منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > الإسلام حياة > أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1434هـ

العشر الاواخر


أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1434هـ

 
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 01-08-2013, 02:41 AM
زهران وافتخر زهران وافتخر غير متواجد حالياً
 






زهران وافتخر is on a distinguished road
افتراضي العشر الاواخر

[aldl]http://www.saaid.net/mktarat/ramadan/r10.jpg[/aldl]



ودخلت العشر الأخيرة من رمضان



بسم الله الرحمن الرحيم

ها هي أيام الشهر الفضيل تمضي بنا سريعاً نحو انقضاء ثلثه الثاني، فما أسرع مرور الأيام وتعاقب الأزمان، وإنها لآية للمعتبرين، وذكرى للذاكرين، وها هي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك تتراءى في الأفق مئذنة برحيل شهر انتظرناه، فكم كنا بلهفة واشتياق لاستقباله والأُنس بأيامه ولياليه، عقدنا الآمال فيه لزيادة الطاعات والقربات، ومحو الذنوب والسيئات، فيا سعادة من فاز بالقرب من ربه بكثرة الطاعات والقربات، ويا خسارة من تعلق بحبل الآمال وترك شريف الأعمال، وانشغل بالملهيات عن خير الليالي والأيام.

أيام عشرة أو أقل هي خاتمة هذا الشهر المبارك، فالضيف العزيز الذي طالما انتظرناه بدأ يلملم أيامه ولياليه استعداداً للرحيل، ولكن فضل الله عظيم، فما زال في ما بقي خير كثير لمن جدد النية وعقد العزم لاستغلال ما بقي من أيامه الغر ولياليه المباركات، فلعل هذه العشر الأخيرة من رمضان تشحذ الهمم وتسمو بالنفوس.

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال وقرب وطاعات، ومن جملة هذه الأعمال الفاضلة في هذه العشر المباركة :

- الاجتهاد بالطاعات والقربات:

فقد كان من هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يجتهد بالطاعات والقربات في هذه العشر ما لا يجتهده في غيرها من الأيام، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ))، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في هذه العشر أنه يحي ليله ويوقظ أهله لينالوا من رحمات الله وبركاته، فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها: (( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ)).

- الاعتكاف في هذه العشر:

كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال: )) كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ ))، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يْعَتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ))، وقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين يوماً.
قال الإمام الزهري - رحمه الله- : "عجباً للمسلمين تركوا الاعتكاف مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل".

- تحري ليلة القدر:

كان من هديه صلى الله عليه وسلم في هذه العشر الأخيرة من رمضان أنه يتحرى ليلة القدر، وهي أفضل ليالي العام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الْتَمِسُوهَا في الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ ))، فيا سعادة من نال بركتها وحظي بخيرها، ويستحب الإكثار من الدعاء فيها، فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ: (( قُولِى اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى)).

فينبغي أن نعقد العزم في هذه الأيام والليالي المباركات لاستدراك ما فات، ولنستعد لها بأفضل القربات، ولنملئها بأنواع الطاعات، لنفوز بجنة عرضها الأرض والسماوات، وليكُن همنا في هذه العشر الأخيرة من هذا الشهر المبارَك أن نُرِيَ الله منا خيراً، فالمحرومُ مَن حُرِم خيرها وبركتها، جعَلَنا الله ممَّن ينالون ثوابَها وأجرها.
قديم 01-08-2013, 02:43 AM   #2
زهران وافتخر
 







 
زهران وافتخر is on a distinguished road
افتراضي رد: العشر الاواخر

عظيم الأجر في اغتنام العشر
إعداد / د : أحمد عرفة
معيد بجامعة الأزهر


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:
فإن الله عز وجل اختص شهر رمضان بخصائص عظيمة عن غيره من الشهور، فهو شهر الصيام والقيام والقرآن ، وشهر الجهاد والانتصارات ، شهر الجود والخيرات والبركات والنفحات ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم الخير كله ، وفيه لله عز وجل فى كل ليلة عتقاء من النار ، ومن أفضل أيام وليالى هذا الشهر ، العشر الأواخر التى فيها ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر ، فما هو فضل هذه الأيام العشر ، وما هى الأعمال المستحبة فيها ، وكيف كان حال النبى صلى الله عليه وسلم مع هذه الأيام العشر الأواخر من رمضان.

أولاً : حال النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه العشر:

أخرج البخارى ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله) ([1]).
وفي رواية لمسلم عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره) ([2]).

قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصّ العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر فمنها:
أولاً:إحياء الليل:
فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله، وقد روي من حديث عائشة من وجه فيه ضعف بلفظ: (وأحيا الليل كله) وفي المسند من وجه آخر عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر ـ يعني الأخير ـ شمر وشد المئزر) ([3]).
وخرج الحافظ أبو نعيم بإسناد فيه ضعف عن أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شهد رمضان قام ونام، فإذا كان أربعا وعشرين لم يذق غمضا)([4]).
ويحتمل أن يريد بإحياء الليل إحياء غالبه.

وقال مالك في الموطأ: بلغني أن ابن المسيب قال: من شهد ليلة القدر يعني في جماعة فقد أخذ بحظه منها.

وقال الشافعي في القديم: من شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها.

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي:

وفي حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة.
وهذا يدل على أنه يتأكد إيقاظهم في أكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر.
وخرج الطبراني من حديث علي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة) ([5])

قال سفيان الثوري: أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل، ويجتهد فيه وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يطرق فاطمة وعليا ليلا، فيقول لهما: ألا تقومان فتصليان، وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر) وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء في وجهه.

ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشد المئزر:

واختلفوا في تفسيره فمنهم من قال: هو كناية عن شدة جده واجتهاده في العبادة، كما يقال فلان يشد وسطه ويسعى في كذا وهذا فيه نظر فإنها قالت: جد وشد المئزر فعطفت شد المئزر على جده.

والصحيح: أن المراد: اعتزاله النساء، وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون، منهم: سفيان الثوري.
وقد ورد ذلك صريحا من حديث عائشة وأنس، وورد تفسيره بأنه لم يأو إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان، وفي حديث أنس (وطوى فراشه واعتزل النساء) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم غالبا يعتكف العشر الأواخر.
والمعتكف ممنوع من قربان النساء بالنص والإجماع، وقد قالت طائفة من السلف في تفسير قوله تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) إنه طلب ليلة القدر.

قال الإمام ابن رجب رحمه الله:
والمعنى في ذلك: أن الله تعالى لما أباح مباشرة النساء في ليالي الصيام إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود أمر مع ذلك بطلب ليلة القدر، لئلا يشتغل المسلمون في طول ليالي الشهر بالاستمتاع المباح فيفوتهم طلب ليلة القدر، فأمر مع ذلك بطلب ليلة القدر بالتهجد من الليل، خصوصا في الليالي المرجو فيها ليلة القدر، فمن ههنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصيب من أهله في العشرين من رمضان ثم يعتزل نساءه، ويتفرغ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر([6]).

رابعاً: تأخيره للفطور إلى السحر:

وروي عنه من حديث عائشة وأنس: (أنه صلى الله عليه وسلم كان في ليالي العشر يجعل عشاءه سحورا) ([7]).

خامساً: اغتساله بين العشاءين:

روي من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بين العشاءين كل ليلة يعني من العشر الأواخر) وفي إسناده ضعف.

وقال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر.

وكان النخعي: يغتسل في العشر كل ليلة.
ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر، فأمر ذر بن حبيش بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان.

وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيّب ولبس حلة إزار أو رداء، فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل([8]).

وكان أيوب السختياني: يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين ويستجمر، ويقول: ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة، والتي تليها ليلتنا يعني البصريين.

وقال حماد بن سلمة: كان ثابت البناني وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيّبان، ويطيبون المسجد بالنضوح والدخنة في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.

وقال ثابت: كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم، وكان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.

قال الإمام ابن رجب رحمه الله:
فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجمع والأعياد، وكذلك يشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات، كما قال تعالى: ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ([9]).

وقال ابن عمر: الله أحق أن يتزين له([10]).

ثانياً: الأعمال المستحبة فى هذه الأيام :

1- الاعتكاف:
عن ابن عمر رضي الله عنهما : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان "([11]).
قال الإمام ابن بطال رحمه الله:
فهذا يدل على أن الاعتكاف من السنن المؤكدة ؛ لأنه مما واظب عليه النبى عليه السلام فينبغى للمؤمنين الاقتداء فى ذلك بنبيهم ، وذكر ابن المنذر عن ابن شهاب أنه كان يقول : عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف ، وإن النبى عليه السلام لم يتركه منذ دخل المدينة كل عام فى العشر الأواخر حتى قبضه الله ([12]).
وقال القاضى عياض رحمه الله:
وفيه استحباب كونه فى العشر الأواخر من رمضان لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك لقوله : (كان يعتكف) ، وأكثر ما يستعمل هذا فيما كان يداوم عليه ، مع ما دلت عليه نصوص الآثار من تكراره ، ولأن ليلة القدر مطلوبة فى تلك العشر([13]).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى) ([14]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين)([15]).
قال الإمام ابن رجب رحمه الله:
وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العشر التي يطلب فيها ليلة القدر قطعاً لأشغاله، وتفريغا للياليه، وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه.
وكان يحتجر حصيراً يتخلى فيها عن الناس فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم([16]).
فمعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الإنقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال، كان بعضهم لا يزال منفردا في بيته خاليا بربه فقيل له: أما تستوحش ؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني([17]).

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
ومقصود الاعتكاف وروحُه عكوفُ القلبِ على الله تعالى، وجمعيَّتُه عليه، والخلوةُ به، والانقطاعُ عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذِكره وحبه، والإقبالُ عليه فى محل هموم القلب وخطراته، فيستولى عليه بدلَها، ويصير الهمُّ كُلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكُر فى تحصيل مراضيه وما يُقرِّب منه، فيصيرُ أُنسه بالله بدَلاً عن أُنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوَحشة فى القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرحُ به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم([18]).

إن الاعتكاف وسيلة من وسائل التربية النبوية التى أرشدنا إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث أنه عنصر تهذيب ظاهر ويظهر ذلك فى الآتى:

أ- ففى الاعتكاف خروج من دائرة الحياة اليومية وتأثيرها الكبير على النفس وانشغالها ودورانها فى حركة لاتتوقف من أجل تحصيل مصالح الدنيا ومنافع العيش ، مما يجعلها تغفل عن المحاسبة والمراجعة والتعديل والإصلاح ، لذا كان فى الاعتكاف فرصة ذهبية لأن يراجع كل مسلم حياته فيرى نقاط الإجادة ونقاط التقصير والإهمال فيزيد من الأول وينقص من الآخر ما وسعه الجهد والطاقة.
ب- فى الاعتكاف عزلة محمودة تتيح للإنسان أن يخلو بنفسه وأن يحادثها عن أمانيه وأحلامه الماضية التى لم تتحقق كما يخبرها عن آماله فى المستقبل ، ويدرس ذلك بتأن وتؤده ، ويختار ما يستطيع أن يحققه ، فيستدرك ما قد يكون فاته، ويعزم على أن لايفوته فى المستقبل أن يرى آماله قد حققت فى أرض الواقع.
جـ-وفى الاعتكاف انشغال بما هو أهم وأجدى وأنفع للإنسان من قراءة القرآن وذكر الله وصلاة وقراءة عن أعلام الصحابة والسلف الصالح ، وفى ذلك تعويد له لأن يكون ذلك عادة حياته وفى مختلف مراحلها ، فيترك التوافه والصغائر والأمور غير ذى الجدوى أو ذات الجدوى القليلة ، التى بتركها لا يكون هناك تأثير ملحوظ على مسيرة الإنسان فى هذه الحياة.
د- والأهم مما سبق أن المعتكف يعتكف على طاعة الله ويقيم عليها مدة اعتكافه، فهو يعتكف فى أحب الأماكن إليه سبحانه (المساجد) ، ويقيم فيها على الطاعة والعبادة والابتهال والخضوع والخشوع ، فلا يكون همه إلا الله ولا مقصوده إلا إياه سبحانه ، ولا مراده سواه عز وجل ، وبحيث يخرج من الاعتكاف وقد اعتكف قلبه على طاعة الله فحسب ، لا ينظر ولا يقصد ولا يبتغى أحداً سواه ، فيكون منيباً إليه سبحانه([19]).

وفى ذلك يقول ذلك يقول ابن القيم رحمه الله كلمات مشرقة:

الإنابة هي عكوف القلب على الله عز و جل ، كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه ، وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبته وذكره بالإجلال والتعظيم وعكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة لرسوله .
ومن لم يعكف قلبه على الله وحده عكف على التماثيل المتنوعة كما قال إمام الخنفاء لقومه: ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ([20]) فاقتسم هو وقومه حقيقة العكوف ، فكان حظ قومه العكوف على التماثيل وكان حظه العكوف على الرب الجليل.
والتماثيل جمع تمثال ، وهو الصورة الممثلة ، فتعلق القلب بغير الله واشتغاله به،
والركون إليه عكوف منه على التماثيل التي قامت بقلبه ، وهو نظير العكوف على تماثيل الأصنام ، ولهذا كان شرك عباد الأصنام بالعكوف بقلوبهم وهممهم وإرادتهم على تماثيلهم.
فإذا كان في القلب تماثيل قد ملكته واستعبدته ، بحيث يكون عاكفاً عليها فهو نظير عكوف الأصنام عليها ، ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبداً لها ، ودعا عليه بالتعس والنكس ، فقال: (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم ، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش) ([21])([22]).

2- أن فى هذه الأيام ليلة القدر:

فضل ليلة القدر:
قال الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)) ([23]).
لماذا سميت بليلة القدر؟
سميت بذلك لأن اللّه تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره ، إلى مثلها من السنة القابلة ؛ من أمر الموت والأجل والرزق وغيره. ويسلمه إلى مدبرات الأمور ، وهم أربعة من الملائكة : إسرافيل ، وميكائيل ، وعزرائيل ، وجبريل. عليهم السلام.

وقيل : إنما سميت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها ، من قولهم : لفلان قدر ؛ أي شرف ومنزلة. قال الزهري وغيره.
وقيل : سميت بذلك لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً ، وثواباً جزيلاً.
وقال أبو بكر الوراق : سميت بذلك لأن من لم يكن له قدر ولا خطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها.
وقيل : سميت بذلك لأنه أنزل فيها كتابا ذا قدر ، على رسول ذي قدر ، على أمة ذات قدر.
وقيل : لأنه ينزل فيها ملائكة ذوي قدر وخطر.
وقيل : لأن اللّه تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة.
وقال سهل : سميت بذلك لأن اللّه تعالى قدر فيها الرحمة على المؤمنين.
وقال الخليل : لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة ؛ كقوله تعالى : {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أي ضيق([24]).
وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:
وفي تسميتها بليلة القدر خمسة أقوال :
أحدها : أنها ليلة العظمة ، يقال : لفلان قدر قاله الزهري . ويشهد له : وما قدروا الله حق قدره .
والثاني : أنه الضيق . أي هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون قاله الخليل بن أحمد ويشهد له : ومن قدر عليه رزقه .
والثالث : أن القدر الحكم كأن الأشياء تقدر فيها . قاله ابن قتيبة.
والرابع : لأن من لم يكن قدر صار بمراعاتها إذا قدر . قاله أبو بكر الوراق
والخامس : لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر وينزل فيها رحمة ذات قدر وملائكة ذوو قدر حكاه شيخنا علي بن عبيد الله ([25]).

واختلف في ليلة القدر والحكمة في نزول الملائكة في هذه الليلة:

إن الملوك والسادات لا يحبون أن يدخل دارهم أحد حتى يزينون دارهم بالفرش والبسط، ويزينوا عبيدهم بالثياب والأسلحة، فإذا كان ليلة القدر أمر الرب تبارك وتعالى الملائكة بالنزول إلى الأرض، لأن العباد زينوا أنفسهم بالطاعات بالصوم والصلاة في ليالي رمضان، ومساجدهم بالقناديل والمصابيح، فيقول الرب تعالى: أنتم طعنتم في بني آدم وقلتم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا) ([26]).
فقلت لكم: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) اذهبوا إليهم في هذه الليلة حتى تروهم قائمين ساجدين راكعين لتعلموا أني اخترتهم على علم على العالمين([27]) .
قال مالك: بلغني: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرى أعمار الناس قبله أوما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغه غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر) .
وقال النخعي: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر([28]).

وليلة القدر ليلة عظيمة مباركة اختصها الله عز وجل بفضائل وخصائص كثيرة عن غيرها من الليالى منها:


1- أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم في هذه الليلة، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}([29]).
عن ابن عباس - رضي الله عنهما-: "أن القرآن الكريم أُنْزِل في ليلة القدر جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلي بيت العزة في السماء الدنيا"([30]).

2- أن الله عز وجل العظيم؛ عظَّم شأنها وذكرها بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} أي: أن دراية علوها ومنزلتها خارج عن دائرة دراية الخلق، فلا يعلم ذلك إلا علام الغيوب جل جلاله.

3-إن العبادة والعمل الصالح فيها: من الصيام والقيام والدعاء وقراءة القرآن خيراً من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}([31]).
قال الإمام الطبري رحمه الله:
"عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر" ([32]).

4-ليلة القدر لا يخرج الشيطان معها:
ودليل ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشمس تطلع كل يوم بين قرني الشيطان إلا صبيحة ليلة القدر"([33]).
وفى رواية عند الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ"([34]).
وفى رواية ابن حبان عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها" ([35]).

ولذلك قال رب العالمين فيها: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر}([36]).
فهي ليله كلها خير وسلام، سالمة من الشيطان وأذاه
عن ابن عباس - رضي الله عنهما-: "في تلك الليلة تُصفَّد مردة الجن، وتُغلُّ عفاريت الجن وتفتح فيها أبواب السماء كلها ويقبل الله فيها التوبة لكل تائب "([37]).
وقال مجاهد: "هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوء ولا يحدث فيها أذى"([38]).
وقال أيضاً: "لا يُرسَل فيها شيطان ولا يحدث فيها داء" .

5-أن الملائكة والروح تَنَزَّل في هذه الليلة، قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}([39]).
والمقصود بالروح: هو جبريل عليه السلام .
وأخرج ابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليلة القدر ليلة السابعة أو التاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى، والملائكة تنزل بالرحمات والبركات والسكينة، وقيل: تتنزل بكل أمر قضاه الله وقدره لهذه السنة"([40]).

6- أن الأمن والسلام يحل في هذه الليلة على أهل الإيمان:
قال تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر}([41]).
واختلفوا في تفسير هذه الآية على أقوال:-
فقيل: سلام من الشر كله، فلا يكون فيها إلا السلامة، وقيل: تنزل الملائكة في هذه الليلة تسلم على أهل الإيمان، وقيل: لا يستطيع الشيطان أن يمسَّ أحداً فيها بسوء، وقيل غير ذلك.
عن الشعبي في قوله تعالى: { مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } قال: تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجر
وقال قتادة وابن زيد في قوله: {سَلامٌ هِيَ} يعني هي خير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر([42]).

وقال الإمام ابن العربي رحمه الله: بعد أن حكى ثلاثة أقوال فى سبب هبة ليلة القدر لهذه الأمة والمنة عليهم بها ، قال:
والصحيح هو الأول : أن ذلك فضل من الله ، ولقد أعطيت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الفضل ما لم تعطه أمة في طول عمرها ، فأولها أن كتب لها خمسون صلاة بخمس صلوات ، وكتب لها صوم سنة بشهر رمضان ، بل صوم سنة بثلاثين سنة في رواية عبد الله بن عمر وحسبما بيناه في الصحيح ، وطهر مالها بربع العشر ، وأعطيت خواتيم سورة البقرة من قرأها في ليلة كفتاه يعني عن قيام الليل ، وكتب لها أن من صلى الصبح في جماعة فكأنما قام ليلة ، ومن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة ، فهذه ليلة ونصف في كل ليلة ؛ إلى غير ذلك مما يطول تعداده .
ومن أفضل ما أعطوا ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ؛ وهذا فضل لا يوازيه فضل، ومنة لا يقابلها شكر([43]).

7-أنهـا ليلـة مبــاركة قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ }([44]).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله:
يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}([45]).
قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: يعني ليلة القدر أن مَن قامها إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه.

8- يتم فيها تقدير مقادير السنة:
قال تعالى:{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}([46]).
قال ابن رجب – رحمه الله :
روي عن عكرمة وغيره من المفسرين في قوله تعالى: { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}([47]).
أنها ليلة النصف من شعبان، والجمهور: على أنها ليلة القدر، وهو الصحيح. اهـ

3- تحرى ليلة القدر فى الليالى الوتر من هذه العشر:

وقد ورد فى فضل ليلة القدر وتحريها فى الليالى الوتر أحاديث كثيرة عن النبى صلى الله عليه وسلم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)([48]).
قال الإمام ابن بطال رحمه الله:
قوله : (إيمانًا) يريد تصديقًاً بفرضه وبالثواب من الله تعالى ، على صيامه وقيامه ، وقوله : (احتسابًا) ، يريد بذلك يحتسب الثواب على الله ، وينوى بصيامه وجه الله ([49]).

وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) ([50]).

وقد بين لنا النبى صلى الله عليه وسلم أن ليلة القدر ليست فى ليلة معينة وإنما أرشدنا إلى تحرى هذه الليلة المباركة وطلبها فى الليالى الوتر من العشر الأواخر وقد جاءت فى ذلك أحاديث كثيرة منها:
عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان »([51]).

عن ابن عمر - رضي الله عنها - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان متحرياً فليتحرها ليلة سبع وعشرين - أو قال - : تحروها ليلة سبع وعشرين »([52]).

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن رجلا أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام فأمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر ، فقال : « عليك بالسابعة »([53]).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين - وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه - قال: "من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر", فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف([54]) المسجد فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين"([55]).

قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله:
وفي الحديث دليل لمن رجح ليلة إحدى وعشرين في طلب ليلة القدر ومن ذهب إلى أن ليلة القدر تنتقل في الليالي فله أن يقول: كانت في تلك السنة ليلة إحدى وعشرين ولا يلزم من ذلك: أن تترجح هذه الليلة مطلقا والقول بتنقلها حسن لأن فيه جمعا من الأحاديث وحثا على إحياء جميع تلك الليالي([56]).

وعن زر بن حبيش قال : سمعت أبي بن كعب يقول : وقيل له إن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر ، فقال أبي : والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان يحلف ما يستثني ، والله إني لأعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها لا شعاع لها([57]).

وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : اعتكفنا مع النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان ، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال :
« إني رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها أو نسيتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر ، إني رأيت أني أسجد في ماء وطين فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع » فرجعنا وما نرى في السماء قزعة ، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد وكان من جريد النخل - وأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين ، حتى رأيت أثر الطين في جبهته([58]).

وعن عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها وإذا بي أسجد صبيحتها في ماء وطين » . قال : فمطرنا في ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف ، وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه([59]).

وعن أبي بكرة : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « التمسوها في تسع بقين أو سبع بقين ، أو خمس بقين ، أو ثلاث بقين ، أو آخر ليلة »([60]).

وعن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس فقال : « يا أيها الناس إنها كانت أبينت لي ليلة القدر ، وإني خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان فنسيتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، التمسوها في التاسعة ، والخامسة ، والسابعة »قال : قلت يا أبا سعيد : إنكم أعلم بالعدد منا ، فقال ! أجل نحن أحق بذلك منكم ، قال : قلت : ما التاسعة ، والسابعة ، والخامسة ؟ قال : إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها اثنان وعشرون فهي التاسعة ، فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة ، فإذا مضت خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة ([61]).

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
« التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى » ([62]).

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريا فليتحرها في السبع الأواخر »([63]).

وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال :
« خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة » ([64]).

قال الإمام البغوي رحمه الله :
وفي الجملة : أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا بالعبادة ليالي رمضان طمعا في إدراكها ، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ، وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس ، واسمه الأعظم في الأسماء ، ورضاه في الطاعات ليرغبوا في جميعها وسخطه في المعاصي لينتهوا عن جميعها وأخفى قيام الساعة ليجتهدوا في الطاعات حذرا من قيامها .
إذا تقرر هذا وعلمت ما ورد من الحث عليها ، فاعلم أنه ينبغي لكل موفق مريد للكمال والسعادة الأبدية أن يبذل وسعه ويستفرغ جهده في إحياء ليالي العشر الأخير وقيامها لعله أن يصادف تلك الليلة الجليلة التي اختص الله تعالى بها هذه الأمة ، وآتاهم فيها من الفضل ما لا يحصره العدد ([65]).

وقال الإمام البيهقى رحمه الله:
ومعنى ليلة القدر: الليلة التي يقدر الله تعالى لملائكته جميع ما ينبغي أن يجري على أيديهم من تدبير بني آدم ومحياهم ومماتهم إلى ليلة القدر من السنة القابلة وكان يدخل في هذه الجملة أيام حياة النبي صلى الله عليه وسلم أي يقدر فيها ما هو منزله من القرآن إلى مثلها من العام القابل .

فقال الله تعالى في وصف هذه الليلة : {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} أي مبارك فيها لأولياء الله عز وجل فإنها جعلت خيراً من ألف شهر أحيوها فقدروها حق قدرها واقطعوها بالصلاة وقراءة القرآن والذكر دون اللغو واللهو ثم قال: {إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم} أي كل أمر مبني على السداد والحكمة.
ومعنى {يفرق} يفصل ليكون ما يلقى إلى الملائكة في السنة مقدراً بمقدار يحصره عليهم([66]).

4 - علامات ليلة القدر:

عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله قال في ليلة القدر:«ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح شمسها صبيحتها ضعيفة حمراء»([67]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :«ليلة القدر ليلة السابعة أو التاسعة وعشرين وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى»([68]).
وعن زر بن حبيش قال : سمعت أبي بن كعب يقول : وقيل له إن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر ، فقال أبي : والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان يحلف ما يستثني ، والله إني لأعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها لا شعاع لها([69]).


زهران وافتخر غير متواجد حالياً  
قديم 01-08-2013, 02:46 AM   #3
زهران وافتخر
 







 
زهران وافتخر is on a distinguished road
افتراضي رد: العشر الاواخر

صفوة الشهر

بلال بن عبد الصابر القديري

بسم الله الرحمن الرحيم

لن آتي بجديد لو قلت عن رمضان أنه ربيع العام وصفوة الشهور وبهجة الزمان , فذلك معلوم بداهة دلت عليه نصوص الوحي ووقائع الدهر وأحوال الناس, إقبالاً وعبادة والتزاماًُ , إلا أن مواسم الطاعات والنفحات يفضل بعضها بعضاً, ويسمو بعض الزمان على بعض , وقد تقرر بالاستقراء عند العلماء أن الأوقات الفاضـلة والأزمان المباركة أواخرها أفضل من اوائلها , فيوم الجمعة أعظم أيام الأسبوع , لكن أبرك ساعاته وأرجاه قبولاً للدعاء فيه آخر ساعة منه ، وأفضل الليل ثلثه الآخر, والسحر وهو السدس الآخر من الليل منَّوهٌ بشأنه, وهكذا فليس رمضان ببدع في ذلـك , فرمضان موسم إلا أن عشره الأخيرة هي صفوة الشهر, والعبرة بالخواتيم وهذه العشر خاتمة الشهر ودرَّته, ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها مالا يجتهد في غيرها, فكان يشوب العشرين بمنام وقيام, وأما هذه الليالي فيحييها كلها صلاة وتلاوة وذكراً, وفي الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ) رواه مسلم. وتصف أم المؤمنين عائشة حاله فتقول: كان إذا دخل العشر شد مئزره و أحيا ليله وأيقظ أهله. ومن دقيق عنايته بها انـقطـاعــه فيها عن دنيا الناس للاعتكاف , فمذ هاجر إلى المدينة إلى أن توفاه الله سبحانه ما ترك الاعتكاف, بل لتأكد هذه السنَة قضاها في شوال لمَّا لم يعتكف سنة في رمضان, ومن المؤسف جداً غفلتنا عن غنائم هذا الشهر وانشغالنا عن فضائل هذه الليالي, ولا أدل على ذلك من زحام الأسواق والطرق بالغادين الرائحين في تضييعٍ لزهرة من العمر إن ذهبت قد تعود أو لا.

بلغ بنا التفريط إلى حد تأجيلنا التَبَضُّع والتسوُّق وشواغل الدنيا إلى هذه الليالي, فبدل أن تُفَرَّغ الليالي لما هي له من العبادة , يتفرَغ ناسٌ فيها للتسوق, فذهبت معاني الروحانية والتماس ليلة القدر من حياة الكثيرين أو كادت, وإذا كان احتباس النفس بلزوم المعتكف والمكث فيه للعبادة شـاقَّاً على البعض فلا اقل من حبس النفس عن هيشات الأسواق وزحام الطرقـات في هزيع الليل, والتخلي عن المشاغل ولزوم المساجد طلبا لليلة القدر, وما أدراك ما ليلة القدر, إن المرء وهو يراغم النفس على الأنس بذكر الله, ويحتسبهـا في محَالِّ تنزل الرحمات هو في الحقيقة يُهَيِّئُها للأنس به سبحانه في وحشة القـبـور, يوم لا أنيس ولا جليس إلا العمل الصالح, وإذا آنس الله عبداً فلا وحشة عـليه.

وبعد فإن السباق يوم يقترب من نهايته يشتد عدو المتسابقين والمسارعين إلى جنات النعيم, أيُّهم يحظى بالقبول والرضوان , فكن في عدادهم فهم القوم لا يشقى بهم جليس, قبل أن يأتي عليك يوم تصبح فيه خبراً بعد عين, وأثراً بعد ذات, فتسكن بعد الدور القبور, وتأتي ليالي العشر ثانية وأنت رهين عملك حبيس قبرك, وكل آت قريب.


زهران وافتخر غير متواجد حالياً  
قديم 01-08-2013, 02:48 AM   #4
زهران وافتخر
 







 
زهران وافتخر is on a distinguished road
افتراضي رد: العشر الاواخر

درة العشر !



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي جعل رمضان درة العام والعشر الأواخر درة رمضان وليال الوتر درة العشر وليلة القدر درة الأوتار ؛والصلاة والسلام على من جعل للعشر الأواخر برنامجاً يختلف عن برنامجه في أول الشهر ؛قالت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحياء ليله، وأيقظ أهله" متفق عليه، وصح عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره".
لقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم وبهر العرب عامة وقريش خاصة بفصاحته وحلاوة كلامه وجميل خطابه ومع هذا لم يجد صلى الله عليه وسلم وصفاً يليق بمن لا يغتنم ليلة القدر غير أن يقول عنه (محروم).فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلمأتاكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عليكم صيامه ، تُفتح فيه أبواب الجنة ، و تُغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم) صحيح الجامع .
هذه الليلة الشريفة لم يزنها الله سبحانه بميزان الليالي ولا ميزان الأسابيع بل
وزنها بميزان الشهور فعجزت عنها عشرات الشهور ومئات الشهور بل زاد فضلها وعلا قدرها حتى تجاوزت في فضلها أعمار عامة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛قال تعالى ليلة القدر خير من ألف شهر).
وألف شهر تزيد على ثلاث وثمانين سنة .
وأعمار عامة أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الستين إلى السبعين وقليل منهم من يجاوز ذلك كما جاء في ذلك الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فكيف لا يكون محروماً من يفرط في اغتنام ليلة قد تكون في ميزان الله أطول من عمره .
ليلة صيف وما أقصر ليالي الصيف .
فيا أصحاب الهمم وياطلاب القمم ،يا تجار الآخرة :
اعلموا أن النية قد تكون أبلغ من العمل ؛ولم يبلونا ليعلم أينا أكثر عملا ؛وإنما لينظر أينا أحسن عملا ،فإن كنت تسمع عن الإتقان والجودة فقد حان والله وقتها وهذا أوانها ،فكن من أهلها ،كن كحال أبي موسى رضي الله عنه يوم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبرها
باستماعه لقرأته لو كنت أعلم أنك تستمع لي لحبرتها لك تحبيرا ).
فأين من يحبر عبادته في هذه العشر تحبيرا ؟
يا ابن الإسلام إن افتتحت شهرك بالإحسان فإياك إياك أن تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا .فتتكاسل وتتشاغل عند الحصاد وعند الاقتراب من نهاية السباق في شهر السباق .فأكثر القيام وأطل السجود وأرفع يديك واجعل دموع قلبك تسبق دموع عينيك وألزم الباب وتأدب في قرعه بالابتداء بالمحامد والثناء والتثنية بالصلاة على النبي الأمي الإمام مستفتح دار السلام ؛وتذكر أن غمسة واحدة في الجنة تنسي أشقى أهل هذه الدنيا كل ما كان فيها من آلام وكروب وأحزان .
وأبشروا وأملوا فإنكم ترجون رحيماً وتسألون كريماً ؛لو أعطى كل واحد منا مسألته لم ينقص ذلك مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر .
فيا باسط اليدين بالعطايا يا غافر الذنوب والخطايا اجعل كاتب هذه الأحرف وقارئها وناشرها وكل مسلم ومسلمة ممن يفوزون بفضل ليلة القدر ؛وقد خاب من حُرم .
زهران وافتخر غير متواجد حالياً  
قديم 01-08-2013, 02:51 AM   #5
زهران وافتخر
 







 
زهران وافتخر is on a distinguished road
افتراضي رد: العشر الاواخر

الحظ الوافر في إدراك مفاخر العشر الأواخر




بسم الله الرحمن الرحيم

لقد قارب الضيف الكريم أن يغادرنا ، بعد أن جعل أرواح المؤمنين تخفق إيمانا وخشية وتوبة وخشوعا ، وأكسبها شفافية ورقة وذلة وخضوعا ، لرب كريم رحيم غفور تعاظمت فيه مننه وعطاياه ، وتكاثرت في أيامه منحه وهداياه ، فالموفق من نال من خيراتها النصيب الأزكى ، وكال من بركاتها الكيل الأوفى ، وعبّ من فيوضاتها كؤوسا ملأى ، وحصّل من فتوحاتها المقام الأسمى ، وتقلّد في ظلالها الوسام الأعلى ، وحجز في قطار التوفيق والقبول الدرجات الأرقى ، وانخرط في قوافل المحظوظين المشمرين منذ اللحظات الأولى ، حتى أصبح بصدق إقباله وخالص أعماله من الفوز والوصول قاب قوسين أو أدنى ، ليكتب في سجل أهل الفلاح والتقوى ، ولينال شرف التيسير لليسرى ، ليقرّبه كل ذلك إلى الله زلفى ، فيكون من ذوي القربى ، اللذين غشيتهم رحمته وشملته مغفرته ، ودخلوا سباق التتويج ليعتق سبحانه رقابهم من النار.
فلا زالت الفرص قائمة والأبواب مشرعة ، ليستدرك المتخلف ويلتحق المحروم ويستيقظ الغافل، وقد دخلت العشر الأواخر بما تحمله من مفاخر ، لا يذق طعمها إلا صاحب الحظ الوافر ، فهل من مشمّر على ساعد الجد والاجتهاد ؟ ، لاستثمار ما بقي من موسم التحصيل والإمداد ، ليملأ خزائنه بكل ما لذ وطاب ، من موجبات الأجر والثواب ، ليختم له بالعزة والكرامة وينجو من الحسرة والندامة .
فأعط هذه العشر حصتها من التكريم ، لتقابلك تكريما بتكريم ، وأجعلها خير محصّلة لما سبق وأحسن خاتمة لما أينع وأورق ، وأحرص على مراعاة خصوصيتها ، فخصّها بنصيب من الجد والاجتهاد وإدراك ما فيها من بركات وكرامات ، لتتوالى عليك منها الهدايا والأمداد ، فليكن لك حظ وافر منها ، مقتديا بخير الخلق صلى الله عليه وسلم الذي كان إذا دخل العشر الأواخر شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله(البخاري).
فكن على خطاه ، لتنل أجر المتابعة وتشملك نفحات الليالي المباركات ، فالمحبون كانوا ينتظرونها ليعبروا عن صدق ولائهم :

قد مزق الحب قميص الصبر وقد غدوت حائرا في أمري
آه على تلك الليالي الغــــــــرّ ما كنّ إلا كليالي القــــــــدر
إن عدن لي من بعد هذا الهجر وفيّت لله بـــكل نـــــــــــــذر
وقام بالحمد خطيب شكــــــــري

فليقم خطيب شكرك في هذه الليالي والأيام فيلهج بالحمد قولا وفعلا بأنواع القربات وجلائل الطاعات والتي في مقدمتها:

1) ــ الاستجابة لنداء العشر الأواخر ومقابلته بالتشمير:

فهي تناديك بلسان الحال لتنبهك إلى عظيم الأفضال وكرم الإفضال من الكبير المتعال فتقول لكيا غيوم الغفلة عن القلوب تقشّعي ، يا شموس التقوى والإيمان أطلعي ، يا صحائف أعمال الصالحين ارتفعي ، يا قلوب الصائمين اخشعي ، يا أقدام المجتهدين اسجدي لربك وأركعي ، يا عيون المتهجدين لا تهجعي ، يا ذنوب التائبين لا ترجعي ، يا أرض الهوى ابلعي ماءك ويا سماء النفوس أقلعي ، يا بروق الأشواق للعشاق المعي ، يا خواطر العارفين ارتعي ، يا همم المحبين بغير الله لا تقنعي ، ويا همم المؤمنين أسرعي ، فطوبى لمن أجاب فأصاب وويل لمن طرد عن الباب وما دعي).

2) ــ ضبط الصوم على بوصلة القبول وتوفير شروطه:


قال ابن الجوزي رحمه اللهليس الصوم صوم جماعة الطعام عن الطعام ، وإنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام ، وصمت اللسان عن فضول الكلام ، وغض العين عن النظر إلى الحرام ، وكفّ الكفّ عن أخذ الحطام ، ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام ).
فأضبط بوصلة صومك بهذه المواصفات ، ليكون غيثا نافعا على صحراء قلبك الجرداء القاحلة ، فيردّها جنة فيحاء ناظرة ، تتوالى عليها موارد التوفيق ، فتكن وسيلة للقبول وسببا للوصول .

3) ــ تحرّي الليلة المباركة والحرص على قيامها:


ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قالمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه).
وعنه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال في شهر رمضانفيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم)(أحمد والنسائي).
وبما أن التماسها في العشر الأواخر وفي الليالي الوتر منها ، فليكن قيامها جميعها هو عربون تحرّيها ، ففي أيّ ليلة جاءت وجدت المحلّ مهيّأ ، لتحطّ فيه أنوارها وتملأه بأفضالها وتشمله بألطافها ، فتفكّ عنه قيود الأوزار وتسلمه صك العتق من النار ، فينجو بذلك من غضب الجبار.
فما عليه إلا أن يكتب اسمه في قوائم المقنطرين أو القانتين ، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قالمن قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)(أبو داود).

4) ــ مضاعفة خدمة المولى عز وجل ليرحل الضيف بالمدح والشفاعة:


فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قالالصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب ، منعته الطعام والشهوات فشفّعني فيه، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفّعني فيه، فيشفّعان)(أحمد والطبراني).

ترحّل الشهر وا لهفاه وانصرمــا واختص بالفوز في الجنات من خدما
وأصبح الغافل المسكين منكــــسرا مثلي فيا ويحه يا عظم ما حـــــــرما
من فاته الزرع في وقت البذار فما تراه يحصد إلا الهمّ والنــــــــــــــدما

وأحذر أن تجعل الصيام والقرآن خصماءك باستهتارك وغفلتك وهجرك ، بدل أن يكونا شفعاءك بإقبالك ويقظتك وملازمتك :
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور في يوم القيامة ينفخ

5) ــ ختمة خاصة بالعشر أو أكثر لمضاعفة الفرصة:


قال ابن رجب رحمه اللهفأمّا الأوقات المفضلة كشهر رمضان ، خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر ، أو في الأماكن المفضلة كمكة شرّفها الله لمن دخلها من غير أهلها ، فيستحب الإكثار من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان).

6) ــ إحياء سنة الاعتكاف فهي من خصوصيات العشر:


فلتحيي هذه السنة وليكن لك نصيب منها وإن قلّ ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى).
قال بن رجبوإنما كان يعتكف صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يطلب فيها ليلة القدر ، قطعا لأشغاله وتفريغا لباله وتخلّيا لمناجاة ربه وذكره ودعائه ، وكان يحتجر حصيرا يتخلى فيها عن الناس ، فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم..
فمعنى الاعتكاف وحقيقته : قطع العلائق عن الخلائق ، للاتصال بخدمة الخالق).

7) ــ زيادة الصدقات وإطعام الطعام لضمان الغرف وإجبار النقص:


فثمن غرف الجنة وأنت طالبها ورمضان ميدانها والعشر الأواخر فرصتها المواتية ، ما جاء عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قالإن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها .
قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ ، قال : لمن طيّب الكلام وأطعم الطعام و أدام الصيام وصلّى بالليل والناس نيام)(الترمذي وأحمد والحاكم).
فضاعف الصدقات وأطعم الطعام لتنل الغرف وتحقق الهدف وتنجو من التلف وتتأسى بخير من سلف الذي كان في رمضان كالريح المرسلة.
وفي العشر كذلك زكاة الفطر التي هي طهرة للصائم وطعمة للمساكين ، كما أن لها وظيفة أخرى ذكرها بعض العلماء المتقدمين فقالوا : صدقة الفطر كسجدتي السهو للصلاة ، فهي تجبر الصيام وتكمل النقص فيه ، تماما كما تفعل سجدتا السهو بالنسبة للصلاة.

8) ــ ألزم الدعاء والتضرع والمناجاة بالأسحار:


قال سفيان الثوري رحمه اللهالدعاء في تلك الليلة(ليلة القدر) أحبّ إليّ من الصلاة ، فإن جمع بين الصلاة والتلاوة والدعاء كان أفضل.
فلو استنشقت ريح الأسحار ــ في هذه الليالي ــ لأفاق قلبك المخمور ، فرياح هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين وأنفاس المحبين وقصص التائبين ، ثم تعود برد الجواب بلا كتاب .
فإذا ورد بريد برد السحر يحمل ملطّفات الألطاف ، لم يفهمها غير من كتبت له ، يا يعقوب الهجر قد هبّت ريح يوسف الوصل ، فلو استنشقت لعدت بعد العمى بصيرا ولوجدت ما كنت لفقده فقيرا.
لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا)(يوسف88) ، لبرز لهم التوقيع عليها لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(يوسف92).
وزاحم ابن القيم رحمه الله على الباب الذي اختار الدخول منه على مولاه ، لما قال عن نفسهدخلت على الله من أبواب الطاعات كلها ، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول ، حتى جئت باب الذل والافتقار ، فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ، ولا مزاحم فيه ولا معوق ، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته ، فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه).

9) ــ التماس العفو من العفوّ الكريم:


قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ، ما أقول؟
قال : قولي : اللهم إنك عفوّ تحب العفو فأعف عنّي)(الترمذي).
والعفو من أسماء الله تعالى وهو : المتجاوز عن سيئات عباده الماحي لآثارها عنهم ، وهو يحب العفو ، فيحب أن يعفو عن عباده ، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم على بعض ، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته.
قال يحي بن معاذ : لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه ، لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه.
يا رب عبدك قد أتـــــــــــا ك وقد أساء وقد هفا
يكفيه منك حيــــــــــــــاؤه من سوء ما قد أسلفا
حمل الذنوب على الذنـــــو ب الموبقات وأسرفـا
وقد استجار بذيل عفـــــــو ك من عقابك ملحــفا
يا رب فأعف وعافــــــــه فلأنت أولى من عفا

10) ــ الطمع في الجائزة وهي القبول والغفران والعتق من النار:


فيا أرباب الذنوب العظيمة ، الغنيمة الغنيمة ، في هذه الأيام الكريمة ، فما منها عوض ولا لها قيمة ، فكم يعتق فيها من النار ذي جريرة وجريمة ، فمن أعتق فيها من النار فقد فاز بالجائزة العميمة والمنحة الجسيمة ، يا من أعتقه مولاه من النار ، إياك أن تعود بعد أن صرت حرّا إلى رق الأوزار ، أيبعدك مولاك عن النار وأنت تتقرب منها ؟ ، وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها.

ومسك الختام نردد مع قوافل المحبين ونحدو مع العاشقين ونناجي مع العارفين ونلتمس مع التائبين ونرجو مع المستغفرين ، فنقول معهم يا شهر رمضان ترفق ، دموع المحبين تدفق ، قلوبهم من ألم الفراق تشقق ، عسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما احرق ، عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كل ما تخرّق ، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق ، عسى أسير الأوزار يطلق ، عسى من استوجب النار يعتق ، عسى رحمة المولى لها العاصي يوفق).
زهران وافتخر غير متواجد حالياً  
قديم 01-08-2013, 03:47 AM   #6
محمد يحيى
 







 
محمد يحيى is on a distinguished road
افتراضي رد: العشر الاواخر

الله يجزاك خير يارب

ويجعلها في ميزان حسناتك
محمد يحيى غير متواجد حالياً  
قديم 01-08-2013, 12:39 PM   #7
ابو عادل العدواني

إداري أول
 
الصورة الرمزية ابو عادل العدواني
 







 
ابو عادل العدواني is on a distinguished road
افتراضي رد: العشر الاواخر

جــــــــــزأك الله الــــجــــــــــــنــــــــة
وبـــــــــــارك الله فـــــــــــــــــيـــــــــــك
واسـأل الله الـعلي القديــر أن يعيننا
على صـــيــام وقيام شـهر رمـــضـــان المبارك
عـــلى الــــــوجـــــه الــــذي يــــــرضيــه عـــــــنـــــــا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع



أخر مواضيعي
ابو عادل العدواني غير متواجد حالياً  
قديم 02-08-2013, 01:15 PM   #8
بحر المكلا
 







 
بحر المكلا is on a distinguished road
افتراضي رد: العشر الاواخر

جزاك الله كل خير
بحر المكلا غير متواجد حالياً  
قديم 03-08-2013, 01:58 AM   #9
الأمـــيــر
 
الصورة الرمزية الأمـــيــر
 







 
الأمـــيــر is on a distinguished road
افتراضي رد: العشر الاواخر

شكرا جزيلا وبارك الله فيك ويعطيك العافية على الموضوع ..


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أخر مواضيعي
الأمـــيــر غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : العشر الاواخر
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فضل العشر الاواخر من رمضان ابن الملوك07 أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1431 هـ 3 16-09-2010 07:42 PM
العشر الاواخر من رمضان عبدالرحمن الخزمري أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1431 هـ 4 01-09-2010 03:01 PM
العشر.......... الاواخر......... والتسامــــــــــــح كوع نمله المنتدى العام 6 15-09-2009 10:15 AM
فضل العشر الاواخر من رمضان ابووافي أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1428هـ 8 02-10-2007 12:01 PM


الساعة الآن 08:53 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved