منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > الإسلام حياة > أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1432 هـ

دروس من شهر رمضان ( 26 )


أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1432 هـ

 
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 26-08-2011, 03:33 AM
الصورة الرمزية ابو عادل العدواني
ابو عادل العدواني ابو عادل العدواني غير متواجد حالياً

إداري أول
 






ابو عادل العدواني is on a distinguished road
افتراضي دروس من شهر رمضان ( 26 )


[glow=#080801][glow=#FFFF00]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/glow]
[/glow]



رمضان شهر الحرية(1)

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين المكين، نبي الحريَّة، وعدو العبوديَّة، ومطهر العقول من أدران الوثنية، وسائق ركب الإنسانية إلى السعادة الأبدية، وعلى آله وصحبه أحلاف السيوف، وقادة الزحوف، وأئمة الصفوف، وعلى التابعين لآثارهم في نصرة الدين إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن رمضانَ شهرُ الحريَّةِ الحقَّة، ومدرسةُ الأحرارِ الشرفاءِ بالمعنى الصحيح.
والحديث ههنا سيدور حول هذا المعنى العظيم.
أيها الصائمون الكرام! ليست الحريةُ كما توهمها أكثرُ الناسِ، مقصورةً على حق الإنسان بالتصرُّف كيـفما أراد، وليست الحرية بالانطلاق وراء الشهوات، وسائر الرغبات؛ فتلك الفوضى أولاً، والعبوديةُ الذليلةُ أخيراً.
أما إنها فوضى؛ فلأنه ليس في الدنيا حريَّةٌ مطلقةٌ غيرُ مقيّدةٍ بنظام، بل كلُّ شيء في الدنيا له نظامٌ يُسيّره، وحريةٌ الفردِ لا تصان إلا إذا قُيّدت ببعض القيود؛ لتسلم حرياتُ الآخريـن.
وإنما تمامُ الحرية _لا كمالُها_ قد يكون بالمنع أحياناً؛ فالمريضُ حين يُمنع عن الطعام الذي يضره هو حرٌّ لم يُنْتَقَصْ من حريته فتيلٌ ولا قطميرٌ؛ فذلك المنع إنما هو منعٌ مؤقتٌ؛ لتسلم له بعد ذلك حريتُه في تناول ما يشاء من الأغذية.
والمجرمَ تُحَدُّ حريتُه مؤقتاً؛ ليعرف كيف يستعمل حريته بعد ذلك في إطار كريم، لا يؤذي نفسه، ولا يؤذي الآخرين.
ثم إن الإنسانَ مدنيٌّ بطبعه؛ فلا يعيش وحده، وإنما يعيش في مجتمعٍ متماسك يؤذيه كلُّه ما يؤذي بعضَه، ومن هنا كانت الحريّةُ المطلقةُ فوضى.
أما كونُها عبوديةً ذليلةً فلأن تمامَ الحريةِ ألا يستعبدك أحدٌ ممن يساويك في الإنسانية، أو يكون دونك فيها.
وفي الفوضى التي يعبر عنها الناسُ بالحرية الشخصية عبوديةٌ ذليلةٌ لمن هو مثلُك، أو دونك من قيم الحياة المادية؛ فحين تستولي على الإنسان عادة ُالانطلاق وراء كلِّ لذةٍ، والانفلاتِ من كلِّ قيد يكون قد استعبدته اللذةُ على أوسع مدى، فيصبح أسيراً لها مُكَبَّلاً في أغلالها، لا يجري في الحياة إلا لأجلها، ولا يعمل إلا وَفْقَ ما تريد؛ فهذه الحريةُ التي تنقلب إلى عبودية أهونُ ما في الحياة من قيمة ومعنى.
ولئن كانت قيمةُ الإنسان بمقدار ما يناله من لذائذه، فإن الحيوانَ أكثرُ منه قيمة، وأعلى قدراً.
وحين ينطلق الإنسانُ وراء فتاةٍ يهواها، أو وراءَ الغانيات يشبع بهن لذائذَه، أيستطيع أن يزعم أنه حر ٌّمن سلطانهن؟!! أو تراه أسيرَ اللحظات، رهنَ الإشارةِ، شاردَ اللبِّ، مُعَنّى القلبِ أقصى أمانيه في الحياة بسمة من حبيبٍ هاجرٍ، أو وصال من جسم ممتنع؟!
أيةُ عبوديةٍ أذلُّ من هذه العبودية، وهو لا يملك زِمامَ نفسِه، ولا حريّةَ قلبِه؛ فلا يتحكَّم في حبه ولا بغضه، ولا رضاه، ولا غضبه؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإنَّ أسْرَ القلبِ أعظمُ من أسر البدن، واستعبادَ القلب أعظمُ من استعباد البدن؛ فإن من استُعْبِد بدنُه، واستُرِقّ وأُسِر لا يبالي إذا كانَ قلبُه مستريحاً من ذلك مطمئناً، بل يمكنه الاحتيالُ في الخلاص؛ وأما إذا كان القلب _الذي هو مَلِك الجسم_ رقيقاً مستعبداً متيَّماً لغير الله؛ فهذا هو الذلُّ، والأسرُ المَحْضُ، والعبوديةُ الذليلة لما استعْبَدَ القلبَ.
وعبوديةُ القلب، وأسرُه هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب؛ فإن المسلمَ لو أسره كافرٌ أو استرقّه فاجرٌ بغير حق؛ لم يضرَّه ذلك إذا كان قائماً بما يقدر عليه من الواجبات، ومن استُعْبِد بحق إذا أدّى حقَّ الله وحقَّ مواليه فله أجران، و لو أُكره على التكلّم بالكفر وقلبه مطمئن بالإيمان لم يضرَّه ذلك.
وأما من استُعْبِد قلبُه، فصار عبداً لغير الله، فهذا يضره ذلك، ولو كان في الظاهر ملكَ الناس؛ فالحريةُ حريةُ القلب، والعبوديةُ عبودية القلب، كما أن الغنى غنى النفس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن كثرة العرض؛ وإنما الغنى غنى القلب ). اهـ.
أيها الصائمون الكرام! وحين يسترسل الإنسان في تناول المسكرات والمخدرات يعبُّ منها ما تناله يده؛ حتى تتلف أعصابه وصحته، وتسلبه عقلَه وكرامتَه، أيزعم بعد ذلك أنه حر؟! أيوجد أبشعَ من هذه العبودية لشراب قاتل،وسموم فتاكة؟!
وقل مثل ذلك في التهالك على المال والجاه، إن ذلك حين يستولي على قلب الإنسان ونفسه ينقلب إلى عبودية ذليلة، وكلُّ هوىً يتمكَّن من النفس حتى تكون له السيطرة على الأعمال والسلوك يفضي بصاحبه إلى عبودية ذليلة مقيتة لا نهاية لقبحها.
ومن أعجب أساليب القرآن تعبيرُه عن مثل هذه الحالة بقوله: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) (الجاثـية: من الآية23). فليست العبودية الذليلة _إذاً_ قيداً ولا سجناً فحسب، فهذه أيسرُ أنواع العبودية، وأسرعُها زوالاً.
ولكن العبوديةَ الذليلةَ عادةٌ سيئةٌ تتحكم، وشهوة عارمة تستعلي، ولذةٌ محرمةٌ تُطاع.
وليست الحريةُ هي القدرةَ على الانتقال من بلد إلى بلد آخر، فتلك أيسرُ أنواعِ الحرية، وأقلُّها ثمناً؛ ولكن الحريةَ الحقَّة: أن تستطيعَ السيطرةَ على أهوائـك ونوازع الشر في نفسك، والحريّة الحقَّة ألا تستعبدَك عادةٌ، ولا تَستذِلَّك شهوةٌ.
وبهذا المعنى كان المؤمنون _حقاً_ هم أهلُ الحرية الحقَّة؛ فعبوديتهم لله،تحررهم من كل عبودية، وإخلاصُهم لله، يَصْرِفُ عنهم كلَّ ذِلَّةٍ وتبعيَّة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللهمن أراد السعادة الأبدية؛ فليلزم عتبةُ العبودية).
وقال رحمه اللهوإذا كان العبدُ مخلصاً لله اجتباه ربه، فأحيا قلبه، واجتذبه إليـه، فينصرف عنه السوء والفحشاء، ويخاف من ضد ذلك، بخلاف القلب الذي لم يخلصْ لله،فإن فيه طلباً، وإرادةً، وحباً مطلقاً، فيهوى كلَّ ما يسنح له، ويتشبث بما يهواه؛ كالغصن أيُّ نسيم مرَّ به عَطَفه وأماله؛ فتارة تجتذبه الصورُ المحرمةُ؛ فيبقى أسيراً عبداً لمن لو اتخذهُ هو عبداً لكان ذلك عيباً، ونقصاً، وذماً.
وتارة يجتذبه الشرفُ، والرئاسةُ، فترضيه الكلمةُ، وتغضبه الكلمةُ، ويستعبده مَنْ يثني عليه ولو بالباطل، ويعادي مَنْ يذمه ولو بالحق.
وتارة يستعبده الدرهمُ والدينارُ،وأمثالُ ذلك من الأمور التي تستعبد القلوبَ، والقلوبُ تهواها؛ فيتخذُ إلهَه هواه، ويتبعُه بغير هدى من الله.
ومن لم يكن خالصاً لله، عبداً له، قد صار قلبُه مُعَبَّداً لربه وحده لا شريك له، بحيث يكون هو أحبَّ إليه مما سواه، ويكون ذليلاً له، خاضعاً، وإلا استعبدته الكائناتُ، واستولت على قلبه الشياطينُ، وصار فيه من السوء، والفحشاء ما لا يعلمه إلا اللهُ، وهذا أمرٌ ضروريٌّ لا حيلةَ فيه). ا_هـ.
وهكذا يتبيَّن لنا أن المؤمنين الذين يخضعون لأمر الله ونهيه هم أكملُ الناس، وأعقلُهم، وأسعدُهم، وهم في الوقت نفسه أكثر الناس حريَّة؛ فخضوعهم لله حرَّرهم حتى من أنفسهـم.
أيها الصائمون الكرام! بهذا المعنى الدقيق نستقبل رمضان على أنه شهر الحرية، وعلى أن الصيام مدرسةٌ لتخريج الأحرار بالمعنى العلمي الصحيح.
في رمضانَ جوعٌ وعطشٌ، وفيه قيدٌ وحرمانٌ، ولكنه يمنحنا الصحةَ، ويحررنا من العبوديـة؛ يحررنا من عبودية الطعام،والشراب، وعبودية العادة، والحياة المملة.
في رمضانَ امتناعٌ عن اللذة اختياراً، وهذه هي الحريةُ؛ فحرية الإرادة أن تعمل وفق ما يمليه عليك دينُك، ووازع عقلك، لا ما تمليه عليك عاطفتك وشهوتك؛ فأنت _إذاً_ قوي الإرادة، ضعيفُ الهوى، تضبط ميولَك بإحكام عقلك.
ومن اتَّصف بهذا كان جديراً بالنصر في كل معركة يخوضهـا، وما قصة طالوت لما فصـل بالجنـود عنا ببعيـد، قـال_تعالى_)فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلا قليلاً منهم)(البقرة: من الآية249).
فانظر كيف هزموا عدوهم بعد أن هزموا شهواتهم!!.
أيها الصائمون الكرام! في رمضان عبودية كاملة، وهذه هي الحريَّة الكاملة؛ فأكثر الناس حريَّة أشدهم لله عبوديـة.
في رمضان امتناع عن كل خلق رذيل، وقول ذميم، ومقالة ذميمة؛ فما أحلى هذه الحريـة؛ فأنت في الخلق الكريم حرٌّ فلا تهان، ولا تُنْتَقَصُ في قدر ولا جاه، وأنت في القول الكريم حُرٌّ فلا تُضْطَرُّ إلى اعتذار، ولا تتعرضُ لملامة، ولا يملأ نفسَك ندمٌ.
وأنت في المعاملة الكريمة حرٌّ؛ فلا تلوكك الألسنُ، ولا تتحدث عن خيانتك المجالسُ، ولا تعلّق بذمتك الشهواتُ.
أيها الصائم الكريم هذا هو رمضان؛ يعلمنا الحرية بأجمل معانيها في جوعه، وعطشه، وقيوده، وحرمانه، أفلست تعشق هذه الحرية التي تنطلق من الجوع والحرمان؟ !.
لا أخالك إلا كذلك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع



أخر مواضيعي
قديم 26-08-2011, 05:37 AM   #2
ابو نواف العدواني
 
الصورة الرمزية ابو نواف العدواني
 







 
ابو نواف العدواني is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس من شهر رمضان ( 26 )


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
ابو نواف العدواني غير متواجد حالياً  
قديم 26-08-2011, 01:08 PM   #3
ابو احمد العدواني
مراقب عام
 
الصورة الرمزية ابو احمد العدواني
 







 
ابو احمد العدواني is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس من شهر رمضان ( 26 )

بارك الله فيك ونفع بك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
كفارة المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .
أخر مواضيعي
ابو احمد العدواني غير متواجد حالياً  
قديم 26-08-2011, 06:41 PM   #4
أبوعدي

مراقب عام
 
الصورة الرمزية أبوعدي
 







 
أبوعدي will become famous soon enough
افتراضي رد: دروس من شهر رمضان ( 26 )

جزاك الله خيراً .,. بارك الله فيك .,. لك مني أجمل تحية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
إذا أردت أن لا تندم على شيء فـ افعل كل شيء لوجه الله...
أخر مواضيعي
أبوعدي غير متواجد حالياً  
قديم 28-08-2011, 09:06 PM   #5
Mansour Al-zahrani
مشرف قسم الطب والطب البديل
 
الصورة الرمزية Mansour Al-zahrani
 







 
Mansour Al-zahrani is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس من شهر رمضان ( 26 )

جزاك الله خيراً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
((أسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، الحَيُّ القَيُّومُ، وَأتُوبُ إلَيهِ))


أخر مواضيعي
Mansour Al-zahrani غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : دروس من شهر رمضان ( 26 )
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دروس من شهر رمضان ( 16 ) ابو عادل العدواني أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1432 هـ 9 28-08-2011 09:16 PM
دروس من شهر رمضان ( 5 ) ابو عادل العدواني أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1432 هـ 10 09-08-2011 03:14 AM
دروس من رمضان ( 4 ) ابو عادل العدواني أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1432 هـ 12 09-08-2011 03:12 AM
دروس من رمضان ( 3 ) ابو عادل العدواني أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1432 هـ 10 09-08-2011 03:11 AM
دروس من شهر رمضان (1) ابو عادل العدواني أرشيف [الخيمة الرمضانية] 1432 هـ 16 09-08-2011 03:08 AM


الساعة الآن 11:53 AM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved