منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > المنتدى العام

وشاية الغربة ملحمة الجوع والتمرد ( قراءة نقدية )


المنتدى العام

موضوع مغلقإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 17-12-2007, 11:31 PM
اللجنة الإعلامية اللجنة الإعلامية غير متواجد حالياً
فريق عمل اللجنة الإعلامية
 






اللجنة الإعلامية is on a distinguished road
افتراضي وشاية الغربة ملحمة الجوع والتمرد ( قراءة نقدية )



وشاية الغربة ملحمة الجوع والتمرد ( قراءة نقدية )


عنوان القصيدة أي قصيدة عتبة نصية كبرى لايمكن المرور عليها هكذا دون التوقف عندها طويلاً وقصيدة «وشاية الغربة » للشاعر احمد قران الزهراني لابد من المرور بعنوانها؛ لنتعرف على معنى « الوشاية» أولاً، ثم نجيب عن تساؤلات عديدة تبعاً لذلك. هل الوشاية دائماً مغرضة وكيدية وكاذبة ؟ ولماذا استخدم الناص هذه اللفظة بالذات للتعبير عن البوح ؟ ولماذا أضافها إلى الغربة ولم يضفها إلى الغرباء ؟ تجيء الوشاية كمرادف للنميمة غالباً وهي : نقل الكلام بقصد الإفساد بداية . وقد جاء القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ليحرما النميمة، وورد في تراثنا الإسلامي أن رجلاً جاء إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وذكر عنده وشاية في رجل آخر، فقال له عمر : إن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة} وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية «هماز مشاء بنميم»، وإن شئت عفونا عنك . فقال : العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليها أبداً». وبقراءة القصيدة كاملة لا يبدو أن هذا هو المقصود، بل إن المقصود نقيض ذلك تماماً. إن إمكانيات اللغة العربية كبيرة جداً، والنص الشعري يتحايل عادة لاختيار المفردة الأنسب لمقاصده. إن الشاعر يدخل منطقة شائكة في اللغة هي منطقة الأضداد ؛ فـ«وشاية» فيها مزاوجة التضاد، فكأن الشاعر جعلها من الكلمات الأضداد؛ حيث تتخطى الذات الشاعرة الشائع المعروف من الصفات، وتدخل إلى منطقة تتجاوز فيها المعتاد ؛ لتصبح الوشاية هنا وشاية من نوع خاص جاءت بحروف صادقة، حيث تبرهن القصيدة هذا المعنى بسرد صادق يشي بنقاء السريرة التي هي سمة كل مبدع حقيقي. إنها وشاية الروح الشاعرة بلا كلام فالشاعر يرصد المشاهدات بلا تعليق ؛ فيترك للمتلقي المبدع حيزاً كبيراً لملء الفراغ الدلالي المسكوت عنه، فتكون الكلمة أبلغ لمقاصد المحتوى. ثم يضيفها إلى الغربة، وإضافتها إلى الغربة وليس إلى الغرباء أي إلى الإحساس والشعور بالاغتراب لا إلى الأشخاص ؛ لأن الإنسان قد يكون في وطنه وبين أهله وعشيرته ولكنه يشعر بالغربة، والعكس صحيح فقد يكون نازحاً عن وطنه وأهله لكنه قد يلقى أناساً يفوقون أهله وعشيرته قرباً منه فلا يشعر بالغربة . إذاً فمنذ العنوان هيأ الناص المتلقي لاستقبال كل وافد جديد سيرد في النص بعد ذلك ؛ فالنص كله تحكمه هذه السياسة الشعرية الخاصة، وكأن الذات الشاعرة تأخذ الحيطة من كل ما هو مألوف ؛ لتدخل منطقة التحديث. 1- دلالات النص: إن القارئ الناقد ليعجز عن مواكبة نص شعري يحاول بالصمت بلوغ الحد الأقصى من الوشاية ؛ لكن كما أن الخوف من القتل يغدو محرضاً على استيلاد الحياة يكون التحدي القرائي إذا جازت التسمية هو المحرض الحقيقي لقراءة هذه القصيدة. في هذه القصيدة حول الشاعر النص الشعري من لغة وصفية إلى أداة للتخاطب مع القارئ بداية من العنوان، فالناص يتوسل بكل أساليب اللغة حتى يصور للمتلقي الكارثة التي نعيشها في واقعنا الراهن، وقد اختار لهذا التصوير لفظة «وشاية» بكل ما لهذه اللفظة من حمولات دلالية منذ الزمن القديم ؛ فيصبح للبوح هنا دلالة مختلفة ؛ حين يجد القارئ أن استخدام هذه اللفظة بالذات معبر أكثر من غيره ؛ فالسياسات الاستعمارية تسعى دائماً للتكتم على جرائمها في حق الإنسانية، حينئذ يصبح البوح بما يحدث داخلأ ضمن المسكوت عنه ؛ وهنا يتضح ما لفعل الوشاية من دلالة ولأن ما حدث وما هو حادث أكبر بكثير من أن يحده لفظ، سعت الذات الشاعرة إلى الحفر في اللغة، وفيما وراء اللغة لتحاول تصوير هذا الواقع ؛ فتعالق الصمت والبوح في إلماح أقرب من الإفصاح ؛ لتسقط في النهاية كل الأقنعة ويظهر الوجه الطاهر للحياة. وكما تلوذ الذات الشاعرة بالوشاية كأداة للإفصاح عن الواقع والمخبأ في النفس معاً، تخترق الأغنيةـ باعتبارها مجالاً للتواصل وحيزاً للتناص القصيدة، فينشأ حوار مستفيض بين ما قبلها من الأبيات وما بعدها وبينها، فتكون كشرطتي الجملة الاعتراضية تفسر ما سبق وترهنه، وتستشرف ما سيأتي وتعمق معناه .. إن «وشاية الغربة» تؤسس لزمن استذكاري، استرجاعي، واقعي، استشرافي جديد ؛ فهي تستذكر ما حدث في التاريخ القديم من مآسي وخراب ودمار، وتربطه بما هو حادث الآن، وتستشرف ما سيأتي به المستقبل كذلك على ضوء الأحداث الجارية، كل ذلك بفعل المرور « مروا » الذي تكرر مرات عديدة في النص، والذي أعتبره الكلمة المفتاحية في النص كله ؛ لأنه يؤسس بسياق جامع هذا الوعي الزمني ويجعل له حدوداً واضحة. 2- القصيدة: كما سبقت الإشارة فإن فعل « مروا» الذي يكرر أكثر من سبع مرات في القصيدة هو الكلمة المفتاحية للنص كله، فهو صدى للاستعادة التي تصل الأزمنة بعضها ببعض، وكل مقطع من القصيدة بالمقطع التالي ؛ فهؤلاء الغرباء يمرون صامتين على باب المدينة، الباب الموصد على خزائن الضمائر و خبايا النفوس الجشعة ؛ لأن الحكومات المستبدة كما هومعروف تتقدم دائماً محفوفة بالصخب وضجيج الألسنة المتصاعد الذي يدين هؤلاء الصامتين الرافضين متهمين إياهم بعدم المشاركة في هذه السيمفونية التي يراد لها أن ترتفع على أصوات الأنين المنبعثة من حناجر الجوعى والمتعبين، فيصبح معنى الغربة هنا أن تتألم ولا تتكلم! فيستنطقون السنابل والأرصفة والشرفات وطرقات المدينة، وإذا علت أصواتهم فلا يكون ذلك إلا لقراءة قصائد كتبها الغرباء من أمثالهم، بعد أن ماتوا ؛ علهم يعودون إلى الحياة. مروا على باب المدينة عابرين سبيلهم يستنطقون سنابل الجوعى كأن ملامح الغرباء ليل مجدب وكأن أرصفة المدينة شرفة للعابرين إلى أقاصي الوجد موشومون بالحمى لهم صوت الخريف يرددون قصائد الموتى فعل المرور هنا لا بد أنه كان مقابلاً لمرور حضارات كثيرة بعالمنا العربي والإسلامي، لكنها مرت مرور الكرام ولم نستفد منها، وجاء هؤلاء الغرباء في آخر الزمان ليقرؤوا تاريخ الغزاة المسطر على الجدران، وهم ضائعون لا يعرفون لم هم معلقون بأوطان هم غرباء فيها، هذه الأوطان التي تمتلئ بسنابل القمح ورائحة الجوع والمرض تزكم الأنوف، ولا يعرف القارئ بالتالي هل هم أحياء ؟ أم هذه جثثهم خرجت من قبورهم لتسائل المتخمين بالشبع واللهو والترف ؟ وعندما تتعاظم الرغبة في الإفشاء والبوح ينتقل الناص من ضمير الغائب «هم «إلى ضمير المخاطب «أنت» أو «أنتم» وهي حيلة أسلوبية تستخدم عادة في السرد القصصي نقلها الناص إلى الشعر بحرفية عالية: مد عينيك كي تستفيق النجوم على أغنيات الصباح مد كفيك حتى تحيل التراب إلى جنة من نخيل مباح اسأل الروح عن حالة الراحلين، ولملم ملامحهم من هجير الرياح اسكن الجرح، نافح عن المتعبين ، وهيئ لهم وطناً في البطاح وكأن الذات الشاعرة تطلب من المخاطب الذي يتحول إلى مروي عليه أن يعين هؤلاء الغرباء ويزوده بإمكانات سحرية ؛ ليحيل التراب إلى غابة من نخيل ليأكل هؤلاء الجوعى و المشردون. هذه الحوارية تحول الأنا الشاعرة إلى الأنت، ولذلك دلالات كبيرة ؛ فالشاعر يريد أن يغير الواقع، ويعيد ترتيب الوجود ؛ ولا يعني ذلك الإصلاح أو تصحيح الأوضاع فحسب، إنه يتجاوز ذلك بمراحل وكأنه يريد أن يبني المدينة الفاضلة الخاصة به. إنه إذاً يتجاوز كل هذه المعاني إلى الثورة، الثورة على كل الأنظمة والقوانين التي وضعها البشر ضد إخوانهم البشر، يريد أن يثور على قانون الغاب الذي لا يسلط إلا على الضعفاء العراة والبؤساء الذين لا يجدون ما يقتاتون عليه إلا حشو الأرض، بينما أبواب المدينة مغلقة على أرزاقها وخبزها وأفراحها وأناسها دونهم . هؤلاء الغرباء يسيرون في الكون كله : كانوا حفاة مروا على باب المدينة ليتهم قرؤوا جفاف الطين أشرعة القوارب حينما يتعانق العشاق لوحات الأساطير الرديئة سحنة السمار حين تباعدت خطواتهم نحو الغشاوة يرفلون فالشاعر يقارن بين حالهم وحال هؤلاء، ثم يعود مرة أخرى إلى توجيه الخطاب إلى المتلقي بالأغنية، كتواصل بين الحكمة والعبث، والمعنى واللامعنى، فهو هنا يختار أغنية قديمة، معانيها جميلة، في مخاطبة الصبايا الفاتنات، ثم يقابل بينها وبين أغنية حديثة موجهة للصغار السذج الذين لا يفقهون معنى الكلمات يختم بها القصيدة، ليختم النص بعد ذلك بجملة حكيمة : مروا عابرين إلى فضاء مشرع للغيب لا معنى ولا كلمات فكانت هذه الجملة هي العتبة النهائية التي يقف عندها المتلقي، وتثبت في ذهنه طويلاً عندما يعود إلى قراءة النص من جديد والنص بحاجة إلى قراءات متعددة يجد دلالة هذه الجملة الحكمية منذ أول كلمة في النص، فكأن القصيدة والحالة هذه دائرية الدلالة لا أول لها ولا آخر، حلقة متلاحمة من النعي والرثاء والعقل والحكمة والعبث والجنون. إن الشاعر لا يأخذ القارئ من يده بل يجره من عنقه جراً، إلى ما قبل البدايات، إلى عوالم ما قبل إبداع النص، إنه يجعله يقرأ التاريخ، كأنه يقول له: اقرأ التاريخ أولاً واستجمع بعقلك وروحك أحداثه المؤلمة، من ردهات السجون، وفظائع محاكم التفتيش، اسمع صرخات المعذبين، و أنين الموجوعين، ثم ادلف إلى نصي مزوداً بالآه والدموع. إن عنف النص لا بد أن يتطلب عنفاً آخر في التلقي من القارئ ليشارك الناص في عملية الإبداع. بذا سيصل المتلقي إلى أن هذه المدينة ليست مدينة حقيقية، بل هي مدينة متخيلة موغلة في التيه، وغارقة في السراب، ففيها تمارس كل الموبقات التي مورست في التاريخ الماضي والحاضر، فإذا مروا بهذه المدينة مروا حاسرين رؤوسهم، لا يريدون أن يرفعوا أعينهم ليروا هذه الآفات التي جعلتهم يعودون لا كما جاءوا، بل هم هذه المرة محملين بأوزار كثيرة، لم يكونوا بحاجة إليها ؛ فقد ضاعفت ما كانوا فيه من عذاب، فبعد أن جاؤوها أحياء « يرتلون قصائد الموتى « بدأوا يشعرون أنهم موتى « في أجفانهم سقم وفي أصواتهم لحن الوفاة». هنا تبرز الذات الشاعرة تحمل قنديلاً من أمل أخير وتوجه خطابها إلى المروي عليهم: كفكف الآه يا موقناً بالرحيل ولا تبتئس للجراح ضم كفيك من سوءة واحتجب طهر الأرض من دمك المستباح هات برد البدايات جمر النهايات ما عللته السنين العجاف وما شاكلته السنين الملاح وكأنهم كانوا ينتظرون هذه الكلمات الموحية الباعثة للحياة، هنا وقفوا وأوقفوا سرب الحمام والمعروف أن الحمام رمز السلام فكأنهم عثروا على العدالة أخيراً بوحي من كلمات الذات الشاعرة المتفائلة بالمستقبل الواعد للغرباء، وكأنه هنا يضمن البشارة التي أثرت عن الرسول عليه الصلاة والسلام للغرباء في آخر الزمان : قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الغرباء فقال : «الذين يحيون ما مات من سنتي»، وفي حديث آخر : «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء». هنا انتقلوا من حال إلى حال، من حال البؤس والضياع، إلى حال أخرى جديدة تماماً، هنا تبدو دلالات أخرى مختلفة لكنها تتساوق مع ما بدأ به النص، فهم يمرون في نهاية النص إلى فضاء مفتوح على الغيب لا يعرفون ماذا ينتظرهم به ولا يقاس بحالهم إلا الصغار السذج الذين لا يميزون بين نافع القول وساقطه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : وشاية الغربة ملحمة الجوع والتمرد ( قراءة نقدية )
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وشاية الغربة احمد قران الزهراني المنتدى الأدبي 10 29-07-2010 11:49 PM
الفقر في بني عدوان ...لماذا لي الجوع والقمح لك !!! ابو مصعب العدواني مجلس بني عدوان 23 10-06-2008 08:40 AM
قصة عن الغربة المؤلمة عاشق المربا المنتدى العام 4 23-05-2008 11:24 PM
نعلبو الجوع / من مطاعمنا القذرة ابو دوس المنتدى العام 23 26-09-2007 04:00 PM
الموت من الجوع الزرعي المنتدى العام 6 30-05-2007 12:07 AM


الساعة الآن 04:30 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved