لكنما عينا جمعان تأخذان في الألم رويداً رويداً .. ويبهت نظره ويقلّ من كثر ما يشاهد التليفيزيون >> قدام أهله يتصنّع الأخبار والبرامج << يفرك عينيه حتى تستجمع قواها ولكن ما فيش فايده على قولة المصارية.. يبدأ نظر حبيبنا في التلاشي دون أن ينتبه حتى يأتي ذلك اليوم الذي وصّته فيه أخته المطيعة أن يشتري لها من البقالة بسكوت أبو ريال وأعطته عشر ريالات لأن ما كان عند المسيكينة صرف ريالات.. أخذ العشرة الشاب الأغرّ ذو الخصلة التي بدأت تنمو على جبينه الضيق وذهب بكل رتابة إلى البنغالي: " أعطني يا سديق بريال بسكوت ونقده العشرة ريالات دون أن ينتبه أنها جبور .. ثم أعطاه البنغالي البسكوت لكنه انصرف دون أن يسأله بقيّة الأجـر ( وما كوّد )البنغالي السديق ببقيـة النقود ثم سكت على ما رزقه الله رغم أنها ما كانت داخلة خير على البنغالي السديق لأن جمعان سوف يعود ويتوطّـى في بطنه ويكيل له الشتائم أصنافاً مصنّفة كل واحد يقول للثاني وخر وراية أنا اللي ماني عارف ايش..... يعود صديقنا الى البيت بالبسكوت دون التسع ريالات .. أول ما سألته أخته عن الصرف التسع.. قال لها أنها أعطته فقط ريال واحد رمادي.. صاحت أخته وولولت وقالت حسبي الله ونعم الوكيل ! انت ما تشوف ؟ انت أعمى ؟ والا نصاب تبغى تنصب عليه في تسع ريالات ؟ المهم من هذا الكلام ومن هذاك إذ تأتي الأم تريد حل المشاكل الخلافية الاعتيادية بين الأخوان .. لا شك أنه خلاف لا يمكن له أن يتطور إلى أكثر من مجرد اختلاف في وجهات النظر الذي لا يفسد للود قضيّـة .. لكن يبدو أن الأمر خلاف ما كانت تعتقده الام .. استوضخت الأم الامر وأخذت الحيثيات من المدعي والمدعى عليه >> طبعاً المدعى عليه وليس المدعو عليه بالتشديد يرد كالعادة ( المدعي حيث المدعى عليه معتقداً أنه سوف يسقط في أيدي المدّعين بالتشديد) << امممممممم إذن أنت أعمى با جمعاني الحبيب وتخذرف نحن نعرف أنك أوشكت على الجنون.. كيف بالله تخرّجت من الجامعة انتساب؟؟؟ , لا شك أنت أعمى !
غضب وتنرفز وأقام الدنيا ذلك اليوم في الحارة الوادعة في النوم .. طبعاً لو كان غير البنغالي ما كان تكلم كان سكت وخمد عليها لكن بما أن الأمر والقضية فيها ريحة بنغالي لا بد أن أثبت رجولتي .. لا بد أن أفتك بهذا الكافر الذي لا يصلي مع الجماعة إنما يتوارى في غرفته المنتنة ثم يخرج لنا إلى السوق.. توعد وذهب إلى البنغالي وأوسعه ضرباً لو لا رحمة الله التي شاءت بأن يتدخل أحد الشيابة بعكّـازه لفض الاشتباك الذي كان ولا شك لصالح المراري! وانتهى الخلاف بصلح أن يدفع لابن الأكرمين ليس الفدية أو الجزية وإنما ( صلح تمثل في عشرة ريالات ) .
كان هناك فتى يشاهد من بعيد هذا الفيلم الذي ضحك منه لأول مرّة يرى مثل هذا النزاع بين سعودي وأجنبي .. ضحك وتندر عليهم كان البنغالي مسكين فقط يدافع عن نفسه بذراعة القصيرة والسعودي قصير وممتلئ الجسم يوسعه ضرباً.. كان ذلك الفتى صالح ابن العائلة العسيرية التي سكنت حديثاً حارة الزيود.. كان صالح فتىً يافعاً ذو السبعة عشر ربيعاً شخص أسمر نحيف الجسم ذو ملامح جبلية يستقرئ الأماكن الجديدة التي جلبهم أبوه إليها .. لم يكن يوافق أبيه على هجرته لكنه كان يساير الزمان ولسان حاله يقول: " ان ما طاعك الزمان طعه!" لم يحاول حل النزاع الكوميدي فقط جلس يتابع بكل غبطة..
رجع جمعان إلى البيت مزهوّاً بعشرة ريالات وأرضى أخته الاليفة بورقة سوداء كانت السبب في طبخها رز بالتونة! كانت تعد له جميع أنواع السلطات وهو ما عليه الا ان ياكل بشبق! وقررت أمه بنفسها أن تذهب به الى طبيب العيون.. لكنه رد عليها : " يا مآآآآآآما ايش بيكـي انتي عليّـا أنا واد كبيرت وصرت زيييي جدوووو مسعووووود " كانت لهجته الواضحة تمتاز بمثل تلكم الاصوات الخيشومية التي تخرج من كلا التجويف الفموي والأنفي .. للأمانة كان يجيد اللكنة برطانة كانت تؤهله إلى أن يكون عمدة حتّى وليس فقط فتوّة.. كيف وهو ابن الاكرمين ..
لم يعد يخرج من بيتهم في العصرية فقد اعتكف في البيت من بعد ما اشترى اللاقط.. لم يكن يسأل عنه سوى الواد حقه بهلول .. صار يطنّش بهلول .. كان صديقنا جمعان ينتظر تعيينه من قبل الوزارة في أحد الوظايف التعليمية >> كل هذي المشاكل من العطالة << كما قلنا قدم أوراقه في الوزارة وكان ينتظر خبر التعيين.. لكنه تفأجأ هذا وكأن القدر معه على موعد من نكادة حظه>_< طوّل خبر تعيينه في أحد الوظايف التعليمية.. وطوّف بنص سنة يعني ترم كامل وخوينا ما راجع في أوراقه غصبن أمه درفعته مع باب الخروج حيث أنه يفضل النوم والانبطاح على العمل .. يذهب إلى ديوان الخدمة في منطقة جدة طبعاً يشوف أنه تعنّى مشوار إلى جدة!!! واستفسر هناك عن سبب تأخر الخبر المفرح الذي سوف يفرح أهله وخصوصاً أمه المسيكينة.. أشاروا له أن ينتظر .. انتظر في الردهة الرئيسية للديوان وكانت الردهة تمتاز ببناء يسلب العقول من الخشب الماهونيّ والمطاط وكل أنواع المكاتب ذات الطراز الرومنطيقي.. أكثر من موظف يتوزّعون هذه المكاتب في شكل تسلسلي منظم.. طبعاً خوينا انبهر باللي شافه أول مرة يشوف وصار يثرثر على من عرفه وعلى من لم يعرفه.. يسأل ويستفسر ويكذب على الرايح والجاي أنا سوّيت أنا فعلت انا رحت انا جيت ........ والناس عافته من ثرثرته وظل على ذلك الحال من الساعة الثامنة صباحاً حتى العاشرة صباحاً ولم يكن يعلم أنه على موعد من خيبة الأمل التي تنتظره.. أخيراً وصل الموظف المختص بشؤون التعيين ومسك سرا قرابة النصف ساعة لم تكن طويلة على صاحبنا لأن الوقت كان لا يشكّل له أي اهتمام...
" جمعان بن خضر مسعود" جاك جاك هنا موجود حاضر!!! كيف حالك.. الحمد لله.. تود شاهي ولا قهوة؟.. لا شكراً أنا جيت انتظر منك تجاوبني .. متى تعينوني ؟.. يرد عليه الموظف المختص: " لا عليك .. جائنا الخبر هذا الموقع أدناه من مسؤولي الرقابة والتدقيق أن شهادتك الثانوية مزوّرة!".. تلوّى في كرسيّه صديقنا ومن يشاهده يرثي لحاله بالفعل كان منظره يقطّع نياط القلوب.. تذكّر واسترجع الشريط باكمله مع سمير ومعتوق أيام الثانويّة عندما عرفوه على العناصر النيجيريّة في شارع الستين.. ونقدهم ورقة زرقاء على أن يزوّرو له شهادة دون ان يكلف نفسه عناء التحصيل والمذاكرة والتفكير.. عقله كان لا يستوعب أي شيء عد الكسرات المكسورة.. عقله أدى به الى التهلكة.. تذكر واستجرّ الماضي .. تذكّـر كيف كانوا يذاكرون له في أيام الجامعة من ملخصات محمد هجرس >_< وأيقن أن مستقبله ضاع وفص ملح وذاب .. أقسم بالله العظيم الذي رفع سبع وارخاهن سبع لو رأيتموه في تلك الحالة لبكيتم على صاحبنا الشقيّ!
" قرّرت اللجنة المسئولة عن شهادتك الجامعية أن تصادرها.. وتتكتم على الموضوع .. لأنه لو أردنا أن نحيل قضيّتك إلى الإدعاء العام سوف يتخذ بحقـك أحكاماَ قاسية.. معك محمد طارق وهذا كارتي حقي فيه رقم جوالي اذا تحتاج أي مساعدة مشروطة أنا تحت أمرك .. أتمنّى أن تجتهد وتشغل عقلك فالدراسة ما يبغى لها غش وخداع وكذب وتزوير..."
يخفق قلبه وتتلوى معدته ويشعر بالخوف يدغدغ أطرافه ويبعث القشعريرة في كل جسمه.. هذا اللي ما حسب له.. هذا اللي كان يخاف منه غريب ما كشفو حقيقته انه كذاب وأنه كان يتصنع الإيمان والصلاح والخير.. غريب طيب كيف صدقوني ان شهادتي الثانوية غير مزوّرة؟ آآه نسيت كانت تلك واسطة من عمي عارف الذي نقد مكتب القبول عشرة آلاف ريال وغض النظر عما يجري.. هل يعني أن تعبي صار هباء؟ هل ... هل..... هل..... خرج من الديوان بعد أن رمى الكارت .... وتمشى قليلاً وكان لا يعرف إلى أين يذهب..... نسي مكان موقف السيارة..... آآآآه انه في واجهة الشارع العام....... وفي طريقه الى السيّارة بدأ يكيل اللعنات المتتالية على جميع من يخطر في باله....... ويلي...... ماذا أقول لأمـي التي نذرت أن تذبح حاشياً في حال تم تعييني...... اللع’#^^%^
يتجه بسيارته الكدلك إلى حيث لم يكن متأكداً.. كان يضيع اذا دخل جدة.. فقط اذا وقف عند الإشارة فإنه يرخي من زجاج السيارة ] كانت السيارة تصدر أصواتاً وهذا وحده كان حديث الحارة.. السيارة ترجع إلى الوراء.. السيارة ترجع إلى الخلف.. السيارة ماني عارف ايش..ّ [ ... ثم يسأل وما خاب من سأل .. انه يتجه إلى الكورنيش الذي يكن يسمّى بعد أبحـر.. ويترجّل من السيارة ويغذ في السّير يريد أن يشمّ هواء البحر النقيّ.. كان يريد أن يخلص إلى شيءٍ لكنه لا يقدر.. كان يريد أيضاً أن يتحرّر من هواء مكة المشوب بعوادم السّيارات..... يظلّ يمشي ويمشي ويبتعد عن مركبته.... وفي غمرة تفكيره ينتبه إلى رجل نحيل أعجف, كان عقله يحدثه أنه يعرفه فعقله يصدر ما يشبه الأصوات الرنانة مثل التي في سيارته طوط طوط طوط طوط.... انه يعرف ذلك الرجل الأربعيني... نعم انه يعرفه.... لا أحد غيره فهو يقطن في هذه المدينة العشوائيّة أيضاً وذهب قاصداً نحوه.. يريد في نفسه أن يسلّم عليه.. تقدم فمن كان يعرفهم فإنه لا يتردّد في السلام عليهم ومصافحتهم وأخذ أخبارهم.. كيف وعبدالله الشيخ الأربعيني المهيب هو الذي يحضر المناسبات القبليّة ولا يتردّد في الدعوات الودّيّـة.
06-02-2010, 12:54 PM
سبحانية جمعان اليوفورية !
المواضيع المتشابهه للموضوع : سبحانية جمعان اليوفورية !
