مفتاح الكعبة
(قال عمر بن الخطاب) سألت أبي وقلت له يا ابتي وكيف صار مفتاح بيت الله الحرام إلى بني شيبة قال اعلم ان ابراهيم الخليل لما فرع من بنائه حفر وهدة صغيرة في جوف هذا البيت يعنى الكعبة عن يمين الباب وقال اني حكمت على كل من يدخل جوف بيت الله الحرام ان يطرح في هذه الوهدة شيئا من الدراهم والدنانير وغير ذلك من صنوف الاموال ليكون ذلك برا لسدنة البيت ولخدمته من درهم إلى ما كان ولم يكن بهذا الرسم لاحد من الملوك والفراعنة نصيب وكان مفتاح بيت الله الحرام بين يدى بني امية يرثون امساك المفتاح عقبا بعد عقب فلم يزالوا على عهده حتى وصل مفتاح بيت الله الحرام إلى ابى العاص بن امية بن عبد شمس وكان يفتح بيده وكان لهم بذلك عز وشرف ونبل ثم ان ابا العاص بن امية اتخذ دعوة جلية وضيافة خطيرة واتخذ الدعوة في بيت الخمار وكثيرا مما كان بنو امية ينفقون في دار الخمار ويأكلون ويشربون فيها فلما اتخذ ابوالعاص الضيافة وأكل الناس الطعام وغسلوا ايديهم وشربوا حتى فنى شرابهم ولم تكن لهم حيلة في ابتياع الشراب ولم يكن معهم شئ من الدراهم والدنانير ولا من الرهون فرهنوا مفتاح بيت الله الحرام عند الخمار واحذوا الخمر وشربوا وسكر القوم وناموا فسمع بذلك عامر بن شيبة فحمل زقا من خمر وردها إلى الخمار واسترجع المفتاح من الخمار وذهب به إلى بيته وغسله بماء الكافور وطلاه بالغالية المتخذة من مسك اذفر فلفه في خرقة الديباج وكان المفتاح من ذهب احمر وهكذا كان حقه لانه مفتاح بيت الله الحرام (قال الواقدي) فأفاق القوم من سكرهم فقام ابوالعاص وذهب نحو الخمار ليسترجع المفتاح وقد استرجعه عامربن شيبة فغضب ابوالعاص وذهب بجماعة من اهل بيته إلى باب دار عامر فضربوه واعتدوا عليه واسترجعوا منه المفتاح على الكبره فانصرف ابوالعاص فرحا مسرورا فغضب عامر وذهب إلى مقام ابراهيم الخليل (ع) ورفع رأسه إلى االسماء وقال يا رب البيت العتيق والركن الوثيق والحجر الغريق وزمزم الدقيق أنت تعلم ان ابا العاص رهن المفتاح في ثمن الشراب واستخف ببيتك ولم يعرف حق بيتك وانا استرجعته وغسلته وفعلت به ما فعلت اللهم انى اسألك ان تسلب هذا العز عن ابي العاص ومن اهل بيته ثم رجع إلى منزله (قال الواقدى) فاصبح اهل مكة يوم الثاني وكان في الحرم واجتمع الخلق بباب بيت الله الحرام يزورونه فما كان إلا هنيئة حتى جاء ابوالعاص ومعه المفتاح والناس يتأخرون عن طريقه تعظيما له اذ كان هو صاحب مفتاح بيت الله الحرام فدنا ابوالعاص إلى فتح الباب فادخل المفتاح في مجرى القفل فلم يدخل فيه المفتاح فاحتال ابوالعاص كل حيلة ان ينبعث المفتاح في القفل فلم يدخل فيه بامر الله وقدرته فانتفخت يد ابي العاص من مداومة نفسه من الشدة فوقعت الصيحة في العرب ان باب بيت الله الحرام قد انغلق حتى ماعاد ان ينفتح فتعجب الخلق من ذلك وبقى الباب مغلوقا والناس في مصيبة عظيمة من امره فلما أتى على الناس شهر اجتمع بمكة زهاء الف رجل على ان يزوروا بيت الله الحرام وقد نالهم الضجر لتطاول الامر عليهم فلما اصبحوا يوم الاثنين هتف بهم هاتف يقول ان باب بيت الله لا ينفتح على يد من يرهن المفتاح عند الخمار وليس لكم حيلة دون ان تصدوا كلكم إلى عامر بن شيبة وتدفعوا اليه المفتاح فان الله قد سلب من بنى امية هذا العز فصار الناس كلهم إلى عامر بن شيبة واخبروه بما كان من قول الهاتف فسمع عامر منهم ذلك فسار إلى باب بيت الحرام ومعه المفتاح فقال بسم الله رب السماء وادخل المفتاح في مجرى القفل فانفتح بامر الله تعالى فدخل الخلق إلى بيت الله الحرام وسلب الله تعالى من بني امية عزهم وجعله إلى عامر بن شيبة وجعله عقبا بعد عقب ثم انه لا ينفتح إلى الساعة إلا على يدي عامر واولاده فبقى عنده المفتاح إلى يوم فتح مكة فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة وكان في ايام الحج فجعل غزوه سببا لحجه فلما دخلها ذهب إلى مكة بيت الله الحرام واذا الباب مغلق وكان عامر قد توارى مع المفتاح فبعث النبي صلى الله عليه وآله في طلبه فوقع به علي بن ابي طالب (ع) وقال يا عامر اين المفتاح فقال هو ليس معي ففتشه فلم يكن معه فذهب إلى امرأته وقال لها ويلك اين المفتاح فان رسول الله صلى الله عليه وآله واقف قالت يا ابن ابي طالب مالي به علم فعلا بسيفه واراد ضربها فرفعت الامرأة يدها لتتقي السيف فسقط من تحت ذيلها المفتاح فوثب عامر بن شيبة واخذه وقال يا علي انا اسير به معك فذهب عامر بالمفتاح إلى النبى صلى الله عليه وآله فقال النبي صلى الله عليه وآله اني قادر على فتحه دون المفتاح غير انى احببت ان افتحه به فأخذ النبي صلى الله عليه وآله المفتاح وفتحه وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يريد الدخول وكان يريد ان ينزع هذا الشرف من عامر فاغتم لذلك عامر فانزل الله تعالى (إن الله يأمركم ان تؤدوا الامانات إلى اهلها) فرد النبي صلى الله عليه وآله المفتاح إلى عامر بن شيبة وبقي ذلك في يده وبيد عقبه إلى الآن (قال الواقدي) ثم ان المفتاح بقى عند عامر إلى ايام بنى هاشم فلما كان في ايامهم زار الخلق بيت الله الحرام وطرحوا في تلك الوهدة من العجائب من ذهب وفضة ودر ومرجان وزبرجد فلما مر خزنة البيت هموا بغلقه فعمد رجل منهم إلى البيت فقبض على ما اجتمع في الوهدة وسرق منه ولم يعلم به احد وغلقوا الباب وفر السارق بالمال فاخفاه من اصحابه قال فلما كان صبيحة اليوم الثانى اجتمعت خزنة البيت واعترفوا على اخذ باقي المال ليتقاسموه بينهم ففتحوا الباب فاذا بحية قد جمعت نفسها في الوهدة وهي حمراء كأنها قطعة دم ولها رأسان رأس عند ذنبها ورأس عند عنقها وهي تنفخ وتصفر فنظر الخزنة فلم يجسر أحد ان يتقدم إلى الوهدة لصولتها وهيبتها وكانت منطوية في الوهدة مدورة فبقى الخلق متعجبين منها ومما عاينوا منها فقالوا يا قوم من كان منكم اذنب فليتب إلى ربه وليقر بذنبه فما ظهرت هذه الحية في بيت الله الحرام إلا لاحد قد احدث خطيئة (قال الواقدى) فجاءهم الرجل السارق فأقر بما فعل فقالوا كلهم ويلك اما علمت ان بيت الله الحرام لا يحتمل الغش والخيانة فامروه برد ما سرق جميع ذلك فأخذه القوم ثم قالت الحية ايها العرب وجيران بيت الله الحرام اياكم والغش والخيانة فان الله تعالى لا يرضى بذلك وتأخرت الحية إلى عند الميزاب وغابت في الارض إلى الساعة وقال محمد بن اسحق بل جاءت حمامة طائرة ودخلت بيت الله الحرام وهي عظيمة الحلق واخذت الحية بمنقارها وخرجت نحو سكة الحناطين فغابت وما ظهرت بعد ذلك إلى ايام النبي صلى الله عليه وآله وهو بعد ثلاثين سنة وهذا ما وجدناه من الخبر بالتمام والكمال
|