منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > المنتدى التعليمي

حق الاختلاف في وجهات النظر،،،طلب مساعده!!


المنتدى التعليمي

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 01-12-2009, 03:25 PM
ابو نواف السعدي ابو نواف السعدي غير متواجد حالياً

شاعر
قلم مميز
 






ابو نواف السعدي is on a distinguished road
افتراضي حق الاختلاف في وجهات النظر،،،طلب مساعده!!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

الاخوه اعضاء المنتدى التعليمي،،
كُلّفتُ بتسليم ورقة عمل حول موضوع (حق الاختلاف في وجهات النظر-حدوده وضوابطه)،،
ضمن مقرر حقوق الانسان في الاسلام بالجامعه،،

لذلك انا بحاجه لطرح ارائكم واثرائكم هذا الموضوع كلأ بما لديه
سواء كانت افكار او بحوث مختصره
اوعباره عن قراءه خاصه من قبلكم في الموضوع من حيث التعريف والحدود والضوابط،،

علما بانني ساقوم بأضافة الموضوع هنا بعد اكتماله وتقديمه لأستاذ الماده ،،

وارجوا ان اجصل على مداخلاتكم قبل يوم الاحد
12/19/ 1430

ولكم خالص الموده،،،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
[poem=font="Simplified Arabic,6,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
صعبنا لو كان حطّينا براسه موسمينا=
كان ماطلّق علينا الذود من عقّالها=
[/poem]
رمضان السعدي
أخر مواضيعي
رد مع اقتباس
قديم 02-12-2009, 02:03 PM   #2
البرنسيسة
 
الصورة الرمزية البرنسيسة
 







 
البرنسيسة is on a distinguished road
افتراضي رد: حق الاختلاف في وجهات النظر،،،طلب مساعده!!

أخي الكريم **بن سعدي**
لم أجد بصندوق الكتابة هنا (اضافة مرفقات)
كنت اود أضافة مالدي لافاداتك في ملف مضغوط مرفق..ولكنني لم أجدهـ...
فــ..سأنسخ لك مالديّ...
وان شالله يكون جزء مما طلبته...
.................................................. ......................









آداب الحوار
وقواعد الاختلاف




إعــداد
د. عمر بن عبد الله كامل



مقـدمــة
ابتلي العالم الإسلامي بفتن كثيرة، وتعددت مسمياتها، وأطلقوا عليها الأسماء الآتية: (أصولية - تطرف - إرهاب... وغيرها).
إلا أنها كلها تعبر عن مفهوم واحد هو: الغلو والتفسير الناقص للنصوص، وإطلاق هذه التسميات على المؤمنين دون بصيرة وروية، فاستسهل أقوام قذف المسلمين بالبدعة والكفر والشرك والجهل في أمور خلافية ليست محلًّا لأي من هذه الأوصاف، بل ليست محلًّا للتخطئة والتجهيل، فكيف بالتبديع والتكفير؟!!.
إذ إن الكثير من هذه الأمور الخلافية سبقهم إليها أئمة من ذوي الرواية والروية، ولا ينبغي أن يعيب مقلد على مقلد ولا مجتهد على مجتهد.
ذلك أن سر خلود الإسلام هو الاختلاف المحمود الذي سيرد تفصيله.
وإن الداء الأكبر الذي استشرى في زماننا، وأدى إلى ظهور كل هذه التناقضات هو غياب سنة الحوار التي أرى أنها أولى الأولويات وأهم المهمات.
فقواعد الحوار والاختلاف وضوابطه هي العاصم للمتحاورين من الغلو وشتم الآخرين إن كان الحق هو الرائد والمطلوب.
أما إذا كان الخلاف انتصارًا لأهواء سياسية وتعصبًا أعمى، فهذا أمر لا ينفع معه قواعد ولا ضوابط، إذ إن الهوى ليس له ضوابط ولا موازين، ولذلك حذرنـــا المولى  من اتباع الهوى فقــال سبحانه وتعالى: {          } ( ) [القصص: 50].
إن البناء الفقهي الإسلامي العظيم لم ينشأ من فراغ، وإنما نشأ عن مناهج وأسس وضوابط وموازين علمية دقيقة اتبعها أصحاب المذاهب في الاستنباط والاستخراج.
لذلك فإن غياب هذه الأسس والمناهج في الحوار والاختلاف أوقعنا فيما نحن فيه.
ولا أحسب أن هذه الموضوعات نالت حظًّا وافرًا من الاهتمام والتعليم سواء في المدارس أو الجامعات، مما جعل حوار المتعالمين كحوار الطرشان، ونشأ عن ذلك ما نراه اليوم من فتن وتيارات مختلفة متنافرة، فقد يختلفون حيث لا اختلاف، وقد ينزلقون وهم يعتقدون أنهم مصلحون، وإنما هم في الواقع مفسدون، كما قال الله -تعالى- في أمثالهم: {                    } ( ) [البقرة: 11, 12].
سدد الله القول، وأصلح النية، وحقق الآمال، والحمد لله في البدء والختام، وصلى الله على سيد الأنام وعلى آله وصحبه وسلم.
د: عمر عبد الله كامل

أهداف الحوار ومقاصده
إقامة الحجة
1 - إقامة الحجة: الغاية من الحوار إقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي. والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق.
الدعوة
2 - الدعوة: الحوار الهادئ مفتاح للقلوب وطريق إلى النفوس. قال تعالى: {             } ( ) [ النحل: 125 ].
تقريب وجهات النظر
3 - تقريب وجهات النظر: من ثمرات الحوار تضييق هوة الخلاف، وتقريب وجهات النظر، وإيجاد حل وسط يرضي الأطراف في زمن كثر فيه التباغض والتناحر.
كشف الشبهات
4 - كشف الشبهات والرد على الأباطيل، لإظهار الحق وإزهاق الباطل، كما قال تعالى: {       } ( ) [الأنعام:55 ].


الأصول والقواعد الرئيسة التي تضبط مسار الحوار
الأصل الأول
إرادة الوصول إلى الحق
الأصل الأول: الوصول إلى الحق: فلا بد من التجرد في طلب الحق، والحذر من التعصب والهوى، وإظهار الغلبة والمجادلة بالباطل.
يقول الإمام الغزالي عند ذكره لعلامات طلب الحق: "أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة، لا يفرّق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق" ( ) .
الأصل الثاني
تحديد الهدف والقضية
الأصل الثاني: تحديد الهدف والقضية التي يدور حولها الحوار، فإن كثيرًا من الحوارات تتحول إلى جدل عقيم سائب ليس له نقطة محددة ينتهي إليها.
الأصل الثالث
الاتفاق على أصل يرجع إليه
الأصل الثالث: الاتفاق على أصل يرجع إليه، والمرجعية العليا عند كل مسلم هي: الكتاب والسنة، والضوابط المنهجية في فهم الكتاب والسنة. وقد أمر الله بالرد إليهما فقال سبحانه: {        } ( ) [ النساء: 59 ].
فالاتفاق على منهج النظر والاستدلال قبل البدء في أي نقاش علمي يضبط مسار الحوار ويوجهه نحو النجاح، إذ إن الاختلاف في المنهج سيؤدي إلى الدوران في حلقة مفرغة لا حصر لها ولا ضابط.
الأصل الرابع
عدم مناقشة الفرع قبل الاتفاق على الأصل
الأصل الرابع: عدم مناقشة الفرع قبل الاتفاق على الأصل فلا بد من البدء بالأهم من الأصول وضبطها والاتفاق عليها، ومن ثم الانطلاق منها لمناقشة الفروع والحوار حولها.

آداب الحوار النفسية
هناك آداب تتعلق بنفسية المحاور وشخصه، وهناك ظروف نفسية قد تطرأ على الحوار فتؤثر فيه تأثيرًا سلبيًّا، فينبغي مراعاة ذلك حتى يحقق الحوار غاياته ويؤتي ثمراته.
وأهم هذه الآداب النفسية:
أولًا - تهيئة الجو المناسب للحوار
فلا بد من الابتعاد عن الأجواء الجماعية والغوغائية، لأن الحق قد يضيع في مثل هذه الأجواء. كما ينبغي اختيار المكان الهادئ وإتاحة الزمن الكافي للحوار.
كما ينبغي مراعاة الظرف النفسي والاجتماعي للطرف الآخر، فلا يصلح أبدًا أن يتم الحوار مع شخص يعاني من الإرهاق الجسدي أو النفسي، لأن هذه الأمور ستؤثر في الحوار.
من وسائل تهيئة الجو المناسب للحوار
1 - التعارف بين الطرفين.
2 - طرح أسئلة في غير موضوع الحوار لتهيئة نفسية الطرف الآخر.
3 - التقديم للحوار بكلمات مناسبة ومقدمات لطيفة تلفت انتباه الطرف الآخر ( ) .
ثانيًا - الإخلاص وصدق النية
لا بد من توفر الإخلاص لله وحسن النية وسلامة القصد في الحوار والمناظرة، وأن يبتعد المناظر عن قصد الرياء والسمعة، والظهور على الخصم والتفوق على الآخرين، والانتصار للنفس، وانتزاع الإعجاب والثناء.
ومن دلائل الإخلاص لله والتجرد لطلب الحق أن يفرح المحاور إذا ظهر الصواب على لسان مخالفه، كما قال الشافعي: "ما ناظرت أحدًا إلا تمنيت لو أن الله أظهر الحق على لسانه".
ويعينه على ذلك أن يستيقن أن الآراء والأفكار ومسالك الحق ليست ملكًا لواحد أو طائفة، والصواب ليس حكرًا على واحد بعينه.
ثالثًا - الإنصاف والعدل
من المبادئ الأساسية في الحوار: العدل والإنصاف، ومن تمام الإنصاف قبول الحق من الخصم، والتفريق بين الفكرة وقائلها، وأن يبدي المحاور إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة، ومن نماذج الإنصاف ما ذكره الله - سبحانه - في وصف أهل الكتاب: {        •         } ( ) [ آل عمران:113 ].
رابعًا - التواضع وحسن الخلق
إن التزام الأدب وحسن الخلق عمومًا، والتواضع على وجه الخصوص له دور كبير في إقناع الطرف الآخر، وقبوله للحق وإذعانه للصواب، فكل من يرى من محاوره توقيرًا وتواضعًا، ويلمس خلقًا كريمًا، ويسمع كلامًا طيبًا، فإنه لا يملك إلا أن يحترم محاوره، ويفتح قلبه لاستماع رأيه.
وفي الحديث الصحيح: {وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله} ( ) ( ) . أي يرفع منزلته في الدنيا عند الناس، وكذلك يرفعه في الآخرة ويزيد من ثوابه فيها بتواضعه في الدنيا.
ومما ينافي التواضع: العجب والغرور والكبر.
خامسًا - الحلم والصبر
يجب على المحاور أن يكون حليمًا صبورًا، لا يغضب لأتفه سبب، ولا ينفر لأدنى أمر، ولا يستفز بأصغر كلمة.
فقد أمر -سبحانه- نبيه بأخذ العفو وإعذار الناس وترك الإغلاظ عليهم كما في قوله تعالى: {        } ( ) [ الأعراف: 199 ].
والصفح والعفو أبلغ من كظم الغيظ ورد الغضب، لأن العفو ترك المؤاخذة، وطهارة القلب، والسماحة عن المسيء، ومغفرة خطيئته.
وأعظم من ذلك وأكبر هو دفع السيئة بالحسنة، ومقابلة فحش الكلام بلينه، والشدة بالرفق، ورد الكلمة الجارحة بالكلمة الطيبة العذبة، والسخرية والاحتقار بالتوقير والاحترام، وهذه منزلة لا يصل إليها إلا من صبر وكان ذا حظ عظيم: {                               } ( ) [ فصلت: 34-35 ].
سادسًا - الرحمة والشفقة
إن المحاور المسلم المخلص الصادق يحرص على ظهور الحق، ويشفق على خصمه الذي يناظره من الضلال، ويخاف عليه من الإعراض والمكابرة والتولي عن الحق.
فالرحمة والشفقة أدب مهم جدًّا في الحوار، لأن المحاور يسعى لهداية الآخرين واستقامتهم فلذلك يبتعد عن كل معاني القسوة والغلظة والفظاظة والشدة. فلا يكون الحوار فرصة للكيد والانتقام، أو وسيلة لتنفيس الأحقاد، وطريقة لإظهار الغل والحسد، ونشر العداوة والبغضاء.
والرحمة جسر بين المحاور والطرف الآخر، ومفتاح لقلبه وعقله، وكلما اتضحت معالم الرحمة على المحاور كلما انشرح صدر الخصم، واقترب من محاوره، وأذعن له واقتنع بكلامه. يقول - سبحانه - مخاطبًا نبيه: {                } ( ) [آل عمران: 159 ].
ولذلك كان الأنبياء في حوارهم مع أقوامهم يصرحون بالخوف والحرص والشفقة عليهم.
ومن نماذج ذلك تصريح مؤمن آل فرعون لقومه بالرحمة والشفقة والخوف عليهم في أكثر من موضع. قال تعالى: {                                  } ( ) [ غافـر: 30 - 32 ].
سابعًا - العزة والثبات على الحق
إن المحاور المسلم يستمد قوته من قوة الدين، وعظمة الإيمان، فلا يجوز أن يؤدي الحوار بالمسلم إلى الذلة والمهانة. والعزة الإيمانية ليست عنادًا يستكبر على الحق، وليست طغيانًا وبغيًا، وإنما هي خضوع لله وخشوع، وخشية وتقوى، ومراقبة لله سبحانه.
ثامنًا - حسن الاستماع
لا بد للمحاور الناجح أن يتقن فن الاستماع ( ) فكما أن للكلام فنًّا وأدبًا، فكذلك للاستماع، وليس الحوار من حق طرف واحد يستأثر فيه بالكلام دون محاوره، ففرق بين الحوار الذي فيه تبادل الآراء وبين الاستماع إلى خطبة أو محاضرة.
ومما ينافي حسن الاستماع: مقاطعة كلام الطرف الآخر، فإنه طريق سريع لتنفير الخصم إضافة إلى ما فيه من سوء أدب، كما أنه سبب في قطع الفكرة مما يؤثر في تسلسل الأفكار وترابطها، ويؤدي إلى اضطرابها ونسيانها.وقد ذكر العلماء في آداب المتناظرين: ألا يتعرض أحدهما لكلام الآخر حتى يفهم مراده من كلامه تمامًا، وأن ينتظر كل واحد منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه، ولا يقطع عليه كلامه من قبل أن يتمه.
والاستماع إلى الطرف الآخر وحسن الإنصات، تهيئ الطرف الآخر لقبول الحق، وتمهد نفسه للرجوع عن الخطأ.
تاسعًا - الاحترام والمحبة على رغم الخلاف
الخلاف أمرٌ واقع لا محالة ( ) ولكن لا يجوز أن يؤدي الخلاف بين المتناظرين الصادقين في طلب الحق إلى تباغض وتقاطع وتهاجر، أو تشاحن وتدابر.
فأخوة الدين، وصفاء القلوب، وطهارة النفوس فوق الخلافات الجزئية، والمسائل الفرعية، واختلاف وجهات النظر، لا ينبغي أن يقطع حبال المودة، ومهما طالت المناظرة، أو تكرر الحوار، فلا ينبغي أن تؤثر في القلوب، أو تكدر الخواطر، أو تثير الضغائن.
لقد اختلف السلف فيما بينهم، وبقيت بينهم روابط الأخوة الدينية.
فهذان الخليفتان الراشدان، أبو بكر وعمر، يختلفان في أمور كثيرة، وقضايا متعددة، مع بقاء الألفة والمحبة، ودوام الأخوة والمودة.
ومع هذا الخلاف بينهما إلا أن كل واحد منهما كان يحمل الحب والتقدير والاحترام للآخر، ويظهر ذلك من ثناء كل واحد منهما على صاحبه.

آداب الحوار العِلمية
أولًا - الـعلـم
العلم شرط أساس لنجاح الحوار وتحقيق غايته، وبدونه لا ينجح حوار، ويهدر الوقت ويضيع الجهد.
فيجب على المحاور ألا يناقش في موضوع لا يعرفه، ولا يدافع عن فكرة لم يقتنع بها، فإنه بذلك يسيء إلى الفكرة والقضية التي يدافع عنها، ويعرض نفسه للإحراج وعدم التقدير والاحترام.
يقول الشيخ ابن تيمية في التأكيد على ضرورة العلم وأهميته لمن يتصدى للحوار: "وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة، إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة، فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل، كما ينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجًا قويًا من علوج الكفار، فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة" ( ) .
ثانيًا - البدء بالنقاط المشتركة وتحديد مواضع الاتفاق
بين كل متناظرين مختلفين حد مشترك من النقاط المتفق عليها بينهما والتي يسلم بها الطرفان، والمحاور الناجح هو الذي يظهر مواطن الاتفاق. والبدء بالأمور المتفق عليها يساعد على تقليل الفجوة، ويوثق الصلة بين الطرفين، ويعيد الحوار هادئًا هادفًا.
أما إذا كان البدء بذكر مواضع الخلاف وموارد النزاع فإن فرص التلاقي تقل، وفجوة الخلاف تتسع، كما أنه يغير القلوب، ويثير النفوس للغلبة دون النظر إلى صحة الفكرة.
فالبدء بالنقاط المشتركة يساعد على تحرير محل النزاع، وتحديد نقطة الخلاف، ويفيد في حسن ترتيب القضايا والتدرج في معالجتها.
ثالثًا - التدرج والبدء بالأهم
إن المحاور الناجح هو الذي يصل إلى هدفه بأقرب طريق، ولا يضيع وقته فيما لا فائدة منه، ولا علاقة له بأصل الموضوع، فمعرفة الأهم والبدء به يختصر الطريق.
وأوضح الأمثلة على ذلك بدء الأنبياء - صلوات الله عليهم وسلامه - بأهم قضــــية وأكبر غايــــة، وهي الدعوة إلى عبـــادة الله وحده لا شريك له: {        } ( ) [ الأعراف: 95،65،73،85 ]. قالها نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام.
ومع التأكيد على هذا الأدب - البدء بالأهم - فقد يحتاج المحاور إلى أن يتدرج ويتنازل مع خصمه، ويسلم له ببعض الأمور تسليمًا مؤقتًا حتى يصل إلى القضية الأم والمسألة الأهم.
ومن نماذج هذا الأسلوب ما اتبعه إبراهيم مع قومه ليصل بهم إلى التوحيد وإبطال الشرك، كما قال سبحانه: {           } ( ) وهذا على وجه التنزل مع الخصم، أي ربي -بزعمكم- {       } ( ) فبطلت عبادة الكواكب، ثم فعل مثل ذلك لما رأى القمر ولما رأى الشمس حتى وصل بهم إلى حد إبطال ما هم عليه من الشرك ( ) .
رابعًا - الـدلـيـل
إن أهم ما ينجح الحوار: الدليل، ولا بد من إثبات صحة الدليل، كما قيل: "إن كنت ناقلًا فالصحة، أو مدعيًا فالدليل". ولا يحسن بالمحاور أن يستدل بأدلة ضعيفة أو حجج واهية. فدليلان قويان لا يمكن الرد عليهما أفضل من سوقهما مع ثلاثة أدلة أخرى يمكن الأخذ والرد فيها، إذ ربما يستغلها الطرف الآخر، فيضعف الفكرة ويسيء إلى موقف صاحبها بسبب الأدلة الضعيفة.
ومتى وجد الدليل وثبتت صحته، فلا بد من صحة دلالته على المطلوب، ولا بد من ترتيب الأدلة حسب قوتها وصراحتها في الدلالة على المقصود.
خامسًا - ضرب الأمثلة
إن المحاور الناجح هو الذي يحسن ضرب الأمثلة، ويتخذها وسيلة لإقناع محاوره، إذ إن الأمثلة الجيدة تزيد المعنى وضوحًا وبيانًا.
ولما للأمثلة من دور كبير في تقريب المعاني والإقناع بها، فقد اعتنى القرآن بها كثيرًا، وأشار إلى أهميتها وبيان هدفها: {    ••   } ( ) [ الحشر:21 ]. {    ••   } ( ) [ إبراهيم: 25 ].
سادسًا - العدول عن الإجابة
إن الأصل في الحوار الناجح أن يبنى على الإخلاص والتجرد للحق والصدق والوضوح، ولكن قد تتعذر هذه الصفات في الخصوم، فقد يكون الخصم يهوى الجدال والمراء، ويقصد إضاعة الوقت والتهرب من الحوار الجاد، وقد يلقي أسئلة لا قيمة لها ولا تفيد شيئًا بالحوار.
ففي مثل هذه الأحوال يعدل المحاور الناجح عن الجواب المباشر للسؤال المطروح، إلى جواب مفيد مهم.
سابعًا - الرجوع إلى الحق والتسليم بالخطأ
إن من أهم الآداب والصفات التي يتميز بها المحاور الصادق أن يكون الحق ضالته، فحيثما وجده أخذه، والعاقل هو الذي يسلم بخطئه، ويعود إلى الصواب إذا تبين له، ويفرح بظهوره، ويشكر لصاحبه إرشاده ودلالته إليه.
والتسليم بالخطأ صعب على النفس، خاصة إذا كان في مجمع من الناس، فهو يحتاج إلى تجرد لله وصدق وإخلاص، وقوة وشجاعة.
ثامنًا - التحدي والإفحام وإقامة الحجة على الخصم
إن الهدف من الحوار هو الوصول إلى الحق، فعلى المحاور أن يتجنب أسلوب الإفحام والإسكات، لأنه يترك في نفس المحاور حقدًا وغيظًا وكراهية.
ولكن يلجأ المحاور إلى التحدي والإفحام مع من استطال وتجاوز حدود الأدب، وطغى وظلم وعادى الحق وكابر مكابرة بينة ولجأ إلى الاستهزاء والسخرية، ونحو ذلك.
وفي مثل هؤلاء جاءت الآية الكريمة: {            } ( ) [ النساء: 148].
ولما أمر الله - سبحانه - بالتلطف في المناقشة - حتى مع الكفار - استثنى حالة إذا ما ظلموا وبغوا، فلا ينفع معهم الرفق واللين، بل يستعمل معهم الغلظة والشدة: {              } ( ) [العنكبوت:46].

آداب الحوار اللفظية وأهمها
وأعني بها الآداب التي تتعلق بالألفاظ المختارة، والكلمات المنتقاة، والعبارات المناسبة.
وحيث إن الحوار - غالبًا - ما تصاحبه الرغبة في الظهور على الخصم، والخوف من الانهزام أو الإحراج أمام الآخرين، فربما انعكس أثر ذلك على ألفاظ المحاور، فيزل لسانه، ويلقي كلمة خشنة.
فلا بد للمحاور أن يدقق ألفاظه ويراعي كل عبارة يتفوه بها، حتى يستقيم الحوار، ويحقق نتائجه، ويؤتي ثماره.
وأهم الآداب اللفظية:
أولًا - الكلمة الطيبة والقول الحسن
لقد أمر الله  بدعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، فقال سبحانه: {             } ( ) [ النحل: 125 ].
ومن القول الحسن أيضًا: حسن المناداة للطرف الآخر، واختيار أحب الأسماء إليه، وقد تأدب الأنبياء بهذا الأدب في خطابهم لأقوامهم، فقد كان يقول الرسول لخصومه المعاندين: (يا قوم) في تودد وسماحة وتذكير بالروابط التي تجمعهم، ليستثير مشاعرهم، ويطمئنهم فيما يدعوهم إليه.
ثانيًا - التعريض والتلميح بدلًا عن التصريح
إن لفت النظر إلى الأخطاء من طرف خفي، وتجنب اللوم المباشر، وعدم تخطئة الطرف الآخر بعبارة صريحة، كل ذلك له أثره في تسليم الخصم للحق والرجوع عن الخطأ، فالنفوس غالبًا لا تتحمل أن تواجه بقوة وصرامة، وهناك من الألفاظ الموحية والكلمات اللطيفة والتي تؤدي الغرض نفسه، دون جرح لمشاعر الآخرين، أو إشعارهم بالذل والهزيمة.
ثالثًا - ثناء المحاور على نفسه أو على خصمه بالحق
إن الكلام عن النفس ومدحها والثناء عليها مذموم غالبًا، ولا يحب الناس أن يسمعوا ممن يملأ آذانهم بمناقبه وسيرته وأحواله وتقلباته، بل إن من يفعل ذلك ويفرح به ويكثر منه يعد ناقصًا في عقله، أو ربما فاسدًا في نيته وقصده.
وكما قال الإمام مالك: " إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه ذهب بهاؤه" ( ) .
وقد نهى الله  عن تزكية النفس والتمدح بطهارتها فقال سبحانه: {        • } ( ) [ النجم: 32 ]، وعاب أناسًا فعلوا ذلك فقال فيهم: {                } ( ) [ النساء: 49 ].
وفي المقابل فإن مدح الآخرين وإطراءهم والثناء عليهم بما ليس فيهم، وتجاوز الحد في ذلك، كل هذا مذموم ممقوت أيضًا.
ولكن قد تكون هناك حالات يحتاج فيها المحاور إلى أن يثني على نفسه بالحق، لتحقيق غرض معين، كأن يشعر خصمه بمقدار علمه في موضوع الحوار أو في مسألة من مسائله، أو لينفي عن نفسه تهمة أو طعنًا في صدقه وأمانته أو نحو ذلك، فهنا قد يسوغ ذكر شيء من محاسن النفس بقدر وبحق.
وكذا قد يحتاج المحاور إلى أن يثني على الطرف الآخر - بالحق - لتحقيق غرض معين، كأن يكون القصد إشعاره بالتقدير والاحترام، والاعتراف بفضله أو علمه.
رابعًا - محذورات لفظية
إن للسان سقطات، وللكلام زلات، والمسلم مأمور بحفظ لسانه، كما أنه مأمور بطيب الكلام، وأن يقول خيرًا فيغنم، أو يسكت فيسلم، ويسلم الآخرون منه، وهناك أمور قد يقع فيها اللسان فتورد صاحبها الموارد، وقد تهوي بالحوار وتعطل سيره أو تحوله إلى جدل عقيم، أو تبادل سباب وشتائم، ولذلك ينبغي للمحاور أن يحذرها، فمن هذه المحذورات:
1 - اختيار الألفاظ والمعاني التي تقود إلى الجدل، أو تستثير الفتن والمشكلات.
2 - إظهار التفاصح والتشدق في الكلام تيهًا على الآخرين واستعلاء.
3 - الغيبة: فإن المناظر لا ينفك عن حكاية كلام خصمه ومذمته، فيحكي عنه ما يدل على قصور كلامه وعجزه ونقصان فضله، وهو الغيبة.
4 - الكذب: ربما لا يقدر المناظر على محاورة خصمه، فيلجأ إلى الكذب عليه، فينسبه إلى الجهل والحماقة وقلة الفهم، تغطية لعجزه فيقع في الكذب.
5 - تزكية النفس والثناء عليها بالقوة والغلبة والتقدم على الأقران، كقوله: لست ممن يخفى عليه أمثال هذه الأمور ونحو ذلك مما يتمدح به على سبيل الادعاء.
6 - الاستئثار بالكلام دون الطرف الآخر، والإطالة الزائدة عن حدها وعدم مراعاة الوقت في أثناء الكلام.
7- اللوم المباشر عند وضوح خطأ الطرف الآخر، كقوله: "أخطأت"، "سأثبت لك أنك مخطئ جاهل" ونحو ذلك مما يجرح الطرف الآخر.
8- رفع الصوت أكثر مما يحتاج إليه السامع، ففي ذلك رعونة وإيذاء.
9- الهزء والسخرية، وكل ما يشعر باحتقار الطرف الآخر.
10- استعمال الألفاظ الغريبة، والأساليب الغامضة، والعبارات المحتملة تلبيسا على الطرف الآخر، تمويها للحقيقة.. إلى غير ذلك من المحذورات التي يجب على المحاور أن يبتعد عنها.

قواعد في أدب الاختلاف
أولا - أنواع الاختلاف وأسبابه
الاختلاف نوعان: اختلاف مذموم، واختلاف محمود:
أ - الاختلاف المذموم
وهو اختلاف تضاد، ويرجع إلى أسباب خلقية متعددة، ومن هذه الأسباب:
1- الغرور بالنفس والإعجاب بالرأي.
2- سوء الظن والمسارعة إلى اتهام الآخرين بغير بينة.
3- الحرص على الزعامة أو الصدارة أو المنصب.
4- اتباع الهوى وحب الدنيا.
5- التعصب لأقوال الأشخاص والمذاهب والطوائف.
6- العصبية لبلد أو إقليم أو حزب أو جماعة أو قائد.
7- قلة العلم في صفوف كثير من المتصدرين.
8- عدم التثبت في نقل الأخبار وسماعها.
وهذه الأسباب وغيرها من الرذائل الأخلاقية والمهلكات هي التي ينشأ عنها اختلاف غير محمود وتفرق مذموم، وكل واحد من هذه الأسباب يطول شرحه، وسنأتي على ذكر الكثير من هذه الأسباب عند الكلام عن القواعد العلمية والأخلاقية في أدب الخلاف.
ب - الاختلاف المحمود:
وهو اختلاف تنوع، وهو عبارة عن الآراء المتعددة التي تصب في مشرب واحد، ومن ذلك ما يعرف بالخلاف الصوري، والخلاف اللفظي، والخلاف الاعتباري. وهذه الاختلافات مردها إلى أسباب فكرية، واختلاف وجهات النظر، في بعض القضايا العلمية، كالخلاف في فروع الشريعة، وبعض مسائل العقيدة التي لا تمس الأصول القطعية.
وكذلك الاختلافات في بعض الأمور العملية، كالخلاف في بعض المواقف السياسية، ومناهج الإصلاح والتغيير، ويدخل في الخلافات الفكرية: اختلاف الرأي في تقويم بعض المعارف والعلوم مثل: علم الكلام والمنطق والفلسفة والتصوف. والاختلاف في تقويم الأحداث التاريخية وبعض الشخصيات التاريخية والعلمية.
وهذا الخلاف ليس فيه مذمة، وإنما الذم في عدم مراعاة آداب الخلاف العملية والأخلاقية التي سيأتي ذكرها في ثنايا هذا البحث.
وجود الخلاف في خير قرون الأمة:
لقد كان الخلاف موجودًا في عصر الأئمة المتبوعين الكبار: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي وغيرهم. ولم يحاول أحد منهم أن يحمل الآخرين على رأيه أو يتهمهم في علمهم أو دينهم من أجل مخالفتهم.
بل كان الخلاف موجودًا في عصر شيوخ الأئمة وشيوخ شيوخهم من التابعين الكبار والصغار، بل كان الخلاف موجودا في عصر الصحابة نظرًا لاختلاف أفهامهم وتفسيرهم للنصوص.
بل إن الخلاف وجد في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأقره ولم ينكره، كما في قضية صلاة العصر في بني قريظة، وهي مشهورة، وفي غيرها من القضايا.
ثانيا - الاختلاف في الفروع ضرورة ورحمة وسعة
أ- الاختلاف ضرورة:
الاختلاف في فهم الأحكام الشرعية غير الأساسية ضرورة لا بد منها، بسبب طبيعة الدين، واللغة، وطبيعة الكون والحياة.
فأما طبيعة الدين:
فقد أراد الله أن يكون في أحكامه المنصوص عليه والمسكوت عنه، وأن يكون في المنصوص عليه: المحكمات والمتشابهات، والقطعيات والظنيات، والصريح والمؤول، لتعمل العقول في الاجتهاد والاستنباط، فيما يقبل الاجتهاد.
ولو شاء الله لأنزل كتابه كله نصوصًا محكمة قطعية الدلالة، لا تختلف فيها الأفهام، ولا تتعدد التفسيرات. ولكنه لم يفعل ذلك، لتتفق طبيعة الدين مع طبيعة اللغة، وطبيعة الناس وضروريات الزمن.

وأما طبيعة اللغة:
فإن نصوص القرآن والسنة، جاءت على وفق ما تقتضيه اللغة في المفردات والتراكيب، ففيها اللفظ المشترك الذي يحتمل أكثر من معنى، وفيها ما يحتمل الحقيقة والمجاز، والعام والخاص، والمطلق والمقيد.
وأما طبيعة البشر:
فقد خلقهم الله مختلفين، فكل إنسان له شخصيته المستقلة، وتفكيره المتميز، وميوله الخاصة، ومن العبث صب الناس في قالب واحد، ومحو كل اختلاف بينهم، فهذا أمر مخالف للفطرة التي فطر الله عليها الناس.
طبيعة الكون والحياة
وأما طبيعة الكون والحياة:
فالكون الذي نعيش في جزء صغير منه، خلقه الله - سبحانه - مختلف الأنواع والصور والألوان، وهذا الاختلاف ليس اختلاف تضارب وتناقض بل هو اختلاف تنوع.
وكذلك طبيعة الحياة، فهي أيضا تختلف وتتغير بحسب مؤثرات متعددة، في المكان والزمان.
فالخلاف سنة كونية اقتضتها الحكمة الإلهية، قال الله  {     •• •  } ( ) [هود: 118].
وفي الأثر: "لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا" ( ) .
ب - الاختلاف رحمة:
الاختلاف مع كونه ضرورة، هو كذلك رحمة بالأمة وتوسعة عليها.
ولهذا اجتهد الصحابة واختلفوا في أمـور جزئيـة كثيرة، ولم يضيقوا ذرعا بذلك بل نجد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يقول عن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم: "ما يسرني أن أصحاب رسول الله  لم يختلفوا، لأنهم لــو لـم يختلفوا لم يكن لنا رخصة".
فهم باختلافهم أتاحوا لنا فرصة الاختيار من أقوالهم واجتهاداتهم، كما أنهم سنوا لنا سنة الاختلاف في القضايا الاجتهادية، وظلوا معها إخوة متحابين.
ج - الاختلاف ثروة:
اختلاف الآراء الاجتهادية يثري الفقه، وينمو ويتسع، لأن كل رأي يستند إلى أدلة واعتبارات شرعية.
وبهذا التعدد والتنوع تتسع الثروة الفقهية التشريعية، وإن تعدد المذاهب الفقهية وكثرة الأقوال كنوز لا يقدر قدرها وثروة لا يعرف قيمتها إلا أهل العلم والبحث، فقد يكون بعضها أكثر ملاءمة لزمان ومكان من غيره ( ) .

الضوابط العلمية للاختلاف ( )
1- رد الاختلاف لكتاب الله وسنة رسوله 
مصداقًا لقوله تعالى: {        } ( ) [النساء 59]، شريطة أن نعود ونستنبط بالطرق التي استنبط بها علماؤنا السابقون، وليس بالأهواء أو بالاعتساف أي أن يكون الأمر مجمعًا عليه فلا نعود لمذهب دون مذهب بل يعرض الأمر على ثلة من العلماء حتى نحقق الأمور.
2- اتباع المنهج الوسط
فالله - سبحانه وتعالى -يقول: {        } ( ) [البقرة 185] ، ويقـول: {          } ( ) [النساء 28] ، ويقول سبحانه وتعالى: {       } ( ) [المائدة 6].
فالتشدد منهج ينبذه الإسلام فلا بد إذًا من رخصة وتيسير على الناس ومراعاة ظروفهم.
3- التفريق بين القطع والظن في الأدلة
والتركيز على المحكمات لا المتشابهات، فمن المعلوم أن النصوص بعضها ظني الثبوت وظني الدلالة، وبعضها ظني الثبوت قطعي الدلالة، وبعضها قطعي الثبوت ظني الدلالة، وبعضها قطعي الثبوت قطعي الدلالة. فقطعية الثبوت هي القرآن الكريم والسنة المتواترة، والأحاديث أحاديث الآحاد الصحيحة التي حفت بها قرائن وتلقتها الأمة بقبول حسن.
4- تجنب القطع في المسائل الاجتهادية
فالاجتهاد إذا كان وفقًا لأصول الاجتهاد ومناهج الاستنباط في علم أصول الفقه يجب عدم الإنكار عليه، ولا ينكر مجتهد على مجتهد آخر، ولا ينكر مقلد على مقلد آخر وإلا أدى ذلك إلى فتنة.
5- الاطلاع على خلافات العلماء وأدلة كل منهم
إن من أراد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فلا بد له أن يطلع على خلافات العلماء وأدلة كل منهم حتى لا ينكر على الناس أمرًا هم متبعون فيه علماء أفاضل فالاختلاف من ضروريات الحياة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {     •• •  } ( ) [هود 118]، فالتعصب لمذهب واحد واعتقاد أن كل من خالفه مخطئ أمر يجرُّ إلى فتن عظيمة.
6-تحديد المفاهيم والمصطلحات التي يدور حولها النقاش
إذ يجب أن تكون واضحة جلية وهو ما يسميه العلماء تحرير موضع النزاع فكثير من النقاشات التي تقدم اليوم مردها إلى خلاف في اللفظ.
7-النظرة الشمولية
فلا بد من الجمع بين كل ما ورد فيما يخص المسألة الواحدة لتحريرها تحريرًا جليًّا واضحًا. وأرى ألا ننساق وراء شيخ واحد نقدسه أو عالم واحد نعظمه ولا نلتفت إلى سواه وإلا دخلنا في محظور قول الله تعالى: {       } ( ) .
8-النظر في المقاصد واعتبار المآلات
فمسألة المقاصد الإسلامية لها دور كبير في تيسير المعاملات وتسهيل العمل في هذا الزمن وفي ذلك يقول الرسول  {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى} ( ).
9-أعمال القلوب مقدمة على أعمال الجوارح
فالإخلاص مقدم على غيره.
يقول الرسول  {إن الله لا ينظر إلى أجسامكم وصوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم} ( ) فكل الفضائل مردها إلى القلب.
10-الاهتمام بهموم المسلمين
فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. إن مشكلاتنا اليوم كثيرة ومتعددة احتوت الظلم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتفسخ والانحلال وهناك أمراض جديدة لم نكن نألفها، فلماذا لا نتفق على ما اتفقنا عليه وندع الخلافيات ونواجه الخطر الداهم اليوم خطر التمزق، وخطر التدهور.
11-التعاون في المتفق عليه
إن مشكلة الأمة الإسلامية اليوم ليست في ترجيح أحد الرأيين أو الآراء في القضايا المختلف فيها بناءً على اجتهاد أو تقليد. فالواقع أن الخطأ في هذه القضايا يدور بين الأجر والأجرين.
ولكن مشكلة الأمة حقا في تضييع الأمور المتفق عليها، مشكلة المسلمين ليست في الذي يؤول آيات الصفات وأحاديثها - وإن كان مذهب السلف أسلم وأرجح - بل في الذي ينكر الذات والصفات جميعًا.
مشكلة المسلمين ليست فيمن يقول: استوى على العرش بمعنى (استولى) أو كناية عن عظمة سلطانه تعالى، بل فيمن يجحد العرش ورب العرش معا.
مشكلة المسلمين ليست فيمن يجهر بالبسملة أو يخفضها أو لا يقرؤها في الصلاة، ولا فيمن يرسل يديه في الصلاة أو يقبضهما، ومن يرفع يديه عند الركوع أو الرفع منه أو لا يرفعهما، إلى آخر هذه المسائل الخلافية الكثيرة المعروفة.
إنما مشكلة المسلمين فيمن لا ينحني يومًا لله راكعًا، ولا يخفض جبهته لله ساجدًا، ولا يعرف المسجد ولا يعرفه المسجد.
مشكلة المسلمين ليست فيمن يأخذ بأحد المذاهب المعتبرة في إثبات هلال رمضان أو شوال، بل فيمن يمر عليه رمضان كما مر عليه شعبان وكما يمر عليه شوال، لا يعرف صيامًا ولا قيامًا، بل يفطر عمدًا جهارًا ونهارًا، بلا خشية ولا حياء.
مشكلة المسلمين ليست في عدم تغطية الوجه بالنقاب، واليدين بالقفازين، كما هو رأي بعض العلماء، بل في تعري الرؤوس والنحور، والظهور، ولبس القصير الفاضح، والشفاف الوصاف، إلى آخر ما نعرف مما يندى له الجبين.
إن المشكلة حقًّا هي وهن العقيدة، وتعطيل الشريعة، وانهيار الأخلاق وإضاعة الصلوات، ومنع الزكوات، واتباع الشهوات، وشيوع الفاحشة وانتشار الرشوة وخراب الذمم، وسوء الإدارة، وترك الفرائض الأصلية وارتكاب المحرمات القطعية وموالاة أعداء الله ورسوله والمؤمنين.
مشكلة الأمة المسلمة الحقيقية في إضاعة أركان الإسلام، ودعائم الإيمان، وقواعد الإحسان.
فالواجب على دعاة الإسلام أن ينبهوا على التركيز على مواطن الاتفاق قبل كل شيء، وأن يرفعوا شعار (التعاون فيما نتفق عليه) فإن هذا التعاون فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين وضرورة يحتمها الواقع.

خاتمــة
إن الخلل الذي نعاني منه في مجتمعنا الإسلامي لا يصلحه إلا التفاعل من خلال الحوار بعيدًا عن القهر وتأليب جانب على آخر، والسلطة السياسية يجب أن تمثل دور الوازع الذي يقف عند تهيئة جو الحوار الهادف، والذي يحترم حريات جميع الفئات، حتى وإن كانت متحفظة عليها، ولا يمكن أن نتخيل عدالة اجتماعية بدون استقلال فكري ومذهبي، نعم ولا بد من أدب في الحوار يحترم فيه صاحب السلطة.
إن الأمم التي بنت حضارتها أوجدت أماكن مناسبة للمفكرين والمثقفين بالقرب من السلطة، واستفادت منهم في حركة النقد الهادف فأصبحوا عمادًا لها، ولم يكونوا حربًا عليها.
فالكبت الفكري لا يضر المفكر والمثقف فقط، بل سيضرب في عنق النظام بعد أن يستفحل خطره، فزبد النصائح التي تبذل للمجتمع والنظم إن لم تجد طريقها إلى النور، ستجد طريقها إلى من يحملها في قالب عنيف ومفاجئ، فالفكرة المكبوتة قنبلة موقوتة.
إن منهج الجدل والحوار الإسلامي قادر على احتواء جميع الصراعات والاختلافات، فقد احتوى هذا المنهج الصراعات مع الأديان الأخرى وانتصر، واتسع فكيف لا يتحمل الحوار بين المسلمين ؟ إن الفكر الديني المستنير هو ضرورة مهمة لأي بناء حضاري، ولن يكون هنالك فكر ديني مستنير إلا في ظل الحوار الإسلامي.

مصادر البحث
* إحياء علوم الدين - لأبي حامد الغزالي.
* الحوار (آدابه وضوابطه) - للزمزمي.
* صحيح مسلم.
* درء تعارض العقل والنقل - لابن تيمية.
* سير أعلام النبلاء - للحافظ الذهبي.
* الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم - للقرضاوي.
* صفحات في أدب الرأي - للشيخ محمد عوامة.
* فريضة الحوار - للدكتور عمر عبد الله كامل.
* دائرة الفتنة وسبل الخروج منها - للدكتور عمر عبد الله كامل.
* المتطرفون (خوارج العصر) - للدكتور عمر عبد الله كامل.



فهرس الآيات
ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون 3
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون 17
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما 24
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن 4, 16
الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة 17
تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون 14
خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين 8
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان 23
فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع 2
فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك 9
فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب 13
لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا 15
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله 14
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل 8
مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما 10
وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون 3
وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره 13
وقال الذي آمن ياقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب 10
وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين 4
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم 15
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك 9
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين 21, 24
وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم 9
ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد 10
ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم 23
ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم 5, 23
يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا 23

فهرس الأحاديث
إن الله لا ينظر إلى أجسامكم وصوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم 25
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى 25
وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله 8



الفهرس
مقـدمــة 2
أهداف الحوار ومقاصده 4
إقامة الحجة 4
الدعوة 4
تقريب وجهات النظر 4
كشف الشبهات 4
الأصول والقواعد الرئيسة التي تضبط مسار الحوار 5
الأصل الأول إرادة الوصول إلى الحق 5
الأصل الثاني تحديد الهدف والقضية 5
الأصل الثالث الاتفاق على أصل يرجع إليه 5
الأصل الرابع عدم مناقشة الفرع قبل الاتفاق على الأصل 6
آداب الحوار النفسية 7
أولًا - تهيئة الجو المناسب للحوار 7
ثانيًا - الإخلاص وصدق النية 7
ثالثًا - الإنصاف والعدل 8
رابعًا - التواضع وحسن الخلق 8
خامسًا - الحلم والصبر 8
سادسًا - الرحمة والشفقة 9
سابعًا - العزة والثبات على الحق 10
ثامنًا - حسن الاستماع 10
تاسعًا - الاحترام والمحبة على رغم الخلاف 10
آداب الحوار العِلمية 12
أولًا - الـعلـم 12
ثانيًا - البدء بالنقاط المشتركة وتحديد مواضع الاتفاق 12
ثالثًا - التدرج والبدء بالأهم 12
رابعًا - الـدلـيـل 13
خامسًا - ضرب الأمثلة 14
سادسًا - العدول عن الإجابة 14
سابعًا - الرجوع إلى الحق والتسليم بالخطأ 14
ثامنًا - التحدي والإفحام وإقامة الحجة على الخصم 15
آداب الحوار اللفظية وأهمها 16
أولًا - الكلمة الطيبة والقول الحسن 16
ثانيًا - التعريض والتلميح بدلًا عن التصريح 16
ثالثًا - ثناء المحاور على نفسه أو على خصمه بالحق 17
رابعًا - محذورات لفظية 17
قواعد في أدب الاختلاف 19
أولا - أنواع الاختلاف وأسبابه 19
ثانيا - الاختلاف في الفروع ضرورة ورحمة وسعة 20
الضوابط العلمية للاختلاف () 23
1- رد الاختلاف لكتاب الله وسنة رسوله  23
2- اتباع المنهج الوسط 23
3- التفريق بين القطع والظن في الأدلة 23
4- تجنب القطع في المسائل الاجتهادية 24
5- الاطلاع على خلافات العلماء وأدلة كل منهم 24
6-تحديد المفاهيم والمصطلحات التي يدور حولها النقاش 24
7-النظرة الشمولية 24
8-النظر في المقاصد واعتبار المآلات 25
9-أعمال القلوب مقدمة على أعمال الجوارح 25
10-الاهتمام بهموم المسلمين 25
11-التعاون في المتفق عليه 25
خاتمــة 27
مصادر البحث 28
فهرس الآيات 29
فهرس الأحاديث 31
الفهرس 32

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
البرنسيسة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-12-2009, 08:49 PM   #3
صـدى زهـران
 







 
صـدى زهـران is on a distinguished road
افتراضي رد: حق الاختلاف في وجهات النظر،،،طلب مساعده!!

سوف يتم إضافة المزيد
عن هذا الموضوع بإذن الله
وهذا البعض منه



حقيقة الاختلاف من وجهة النظر الإسلامية
د. عفت محمد الشرقاوي

.1 الخلاف وصورة المسلمين في العالم

قد يخطر ببال الباحث ابتداء عند النظر في موضوع الخلاف أن يتساءل في مثل هذا المقام، عن حقيقة الصورة الواقعية التي يقدمها المسلمون عن أنفسهم أمام العالم اليوم في ظل هذه الخلافات المريرة بينهم. وتلك مسألة هامة لا مناص لنا من مواجهتها مواجهة صادقة أمينة، فهل أصبحت هذه الخلافات ظاهرة عالمية حقاً تكاد تخص المسلمين وحدهم، دون شعوب العالم؟ وإذا كان كذلك فما أسبابه؟ وكيف السبيل إلى الخلاص منه؟.

ولايحتاج المرء إلى طويل تأمل، لكي يتبين له على الفور أن العالم الإسلامي يجتاز في هذا العصر مرحلة من أشق مراحل تاريخه، فيما يتعلق بهذه القضية. فعلى المستوى العالمي، ودون شعوب العالم أجمع، تعاني الأمة الإسلامية على الخصوص قدراً هائلا ًًًمن المتناقضات، والمنازعات الداخلية التي تؤثر أعظم التأثير في سياستها الخارجية وعلاقتها بشعوب العالم، وتحدد صورة الإسلام والمسلمين على وجه غير مقبول في كثير من الأحيان، أمام الرأي العام العالمي.

صحيح أن العنف السياسي هو في صورة من صوره ظاهرة عالمية، وهذا مايقول به كثيرمن المسؤولين في العالم الإسلامي في تحليل هذه الظاهرة، ولكننا هنا أمام ضرب من العنف يُدََّعى له أنه يتم باسم الإسلام، مع أن الإسلام في الحقيقة دين السلام والتعاطف بين المسلمين الذين تجمع بينهم أخوة خاصة هي أخوة العقيدة التي ترتفع فوق كل روابط الدم والولاء الاجتماعي.

لقد دعا الإسلام إلى نبذ الخلاف بين الناس والتواصي بالحق والخير فيهم دفعاً للخلاف وتأليفاً للقلوب، لذلك أثنى اللَّه على نبيه الكريم، ووصفه باللين في خطاب قومه، فقال تعالى: {فبما رحمة من اللَّه لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك }. (سورة آل عمران، من الآية: 159). وذلك نصٌّ بيّنًٌ على حسن خلقه في دعوته للإسلام، بل إننا نجد أنه، عليه الصلاة والسلام، مأمور بذلك أمراً صريحاً في مثل قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعُرْف وأعرض عن الجاهلين} (سورة الأعراف، الآية: 199).ومثل هذا المعنى كثير ، يتكرر في آيات أخرى عديدة، ولذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ، > لاحلم أحب إلى اللَّه تعالى من حلم إمام ورفقه، ولاجهل أبغض إلى اللَّه تعالى من جهل إمام وخرقه<.

والرسول، عليه الصلاة والسلام، إمام العالمين، ولذلك كان أكثرهم حلماً، وأحسنهم خلقاً، وعلى الدعاة أن يهتدوا بهذا الهدي السماوي العظيم والنبإ الرباني الحكيم، وأن يكون رائدهم في الدعوة إلى الإسلام هو التواصي بالحق والصبر دائماً.

ذلك أن التواصي بالحق والصبر هو الأصل الأصيل في منهج الدعوة الإسلامية إلى نبذ الخلاف، كما قال تعالى في وصف الناجين من الخسران: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.(سورة العصر، الآية: 3) فصيغة التواصي هنا دالة على تبادل الحوار بين الداعية والمدعوين، وذلك بأن يوصي كل من الشخصين صاحبه بتحري الحق فيما يعتقد، بأن ينبهه إلى الحرص على البحث في الأدلة، والتلطف في النظر الموقوف على الحق الذي هو في الواقع لا يُختلف فيه، بعد معرفة وجهه" فإذا رأى منه ضلة هداه، بإقامة الدليل على ما هو الهدى، وإذا رأى منه تقصيراً في النظر نهض به إليه، وإذا وجد منه رعونة في الأخذ بظواهر الأمور دون النفوذ إلى بواطنها، نصح له باستعمال الروية وإمعان الفكر".

وهكذا يقتضي أدب الاختلاف عند التواصي أن يعمل كل مع صاحبه، مثل ما يجب عليه أن يعمل معه من هذا التوجيه المنهجي الكريم في البحث عن الحقيقة. والمشكلة في مثل هذه الحالة أن بعض الناس قد يخطىء في معرفة الحق بحمل معناه على جزئياته. وهذه حقيقة منهجية هامة في أدب الاختلاف بصفة عامة، فيأتي الواحد منهم إلى أشد الباطل بطلاناً ويدعي أنه الحق. فلو تم التواصى بالحق على أساس هذا الفهم الجزئي الضال، لكان المقصود حينئذ أن يوصي كل منهما صاحبه بما يعتقد (بصفته الشخصية) أنه حق، ويطالبه بالأخذ به، وربما كان الآخر لايعتقد أنه الحق، كما يعتقد موصيه، فيكون التواصي حينئذ ضرباً من التنازع، لأن كلاً منهما يدعو الآخر إلى ما لايرضاه، وهذا هو النوع المنهي عنه.

والمقصود بالتواصي عند الاختلاف هو تبادل الحوار، وتحري الحقيقة حول وجهة النظر، خلال جهد مشترك بين المتواصيين، للوصول إلى الحق. وفرض التواصي شرعا ًبهذا المعنى التبادلي يبيح للصغير ما يبيح للكبير، ولكن في حدود ما تفرضه الخبرة والمعرفة وآداب التخاطب في جانب كل منهما نحو الآخر. وهو مبدأ تربوي رفيع في نظام الأسرة والدولة والاجتماع العالمي، حيث يكون الحق هو مطلب كل إنسان، ويكون التواصي بالحق وبالصبر في طلبه غاية البشرية في التعاون على تحقيقه على المنهج الذي أشرنا إليه.

إن هذا التواصي بالحق والصبر هو جوهر المنهج الإسلامي في أدب الحوار عند الاختلاف، وهو يلخص في إيجاز قضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشريعة الإسلامية اللذين هما في الحقيقة أمران: لأن من أوصى بالحق، ودعا إليه، لايتم له ذلك حتى ينهى عن الباطل، ويصد عنه، ومن أوصى بالصبر على مشاق الأعمال الصالحة، لايكمل له ذلك حتى يبين مساوىء الأعمال الخبيثة.

ومن المؤكد أن تحقيق هذا الواجب لايتم إلا بتحقيق وسائله، ومن وسائل تحقيق هذا التواصي على الوجه الذي بيناه في تحري الحقيقة بين المتحاورين، أن يكون الداعية على علم بآفاق من المعرفة المتصلة بموضوعه مثل علم التاريخ، ليلتمس العبرة فيما يعرض له من أمور الحياة، ثم علم تكوين الأمم وارتفاعها وانحطاطها ليكون الداعية عوناً لأمته على الأخذ بوسائل الرقي، والتقدم فيما يدعو إليه، ثم علم الأخلاق ليفهم مغزى العلاقة الإيجابية بين كل ذلك، إضافة إلى ضرورة الخبرة بعلم النفس وعلم الحس والوجدان، ونحو ذلك مما لابد منه في معرفة مداخل الباطل إلى القلوب، ومعرفة طريق التوفيق بين العقل والحق، وسبل التقريب بين اللذة والمنفعة الدنيوية والأخروية، ووسائل استمالة النفوس من جانب الشر إلى جانب الخير، فإن لم يحصل الداعية علم ذلك كله، فقد الدليل إلى طلب الهداية، ووقع وزر العامة عليه، ولذلك يقول الشيخ محمد عبده:

>لو قضى الزمان بأن يكون من وسائل التمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإشغال الناس بالحق عن الباطل، وبالطيب عن الخبيث، أن يضرب الإنسان في الأرض ويمسحها في الطول والعرض، وأن يتعلم اللغات الأجنبية، ليقف على مافيها مما ينفعه فيستعمله، أو ما يخشى ضرره على قومه فيدفعه، لوجب على أهل العلم أن يأخذوا من ذلك ما يستطيعون<(1).

.2 الخلاف ونزاع المقايسة

وقد ظن بعض الأصوليين ممن ينفون القياس أن في هذا النهي عن التنازع دليلاً على منع القياس، فبنوا على النهي عن المنازعة هنا النهي عن القياس، لأنهم رأوا أن المنازعة، إذا كانت محرمة، كما في قوله تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} (سورة الأنفال، من الآية: 46)، فالقياس على ذلك حرام، وبيان الملازمة في رأيهم هو المشاهدة، فهم يرون أن الدنيا ( هكذا يقولون) صارت مملوءة بالاختلافات بسبب القياس، وبيان أن المنازعة محرمة، هو قوله تعالى: {ولاتنازعوا}.

غير أن من يثبتون القياس يردون على هذا بقولهم: ليس كل قياس يوجب المنازعة.

وفي اعتقادنا أن وحدة المقاصد الشرعية أصل ثابت يجمع بين المسلمين، وأن اختلاف مناهج الأدلة في تحقيق هذه المقاصد اجتهاد مشروع في الوصول إلى الحقيقة لايتهدد هذه الوحدة كما سنرى، لأن وحدة المقاصد هي السياج الذي يحمي وحدة الأمة في كل حال.

غير أن الاختلاف منه محرم ومنه غير محرم، كما يقول "الشافعي" فكل ما أقام اللَّه به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصاً بيناً، لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه، وماكان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياساً، فيذهب المتأول أو القائس إلى معنى يحتمله الخبر، وإن خالفه فيه غيره . وهذا غير محرم شرعاًً، لأنه من الاجتهاد الذي يعبر عن خلاف جائز بين علماء المسلمين، بل لعله مفيد أحياناً في إقامة روح الحوار والتواصي بالحق والصبر الذي أشرنا إليه. والأولى بنا في هذه الحالة أن نسميه اختلافاً في الاجتهاد لا اختلافا ًًفي المقاصد.

أما التأويل المخالف للدليل والحجة ففيه يقول تعالى: {وماتفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ماجاءتهمُ البينة}. (سورة البينة، الآية: 4)، ويقول تعـالى:{ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البيناتُ}.(سورة آل عمران، من الآية: 105) فذم الاختلاف هنا إنما يتجه إلى: فيما جاءتهم به البينات، وهذا يتصل بقوله تعالى في آية أخرى: {واعتصموا بحبل اللَّه جميعا ولا تفرقوا}.(سورة آل عمران، من الآية:103)، فالاعتصام بحبل اللَّه هو الأصل، وبه يكون الاجتماع والاتحاد الذي يجعل الأمة كالشخص الواحد، والدعوة إلى الخير هي التي تغذو هذه الوحدة، ويكون ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على وجه من حوار التواصي الذي يوحد كلمة المسلمين.

ذلك أن المتفقين في المقصد لايختلفون اختلافاً ضاراً ينافيه، وإنما يقع الاختلاف بعد التفرق في المقاصد والتباين في الأهواء، بذهاب كل إلى تأييد مقصده، وإرضاء هواه على أساس فهمه الجزئي الضال لما هو : "الحق". أما الاختلاف في الرأي لأجل تأييد المقصد المتفق عليه، فيما ليس فيه نص بين، فهذا لايضر، بل قد ينفع، وهو طبيعي لامفر منه، لأنه يقرر حق الاختلاف، وهو مقرر لكل عالم من علماء الأمة تؤكده أصول الشريعة عند انتفاء الدليل. مثل هذا الاختلاف ليس منهياً عنه، وربما قلنا مرة أخرى إنه من الاختلاف المفيد الذي يكشف خلال التواصي الذي أشرنا إليه عن جوانب جديدة من آفاق الموضوع المطروح. أما الخلاف المنهي عنه حقاً فهو كل خلاف ينشأ عن التفرق أو يدعو إليه. ومن المؤكد أن حسن النوايا في وسائل تأييد المقصود لايدوم معه خلاف، وإذا دام فإنه لايضر، لأنه لايترتب عليه اختلاف في العمل : إذ المتفقون المخلصون يرجع بعضهم إلى قول من ظهر على لسانه البرهان منهم، وإلا عملوا برأي الأكثرين، فيما لايظهر للأقلية برهانه".

وهكذا نجد أن وحدة الدعاة إلى الخير، واتفاقهم في المقصد هي الكفيلة بنبذ كل خلاف، فهم دائماً "الأمة" الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويواصلون حوار التواصي بالحق والصبر، وفي هذا حفاظ الجامعة وصيانة الوحدة.

.3 لاخلاف مع وحدة المقاصد

يعرف الخلاف لغوياًً بأن يأخذ كل واحد من الطرفين غير طريق الآخر، في حاله أو قوله، والخلاف أعم عن الضد، لأن كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين. وعلى ذلك فليس الاختلاف مستلزماً للضدية بطبيعته، وبخاصة إذا اتحدت الغايات، وتوافقت المقاصد.

ولما كانت المقاصد الشرعية ـ مؤسسة على الكتاب الكريم والسنة النبوية ـ واحدة عند جميع المسلمين، فقد اقتضى ذلك من الوجهة النظرية المحض ألا يكون للخلاف محل بينهم، فالأصل المقرر هو عدم الخلاف بين علماء المسلمين، سواء من حيث هذه المقاصد الثابتة، أو من حيث أدلتها الشرعية، إلا ما لزم فيه اجتهاد مشروع بشروطه، وهو اجتهاد لايهبط مستوى تغاير الرأي فيه إلى درجة التناقض الجذري الذي يهدد الغايات الشرعية في حياة المسلمين.

أما من حيث المقاصد الثابتة، فمنها الضروري الذي لابد منه في قيام مصالح الدين والدنيا، كما هو معروف. ومجموع هذه الضروريات عند الأصوليين خمسة وهي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل. وقد أصبحت العناية الاجتماعية والشرعية بهذه الضروريات ذات صبغة عالمية، فهي موضع الرعاية في المذاهب والملل والقوانين الدولية. وقد عبر ميثاق حقوق الإنسان في هيئة الأمم المتحدة عن هذه الضروريات بطريقته الخاصة. ولذلك فإن هذه المقاصد الضرورية موضع اتفاق علماء المسلمين، بل أصبحت موضع اتفاق مشرّعي العالم جميعاً. ويتصل بهذه المقاصد الضرورية مجموعة من المقاصد الحاجية التي تعين على تحقيق المقاصد الضرورية دون حرج أو مشقة خاصة.

وهناك بعد ذلك التحسينات التي تتصل بما يليق من محاسن العادات، وتجنب المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات، وهذا كله يقع تحت قسم مكارم الأخلاق، وقد يكون في هذا باب للاجتهاد المشروع .

هذا هو الأصل الأول الذي يجمع القلوب والعقول حول وحدة فكرية جامعة في الإسلام، ولذلك فإن عدم الخلاف في الأساسيات الضرورية، وما ينشأ حولها من الحاجيات والتحسينات هو القاعدة الأولى التي تربط بين علماء المسلمين كافة برباط جامع.

أما من حيث مناهج الأدلة في تحقيق هذه المقاصد، فالأصل فيها، أيضاً. هو عدم الخلاف، فيما ورد فيه نص صريح، كما قدمنا. والمعروف عند الأصوليين أن كل دليل شرعي، إما أن يكون قطعياً أو ظنياً، وحيث يكون الدليل قطعياً فلا إشكال، ولا خلاف في اعتباره بين العلماء، كوجوب الصلاة والزكاة، ووجوب اجتماع الكلمة، ونبذ الخلاف والسعي إلى تحقيق العدل بين الناس، وما إلى ذلك من الأحكام.

أما إذا كان الدليل ظنياً، ولكنه يرجع إلى أصل قطعي، فالعمل به، أيضا ً، ظاهر، وعليه أخبار الآحاد ولاخلاف في اعتباره، مثل ماجاء في الأحاديث من صفة الطهارة الصغرى والكبرى والصلاة والحج، وغير ذلك مما هو بيان النص الكتاب. وقد يكون الدليل ظنياً معارضاً لأصل قطعي، ولايشهد له أصل قطعي، ولاخلاف في رد مثل هذا الدليل بلا إشكال. فهو من جهة مخالف لأصول الشريعة، ومخالف أصولها لايصح، لأنه ليس منها، وما ليس من الشريعة كيف يُعََدُّ منها؟ وهو من جهة أخرى ليس له مايشهد بصحته، وماهو كذلك ساقط الاعتبار بلا خلاف.

وإذا كانت أمور المقاصد، ومناهج الأدلة، كما أسسها علماء المسلمين باجتهادهم المبدع في تأسيس القواعد وضبط المناهج على هذا النحو من الوضوح الحاسم، فإنه يترتب على ذلك أنه لاخلاف في أصول شريعة الإسلام، على الأقل من وجهة النظر المنهجية، وبخاصة أن الأدلة الشرعية على النحو الذي أشرنا إليه لا تنافي قضايا العقول. ذلك أن الأدلة إنما نصبت في الشريعة لتتلقاها عقول المكلفين بالقبول والاستجابة، ولو نافتها، لم تكن أدلة للعباد على حكم شرعي، ولكان التكليف بمقتضاها تكليفاً بما لايطاق، أو تكليفاً بتصديق ما لايصدقه العقل ولا يتصوره.

من أجل ذلك، فإن الأصلَ المقرر عقلاً وشرعاً أن الشريعة تجري على مقتضى عقول المكلفين، بحيث تصدقها العقول الراجحة، لأن مورد التكليف هو العقل، إذ يسقط التكليف عند فقد العقل، وذلك ثابت قطعاً بالاستقراء التام .

.4 الجذور غير الشرعية للخلاف بين المسلمين

الأصل الثابت من وجهة النظر الشرعية، أنه لاخلاف بين المسلمين كما رأينا، ولكن مما يدعو إلى الأسى أن الواقع التاريخي لا يؤيد ذلك. والثابت أن الجذور الأولى للخلاف قديماً كانت ترتبط بالخلاف حول الخلافة، ثم صار الخلاف السياسي خاصية مميزة لطبيعة الاجتماع العربي. والخلاف السياسي المحض قد ينشأ في الأمم، ولكن مثل هذا الخلاف يمكن السيطرة عليه في وقت من الأوقات، أما حين يَلْتَبسُ الخلاف على الناس باسم الدين، فتقتحم الرؤية السياسية فئةٌ في تفسير بعض النصوص الدينية، فحينئذ يصعب الإصلاح، لأننا نتعامل حينئذ مع رؤى دينية، وليس مع رؤى سياسية خالصة، ولأن كل فريق يعطي نفسه قداسة تنتسب إلى المتعالي، وتستمد من قرائتها للنص الديني رؤيتها السياسية الخاصة، وحينئذ يصعب الحوار لأن كل طرف منها يتحدث باسم المطلق، ويدعي لنفسه قداسته.

وتلك هي المشكلة: لايملك الخليفة أن يدعى التماهي مع مقام النبوة، حتى يتجنب الناس الاختلاف الطارىء بموت الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو في الوقت نفسه، لايملك ماكان يملكه النبي من مصادر المعرفة العليا، أعني الوحي الذي يمده بالتأييد والهداية، ومن المؤكد أن شعور الخلفاء الأول بثقل المسؤولية كان شعوراً عميقاً بالغ العمق، وهذا واضح في خطبهم عند تولي الحكم. تلك هي مرحلة مواجهة الذات الإسلامية مع النص لأول مرة، بعد غياب الهادي، لقد توقف الوحي الإلهي، وذهب الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام ، الذي كان يحمله ويحمل عبء تأويله إلى الناس، وليس عليهم الآن إلا أن يستجمعوا شجاعتهم، ويتعاملوا مع نصوصه وتراث هذه النبوة بعقولهم الخاصة.

كان الخلاف السياسي مصدر أساس من مصادر الفرقة بين المسلمين، أما ما عدا ذلك من الاختلاف في مسائل اجتهادية حول قضايا فقهيه، فلم يكن ذلك سبباًً لخلاف حقيقي بين المسلمين، فالثابت أن فقهاء المسلمين كانوا أوسع علماء المسلمين صدراً في إشاراتهم الخلافية بعضهم إلى البعض الآخر. وربما نشأ الخلاف في أصول العقيدة نفسها أو في مسائل نظرية ثم أخذت المذاهب تتمايز، والنظريات تتبلور والمقالات تنضج، وصار لكل فريق مذهبه المخصوص في الشرع، ومقالته المميزة في العقائد أي رؤيته الخاصة في الأصول.

في إطار هذا الاختلاف السياسي الذي استحال إلى اختلاف عقدي وتفرق مذهبي ثم انتهى إلى تمايز اجتماعي وثقافي وشعوبي، حاول كل فريق أن يؤكد هُويته الخاصة في مواجهة الفريق الآخر، وربما رأينا اجتهاداًً في اصطناع فروق تميزه عما سواه في جزيئات من الأحكام الفقهية، وهكذا تحولت الأمة الواحدة إلى مجموعة من الفرق ذات الهوُيات الجزئية المختلفة، وتجلى ذلك الاختلاف في الشعارات والطقوس، والأمكنة والرموز، والمراجع، والأسماء والأعلام.

من هنا صار الاختلاف عن الغير داخل الدين الواحد، تباعداً نسبياً عن الأصل الذي ينتمون جميعاً إلىه، وتمزيقاً لمعنى الأخوة الجامعة بين المسلمين، فبقدر ما باعد التعصب والتحزب بين فرقة، وأخرى، باعد، أيضاً، بين كثير من هذه الجماعات، وبين الأصل ذاته، فتعددت التأويلات التي تماهي بين مضمون النص وبين مضمون النظربة المذهبية الخاصة، وبذلك تدخل التاريخي المتعالي والسياسي العارض في المطلق، وأثرت أيديولوجيات المذاهب في قراءة النصوص، وكأنها تحاول أن تحل خطابها السياسي محل الخطاب الإلهي(2)، أو تتحدث باسمه، لأن كل واحد كان يأبى من النص إلا ما يريد أن يراه تعبيراً عن أهواء خاصة بأهل مذهبه. وهكذا اختلطت السياسة بالفكر الديني واختلفت مناهج التفسير باختلاف المذاهب والقراءات الشخصية، أصول الفهم السليم للنصوص الدينية وهذا مادعا أحد اللاهوتيين في الإنجيل: "كل امرىء يطلب عقائده في هذا الكتاب المقدس وكل امرىء يجد فيه على وجه الخصوص ما يطلبه".

في ضوء هذا الاقتحام السياسي لبنية الفكر الديني في الإسلام تم إنشاء تأويلات مذهبية تتفق ومذاهب السنة أو الشيعة أو الخوارج أو المعتزلة، أو الصوفية، أو غيرهم. وتساءل مثلاً بعضهم: هل في القرآن الكريم إشارة لتصويب فعل الخوارج، أو للحرب بين على ومعاوية؟ فقد يجد القارىء تأويلات صريحة تسيء إلى معاوية والأمويين. وفي هذا الصدد تسترعي انتباهنا من بين الروايات رواية تفسر {الشجرة الملعونة} في القرآن بأنها إشارة إلى الفرع الأموي، إضافة إلى تأويلات مختلفة من جانبي السنة والشيعة تعبر عن الجدل السياسي الذي كان يدور بينهما، وربما تطاول هذا الجدل فأصاب شخصيات من خيرة رجال المسلمين ونسائهم بالتحامل والتجريح.

ومن الواضح إذن أن محاولات تطويع الدين وفقاً للاتجاهات السياسية، على الوجه الذي رأينا، كان لها أثر في نشأة الخلاف وتعميق فجوته بين المذاهب الإسلامية. والأصل أن الدين يقرب البعيد ويجمع المتشتت، ويلم الشعث، ويمحق أسباب الخلاف في النفوس، وينشىء بين الآخذين به أخوَّة لاتداينها أخوَّة النسب في شيء. وكلنا يذكر صفات المسلمين الأوائل الذين كانوا يؤثرون إخوتهم في الدين {ولو كان بهم خصاصة}. هذا هو جوهر لاخلاف ولا اعتساف، ولاطرق، ولامشارب، ولا منازعات في الدين ولامشاغب. وإنما نشأ كل ذلك حين نشأ عند السعي في طلب الرئاسة باسم الدين، لأن ذلك يصاحبه غالباًً شيء من الرغبة في عزة الرئاسة، وما يحيط بها من شهوات القوة والسيطرة والنفوذ، وتأويل النصوص الدينية لصالح السلطة السياسية المتوثبة إلى الحكم.

ومن المعروف أن سلطة الحكم في الإسلام لاترتكز على عصمة خاصة باسم الحق الإلهي، انحطت منزلته، إلا حق النصيحة والإرشاد .

فلم يعرف المسلمون في عصر من العصور تلك السلطة الدينية التي كانت" للبابا" عند الأمم المسيحية، عندما كان يعزل الملوك، ويحرم الأمراء، ويقرر الضرائب على الممالك، ويضع لها القوانين الإلهية، من أجل ذلك فإن الحاكم في المجتمع الإسلامي" هو حاكم مدني من جميع الوجوه"، وإن اختياره وعزله، إنما هما أمران خاضعان لرأي البشر، من أجل ذلك، فإن المسلمين حين يتناصحون في فلسفة الحكم إنما يقيمون أمة تدعو إلى الخير، وتتواصى بالحق والصبر وهم المراقبون عليها يردونها إلى السبيل السوى إذا انحرفت عنه، ورغم وضوح مبادىء الإسلام في الحكم وتوجيهها الحاكم إلى ما يحقق الخير للمجتمع، وإلى احترام الشعب واتباع الشورى، إلا أن بعض الحكام انحرفوا عن الطريقة المثلى للحكم فأوقدوا نار الخلاف بين المسلمين.

فالخوارج لم ينصروا عقيدة كما كانوا يدعون، ولكنهم تحركوا من أجل تغيير شكل الحكومة لتتفق مع مصالحهم وأهدافهم، وما كان من حرب بين الأمويين والهاشميين فقد كانت حرباً على الخلافة أكثر من كونها صراعاً لنصرة مباديء الدين.

من هنا نعود فنكرر أن التفسير الديني للخلاف السياسي، وإقحام البنية الدينية في الرؤى المتطلعة إلى الحكم، كان مصدر الخلاف الأصلي الذي امتد بعد ذلك في تاريخ الإسلام في صور مختلفة، إن الجهد الديني في النشاط السياسي ينبغي أن يقتصر على الإرشاد والنصح التوجيه. هؤلاء العلماء هم طبقة الخواص، أي أهل الشورى، وهم يقومون بمعونة الدولة على وضع تعاليم اللَّه المثالية في أشكال مكانية وزمانية، وعلى الدولة أن تعمل على تحقيق هذه المبادىء في تنظيمات إنسانية محددة يعين على بيانها والهداية إليها علماء الإسلام.

إن الإسلام لايعرف سلطة مطلقة للحاكم بوصفه ممثلاً لله ولا لمعاونيه بوصفهم وزراء لله، فتلك النظرية غريبة عن الأمة الإسلامية. وكذلك لا يستطيع المسلم أن يندمج اندماجاً كاملاً في بناء جماعي قاهر مثل البناء الشيوعي، لأن الإسلام يعترف بالقيمة الذاتية للأفراد باعتبارهم مدينين بوجودهم للَّه سبحانه وتعالى، ومسؤولين أمامه عن أعمالهم. ويفقد المسلم من جهة أخرى الشعور بالانتماء إلى جماعة كبيرة تجمع إخوته في الإيمان، إذا هو آثر الحياة على النمط الغربي الذي ينزع إلى الفردية، لأن أخوة الإسلام تهب قوة وأمناً ومجالاً من الوعي المشترك.

ولذلك فقد كان مما يؤجج الخلاف في العصر الحديث أن تنشأ تأويلات سياسية للإسلام تتأوله تأويلاً اشتراكياً في بعض البلاد الإسلامية، في مقابل تأويلات أخرى ذات طابع رأسمالي غربي في بلاد إسلامية أخرى ذات نظام حكم مختلف.

إن الزج بالسياسة في الخلافات العقدية له خطر عظيم على وحدة الأمة، وفي تاريخ المذاهب الإسلامية أمثلة على ذلك، فقد بنى المعتزلة آمالاً واسعة على نصرة مذهبهم في مسألة عقدية تتعلق بقدم القرآن)، وذلك لايليق بمبادىء الإسلام التي تكفل حرية الرأي.

إن من حق الاختلاف في المسائل الكلامية أن تعد كل فرقة رأيها هو المصيب، فتقطع بصدقه، وتحكم بخطإ خصومها، ولكن ليس بتكفيرهم أو تعذيبهم كما فعل المعتزلة. ومع ذلك فإن لمثل هذه المسائل الغيبية ذات الطابع الفلسفي وجوهاًً مختلفة، ولابد لكل ناظر متأمل أن يصيب في وجه من الوجوه، ومن الأفضل أن نفسح المجال لهذا التعدد، ولإمكانات القراءة المتفتحة. والواقع أن موضوع الصفات الإلهية، على وجه الخصوص، كان مصدراً من مصادر الخلاف بين الفرق الإسلامية، بل إن هذا الموضوع ظل مصدراً دائماًً للخلاف في كثير من الأديان عبر التاريخ، لأن الكلام فيه يتعلق بغيب لا يرقى العقل البشري إلى إدراكه، إلا من خلال نصوص دينية، جاءت بلغة البشر وعلى أساليبهم، وفي متناول تصوراتهم وقدراتهم، وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم قول رسول الله عليه الصلاة والسلام ، > تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصاري مثل ذلك. وتفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة<.

ويمكن تفسير هذه الظواهر الخلافية بملاحظة أن الأديان في مصادرها الأولى تعتمد على شقين: الشق الأول هو النصوص، والشق الثاني هو مايتعلق بفهم هذه النصوص. أما ما يتعلق بالنص القرآني، فقد حفظه اللَّه من كل عبث، ووصل إلينا صحيحاً متواتراً بالرواية جيلاً بعد جيل، وكذلك وصلت مجموعة الأحاديث المتواترة والصحيحة، فاختلاف المسلمين إذن لا يتعلق بالنصوص وإنما يتعلق بتأويلها.

ومن جهة أخرى فإن للسنة دورها الهام في بيان شؤون العقيدة، ولذلك يجب الرجوع إليها حتى وإن وصلت إلينا عن طريق أحاديث الآحاد التي لا يأخذ بعض الفقهاء بها في تقرير مسائل العقيدة، ولذلك يقول الشافعي في أمر اللَّه بوجوب طاعة الرسول: "جعله (اللَّه) علماًً لدينه بما افترض من طاعته وحرم من معصيته، وأبان من فضيلته، بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به".

وإذا كانت أحاديث الآحاد مصدراً لاختلاف العلماء، من حيث مرتبتها كدليل شرعي، فإن هناك مسألة أخرى أكثر إثارة للخلاف في تفسير النصوص، وهي مسألة الصيغ المجازية التي وردت في القرآن الكريم والحديث النبوي ومدى علاقتها بالحقيقة.

.5 التأويل وحق القراءة

ومع أننا نؤيد ابن تيمية فيما يتعلق بموضوعات الصفات الإلهية، فإن لنا رأياً مختلفاً في هذه المسألة، وقد نستطيع أن نغلق اليوم بعض أبواب الاختلاف إذا حرصنا في تأويلاتنا للنصوص الدينية المتصلة بالأمور الغيبية أن نتجنب القطع بالتأويل، إلا عند الضرورة الملحة التي تفرضها طبيعة استعمال اللغة العربية. وفي جميع الأحوال تظل التفسيرات والتأويلات نسبية تعبر عن آراء منسوية إلى جهد أصحابها وثقافة عصرهم.

ويبدو أن الجدل في ذلك سوف يستمر إلى مدى يعلمه اللَّه، مصداقاً لحديث النبوة في موضوع الفرق، ومع ذلك فإن استمرار هذا الاجتهاد والجدل المشروع خارج ثوابت المقاصد الشرعية لايعني استمرار الخلاف بين المسلمين، فالقرآن حمال أوجه، وهذه الأوجه إنما تتحقق بالقراءات ذات الدلالات المتفتحة على العصر، وفقاً لمستويات الاستقبال، وحاجة المتلقي، وفي هذا ما فيه من التعبير عن حيوية هذا الدين، وجدارته بالبقاء هادياً لكل الناس.

وسوف تظل الاجتهادات المختلفة علامة حية على بقاء هذا الدين، وشرطاً ضرورياً لاستمراره، فذلك هو حق القراءة الذي يمنحه الإسلام لكل من يهتدي بهديه إذ يستقبل النص بقلبه، كأنه يراه وجهاً لوجه، بلا وسيط، ويجاهد بالرغم من نسبيته الزمانية والمكانية للدخول في عالم المطلق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
.
.
.
جاري البحث
.
.
.
أخر مواضيعي
صـدى زهـران غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-12-2009, 10:46 PM   #4
الفقار

مستشار تعليمي
[عضوية شرفية خاصة]
 







 
الفقار is on a distinguished road
افتراضي رد: حق الاختلاف في وجهات النظر،،،طلب مساعده!!

سيكون لي إضافة لاحقا بإذن الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
الفقار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-12-2009, 02:15 PM   #5
ابو نواف السعدي

شاعر
قلم مميز
 







 
ابو نواف السعدي is on a distinguished road
افتراضي رد: حق الاختلاف في وجهات النظر،،،طلب مساعده!!

اختي البرنسيسه
اخي صدى زهران
لكم مني وافر الشكر واخلصه
على ماقدمتموه هنا من بحوث متميزه ومفيده
وانا بصدد استخلاص مااريد منها

كما اشكر استاذي القدير الفقار على حضوره

تحياتي لكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
[poem=font="Simplified Arabic,6,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
صعبنا لو كان حطّينا براسه موسمينا=
كان ماطلّق علينا الذود من عقّالها=
[/poem]
رمضان السعدي
أخر مواضيعي
ابو نواف السعدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : حق الاختلاف في وجهات النظر،،،طلب مساعده!!
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الاختلاف لايفسد للود قضية !!!!! البدر2 مجلس قبائل الاحلاف 3 19-06-2009 09:07 AM
(الاختلاف في الراي لايفسد للود قضيه)هل نجيد استخدامها!!؟؟ ابو نواف السعدي المنتدى العام 14 26-04-2009 04:30 AM
الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية...!!! آمـيرهـ بآح ــساسي المنتدى العام 22 18-01-2009 09:20 PM
احترام وجهات النــــــــظر رياح نجد المنتدى العام 11 25-08-2008 05:50 AM
هل الاختلاف في الراي يفسد للود قضيه حاولت ولكن؟؟ مجلس قبائل الاحلاف 6 12-12-2007 12:10 PM


الساعة الآن 02:34 AM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved