضح على عدم رعايتهم لحقوق الغير إذا كانوا ضعافًا أو صغارًا؛ ولذلك نجد أن العبد الصالح يمضي فيما أمره الله - سبحانه - وهو يعلم مسبقًا أنه لن ينال مقابلاً لما يفعله، كما يقول - تعالى -: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَه} [الكهف: 77]. وعند ذلك تتحرك الغَيْرة في قلب النبيِّ المرافق له؛ لما رآه من فساد أخلاق أهل القرية، وفي المقابل حُسن صنيع العبد الصالح، فلم يستطع سيدنا موسى - عليه السلام - السكوت، مع أنه يعلم أن كلامه هذا قد يقطعُ عليه تَكملة الرحلة مع العبد الصالح؛ لأن الاتفاق بينهما في الرحلة ذاتها كان ألاَّ يسأل عن شيءٍ، وقد وافق موسى - عليه السلام - على ذلك، وقال له كما بيَّن - سبحانه وتعالى -: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76]. وكان من الطبيعي من العبد الصالح أن ينفِّذ ما ارتضاه رفيقه من قبل، فأنهى العبد الصالح مرافقة سيدنا موسى له بقوله: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 78]. رُوِي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يرحم الله أخي موسى ويغفر له، ولو صبر، لتعلَّمنا الكثير)). وقد شرع العبد الصالح يشرح لمرافقه كيف يستفيد الأبناء من صلاح الآباء، وكيف أنَّ الله يدافع عن الذين آمنوا في أنفسهم وأولادهم وأموالهم، فبيَّن قيمة ذلك الجدار أنه حارس أمين على كَنزٍ تحته لصالح أيتام، وأهل القرية - كما ترى - يهضمون الحقوق، وأصحاب الكنز ضِعاف، فمَن يحمي لهم كنزهم إلا الله - سبحانه -؟ خصوصًا أنهم ذريَّة صالحة من سلف صالح، قال - تعالى - على لسان ذلك العبد الصالح الذي يشرح الحكمة من أفعاله: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82]. وهذا الصلاح الذي كان يتمتَّع به الأب جديرٌ بأن يحفظ الكنز إلى أن يكبر الأيتام الصغار، ورُوي أن ذلك الأب الصالح المذكور في الآية هو جدُّهم لأبيهم، وتمضي الآيات في سورة الكهف تشرح هذه المسألة بطريقة سلسة تُطَمْئِن قلوبَ الآباء الصالحين نحو أبنائهم {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف: 82]. واستحقَّ الرجل وهو في قبره أن ينام قريرَ العين على أولاده؛ بسبب صلاحه وتقواه، فلقد قام الله برعاية الأولاد؛ تكريمًا للوالد، ورحمةً بالصغار؛ ولذلك يقول - سبحانه وتعالى -: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9]. هذا في الدنيا، أما يوم القيامة فيدرك الجميع السرَّ الأعظم لدعاء الملائكة للصالحين - كما بينها الله سبحانه - يقولون: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [غافر: 8]. اللهم آمين. إذًا، وقد أصبح مما لا جدال فيه أن هذه العلاقة بين الآباء والأبناء تبدأ أولاً قبل وصول الأبناء إلى الحياة، وتستمر باستمرار حياة الطرفين، ولا تنقطع بموت أحد الطرفين، انظروا إلى أهمية هذه العلاقة في الحالة الثانية، وهي استمرار الطرفين في الحياة، فالمفروض أن هذه العلاقة لا تشوبها شائبة طالما كان الطرفان (الآباء والأبناء) صالحين وعلى علاقة تقوى بالله - سبحانه وتعالى - وتكون المشكلة فقط إذا شذَّ أحدُ الطرفين عن الصراط المستقيم، والآياتُ القرآنية والأحاديث النبوية التي تتعرَّض لهذه العلاقة كثيرةٌ جدًّا، والقصص التي رُوِيت في هذا الصدد أكثر من أن تحصى. والله - سبحانه وتعالى - يضلُّ من يشاء ويهدي من يشاء. ثانيا: نماذج من العلاقة المتبادلة بين الآباء والأبناء: أ- أبو الأنبياء: بين الأبوة والبنوة: ضرب الله - سبحانه وتعالى - لنا أمثلةً كثيرةً توضِّح لنا كيف تكون العلاقة الصحيحة بين الأبناء والآباء، ولنا في سيدنا إبراهيم - عليه السلام - الأسوةُ الحسنة ابنًا بارًّا يحاول هداية أبية، ويسطِّر لنا أروع الأساليب التي يمكن أن تُتَّبع بين الابن الصالح والأب حتى وإن كان كافرًا، وحتى عندما تعرَّض للتهديد بالرَّجم كان حليمًا بارًّا داعيًا الله لوالده بالهداية، لِمَ لا وقد آتاه الله رشده من قبل وهو - سبحانه - العليم؟ أيضًا لنا فيه الأسوة الحسنة أبًا صالحًا يرزقه الله الولد الصالح في سنِّ الشيخوخة، فيحبُّه بكلِّ قلبه، ويتعرَّض لأصعب اختبار من الله - سبحانه وتعالى. أيضًا يسطِّر لنا أفضل الأساليب التي يمكن أن تُتَّبع في التعامل مع الذريَّة الصالحة، حتى وهو يواجه أقسى امتحان. ------- يتبع |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#5333 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() ولنرتِّب الأحداث ترتيبًا زمنيًّا، ونبدأ مع الصدِّيق النبي الابن البار، ينشأ في وسطٍ يعكفون على عبادة الأصنام، فينكرُ ذلك بقلبه مرةً، وبلسانه مرةً، وبيده مرةً أخرى، وقد شقَّ على قلبه أن يجد الناس يعبدون آلهةً دون الله، فاتَّجه إلى أبيه أقرب الناس إليه؛ ليخرجه من ظلمات الجهل والضلال إلى نور المعرفة بالله {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42]. فيبدأ سيدنا إبراهيمُ خطابَه بألين أسلوب ممكن، يقول: (يا أبتِ)، ولا يهاجم أباه ولا آلهته من أول مرةٍ، ولكنه يفنِّدُ له واقعًا ملموسًا دون إهانةٍ، حيث إن الأصنام لا تسمع ولا تبصر، ويصل بإقرار الواقع الملموس إلى تقرير حقيقة ثابتة، هي أن الأصنام لا تغني عن أحدٍ شيئًا، وحتى لا يفلت عقلية الأب الجاهل من سلطان الحجَّة والبرهان إلى العناد؛ يقول له: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم: 43]. فيبرِّر له ما يقول، ويرجو له الهداية إلى الصراط المستقيم، ثم يحدِّد لأبيه المطلوب، ويبيِّن له العدو الحقيقي الذي أوهمهم بما هم فيه {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} [مريم: 44]. ويختار سيدنا إبراهيم اسم (الرحمن) في هذا الموضع بالذات؛ حتى يستلين قلب أبيه، فلم يقل له: إن الشيطان كان للجبار عصيًّا مثلاً؛ حتى لا يحرك داخل أبيه نَعرة الكبرياء الأحمق، ثم يذكِّره أن الدافع من هذه الدعوة هو الخوف عليه بحقِّ البنوَّة، والخوف عليه أيضًا من عذاب الله بسبب موالاة الشيطان، ولا ينسى أن يكرِّر على مسامع أبيه كلمة (يا أبت)؛ لعلَّه يحنُّ ويتصرَّف بدافع الأبوة، فيقول له: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم: 45]. حنان ما بعده حنان من ابن بارٍّ لأب فاجر، وحتى حينما وجد سيدنا إبراهيم بعد كلِّ هذا الحنان والأدب ردَّ الفعل جافًّا، حين قال له أبوه: لئن لم تنتهِ لأرجمنك، وأمره بالابتعاد عنه قائلاً: واهجرني مليًّا، لم يكن سيدنا إبراهيم الرشيد فظًّا عاقًّا، ولم يفقد الأمل، ولم ييْئَس، ولم يقطع حبال الوصل مع أبيه؛ وإنما {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47]. وفي نفس الوقت لم يضعف أمام هذا التعنت، إنما انصرف عنهم بالتي هي أحسن. وفي الجانب الآخر من حياة سيدنا إبراهيم، حينما أصبح أبًا بعد أن بلغ من الكِبَر عتيًّا، وبعد أن ظلَّ يناجي ربَّه أن يرزقه ولدًا صالحًا {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100]، وأجابه الله القدير بطلبه ورزقه الولد {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101]، لا ينسى الوالدين وقد كان نعم الابن: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41]. اللهم صلِّ وبارك على سيدنا محمد وعلى آله، كما صليت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آله، وصدق الله العظيم إذ يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة: 6]. ب- آباء صدق، وتعسًا للأبناء: ضرب الله - سبحانه وتعالى - لنا مثالاً آخر لمن يعقُّ الوالدين، وكيف أن العاقَّ والديه لا يفلح ولا يغني عنه صلاح الآباء من الله شيئًا، فترى أن نبوةَ أبٍ، وطول بقائه بين أبنائه، ودعوته لدين الله ليلاً ونهارًا، ومحاولته مع قومه إعلانًا وإسرارًا - كلُّ هذا لم يكن ينفع مع الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، حتى ولو كانوا أبناءهم، وكما قال الشاعر: وَمُوسَى الَّذِي رَبَّاهُ فِرْعَونُ مُؤْمِنٌ وَمُوسَى الَّذِي رَبَّاهُ جِبْرِيلُ كَافِرُ فنجد أن سيدنا نوحًا - عليه السلام - وقد مكثَ في قومه حوالي ألف سنةٍ، لم يؤمن معه إلاَّ قليلٌ، وكان الأكثر من الكافرين، وكان ابنه مع الكافرين، وعندما انتهى سيدنا نوح من بناء السفينة بأمر من عند الله - سبحانه - وحمل معه على السفينة من كلٍّ زوجين اثنين، ومن آمن معه وأهلَه، نادى - عليه السلام - على ولده الذي رفض الإيمان معه؛ أملاً منه أن يكون مع الناجين، وبعد أن يرى بعينيه ما يحلُّ بالكافرين، ربما يكون له رأيٌ آخر في عقيدته. ولكن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فقد كان الابن - بالإضافة إلى كُفْره بدين الله - عاقًّا لوالده، وكما قابل نِعَم الله بالكفر، قابل حنانَ الأب بالجحود، وعمومًا كل إنسان يفعل ما هو أهلٌ له، وكل إناءٍ بما فيه ينضح، فالصالح يفكِّر بصلاحه {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود: 42]. والفاسد يضلُّ؛ لأنه انقاد للشيطان الذي يأمر بالسوء والفحشاء {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود: 43]. ويستمرُّ الأب الصالح في محاولته؛ لينقذ ابنه من براثن الشيطان، وليبعده من نقمة الله وعقابه {قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود: 43]. ولكن الله بالغ أمره، وهو أعلم بالظالمين، وقد حكم بالحقِّ، وهو خير الحاكمين، ويا نوح لا تذهب نفسك حسرات عليه؛ لأنه عمل غير صالح {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود: 43]. وانظر عزيزي القارئ كيف كان عاقبة المكذبين؟! وكيف فعل الشيطان بالإنسان حين عشش في رأسه وباض وأفرخ؟ فاحذر مكايد الشيطان، وتعلَّم من أنباء ما قد سبق {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49]. وقصة ثانية تدور بين والدين صالحين مؤمنين ولهما ابنٌ عاقٌّ أرهقهما طغيانًا وكفرًا، فقال لوالديه: أفٍّ لكما {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقّ} [الأحقاف: 17]. ورفض هذا الابن الإذعان لنداء الحقِّ، وضلَّ ضلالاً بعيدًا، وأتْبَعه الشيطانُ فكان من الغاوين، وحقَّ عليه القول فكان من الخاسرين، وعرَّض نفسه ليجازى بعذاب الهوى لأنه كان من المستكبرين بغير الحقِّ وكان من الفاسقين {فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأحقاف: 17]، فسار على نهج الضالين، وكلُّهم حطب جهنم مع جنود إبليس وجنود فرعون وهكذا يكون مصير الظالمين والمجرمين {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29]. وعلينا أن نتعلَّم من سيرة الأمم التي خلَتْ من قبلنا، ونتجنَّب المهالك التي كانت للطاغين، ونرى كيف كان مصير الظالمين عند ربِّ العالمين، حيث يُكَبْكَبُ في النار كلُّ الغاوين وجنود إبليس أجمعون، وليس لهم شُفعاء عند ربهم ولا صديقٌ حميم. جـ- خير خلف لخير سلف: من أحسن القصص التي جاءت في القرآن الكريم قصةُ سيدنا يوسف - عليه السلام - حيث رشحها الله - سبحانه - لتكون على هذه الدرجة من الأهمية؛ حيث قال - سبحانه -: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3]. وقد تناوَل الله - سبحانه - في هذه القصةِ الأبوةَ الحانية، التي قفزتْ في صدر الموضوعات داخل أعماق أبٍ (هو سيدنا يعقوب) له من الأولاد عددٌ لا بأس به، ويبذل قصارى جهده حتى لا يدخل الشيطان بينهم؛ لأنه يعلم أن الشيطان للإنسان عدوٌّ مبين. ولكن الأمور تسير على غير ما يشتهي، ويتغلغل الشيطان في نفوس أولاده الكبار، والأب يحاول إنقاذ ما يُمكن إنقاذه، خصوصًا أنه لمح في ولده الصغير (يوسف) بشائر طيبة وصلاحًا {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4]. فيبذلُ الأبُ نصائحه من واقع علومه الإلهيَّة، ومن واقع خبرته في الحياة ومن فيها، فيمنع ولده من الإفصاح عن رؤياه حتى لإخوته {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5]. ولم ينتهِ دور الأبِ عند هذا الحدِّ، ولكنه شمل صغيره بعناية ورعاية حرَّكتْ أحقادَ الأبناء الكبار (أخوة يوسف)، كما أنه لا يريد أن يبتعدَ الولد الصغير عن عينيه؛ لأنه لا يأمن كيد الشيطان، وبالتالي رفض فكرة خروجه مع إخوته إلى خارج البلد؛ لأنه لا يريد أن يَحرِمَ نفسَه من الاستمتاع بقرب ولده منه، ويخشى عليه الأخطار {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} [يوسف: 13]. وعندما نفَّذ أولاده كيدهم، وظنوا أنهم انتهوا من يوسف إلى الأبد، شعر بأبوته الصادقة أن ابنه على قيد الحياة، وأن هناك لقاءً آتيًا بإذن الله، وكلُّ المطلوب هو الصبر {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]. وصدق الرجلُ في ظنِّه، كما صدق من قبل في تقدير الأمور {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 68]. وبعد ذلك يتكرَّر نفسُ الحدث مع شقيق يوسف، ولكن دون كيد من الإخوة في هذه المرَّة، ويجد الأبُ نفسه يفقد الابن الثاني قبل أن يعرفَ مصير الابن الأول، وكذلك لم يعد إليه أكبر الأولاد؛ لأنه تسبَّب في غياب يوسف، وتورَّط في غيبة الأخ الأصغر. ومع ذلك يلتزمُ بالصبر الجميل، راجيًا الله - سبحانه - أن يردَّهم جميعًا إليه؛ لأنه - سبحانه - هو العليم الحكيم، ولسنا بصدد القصة؛ ولكن نلتمسُ مشاعر الأبوة في أبٍ يتعرَّض لأنواع الاختبار؛ لعلَّنا نستفيد من هذه الدروس التي جعلت الرجلَ لا يبتعدُ عن الله لحظةً واحدةً، ولم يفقد الثقة في الله - سبحانه - ولم يتزعزع إيمانُه بالله درجةً واحدةً إلى الخلف، ومع أنه من كثرة الحزن والبكاء فقَدَ بصرَه كما فَقدَ أولاده من قبل، إلا أنه لا يشكو ما أصابه لأحدٍ إلا الله {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86]. كان هذا هو موقف خير سلف نالَ من العلوم الإلهيَّة قِسطًا وافرًا. وفي الجانب الآخر نجد خيرَ خلفٍ، إنه الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم (يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) - عليهم صلوات الله وسلامه. بكلِّ الأدب والإجلال يمتثل لأمر والده، ويدفن في أعماقه رؤياه حتى وهو يتعرَّض للإلقاء في البئر، ولو أنه قصَّ على إخوته رؤياه في ذلك الموقف، لحدث شيءٌ آخر خيرًا أو شرًّا، ولكنه الالتزام بالنصيحة. وكان يوسف - عليه السلام - دائمَ الصلة الروحيَّة بالوالدين جميعًا، فكان يذكُرهم بكلِّ خيرٍ كلما جاءتْه المناسبة، ويفتخر بسلامة عقيدته وعقيدة آبائه من قبله، ويعترف دائمًا بفضل الله عليهم جميعًا {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38]. وفي نهاية المطاف يعرف من الله الأسلوب الذي يعالج به أباه من فقْد البصر، فيرسل إليه قميصه، فكيف لو ذهب هو إليه؟ ولكن ولأسباب سهولة المعيشة يفضِّل - عليه السلام - أن يأتي آل يعقوب إليه هو، فقال لأخوته: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93]. وتمَّ جمع الشَّمل بفضل حنان الأبوة، الذي كان في مقابله برُّ الابن، هذه العلاقة التي لم يتمكَّن الإخوة من قطعها، ولم تؤثِّر فيها السنوات الطوال {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111]. وبرُّ الوالدين دائمًا مجال الثناء من الله - سبحانه وتعالى - فلقد كان من مميزات سيدنا عيسى - عليه السلام - أنه كان بارًّا بوالدته، وكذلك سيدنا يحيى {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} [مريم: 14]. والإنسان الصالح ينشأ من شبابه في طاعة الله، وهو ينتقل في مراحل العمر، ويتدرَّج في الحياة، من طفولةٍ بريئةٍ لا يحمل من هموم الدنيا شيئًا، وكل ما يريده فمن الوالدين، إلى شباب متحفِّز يرنو إلى ما حوله بطموح متوهج، إلى رجولة يبدأ فيها حمل مسؤولياته ويتدرج {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15]. فقد وصل هذا الابن إلى مستوى المسؤولية وتحملها، وعرف عن تجرِبةٍ المشاقَّ التي تحمَّلها والداه من قبل، فيدعو الله بالتوفيق في الشكر، وبالتالي دوام النعم، ويسأل الله أن يوفقه لصالح الأعمال، وكذلك أن يصلح له في ذريته من بعده. إنه مثال يُحتذى به، وقدوة صالحة يقتدي به من أراد النجاة، ونموذج مثالي في حال صغره وبعد كبره {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف: 16]. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم لقاك يا مجيب الدعوات. {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61]. وماذا بعد؟ وبعد أن ضرب الله لنا من الأمثلة التي تثبِّت القلب، وتقوِّي الإيمان، وشرح لنا كيف كان السلف الصالح، وما أعدَّه - سبحانه - لهم من حسن الثواب، وأيضًا بيَّن لنا جانبًا من أبناء السوء، وما توعَّدهم به - سبحانه - من عقاب أليمٍ - شرع لنا - سبحانه - الأسلوب الأمثل الذي يجب أن نكون عليه، فقال - تعالى -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]. إذًا هذا الأمر الذي قضى به ربُّ العالمين لم يأتِ لنا فجأةً، وهذا الربط بين عبادة الله والإحسان بالوالدين لم يكن من فراغ، وإذا رجعنا قليلاً إلى الآيات التي سبقتْ هذه الآيةَ نجد أنَّ الله بيَّن لنا الطريق الذي يهدي إلى الصراط المستقيم، وهو السعي المستمر في الاتجاه الصحيح، مع الإيمان بالله، كما حذَّرنا من أن تكون الدنيا همَّنا وسعينا، فإذا رجعنا قليلاً، نجد قوله - تعالى -: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 18]، أما الإنسان الذي عرف دار البقاء وعمل لها {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]. والله - سبحانه - يمدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطائه، ولكن ربحَ من كان عطاؤه في دار الخلود، وخاب وخسر من نال العطايا كلَّها في دار الفناء. وبعد هذا التوضيح كان الأمر الإلهي بعبادة الله وحده والإحسان بالوالدين. -------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#5334 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() المؤمن المنيب أبو موسى الأشعري إنه الصحابي الجليل عبدالله بن قيس بن سليم، المعروف بأبي موسى الأشعري، وقد رزقه الله صوتًا عَذْبًا فكان من أحسنِ الصحابة صوتًا في قراءة القرآن، قال عنه الرسول (: (لقد أُعْطِىَ أبو موسى مزمارًا من مزامير آل داود) [النسائي]. وقد مَرَّ به النبي ( ومعه السيدة عائشة، فوجداه يقرأ القرآن في بيته، فاستمعا لقراءته، فلما أصبح أخبره النبي ( بذلك، فقال أبو موسى: لو أعلم بمكانك لحبَّرْتُه لك تحبيرًا (أي جودته وحسنته). وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كلما رأى أبا موسى دعاه؛ ليتلو عليه من كتاب الله، وقال له: شوِّقْنَا إلى ربنا يا أبا موسى. وقد جاء أبو موسى إلى مكة قبل ظهور الإسلام، واشتهر بين أهل مكة بالتجارة وحسن المعاملة، ولما ظهر الإسلام، ودعا رسول الله ( إليه، أسرع أبو موسى ليعلن إسلامه، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم طلب من النبي ( أن يرجع إلى قومه بني أشعر ليدعوهم إلى الله، وينشر بينهم الإسلام، ويعلمهم أمور الدين الحنيف، فأذن له رسول الله (. فذهب أبو موسى إلى قومه، وأخذ يدعوهم إلى الإسلام، فاستجاب له كثيرون، فهاجر بهم إلى الحبشة، وكان عددهم يزيد على الخمسين رجلا، من بينهم شقيقاه؛ أبو رُهْم وأبو عامر، وأمه ظبية بنت وهب، وبعض النساء والصبيان. وبعد أن هاجر الرسول ( إلى المدينة، واستقر له الأمر فيها، هاجر المسلمون من الحبشة إلى المدينة، وكان أبو موسى الأشعري وقومه من هؤلاء المهاجرين، وقد قال النبي ( لأصحابه: (يَقْدُمُ عليكم غدًا قوم هم أرقُّ قلوبًا للإسلام منكم). فقدم الأشعريون، ولما اقتربوا من المدينة كانوا يقولون: غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه، ولما دخل أبو موسى الأشعري وقومه المدينة قال لهم الرسول (: (لكم الهجرة مرتين؛ هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إليَّ) [متفق عليه]. ولما نزل قول الله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54]، قال النبي (: (هم قومك يا أبا موسى وأومأ (أشار) إليه) [ابن سعد والحاكم]. واستعمله النبي ( على زُبيد وعَدَن، وغزا أبو موسى وجاهد مع النبي ( حتى قيل عنه: سيد الفوارس أبو موسى. [ابن سعد]. ودعا له النبي ( فقال: (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريمًا) [متفق عليه]. وذات ليلة كان النبي ( واقفًا عند باب المسجد مع خادمه بريدة، فوجدا أبا موسى يصلي بخشوع وخضوع فقال النبي ( له: (يا بريدة أتراه يرائي؟) قال بريدة: الله ورسوله أعلم. قال: (بل هو مؤمن منيب، لقد أعطى مزمارًا من مزامير آل داود)، فأتاه بريدة فوجد الرجل الذي مدحه الرسول ( وأثنى عليه هو أبو موسى فأخبره. [مسلم]. وكان النبي ( يضرب بالأشعريين المثل في تكافلهم وتعاونهم فيقول: (إن الأشعريين إذا أرملوا (افتقروا) في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسَّوية، فهم منِّي وأنا منهم) [البخاري]. وظل أبو موسى الأشعري مصاحبًا رسول الله ( طوال حياته، وبعد وفاة الرسول ( اشترك أبو موسى في حروب الردة في عهد خليفة المسلمين أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وجاهد فيها جهادًا حسنًا. وكان أبو موسى -رضي الله عنه- متواضعًا، يروى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولاه إمارة البصرة، فقال أبو موسى لأهلها حين وصل إليهم: بعثني إليكم أمير المؤمنين أعلِّمكم كتاب ربكم -عز وجل- وسنة نبيكم (، وأنظف لكم طرقكم. فتعجب القوم إذ كيف ينظف الأمير طرق المدينة. وكان أبو موسى بحرًا في العلم والفقه وأمور الدين، فقد قال عنه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين سُئِلَ عن علمه: صُبغ في العلم صبغة. وغزا أبو موسى بالبصريين ابتغاء الأجر والثواب من الله -عز وجل-، فافتتح الأهواز، كما فتح الرها وسميساط وغير ذلك، وظل واليًا على البصرة في خلافة عثمان بن عفان حتى طلب أهل الكوفة من أمير المؤمنين أن يوليه عليهم، فوافق الخليفة عثمان على ذلك، وأقرَّه أميرًا على الكوفة. ومكث أبو موسى في إمارة الكوفة حتى استشهد عثمان -رضي الله عنه-، وجاء من بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فعاد أبو موسى إلى مكة المكرمة، وعكف على العبادة والصلاة حتى توفي -رضي الله عنه- سنة (42) من الهجرة -------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#5335 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.. قال تعالى: ![]() ![]() وقال تعالى: ![]() ![]() وقال تعالى: ![]() ![]() وقال تعالى: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر:8-10]. 1- عن عمران بن حصين رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله ![]() 2- عن جابر ابن عبدالله رضي الله عنهما يقول: أخبرتني أم بشر أنها سمعت النبي ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() 3- عن أبي هريرة ![]() ![]() 4- عن نسير بن ذعلوق قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: ( لا تسبّوا أصحاب محمد ![]() 5- عن عبدالله بن مسعود ![]() ![]() 6- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يقول: حدثنا أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله ![]() ![]() ![]() ![]() 7- عن أنس عن النبي ![]() 8- عن أبي هريرة ![]() ![]() 9- وفي قصة حاطب في كتابه لأهل مكة قال عمر لرسول الله: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه فقال ![]() ![]() 10- عن البراء ![]() ![]() 11- عن أبي بردة عن أبيه قال: صلينا المغرب مع رسول الله ![]() وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ------------ للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#5336 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() الشاعر الشهيد عبد الله بن رواحة إنه الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة الخزرجي الأنصاري -رضي الله عنه- وكان يكنى أبا محمد. وقد حضر بيعتي العقبة الأولى والثانية، وشهد بدرًا وأحدًا والخندق، وكان أحد شعراء النبي ( الثلاثة، وكان بين يدي النبي ( في عمرة القضاء يقول: خَلُّوا بني الكُفَّار عَنْ سَبيلِهِ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ضَرْبًا يُزِيلُ الهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ وَيُذْهِلُ الخَلِيلَ عَنْ خَلِيـله فنادى عليه عمر وقال له: في حرم الله وبين يدي رسول الله ( تقول هذا الشعر؟ فقال له النبي (: (خَلِّ عنه يا عمر، فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وَقْعِ النبل) [أبو يعلي]. وكان عبد الله عابدًا محبًا لمجالس العلم والذِّكر، فيروى أنه كان إذا لقى رجلا من أصحابه قال له: تعال نؤمن بربنا ساعة. وذات مرة سمعه أحد الصحابة يقول ذلك، فذهب إلى النبي (، وقال: يا رسول الله، ألا ترى ابن رواحة، يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟! فقال له النبي (: (رحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة) [أحمد]. وذات مرة ذهب عبد الله إلى المسجد والنبي ( يخطب، وقبل أن يدخل سمع النبي ( يقول: (اجلسوا) فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ النبي ( من خطبتيه، فبلغ ذلك النبي (، فقال له: (زادك الله حرصًا على طواعية الله ورسوله) [البيهقي]. وكان كثير الخوف والخشية من الله، وكان يبكي كثيرًا، ويقول: إن الله تعالى قال: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 17]، فلا أدري أأنجو منها أم لا؟ وعُرفَ عبد الله بن رواحة بكثرة الصيام حتى في الأيام الشديدة الحر، يقول أبو الدرداء -رضي الله عنه- خرجنا مع النبي ( في بعض أسفاره في يوم حار حتى وضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا النبي ( وابن رواحة. ولما نزل قول الله تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون} [224-226] أخذ عبد الله في البكاء لأنه كان شاعرًا يقول الشعر، ويدافع به عن الإسلام والمسلمين، وقال لنفسه: قد علم الله أني منهم، وكان معه كعب بن مالك، وحسان بن ثابت، وهم شعراء الرسول ( الثلاثة، فنزل قول الله تعالى: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرًا وانتصروا من بعد ما ظلموا} [_الشعراء: 227]. ففرح عبد الله بذلك، واستمر في نصرة المسلمين بشعره. وذات يوم أنشد عبد الله من شعره بين يدي النبي (، وقال: إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الخَيْــــرَ أَعْرِفُـــهُ وَاللهُ يَعْرِفُ أنْ ما خَانَنِي الخَبَــــــرُ أَنْتَ النبي وَمَنْ يُحْــرَمْ شَفَاعَتُـــــهُ يَوْمَ الحِسَابِ لَقَدْ أَزْرَى بِـهِ القَــــدَرُ فَثَّبَتَ اللهُ مَا آتَـــاكَ مـِنْ حـُسْـــنٍ تَثَبِيتَ مَــــوسَى وَنَصْرًا كَالذي نَصَروا فدعا له الرسول (: (وإياك فثبَّتَكَ الله) [ابن سعد]. وكما نصر عبد الله الإسلام في ميدان الكلمة، فقد نصره باقتدار في ميدان الحرب والجهاد بشجاعته وفروسيته. وكان ابن رواحة أمينًا عادلاً، وقد أرسله النبي ( إلى يهود خيبر؛ ليأخذ الخراج والجزية مما في أراضيهم، فحاولوا إعطاءه رشوة؛ ليخفف عنهم الخراج، فقال لهم: يا أعداء الله، تطعموني السحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليَّ، ولأنتم أبغض إليَّ من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم (أي أتعامل معكم بالعدل). وفي شهر جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة، علم الرسول ( أن الروم قد حشدوا جيوشهم استعدادًا للهجوم على المسلمين، فأرسل النبي ( جيشًا إلى حدود الشام عدده ثلاثة آلاف مقاتل؛ ليؤمِّن الحدود الإسلامية من أطماع الروم، وجعل زيد بن حارثة أميرًا على الجيش، وقال لهم: (إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رَواحة) [البخاري]. فلما وصل جيش المسلمين إلي حدود الشام، علموا أن عدد جيش الروم مائتا ألف فارس، فقالوا: نكتب إلى النبي ( ليرسل إلينا مددًا من الرجال، أو يأمرنا أن نرجع أو أي أمر آخر، فقال لهم ابن رواحة: يا قوم، والله إن التي تكرهون هي التي خرجتم تطلبون، إنها الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور (نصر) وإما شهادة. فكبر المسلمون وواصلوا مسيرتهم حتى نزلوا قرية بالشام تسمى مؤتة، وفيها دارت الحرب، وقاتل المسلمون أعداءهم قتالاً شديدًا، وأخذ زيد بن حارثة يقاتل ومعه راية المسلمين، فاستشهد زيد، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وراح يقاتل في شجاعة حتى استشهد، فأخذ عبد الله الراية، فأحس في نفسه بعض التردد، ولكنه سرعان ما تشجع، وراح يقاتل في شجاعة ويقول: أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّـه طَائِعَةً أَوْ لَتُكْرهِنَّـــــــه فَطَالَمَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّـة مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الجَنَّــــةْ يَا نَفْسُ إلا تُقْتَلِى تَمُوتـي وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيـــــت إِنْ تَفْعَلِى فَعْلَهُمَا هُدِيـتِ وَإِنْ تَأَخَّرْتِ فَقَد شُقِيــــتِ ونال عبد الله الشهادة، ولحق بصاحبيه زيد وجعفر. ----------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#5337 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() شهيد يمشي على الأرض طلحة بن عبيد الله إنه الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله، قال عنه الرسول (: "من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض؛ فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله" [الترمذي]. وهو أحد العشرة الذين بشرهم الرسول ( بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليكون منهم خليفة المسلمين. وكان طلحة قد سافر إلى أرض بصرى بالشام في تجارة له، وبينما هو في السوق سمع راهبًا في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم؟ فذهب إليه طلحة، وقال له: نعم أنا، فقال الراهب: هل ظهر أحمد؟ قال طلحة: من أحمد؟ قال الراهب: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، ومخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة ويباخ (يقصد المدينة المنورة)، فإياك أن تسبق إليه. فوقع كلام الراهب في قلب طلحة، ورجع سريعًا إلى مكة وسأل أهلها: هل كان من حدث؟ قالوا نعم، محمد الأمين تنبأ، وقد تبعه ابن أبي قحافة، فذهب طلحة إلى أبي بكر، وأسلم على يده، وأخبره بقصة الراهب.[ابن سعد]، فكان من السابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر. ورغم ما كان لطلحة من ثراء ومال كثير ومكانة في قريش فقد تعرض لأذى المشركين واضطهادهم مما جعله يهاجر المدينة حين أذن النبي ( للمسلمين بالهجرة، وجاءت غزوة لكنه لم يشهدها، وقيل إن الرسول ( أرسله في مهمة خارج المدينة وحينما عاد ووجد المسلمين قد عادوا من غزوة بدر، حزن طلحة حزنًا شديدًا لما فاته من الأجر والثواب، لكن الرسول ( أخبره أن له من الأجر مثل من جاهد في المعركة، وأعطاه النبي ( سهمًا ونصيبًا من الغنائم مثل المقاتلين تمامًا. ثم شهد طلحة غزوة أحد وما بعدها من الغزوات، وكان يوم أحد يومًا مشهودًا، أبلى فيه طلحة بلاء حسنًا حتى قال عنه النبي (: "طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض" [ابن عساكر]. وحينما نزل قول الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) [الأحزاب: 23]، قال النبي (: "طلحة ممن قضى نحبه" [الترمذي]. وحينما حدث اضطراب في صفوف المسلمين، وتجمع المشركون حول رسول الله ( كل منهم يريد قتله، وكل منهم يوجه السيوف والسهام والرماح تجاه الرسول ( إذا بطلحة البطل الشجاع يشق صفوف المشركين حتى وصل إلى رسول الله (، وجعل من نفسه حصنًا منيعًا للنبي (، وقد أحزنه ما حدث لرسول الله ( من كسر رباعيته (أي مقدمة أسنانه)، وشج رأسه، فكان يتحمل بجسمه السهام عن رسول الله، ويتقي النبل عنه بيده حتى شلت يده، وشج رأسه، وحمل رسول الله ( على ظهره حتى صعد على صخرة، وأتاه أبو بكر وأبو عبيدة، فقال لهما الرسول: اليوم أوجب طلحة يا أبا بكر"، ثم قال لهما: "عليكما صاحبكما"، فأتيا إلى طلحة فوجداه في حفرة، وبه بضع وسبعون طعنة ورمية وضربة، وقد قطعت إصبعه" [ابن سعد]. وكان أبو بكر الصديق إذا ذكر يوم أحد قال: ذاك يوم كله لطلحة، وقد بشره الرسول ( بالجنة. وقد بلغ طلحة مبلغًا عظيمًا في الجود والكرم حتى سمى بطلحة الخير، وطلحة الجواد، وطلحة الفياض، ويحكى أن طلحة اشترى بئر ماء في غزوة ذي قرد، ثم تصدق بها، فقال رسول الله (: "أنت طلحة الفياض" [الطبراني]، ومن يومها قيل له طلحة الفياض. وقد أتاه مال من حضرموت بلغ سبعمائة ألف، فبات ليلته يتململ، فقالت له زوجته: مالك؟ فقال: تفكرت منذ الليلة، فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته، فأشارت عليه أن يقسم هذا المال على أصحابه وإخوانه، فسرَّ من رأيها وأعجب به، وفي الصباح، قسم كل ما عنده بين المهاجرين والأنصار، وهكذا عاش حياته كلها كريمًا سخيًّا شجاعًا. واشترك في باقي الغزوات مع النبي ( ومع أبي بكر وعمر وعثمان، وحزن حزنًا شديدًا حينما رأى مقتل عثمان بن عفان رضي الله واستشهاده، واشترك في موقعة الجمل مطالبًا بدم عثمان وبالقصاص ممن قتله، وعلم أن الحق في جانب علي، فترك قتاله وانسحب من ساحة المعركة وفي أثناء ذلك أصيب بسم فمات. وقد روي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: والله إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين) [الحجر: 47]. وتزوج طلحة -رضي الله عنه- أربع نسوة، كل واحدة منهن أخت لزوجة من زوجات النبي (، وهن: أم كلثوم بنت أبي بكر، أخت عائشة، وحمنة بنت جحش أخت زينب، والفارعة بنت أبي سفيان أخت أم حبيبة، ورقية بنت أبي أمية أخت أم سلمة. وقد ترك طلحة تسعة أولاد ذكور وبنتًا واحدة، وروي عن النبي ( أكثر من ثلاثين حديثًا. ------------ للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#5338 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() أفيقي يا نفس ( صلاح القلوب) بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده تعالى و نستعينه و نستغفره, و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا, من يهديه الله فلا مضل له, و من يضلل فلا هادي له, و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله. اللهم صلي على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى , و إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم, و إن شر الأمور محدثاتها وإن كل محدثة بدعة, و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار. ثم أما بعد فيا أيها الأحبة في الله, لا شك أن أول واجب شرعي يلزم جميع المسلمين و جميع الشباب على وجه الخصوص في هذه الأيام, هم تطهير القلوب, اللهم طهر قلوبنا يا رب. و تطهير القلوب ليس بالأمر الذي يُنتهى منه بمجرد الكلام, أو بمحاولات سريعة متوالية, يعتمد فيها على صورة العمل دون وصول العمل إلى القلب. فإن بين العمل و بين القلب مسافة, و في تلك المسافة قطاع طرق, و بين القلب و بين الرب مسافة, و في تلك المسافة قطاع طرق. فلا بد أن يصل العمل إلى القلب و لا بد أن يصل القلب إلى الرب, إذا أردنا أن تطهر قلوبنا على الوجه الذي تصح معه أعمالنا, و على الوجه الذي نعيش فيه عيشة أهل الجنة, اللهم أرزقنا جنتي الدنيا و الآخرة يا رب. فإصلاح القلوب مهمة عاجلة وجبت أن تتوجه إليها النفوس و القلوب, و تتوجه إليها الاهتمامات في هذا العصر قبل أي شيء غيره, فإن صلاة بلا قلب لا تفيد و لا تؤثر, و صدقة بلا قلب لا تفيد و لا تؤثر, و ذكر بلا قلب لا يفيد و لا يؤثر, و تلاوة قرآن بلا قلب لا تفيد و لا تؤثر, حتى قيام الليل بلا قلب ليس له أي فائدة و لا أثر. "إن الله لا ينظر إلى صوركم و لا إلى أجسامكم و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم". اللهم أصلح قلوبنا و أعمالنا. و السبيل إلى تطهير القلوب أيها الأخوة سبيل شاقة طويلة, تحتاج إلى صبر و مكابدة, إذا كان بعض السلف قال:" عالجت قيام الليل سنة, ثم تمتعت به عشرين سنة" فإن هذا الرجل كان يعيش في جو-أنا لا أشك لحظة- أنه أطهر من الجو الذي نعيش فيه, كان يعيش في عصر أنظف من العصر الذي نعيش فيه, كانت تحيط به فتن لا شك أقل و أصغر مما يحيط بنا, فلذلك كانت همته في العمل أقوى, كانت قوته في تطهير قلبه و تحصينه أتم, و أئمن, فإذا كان عالج قيام الليل سنة, فأحدنا يعالج قيام الليل كم سنة لكي يستمتع؟ لا شك أننا لا تكفينا سنة و لا اثنين و لا خمسة, و مثال ذلك أن سلفنا الصالح كانوا, إذا أراد أحدهم أن يطهر قلبه, فإنه يكفيه سنة, سنة كمثل حجر و رجل قوي الساعد ضخم العضلات, عظيم البنية, يمسك بمطرقة و يدك على الحجر, تكفيها كم ضربة؟ عشر ضربات. أما إذا كان رجل ضعيف الساعد, ضعيف البنية, ضعيف العزيمة, فإنه يكفيها كم ضربة لتتكسر هذه الحجارة؟ مئة ضربة. فكذلك الأمر عندنا, قلوبنا صارت حجر أو أشد اللهم رطب قلوبنا يا رب, نحتاج لكي نكسر هذه الحجارة أن نفتتها, و سواعدنا ضعيفة, و عزيمتنا ضعيفة و هممنا ضعيفة و نوايانا ضعيفة, فنحتاج إلى سنين, سنين طويلة لكي نفتت الأحجار التي زرعت في قلوبنا. كذا أشار بعض السلف قال:" لو وضع في بيتي بكل ذنب حجر, كما وضع في قلبي بكل ذنب حجر, لما عاد في بيتي موضع لقدم, فالذنب على الذنب حجر على قلبك في حجر. " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة". هناك قلوب أقسى من الحجارة, تحتاج تلك القلوب القاسية إلى أعمال طويلة, و همم عالية قوية, لكي تطهر القلوب, لذلك لا بد لكل منا أن يقف وقفة بعزيمة صادقة, مع قلبه, يواجه نفسه. أخوتاه, إن عاقلا لا يرضى بما نعيشه, ذنوب فوق ذنوب, و تكاسل عن الطاعات فوق تكاسل و تباعد عن الله فوق تباعد, و جفاء مع الله بعد جفاء, و ننتظر أن يأتي الموت فجأة فإذا الموت اليوم أو الساعة, فماذا سيكون مصيرنا؟ ماذا سيكون مصيرنا؟ سؤال أردده على مسامعكم كثيرا و أرجوا أن يجد صدى, أرجوا أن يجد صداه بينكم. لو أن ملك الموت دخل علينا الآن من هذا الباب, و تفرس الوجوه, و تفحص الأشخاص, ثم هجم عليك فقبض روحك, أنت أو أنت أو أنت, قبض روحك الآن, غسلناك كفناك و دفناك و غطيناك و تركناك. أي القبرين سيكون قبرك؟ أي الجليسين سيكون جليسك؟ أي البابين سيفتح عليك؟ أي الوجهين سيكون وجهك؟ ماذا ستقول لربك إذا عاتبك و حاسبك؟ إن هذا موقف ينبغي ألا يفارق عقولنا لحظة, حينها نبدأ في تطهير قلوبنا. اللهم طهر قلوبنا. أن تقف مع نفسك وقفة و قد بينت لك نفسك الآن و أنا أسائلك هذا السؤال, فقل أنا صليت المغرب ألقى الله على هذا السؤال, قل. قف مع نفسك الليلة وقفة أخوتي أرجوا أن تعاهدوني أن تقوموا لله الليلة, أن تقوموا لله الليلة بكاملها, تصلون , تسألون الله فكاك رقابكم من النار, اللهم أعتق رقابنا من النار. نعم إنني حين أسائلكم أخوتاه, أتذكر آخر ليلة قمتها؟ لعلها آخر ليلة قمتها كانت في رمضان, أتذكر آخر مرة ختمت فيها القرآن؟ أتذكر آخر صدقة وضعتها في يد يتيم أو فقير؟ أتذكر أتذكر أتذكر, مضى عهد بعيد, " طال عليكم الأمد فقست قلوبكم". قست القلوب, اللهم طهر قلوبنا.توقف مع نفسك. و قد يجيب بعضكم علي الآن فيقول: نعم نعم قمت أول أمس, ما أثر هذا القيام؟ قمت فأصبحت تطالع في وجوه المتبرجات, ما أثر هذا القيام في قلبك؟ قمت فلقيت صديق لك فجلستما تغتابا الناس و بعضكما يكذب قلت قم الليلة و استشعر قرب الرب و عاتب نفسك قل ويحك يا نفس كيف تعجبين بعملك مع كثرة خطاياك يا نفس كيف تعجبين بعملك مع كثرة خطاياك و زللك ويحك يا نفس ما أغدرك و يحك يا نفس ما أوقحك ويحك يا نفس ما أجهلك ويحك يا نفس على المعاصي ما أجرئك ويحك يا نفس كم تعقدين العهد مع الله ثم تنقضين كم تعهدين ثم تغدرين ويحك يا نفس أما تستحين, تزينين ظاهرك للخلق و بالمعاصي لله تبارزين أفتستحين من الخلق و لا تستحين من الله؟ ويحك أهو أهون الناظرين إليك ويحك يا نفس أتأمرين الناس بالخير و أنت ملطخة بالرذائل تدعين إلى الله و أنت فارة عنه, تذكرين بالله و أنت له ناسية ويحك يا نفس أتستزيدين مع هذه الخطايا بعمارة دنياك كأنك غير مرتحلة عنها, أما تنظرين إلى أهل القبور, كيف جمعوا كثيرا فأصبح جمعهم بورا, و بنوا مزيدا فصار بنيانهم قبورا, و أملوا بعيدا فصار أملهم زورا ويحك يا نفس أما لك بهم عبرة, أما لك إليهم نظرة, أتظنين أنهم دعوا إلى الآخرة و أنت من المخلدين ويحك يا نفس هيهات هيهات جاء ما تتوهمين, ما أنت إلا في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك ويحك يا نفس ابن على وجه الأرض قصرك, و هو قبرك ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة و هي مقبلة عليك, و تقبلين على الدنيا و هي فارة معرضة عنك, كم من مستقبل يوما لا يستكمله, و كم مؤمل غدا لا يبلغه ويحك يا نفس ما أعظم جهلك, أما تعرفين أن بين يديك الجنة أو النار, و أنت طائرة إلى إحداهما, مالك يا نفس تفرحين و تضحكين, و باللهو تشتغلين, و أنت مطلوبة لهذا الأمر الجسيم, عساك اليوم أو غدا بالموت تُختطفين ويحك يا نفس أراك ترين الموت بعيدا, و الله يراه قريبا, فمالك لا تسعدين للموت, و هو أقرب إليك من كل قريب, أما تتدبرين ويحك يا نفس ما أعجب نفاقك و دواعيك الباطلة ويحك يا نفس تدعين الإيمان بلسانك و النفاق ظاهر عليك ويحك يا نفس لو كان الإيمان باللسان ما خُلد المنافقون في قعر جهنم تحت الكافرين أفيقي يا نفس و توبي إلى الله و أرجعي إليه يا نفس قبل أن يكلك الله إلي و يكلني إليك فنصير في قعر جهنم مع المنافقين هكذا يقوم الرجل يناجي ربه, و يستعتبه, يناجي ربه و يستعتب نفسه و يتوب من زلل عمله, و تظهر له خطيئته, فإذا توجه بهذا فيبدأ أول مرحلة من مراحل تطهير القلب ألا و هي دمعة من عين العين اللهم طهر قلوبنا يا رب. دمعة طاهرة من عينك تنزل على صخرة قلبك فتحفر فيها حفرة, هاته الحفرة تكون أول معول في تكسير الصخرة, ثم تتوالى القطرات و تنزل تترا الدمعات, فتفتت الصخرة التي رست على القلب, فتخرج حينها و قد تفجرت عيون الخير من قلبك, و لكن كيف؟ السبيل إلى هذا أخوتاه, أن تنفتح أولا في قلبك عين, ترى بها حقيقة الآخرة, فتعيش فيها معيشة واضحة, هذا هو السبيل لرقة القلوب, و تطهيرها و تعلقها بالآخرة. الكثير منا يشكو فيقول, أسمع فيرق قلبي ثم أعود فيقسوا القلب مرة أخرى, الحل أخوتاه أن تنفتح في قلبك عين, ترى بها الآخرة فتعيش فيها دوما, بأن تتصور وعود الغيب من الموت و الجنة و النار و القبر و الحساب و النشر و الصراط و الميزان و تتطاير الصحف, و الملائكة و العرش, تتخيل تتصور تتبين ترى, ترى كل هذا بعين قلبك واقعا. أول ما ينبغي عليك أن تتصوره, تتصور سكرات الموت, و الله سمى الموت مصيبة, قال تعالى:" فأصابتكم مصيبة الموت". و العلماء يقولون أن دواهي الموت ثلاثة: الداهية الأولى: معاينة وجه ملك الموت, هذه أول الدواهي أن ترى صفحة وجه ملك الموت, و قد مد يده إلى فيك ليخرج روحك.هذه وحدها لو ظللت تتأملها و تحذرها و تخافها, لنغصت عليك عيشتك. ثانيا: سكرات الموت. ثالثا: سماع البشرى. أول داهية من دواهي الموت, أن ترى وجه ملك الموت, تخيل الآن, تصور أنك راقد على سريرك, أو لا يلزم الرقود, و أنت جالس هكذا, ملك الموت فاجأك في وجهك و أنت تنظر إليه, وجه ليس كوجوه الآدميين, وجه شيء آخر بالطبع, أنت لا تعرفه,أول مرة ترى وجه ملك, ثم تفاجئ به, يقول لروحك أخرجي, و قد مد يده هكذا لينتشل الروح من فمك, ثم معالجة سكرات الموت, و قد بدأت الروح تسحب من أصابع قدميك, فمن قدمك فمن ساقك فمن ركبتك فمن فخذك, هذا النزع أشد من ضرب بالسيوف و قرض بالمقاريض, أشد من أن تُغلى في القدور. و سكرات الموت, لا يصرخ منها من به السكرات, لأن الذي يصرخ من الألم, لأنه بقيت فيه قوة و بقي فيه صوت ليصرخ, أما في السكرات في حال النزع في سياقة الموت فقد إنهدت قواك و انقطع صوتك و لو استطعت لصرخت. فتثور حضور الملك لجذب روحك من قدميك, ثم الاستمرار في الجذب من جميع بدنك, فنشطت الروح متصاعدة إلى أعلى, حتى إذا بلغ منك الكرب, و الوجع و الألو منتهاه, و عمت الآلام جميع بدنك و قلبك, و قلبك وجل محزون منتظر. الداهية الثالثة: تنتظر الداهية الثالثة إما البشرى من الله بالرضى أو بالغضب, فبينما أنت في كربك و غمومك و غططك و شدتك و شدة حزنك لارتقابك إحدى البشريين, إذ سمعت ملك الموت يقول: أخرجي أيتها الروح ال..., و هنا طار قلبك, تخيلها حين يسمع طالب في الثانوية العامة الأرقام التي قبله, كلما اقترب رقمه, فهو يكاد قلبه يقف, هل سيمر أم سيذكر, يقول لك الملك, أخرجي أيتها الروح و أنت تنتظر الطيبة أم الخبيثة؟ لو لم يكن بك موت ساعتها لمت. أخرجي أيتها الروح... الطيبة, هنا يطير قلبك فرحا و تسعد روحك, و لذلك تخرج من روحك أطيب ريح شمت على وجه الأرض. أما إذا كانت الأخرى, أخرجي أيتها الروح الخبيثة, إلى نار و نيران و رب منتقم غضبان, فتخرج كأنها شوك تتفرق في جميع الجسد, فيضرب و يضرب على الوجه و القفى و الأفخاذ فيسود وجهه, و يزرق جسمه و تخرج روحه منتنة, بعد أن تفرقت في جميع جسمه. تصور نفسك حين طار قلبك فرحا و سرورا ببشرى الملك, أخرجي أيتها الروح الطيبة, إلى روح و ريحان ورب غير غضبان, أو حين ملأ قلبك رعبا و حزنا و حسرة بقول الملك, أخرجي أيتها الروح الخبيثة, إلى نار و نيران و رب منتقم غضبان. انقضت, غسلت كفنت, حملت و إذا بك و أنت محمول على الأكتاف, يحملك الرجال و أمامك خلق و خلفك خلق, يا ترى تصور معي, أي الروحين ستكون روحك, يقول الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم:" إذا حضرت الجنازة فحملها الرجال, طارت الروح فوقها ,فوق سرير الجنازة, إذا كانت صالحة قالت: قدموني قدموني, و إن كانت غير ذلك – و يا ويلك إن كنت غير ذلك- تقول يا ويلها أين تذهبون بها".فأدخلت في القبر و فك عنك الكفن, و كشف منك الوجه و نثر عليك التراب, و سقطت من أصحابك و أحبابك العبرات, و لكن لم يرحم وحدتك أحد. -------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#5339 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() أدوات ترطيب لما جف من مشاعرنـــا الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .. نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم . عنوان الموضوع يجلب التساؤل هل حقيقة أننا نحتاج لأدوات ترطيب لما جف من مشاعرنا ..وهل مشاعرنا قابلـــة للجفاف ؟!!تساؤل غريب .. ولكن فعلا نحتاج لمعرفة إجابته . مع كثرة الحوادث والمصائب التي نراها في زامننا هذا إلا أننا لا نباليأو لا نلقي لها بالاً !!قتل .. تشريد .. حروب.. إنتهاك حرمات .. ونحن في رغد العيش نتمتع وللأســـفلا نتعظ ممن سبقونا في رغد العيش كانوا .. ولا نحمد الله على نعمة السلام .. هل فكرنا يومــا في هذه النعمــة العظيمة ؟نعمـــة الســــلام !!غيرنا يعاني الحروب والدمار هل تساءلنا يومــا ؟كيف يعيشون هؤلاء .. كيف يتمتعون بحيــاة ؟!!كيف تكون مشاعرهم وأزيز الطائرات فوق رؤوسهمكيــف وكيــف .ولكــــن ؟!!هل نزلت يوما دمعــة حارقة جرت على الخدين لحال هؤلاء البشــر!! أفــ بعد كل هذا نقول أن مشاعرنا حيـــة ؟!!لا أعتقد ذلك بل ماتت وكبرنـــا عليها أربعــــاً .. ودفناها مع الأموات سَمعت قرع نعالنا .. ولكنها لم تنادي كالأمــوات !! تريد الخلاص من أجساد العفن .. ويحق لها ذاأجساد جوفاء لا خيرة فيها .. عشقت الرمم وأنفت القمم ما أقساها من مشاهــــد .. وما أقساها من قلوب .. وما أحوجنا لأدوات الترطيــب أدوات الترطيب التي نحتاجها لترطيب ما جف من مشاعرنا كثيرة لأن القلوب ميتـــه لا حول ولا قوة إلا بالله مشـهــــد ألفناه ..على أنــه يبكي الحجارة الصمـاء الصواريخ تقصف .. والراجمات تقذف وطفل صغير متعثر الخطى يبكي اليتم والخوف يتقــلب في خضن أم ميتــه .. أمـه قتلت وهو يبكي يريد الأمـن والأمــــان يعاتب أمــــه الميتـــه .. بعينين دامعتين يطلب منها انتشاله من الضياع من الخوف من الظلام من الجوع من هذا العالـــم المخيف .. والمسكين لا يعلم مصيره إلى أين آل .أبكي يا صغيري .. فكم سيطول بكاءك .وكم سترى من ويلات ظلم الحاقدين فهلا أعرناه لحظة سلام نعيشها اليوم !!! الصهيوني والطفل نرى عربدة اليهود في ديارنا .. ديار فلسطين ولكن هذا المشهد لن أنساه ما حييت فـــ والله تشتعل نار الأسى في قلوبنا على حالهم طفــل فلسطيني بيد صهيوني ظالم محتـــل الطفــل يستغيث ولكن لا مجيب .. يصرخ بأعلى صوته .. يبكــي .. يريد الخلاص هذا الصهيوني انزعج من صوت الصغير فلطمـــه على خده لطمــه أسقطته ولكنه بيد ذئب لا يحمل من الإشفاق شيء فهو متعطش للدمــاء فــ هل تتخيل أبنك في يد هذا الصهيوني ويعاملــه بهذه الوحشية ؟!! قد خيـــل لي قولك ..لا لا أي ذنب جنــاه هذا الصغيــر ليلقى الجزاء ؟!! هنــا ألجم قلمي عن البكـــاء لا تلوموه .. فـمشاعره حيــة لم تمت بعـــد بأيدنا أمتناها .. وبأيدنـا نحيهــافهل نكون ممن يحي مشاعر الأقلام .. أم ممن يقتلهـــا ؟!!أم لكي نعيش بسلام نقول .. اسبتـــي يا مشاعر ؟!! ---------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#5340 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() قلوبنا على درب الايمان َ [ دروس من قوله تعالى (قالت الأعراب آمنّا..)] اليوم أريد أن أحدث قلوبنا...فقلوبنا محل الحب الذي يستثير في النفوس البذل والعطاء ، وبه تستطاب الآلام وتهون التضحيات ، فيُحرك الساكن ويسير بالقعيد ويحول بليد الذهن فاقد العزم إلى ألمعيٍ لا يعرف الكلل ولايستطيب القعود عن حبيبه ومولاه ، حتى يقول أحد من حرك الحب جوانب فؤاده ( إنها لحياةٌ طويلة حتى آكل هذه التمرات) ، ويصيح الآخر (غداً ألقى الأحبة محمداً وحزبه).... وقلوبنا محل الخوف الذي يقلب انطلاقة النفس احجاماً ، ويلجم فيها جموحاً عن طوق الرشاد ، وركوناً إلى معصيةٍ تبدل حال الحر عبداً ، وتغير حال الرشيد الذكي فلا يكاد يختار إلا خراب داره وفساد حاله ، وكم من شغوفٍ ظمئٍ ظن رِيَّه في سمِّه فإذا الخوف في قلبه يغير ما كان يرومه من هلاكه نجاةً ، فاتعظ بحال من قيل له (اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه) فأبدله ذلك نجاة في غارٍ لا تقرضه فيه الشمس....فقلوبنا محل الإيمان الذي غير الأمم وألان الصخور الصمّ ،فأخرج من شحيح النفس والجيب كنوزه فنثرها في الطرقات ، وانطلق به من قيد الجبن إلى فساحة الإقدام وطلب الشهادة ، فأزال عن مرآته الكدر الذي منعه من رؤية الحياة فرأى الآخرين فأحبهم وبذل لهم ،فسطر التاريخ على هام الأمم أسماءاً ومفاخراً لم تكن لتُكتب إلا بنور الإيمان..ولكن قلوباً لم تذق حلاوة الإيمان ولم ترتوي من غديره ، أعجبها رسمه وجميل اسمه ، وراعها أن يفوتها ما غيَّر حال رعاة الغنم إلى قادةً للأمم ،وأوجل قلبها أن لا تصيب خيره فتصطلي بالويل وتندم، وسمعت قوله مالكها (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فلم ترضَ أن يكون الأكرمين من غيرها فتحركت تطلبه.... ونِعمَ ما يطلبه المرء أن يطلب الإيمان... ولكن في القلوب عجلةً، فسرعان ما تدعي ما لم تدفع له ثمن ،وتظنها حازت مغنماً لم يصبها منه مغرماً، ولا يعجبها أن يسبقها السابقون بالفضل فتتعامى عما قدموه من البذل وما طلقوه من الهزل، ويسوؤها أن تذكر ذنوباً أطلالها في القلوب لم تزل شاهدة أو تتذكر طاعاتٍ ما زالت عنها قاصرة...وهكذا كان إيمان الأعراب فسرعان ما نهوا وقال لهم الأعلم بحالهم (لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) ، ثم دلهم على الدرب لمن طلب مرضاة الرب فقال (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً) فجزاء أعمالكم ستجدوه في قلوبكم وتذوقوه في غدير إيمانكم ولن يترككم يوم لقاء مليككم... فهل تتعلم قلوبنا في درب الإيمان أن العجلة انقطاع والصبر هرولةٌ؟وهل تعلم القلوب طبيعة ما الدرب الذي فيه تسير ؟! إنه دربٌ تعصف فيه أعاصير الابتلاء وتموج بالسائرين فيه فتنٌ الشبهات والشهوات، فتتكسر هممٍ لم تكن مستعدة لما ستلاقيه، فيرى المرء زلة قدم الرفيق إن انتبه إليه زلل معه وإن ثبتَ مكانه مضى وحده !! .. فطوبى للغرباء. وفي هذا الدرب تتزلزل الأجواء حتى يهتز كل ما في القلوب (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً) ، فتنظر إلى السالكين فإذا هذه حالهم كلهم (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول الذين آمنوا معه متى نصر الله) ، فتتحرك الأيادي قبل السقوط باحثةً عن معين وقد قل في الدرب الأمين، فلا تجد غير مولاها فـ(يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)...فعندها - وليس قبل ذلك – يتميز أهل الإيمان من الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ، فأما المؤمنون فـ (قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)ولقد علَّم الله الأعراب هذا الدرس فقال لهم (إنما المؤمنون الذين آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (والريب ضد اليقين ،وهو نوع من الحركة والاضطراب..)مجموع الفتاوى،(واليقين يتضمن الطمأنينة والسكون)مجموع الفتاوى(والريب نوعان : نوعٌ يكون شكا لنقص العلم . ونوعٌ يكون اضطراباً في القلب)مجموع الفتاوى فهل عرفت القلوب حقاً درب الإيمان ..؟؟!وهل مازالت القلوب تريد أن تسير فيه ،أم تستحب العمى على الهدى بعد أن عاينت الطريق؟!وهل ستثبت القلوب ، أم تهزها الشكوك وتضطرب مما تلاقيه فتسقط؟!وهل سترضى أن تبذل لله ما أعطاها إياه، أم تتعلل بأن بيوتها عورةً لتترك المسير؟! فإن سارت القلوب فستجد عدواً يُسلمها لعدو ، وسيلاحقها حبيبٌ ليوقعها في مصيدة العدو ، وستُخرج الأرض كنوزها لتقيد الأقدام عن المسير ، وستطلب القلوب من هؤلاء السلامة وتحاول أن تعقد معهم الهدنة فتتصافح الأيدي لتهوي في دركات السقوط...ولن يُكمل إلا المؤمنون الذين ثبتوا فلم يرتابوا (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وهذا ما علمه الله للأعراب ...وقد علق سبحانه الهداية في كتابه على الجهاد فقال (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)،( فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً، وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد)الفوائد،و(من جاهد الكفار، دل ذلك، على الإيمان التام في القلب، لأن من جاهد غيره على الإسلام، والقيام بشرائعه، فجهاده لنفسه على ذلك، من باب أولى وأحرى؛ ولأن من لم يقو على الجهاد، فإن ذلك، دليل على ضعف إيمانه)السعديفخض غمرات الموت واسمُ إلى العلا == لكي تدرك العــــــز الرفيع الدائمفلا خيـر في نفــس تخـاف من الردى ==ولا همـة تصـــــبو إلى لــوم لائـمفهل عرفت القلوب حقاً درب الإيمان ..؟؟!نعم....هاهي قلوبٌ قد عرفت الطريق فآمنت وصدقت وثبتت وسكنت وجاهدت وما هادنت .... ولكن يا ويحها مالي أراها سقطت وما أكملت؟!! مالي أراها تُضرم النار فتحرق إيمانها في نارها ؟؟!! مالي أراها تخلط صفو مائها بكدر أوحالها؟؟!! يا ويح نفسي أبعد النصب والتعب ، وبعد البذل والعمل تضيع الجهود وتمحق النتائج ... فياويحي ما السبب ؟!! ما السبب؟!!طاوعتهم قلوبهم بعد طول المسير - وقد مرّ بهم ما مرّ بهم - أن تُعجبهم أعمالهم ،ولم ييأس الشيطان أن يُفسد قلوبهم لتحبط أعمالهم ،فزين لهم طاعاتهم فأعجبتهم ومنُّوا بحسناتهم فصارت هباءً منثوراً ..فرحم الله عمر يستحلف حذيفة (أسماني رسول الله في المنافقين) ،ورحم الله حذيفة وهو يقول له (لا ولا أزكي بعدك أحداً أبداً) ،ورحم الله ابن مسعود وهو يقول (ههنا رجل وَدَّ أنه إذا مات لم يبعث [ يعني نفسه ] ويقول أيضاً: لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي لحثوتم على رأسي التراب) ..رحمهم ورضي عنهم وأدخلهم الجنة عرفها لهم..فيا قلب ويحي وويحك أي عملٍ أعجبك ؟! أهذا الذي ينتابه النسيان وانشغال البال بالدنايا ؟!! أم هذا الذي ما علمت أخلص لمولاك أم جُعل به سخط الناس إذ طُلِبَ به حوز رضاهم ؟؟!! أم لعل القلب تُعجبك ركيعات يقيمك ربك لها ولو شاء لقيل (اقعدوا مع القاعدين)؟!!فيا ويح قومٍ جُهال ظنوا أن لهم عند مدبر أحوالهم ما يكون في الدنيا من منافع لمن يخدم غيره ..ولقد علم الله الأعراب هذا فقال لهم تعالى (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)أما علمت القلوب أن أعمالها لا تنفع غيرها قال تعالى ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) وقال تعالى ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد )... أما علمت القلوب أنها ما آمنت إلا بنور الله وما ثبتت إلا بعصمة الله وما زكت إلا بوحي الله ،فـهو سبحانه من(حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) فالفضل لله من قبل ومن بعد ...وماذا تقول القلوب وقد أعجبتها أعمالٌ مُخلَطة وربها يقول (يا عبادي! كلكم ضالٌ إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته؛ فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً؛ فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم؛ ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم؛ ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يُنقص المخيط إذا أدخل البحر، ياعبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)رواه مسلم ..؟!!فهل وعت قلوبنا حقيقة الإيمان ؟؟!!وأين الذين تعجلوا ادعاء الإيمان؟؟!! أين الذين ظنوا أنفسهم كالسابقين ولم يسيروا سيرهم..؟! أيا قلبي...إياك أن تعجل فالدرب طويل...وإياك أن ترتاب إذ تمر بمزالق الطريق ولو قلّ الرفيق ...وإياك أن يُعجبك ما بذلت فتخسر ما قدمت وما أخرت....أيا قلبي حز الإيمان ولا تدعيه ... وتعلم مما علمه ربك للأعراب فإنه درسٌ لكل من دخل الإسلام وأراد أن يحوز الإيمان وأما الموعد .....فموعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر --------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 23 ( الأعضاء 0 والزوار 23) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ | الوآصل | المنتدى الرياضي | 6 | 10-12-2009 01:49 AM |
اســـــــرار القلــــب..! | الســرف | المنتدى العام | 22 | 29-09-2008 01:03 AM |
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء | امـــير زهران | منتدى الحوار | 4 | 02-09-2008 03:05 PM |
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة | رياح نجد | المنتدى العام | 19 | 15-08-2008 01:10 PM |
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! | البرنسيسة | المنتدى العام | 13 | 17-08-2007 11:04 PM |