منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > الإسلام حياة

بَيْنَ الحَجِّ وَالحَيَاةِ الْدُّنْيَا ( خطبة جمعة )


الإسلام حياة

موضوع مغلقإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 04-11-2010, 09:15 PM
الصورة الرمزية ابراهيم السعدي
ابراهيم السعدي ابراهيم السعدي غير متواجد حالياً
 






ابراهيم السعدي is on a distinguished road
افتراضي بَيْنَ الحَجِّ وَالحَيَاةِ الْدُّنْيَا ( خطبة جمعة )



لفضيلة الشيخ /إبراهيم بن محمد الحقيل


28/11/1431
الْحَمْدُ لله الْرَّحِيْمِ الْغَفُوْرِ الْحَلِيْمِ الْشَّكُوْرِ؛ يَغْفِرُ لِلْعِبَادِ ذُنُوْبَهَمْ، وَيَحْلُمُ عَلَيْهِمْ فَيُمْسِكُ الْعَذَابَ عَنْهُمْ، وَيَرْضَى مِنْهُمْ الْعَمَلَ الْصَّالِحَ فَيَشكُرُهُمْ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ الْعَظِيمَةِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى آَلَائِهِ الْجَسْيمَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ؛ شَرَعَ الْمَنَاسِكَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمَنَافِعِهِمْ [وَأَذِّنْ فِي الْنَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوْكَ رِجَالَاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيْقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ] {الْحَجِّ:26-27} وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، عَلَّمَ أُمَّتَهُ المنَاسِكَ وَوَدَّعَهُمْ فِيْ حَجَّتِهِ الْعَظِيْمَةِ فَقَالَ ^:«لِتَأْخُذُوْا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِيْ لَعَلِي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ كَانُوْا أَحْرَصَ الْنَّاسِ عَلَى اتِّبَاعِ الْسُّنَّةِ، وَأَبْعَدَهُمْ عَنِ الْبِدْعَةِ، اخْتَارَهُمْ اللهُ تَعَالَى لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ، وَتَبْلِيْغِ دِيْنِهِ، وَعَلَى الْتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْتَّقْوَى مَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الْحَجِّ مَنْصُوْصٌ عَلَيْهِ فِيْ الْكِتَابِ الْعَزِيْزِ [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوْمَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيْهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوْقَ وَلَا جِدَالَ فِيْ الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوْا فَإِنَّ خَيْرَ الْزَّادِ الْتَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِيْ الْأَلْبَابِ] {الْبَقَرَةِ:197}.
أَيُّهَا الْنَّاسُ: مَنْ تَأَمَّلَ الْحَجَّ وَمَشَاعِرَهُ التِي جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى مَحَلَّاً لِمَنَاسِكِهِ وَتَعْظِيْمِ شَعَائِرِهِ بَانَ لَهُ أَنَّ رِحْلَةَ الْحَجِّ رِحْلَةٌ مُصَغَّرَةٌ لْحَيَاةِ الْإِنْسَانِ فِي الْدُّنْيَا، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ فِيْ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا يَسِيْرُ كَمَا يَسِيْرُ الْحَاجُّ مِنْذُ أَنْ يَتَلَبَّسَ بْنُسِكِه إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ مِنْهُ.
وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى بَنِي آَدَمَ مِنَ الْدُّنْيَا، وَبَيَّنَ أَنَّهَا مَتَاعُ الْغُرُوْرِ [وَمَا الْحَيَاةُ الْدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُوْرِ] {آَلِ عِمْرَانَ:185} وَهُوَ مَتَاعٌ قَلِيْلٌ زَائِلٌ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى [أَرَضِيْتُمْ بِالْحَيَاةِ الْدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا فِيْ الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيْلٌ] {الْتَّوْبَةَ:38} وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِيْ الْكَافِرِيْنَ [مَتَاعٌ قَلِيْلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ] {آَلِ عِمْرَانَ:197} فَكَذَلِكَ الْحَجُّ يَكُوْنُ فِيْ أَيَّامٍ مَعْدُوْدَةٍ ثُمَّ تَنْتَهِي [وَاذْكُرُوْا اللهَ فِيْ أَيَّامٍ مَّعْدُوْدَاتٍ] {الْبَقَرَةِ:203} لَكِنَّ كَثِيْرَاً مِنَ الْنَّاسِ يَنْسَوْنَ وَيَغْفُلُونَ وَلَا يَشْعُرُوْنَ بِسُرْعَةِ انْتِهَاءِ الْدُّنْيَا فَأَمَلُهُمْ فِيْهَا طَوِيْلٌ..
إِنَّ رِحْلَةَ الْحَجِّ تُذَكِّرُ مَنْ تَيَسَّرَتْ لَهُ سَيْرَهُ إِلَى الله تَعَالَىْ، وَإِنَّ مَشْهَدَ الْحَجِيْجِ وَهُمْ مُحْرِمُوْنَ بِالنُّسُكِ وَيَنْتَقِلُوْنَ فِيْ مِنَاسِكِهِمْ مِنْ مَشْعَرٍ إِلَى آَخِرَ إِلَى انْتِهَائِهِمْ مِنْ مَنَاسِكِهِمْ لِيُذكِّرُ مَنْ يَرَاهُمْ بِسَيرِ الْلَّيَالِي وَالْأَيَّامِ بِالْنَّاسِ إِلَى قُبُوْرِهِمْ.
إِنَّ لِلْدُّنْيَا بِدَايَةً وَلَهَا نِهَايَةً، وَبِدَايَتُهَا مِنْذُ وِلَادَةِ الْإِنْسَانِ، وَتَنْتَهِي بِمَوْتِهِ لِيَنْتَقِلَ إِلَى دَارٍ أُخْرَى، وَالْحَاجُّ حِيْنَ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى الْحَجِّ فَهُوَ يَخْلَعُ مُلَابِسَهُ لِيَعِيْشَ حَيَاةً جَدِيْدَةً بِالنُّسُكِ لَهَا خَصَائِصُهَا وَلِبَاسُهَا وَأَعْمَالُهَا..
وَالْإِنْسَانُ فِيْ الْدُّنْيَا عَبْدٌ لله تَعَالَىْ شَاءَ أَمْ أَبَى، وَالمُؤْمِنُ قَدْ رَضِيَ بِعُبُوْدِيَّتِهِ لله تَعَالَى، وَمُقْتَضَى قَبُوْلِهِ بِهَا يُلْزِمُهُ بِوَاجِبَاتٍ يَفْعَلُهَا، ومَنْهِّيَاتٍ يَجْتَنِبُهَا، وَحُدُوْدٍ يَقِفُ عِنْدَهَا [وَتِلْكَ حُدُوْدُ الله وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُوْدَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ] {الْطَّلَاقِ:1}.
وَالْحَاجُّ حِيْنَ يَتَلَبَّسُ بِإِحْرَامِهِ فَقَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِمَنَاسِكِهِ، وَأَعْلَنَ الْتِزَامَهُ بِهَا حِيْنَ قَالَ: لَبَّيْكَ الْلَّهُمَّ لَبَّيْكَ، أَيْ: اسْتَجَبْتُ لَكَ يَا رَبُّ، وَعَلَيْهِ أَرْكَانٌ وَوَاجِبَاتٌ لَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهَا، وَمَحْظُوْرَاتٌ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِنَابِهَا مَادَامَ مُتَلَبِّسَاً بِالْإِحْرَامِ، فَهَذَا الِالْتِزَامُ بِفِعْلِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَوَاجِبَاتِهِ، وَاجْتِنَابِ مَحْظُوْرَاتِهِ، هُوَ تَرْبِيَةٌ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الِالْتِزَامِ الْدَّائِمِ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَمُجَانَبَةِ المُحَرَّمَاتِ؛ فَإِنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَتَعْظِيْمِ شَعَائِرِهِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِالْتِزَامِ بِتَعْظِيْمِ حُرُمَاتِ الله تَعَالَى فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَالُمَحَافَظَةِ عَلَى أَوَامِرِهِ، وَمَنْ مَنَعَ نَفْسَهُ أَثْنَاءَ إِحْرَامِهِ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَىَ مَنْعِ نَفْسِهِ مِنَ المُحَرَّمَاتِ طِيَلَةَ عُمُرِهِ.
وَانْتِقَالُ الْحَاجِّ مِنْ نُسُكٍ إِلَى نُسُكٍ يَذَكِّرُهُ بِانْتِقَالِهِ فِيْ حَيَاتِهِ الْدُّنْيَا مِنْ طَاعَةٍ إِلَى طَاعَةٍ.. فَالْحَاجُّ تَثْقُلُ عَلَيْهِ المَنَاسِكُ فَإِذَا أَخَذَ نَفْسَهُ بِالْعَزْمِ، وَعَوَّدَهَا عَلَى الْحَزْمِ؛ أَتَى بِالمَنَاسِكِ عَلَى خَيرِ وَجْهٍ، وَتَحَمَّلَ فِيْهَا المَشَاقَّ وَالمَكَارِهَ، حَتَّى يُتِمَّ نُسُكَهُ عَلَى أَفْضَلِ وَجْهٍ. وَمَنْ تَقَاعَسَ وَتَثَاقَلَ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ المَنَاسِكُ وَلَرُبَّمَا أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَوْ تَرْكَ مَا يُنْقِصُ نُسُكَهُ أَوْ يُبْطِلُهُ، وَهَكَذَا المُؤْمِنُ إِذَا أَخَذَ نَفْسَهُ بِالْحَزْمِ فِيْ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ المُحَرَّمَاتِ هَانَتْ عَلَيْهِ وَاعْتَادَهَا وَوَجَدَ لَذَّتَهَا كَمَا يَجِدُ الْحَاجُّ لَذَّةَ إِتْمَامِ النُّسُكِ.. وَإِذَا تَثَاقَلَ عَنْ بَعْضِهَا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى يُفْرِّطَ فِي الْوَاجِبَاتِ وَيَقَعَ فِيْ المُحَرَّمَاتِ.
وَلِلْحَجِّ أَيَّامٌ وَفِيْ أَيَّامِهِ أَعْمَالٌ؛ فَفِيْ أَوَّلِهِ الإحْرَامُ وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالْسَّعْيُ بَيْنَ الْصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ الِانْتِقَالُ فِيْ الْيَوْمِ الْثَّامِنِ إِلَى مِنَىً، وَالمَبِيْتُ بِهَا لَيْلَةَ الْتَّاسِعِ، وَالمَسِيرُ إِلَى عَرَفَةَ فِيْ صُبْحِهَا وَالْوُقُوْفُ بِهَا إِلَى مَغِيْبِ الْشَّمْسِ، ثُمَّ المَبِيْتُ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ الْنَّحْرِ، وَالْرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالْنَّحْرُ وَالْحِلُّ وَالْطَّوَافُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ الْعِيْدِ، ثُمَّ الْعَوْدَةُ إِلَى مِنَىً لِلْمَبِيْتِ بِهَا وَرَمِيُ الْجِمَارِ، إِلَى أَنْ يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالْطَّوَافِ فِيْ آَخِرِ حَجِهِ..
كُلُّ هَذِهِ الْتَّنَقُّلَاتِ الْزَّمَانِيَّةِ وَالمَكَانِيَّةِ فِيْ الْحَجِّ تُذَكِّرُ المُؤْمِنَ بِانْتِقَالِهِ مِنْ زَمَنٍ إِلَى زَمَنٍ فِيْ مَرْضَاةِ الله تَعَالَى، وَمِنْ طَاعَةٍ إِلَى طَاعَةٍ، فَمَنْ صَابَرَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَمُجَانَبَةِ المُحَرَّمَاتِ فَهُوَ مُرَابِطٌ عَلَى عَهْدِهِ لله تَعَالَى، مُحَقِّقٌ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ [يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا اصْبِرُوا وَصَابِرُوْا وَرَابِطُوْا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ] {آَلِ عِمْرَانَ:200} .
وَالْحَاجُّ يَعْمَلُ فِي مَنْسَكِهِ عَمَلَاً كَثِيْرَاً، وَيَتَحَمَّلُ مَشَقَّةً كَبِيْرَةً، وَمَعَ ذَلِكَ يُتِمُّ المَنَاسِكَ المَأْمُوْرَ بِهَا، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ المُؤْمِنُ عَلَى الْدَّوَامِ فِيْ إِتْمَامِ الطَّاعَاتِ، وَلَا تُقَارَنُ مَشَقَّةُ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَهُوَ سَفَرٌ وَتِرْحَالٌ وَزِحَامٌ وَكَثْرَةُ تَنَقُلٍ.. لَا تُقَارَنُ بِالْعِبَادَاتِ الْأُخْرَى الَّتِي يَقُوْمُ بِهَا المُؤْمِنُ حَالَ إِقَامَتِهِ، فَكَيْفَ يَقْدِرُ كَثِيْرٌ مِنَ الْنَّاسِ عَلَى مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَلَا يَقْدِرُوْنَ عَلَى الِالْتِزَامِ بِالْطَّاعَةِ عَلَى الْدَّوَامِ وَهِيَ أَهْوَنُ مِنَ الْحَجِّ؟! وَكَيْفَ يَحْبِسُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْ مَحْظُوْرَاتِ الْإِحْرَامِ حَالَ تَلَبُسِهِمْ بِهِ وَفِيْ حَبْسِهِمْ لَهَا مِنَ الْرَهَقِ مَا فِيْهِ وَلَا يَقْدِرُوْنَ عَلَى مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُجَانَبُةُ سَائِرِ المُحَرَّمَاتِ التِي جَعَلَ اللهُ تَعَالَى فِيْ المُبَاحَاتِ مَا يُغْنِي عَنْهَا؟!
إِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ هُوَ أَنَّ المُتَلَبِّسَ بِالنُّسُكِ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَحِلُّ مِنْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ، فَيَقْهَرُ نَفْسَهُ فِيْ تِلْكَ الْأَيَّامِ الْقَلْائِلِ.. لَكِنَّهُ يَعْجَزُ عَنْ قَهْرِهَا عَلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى الْدَّوَامِ.. وَلَوْ أَنَّ المُؤْمِنَ اسْتَشْعَرَ سُرْعَةَ انْقِضَاءِ الْدُّنْيَا كَمَا تَنْقَضِي المَنَاسِكُ لِمَا طَالَ أَمَلُهُ فِيْهَا، ولاسْتَغْرَقَ زَمَنَهَا فِيْمَا يُرْضِي اللهَ تَعَالَى، وَجَانَبَ مَا يُسْخِطُهُ. وَقَدْ قَالَ الْنَّبِيُّ ^:«مَا الْدُّنْيَا فِيْ الْآَخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ فِيْ الْيَمِّ ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِيْ حَدِيْثِ آَخَرَ مَثَّلَ الْنَّبِيُّ ^ عَيْشَهُ فِي الْدُّنْيَا بِوَقْتِ الْقَيْلُولَةِ مِنْ قِصَرِهِ فَقَالَ ^:«مَالِيْ وَلِلْدُّنْيَا إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الْدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ-أَيْ نَامَ- فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِيْ يَوْمٍ صَائِفٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا»رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَفِيْ عُمْرَانِ مَشَاعِرِ المَنَاسِكِ أَيَّامَ الْحَجِّ بِالسَّاكِنِينَ عِبْرَةٌ أَيُّ عِبْرَةٍ.. فَمِنَىً وَمُزْدَلِفَةُ وَعَرَفَاتٌ خَالِيَةٌ مِنَ الْنَّاسِ طِيَلَةَ الْعَامِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْثَّامِنِ مِنْ ذِيْ الْحِجَّةِ تَقَاطَرَ الْنَاسُ عَلَى مِنْىً حَتَّى تَمْتَلِئَ بِهِمْ وَتَزْدَحِمَ، وَفِيْ صَبِيحَةِ الْتَّاسِعِ يَتَوَافَدُوْنَ عَلَى عَرَفَةَ فَمَا تَزُوْلُ الْشَمْسُ إِلَّا وَقَدْ اكْتَظَّتْ بِالْنَّاسِ، وَفِيْ الْلَّيْلِ تَمْتَلِئُ بِهِمْ مُزْدَلِفَةُ إِلَى فَجْرِ الْنَّحْرِ..
وَالْأَرْضُ حِيْنَ أَهْبَطَ اللهُ تَعَالَىْ عَلَيْهَا آَدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا الْسَّلامُ كَانَتْ خَالِيَةً مِنَ الْبَشَرِ، وَظَلَّتْ بِتَعَاقُبِ الْقُرُوْنِ تُعْمَرُ بِهِمْ إِلَى أَنْ بَلَغَتْ أَعْدَادُهُمْ فِيْ زَمَنِنَا سِتَّةَ مِلْيَارَاتِ نَسَمَةٍ، فَكَمْ فِيْ الْأَرْضِ مِنَ الْدُّوَلِ وَالمُدُنِ وَالْحَرَكَةِ وَالضَّجِيْجِ وَالْعُمْرَانِ؟! وَكُلُّ ذَلِكَ سَيَأْتِي عَلَيْهِ يَوْمٌ يَنْتَهِي حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَسَتَعُودُ الْأَرْضُ مَرَّةً أُخْرَى مُقْفِرَةً مِنَ الْبَشَرِ حِيْنَ يَأْذَنُ اللهُ تَعَالَىْ بِانْتِهَاءِ الْعَالَمِ الْدُّنْيَوِيِّ، وَانْتِقَالِ الْبَشَرِ إِلَى الْعَالَمِ الْأُخْرَوِيِّ.. فَمَا أَبْلَغَهَا مِنْ عَبْرَةٍ، وَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ عِظَةٍ لَوْ وَعَاهَا الْنَّاسُ وَعَقَلُوْهَا، وَهُمْ يَرَوْنَ الْحَجِيْجَ يَعْمُرُونَ المَشَاعِرَ المُقَدَّسَةَ فِيْ أَيَّامٍ مَعْدُوْدَاتٍ ثُمَّ يُفَارِقُونَهَا؟!
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَىْ أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلْعَمَلِ بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الاعْتِبَارَ بِمَا يَمُرُّ بِنَا، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ.
أَعُوْذُ بِالله مِنَ الْشَّيْطَانِ الْرَّجِيْمِ [وَمَا أُوْتِيْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا وَزِيْنَتُهَا وَمَا عِنْدَ الله خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُوْنَ] {الْقَصَصَ:60}
بَارَكَ اللهُ لي وَلَكُم....


الخُطْبَةُ الْثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَا عَلَى الْظَّالِمِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلَيُّ الْصَّالِحِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْنَّبِيُّ الْأَمِيْنُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْدِّيِنِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ [وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِيْنَ] {الْبَقَرَةِ:223} .
أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: تَتَوَالَى عَلَيْنَا مَوَاسِمُ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ لَنَتَزَوَّدَ فِيْهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الْصَّالِحَةِ مَا يَكُوْنُ طُمَأْنِيْنَةً لِيَوْمِنَا، وَذُخْرَاً لَغَدِنَا، وَخِلَالَ أَيَّامٍ قَلْائِلَ نَسْتَقْبِلُ عَشْرَ ذِيْ الْحِجَّةِ، وَهِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ، وَالْعَمَلُ الْصَّالِحُ فِيْهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِيْ سَائِرِ أَيَّامِ الْعَامِ؛ لِقَوْلِ الْنَّبِيِّ ^:«مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرَاً مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِيْ عَشْرِ الْأَضْحَى، قِيَلَ: وَلَا الْجِهَادُ فِيْ سَبِيِلِ الله؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِيْ سَبِيِلِ الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» فَبِمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيْثِ فَأَيُّ عَمَلٍ صَالِحٍ يَعْمَلُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ صَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ وَدُعَاءٍ وَصَدَقَةٍ وَبِرٍّ وَصِلَةٍ وَإِحْسَانٍ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ مَثِيْلِهِ فِيْ سَائِرِ الْعَامِ، حَتَّى كَانَ الْعَمَلُ الْصَّالِحُ فِيْهَا أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ فِيْ سَبِيِلِ الله تَعَالَى الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ.
وَأُمَّهَاتُ الْأَعْمَالِ الْصَّالِحَةِ تَجْتَمِعُ فِيْهَا؛ إِذْ هِيَ مَوْسِمُ الْحَجِّ وَهُوَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ الْخَامِسُ، وَيُشْرَعُ صِيَامُهَا وَلَا سِيَّمَا صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِذْ يَكَفِّرُ سَنَتَيْنِ المَاضِيَةِ وَالْبَاقِيَةِ. وَتَاجُ العَشْرِ وَخَاتِمَتُهَا الْعِيْدُ الْأَكْبَرُ وَهُوَ يَوْمُ الْنَّحْرِ وَالْتَقَرُّبِ إِلَى الله تَعَالَى بِإِرَاقَةِ دِمَاءِ الْأَنْعَامِ شُكْرَاً لله تَعَالَى عَلَى مَا هَدَى وَأَعْطَى.. [وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيْهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوْا اسْمَ الله عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوْبُهَا فَكُلُوْا مِنْهَا وَأَطْعِمُوْا الْقَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ] {الْحَجِّ:36}..
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىْ:«وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْسَّبَبَ فِيْ امْتِيَازِ عَشْرِ ذِيْ الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيْهِ وَهِيَ الْصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِيْ غَيْرِهِ»اهـ
وَمَنْ نَوَى أَنْ يُضَحِّيَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ مِنْ أَوَّلِ لَيَالِيْ الْعَشْرِ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئَاً؛ لما جَاءَ فِيْ حَدِيْثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ الْنَّبِيَّ ^ قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئَاً» وَفِيْ رِوَايَةٍ«فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرَاً وَلَا يَقْلِمَنَّ ظُفُرَاً»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَاجْتَهِدُوْا رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى فِيْ هَذِهِ الْعَشْرِ المُبَارَكَةِ، وَفَرِّغُوا فِيْهَا أَنْفُسَكُمْ لِلْأَعْمَالِ الْصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّ هِبَاتِ الْرَّحْمَنِ فِيْهَا كَثِيْرَةٌ، وَعَطَايَاهُ لِلْعَامِلِيْنَ جَزِيْلَةٌ [وَمَا تَفْعَلُوَا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوْا فَإِنَّ خَيْرَ الْزَّادِ الْتَّقْوَىْ وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِيْ الْأَلْبَابِ] {الْبَقَرَةِ:197}
وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
عود لسانكَ على ؛
* اللهم اغفِر لي *
فإن لله ساعات لايرد فيها سَائلاً
أخر مواضيعي
قديم 04-11-2010, 09:50 PM   #2
وردة الجنوب
 
الصورة الرمزية وردة الجنوب
 







 
وردة الجنوب is on a distinguished road
افتراضي رد: بَيْنَ الحَجِّ وَالحَيَاةِ الْدُّنْيَا ( خطبة جمعة )

شيخنا الفاضل
جزاك الله كل خيررر على كل حرف كتبته هنا
ودمت بحفظ الرحمن
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
قد أسقط ولكن ماخلقت كي أنحني لغير
(خالقي) مهما كانت الظروف أو الاسباب

مادأم هناك في ألسماء من
(سيحميني)
فاليس هنا في الأرض من
(سيبكيني)
أخر مواضيعي
وردة الجنوب غير متواجد حالياً  
قديم 06-11-2010, 10:47 AM   #3
الهيثم 07

قلم مميز
 
الصورة الرمزية الهيثم 07
 







 
الهيثم 07 is on a distinguished road
افتراضي رد: بَيْنَ الحَجِّ وَالحَيَاةِ الْدُّنْيَا ( خطبة جمعة )

جزيت خيرا
كلمات طيبه وموضوع رائع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اللهم ارحم أمواتنا واموات المسلمين


أخر مواضيعي
الهيثم 07 غير متواجد حالياً  
قديم 07-11-2010, 02:38 AM   #4
السلطانة
عضو متميز
 
الصورة الرمزية السلطانة
 







 
السلطانة will become famous soon enough
افتراضي رد: بَيْنَ الحَجِّ وَالحَيَاةِ الْدُّنْيَا ( خطبة جمعة )

جزاكـ الله خير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
السلطانة غير متواجد حالياً  
قديم 09-11-2010, 05:43 PM   #5
خليل الحريري
عضو متميز
 
الصورة الرمزية خليل الحريري
 







 
خليل الحريري is on a distinguished road
افتراضي رد: بَيْنَ الحَجِّ وَالحَيَاةِ الْدُّنْيَا ( خطبة جمعة )




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
خليل الحريري غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : بَيْنَ الحَجِّ وَالحَيَاةِ الْدُّنْيَا ( خطبة جمعة )
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
▇ ■๑‏ ..بَيْنَ الحَـَرفْ وَالنِّـزَاع الذَّاتِـِـِي .. ๑■▇ البرنسيسة المنتدى الأدبي 15 14-07-2009 11:30 PM
|؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛| أول خطبة جمعة على منبر الأقصى بعد تحريره على يد صلاح الدين الأيوبي |؛¤ّ أديب الإسلام حياة 9 28-01-2009 11:12 PM
خطبة رمضان فهد الغبيشي أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1428هـ 18 15-09-2007 01:04 PM
كل دمعة ولها نهاية...ونهاية اى دمعة ابتسامة الفقيه المنتدى العام 4 06-01-2007 07:56 AM


الساعة الآن 10:51 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved