#1
|
|||
|
|||
الحياء لا يأتي إلا بخير
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ خِلَالِ الدِّينِ، وأَنْبَلِ أَوْصَافِ عِبَادِ اللَّـهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَجَلِّ شُعَبِ الْإِيمَانِالْحَيَاءَ ، وَهُوَ خَصْلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَخَلَّةٌ كَرِيمَةٌ، تَبْعَثُ عَلَى التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ، وَالتَّخَلِّي عَن الرَّذَائِلِ. وَهُوَ مَعْدِنُ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَمَنْبَعُ الْمُعَامَلَاتِ الْكَرِيمَةِ، وَهُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ - َمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم، وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرِ - ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: «الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ»(1) وَثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ: دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ»(2) . وَثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ»(3) . وَالْحَيَاءُ مُشْتَقٌّ فِي أَصْلِهِ مِنَ الْحَيَاةِ؛ فَكُلَّمَا عَظُمَتِ الْحَيَاةُ فِي الْقَلْبِ عَظُمَ الْحَيَاءُ، وَكُلَّمَا ضَعُفَتِ الْحَيَاةُ فِي الْقَلْبِ وَالرُّوحِ ضَعُفَ الْحَيَاءُ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «مَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ». وهو مِنْ أَفْضَلِ الْخِصَالِ وَأَكْمَلِ الْخِلَالِ وَأَعْظَمِهَا نَفْعًا وَأَكْبَرِهَا عَائِدَةً، وَكُلَّمَّا كَانَ الْعَبْدُ مُتَحَلِّيًّا بِالْحَيَاءِ كَانَ ذَلِكَ دَافِعًا لَهُ وَسَائِقًا إِلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرَاتِ، فَمَنْ كَانَ ذَا حَيَاءٍ حَجَزَهُ حَيَاؤُهُ عَنِ الرَّذَائِلِ، وَمَنَعَهُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ. وَأَمَّا مَنْزُوعُ الْحَيَاءِ ، فَهُوَ - والْعِيَاذُ بِاللَّـهِ -لَا يُبَالِي أَيَّ رَذِيلَةٍ اَرْتَكَبَ، وَأَيَّ كَبِيرَةً اقْتَرَفَ، وَأَيَّ مَعْصِيَةٍ اجْتَرَحَ؛ فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيَ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»(4) . فمَنْزُوعُ الْحَيَاءِ لَا يُبَالِي فِي أَعْمَالِهِ، وَلَاَ يَتَوَقَّى فِي أُمُورِهِ، فَهُوَ لَا يَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ وَخَالِقِهِ وَمَوْلَاهُ، وَلَا يَسْتَحِي مِنْ عِبَادِه. فَمِنَ النَّاسِ مِنْ قِلَّةِ حَيَائِهِ لَا يُبَالِي بِارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ فِي أَيِّ مَكَانٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشِيعُهَا وَيُشْهِرُ نَفْسَهُ بِهَا وَيَتَحَدَّثُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَكَأَنَّهُ يَتَحَدَّثُ عَنْ أَفْضَلِ الْخِصَالِ وَأَطْيَبِ الْخِلَالِ! وَأَعْظَمُ الْحَيَاءِ وَأَوْجَبُهُ، وَأَجَلُّهُ قَدْرًا وَأَفْضَلُهُ: الْحَيَاءُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، الْحَيَاءُ مِمَّنْ أَوْجَدَكَ -أَيُّهَا الْإِنْسَانُ- وَمَنَّ عَلَيْكَ بِصُنُوفِ النِّعَمِ وَأَلْوَانِ الْمِنَنِ ، وَمَنْ هُوَ بِكَ عَلِيمٌ وَعَليكَ مُطلِعٌ. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي «الزُّهْدِ»، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي «شُعَبِ الْإِيمَانِ»: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم: أَوْصِنِي. قَالَ: أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّـهِ كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا مِنْ صَالِحِي قَوْمِكَ»(5) . وَيُحَرِّكُ فِي الْقَلْبِ الْحَيَاءَ مِنَ اللَّـهِ: · تَعْظِيمُ اللَّـهِ جَلَّ وَعَلَا. · وَحُبُّهُ سُبْحَانَهُ. · وَالْعِلْمُ بِرُؤْيَتِهِ وَاطِّلَاعِهِ. فَهَذِهِ الثَّلَاثُ مُحَرِّكَاتٌ لِلْقُلُوبِ؛ مَتَى مَا كَانَ الْقَلْبُ مُعَظِّمًا لِرَبِّهِ عز وجل ، مُحِبًّا لَهُ -سُبْحَانَهُ-، عَالِمًا بِاطِّلَاعِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ؛ تَحَرَّكَ الْقَلْبُ حَيَاءً مِنَه -جَلَّ وَعَلَا-. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ»، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي «جَامِعِهِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: « اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّا لَنَسْتَحْيِي -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ-. قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ؛ وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّـهِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَأَنْ تَذْكُرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الْحَيَاءِ»(6) . أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ فِيهَا جِمَاعُ الْخَيْرِ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: حِفْظٌ لِلرَّأْسِ وَحِفْظٌ لِلْبَطْنِ ،وَهُمَا أَثَرُ الْحَيَاءِ -حَقًّا- وَنَتِيجَتُهُ وَثَمَرَتُهُ؛ فَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ مُفْعَمًا بِالْحَيَاءِ مِنَ اللَّـهِ -جَلَّ وَعَلَا- بَعَثَهُ حَيَاؤُهُ وَسَاقَهُ إِلَى حِفْظِ رَأْسِهِ وَبَطْنِهِ. وَحِفْظُ الرَّأْسِ يَشْمَلُ: حِفْظَ الْبَصَرِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْحَرَامِ، وَحِفْظَ السَّمْعَ مِنْ سَمَاعِ الْحَرَامِ، وَحِفْظَ اللِّسَانِ مِنَ الْكَلَامِ الْحَرَامِ، وَحِفْظَ الْوَجْهِ عُمُومًا مِنْ مُقَارَفَةِ خَطِيئَةٍ أَوِ ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ. وَحِفْظُ الْبَطْنِ يَتَنَاوَلُ عَدَمَ إِدْخَالِ مُحَرَّمٍ فِي الْجَوْفِ، وَيَتَنَاوَلُ -كَذَلِكَ- حِفْظَ الْقَلْبِ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَتَجْنِيبَهُ رَدِيئَهَا وَسَيِّئَهَا، وَيَتَنَاوَلُ -كَذَلِكَ- حِفْظَ الْفَرْجِ مِنْ غِشْيانِ الْحَرَامِ. وَالْأَمْرَانِ الْآخَرَانِ فِي الْحَدِيثِ وَهُمَا قَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «وَأَنْ تَذْكُرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» فِيهِمَا ذِكْرٌ لِأَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ إِذَا اسْتَقَرَّا فِي الْقَلْبِ تَحَرَّكَتِ الْفَضَائِلُ فِيهِ؛ فَمَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ سَيَمُوتُ وَيَبْلَى، وَأَنَّهُ سَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنَّ اللَّـهَ عز وجل سُيُحَاسِبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا قَدَّمَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ؛ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّـهِ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالٍ سَيِّئَةٍ وَخِصَالٍ مَشِينَةٍ، وَأَقْبَلَ عَلَى اللَّـهِ عز وجل إِقْبَالًا صَادِقًا بِإِنَابَةٍ، وَحُسْنِ عِبَادَةٍ، وَتَمَامِ إِقْبَالٍ. اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا مَنَّانُ يَا جَوَادُ يَا كَرِيمُ يَا مُحْسِنُ: ارْزُقْنَا أَجْمَعِينَ الْحَيَاءَ مِنْكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْحَيَاءَ مِنْكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْحَيَاءَ مِنْكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ. |
08-04-2011, 10:45 AM | #2 |
|
رد: الحياء لا يأتي إلا بخير
جزاك الله كل خير
وجعل الله ما نقلت في موازين حسناتك واسال الله العلي القدير أن يكتب لنا ولكم الاجر والمغفرة وبارك الله فيك |
08-04-2011, 01:03 PM | #3 |
|
رد: الحياء لا يأتي إلا بخير
جزاك الله خير سلمت يداك تحياتي ودمتم بخير |
08-04-2011, 02:07 PM | #4 |
|
رد: الحياء لا يأتي إلا بخير
جزاك الله خير
الله يكتب لك الاجر |
08-04-2011, 02:16 PM | #5 |
|
رد: الحياء لا يأتي إلا بخير
اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا مَنَّانُ يَا جَوَادُ يَا كَرِيمُ يَا مُحْسِنُ: ارْزُقْنَا أَجْمَعِينَ الْحَيَاءَ مِنْكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ.
امين.. الله يجزاك خير موضوع مفيد اخوي ربي لايحرمك اجره |
08-04-2011, 03:54 PM | #6 |
عضو متميز
|
رد: الحياء لا يأتي إلا بخير
جزاكـ الله خـير وباركـ فيكـ
|
08-04-2011, 09:41 PM | #7 |
مراقب عام |
رد: الحياء لا يأتي إلا بخير
جزاك الله خير
|
09-04-2011, 03:46 AM | #8 |
|
رد: الحياء لا يأتي إلا بخير
.. جزاكـ ـ اللهـ خيرا .. وباركـ ـ اللهــ فيكـ .. |
09-04-2011, 02:38 PM | #10 |
|
رد: الحياء لا يأتي إلا بخير
جزاك الله الف مليون خير موضوع قيم وجهد مشكور
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع : الحياء لا يأتي إلا بخير | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ماذا تفعل قبل أن يأتي رمضان | حسام العامري | الإسلام حياة | 10 | 18-08-2009 10:34 PM |
السعدي 07 .. عز جمبي يالخوي | بن درويش 2009 | الموروثات الشعبية | 5 | 18-02-2009 12:57 PM |
مدحي للصغير1 لم يأتي من فراغ | رعد الجنوب | مجلس دوس بني علي | 11 | 26-09-2008 04:24 PM |
ابغى برنامج لمن يستطيع ان يأتي به | ابووافي | المدرسة الإليكترونية | 7 | 13-11-2007 05:06 PM |
..**حينما يأتي الليل..** | البرنسيسة | المنتدى الأدبي | 13 | 02-09-2007 03:14 AM |