منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > منتدى الكتاب

كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


منتدى الكتاب

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
قديم 04-05-2014, 11:35 PM   #6521
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب





* أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان، الآيتان 14-15.
لهذه الآياتِ الكريماتِ قِصة فذة - فريدة نادرة - رائعة، اصطرَعَت فيها طائفةٌ من العواطفِ المتناقِضة، في نفس فتىً طريِّ العود؛ فكان النصرُ للخيرِ على الشر، وللإيمان على الكفر.
أما بَطلُ القصة فتىً من أكرمِ فتيان مكة نسباً وأعزهم أماً وأباً.
ذلك الفتى هو سَعدُ بنُ أبي وقاصٍ رضي الله عنهُ وأرضاه.
كان سعدٌ حين أشرق نورُ النبوة في مكة شاباً ريان الشباب - طري الشباب مونقه - غضَّ الإهَاب - غض الجلد: كناية عن أنه في متقبل العمر ورونقه - رقيق العاطفةِ كثيرَ البرِّ بوالديه شديد الحبِّ لأمِّه خاصَّةً.
وعلى الرغمِ من أن سعداً كان يومئذٍ يَستقبل ربيعه السَّابع عشرَ فقد كان يضم بين بُرديه - ثوبيه - كثيراً من رجاحةِ - عقل الكهول ورصانتهم - الكهول وحِكمة الشيوخ.
فلم يكن - مثلاً - يرتاحُ إلى ما يتعلقُ به لِداته - المماثلون له في السن - من ألوانِ اللهو، وإنما كان يصرفُ همهُ إلى بَري السهامِ - إعدادها وإصلاحها - وإصلاحِ القسيِّ - الأقواس التي يرمى بها -، والتمرُّسِ بالرمايةِ حتى لكأنه كان يُعد نفسهُ لأمرٍ كبير.
ولم يكن - أيضاً - يطمئنُ إلى ما وجدَ عليه قومه من فسادِ العقيدة وسُوءِ الحال، حتى كأنه كان ينتظرُ أن تمتدّ إليهم يدٌ قويةٌ حازمةٌ حانية، لتنتشلهُم مما يتخبطون فيه من ظلماتٍ.
وفيما هو كذلك شاء الله عز وجل أن يُكرم الإنسانية كلها بهذه اليدِ الحانيةِ البانِية.
فإذا هي يدُ سيدِ الخلق محمد بن عبد الله.....
وفي قبضتها الكوكبُ الإلهيّ الذي لا يخبو: كتابُ الله....
فما أسرَع أن استجابَ سعدُ بن أبي وقاصٍ لدعوة الهُدى والحق؛ حتى كان ثالث ثلاثةٍ أسلموا من الرِّجال أو رابعَ أربعة.
ولذا كثيراً ما كان يقول مُفتخراً: لقد مكثتُ سَبعة أيامٍ وإني لثلث الإسلام.
كانت فرحة الرسول صلوات الله وسلامه عليه بإسلامِ سعدٍ كبيرةً؛ ففي سعدٍ من مَخايل - علامات - النجابة، وبواكيرِ الرُجولةِ - تباشيرها وأوائلها - ما يُبشر بأنَّ هذا الهلالَ سيكون بدراً كاملاً في يومٍ قريب.
ولسعدٍ من كرمِ النسب، وعِزة الحسَب ما قد يُغري - يرغب ويحضّ - فِتيان مكة بأن يَسلكوا سبيله وينسجوا على منواله - يسلكوا طريقته فيسلموا كما أسلم -.
ثم إن سعداً فوق ذلك كله من أخوالِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام؛ فهو من بني زهرَة، وبنو زهرة أهلُ آمنة بنتِ وهبٍ، أمِّ النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يَعتز بهذه الخؤولة.
فقد رُوي أن النبي الكريمَ كان جالساً مع نفـرٍ من أصحابه فرأى سعدَ بـن أبي وقاصٍ مُقبلاً فقال لمـن معه: " هذا خالي فليُرني امرؤٌ خاله ".
- لكنَّ إسلام سعد بن أبي وقاص لم يَمُر سهلاً هنيا، وإنما عَرَّض الفتى المؤمن لتجربةٍ من أقسى التجارب قسوة وأعنفها عنفاً، حتى إنه بلغ من قسوتها وعنفها أن أنزلَ الله سُبحانه في شأنها قرآناً. فلنترُك لسعدٍ الكلامَ ليقصَّ علينا خبرَ هذه التجربة الفذة.
قال سعدٌ: رأيتُ في المنام قبلَ أن أسلمَ بثلاث ليالٍ كأني غارقٌ في ظلماتٍ بَعضُها فوق بعضٍ، وبينما كنتُ أتخبط في لججها -
جمع لجة: وهي معظم الماء وأعمقه - إذ أضاءَ لي قمرٌ فاتبعتهُ فرأيتُ نفراً أمامي قد سبقوني
إلى ذلك القمرِ: رأيتُ زيدَ بن حارِثة، وعليَّ بن أبي طالبٍ ، وأبا بكرٍ الصِّديق، فقلت لهم: منذ متى أنتم ها هنا؟!
فقالوا السَّاعَة.
ثم إني لما طلعَ عليَّ النهارُ بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام مَستخفياً ، فعلمتُ أن الله أراد بي خيراً ، وشاء أن يُخرجني بسببه من الظلمات إلى النور.
فمضيتُ إليه مسرعاً، حتى لقيته في شِعب جيادٍ - أحد شعاب مكة المكرمة -، وقد صَلى العَصرَ، فأسلمتُ، فما تقدمني أحدٌ سوى هؤلاء النفـرِ الذين رأيتهُم في الحُلم.
ثم تابعَ سعدٌ رواية قصةِ إسلامِه فقال: وما إن سمعت أمِّي بخبر إسلامي حتى ثارت ثائرتها - اشتعلت نارُ غضبها - وكنتُ فتىً براً بها مُحباً لها، فأقبلتْ علي تقول: يا سعدُ ما هذا الدين الذي اعتنقته فصــرفك عن دينِ أمِّك وأبيك... والله لتدَعـنَّ دينك الجديد أو لا آكلُ ولا أشربُ حتى أموت... فيتفطرَ - يتشقق - فؤادُك حزناً عليَّ، ويأكلك الندمُ على فعلتك التي فعلت، وتعيِّـرك الناسُ بها أبدَ الدهرِ.
فقلت: لا تفعلي يا أماه، فأنا لا أدعُ ديني لأيِّ شيءٍ.
لكنها مَضت في وعيدها، فاجتنبت الطعامَ والشرابَ ومكثت أياماً على ذلك لا تأكل ولا تشرب فهزلَ جسمُها ووهن عظمُها وخارت قواها.
فجعلت آتيها ساعةً بعد ساعة أسألها أن تتبلغ - تتناول القليل الذي يحفظ حياتها - بشيءٍ من طعام أو قليل من شرابٍ فتأبَى ذلك أشدَّ الإباء وتقسمُ ألا تأكل أو تشـرب حتى تموت أو أدع ديني.
عند ذلك قلت لها: يا أماه إني على شديد حبي لك لأشدَّ حباً لله ورسوله... والله لو كان لك ألفُ نفسٍ فخرجت مِنك نفساً بعدَ نفسٍ ما تركتُ ديني هذا لشيءٍ.
فلما رأت الجدَّ مني أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كرهٍ منها، فأنزل الله فينا قوله عز وجل:
(وإن جاهداك على أَن تُشْرِكَ بي ما ليس لَكَ به عِلْمٌ فلا تُطِعهُما وصاحِبهُما في الدُّنيا معروفاً).
- لقد كان يومُ إسلام سعدِ بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه من أكثرِ الأيام براً بالمسلمين وأجزلها خيراً على الإسلام.
ففي يوم بدرٍ كان لسعدٍ وأخيه عُميرٍ موقفٌ مشهودٌ؛ فقد كان عُميرٌ يومئذ فتىً حدثاً لم يجاوزِ الحُلم إلا قليلاً ، فلما أخذ الرسول عليه الصلاة والسلام يَعرض جُند المسلمين قبل المعركة توارى عميرٌ أخو سعدٍ خوفاً من أن يراه الرسول فيرُدهُ لصغر سنه، لكن الرسول عليه السلام أبصرَه ورده؛ فجعلَ عميرٌ يبكي حتى رقَّ له قلبُ النبي وأجازه.
عند ذلك أقـبل عليه سعدٌ فرحاً، وعقد عليه حِمالة - ما يعلق به على عاتق صاحبه - سيفه عقداً لِصغره وانطلق الأخوانِ يُجاهدان في سبيل الله حقَّ الجهادِ.
فلما انتهتِ المعركة عاد سعدٌ إلى المدينة وحدَه ، أما عُميرٌ فقد خلفه شهيداً على أرض بدرٍ واحتسبه عند الله - طلب من الله أجره على فقده -.
- وفي أحدٍ حين زلزلت الأقدامُ - دب الضعف والخوف في النفوس - ، وتفرق المسلمون عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام حتى لم يبق إلا نفرٍ قليلٍ لا يُتمون العشرة وقفَ سعدُ بن أبي وقاصٍ يناضلُ عـن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بقوسِه، فكلن لا يرمي رميةً إلا أصابتْ من مُشركٍ مقـتلاً.
ولما رآه الرسول عليه السلام يرمي هذا الرَّمي، جعلَ يَحُضه - يحثه - ويقولُ له اِرم سعدُ... ارم فداك أمي وأبي ).
فظلَّ سعدٌ يَفتخر بها طوالَ حياته ويقول: ما جمعَ الرسولُ لأحدٍ أبويه إلا لي، وذلك حيـن فدَّاه بأبيه وأمه معاً.
- ولكن سعداً بلغ ذروة مَجده حين عَزمَ الفاروق على أن يخوضَ مع الفرسِ حرباً تدِيل دولتهم - تطيح بدولتهم وتذهب بها - وتـثـلُ عرشهُم - تهدم ملكهم - ،
وتجتث جذورَ الوثنية - تقتلعها من أصولها - من على ظهر الأرض فأرسل كتبه إلى عماله في الآفاق أن أرسلوا إلي كل من كان له سلاحٌ أو فرسٌ أو نجدةٌ أو رأي أو مزية من شعر أو خطابة أو غيرها ممَّا يجدي على المعركة.
فجعَلتْ وفودُ المجاهدين تتدفقُ على المدينة من كل صَوب - من كل جهة -. فلما تكاملت ، أخذ الفاروق يَستشيرُ أصحابَ الحَلِّ والعقد - أهل الشورى وذوو الرأي والمكانة -
في من يُوليه على الجيش ِالكبير ويُسلمُ إليه قياده،
فقالوا بلسان واحدٍ: الأسدُ عادِياً سعدُ بن أبي وقاص، فاستدعاهُ
عمرُ رضوانُ الله عليهما ، وعقد له لواء الجيش - ولاه عليه -.
ولما همَّ الجيشُ الكبيرُ بأن يفصلَ - يخرج - عن المدينة
وقف عُمر بنُ الخطاب يُودعهُ ويوصي قائِده فقال: يا سَعدُ، لا يَغرنك من الله أن قيلَ: خالُ رسول الله، وصاحبُ رسول الله ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يمحُو السيئ بالسيئ ، ولكِنه يمحو السيئة بالحَسنة.
يا سعدُ: إن الله ليسَ بينه وبين أحدٍ نسبٌ إلا الطاعة، فالناسُ شريفهم ووضيعُهم في ذات - عند - الله سواء؛ الله ربُّهم وهم عبادُه يتفاضلون بالتقوى ويدرِكون ما عندَ الله بالطاعة، فانظر الأمرَ الذي رأيتَ النبي عليه فالتزمهُ فإنه الأمرُ - أي فإنه الأمر الذي يجب إنفاذه -.
ومضى الجيشُ المباركُ وفيه تسعةٌ وتسعون بدرياً - البدري من شهد معركة بدر - وثلاثمائةٍ وبضعَة عشرَ ممن كانت لهم صُحبة فيما بين بيعةِ الرِّضوان فما فوق ذلك، وثلاثمائةٍ من شهدوا فتح مكة مع رسول الله، وسبعُمائةٍ من أبناء الصحابة.
مضى سعدٌ وعسكرَ بجيشه في القادسية - موضع يبعد عن الكوفة خمسة عشر فرسخاً، وقعت فيها المعركة الفاصلة بين المسلمين والفرس سنة ست عشرة للهجرة وانتصر فيها المسلمون نصراً كبيراَ لم تقم بعدها للفرس قائمة -
ولما كان يوم الهرير - اليوم الأخير من أيام القادسية وسمي كذلك لأنه لم يكن يسمع للجند أصوات إلا الهرير من شدة القتال - عزمَ المسلمون على أن يَجعلوها القاضية - المهلكة المدمرة - ،
فأحاطوا بعدوِّهم إحاطة القيد بالمِعصم ، ونفذوا إلى صُفوفه من كل صوبٍ مُهللين - صائحين لا إله إلا الله - مكبرين،
فإذا رأسُ رُستم قائد جيش الفرس مَرفوعٌ على رماحِ المسلمين وإذا بالرُعب والهَلع يدُبان في قلوب أعداءِ الله حتى كان المُسلم يشيرُ إلى الفارسيِّ فيأتيه فيقتله، وربما قتله بسلاحه.
أما الغنائمُ فحدِّث عنها ولا حرج، أما القتلى فيكفيك أن تعلمَ أن الذين قضوا غرقاً فحسبُ قد بلغوا ثلاثين ألفاً.
- عُمِّر سعدٌ طويلاُ وأفاءَ الله عليه من المال الشيءَ الكثير، لكنهُ حين أدركتهُ الوفاة دعا بجُبة من صوفٍ بالية وقال:
كفنوني بها فإني لقيتُ بها المشركين يَوم بدر..... وإني أريدُ أن ألقى بها الله عز وجل أيضاً.
--------------
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-05-2014, 12:30 AM   #6522
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب





* مَضت سُعدى بنتُ ثعلبة تبتغِي زيارة قومِها بني مَعنٍ، وكانت تصحبُ معها غلامها زيدَ بن حارِثة الكعبيَّ.
فما كادتْ تحُلُ في ديارِ قومِها حتى أغارت عليهم خيلٌ لبني القينِ فأخذوا المالَ، واستاقوا الإبلَ، وسَبوا الذرارِيَ....
وكان في جُملة من احتملوهُ مَعهُم ولدُها زيدُ بن حارثة.
وكان زيدٌ - إذ ذاك - غلاماً صغيراً يَدرجُ نحو الثامنةِ من عمرِه، فأتوا به سوق عُكاظٍ - سوق كانت تقيمه العرب في الأشهر الحرم للبيع والشراء وتتناشد فيه الأشعار -
وعَرضوهُ للبيعِ فاشتراهُ ثريٌ من سادةِ قريشٍ هو حكيمُ بنُ حَزام ابنِ خويلدٍ بأربعِمائة درهمٍ.
واشترَى معه طائفةً من الغِلمان، وعاد بهم إلى مَكة.
فلما عَرفتْ عَمتهُ خديجة بنتُ خويلدٍ بمقدَمِه، زارتهُ مُسلمَةً عليه، مُرحِّبة به،
فقال لها:
يا عَمَّة، لقد ابتعتُ من سوقِ عُكاظٍ طائفةً من الغِلمان، فاختاري أياً منهم تشائينهُ، فهو هدِية لك.
فتفرسَتِ السَّيدة خديجة وُجوه الغلمانِ... واختارَت زيدَ بن حارِثة، لما بدا لها من علاماتِ نجابتهِ - ذكاؤه وفطنته -، ومَضت به.
وما هو إلا قليلٌ حتى تزوَّجت خديجة بنتُ خويلدٍ من محمد بن عبد الله، فأرادَت أن تطرفِهُ - أن تتحفه - وتهدِيَ له، فلم تجد خيراً من غلامِها الأثيرِ - العزيز - زيد بن حارثة فأهدتهُ إليه.
- وفيما كان الغلامُ المحظوظ يَتقلبُ في رعايةِ محمد بن عبد الله، ويَحظى بكرِيمِ صُحبتهِ، وينعمُ بجميلِ خِلالِه - بجميل أخلاقه وصفاته
كانت أمُهُ المَفجوعَة بفقدهِ لا ترقأ لها عَبرَة - لا تجف لها دمعة -، ولا تهدأ لها لوعَة ولا يَطمئن لها جَنبٌ.
وكان يزيدُها أسىً على أساها أنها لا تعرِفُ أحيٌّ هو فترجُوهُ أم مَيتٌ فتيأس منه...
أمَّا أبوه فأخذ يتحرَّاهُ في كلِّ أرضٍ، ويسائل عنه كل ركبٍ، ويصُوغ حنينه إليه شعراً حزيناً تتفطرُ - تتمزق - له الأكبادُ حيث يقول:

بَكيتُ على زيدٍ ولم أدرِ ما فعَلْ
أحَيٌ فيُرجى أم أتى دونه الأجل؟
فو الله ما أدرِي وإني لــــــــسائِلٌ
أغالك بَعدي السَّهلُ أمْ غالك الجَبَل(سرقك )
تذكرُنيهِ الشمسُ عندَ طلـــــوعها
وتعرضُ ذكراهُ إذا غربُها أفــلْ ( غاب )
سَأعملُ نصَّ العيسِ في الأرض جاهداً
ولا أسَأمُ التطوافَ أو تسأم الإبل
( سأستحث النوق على السير في الأرض )
حياتيَ، أو تأتي عَليَّ منـيَّـتي فكلُ
امرئٍ فانٍ وإن غرهُ الأمل

- وفي مَوسمٍ من مواسمِ الحجِّ - كان ذلك في الجاهلية - قصدَ البيت الحرامَ نفرٌ من قومِ زيدٍ، وفيما كانوا يطوفون بالبيتِ العتيقِ، وإذا هُم بزيدٍ وجهاً لوجهٍ، فعرفوهُ وعرَفهم وسألوهُ وسَألهم، ولما قضوا مناسِكهم وعادوا إلى دِيارهم وأخبروا حارِثة بما رأوا وحَدثوهُ بما سمِعُوا.
- فما أسرَع أن أعَدَّ حارثة راحِلتهُ، وحملَ من المالِ ما يَفدي به فلذة الكبدِ، وقرَّة العينِ، وصحِب معه أخاه كعباً، وانطلقا معاً يُغذانِ السيرَ - يسرعان في السير - نحوَ مكة
فلما بَلغاها دخلا على محمدِ بن عبد الله وقالا له: يا بن عبدِ المُطلب، أنتم جيران الله، تفكون العَانيَ - السائل والمستجير -، وتطعِمون الجائعَ، وتغيثون الملهوفَ.
وقد جئناك في ابننا الذي عِندك، وحَملنا إليك من المالِ ما يفي به.
فامْنن علينا، وفادهِ لنا بما تشاءُ.
فقال محمد: (ومَن ابنكما الذي تعنيانِ؟)
فقالا: غلامُك زيدُ بنُ حارثة.
فقال: (وهل لكما فيما هو خيرٌ من الفِداء؟)
فقالا: وما هو؟!
فقال: ( أدعُوه لكم، فخيرُوه بيني وبينكم، فإن اختارَكم فهو لكم بغيرِ مال، وإن اختارني فما أنا - والله - بالذي يَرغبُ عَمن يَختارُه ).
فقال: لقد أنصفت وبَالغت في الإنصافِ.
فدعا محمدٌ زيداً وقال: ( مَن هذان) ؟.
قال: هذا أبي حارثة بنُ شُراحيل، وهذا عمِّي كعبٌ.
قال: ( قد خيَّرتك: إن شِئت مَضيت معهما، وإن شئِتَ أقمت معي).
فقال - في غيرِ إبطاءٍ ولا تردُّدٍ -: بل أقيمُ مَعك.
فقال أبوه: وَيحك يا زيدُ، أتختارُ العبُوديَّة على أبيك وأمِّك؟!
فقال: إني رأيتُ من هذا الرجُلِ شيئاً، وما أنا بالذي يُفارِقه أبداً.
- فلما رأى محمدٌ من زيدٍ ما رأى، أخذ بيده وأخرَجهُ إلى البيتِ الحرامِ، ووقفَ به بالحِجرِ على ملأٍ من قريشٍ وقال:
يا مَعشرَ قريش، اِشهدُوا أن هذا ابني يَرثني وأرِثه...
فطابَتْ نفسُ أبيهِ وعمِّه، وخلفاهُ عند محمد بن عبد الله، وعادا إلى قومِهما مُطمئني النفسِ مُرتاحَي البالِ.
ومنذ ذلك اليومِ أصبحَ زيدُ بن حارثة يُدعى بزيدِ بن محمدٍ، وظلَّ يُدعى كذلك حتى بُعِث الرسول صلوات الله وسلامه عليه،
وأبطلَ الإسلامُ التبنيَ حيث نزلَ قوله عزَّ وجلَّ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ) الأحزاب 5. فأصبحَ يُدعى: زيدَ بن حارثة.
- لم يكن يَعلمُ زيدٌ - حين اختارَ محمداً على أمِّه وأبيهِ - أي غنْمٍ غنِمهُ.
ولم يَكن يعلمُ أنَّ سيدهُ الذي آثرهُ على أهلهِ وعشيرته هو سيد الأولين والآخرين، ورسول الله إلى خلقه أجمعين.
وما خطرَ له ببالٍ أن دَولةً للسماءِ سَتقومُ على ظهرِ الأرضِ فتملأ ما بين المَشرقِ والمغرب برِّاً وعـدلاً، وأنهُ هو نفسهُ سيكونُ اللبنة الأولى في بناءِ هذه الدولةِ العُظمى...
لم يَكن شيءٌ من ذلك يدورُ في خلدِ زيدٍ...
وإنما هو فضلُ الله يُؤتيهِ من يشاءُ.....
والله ذو الفضلِ العظيمِ....
ذلك أنهُ لم يَمضِ على حادثةِ التخييرِ هذه إلا بضعُ سنين حتى بَعث الله نبيهُ محمداً بدينِ الهُدى والحقِّ، فكان زيدُ بن حارِثة أوَّل من آمن به من الرِّجال.
وهل فوق هذه الأوَّلية أولية يَتنافسُ فيها المُتنافسون؟!
لقد أصبحَ زيدُ بن حارثة أميناً لِسرِّ رسول الله، وقائِداً لبُعوثهِ وسَراياه، وأحدَ خلفائهِ على المدينةِ إذا غادرها النبيُّ عليه الصلاة والسلام.
- وكما أحبَّ زيدٌ النبيَّ وآثرهُ على أمه وأبيه، فقد أحَبّهُ الرسول الكريم صلوات الله عليه وخلطهُ بأهلهِ وبنيه، فكان يَشتاقُ إليه إذا غاب عنه، ويفرحُ بقدومه إذا عاد إليه، ويلقاهُ لقاءً لا يَحظى بمثلهِ أحدٌ سواه.
فها هي ذي عائشة رضوان الله عليها تصوِّرُ لنا مَشهداً من مَشاهد فرحةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاءِ زيدٍ فتقول:
" قدِمَ زيدُ بن حارثة المدينة، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فقرع البابَ، فقام إليه الرسول عُرياناً - ليس عليه إلا ما يَسترُ مابين سُرَّتهِ ورُكبته - ومضى إلى الباب يَجُرُّ ثوبهُ، فاعتنقهُ وقبلهُ. والله ما رأيتُ رسول الله عُرياناً قبلهُ ولا بَعدهُ - انظر جامع الأصول: 10/25 وقد أخرجه الترمذي -.
وقد شاع أمرُ حُبِّ النبيِّ لزيدٍ بين المسلمين واستفاضَ - ذاع وانتشر -، فدَعوهُ " بزيدِ الحُبِّ "، وأطلقوا عليه لقبَ " حِبِّ " - بكسر الحاء: المحبوب - رسول الله؛ ولقبُوا ابنهُ أسامة من بعدِهِ بحبِّ رسولِ الله وابنِ حِبِّه.
- وفي السنة الثامنةِ من الهجرة شاء الله - تباركتْ حكمتُه - أن يَمتحن الحبيبَ بفراقِ حبيبه.
ذلك أنَّ الرسول صلوات الله وسلامه عليه، بَعث الحارث بن عُميرٍ الأزديَّ بكتاب إلى مَلك بُصرى يدعوه فيه إلى الإسلام، فلما بلغ الحارثُ " مُؤتة " بشرقيِّ الأردُن، عرضَ له أحدُ أمراءِ الغساسنة شُرحَبيلُ بنُ عمرو فأخذه، وشدَّ عليه وِثاقه، ثم قدَّمه فضربَ عُنقه.
فاشتدَّ ذلك على النبيِّ صلوات الله وسلامه عليه إذ لم يُقتل له رسولٌ غيرُه.
فجهَّز جيشاً من ثلاثةِ آلاف مُقاتلٍ لغزوِ مُؤتة، وَوَلى على الجيش حبيبه زيدَ بن حارِثة، وقال: إن أصيبَ زيدٌ فتكونُ القيادة لجعفرِ بن أبي طالِب، فإن أصيب جعفرُ كانت إلى عبدِ الله بن رواحَة، فإن أصيبَ عبدُ الله فليخترِ المسلمون لأنفسهم رجلاً منهم.
- مضى الجيشُ حتى وصلَ إلى " معان " بشرقي الأردُنِّ.
فهبَّ هِرقلُ ملك الرومِ على رأسِ مائةِ ألف مُقاتلٍ للدفاع عن الغسَاسنة، وانضمَّ إليه مائة ألفٍ من مُشركي العرب، ونزلَ هذا الجيشُ الجرارُ غير بعيدٍ من مواقع المسلمين.
- بات المسلمون في ( معان ) ليلتين يتشاورون فيما يصنعون.
فقال قائلٌ: نكتبُ إلى رسول الله ونخبرُهُ بعددِ عدُوِّنا وننتظرُ أمره.
وقال آخرُ: والله - يا قوم - إننا لا نُقاتلُ بعددٍ ولا قوَّةٍ ولا كثرةٍ وإنما نُقاتل بهذا الدِّين.
فانطلقوا إلى ما خرجتم له.
وقد ضمِن الله لكمُ الفوز بإحدى الحُسنيين: إمَّا الظفرُ... وإما الشهادة.
- ثم التقى الجمعانِ على أرضِ مُؤتة، فقاتلَ المسلمون قِتالاً أذهلَ الرُوم وملأ قلوبهُم هيبة لهذه الآلافِ الثلاثةِ التي تصدَّت لجيشهم البالغِ مائتي ألفٍ.
وجالدَ - ضرب بالسيف ضرباً، قاتل قتالاً - زيدُ بن ثابتٍ عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم جلاداً لم يعرِف له تاريخُ البُطولات مثيلاً حتى خرقتْ جَسدهُ مئاتُ الرماحِ فخرَّ صريعاً يسبحُ في دمائه.
فتناول منه الراية جعفرُ بن أبي طالبٍ وطفق يذودُ عنها أكرم الذودِ حتى لحِق بصاحبه.
فتناول منه الراية عبدُ الله بن رَوَاحَة فناضل عنها أبسَل النضال حتى انتهى إلى ما انتهى
إليه صاحباه.
فأمَّرَ الناسُ عليهم خالدَ بن الوليد - وكان حديث إسلامٍ - فانحاز بالجيشِ، وأنقذه من الفناءِ المُحتم.
- بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنباءُ مُؤتة، ومَصرع قادتِه الثلاثة فحزِن عليهم حُزناً لم يَحزن مِثلهُ قط. ومَضى إلى أهليهم يُعزيهم بهم.
فلما بَلغ بيت زيدِ بن حارثة لاذت بهِ ابنتهُ الصغيرة وهي مُجهشة بالبكاءِ، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتحَبَ - ارتفع صوته بالبكاء -.
فقال له سَعدُ بنُ عُبادة: ما هذا يا رسول الله؟!
فقال عليه الصلاة والسلام: ( هذا بُكاءُ الحبيب على حبيبه ).
-----------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-05-2014, 12:45 AM   #6523
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب






الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-05-2014, 12:47 AM   #6524
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب




الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-05-2014, 12:51 AM   #6525
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب



الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-05-2014, 12:54 AM   #6526
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب






الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-05-2014, 12:59 AM   #6527
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب





الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-05-2014, 01:10 AM   #6528
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

























الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-05-2014, 05:39 AM   #6529
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب




* الناسُ معادنٌ خيارهُم في الجاهليَّة خيارُهم في الإسلام.
فإليك - خذ - صورتينِ لصحابيٍ جليلٍ خطتْ أولاهُما يدُ الجاهلية، وأبدَعت أخراهما أناملُ الإسلام.
ذلك الصحابيُّ هو " زيدُ الخيلِ " كما كان يدعوهُ الناسُ في جاهليته.....
و"زيدُ الخيرِ" كما دعاهُ الرسول الكريمُ بعد إسلامِه.
أما الصورة الأولى فترويها كتبُ الأدبِ فتقول:
حَكى الشيبانيُّ عن شيخٍ من بني عامرٍ قال: أصابتنا سَنة مُجدبة - لا مطر فيها ولا نبات - هلك فيها الزرع والضَّرع، فخرجَ رجلٌ مِنا إلى الحيرةِ - مدينة في العراق بين النجف والكوفة - ، وتركهُم فيه، وقال لهم: انتظرُوني هنا حتى أعودَ إليكم.
ثم أقسمَ ألا يرجع إليهم إلا إذا كسبَ لهم مالاً أو يموت.
ثم تزوَّد زاداً ومَشى يَومهُ كله حتى إذا أقبلَ الليلُ وجَد أمامَه خِباءً - خيمة -، وبالقرب مِن الخباءِ مُهرٌ مُقيدٌ؛ فقال: هذا أوَّلُ الغنيمةِ، توجَّه إليه وجَعَل يَحلُّ قيدهُ، فما إن هَمَّ برُكوبه
حتى سمعَ صوتاً يناديه: خلِّ عنهُ - اتركه - واغنمْ نفسك، فتركه ومَضى.
ثم مَشى سبعَة أيامٍ حتى بلغ مكاناً فيه مَراحٌ للإبل، وبجانبهِ خباءٌ عظيمٌ فيه قبة من أدمٍ- الجلد - تشير إلى الثراءِ والنعمةِ،
فقال الرجل نفسِه: لا بُدَّ لهذا المراحِ من إبلٍ. ولا بُدَّ لهذا الخباءِ من أهلٍ.
ثم نظر في الخباء - وكانت الشمسُ تدنو من المغيب - فوجَد شيخاً فانياً في وسَطهِ، فجلسَ خلفه، وهو لا يشعرُ به.
وما هو إلا قليلٌ حتى غابتِ الشمسُ، وأقبلَ فارسٌ لم يُرَ قط فارسٌ أعظمُ منهُ و لا أجسمُ - أعظم جسماً -، قدِ امتطى صَهوة - موضع ركوب الفارس على ظهره - جوادٍ عالٍ، وحَولهُ عبدانِ يمشيان عن يمينه وشِماله، ومعه نحو مائةٍ من الإبلِ، أمامها فحلٌ كبيرٌ، فبرَك الفحلُ، فبركتْ حولهُ النوقُ.
وهنا قال الفارسُ لأحدِ عَبديه: احلِب هذه، وأشارَ إلى ناقةٍ سمينةٍ، واسقِ الشيخ، فحَلبَ منها حتى ملأ الإناء، ووضعهُ بين يدي الشيخ وتنحَّى عنه، فجَرَع الشيخُ منه جُرعة أو جُرعتين وتركه. قال الرجل: فدببتُ نحوهُ مُتخفي، وأخذتُ الإناءَ، وشرِبتُ كل ما فيه، فرجعَ العبدُ وأخذ الإناء
وقال: يا مولايَ لقد شربهُ كلهُ، ففرحَ الفارسُ وقال: اِحْلب هذه، وأشار إلى ناقةٍ أخرى، وضع الإناء بين يدي الشيخ، ففعلَ العبدُ ما أمِرَ به، فجرع منه الشيخُ جُرعة واحِدة وترَكه،
فأخذته، وشربتُ نِصفه، وكرهتُ أن أتيَ عليه كله حتى لا أثيرَ الشكّ في نفسِ الفارس.
ثم أمرَ الفارسُ عبدهُ الثاني بأن يذبح شاة، فذبحَها فقام إليها الفارسُ وشوَى للشيخِ منها وأطعمهُ بيديه حتى إذا جَعل يأكلُ هو وعبداه.
وما هو إلا قليلٌ حتى أخذ الجميعُ مضاجعَهم وناموا نوماً عميقاً له غطيط - صوت النائم وشخيره -.
عند ذلك توجهتُ إلى الفحلِ فحللتُ عِقالهُ وركبتهُ، فاندفعَ، وتبعتهُ الإبلُ، ومَشيتُ ليلتي. فلما أسفرَ النهارُ نظرتُ في كل جهةٍ فلم أر أحداً يتبعُني، فاندفعتُ في السَّيرِ حتى تعالى النهارُ.
ثم التفتُ التِفاتة فإذا أنا بشيءٍ كأنهُ نسرٌ أو طائرٌ كبيرٌ، فمازال يَدنو مني حتى تبينتُه فإذا هو فارسٌ على فرسٍ، ثم مازال يُقبلُ عليَّ حتى عرفتُ أنهُ صاحبي جاءَ يَنشدُ إبلهُ - يبحث عنه ويطلبها -.
عند ذلك عقلتُ الفحل - ربطت الجمل - وأخرجتُ سهماً من كِنانتي -الكنانة هي الجعبة التي توضع فيها السهام - ووضعتهُ في قوسي وجعلتُ الإبلَ خلفي، فوقف الفارسُ بعيد،
وقال لي:
احلل عِقالَ الفحل. فقلت: كلا.
لقد تركتُ ورائي نسوة جائِعاتٍ بالحيرةِ وأقسمتُ ألا أرجعَ إليهنَّ إلا ومعي مالٌ أو أموت.
قال: إنك ميتٌ ... احلل عِقال الفحلِ - لا أبا لك -وهي كلمة تقال في الشتم والمدح-، والمراد هنا الشتم.
فقلت: لن أحُلهُ ....
فقال: ويحَك - الويح الهلاك -، إنك لمَغرُورٌ.
- ثم قال: دلِّ زِمامَ الفحْل - وكانت فيه ثلاثُ عُقدٍ - ثم سألني في أيِّ عُقدةٍ منها أريدُ أن يضعَ لي السَّهم، فأشرتُ إلى الوسطى فرَمى السهم فأدخله فيها حتى كأنما وضعَه بيده، ثم أصابَ الثانية والثالثة...عند ذلك، أعدتُ سهمي إلى الكِنانة - كيس السهام - ووقفتُ مُستسلم، فدنا مِني وأخذ سيفي وقوسِي وقال: اِركب خلفي، فركبتُ خلفه، فقال: كيف تظن أنِّي فاعلٌ بك؟
فقلت: أسوَأ الظن.
قال: ولمَ ؟!
قلتُ: لما فعلتهُ بك، وما أنزلتُ بك من عناءٍ وقد أظفرك الله بي.
فقال: أوتظنُ أني أفعلُ بك سوءاً وقد شاركت " مُهلهلاً " (يعني أباه) في شرابهِ وطعامِه ونادمته تلك الليلة؟!!!!
فلما سمعتُ اسمَ "مُهلهل " قلت: أزيدُ الخيلِ أنت؟
قال: نعم.
فقلت: كن خيرَ آسرٍ.
فقال: لا بأس عليك، ومَضى بي إلى موضِعه وقال: والله لو كانت هذه الإبلُ لي لسلمتها إليك، ولكنها لأختٍ من أخواتي، فأقِم عندنا أياماً فإني على وشكِ - على قرب - غارةٍ قد أغنم منها.
وما هي إلا أيامٌ ثلاثة حتى أغارَ على بني نُميرٍ فغنمَ قريباً من مِائة ناقةٍ فأعطاني إيَّاها كلها وبَعث معي رجالا من عِنده يَحمُونني حتى وصلتُ الحِيرة.
- تلك كانت صورة زيدِ الخيلِ في الجاهلية، أما صورته في الإسلامِ فتجلوها كتبُ السِّير فتقول:
لما بلغت أخبارُ النبي عليه الصلاة والسلام سَمع زيد الخيل، ووقف على شيءٍ مما يَدعو إليه، أعدَّ راحِلتهُ، ودعا السَّادة الكبراءَ من قومه إلى زيارة يثربَ - المدينة المنورة - ولِقاء النبي عليه الصلاة والسلام، فركبَ معه وفدٌ كبيرٌ من طيِّئٍ، فيهم زرُّ بن سدوسٍ، ومالِك بن جُبير، وعامرُ بن جُوينٍ وغيرُهم وغيرُهم،
فلما بلغوا المدينة توجَّهوا إلى المسجد النبويِّ الشريف وأناخوا ركائِبهم ببابه.
وصادفَ عند دخولهم أن كان الرسول صلوات الله عليه يَخطبُ المسلمين من فوق المِنبر، فراعَهُم وأدهشهُم تعلق المسلمين به، وإنصاتهم له، وتأثرهم بما يقولُ.
ولما أبصرَهم الرسول عليه الصلاة والسلام قال يخاطبُ المسلمين إني خيرٌ لكم من العُزى - صنم كبير من أصنام العرب في الجاهلية - ومن كل ما تعبُدون....
إني خيرٌ لكم من الجَملِ الأسود الذي تعبدونه من دون الله ).
- وقد وقع كلامُ الرسول صلوات الله عليه في نفسِ زيد الخيل ومن معه مَوقِعينِ مُختلفين؛ فبغضٌ استجاب لِلحق وأقبلَ عليه، وبعضٌ تولى عنه، واستكبرَ عليه...
فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السَّعير.
أما " زرُّ بن سَدُوسٍ " فما كاد يرى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في مَوقِفه الرائع تحُفهُ القلوبُ المؤمنة، وتحُوطهُ العيون الحانية حتى دَبَّ الحسدُ في قلبه وملأ الخوفُ فؤاده،
ثم قال لمن معه: إني لأرى رجلاً ليملكنَّ رِقاب العَرب، والله لا أجعلنهُ يملك رقبتي أبداً.
ثم توجه إلى بلاد الشامِ، وحلق رأسهُ - أي فعل كما يفعل الرهبان حيث يحلقون رؤوسهم - وتنصَّرَ.
وأما زيدٌ والآخرون فقد كان لهم شأنٌ آخرُ: فما إن انتهى الرسول صلوات الله عليه من خطبته، حتى وقف زيدُ الخيلِ بين جموع المسلمين -
وكان من أجملِ الرِّجال جمالاً وأتمهم خلقة وأطولهم قامة - حتى إنهُ كان يركبُ الفرسَ فتخِط رِجلاه على الأرضِ كما لو كان راكباً حماراً...
وقفَ بقامته المَمشوقة؛ وأطلق صوته الجهيرَ - القوي الواضح - وقال: يا محمدُ، أشهدُ أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فأقبلَ عليه الرسول الكريم وقال له: " من أنت " ؟
قال: أنا زيدُ الخيلِ بن مُهلهل.
فقال له الرسول صلوات الله وسلامه عليه: ( بل أنت زيدُ الخير، لا زيدُ الخيل. الحمدُ لله الذي جاءَ بك من سَهلك وجبلِك، ورقق قلبك للإسلام ).
فعُرِف بعد ذلك بزيدِ الخير...
ثم مضى به الرسولُ عليه الصلاة والسلام إلى مَنزلِه، ومعه عمرُ بن الخطاب ولفيفٌ - جمع - من الصَّحابة، فلما بلغوا البيت طرح الرسول صلوات لله وسلامه عليه لزيدٍ مُتكأً، فعظـُمَ عليه أن يتكئ في حضرةِ الرسول وردَّ المُتكأ، وما زال يُعيده الرسول له وهو يَردُّه ثلاثاً.
ولما استقرَّ بهم المجلسُ قال الرسول لزيد الخير يا زيد، ما وُصفَ لي رجلٌ قط ثم رأيتهُ إلا كان دون ما وُصف به إلا أنت ).
ثم قال له يا زيدُ، إنَّ فيك لخصلتين يُحبهما الله ورسوله).
قال: وما هما يا رسول الله؟ .... قال الأناة والحِلمُ ).
فقال: الحمدُ لله الذي جعلني على ما يُحبُّ الله ورسوله.
ثم التفت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقال:
أعطِني يا رسول الله ثلاثمِائة فارسٍ، وأنا كفيلٌ لك
بأن أغيرَ بهم على بلاد الروم وأنال منهم.
فأكبرَ الرسول الكريم هِمتهُ هذه، وقال له:
( لله دّرُك - كلمة تقال للإعجاب ومعناها:
ما أكثر خيرك - يا زيد.... أيُّ رجلٍ أنت؟ ).
ثم أسلم مع زيدٍ جميعُ من صحبهُ من قومه.
ولما همَّ زيدٌ بالرُّجوع هو ومن معه إلى دِيارهم في نجد، ودعهُ النبي صلوات الله عليه وقال أيُّ رجلٍ هذا؟! كم سيكون له من الشأنِ لو سلم من وَباء المدينة؟!).
وكانت المدينة المنورة آنذاك مَوبُوءة بالحُمى، فما إن بارحها زيدُ الخير، حتى أصابتهُ،
فقال لمن معه: جنبوني بلاد قيسٍ، فقد كانت بيننا حَماسَاتٌ من حماقات الجاهلية، ولا والله لا أقاتلُ مسلماً حتى ألقى الله عز وجل.
- تابعَ زيدُ الخير سيره نحو ديار أهله في نجدٍ، على الرَّغم من أنَّ وطأة الحُمَّى كانت تشتدُّ عليه ساعة بعد أخرى؛ فقد كان يتمنى أن يلقى قومهُ، وأن يكتب الله لهمُ الإسلام على يَديه.
وطفق يُسابق المنِية والمنية تسابقهُ؛ لكنها ما لبث أن سَبقتهُ،
فلفظ أنفاسهُ الأخيرة في بعضِ طريقه، ولم يكن بين إسلامه وموته متسعٌ لأن يَقع في ذنبٍ.
---------------
للفايدة
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-05-2014, 05:26 PM   #6530
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

[frame="8 80"]
يقول الشيخ المغامسي :
إذا مررت بعصفور يشرب من بركة ماء فلا تمر بجانبه 'لتخيفه' وابتغ بذلك وجه آللہ ، عسى أن يؤمنك من الخوف يوم تبلغ القلوب الحناجر ..
وإذا اعترضتك قطة في وسط الطريق فتجنب أن تصدمها وابتغ بذلك وجه آللہ عسى أن يقيك آللہ ميتة السوء ..
واذا هممت بإلقاء بقايا الطعام فاجعل نيتك أن تأكل منها الدواب وابتغ بذلك وجه آللہ عسى أن يرزقك آللہ من حيث لا تحتسب ..
حتى إذا نويت نشر هذا الكلام انوي بها خير لعل آللہ يفرج لك بها كربة من كرب الدنيا والآخرة ' وتذكر : افعل الخير مهما استصغرته فلا تدري أي حسنة تدخلك الجنة...
[/frame]
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ الوآصل المنتدى الرياضي 6 10-12-2009 01:49 AM
اســـــــرار القلــــب..! الســرف المنتدى العام 22 29-09-2008 01:03 AM
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء امـــير زهران منتدى الحوار 4 02-09-2008 03:05 PM
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة رياح نجد المنتدى العام 19 15-08-2008 01:10 PM
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! البرنسيسة المنتدى العام 13 17-08-2007 11:04 PM


الساعة الآن 09:53 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved