عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-12-2010, 10:53 PM
الصورة الرمزية عبدالخالق الزهراني
عبدالخالق الزهراني عبدالخالق الزهراني غير متواجد حالياً

شاعر
 






عبدالخالق الزهراني is on a distinguished road
افتراضي الانتفاع بالعقل والتفكّر !!

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم , وهو بالخلق رؤوف رحيم , كتب مقادير كلّ شيء , فلا يتخلّف شيء ممّا قدّر عمّا قدّر , له الحمد حمداً يليق بوجهه العظيم الذي لا شيء أعظم منه , وله الحمد حمداً يملأ ما أحاط به علمه و سمعه وبصره ورحمته وقدرته , هو الخلاّق العليم , وهو البرّ الرحيم ,,
الحمدُ لله ربي المحمود على كلّ حال , ذو الجلال والإكرام والعظمة والكبرياء والعزّة والجمال ,,,

هو الله كم أعطى وكم منّ سيّدٌ له كلّ حمدٍ باقياً ليس ينفدُ
هو الله جلّ اللهُ مولى عبادِه هو الله ربّ دائم البرّ يُقصَدُ

والصلاة والسلام على النبي الكريم , بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وجاهد في الله حقّ الجهاد , ماترك من خير إلاّ ودلّ الأمة عليه , وماترك من شرّ إلاّ ونهى الأمة عنه , صلّى الله عليه وسلّم صلاةً وسلاماً تبلغ مابلغ الليل والنهار , وتأتي على ما أتى عليه نور وجه الله عز وجل الذي زّكاه وأمرنا بالصلاة والسلام عليه , (( إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ , يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما )) ,,

لا يمكن للإنسان أنْ يترك الفكر والتفكّر , ولا ينفك أبداً عمّا يحدثُ به نفسه , وتفكّره نوعان , تفكّر يهتدي بعده بفضل الله إلى مولاه الحقّ , وتفكّرٌ يضِلُّ بعده غاية الضلال , ويهوي به هذا التفكّر في جهنّم وبئس القرار , فمن النوع الأول تفكّر أولي الألباب الذين أخبر الله عز وجلّ عنهم : (( إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب , الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السموات والأرض , ربّنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النّار )) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم عندما نزلت : (( ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها )) , ومن النوع الثاني تفكّر الكافرين الضلاّل ومنهم الوليد بن المغيره الذي (( فكّر وقدّر فقُتِلَ كيف قدّر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثمّ عبس وبسر ثمّ أدبر واستكبر )) فقال بعد تفكره (( إنْ هذا )) أي القرآن (( إلاّ سحرٌ يؤثر )) ,,
القلب الذي هو مكان التفّكر وكذلك العقل واللب , هي منحٌ إلهية وعطايا ربّانية , لا يليق أنْ يقابل واهبها إلاّ بالخضوع لما يريد , والاستسلام لما يأمر به , السموات والأرض أتت ربّها منقادة خاضعة طائعة , مع أنّهما لا حساب عليهما , ولا جزاء سيلقاهما , كلّ مافي الكون يسبّح لله في خضوع واستكانة وذلّ , وكأنّ سكون الأرض والسماء والجبال والوديان والهضاب والتلال والصخور والأكوان إنّما هو خشوع من جلال التسبيح كذلك الخشوع الذي يعتري القلب عندما يرقّ مسبحاً خاشعاً لله .
العقل إذا تُرِك بدون أنْ يؤثَّرَ عليه فسيشهد ألاّ إله إلاّ الله , وسيشهد أنّ الله هو الحكيم الذي لا يمكن أبداً أنْ يتصور أنّه سبحانه سيترك الخلق سدى أو أنهُ خلقهم عبثاً , بل له غايةٌ جليلة , سينزل من أجلها كتباً , ويرسلُ من أجلها رسلاً يبلّغون الخلق هذه الغاية , وكانت الغاية هي عبادته مع غناه عنهم وفقرهم إليه , وكان آخر هذه الكتب القرآن الكريم الذي أنزله سبحانه على آخر رسله محمد صلى الله عليه وسلّم , فكان هذا الكتاب آيةً قاطعة لكلّ من أراد دليلاً على وحدانية ربه , وألوهيته وربوبيته واسمائه وصفاته , فهو معجِز لم يأتِ أحدٌ بمثله , ولن يأتِ أحدٌ بمثله أبداً , ولو اجتمع الجن والإنس كلّهم وكان بعضهم لبعضٍ ظهيراً , حسمَ الأمر وانتهى , فاللهم إنّي أشهدك وأشهد ملائكتك وحملة عرشك أنّك الله لا إله إلاّ أنت وأنّ محمداً عبدك ورسولك وأن القرآن من عندك وهو الحقّ .
العقلُ إذا تنوّر بنور هذا القرآن أتى بالعجائب , فإذا كان العقل المجرد سيهتدي إلى وحدانية الله فإنّه لن يهتدي أبداً لما يريده الله من خلقه ولن يهتدي إلى حقائق الكون الكبرى , ومآلات الحياة , وتقلبات الخلق , فمن اين له أنْ يعرف (( أنّ زلزلة الساعة شيء عظيم )) و من أين له أنْ يعرف (( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة )) وكذلك (( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة )) و (( إنّا أرسلنا نوحاً إلى قومه )) و (( وإلى عاد أخاهم هودا )) و (( إلى ثمود أخاهم صالحاً )) و (( إّنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه )) وغيرها الكثير من الحقائق التي لو فكّر الإنسان ملايين القرون لن يهتدي إليها أبداً , لذا امتنّ الله على نبيه صلى الله عليه وسلّم وعلى المؤمنين بالعلم والكتاب والهدى الذي أنزله سبحانه(( وعلّمك ما لم تكن تعلَم وكان فضل الله عليك عظيما )) , (( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) ,
عقلٌ لم يستنر بنور ربه ؛ القرآن الكريم ؛ عقلٌ ضالّ لا يفقه , حكم عليه الله سبحانه بهذا
(( فمالِ هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا )) (( أولئك كالأنعام بل هم أضلّ ))
ومن النّاس من يبدع عقلُه في أمور , ولكنْ إذا وجهه إلى الحق نكص هذا العقل وزاغ , فمثلاً فرعون , لا يتصوّر أنّه كان أرعنَ أو سفيهاً , لأنّه ملك وحكم فله عقلٌ دلّه على طرائق الحكم , ولكن عندما أتت هذا العقل الآيات زاغ وانتكس وسفُه , وكذلك قارون الذي أوتي عقلاً استطاع به أنْ يجمع الأموال حتى بلغت ما بلغت ولكنّ عقله أيضاً لم يطِقْ أنْ يستسلم للحق , وكأنّ العقول أوعيةٌ منها ما يكون صالحاً لأنْ يسكب فيه من نمير الحكمة , ومنها مالا تصلح إلاّ للزينة , ومنها ما لا تصلح إلاّ للنبذ والرمي كسقط المتاع ,,,
إذا أخذ الله هذا العقل أسقط عن العبد ما أوجبه عليه , فيرفع عنه القلم , أمّا إذا أبقاه فسيحاسب صاحبه فـ( من يعمل مثقال ذرّة خيراً يره , ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره ) ,,
فيا صاحب العقل ما غرّك عن الانتفاع بعقلك وأشغلك عن تدبّر آيات ربّك , ويا صاحب العقل كم فاتك من نور هذا الكتاب وأنت تسعى في دهاليز الحياة عمّا قد كفيته , أو تبحث في ظلمات هذه الحياة عن متع زائلة وشهواتٍ فانية , فهيّا لا تتأخّر مع أقرب سجدة قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير , يا ربّ اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء همي وذهاب حزني وغمّي , وعلمني منه ما جهلتُ وذكّرني منه ما نُسيت , وتيقّن أنّ الله كريم قريب مجيب , وسيجعل حياتك جنّة ونعيماً بهذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , واعلم أنّ بيتاً تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان , فكم من فضلٍ فاتنا بغفلتنا , إلى الله المشتكى , وهو حسبنا وولينا عليه توكّلنا , ربنا افتح علينا فتحاً من عندك وأنت خير الفاتحين ,,


كتبه : الفقير إلى الله الراغب في إحسان مولاه : عبدالخالق بن خضران آل خضران
مدينة مكة المرمة / يوم الإ ثنين 21 / 1/1432 هـ