العفو الشامل قبل دخول شهر رمضان الكريم.

[ابو سلطان البشيري]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله اللطيفِ الرؤوفِ المنانْ، الغني القويِ الحليمِ الكريمِ الرحيمِ الرحمن، الأولِ فلا شئ قبله والأخرِ فلا شئ بعده، والظاهرِ فلا شئ فوقه، والباطنِ فلا شئ دونه، يعلمُ ماكانَ وما يكونُ وما لم يكنْ لو كانَ كيف يكونْ، ليجزيَ الذين أساؤا بما عملوا ويجزيَ الذين أحسنوا بالحسني، أحمدُهُ عزّ وجلّ وأشكرُه ومن مساويِ عملي أستغفرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن سيدَنا وحبيبَنا وإمامنا وقدوتَنا وأسوتَنا محمدٌ رسولُ الله أرسله الله بشيرا ونذيرا وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيرا فصلى الله عليه وسلم وعلي آله وصحبه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسانٍ إلي يومِ الدين.

أمّا بعد:

فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدَى هديُ محمّد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة.
ألا فاتَّقوا الله عبادَ الله، واعلموا أنَّما هذه الحياة الدنيا متاع، وأنَّ الآخرة هي دار القرار، { فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة:100].

أيّها الناس العزّةُ برمَّتها يمكِن تحصيلُها في ولوجِ المرء بابَ العفو والصَّفح والتسامح والمغفرة، فطِيبُ النفس وحسنُ الظنّ بالآخرين وقَبول الاعتذار وإقالةُ العثرة وكَظم الغيظ والعفوُ عن الناس كلُّ ذلك يعَدّ من أهمِّ ما حضَّ عليه الإسلام في تعامُل المسلمين مع بعضِهم البعض. ومَن كانت هذه صفَته فهو انسان يحب أن يكونَ من أهل العزَّة والرفعة؛ لأنَّ النبيَّ قال: ((ما نقَصَت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلاَّ عِزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَه)) رواه مسلم[1]، وفي لفظٍ لأحمد: ((ما مِن عبدٍ ظُلِمَ بمظلمةٍ فيُغضِي عنها لله ، إلاَّ أعزَّه الله تعالى بها ونصَره)) [2]. فهذِه هي العِزَّة يا باغيَ العزة، وهذه هي الرِّفعة يا من تنشُدُها.
إنها رِفعة وعِزّة في الدنيا والآخرة، كيف لا وقد وعد الله المتَّصفِين بها بقولِه: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} [آل عمران:133، 134].

الكاظِمونَ الغيظَ ـ عباد الله ـ هم الذين لايزيدون غضَبَهم على الناس، بل يكفّون عنهم شرَّهم، ويحتسِبون ذلك عند الله عز وجل، أمّا العافون عن الناس فهم الذين يعفونَ عمَّن ظلمَهم في أنفسهم، فلا يبقَى في أنفِسهم ذرةً على أحدٍ. ومن كانت هذه سجيَّته فليبشِر بمحبَّةِ الله له حيث بلَغَ مقامًا من مقاماتِ الإحسان، { وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ } [آل عمران:134]. ألا إنَّ مَن أحسن فقد أحبَّه الله، ومن أحبَّه الله غفَر له ورحمه، { إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ } [الأعراف:56].
العفو ـ عبادَ الله ـ شِعار الصالحين الأتقِيَاء ذوِي الحِلم والأناة والنّفس الرضيّة؛ لأنَّ التنازلَ عن الحقِّ نوعُ يثارٍ للآجلِ على العاجل وبسطٍ لخُلُقٍ نقيٍّ تقيٍّ ينفُذ بقوّةٍ إلى شِغاف قلوب الآخرين، فلا يملِكون أمامه إلا إبداءَ نظرةِ إجلالٍ وإكبار لمن هذه صفتُه وهذا ديدَنُه.
إنَّ العفو عن الآخرين ليس بالأمرِ الهيِّن؛ إذ له في النّفسِ ثِقلٌ لا يتِمّ التغلُّب عليه إلاّ بمصارعةِ حبِّ الانتصار والانتقامِ للنفس، ولا يكون ذلك إلا للأقوياءِ الذين استعصَوا على حظوظ النّفس ورغباتها لقوله تعالى: { وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ } [الشورى:41].
غيرَ أنَّ التنازل عن الحقّ وتمالك النفس لإنفاذِه لهو دليلٌ على تجاوزِ المألوفِ وخَرق العادات. ومِن هنا يأتي التميُّز ، وهذا هو الشَّديد الممدوحُ الذي يملِك نفسه عند الغضب كما في الصحيحَين وغيرهما أخرج الإمام أحمَد في مسنده قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ((من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن ينفِذَه دعاه الله على رؤوسِ الخلائق حتى يخيِّرَهُ من أيِّ الحور شاء)).

أيّها المسلمون، إنَّ شريعتَنا الغرّاء يوم حضَّت المسلمِين على التخلُّق بخلقِ العفو والتجاوُز لم تقصِر هذا الحضّ في نطاقٍ ضيق أو دائرة مغلَقَة، بل جعلتِ الأمرَ فيه موسَّعًا ليشمَلَ جوانبَ كثيرةً من شؤونِ التّعامُل العَامّ والخاصّ، فلقد جاء الحضُّ من الشارع الحكيم للقيادة الكُبرى وأهلِ الولاية العظمى بذلك؛ لأنَّ تمثُّل القيادَةِ بسيم العفوِ والتسامُح أمارةٌ من أمارات القائدِ الناجحِ كما أمرَ الله نبيَّه في قولِه: { خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ } [الأعراف:199].

والعفو هنا هو التجاوُز على أحدِ التفسيرَين، وكما في قوله تعالى: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } [آل عمران:195].
ولقد تعدَّى الحضُّ على العفو أيضًا إلى أبوابِ الدِّماء والقِصاص كما في قولِه تعالى: { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } [المائدة:54]،
كما تعدى الحضّ على العفو أيضًا إلى الزَّوجين في مسألةِ الصداق في الطلاق قبلَ الدخول حيث قال سبحانه: { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [البقرة:237].
بل إنَّ الحضَّ على العفوِ قد تعدَّى إلى ما يخصّ تبايُع الناس وشراءَهم ومدايناتهم، فقد قال النبي : ((من أقال مسلمًا بيعتَه أقال الله عثرتَه)) رواه أبو داود وابن ماجه[5].
وقال : ((كان تاجرٌ يدايِن الناس، فإذا رأَى معسِرًا قال لفتيانه: تجاوَزوا عنه لعلَّ الله أن يتجاوز عنّا، فتجاوَز الله عنه)) رواه البخاري ومسلم[6].

وثمّة تأكيدٌ على عموم الحضِّ على العفوِ في التعاملِ مع الآخرين بسؤالِ الرجل الذي جاء إلى النبيِّ فقال: يا رسول الله، كم نعفو عن الخادم؟ فصمَت، ثم أعادَ عليه الكلام فصمَت، فلمّا كان في الثالثة قال: ((اعفوا عنه في كلِّ يومٍ سبعين مرة)) رواه أبو داود والترمذي[7].
وبعدُ يا رعاكم الله:

فإنّ العفو والتجاوز لا يقتضِي الذّلَّةَ والضعف، بل إنه قمَّة الشجاعة والامتنانِ وغلَبَة الهوى، لا سيَّما إذا كان العفوُ عند المقدِرَة على الانتصار، فقد بوَّب البخاريّ رحمه الله في صحيحه بابًا عن الانتصارِ من الظالم لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } [الشورى:39].

ثم إنَّ بعض الناس ـ عباد الله ـ قد بلغ من القسوةِ ما لا يمكن معها أن يعفوَ لأحد أو يتجاوَز عنه، لا ترونَ في حياته إلاّ الانتقام والتشفِّي، ليس إلا. ترونَه وترونَ أمثالَه ، يغضِبُه الجرمُ الخفيّ، ولا يرضيه العذرُ الجليّ، حتى إنّه ليرَى الذنبَ وهو أضيقُ من ظلِّ المخيط، ويعمَى عن الاعتذار وهو أبيَنُ من وضَح النهار. ترونَه ذا أُذنين يسمَع بإحداهما القولَ فيشتطّ ويضطرب، ويحجبُ عن الأخرَى الاعتذار ولو كان له حجّةٌ وبرهان. ومَن هذه حالُه فهو عدوُّ عقلِه، وقد استولى عليه سلطان الهوَى والشياطين فصرفَوه عن الحسنِ بالعفوِ إلى القبيح بالأنتقام.
ألا إنَّ الانتصارَ للنفس من الظلمِ لحقّ، ولكنَّ العفوَ هو الكمالُ والتّقوى، لقوله تعالى { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [الشورى:40].

باركَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله لي ولكم إنّه كان غفّارًا.
دعوه للجميع :

فقبل دخول شهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران ابداء بنفسي واقول اشهد الله واشهدكم اخواني واخواتي اني قد عفوت عمن ظلمني . او شتمني او اعتدى بالقول او بالعمل فهو في حِل مني قريب كان او بعيد. وأطلب ممن ظلمته او تجاوزت عليه بالقول اوبالعمل ان يعفوا عني ويسامحني ابتغاء وجه الله تعالى.

اللهم إني سامحت وعفوت كل من أغتابني، أو ذكرني بسوء في غيابي فاغفر له. إنك انت الغفور الرحيم .
وأسألك في ذلك الأجر والمغفرة، وبلوغ مراتب المحسنين.

فبادروا راعاكم الله الى طلب العفو الشامل والتسامح والتجاوز عن من ظلمكم واطلبوا العفو ممن ظلمتموه لعل الله ان يعفوا عنا ويتجاوز عن سيئاتنا .ولفتح صفحة جديدة بيضاء نقية من الذنوب والمعاصي مع بعضنا البعض.

الخاتمة :
كيف ترتفع اعمالنا من صلاة وصيام وزكاة وغيرها ونحن متخاصمون متقاطعون متناحرون على اشياء قد لا تكون في كبيرة من الكبائر بل في امور صغيرة حقيرة لا تساوي من حطام الدنيا الفانية شئ نرى الولد هاجر اباه والاخوان متهاجرون والاقارب منتاحرون و ... و .....
فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين، يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء فيقال: اتركوا أو أركوا (يعني أخروا) هذين حتى يفيئا " رواه مسلم. (يفيئا ) يرجعا عن الاختصام ويتصالحا.

( اللهم بارك لنا فيما بقى من شعبان وبلغنا رمضان ونحن في احسن حال ).

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . والسلام عليكم ..

منقول بعد التدقيق ( للفائدة ) والله تعالى اعلم .

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

[صوت الارض]

نقلك جميل وبه حث الاخرين على الصفح والتسامح وسمو الاخلاق.......... بارك الله فيك

[ALRAGI]

الله يكتب مافيه الخير للمسلمين
شاكراعلامك

[abo sultan]

وفقك الله موضوعك اكثر من ممتاز يدعوا الى التصالح والتجاوز عن الأخرين والعفو عنهم قبل دخول الشهر الكريم
الحقيقة لم يتطرق الى هذا الموضوع احد من قبل فجزاك الله كل خير وجعل ما كتبت في ميزان حسنات.
ونذكر الجميع بقول الله تعالى
( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل

============

------------------------------------------------------------------

[أبوعدي]

جزاك الله خيراً .,. بارك الله فيك .,. لك مني أجمل تحية .

[ابو سلطان البشيري]

الاخوان المشاركين جميعاً

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اشكركم على مروركم الكريم
والله انني لا ارغب فيه الا ابتغاء وجه الله
ونبذ الفرقة والقطيعة الحاصلة بيننا
فنحن مسلمون نحرص على بعضنا البعض
وهي فرصة قبل دخول الشهر الكريم
لنكون كرماء فيما بيننا بالعفو والتسامح
فقد لا نلتقي بعد عامنا هذا
ونكون في ندامة على ما فات
والله المستعان
وتقبلوا جميعاً
فائق التحية والتقدير
والله يحفظكم ويرعاكم
-----------------------------------------------------------------

[محمد الساهر]

( اللهم بارك لنا فيما بقى من شعبان وبلغنا رمضان ونحن في احسن حال)

بارك الله فيك جعلها الله في موازين حسناتك

[ابو سلطان البشيري]

اخي العزيز
محمد الساهر
شكراً لمروركم الكريم
و

----------------------------------------------------------------------------------

[ابو احمد العدواني]

بارك الله فيك
شكرا لك على النقل والاعلام
تحيتي وتقديري

[ابو سلطان البشيري]

الأخوان جميعاً
بارك الله فيكم
وعليكم نشر الدعوة للأصلاح
بين المتخاصمين
قبل رمضان