( من الواقع ) أنا أو لا أحد . .

[عذبة الاوصاف]

ماذا يحصل لبعض الناس من الذين فقدوا القيم والأخلاق . . الشهامة والشرف؟ هل نسوا أننا عرب، نستر أعراضنا ونخاف عليها؟ نعامل المرأة باحترام وود فهي الأم والشقيقة . . الابنة والزوجة، لكن ماذا نقول عن بعض الشبان المستهترين الذين يستخدمون التكنولوجيا الحديثة لأغراض ليست تافهة فقط، بل للأسف دنيئة، لأنهم كانوا السبب في تلطيخ سمعة فتاة بريئة والقضاء على مستقبلها وحياتها . . على أحلامها وضحكتها؟ إن الذي اخترع تلك الأشياء كان هدفه تطوير التكنولوجيا والتقدم بالعلم والمعرفة وبالبحث والاستفادة . . لم يفكر في أنه يساعد بعض من الشبان المستهترين على تنفيذ مخططات شيطانية، كما حصل مع بطلة قصتنا التي لم تكن الأولى، وللأسف لن تكون الأخيرة في سلسلة انحطاط بعض الناس والتشهير بأعراض بنات العائلات المحترمات .


هنا أتكلم عن “حصة” التي كانت مثالاً يحتذى به بين أهلها وصديقاتها في الجامعة . . كانت إنسانة خلوقة مثقفة وذكية . . طيبة وخدومة . . هذا ولم أتكلم عن جمالها الأخاذ . . كانت محط أنظار الجميع وكانت كل امرأة من عائلتهم أو من الفريج تتمنى أن تصبح “حصة” زوجة لولدها، أما الشبان فحدث ولا حرج، جميعهم يحلمون بأن تكون أمّاً لأولادهم، لما تتمتع به من صفات حميدة وابنة عائلة طيبة، وكان أكثر المعجبين بها “سالم”، الذي يسكن في المنزل المقابل لمنزلهم، فهو يحبها منذ الصغر، كان ينتظرها لتخرج صباحاً علّه يفوز بنظرة منها، وأقسم على ألا تكون لأحد سواه، فهو يحبها بجنون بالرغم من أنه متأكد من أنها لن ترضى به بسبب لتصرفاته الطائشة وسمعته السيئة في كل شيء، فهو لم يكمل دراسته، يعود إلى منزله في وقت متأخر وصوت الموسيقا يصدح من سيارته التي يبلغ ثمنها مئات الآلاف ورقمها مميز، الذي يراه يعتقد أنه رجل أعمال مهم فهو يعيش حياة مترفة، لكنهم لا يعلمون بأنه لم ولن يعمل يوماً، فهو يعيش من الثروة الطائلة التي تركها له والده، رحمه الله، والذي كان عكسه تماماً محبوباً من الجميع، لما كان يتمتع به من أخلاق حميدة، مات وهو يعلم بأنه دلل ولده أكثر من اللازم، فقد كان وحيداً على ست فتيات، توفيت والدته وهو لا يزال صغيراً، فأعطاه والده الراحل كل وقته وحبه ورعايته، حتى شقيقاته كن لا يرفضن له طلباً وبالغن في تدليله .


ثم، عندما أصبح شاباً زادت تصرفاته سوءاً بعد معاشرته شلة فاسدة مثله، يملكون الكثير من المال ولم يكملوا دراستهم . . كانوا ينامون في النهار ويسهرون للفجر، من دون عمل، ومن دون عائلة تسأل عنهم، ولا كبير يردعهم . . كانوا يثملون حتى لا يعودون يعلمون أين منازلهم، لذلك قرروا السهر والنوم في شقة ابتاعوها شراكة ليبقوا ويمارسوا فيها جميع المحرمات، المهم أن “سالم” قرر بعد أن قضى ليالي يفكر في “حصة” أنه لا بد أن يتزوجها، فقصد منزل شقيقته الكبيرة وطلب منها ان تزور والديها وتكلمهما بموضوعه بعدما وعدها بأن يبدل حياته ويصبح مسؤولاً، رفضت شقيقته الأمر وأفهمته بأنهم سوف يرفضون وبالتالي سيضعها في موقف حرج، لكنه توسل إليها ووعدها بأن يفعل ما تطلبه منه، وعند إصراره وعدته بأن تفكر في الموضوع شرط أن يبرهن لها أنه جاد وعند كلامه .


حاول “سالم” أن يعمل كما طلبت منه شقيقته، فأصبح يذهب كل يوم إلى شركة والده التي يديرها نسيبه ففرحت به وأخبرت شقيقاتها بالأمر، وبعد وعندما شعرن بأنه تبدل، قررن أن يزرن أهل “حصة” لطلب يدها من والديها، لكن الرفض كان حازماً وقاطعاً من قبل أهلها جميعهم، حيث قالوا لهن بالحرف: لو كانت “حصة” ابنتكن، وتقدم لها شاب يملك ماضياً مخجلاً ومستقبلاً مجهولاً مثل “سالم” ستقبلن بتزويجها له؟ حاولن الدفاع عنه لكن والدها قال: إسمعنني جيداً والدكن رحمه الله كان رجلاً محترماً، ويا ليت “سالم” ورث ربع طباعه وأخلاقه، لكنه للأسف لا يشبهه في شيء وهو لن يتبدل، فمن شبّ على شيء شاب عليه وأنا لن أرمي ابنتي في بئر شقيقكن، أنا آسف .


كان “سالم” ينتظر على أحر من الجمر عودة شقيقاته، لكنه عرف الجواب من وجوههن فخرج من المنزل كالمجنون، قاد سيارته بسرعة وعاد إلى أصدقائه حيث سمح لدموعه بالانحدار . . حزنوا لحزنه واستاءوا من رد أهل “حصة”، وقرروا الانتقام لصديقهم على طريقتهم، فاتفقوا مع فتاة من شلتهم الفاسدة على أن تذهب وتتعرف إليها في منزلها، على أنها تبيع منتجات يدوية لمصلحة جمعيات خيرية وبما أن الأخيرة داهية، وتنفذ مطالب الشلة من دون تردد، استطاعت أن تجعل “حصة” الطيبة أن تحبها تثق بها وتقدّر عملها الخيري، فأصبحت تكلمها كل يوم إلى أن وثقت بها تماماً، وصارت مقربة جداً منها وحافظة أسرارها البريئة، وبعد مرور أسابيع، وعندما تأكدت من أنها أصبحت كالعجينة بين يديها، استدرجتها لتصعد معها إلى شقة إحداهن بحجة أنها تريد أن تتسلم مبلغاً من المال لقاء مبيعاتها لهذه المرأة قبل أيام، وهكذا تتدرب فذهبت معها “حصة” .


دخلتا فرأت “حصة” امرأة تبلغ حوالي الخمسين من العمر، استقبلتهما بترحاب وطلبت منهما الجلوس، ثم قدمت لهما العصير البارد، وما كادت “حصة” تنهي العصير، حتى شعرت بدوار لم تستيقظ بعده إلا وهي في مظهر غير لائق و”سالم” بقربها . . لم تستوعب في البدء . . شعرت بأنه حتماً كابوس مرعب، ثم علمت بأنها للأسف تعيش حقيقة مؤلمة وبشعة، فصرخت وأمسكت بغطاء تستر نفسها به . . أخذت تضربه وتقول له ماذا فعلت؟ وكيف وصلت إلى هنا أيها الحقير؟ أجابها الذي حصل سببه أنت وأهلك، لست أنا يا “حصة” المحترمة من يقال له لا . . لست أنا من ترفضه واحدة مثلك، قالت له والدموع تتساقط من عينيها: أنت عديم الأخلاق لا ضمير عندك ولا شرف، حسبي الله ونعم الوكيل فيك .


ضحك بسخرية وأجابها قائلاً: هذا الكلام لن يفيدك، فأنت لست في موقف يسمح لك بالتصرف بعنجهية وكبرياء فشرفك وسمعتك أصبحا بيدي، وصورك غير اللائقة على هاتفي النقال، لكنني لا أقبل أن يراها أحد بالطبع، في حال وافقت على الزواج بي، أما إذا لم توافقي فصدقيني سوف تنتشر كانتشار النار في الهشيم . . عندها ستصبح سيرتك على كل لسان ولن يقبل أحد بالارتباط بك، وسوف تعودين إلي زاحفة متوسلة أن أتزوجك، فكري بروية واستعملي رأسك ثم قرري وأنا في انتظارك .


وصلت “حصة” إلى منزلها وهي منهارة ترتجف كالورقة وتبكي بكاء هستيرياً، رأتها والدتها على هذا الحال فهرعت إليها وسألتها بهلع، ماذا حصل يا ابنتي ما بك لماذا ترتجفين هكذا؟ فارتمت بين أحضانها وزاد بكاؤها . . انهارت كلياً وأخبرتها ما جرى، جن جنون والدتها وهبت إلى الهاتف لتتصل بزوجها الذي وصل بسرعة من دون أن يفهم ما يجري . . شعر بأن قلبه سيقف وبأن قدميه لا تقويان على حمله . . عندما رأى زوجته أرضاً تضرب بيديها على وجهها وابنته الرقيقة ساهية، وعينيها متورمتين وجاحظتين، لم يصدق ما سمع . . طلب من زوجته الاتصال بالشرطة فوراً، وخرج كالمجنون إلى منزل “سالم” الملاصق لمنزلهم، وهو لا يرى أمامه يريد قتله بيديه .


ما هي إلا ساعات حتى تم القبض على “سالم” وأصدقائه في وكرهم وهم سكارى، اعترفوا بكل شيء ثم قالوا للضابط بكل وقاحة أنهم قد طلبوا من الفتاة، صديقة “حصة” المزعومة، إن علمت بأنه قد تم توقيفهم، ستقوم بنشر الصور والفيديو بواسطة الهاتف النقال والإنترنت، على صفحة التواصل الاجتماعي، أجابهم الضابط هل تقومون الآن وأمامي بعملية استفزاز؟ ألا تزالون تحت تأثير السم الذي تدمنون عليه أم ماذا؟ وبعد البحث تم القبض على الفتاة لكن بعد فوات الأوان، فقد أصبحت صور “حصة” وسيرتها على كل شفة ولسان، فاللواتي كن يغرن منها فرحن لأنها ابتعدت عن مجال منافستهن، والشبان الذين رفضتهم شمتوا بها وقالوا: تستاهل، أما الذين لم يعرفوا القصة فكانوا يدعونها بألفاظ بذيئة ظناً منهم بأنها فعلاً سيئة، والذين يعرفونها صُدموا ولم يصدقوا، أما هي .


تلك الفتاة المسكينة التي كان حظها أنه أحبها شخص شرير بلا ضمير، لا يخاف الله سبحانه تعالى حبست نفسها في غرفتها تبكي حظها التعس . . تبكي كرامتها المفقودة . . تبكي طيبتها وثقتها بالناس التي أوصلتها إلى ما وصلت إليه، تزور كل يوم الطبيب النفسي للمعالجة، صحيح أن القانون أنصفها، وصحيح أن “سالم” لم يلمسها، إلا أن الناس لا تصدق إلا الذي تراه، لكن الله عز وجل لا يرضى بالظلم خاصة مع إنسانة متدينة، لم يهز ولم يمس ما حصل، إيمانها بالخالق الكريم وبعدله فقد طرق باب منزلهم يوماً، القاضي الشاب الذي تابع قضيتها وحكم فيها، وقد تأثر جداً بما حصل معها، كما أنه أعجب بإصرارها على متابعة القضية ولم تخف أو تتراجع، جاء مع والديه ليطلبوا يدها من أهلها قائلاً، سيكون شرف لي لو رضيتم بأن تزوجوني ابنتكم الفاضلة .


تعيش “حصة” الآن أجمل أيام حياتها، مع الإنسان الشهم والطيب الذي ارتبطت به تنتظر مولودها الأول منه، لا أقول إنها نسيت أو ستنسى ما جرى لها لكنها قررت ألا تنظر إلى الوراء وتتابع حياتها، أما “سالم”، فقد كان دخوله السجن بمثابة إنقاذ له، فهو يحاول الآن التكفير عن ذنوبه بالصلاة وحفظ القرآن الكريم، علّ الله يتقبل توبته ويسامحه على ما فعله بحق تلك المسكينة وبحق نفسه وأهله، وهنا أطلب من الله عز وجل أن يستر على بنات الناس من شّر بعض الناس .

[محمد الساهر]

حسبنا الله ونعم الوكيل على كل ظالم
بالفعل قصه مؤثره ومحزنه


بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد نتمنى منك المزيد