![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#7361 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#7366 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() يدخل الإسلام بسبب الصيام أخذت حقائب السفر، و وضعتها في الحافلة، واتخذت مقعداً بقرب السائق؛ انطلاقاً لمطار باريس (شارل ديغول) الذي يبعد دقائق عن الفندق، وأثناء ما كان سائق الحافلة ينتظر المسافرين للركوب، سلمت عليه بتحية الإسلام، فجاءت إجابته بالرد بالتي هي أحسن، فتأكد لي بعد ظنون أنه مسلم، وإن كان محياه النيّر قد أعلن ذلك في نفسي، فتبادلنا الحديث بالعربية، وأردت أن أستغل ضيق الوقت بعدة أسئلة حول إسلامه وتعلمه اللغة العربية، وفاجأني أنه أسلم قبل أربعة أعوام، حيث كان يقيم في ضواحي باريس وحوله بعض الأصدقاء المسلمين القاطنين في تلك الضواحي، وفي أحد أيامه معهم،لاحظ عليهم الإمساك عن الطعام والشراب، فلما سألهم عن ذلك، أخبروه بأنهم صائمون، فأراد أن يتعرف أكثر على هذه العبادة، و لكن جهلهم بالدين أعاق معرفته الكاملة عن هذا العبادة الصامتة الناطقة المستفزة لكوامن الفطرة الصحيحة. وبعد أن عاد إلى بيته وجد راهبة كانت تزورهم من وقت لآخر، فبادرها بالسؤال عن الصيام في المسيحية فأخبرته أنه موجود لديهم ما يشبه الصيام، ثم سألها: هل الإسلام الدين الأخير الذي أنزله الله على البشر؟ فكانت إجابتها: بـ"نعم"، لتثير في نفسه عاصفة داخلية غيّرت وجهة حياته نحو الإسلام. حينها أراد أن يتعلم العربية ليقرأ القرآن ويفهمه، فخرج من عمله، وسافر إلى سوريا والتحق بأحد المعاهد العربية لمدة ثلاث سنوات،عاد بعدها إلى باريس مؤمناً داعياً إلى الله تعالى، وبعدما أنهى قصته، و اقتربت من النزول إلى المطار، شكرته على أن فتح عينيّ مرة أخرى لفهم مقاصد الصوم والتأمّل في أحكامه. هذه القصة أعادتني خمس سنوات للوراء لأتذكر قصة قريبة منها لشاب فرنسي آخر دخل الإسلام بسبب الصيام ؟! وها نحن ذا في رمضان –وكالعادة- يمرّ علينا كل عام مرّ السحاب، سريعة أيامه جميلة لياليه، ولكنه يخرج أحياناً كما دخل، لهذا أسأل نفسي: لماذا يحرك الصيام أنفساً ألفت الكفر عقوداً طويلة، ولا تتحرك أنفسنا لذة به وطرباً في صيامه؟! ومرات أخرى أقول: لماذا جعل الله صيام رمضان الركن الرابع من أركان الإسلام التي لا يقوم الدين إلاّ بها مع أن تلك العبادة ليس فيها أداءٌ يُعمل أو واجبٌ يُمارس غير الكف والامتناع عن تناول المباحات من الطعام والشراب والجماع، بمعنى أنها ليست صلاة تُؤدّى يومياً وفق شروط وأوصاف معينة أو زكاة تنفق من مال المسلم أو حج يُقصد فيه العديد من الشعائر البدنية.. والكف والامتناع هو عمل في اصطلاح الأصوليين، ولكنه لا يرقى إلى مرتبة الأداء من حيث التصور المادي للأحكام، ومع ذلك يجعله الله من أجلّ العبادات كلها، ويغفر للصائم ما تقدم من ذنبه، والله قد تكفل للصوم بأجر لا مثيل له كما جاء في الحديث "إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".. لا أشك أن للصوم حكماً ومقاصد أعظم من الأمر الذي نفهمه من مجرد الامتناع من المباحات، وهي التي جعلت ذلك الصيام من أعظم القربات عند الله، ولكن في مقاصدها وليس في طبيعة أدائها.. ربما كان السبب في ظني أن رمضان هو الدورة التدريبية والتأهيلية لصحة الاستقامة والقيام بواجبات العبادة كلها، وهي التي تحافظ على الإنسان من الإخلال بتلك الواجبات والأوامر.. ذلك أن الصوم عن المفطرات المباحة لنهار كامل ولمدة ثلاثين يوماً يعطي للإنسان قوة في التحمل والصبر و ضبط الإرادة تزداد يوماً بعد يوم. كما أن الصوم سرّ خفيّ بين العبد وربه لا يعلمه أحد، ولا يتوثق منه أحد.. بهذين الأمرين يجتمع للصائم قوتان قوة الإرادة وقوة المراقبة.. وهاتان القوتان هي ما نحتاجه في كل تفاصيل حياتنا حتى نحقق الإيمان بالله واتباع أوامره.. فالإنسان إنما يقع في شرك الشيطان والهوى إما في لحظات ضعف الإرادة أو لحظات ضعف المراقبة.. لذلك شرع الله لنا تلك الدورة التدريبية لتطوير كفاءتنا في الدفاع عن إيماننا من شر الهوى والشيطان، وهيّأ لنا كل الظروف المحيطة لنجاح مقاصد تلك العبادة؛ فأبواب النار مغلقة، وأبواب الجنة مفتّحة، والشياطين مصفّدة، والملائكة تنادي: يا باغي الخير، أقبل، ويا باغي الشر، أقصر.. بالإضافة إلى مكافآت نفسية يحصل عليها الصائم من الفرح عند فطره، وعند لقاء ربه. لذلك قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. ولا أظن التقوى تتحقق في نفس المؤمن من غير إرادة قوية لفعل الخير واجتناب الشر وقوة في المراقبة تستشعر الله في كل مكان وزمان. ومن عجيب التشريع الديني أن الزكاة والجهاد فُرضا في رمضان، ربما لأن بذل المال الغالي على النفس، وبذل الروح من أجل الله، تحتاج إلى قوة كبيرة من الإرادة و معيّة الله لعبده. هذه بعض نفحات الصيام وفي أيامه المزيد من الحكم و الأسرار. تقبّل الله منا ومنكم صالح الأعمال ---------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#7367 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() عذرا لازلت اتعلم في هذا الجهاز الجديد فارجو المعذرة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#7368 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() هكذا علمتني حكمة الله · علمتني أن الشكر عند الحرمان لا ينبغي أبداً أن يقل عن الشكر عند العطاء، لأنه سبحانه ما منع ولا أعطى إلا رحمة منه بعباده. · علمتني أن الأمان في جنب الله، وأن العبد يؤخذ بقدر ضعف ثقته فيما عند الله، وتعويله على في أيدي الناس من منصب أو جاه أو مال أو سلطان، حيث يأبى الله إلا أن يظهر لعباده قهر سلطانه وأن يبدى لهم بما لا يدع مجالا للشك لدى العيان مدى ضعفهم وحاجتهم إليه سبحانه على الدوام. · علمتني أن من أحبه الله أظهر له أثر معصيته على الفور تعثراً في أمور حياته حتى يسترجع، ويتدارك نفسه بالتوبة، أما من أبغضه فإنه يجعله ينتقل من يسر إلى يسر حتى ولو بالغ في معصيته، وذلك لأن أخذته ستكون أخذة مهلكة لحاضره وماضيه!! بل ومستقبله!! حيث لم يبال الله به في أي أودية الدنيا هلك! · علمتني أن أقصر الطرق للسعادة، هو الصدق مع الله في السر والعلن، كي تصلح لك الدارين معاً. · علمتني أن الوالدين هما قبطانان سفينتك إلى رضوان الله تعالى، وأن الله قد خصص لهما حساباً مفتوحاً عنوانه (كما تدين تدان) فمن قصر في حقهما، لزمه القصور من أبنائه، ومن وفَّى، وفَّى الله له في الدنيا قبل الآخرة. · علمتني أن أعمل بما في لدي من مال، عمل الساعي، الذي يوصل البريد إلى أهله دون سؤالهم عن محتواه، فالمال مال الله، والفضل والمنة لله، وما في يدك اليوم من المال، سوف تسأل عنه غداً، فإما أن يكون لك أو عليك!! فخير لك أن تحول ما في يدك اليوم إلى الحساب الذي سوف ينفعك الله به غداً؛ حتى تكتب لك النجاة. · علمتني أن من عاش لنفسه كان لم يدم عمره طويلاً؛ حتى لو زاد عدد أرقام سنوات حياته!! أما من عاش لدينه وجعله قضيته، فإنه يحيى في قلوب الناس إلى قيام الساعة، وتمتد سعادته بلا نهاية ما بعد قيام الساعة؛ لأن عظم أعماله باركت آخرته ودنياه؛ حتى ولو لم تدم أيام حياته فيها طويلاً!! · علمتني أن رحمة الله قريبة من المحسنين، فلا تحتقرن إحساناً أياً كان نوعه، وأكثر من الإحسان ما استطعت في دنياك، أملاً في أن يلهمك الله النطق بالشهادة عند لحظات فراقك، فتكون من الناجين. -------------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#7369 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() المجلس 18 : في غزوة بـدر * الحمدُ لله القويِّ المتين، القاهرِ الظاهرِ الملكِ الحقِّ المبين، لا يخفى على سمعِه خفيُّ الأنينِ، ولا يعزُب عن بصرِه حركاتُ الجنِين، ذلَّ لكبريائِه جبابرةُ السلاطين، وَقَضى القضاءَ بحكمتِه وهو أحْكَمُ الحاكمين، أحمده حمْدَ الشاكِرين، وأسْألُه مَعُونَةَ الصابِرين، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحده لا شريكَ له إِلهُ الأوَّلين والآخرين، وأشَهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه المصطَفَى على جميع المرسلين، المنصورُ ببَدرٍ بالملائِكةِ المنزَلين، صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابه والتابِعين لهم بإحْسانٍ إلى يومِ الدين، وسلم تسليماً. * إخواني: في هذا الشهرِ المُباركِ نصرَ الله المسلمينَ في غزوة بدرٍ الْكُبْرى على أعْدَائِهم المُشرِكينَ وسَمَّى ذلك اليومَ يومَ الفُرْقانِ؛ لأنَّه سبحانه فرَّقَ فيه بَيْنَ الحقِّ والبَاطِلِ بنَصْر رسولِهِ والمؤمنين وخَذْلِ الكفارِ المشركِين. كان ذلك في شهر رمضانَ من السَّنَةِ الثانية من الهِجْرةِ، وكان سببُ هذه الغزوة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم بَلَغَهُ أنَّ أبا سفيانَ قد توجَّه من الشامِ إلى مكةَ بعيْرِ قريشٍ، فَدَعَا أصحابَه إلى الخروج إليه لأخْذِ العِيْرِ، لأنَّ قُريشاً حَربٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابِه ليس بَيْنَه وبينَهم عهْدٌ، وقد أخْرَجوهم من ديارِهم وأموالِهم وقامُوا ضِدَّ دعوتِهم دعوةِ الحقِّ، فكانُوا مُسْتَحقِّين لما أرادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابُه بِعِيْرِهم. فخرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابُه في ثَلثِمائةٍ وبضعةَ عَشَرَ رجُلاً على فَرسَين وسَبْعِين بَعِيراً يتعقبونها منهم سَبْعون رجُلاً من المُهَاجرين، والباقُون مِن الأنصارِ، يَقْصُدونَ الْعِيْرَ لا يريدونَ الْحَرْبَ، ولَكنَّ الله جمَعَ بينهم وبينَ عَدُوِّهم على غيرِ ميْعاد لِيَقْضيَ الله أمراً كان مفعولاً ويتمَّ ما أرَاد. فإن أبا سفيانَ عَلمَ بهم فبعثَ صارخاً إلى قُريشٍ يَستنجدُهم لِيحْمُوا عِيْرَهُمْ، وتَركَ الطريقَ المعتادةَ وسلكَ ساحلَ البحرِ فَنَجا. - أما قريشٌ فإنَّه لما جاءهم الصارخُ خَرجُوا بأشْرافِهِم عن بَكْرَةِ أبِيهم في نحو ألفِ رجلٍ معهم مئةُ فرسٍ وسبعُمائة بَعِيرٍ {بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [الأنفال: 47] ومَعهَم الْقِيَانُ يُغَنِّينَ بهجاءِ المسلمينَ، فلما عَلِمَ أبو سفيانَ بخروجِهم بعثَ إليهم يُخْبرهُم بِنَجَاتِه، ويُشير عليهِم بالرجوعِ وعدم الْحَربِ، فأبَوْا ذلك وقال أبُو جهلٍ: والله لا نرجعُ حتى نبلُغَ بدراً ونُقِيمُ فيه ثَلاثاً، نَنْحَرُ الجُزُورَ، ونُطْعِمُ الطعامَ، ونسقِي الْخَمْرَ، وتسمعُ بنا العَرَبُ فلا يَزالون يهابونَنَا أبداً. - أمَّا رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم فإنه لما عَلِمَ بخروجِ قريشٍ جمعَ من معه من الصحابةِ فاستشارَهم وقال: إن الله قدْ وَعَدَني إحْدى الطائفتين إمَّا العيرَ أو الجيشَ، فقام المقْدَادُ بنُ الأسْودِ وكَان من المُهاجِرينَ وقالَ: يا رسول الله امْض لما أمرَكَ الله عَزِّ وجلِّ فوَالله لا نقُولُ كما قالتْ بنو إسْرائيلَ لمُوسى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المائدة: 24] ولكِنْ نقاتلُ عن يمينِك وعن شمالِك ومن بَيْنَ يَدَيْكَ ومن خَلْفِك، وقام سعدُ بنُ مُعَاذٍ الأنْصاريُّ سيِّدُ الأوْس فقال: يا رسول الله لعلَّكَ تَخْشَى أنْ تكونَ الأنصارُ تَرَى حقْاً عليها أن لا تَنصُركَ إلاَّ في ديارِهم وإني أقُولُ عن الأنْصارِ وأجيبُ عنهم فاظْعَنْ حيثُ شئتَ، وصِل حبل مَنْ شئتَ، واقطعْ حبْلَ مَنْ شئتَ، وخذْ من أموالِنا ما شئتَ، وأعطِنا منها ما شئتَ، ومَا أخَذْتَ منَّا كان أحَبَّ إلينا مما تركتَ، وما أمْرت فيه من أمْرٍ فأمْرُنا فيه تَبَعٌ لأمْرك، فوالله لَئِن سِرْتَ بناحتى تبلُغَ الْبركَ من غَمْدانَ لنَسيرنَّ معك، ولئن اسْتعرضتَ بنا هذا البَحْرَ فخضْتَه لنخُوضَنَّه معك، وما نَكرَهُ أنْ تكونَ تَلَقَى العدوَّ بنا غداً، إنَّنا لصبرٌ عند الْحَربِ، صِدْقٌ عند اللِّقاءِ، ولعلَّ الله يُريكَ منا ما تَقَرُّ به عَيْنُك. - فسُرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لما سَمِعَ من كلامِ المهاجرينَ والأنصارِ رضي الله عنهم وقال: «سَيْرُوا وأبْشِرُوا فَوالله لَكَأنِّي أنْظُرَ إلى مَصارِعِ القومِ »، فَسَارَ النبي صلى الله عليه وسلّم بجنودِ الرحمنِ حتى نَزَلُوا أدنَى ماءٍ من مِيَاهِ بَدْرٍ، فقال له الْحبابُ بنُ المُنْذرِ بن عَمْرو بنِ الجموح: يا رسول الله أرأيت هذا المَنْزِلَ؟ أمَنْزلٌ أنْزَلَكَهُ الله ليس لنا أن نتقدمَ عنه أوْ نتأخر؟ أمْ هو الرَّأْيُ والْحَرْبُ والمَكيدةُ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: « بل هو الرأْيُ والحربُ والمكيدةُ »، فقال: يا رسولَ الله إنَّ هذا ليس بمَنزِلٍ، فَانْهَضْ بنا حتى نَأتِيَ أدْنَى ماءٍ من القومِ فننزله ونُغَوِّر ما ورَاءه من الْقُلبِ ثم نَبْنِيَ عليه حوضاً فَنَمْلأه فنشربَ ولا يشربُونَ، فاسْتَحْسَنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم هذا الرَّأيَ ونهض، فنزلَ بالعْدُوَةِ الدُّنيا مما يلِي المدينةَ وقريشٌ بالْعُدْوةِ القُصْوى مما يلي مكةَ، وأنْزلَ الله تلك الليلة مطراً كان على المشركين وَابلاً شديداً وَوحَلاً زَلَقاً يمنعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلاًّ طهرَهم ووطَّأ لهم الأرض وشَدَّ الرَّمْلَ ومَهَّدَ المَنْزِلَ وثَبَّتَ الأقدام. - وبنى المسلمون لِرسول الله صلى الله عليه وسلّم عَريْشاً على تل مُشْرِفٍ على مَيْدَانِ الحرب ثم نَزَلَ صلى الله عليه وسلّم من الْعَريشِ فَسَوَّى صفوف أصْحابِه، ومشى في موضِع المَعْرَكةِ، وجعَل يُشيرُ بيدهِ إلى مصارعِ المشركينَ، ومحلاَّتِ قَتْلِهم يقولُ: هذا مصرعُ فلانٍ إنْ شاء الله، هذا مصرعُ فلانٍ، فما جاوزَ أحَدٌ مِنْهُمْ موضعَ إشارتِه، ثم نَظَرَ صلى الله عليه وسلّم إلى أصحابه وإلى قُرَيْشٍ فقال: اللَّهُمَّ هذه قريشٌ جاءت بفَخْرِها وخُيَلائِها وخَيْلِها تُحادُّك وتكذّبُ رسولَك، اللَّهُمَّ نَصْركَ الَّذِي وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ انْجِزْ لي ما وعدتنِي، اللَّهُمَّ إني أنْشُدُك عَهْدَك ووَعْدَك، اللَّهُمَّ إنْ شئتَ لم تُعْبَدْ، اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هذه العِصَابَةُ اليومَ لا تُعْبَد، واستَنْصَرَ المسلمون رَبَّهُمُ واستغاثوه فاستجابَ لهم: { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ } [الأنفال: 12 14]. - ثُمَّ تقابَلَ الجَمَعانِ، وحَمِي الْوطِيسُ واستدارتْ رَحَى الحربِ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلّم في العَرِيشِ، ومعه أبو بكرٍ وسَعْدُ بنُ مُعاذٍ يحرسانه، فما زالَ صلى الله عليه وسلّم يُنَاشِدُ ربَّه ويسْتَنْصِرُهُ ويَسْتَغِيْثُه، فأغْفَى إغْفَاةً ثم خرج يقول: « سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ » وحَرَّضَ أصحابَه على القتال وقال: والَّذِي نَفْسُ محمدٍ بيدِهِ لا يقاتلُهُمُ اليومَ رَجُلٌ فَيَقْتَلُ صابراً مُحْتَسِباً مُقْبلاً غَيْرَ مُدْبر إلاَّ أدخله الله الجنّةَ. فقام عُمَيرُ بنُ الحِمَام الأنصاريُّ وبِيَدِه تَمَرات يأكُلُهُنَّ فقال: يا رسولَ الله جنة عَرْضُها السمواتُ والأرْضُ قال النبي صلى الله عليه وسلّم: نَعَمْ. قال: بَخٍ بَخٍ يا رسولَ الله ما بَيْنِي وبَيْنَ أنْ أدخُل الجنةَ إلاّ أنْ يقتُلَني هؤلاءِ، لَئِنْ حِييتُ حتى آكُلَ تمراتِي هذهِ إنها لحَيَاةٌ طويلةٌ، ثم ألْقَى التمراتِ وقاتلِ حتى قُتِلَ رضي الله عنه. - وأخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم كفَّاً مِنْ تُرابٍ أو حصاً فرَمَى بها القومَ فأصابتْ أعْيُنَهم فما مِنْهم واحِدٌ إلاَّ مَلأتْ عيْنَه، وشُغلوُا بالتراب في أعْينهم آيةً من آياتِ الله عزَّ وجلَّ، فَهُزمَ جَمْعُ المشركين، ووَلَّوُا الأدْبارَ، واتَّبعهم المسلمون يقْتُلون ويأسرون. قَتْلُوا سَبْعينَ رجلاً وأسَروا سبعين. أمَّا الْقَتْلى فألْقِي منهم أربعةٌ وعشرون رجلاً مِنْ صَنَاديدهِم في قليبٍ من قُلْبَانِ بَدْر، منهم أبو جهلٍ وشَيْبَةُ بنُ رَبيعةَ وأخوه عُتْبة وابنُه الوَليدُ بنُ عتبةَ، وفي صحيح البخاريِّ: عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم استقْبَل الكعبةَ فدَعَا على هؤلاء الأربعةِ قال: فأشْهَدُ بالله لقد رأيتُهم صَرْعَى قد غيَّرتهم الشَّمسُ وكان يوماً حاراً. - وفيه أيضاً عن أبي طلحةَ رضي الله عنه أنَّ نَبيَّ الله صلى الله عليه وسلّم أمر يومَ بدرٍ بأربعةٍ وعشرينَ رَجُلاً من صناديدِ قريشٍ فَقُذِفُوا في طَويٍّ من أطْواءِ بدرٍ خبيثٍ مُخْبثٍ، وكان إذا ظَهَر على قوم أقَامَ بالعَرْصَةِ ثلاثَ لَيالٍ، فلما كان ببدرٍ اليومَ الثالَثَ أمَرَ برَاحِلتِه فشُدُّ عليها ثم مشَى واتَّبعَهُ أصحابُه حَتَّى قامَ على شَفَةِ الرَّكِيِّ فجعل يُنَادِيْهم بأسمائِهِم وأسماءِ آبائِهِم يا فلانُ بنَ فلانٍ ويا فلانُ بنَ فلانٍ أيَسُرُّكُمْ أنَّكُمْ أطْعتُمُ الله ورسولَه، فإنا قد وَجَدْنَا ما وَعَدنَا ربُّنا حقَّاً فهل وجَدْتُم ما وَعَدَكُمْ ربُّكم حقَّاً؟ قال عُمَرُ: يا رسولَ الله مَا تُكلِّمُ مِنْ أجْسَادٍ لا أرواحَ لها؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم: « والَّذِي نَفْسُ محمدٍ بِيَدِه ما أنْتُم بأسْمَعَ لما أقولُ منهم». - وأمَّا الأسْرَى فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم اسْتَشارَ الصحابةَ فيهم، وكان سعدُ ابن مُعاذٍ قد ساءَه أمْرُهُمْ وقال: كانتْ أوَّل وَقْعَةٍ أوْقَعها الله في المشركينَ وكان الإِثْخَانُ في الْحَربِ أحبَّ إليَّ من اسْتِبْقَاءِ الرِّجالِ. وقال عُمَرُ بن الخطَّابِ رضي الله عنه للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم:أرَى أنْ تُمَكِّنَنا فنضربَ أعْنَاقَهم فتُمَكِّن عليَّاً من عَقِيْل فيضربَ عنقَه، وتمكِّنَنِي من فلانٍ يعنِي قريباًله فأضْرِبَ عنقَه، فإنَّ هؤلاء أئِمَّةُ الْكُفْرِ وصناديدُها. - وقال أبو بَكْرٍ رضي الله عنه:هم بَنُو الْعِمِّ والعَشيْرةُ، وأرَى أن تأخُذَ منهم فِدْيةً فتكونُ لنا قُوةً على الكفارِ، فعسى الله أنْ يهديَهُم للإِسلامِ، فأخَذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم الفدية، فكان أكْثَرهم يفْتَدِي بالمَالِ مِنْ أربعةِ آلافِ درهمٍ إلى ألْفِ درهمٍ، ومنهم مَنْ افْتدى بتعليمِ صِبْيَانِ أهْلِ المدينةِ الكِتابَةَ والقِراءة، ومنهم مَنْ كان فِداؤُهُ إطْلاَقَ مأسورِ عند قريشٍ من المسلمينَ، ومنهم منَ قَتَله النبيُّ صلى الله عليه وسلّم صبراً لِشدَّةِ أذيِّتِه، ومنهم مَنْ مَنَّ عليه بدونِ فداءٍ لِلْمَصْلَحَةِ. -هذه غزوةُ بدرٍ انتصَرَتْ فيها فِئَةٌ قليلةٌ على فئةٍ كثيرةٍ{ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِ } [آل عمران: 13]. انتصرت الفئةُ القليلةُ لأنها قائمةٌ بدِينِ الله تُقَاتِلُ لإِعْلاءِ كَلِمَتِهِ والدِّفاع عن ديْنِه، فنصَرَها الله عزَّ وجلَّ. فقومُوا بدِيْنِكَم أيُّها المسلمونَ لتُنْصَروا على أعدائِكم، واصْبِرُوا وصَابِرُوا وَرَابِطُوا واتقوا الله لعلَّكُمْ تفلِحُون. اللَّهُمَّ انْصُرْنا بالإِسلامِ واجعلنا من أنصارِهِ والدعاةِ إليه وثبِّتَنا عليه إلى أن نلْقَاكَ. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنَا محمدٍ وآلِهِ وصحبِهِ أجمعين. --------------------------- من كتاب مجالس رمضان لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمة الله رحمةً واسعة للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ | الوآصل | المنتدى الرياضي | 6 | 10-12-2009 01:49 AM |
اســـــــرار القلــــب..! | الســرف | المنتدى العام | 22 | 29-09-2008 01:03 AM |
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء | امـــير زهران | منتدى الحوار | 4 | 02-09-2008 03:05 PM |
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة | رياح نجد | المنتدى العام | 19 | 15-08-2008 01:10 PM |
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! | البرنسيسة | المنتدى العام | 13 | 17-08-2007 11:04 PM |