منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > الإسلام حياة

خطبة بعنوان / بهجة بالوطن أم كفر للنعم !


الإسلام حياة

موضوع مغلقإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 30-09-2010, 09:25 PM
الصورة الرمزية ابراهيم السعدي
ابراهيم السعدي ابراهيم السعدي غير متواجد حالياً
 






ابراهيم السعدي is on a distinguished road
افتراضي خطبة بعنوان / بهجة بالوطن أم كفر للنعم !

هذه الخطبة للشيخ عبدالله البصري حفظه الله


الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حِينَ يَرَى المَرءُ شَبَابًا قَد تَرَجَّلُوا عَن سَيَّارَاتِهِم وَأَوقَفُوهَا في وَسَطِ الشَّارِعِ لِيَسُدُّوا بها الطَّرِيقَ عَلَى المَارَّةِ ، أَحَدُهُم قَد أَحفَى رِجلَيهِ يَعدُو وَيَقفِزُ هَائِمًا ، وَالآخَرُ يَتَمَايَلُ عَلَى صَوتِ الغِنَاءِ وَيَرقُصُ طَرِبًا ، وَالثَّالِثُ يُصَفِّقُ وَيُصَفِّرُ ضَاحِكًا ، قَد عَصَبُوا رُؤُوسَهُم في هَيئَاتٍ غَرِيبَةٍ وَبِأَشكَالٍ مُرِيبَةٍ ، فَإِنَّهُ لا يَشُكُّ أَنَّ هَؤُلاءِ مَجَانِينُ أَو مَخمُورُونَ أَو مَسحُورُونَ !!

أَمَّا أَن يُقَالَ لَهُ : إِنَّ هَؤُلاءِ يُعَبِّرُونَ عَن فَرحَتِهِم بما يُسَمَّى بِاليَومَ الوَطَنيِّ ، فَهَذَا مَا لا تَتَقَبَّلَهُ نَفسٌ وَلا يَتَّسِعَ لَهُ صَدرٌ ، بَل هُوَ مَا يَأبَاهُ العَقلُ الوَافِرُ وَيَلَفِظُهُ ، وَيَمُجُّهُ الذَّوقُ السَّلِيمُ ويَستَسمِجُهُ .

لا يَملِكُ الوَاعِي إِلاَّ أَن يَقُولَ : أَحسَنَ اللهُ عَزَاءَكَ يَا وَطَنَ الإِسلامِ ! وَعَظَّمَ المَولى أَجرَكِ يَا بِلادَ التَّوحِيدِ !

لَقَد مَضَى رِجَالُكِ المُخلِصُونَ الَّذِينَ كَانُوا بِالفَرحَةِ بِكِ أَجدَرَ وَبِالسُّرُورِ بِوَحدَتِكِ أَحَقَّ ، مَضَى الَّذِينَ استَلَذَّوا في سَبِيلِ تَوحِيدِكِ صَلِيلَ السُّيُوفِ وَاستَعذَبُوا صَهِيلَ الخُيُولِ ، وَشَرَّقُوا وَغَرَّبُوا يُقَارِعُونَ الأَعدَاءَ وَيُصَارِعُونَ المَوتَ ، مُدَافِعِينَ عَن حِمَاكِ ذَائِدِينَ عَن حُدُودِكَ ، تَلفَحُ وُجُوهَهُم سَمَائِمُ الصَّحرَاءِ ، وَيُحرِقُ أَجسَادَهُم تُوَقَّدُ الرَّمضَاءِ ، ثُمَّ مَضَى كَثِيرٌ مِنهُم قَبلَ أَن يُفَجِّرَ اللهُ سَحَائِبَ جُودِهِ عَلَى أَبنَائِهِم وَأَحفَادِهِم ، فَتَتَفَتَّحَ عُيُونُ كَثِيرٍ مِنهُم عَلَى نِعَمٍ لم يَعرِفُوا لَهَا ضِدًّا ، وَيَتَقَلَّبُوا في سَعَةٍ لم تُسبَقْ في ذَاكِرَةِ أَيٍّ مِنهُمُ بِضِيقٍ ، فَيُسِيئُوا إِلى أُولَئِكَ الآبَاءِ وَالأَجدَادِ الَّذِينَ أَوصَلَهُمُ الجِدُّ قِمَمَ المَجدِ ، فَيَسعَوا إلى هَدمِ مَا شَادُوهُ بِالتَّعبِيرِ عَنهُ بِالفَرَحِ المَشُوبِ بِالطُغيَانِ وَتَجَاوُزِ الحُدُودِ ، لَهوًا وَلَعِبًا ، وَغَفَلَةً وَسُمُودًا ، وَتَروِيعًا لِلآمِنِينَ وَإِزعَاجًا لِلسَّاكِنِينَ ، وَتَخرِيبًا لِلمُقَدَّرَاتِ وَاعتِدَاءً عَلَى المُمتَلَكَاتِ ، وَسَرِقَةً وَسَطوًا وَنَهبًا .

وَإِذَا كَانَ الوَطَنُ لا يَقُومُ إِلاَّ بِالحِفَاظِ عَلَى أَمنِهِ ، وَلا يَتَقَدَّمُ إِلاَّ بِرِعَايَةِ استِقرَارِهِ ، فَهَل يَصِحُّ أَن يُقَالَ لِمَن يُحدِثُ فِيهِ الفَوضَى وَيُزَعزِعُ أَمنَهُ أَنَّهُ فَرِحٌ بِهِ ؟!

هَل يُقَالُ لِمَن يَختَرِقُ أَنظِمَتَهُ وَيُخَالِفُ تَعلِيمَاتِ وُلاتِهِ أَنَّهُ يُحِبُّهُ ؟

إِنَّ مَن يَسبُرُ تَصَرُّفَاتِ بَعضِ الشَّبَابِ يُوقِنُ أَنَّهُم مِن أَقَلِّ النَّاسِ فَرَحًا لِهَذَا الوَطَنِ وَسُرُورًا بما يَزِيدُهُ ، لَقَد وَجَدَ هَؤُلاءِ الأَغرَارُ في الضَخِّ الإِعلامِيِّ وَالسَّمَاحِ الرَّسمِيِّ بِإِحدَاثِ الفَرحَةِ بما يُسَمَّى بِاليَومِ الوَطَنِيِّ ، وَجَدُوا فُرصَةً مُوَاتِيَةً لِلتَّفَلُّتِ مِن بَعضِ أَحكَامِ الشَّرعِ وَالتَّحَلُّلِ مِن قُيُودِ الأَنظِمَةِ ، وَمُخَالَفَةِ القَوَانِينِ العَامَّةِ وَالخُرُوجِ عَلَى الآدَابِ المُتَّبَعَةِ ، وَرَاحُوا يُعَبِّرُونَ عَن رَغبَةٍ جَامِحَةٍ في العَبَثِ وَالتَّخرِيبِ ، وَأَبَوا إِلاَّ أَن يُظهِرُوا سُوءَ مَا تَنطَوِي عَلَيهِ نُفُوسُ بَعضِهِم تُجَاهَ الوَطَنِ وَأَهلِهِ ، وَإِلاَّ فَإِنَّ مَن يُحِبُّ الوَطَنَ حَقِيقَةً وَيُرِيدُ لَهُ وَلأَهلِهِ الخَيرَ وَالنَّمَاءَ ، لا تَرَاهُ إِلاَّ حَرِيصًا عَلَى أَمنِهِ وَاستِقرَارِهِ ، مُطِيعًا لِوُلاةِ أَمرِهِ نَاصِحًا لِقَادَتِهِ ، مُحِبًّا لَهُم ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، عَامِلاً بما يُسَنُّ مِن أَنظِمَةٍ ظَاهِرَةِ المَصلَحَةِ ، مُقَدِّرًا لما يُبذَلُ لِلبِنَاءِ وَالتَّقَدُّمِ ، مُظهِرًا عَنْ وَطنِهِ الصُّورَةَ الجَمِيلَةَ أَمَامَ الآخَرِينَ ، مُبدِيًا لِلعَالَمِ وَجهَهُ الحَسَنَ .

فَلا يُخَالِفُ وَلا يَعصِي ، وَلا يُحدِثُ بَلبَلَةً وَلا يَبعَثُ فَوضَى ، وَلا يُفسِدُ صَالِحًا وَلا يُخَرِّبُ عَامِرًا .

وَإِنَّهُ لَو لم تَكُنِ المُحَافَظَةُ عَلَى مُقَدَّرَاتِ الوَطَنِ دِينًا وَلا مِن كَرِيمِ الأَدَبِ ، لَكَانَتِ الوَطَنِيَّةُ الصَّادِقَةُ دَاعِيَةً إِلَيهَا وَمُنَادِيَةً بها ، أَمَّا وَجُدرَانُ المَدَارِسِ لَوحَاتٌ لما فَحُشَ مِنَ الكَلامِ وَسَاءَ ، وَأَبوَابُهَا مِنَ الدَّاخِلِ مَخلُوعَةٌ ، وَمَقَابِضُهَا مُكَسَّرَةٌ ، وَنَوَافِذُهَا مُهَشَّمَةٌ ، وَحَمَّامَاتُهَا مُعَطَّلَةٌ ، وَفي الشَّوَارِعِ قِيَادَةٌ جُنُونِيَّةٌ وَرَفعٌ لِلغِنَاءِ ، وَفي الأَسوَاقِ تَطَفُّلٌ وَمُلاحَقَةٌ لِلنِّسَاءِ ، فَأَينَ الوَطَنِيَّةُ وَأَينَ الفَرَحُ بِالوَطَنِ ؟!

مَتى يَعرِفُ شَبَابُنَا أَنَّ الوَطَنِيَّةَ قَولٌ يُثبِتُهُ العَمَلُ ، وَكَلامٌ يَتلُوهُ فِعلٌ جَمِيلٌ ، وَشُعُورٌ بَاطِنٌ مَعَ بَذلٍ ظَاهِرٍ ، وَشُكرٌ لِلنَعمَاءِ وَصَبرٌ عِندَ البَأسَاءِ ؟

أَمرٌ يَدعُو لِلأَسَفِ حَقًّا أَن تُختَزَلَ الوَطَنِيَّةُ في حَفَلاتٍ رَاقِصَةٍ ، أَو تَكُونَ غَايَتُهَا أَغَانِيَّ مَاجِنَةً ، أَو تُقرَنَ بِتَصَرُّفَاتٍ شَبَابِيَّةٍ هَوجَاءَ وَحَرَكَاتٍ صِبيَانِيَّةٍ رَعنَاءَ !!

وَأَمَّا أَن تَكُونَ الوَطَنِيَّةُ رَفَعَ عَلَمٍ أَو تَعلِيقَ صُوَرٍ أَو تَردِيدَ نَشِيدٍ ، وَفي القُلُوبِ مَا فِيهَا مِن غَيظٍ وَحَنَقٍ تَشهَدُ بِهِ مِثلُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ السَّيِّئَةِ ، فَمَا أَحرَى البِلادَ بِأَن تَتَذَكَّرَ يَومًا أَنَّهَا كَانَت في نِعمَةٍ فَلَم تَرعَهَا ، وَأَنَّهَا سَمَحَت لِلسُّفَهَاءِ بِأَن يَفقَؤُوا عَينَيهَا بِأَصَابِعِهِمُ المُلَوَّثَةِ بِالجَهَالاتِ وَالحُمقِ وَالطَّيشِ وَحُبِّ الفَوضَى !!

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ نِعَمَ اللهِ تُحِيطُ بِالعِبَادِ في هَذِهِ البِلادِ مِن كُلِّ جَانِبٍ ، وَالآلاءُ تَحُفُّ بِهِم مِن كُلِّ نَاحِيَةٍ ، يَرَونَهَا تَهطُلُ دَفَّاقَةً مِن فَوقِهِم ، وَتَنبُعُ ثَرَّةً مِن تَحتِ أَرجُلِهِم ، وَتَرِدُ إِلَيهِم مِن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ، وَتُصَبِّحُهُم وَتُمَسِّيهِم جَوًّا وَبَرًّا وَبَحرًّا ، وَيَتَقَلَّبُونَ فِيهَا قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم ، قَد أَحدَثَ اللهُ لَهُم مِنَ النِّعَمِ مَا لم يَكُنْ لأَسلافِهِم ، وَزَادَ لَهُم في الفَضلِ بِمَا حُرِمَهُ السَّابِقُونَ ، أَمنٌ وَإِيمَانٌ ، وَرَاحَةٌ وَاطمِئنَانٌ ، وَسَكِينَةٌ وَرِضًا وَصَلاحٌ ، وَشِبَعٌ وَرِيٌّ وَرَاحَةُ بَالٍ ، وَقَبلَ ذَلِكَ وَبَعدَهُ صِحَّةٌ في الأَبدَانِ وَسَلامَةُ عُقُولٍ ، وَعَافِيَةٌ مِنَ البَلاءِ وَهُدُوءٌ وَاستِقرَارٌ ، في نِعَمٍ لَو تَأَمَّلَهَا مُتَأَمِّلٌ وَعَدَّهَا ، ثُمَّ تَخَيَّلَ لَو أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا أَو مُلحِدًا ، أَو يَعِيشُ في خَوفٍ وَقَلَقٍ ، أَو يَبِيتُ لَيلَهُ مُتَقَلِّبًا من سَقَمٍ وَعِلَّةٍ ، لَكَدَّرَ عَلَيهِ ذَلِكَ التَّخَيُّلُ صَفوَهُ ، فَكَيفَ لَو عَاشَهُ حَقِيقَةً وَوَاقِعًا ؟

وَلِذَا فَقَد أَرشَدَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِلى أَن يُوَازِنَ المَرءُ بَينَ مَا عِندَهُ وَمَا عِندَ مَن هُوَ أَقَلُّ مِنهُ لِيُشكَرَ نِعمَةَ رَبِّهِ عَلَيهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اُنظُرُوا إِلى مَن هُوَ أَسفَلَ مِنكُم ، وَلا تَنظُرُوا إِلى مَن هُوَ فَوقَكُم ؛ فَهُوَ أَجدَرُ أَلا تَزدَرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم "
إِنَّ اللهَ لم يُسَخِّر لِعِبَادِهِ النِّعَمَ إِلاَّ لِيَشكُرُوا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَاللهُ أَخرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمَّهاتِكُم لا تَعلَمُونَ شَيئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ "

وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " كَذَلِكَ سَخَّرنَاهَا لَكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ "

وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَقُولُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَومَ القِيَامَةِ : يَا بنَ آدَمَ حَمَلتُكَ عَلَى الخَيلِ وَالإِبِلِ ، وَزَوَّجتُكَ النِّسَاءَ ، وَجَعَلتُكَ تَربَعُ وَتَرأَسُ ، فَأَينَ شُكرُ ذَلِكَ ؟ "

إِنَّ حَقًّا عَلَى العِبَادِ أَن يُوقِنُوا أَنَّ مَا أَعطَاهُمُ اللهُ إِنَّمَا هُوَ ابتِلاءٌ وَامتِحَانٌ ، وَأَنَّهُ لا بُدَّ لَهُم مِن أَن يَشكُرُوا فَيُؤجَرُوا ، أَو أَن يَكفُرُوا فَيَأثَمُوا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَن نَبِيِّهِ سُلَيمَانَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ " قَالَ هَذَا مِن فَضلِ رَبِّي لِيَبلُوَني أَأَشكُرُ أَم أَكفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنيٌّ كَرِيمٌ "

وَإِنَّهُ وإِنْ كَانَ لا يَستَطعِمُ الرَّخَاءَ إِلاَّ مَن ذَاقَ البُؤسَ ، وَلا يُدرِكُ حَلاوةَ الغِنى إِلاَّ مَن قَرَصَهُ الفَقرُ ، وَلا يُقَدِّرُ النِّعَمَ إِلاَّ مَن أَبكَتهُ النِّقَمُ ، غَيرَ أَنَّ مَن أَعطَاهُ اللهُ عَقلاً مِنَ الشَّبَابِ وَمَنَّ عَلَيهِ بِقُوَّةِ المُلاحَظَةِ وَدِقَّةِ التَّميِيزِ ، لا يُمكِنُ أَن يَكُونَ خَارِجَ سِيَاقِ الحَيَاةِ دَائِمًا ، وَلا أَن تُغَيِّبَهُ سَكرَةُ الشَّبَابِ عَمَّا حَولَهُ ، أَفَلَم يَسمَعِ الشَّبَابُ مِن كِبَارِ السِّنِّ وَلَو مَرَّةً وَصفًا دَقِيقًا لما كَانُوا عَلَيهِ مِن شَظَفِ عَيشٍ وَشِدَّةِ فَقرٍ وَضِيقِ حَيَاةٍ ؟!

إِنَّهُ مَا مِن أَحَدٍ إِلاَّ وَقَد سَمِعَ أَو قَرَأَ عَن بَعضِ مَا مَضَى مِن ذَلِكَ ، فَلِمَ الإِغرَاقُ في الحَاضِرِ وَالَذُّهُولُ عَنِ المَاضِي ؟

أَلم يَستَنطِقْ أَحدُنَا التَّارِيخَ وَيَستَخبِرْهُ ، لِيَجِدَ أَنَّ ثَمَّةَ أُمَمًا سَادَت ثُمَّ بَادَت ، وَأُخرَى اغتَنَت ثُمَّ افتَقَرت ، وَثَالِثَةً عَزَّت ثُمَّ ذَلَّت ، وَأَنَّ كُفرَ النِّعَمِ كَانَ هُوَ السَّبَبَ الرَّئِيسَ في زَوَالِ تِلكَ الأُمَمِ وَاضمِحلالِهَا ؟

" وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيَهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ "

وَإِنَّ هَذَا الغَلاءَ الَّذِي ظَهَرَ فِينَا ، وَذَلِكُمُ القَحطَ الَّذِي انتَشَرَ في بِلادِنَا ، وَتِلكُمُ الشَّحنَاءَ الَّتي أُلقِيَت في القُلُوبِ ، وَقِلَّةَ البَرَكَاتِ مَعَ كَثرَةِ الأَموَالِ ، إِنَّهَا لَنَذِيرُ خَطَرٍ وَمُذَكِّرةٌ لَنَا بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ وَضَرُورَةِ التَّوبَةِ إِلى اللهِ مِمَّا بَدَا عَلَينَا مِن تَقصِيرٍ في شُكرِ نِعمَهِ ، وَاستِغلالٍ لها فِيمَا يُغضِبُهُ وَيُخَالِفُ أَمرَهُ ، وَتَبدِيدٍ لها في تَكَاثُرٍ وَمُفَاخَرَاتٍ ، فَإِلى مَتى يُقَصِّرُ بِشَبَابِنَا الجَهلُ وَتَذهَبُ الغَفلَةُ بِشِيبِنَا عَن شُكرِ النِّعمَةِ ؟

وَإِلى مَتى تَمنَعُنَا غَلَبَةُ الشَّهَوَاتِ وَاستِيلاءُ شَيَاطِينِ الإِنسِ وَالجِنِّ مِن استِعمَالِ النِّعمَةِ في إِتمَامِ الحِكمَةِ الَّتي أُرِيدَت بها وَهِيَ طَاعَةُ اللهِ ؟

أَلا فَمَا أَحرَانَا أَن نَتَّقِيَ اللهَ وَنَعمَلَ بِطَاعَتِهِ شُكرًا لَهُ وَاعتِرَافًا بِفَضلِهِ ، وَأَن نُقِيمَ السُّنَنَ وَنُضَاعِفَ القُرُبَاتِ ، وَنَرفُضَ البِدَعَ وَنُحَارِبَ المُحدَثَاتِ ، وَأَن نَحذَرَ مِن كُفرِ نِعَمِهِ بِالعُكُوفِ عَلَى مَا لا يَرضَاهُ ؛ وَأَن نَتَعَاوَنَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَنَتَنَاهَى عَنِ الإِثمِ وَالعُدوَانِ ، ذَلِكُم أَنَّنَا في مُجتَمَعٍ وَاحِدٍ هُوَ كَالسَّفِينَةِ ، وَالحَيَاةُ بَحرٌ مُتَلاطِمُ الأَموَاجِ ، وَأَيُّ خَرقٍ لِهَذِهِ السَّفِينَةِ مِن أَيٍّ مِن رُكَّابِهَا ، فَإِنَّمَا هُوَ إِيذَانٌ بِغَرَقِهَا وَلَو بَعدَ حِينٍ ، أَلا فَلْنَلزَمِ الشُّكرَ فَإِنَّهُ قَيدُ النِّعمِ وَضَمَانَةُ بَقَائِهَا وَسَبَبُ ازدِيَادِهَا .

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزقًا لَكُم وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلكَ لِتَجرِيَ في البَحرِ بِأَمرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمسَ وَالقَمَرَ دَائِبَينِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِن كُلِّ مَا سَأَلتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعمَةَ اللهِ لا تُحصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ "


الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، اتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ العَبدَ إِمَّا أَن يَكُونَ في سَرَّاءَ فَيَشكُرَ أَو ضَرَّاءَ فَيَصبِرَ ، لا يَتِمُّ لَهُ إِيمَانٌ إِلاَّ بِهَذَينِ ، وَبَقِيَّةُ شُعَبِ الإِيمَانِ بَينَهُمَا دَائِرَةٌ وَعَلَيهِمَا قَائِمَةٌ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ "

وَإِذَا كَانَ أَجدَادُنَا قَد قَامُوا بما يَجِبُ عَلَيهِم مِنَ الصَّبرِ عَلَى الشَّدَائِدِ وَمُقَارَعَةِ الصِّعَابِ بِالتَّحَمُّلِ وَتَجَرُّعِ المَرَارَاتِ بِالتَّصَبُّرِ ، فَإِنَّ وَظِيفَتَنَا اليَومَ وَنَحنُ نَتَقَلَّبُ في هَذِهِ النِّعَمِ المُتَوَالِيَةِ وَالآلاءِ المُتَرَادِفَةِ أَن نَشكُرَ للهِ وَنُثنيَ عَلَيهِ الخَيرَ وَلا نَكَفُرَهُ ، لِيَحفَظَ عَلَينَا النِّعَمَ وَيَزِيدَنَا مِنهَا " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ "

لِنَتَّقِ اللهَ فِيمَا رَزَقَنَا ، وَلْنُحافِظْ على مَا وَهَبَنَا ، لِنَأمُرْ بِالمَعرُوفِ وَلْنَنهَ عَنِ المُنكَرِ ، وَلْنَأخُذْ عَلَى أَيدِي سُفَهَائِنَا بِالحَقِّ وَلْنَأطِرْهُم عَلَيهِ أَطرًا ، فَإِنَّهُ لَيسَ بَينَنَا وَبينَ اللهِ إِلاَّ الأَعمَالُ الصَّالِحَةُ " مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ "

وَاللهُ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم " ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم "

وَحَقِيقَةُ الشُّكرِ الَّتي لا يَتَبَيَّنُ إلاَّ بها وَلا يَقُومُ إِلاَّ عَلَيهَا ، هِيَ الاعتِرَافُ بِالفَضلِ وَالنِّعَمِ بَاطِنًا ، وَذِكرُهَا وَالتَّحَدُّثُ بها ظَاهِرًا ، وَصَرَفُهَا فِيمَا يُحِبُّ اللهُ وَيَرضَى .

" وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ "

" اِعمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ "

" وَاشكُرُوا للهِ إِنْ كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ "

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
عود لسانكَ على ؛
* اللهم اغفِر لي *
فإن لله ساعات لايرد فيها سَائلاً
أخر مواضيعي
قديم 30-09-2010, 11:20 PM   #2
خليل الحريري
عضو متميز
 
الصورة الرمزية خليل الحريري
 







 
خليل الحريري is on a distinguished road
افتراضي رد: خطبة بعنوان / بهجة بالوطن أم كفر للنعم !

[align=CENTER][tabletext="width:100%;background-color:blue;border:10px double skyblue;"][cell="filter:;"][align=center]



الدال على الخير كفاعله
يعطيك العافيه
بارك الله فيك
جزاك الله خيرا
ورفع قدرك
وغفر ذنبك
وجعلك من أحبابه
وأدخلك جنته من غير حساب ولاعقاب
امين يا رب العالمين



[/align]
[/cell][/tabletext][/align]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
خليل الحريري غير متواجد حالياً  
قديم 30-09-2010, 11:59 PM   #3
مـخـاوي الـلـيـل
 
الصورة الرمزية مـخـاوي الـلـيـل
 







 
مـخـاوي الـلـيـل is on a distinguished road
افتراضي رد: خطبة بعنوان / بهجة بالوطن أم كفر للنعم !

جزاكـ الله خير ..

..
بارك الله فيك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

أخر مواضيعي
مـخـاوي الـلـيـل غير متواجد حالياً  
قديم 01-10-2010, 05:36 AM   #4
ابراهيم السعدي
 
الصورة الرمزية ابراهيم السعدي
 







 
ابراهيم السعدي is on a distinguished road
افتراضي رد: خطبة بعنوان / بهجة بالوطن أم كفر للنعم !

خليلو15


شاكر ومقدر لك مرورك العاطر
بارك الله فيك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
عود لسانكَ على ؛
* اللهم اغفِر لي *
فإن لله ساعات لايرد فيها سَائلاً
أخر مواضيعي
ابراهيم السعدي غير متواجد حالياً  
قديم 01-10-2010, 05:38 AM   #5
ابراهيم السعدي
 
الصورة الرمزية ابراهيم السعدي
 







 
ابراهيم السعدي is on a distinguished road
افتراضي رد: خطبة بعنوان / بهجة بالوطن أم كفر للنعم !

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مـخـاوي الـلـيـل   مشاهدة المشاركة

   جزاكـ الله خير ..

..
بارك الله فيك




مشكور أخي الغالي على المرور
الله يعطيك العافيه
ابراهيم السعدي غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : خطبة بعنوان / بهجة بالوطن أم كفر للنعم !
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الرد الآلي بالوطن العربي الطموح الإستراحة 4 05-01-2009 01:11 AM
بهجة النفوس في التعرف على الشباب الموكوس مهندس / ياسر زهران المنتدى العام 3 22-10-2008 07:06 PM


الساعة الآن 08:09 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved