منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات التقنية والرياضية > الإستراحة

قصص طريفة من علي الطنطاوي


الإستراحة

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 18-05-2011, 10:39 PM
ابو جوري_1 ابو جوري_1 غير متواجد حالياً
موقوف
 






ابو جوري_1 is on a distinguished road
افتراضي قصص طريفة من علي الطنطاوي

أنا رجل يتصورني القراء من بعيد (شيئا) أكبر من حقيقتي، فلماذا أفضح نفسي عندهم؟ وعم أتحدث إليهم؟ والأحاديث كثيرة، وما حدث لي يملأ كتبا؟
ثم قلت: لماذا لا أتحدث عن هذا. عن حقيقتي في نفسي وصورتي عند القراء. ولي في هذا الباب طرائف عجيبة. وأنا أكتب منذ أكثر من عشرين سنة في جرائد الشام ومجلات مصر ولبنان كتابة شيخ مكتهل، فكان القراء يحسبونني شيخا أشيب الشعر محني الظهر يدبّ دبيبا. وعلى وجهه من كتابة الأيام والتجارب سطور من (الأخاديد) فوق سطور، وما كنت أحب أن أذيع هذه الطرائف لأنها لا تنفع السامعين وإن كانت قد تلذ لهم. ولكن المحطة أرادت أن أحدث المستمعين عن بعض ما حدث لي مضحكا كان أم غير مضحك. ولا بأس فالضحك ينفع الجسم ويدفع الدم، ويزيد الشهية، أما المصيبة أن تجيء النكتة باردة لا تضحك.. أو أن أكون ثقيلا يتخفف، والثقيل إذا تخفف صار طاعونا... والعياذ بالله.

سيداتي وسادتي!!


مما وقع لي:

أن جاءني مرة وكنت في عنفوان الشباب أكتب في أوائل كتاباتي في الرسالة (عام 1933) ثلاثة من الغرباء عن البلد، لم يعجبني شكلهم، ولم يطربني قولهم، فوقفت على الباب أنظر إليهم فأرى الشكل يدل على أنهم غلاظ، وينظرون إليّ فيرون فيّ (ولدا)، فقالوا هذه دار فضيلة الشيخ الطنطاوي؟ قلت كارها: نعم… فقالوا: الوالد هنا؟ قلت: لا… قالوا: فأين نلقاه؟ قلت: في مقبرة الدحداح على الطريق المحاذي للنهر من جهة الجنوب. قالوا: يزور أمواته؟ قلت: لا. قالوا: إذن؟ قلت: هو الذي يزار... فصرخ أحدهم في وجهي صرخة أرعبتني وقال: مات؟ كيف مات؟ قلت: جاء أجله فمات... قالوا: عظم الله أجركم، إنا لله وإنا إليه راجعون، يا خسارة الأدب. قلت: إن والدي كان من جل أهل العلم ولكن لم يكن أديبا... قالوا: مسكين أنت لا تعرف أباك.

وانصرفوا وأغلقت الباب وطفقت أضحك وحدي مثل المجانين، وحسبت المسألة قد انتهت فما راعني العشية إلا الناس يتوافدون عليّ فأستقبلهم، فيجلسون صامتين إن كانوا لا يعرفون شخصي، ومن عرفني ضحك وقال: ما هذه النكتة السخيفة؟ قلت: أي نكتة؟ فأخرج أحدهم الجريدة وقال: هذه؟ هل تتجاهل؟ فأخذتها وإذا فيها نعي الكاتب الـ … كذا وكذا.. علي الطنطاوي… هذه واحدة‍.


ومما حدث لي أنني:


لما كنت أعمل في العراق سنة 1936 نقلت مرة من بغداد إلى البصرة إثر خصومة بيني وبين مفتش دخل علي الفصل فسمع الدرس. فلما خرجنا (نافق) لي وقال أنه معجب بكتاباتي وفضلي. (ونافقت) له فقلت إني مكبر فضله وأدبه. وأنا لم أسمع اسمه من قبل. ثم شرع ينتقد درسي قفلت: ومن أنت يا هذا؟ وقال لي وقلت له..


وكان مشهدا طريفا أمام التلاميذ.. رأوا فيه مثلا أعلى من (تفاهم) أخوين، وصورة من التهذيب والأخلاق. ثم كتبت عنه مقالة كسرت بها ظهره، فاستقال و (طار) إلى بلده، ونقلت أنا عقوبة إلى البصرة.


وصلت البصرة فدخلت المدرسة، فسألت عن صف (البكالوريا) بعد أن نظرت في لوحة البرنامج ورأيت أن الساعة لدرس الأدب. توجهت إلى الصف من غير أن أكلم أحدا أو أعرفه بنفسي.


فلما دنوت من باب الصف وجدت المدرس، وهو كهل بغدادي على أبواب التقاعد، يخطب التلاميذ يودعهم وسمعته يوصيهم (كرما منه) بخلفه الأستاذ الطنطاوي، ويقول هذا وهذا ويمدحني... فقلت: إنها مناسبة طيبة لأمدحه أنا أيضا وأثني عليه ونسيت أني حاسر الرأس وأني من الحر أحمل معطفي على ساعدي وأمشي بالقميص بالأكمام القاصر، فقرعت الباب قرعا خفيفا، وجئت أدخل. فالتفت إليّ وصاح بي ايه زمال وين فايت؟ (والزمال الحمار في لغة البغداديين) فنظرت لنفسي هل أذني طويلتان؟ هل لي ذيل؟… فقال: شنو؟ ما تفتهم (تفهم) أما زمال صحيح. وانطلق بـ (منولوج) طويل فيه من ألوان الشتائم ما لا أعرفه وأنا أسمع مبتسما.


ثم قال تعال لما نشوف تلاميذ آخر زمان. وقف احك شو تعرف عن البحتري. حتى تعرف إنك زمال ولاّ لأ؟


فوقفت وتكلمت كلاما هادئا متسلسلا، بلهجة حلوة، ولغة فصيحة. وبحثت وحللت وسردت الشواهد وشرحتها، وقابلت بينه وبين أبي تمام وبالاختصار، ألقيت درسا يلقيه مثلي.. والطلاب ينظرون مشدوهين، ممتدة أعناقهم، محبوسة أنفاسهم، والمدرس المسكين قد نزل عن كرسيه وانصب أمامي، وعيناه تكادان تخرجان من محجريهما من الدهشة، ولا يملك أن ينطق ولا أنظر أنا إليه كأني لا أراه حتى قرع الجرس..


قال: من أنت؟ ما اسمك؟ قلت: علي الطنطاوي؟


وأدع للسامعين الكرام أن يتصوروا موقفه!


والبصرة (بندقية العرب) فيها مع كل شارع قناة. فأنت إن شئت انتقلت بحرا، وإن شئت سرت برا، وفيها شط العرب، لا يعدل جماله وأنت تخطر فيه العشية بهذه الزوارق الحلوة مكان في الدنيا. والبصرة كانت دار الأدب، ومثابة الشعر ومنبع العربية، وتاريخها تاريخ البيان العربي، ولكن أيامي في البصرة، كانت شقاء دائما، وكانت إزعاجا مستمرا. ولي فيها أحاديث مضحكات، وأحاديث مبكيات، ولولا أن أجاوز هذه الدقائق التي منحتني إياها المحطة لعرضت لأحاديثها.


ولكن لا، ولك أيتها الإذاعة الشكر على أن حددت الوقت، فتركتني أتعلل بذكريات أمسي وحدي، وأن أعيش في ماضي على هواي، لا يراقبني المستمعون ولا يشاركني لذة الادكار أحد.



بقلم: علي الطنطاوي
رد مع اقتباس
قديم 23-05-2011, 03:26 AM   #2
خاطربن سعد
 
الصورة الرمزية خاطربن سعد
 







 
خاطربن سعد is on a distinguished road
افتراضي رد: قصص طريفة من علي الطنطاوي

بارك الله فيك
ورحم الله الشيخ العلامه علي الطنطاوي فقد كان يطل علينا كل رمضان وكنا نجلس على مائدة الإفطار ننتظر إطلالته الجميلة وكلامه العذب رحمه الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
{لغــــ الكــلام ـــــــة كمـــا رأيت علـــ فمــي ـــــى
خجلــــــــى ولـــولا الحـــــــب لــــ أتكلـــم ــــــــم }
أخر مواضيعي
خاطربن سعد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-05-2011, 08:06 AM   #3
س+2س=3س
 







 
س+2س=3س is on a distinguished road
افتراضي رد: قصص طريفة من علي الطنطاوي

مشكور أبو جوري وبارك الله فيك
ورحم الله الشيخ علي الطنطاوي
س+2س=3س غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : قصص طريفة من علي الطنطاوي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حصرياً : 20 مقطع صوت للشيخ علي الطنطاوي MP3 خليل الحريري صوتيات - مرئيات - فلاشات إسلامية 5 08-12-2010 02:06 AM
اخي العضو ادخل لتعرف من هو الشيخ محمد الطنطاوي شيخ الازهر واعماله الكبيره ابو اسامة الزهراني المنتدى العام 12 11-03-2010 05:06 PM
مقالة للشيخ : علي الطنطاوي نشرت قبل 50 سنة أبوهاني الإسلام حياة 15 03-02-2008 09:15 PM
مقالة جميلة للشيخ علي الطنطاوي كتبهاعام1956م أخوالبشيري المنتدى العام 6 02-12-2007 09:22 PM


الساعة الآن 08:36 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved