الاستهانة بيمين الطلاق استهتار بقدسية الزواج

[عذبة الاوصاف]

حذر عدد من علماء الشريعة الإسلامية وعلماء الاجتماع من الاستهانة بأيمان الطلاق على ألسنة عامة الناس وانتقال عدواها إلى بعض المتعلمين والمثقفين، وطالبوا وسائل الإعلام بالكف عن نشر هذا العبث الديني والاجتماعي عن طريق الأعمال الفنية المختلفة، حرصاً على سلامة العلاقات بين الأزواج والزوجات من الناحية الشرعية، وتجنباً للوقوع في محاذير شرعية .


وكانت دراسة دينية اجتماعية أجرتها الباحثة أمل عبدالرحمن بجامعة عين شمس المصرية قد كشفت عن انتشار ألفاظ الطلاق على ألسنة كثير من الشباب المتزوج في أحاديثهم اليومية من دون ضرورة لذلك، كما يقوم كثير من الباعة والتجار في الأسواق الشعبية بالحلف بالطلاق لترويج بضائعهم ومعظم أيماناتهم كاذبة .

وقالت الباحثة: بعض الرجال يستهينون بألفاظ الطلاق ويلقون بقصد أو من دون قصد يمين الطلاق على زوجاتهم من دون أن يدركوا أنهم يهدمون بيت الزوجية ويشردون أبناءهم بكثرة الحلف بالطلاق .

فهل تقع أيمان الطلاق في كل الأحوال؟ وما المخاطر الاجتماعية للاستهانة بألفاظ الطلاق؟ وماذا يقول علماء النفس في شخصية الزوج الذي يكثر من الحلف بالطلاق دون داعٍ .

“الخليج” طرحت هذه التساؤلات وغيرها على عدد من علماء الشريعة وعلم النفس والتربية والاجتماع لمعرفة التداعيات الدينية والاجتماعية والأخلاقية لكثرة الحلف بالطلاق .

في البداية يعرفنا الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر بمعنى الطلاق وكيفية وقوعه قائلا: الطلاق معناه الفراق بين الرجل وزوجته وهو أبغض الحلال إلى الله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أبغض الحلال إلى الله الطلاق”، ويكون الطلاق بيد الرجل ما لم يفوض زوجته فيه . وقد ذكر الله الطلاق في آيات من القرآن الكريم كقوله تعالى: “الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” .

حكم الشرع

ويضيف: لقد أوجبت الشريعة الإسلامية على الزوج ألا يقدم على الطلاق إلا إذا استحالت العشرة بينه وبين زوجته، وهناك خطوات ينبغي أن تسبق الطلاق، فعندما تخالف الزوجة أمر زوجها تكون له ولاية أن يعظها أو أن يهجرها في البيت، أو أن يضربها ضرباً خفيفاً غير مبرح ولا مهين، فإن لم تفلح هذه الخطوات في إصلاح حال الزوجة وإعادة الأمور إلى نصابها فعليهما أن يحكّما بينهما حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهل الزوجة، يقومان بالإصلاح بينهما، أما إذا استحال الإصلاح بعد هذه الخطوات فإنه لا مفر من التفريق بينهما، وفي ذلك يقول الله تعالى: “وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً” .

ويشير الشيخ عاشور إلى أمر يغيب عن أذهان كثير من الأزواج والزوجات في حالة الشقاق والانفصال، وهو أن افتراق الزوجين بعد هذه المحاولات لرأب الصدع لا يعني أن تقوم العداوة بينهما أو أن يكيد أحدهما للآخر أو يطلق لسانه في بيان نقائصه وعيوبه، أو أن يفتري عليه بما ليس فيه، فإن ذلك ليس من شأن المؤمن الصادق في إيمانه الذي يخاف الله .

وليعلم الطرفان أن افتراقهما هو من أجل أن يبدأ كل منهما حياة جديدة يلتفت فيها إلى مصالحه وإلى تكوين أسرة أخرى تكون أحسن حالاً من الأسرة التي تفككت بسبب الشقاق والنزاع، وفي ذلك يقول الله تعالى: “وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً” .

ويؤكد وكيل الأزهر الأسبق أن الذين يتخذون كلمة الطلاق مضغة في الأفواه يلوكونها بسبب ومن غير سبب عند تعاقدهم في البيع والشراء أو في أحاديثهم العابرة، ويؤكدون أقوالهم بكلمة الطلاق ويستعملونها من غير اكتراث، هؤلاء قد تعدوا حدود الله: “ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون” .

وعن حكم الشرع فيمن يستخدم يمين الطلاق للحلف كذباً ليؤكد حديثه يقول الشيخ عاشور: إن الطلاق في هذه الحالة لا يقع وعلى الزوج كفارة اليمين، لأنه في مثل هذه الحالة يريد أن يؤكد قولاً أو رواية ولا يريد أن يوقع الطلاق، فهو يستعمل هذا اللفظ لتأكيد ما يريده فإن كان كاذباً تلزمه كفارة يمين، وذلك بأن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم فإن لم يستطع فعليه صيام ثلاثة أيام .

عادة مذمومة

الدكتور صبري عبدالرؤوف أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر يرى أن الحلف بالطلاق عادة مذمومة إن دلت على شيء فإنما تدل على الاستهتار بالعلاقة الزوجية والاستهانة بما يعرضها للانهيار والدمار، وفي الحديث الصحيح: “من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت”، واستنبط منه العلماء أو أكثرهم أن الحلف بغير الله لا ينعقد ولا يحقق المقصود من الحلف، ومن ذلك الحلف بالطلاق .

ويقول: بعض العلماء أكدوا وقوع الطلاق حتى في حالة الغضب، وذلك غلقاً لهذا الباب ودفعاً إلى الجزم والحزم في مثل هذا الأمر، المهم أن يصرح به من أراد وقوعه مع الجزم وعدم التردد أو التعليق بأن يقول: أنت طالق أو طلقتك أو نحو ذلك .

ويضيف: هناك أيمان للطلاق تكون معلقة على فعل الزوجة شيئاً لا يريده الزوج كقوله لها: “إن فتحت الباب لفلان فأنت طالق”، أو “إن خرجت بغير إذن فأنت طالق”، وفي هذه الحالة فإن الطلاق يقع إن فعلت ما علق عليه الطلاق كما يقول الأئمة الأربعة لأن المعلق هو شرط يقع عند حدوث هذا الشرط . ولكن نظراً لكثرة اللغو في هذه الأيمان، فقد أخذ القانون المصري برأي الإمام ابن تيمية، وهو أننا نسأل الزوج عن نيته عندما قال هذا الكلام، فإن كان يريد منه التهديد والزجر ولا يريد التطليق فإن عليه أن يكفر كفارة يمين ولا يقع الطلاق .

ويؤكد الدكتور صبري أن في الأخذ بهذا القول تيسيراً على الناس ومواجهة لسخافاتهم في إطلاق هذه الأيمان، ورغبة في الحفاظ على كيان الأسرة، وعلى من يريد أن يستبرئ لدينه وعرضه أن يتجنب ذكر كلمة الطلاق على لسانه حتى يعيش مطمئناً معيشة يرضاها الله سبحانه وتعالى وليس فيها شائب من حرام .

أزواج متهورون

الدكتورة سعاد صالح أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر توضح أن الزواج عبارة عن مؤسسة قائمة على معاني الرحمة والسكن والتعاون والعشرة الحسنة، فالزواج كمفهوم ليس مجرد منزل يسكنه زوجان، بل هو قبل كل شيء تعاون وإيثار وتضحية، لأن المولى عز وجل وقر الزواج ورفع من شأنه وجعله حكمة ربانية لتستقيم الحياة البشرية وتعمر الأرض إلى أن تقوم الساعة .

وتقول: لكن الذي يحدث أن بعض المتهورين والمستهترين من الأزواج يقومون بقذف زوجاتهم بلفظ الطلاق وقد يقسم الزوج عليها بأغلظ الأيمان حتى ترتدع وتنصاع لأوامره، ولكن هذا أسلوب خاطئ وتترتب عليه نتائج مدمرة للأسرة بأكملها، ولذلك فإن الله تعالى بعد أن يفترق الزوجان بعد الطلاق، ثلاثاً أياً كان سببه جعل مخرجاً آخر لعودة الزوج إلى زوجته، وهو ما يسمى بزواج المحلل، وهذا الزواج يتيح للرجل أن يعيد زوجته إلى عصمته مرة أخرى، لكن بعد أن تتزوج من آخر ويطلقها لسبب يرضاه الشرع والقانون .

وتضيف: وهذا نوع من التأديب وفيه كسر لأنف الزوج المتهور سريع الغضب لكي يحافظ على بيته، ويعرف قدر هذه الكلمات، فعلى الرغم من أن الله شرع الطلاق ولكنه أحاطه بدائرة من الالتزام والتقدير العقلي الذي لا يتعداه الزوج، إلا إذا فشلت كل المساعي بينه وبين زوجته للصلح بينهما، وهنا يحق له أن يطلق مادام استنفد كل الطرق التي تؤدي إلى حل، لكنه في غير ذلك يجب أن يلتزم، ولا يعجل في تقويض أركان بيته بسبب مزاح في غير محله وجهل بشرع الله .

[محمد الساهر]

الف شكر بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد جعله الله في موازين حسناتك نتمنى منك المزيد

[رفيع المقام]

بارك الله فيك
على الموضوع
ولا حول ولا قوة الا بالله
اللهم جنبنا الحلف بغيرك

[المعلن]

موضوع جميل وقيم
جزاك الله خيرا

[نادر الجنوب]

الف شكر اختي
موضوع رائع ومميز
كعادتك مبدعة للغاية ومتميزة
ننتظر منك المزيد والمزيد
فلا تبخلِ علينا
نحن بالانتظار


وجزاك الله خير