منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > منتدى الكتاب

باص القيامة / للكاتبة روضة البلوشي


منتدى الكتاب

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 29-06-2013, 12:22 PM
الصورة الرمزية عذبة الاوصاف
عذبة الاوصاف عذبة الاوصاف غير متواجد حالياً
مشرفة مجلس الامارات
مشرفة القسم الرياضي
 






عذبة الاوصاف is on a distinguished road
افتراضي باص القيامة / للكاتبة روضة البلوشي


أول ما يلفت انتباه قارئ قصص روضة البلوشي التي ضمنتها في كتابها “باص القيامة”، هو قدرة هذه الكاتبة على صناعة بُنى قصصية مدهشة، يحس معها القارئ أنه أمام كاتبة متمرسة وليس أمام كاتبة شابة تجمع بداياتها القصصية في كتاب وتنشره، لمجرد الإعلان عن ذاتها، وإيجاد ملصق إعلاني لصفتها ككاتبة .

منذ القصة الأولى “تعذبني أشياؤه” تعلن لنا الكاتبة حضورها، وهي تلتقط الحكاية الخام وتدخلها إلى مصنع الخيال لتفككها وتعيد بناءها من جديد، بما يلبي وجهة نظرها، وتعتمد في ذلك على تقنية سردية تمزج الحاضر بالماضي مكسرة خطية الأحداث، تُظاهِرُها تقنية أسلوبية قوامها التخفف من أدوات الربط والاعتماد على تتالي الأفعال ضمن الحدث، والحكاية هنا لأرملة شابة رحل زوجها فجأة تاركاً لها ثلاثة أطفال في عمر الزهور، ليملأ حياتها بحزن لا يزول، ولكي تصور البلوشي حكاية هذه المرأة، وحجم ما حل بها من ألم، فقد اختارت أن تحكيها عبر خطين متوازيين هما الماضي والحاضر، لكنها جعلتهما متداخلين بفعل الوهم الذي يسيطر على ذهن بطلتها، حيث لا يزال زوجها يمارس حضوره الطاغي وكأنه لم يخرج من الغرفة: “يمسك بيدي ويسحبني برفق نحو غرفة نومنا . . يطلب مني أن أنظر إليه وهو يتحول إلى خزانة ملابسنا المشتركة، يقول لي: - ادخلي ولكن برفق يكررها مرتين، وحين أدخل في العتمة، يسألني: - والآن، بم تشعرين؟

فأجيبه: - أشعر بالدفء، بالدفء فقط، وببعض البرد، لا أكثر” .

هل تصور الكاتبة هنا حدثاً وقع في الماضي؟ أم تصور حالة توهم طافت بذهن بطلتها، وهي تقف أمام خزانة الملابس، وتعاين ملابس زوجها مصفوفة إلى جانب ملابسها، فتتلاشى الخزانة أمام عينيها ولا يبقى سوى صورته كبيرة بالمقدار الذي يملأ عينيها، ويحجب عنها ما سواها، قد تسعفنا عبارة “يتحول إلى خزانة” في تقرير أن الأمر توهم، لكن ذلك ليس أكيداً لأن التحول قد يكون بمعنى الانتقال إلى الشيء .

يأتي الحدث الثاني في القصة ليؤكد الوهم حيث: “يعود إلى وضعه السابق كرجل هادئ وزوج شديد الحضور وأب لأبنائنا الثلاثة الذين يشبهونني أكثر مما يشبهونه وربما يحبونه أكثر مما يحبونني”، عودة الزوج بصفاته تلك ستتكرر مرات في القصة محدثة تكراراً له إيقاعه الأسلوبي الدال على إيقاع نفسي أعمق، فتلك الصفات عميقة مستقرة في نفس هذه الزوجة بكل تفاصيلها، وكل منها مفتاح لأشياء كثيرة لا تقولها الزوجة، وهي في إجمالها تلخص كل ما تحلم به المرأة في زوجها “رجل هادئ، زوج شديد الحضور، أب لأبنائنا الثلاثة” وتلح عليها عند كل حركة تأتي بها، ويتضخم الوهم عندما تذهب لتجلب له كوب العصير، وبالطبع ستعود فلا تجده، لكنها تحس به في كل شيء من حولها، وتكرار الجمل يحمل معه في كل مرة تغيراً في صفة الأطفال: “الذين يتابعون مسلسلاً كرتونياً في صالة الجلوس الآن” أو “الذين يتعاركون حول شيء ما وأحدهم يبكي ويستنجد بي”، وهذا التغير يختزل بصورة غير مباشرة واقع حياة أولئك الأطفال من وجهة نظر الأم، ففيها العذوبة والبراءة والمتاعب، وهي تقابل حياة الزوج التي اكتملت واستقرت على وصف واحد .

نلاحظ أن الكاتبة كسرت نمطية السرد المباشر، فقدمت صورة الأطفال كتعليق ثانوي على اللحظة الحاضرة، لحظة الوهم التي تعيشها البطلة “حضور الزوج”، وسمح لها ذلك بالاستغناء عن الاسترسال والتفصيل في حياة الأطفال، وكذلك فعلت في مواطن من القصة حيث تقود صورة الزوج البطلة إلى الحديقة لتتذكر شجرة النارنج التي جلبها وغرسها في الحديقة بيديه القويتين، لكنها ذبلت وماتت، وتتذكره أيضاً وهو شاب قوي يغازلها في الشارع ثم تتطور حكايتهما إلى الزواج، هكذا تنسج الكاتبة من تلك اللفتات السريعة الجانبية تفاصيل حياة الزوجين السابقة، برشاقة أسلوبية تظهر مهارتها الكبيرة في فتل الأحداث وتوجيهها بالطريقة التي تريدها .

رشاقة الانتقال بين أحداث الحاضر والماضي تماثلها على المستوى الأسلوبي رشاقة في استخدام لغة تغوص إلى أعماق النفس وتتخفف من أدوات الربط التي تصاحب السرد عادة، جانحة بذلك إلى الشاعرية ومركزة على تدافع الأفعال المتتالية في الزمن “يمسك بيدي، يسحبني، يطلب مني ، يتحول” كأداة لربط حركي يسمح بالانتقال السريع بين مختلف الوضعيات والأحداث .

مزج الحاضر بالماضي سردياً، والأفعال المتتابعة أسلوبياً، هما خاصيتان ثابتتان في كل قصص مجموعة “باص القيامة” وإن بدرجات متفاوتة، فالكاتبة تفتح ذهن الشخصية القصصية وتتركها تصب ما لديها من ذكريات ماضية تحفزها مشاهد الحاضر، ويعمل الخيال أو الوهم أو المشاعر النفسية على تلوين لحظتي الزمن كيف يشاء، وعلى اختيار ما يشاء منهما لروايته، ففي قصة “حفيف المرآة” لا شيء أجمل من هذا الانتقال بين الحاضر المملوء بصخب بنات المدرسة، وهن يتدافعن داخل الحافلة، ويرشقن سائقها الآسيوي الشاب بكلمات بريئة تارة واستفزازية أخرى، فيثير ذلك ألمه وحنقه، ويفتح ذكريات حياته بين أهله، وصور وداعه لهم، وبكاء أمه، وأحزان ابنة عمه، وكل جراحات حياته، ويقود الحافلة شارداً في صور جذوع البنات الغضة التي تعكسها له المرآة الأمامية، فلا يرى المطب أمامه، وتنتفض الحافلة وتهتز فتنتفض معها الأجساد الغضة والسّباب الوقح الذي يدمي قلبه، وهو يلوذ بصمت العاجز عن القيام بأية ردة فعل، لأنه يعرف ما يمكن أن يجلبه عليه ذلك من مآسٍ، ويعود إلى مرآته فيجدها قد تهشمت .

لقد سمحت تلك القدرة السردية للكاتبة بأن تتحرر من سطوة تسلسل أحداث الحكاية، وأن تختار البداية التي تنطلق منها كما تريد هي، لا كما حدثت في الواقع، ففي قصة “مثل شاة مريضة تقفين” تبدأ من لحظة وقوع الخبر السيئ “مبروك ابنتك حامل”، وهي التهمة التي ستلقى بسببها البنت أصناف العذاب والصدود والازدراء، وتتداعى صور الحاضر المؤلمة لتمتزج بالذكريات الجميلة والأحلام العجيبة، قبل انكشاف خطأ الطبيبة في التحليل، وتداعي أفراد الأسرة والأقارب للاعتذار لابنتهم عن الجرح الذي تركوه في نفسها .

في “باص القيامة” يجد القارئ نفسه أمام كاتبة تمتلك الكثير من مقومات النضج الفني، ولن تعوزها الآلة إذا استمرت في الكتابة، وأرادت أن تقدم إبداعاً أدبياً أصيلاً .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : باص القيامة / للكاتبة روضة البلوشي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سلطان البلوشي: المصادفة منحتني الفرصة عذبة الاوصاف مجلس الامارات 2 22-05-2013 08:04 PM
أسماء البلوشي: الرسم مرآة لشخصيتي عذبة الاوصاف مجلس الامارات 3 08-05-2013 12:09 AM
نتيجة عينة البلوشي في مشروع الحمض النووي العربي تؤكد أزديتهم الشيبة تاريخ زهران 6 31-03-2010 03:11 AM
القارئ الشيخ مرزوق البلوشي ابن السعوديه صوتيات - مرئيات - فلاشات إسلامية 2 02-04-2009 08:42 AM
القطري طلال البلوشي انضم رسميا للشباب السعودي زهران وللعز عنوان المنتدى الرياضي 11 25-01-2009 04:27 PM


الساعة الآن 08:40 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved