رد: ديوان الشاعر الغبيشي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علي بن أحمد الغبيشي الزهراني
عرّف بنفسه قائلاً :
أنا علي بن اغبيش
وأنا عدو أم شعارى
أعدي بهم وأجرما
وزاد تعريفاً بنفسه عندما أخبرنا عن مكان إقامته قائلاً :
من محاني دوقة جاك الغبيشي .. حيد يرمي به وحيدٍ بنا به
وللتاريخ أقول بأن الغبيشي علمٌ في رأسه نار , وهو في غنى عن خوض أمثالي للتعريف بحياته وأشعاره , ولكنه مجال هذا المقال الذي لم يدع لي طريقاً سوى أن أقول ..
نبغ بالشعر صغيراً حتى قيل أن عمر شعره بدأ في الثامنه
نختصر لكم سيرته وبدايتة
في البداية وكذلك بداية كل شاعر المناسبات الشعرية , وهناك بدأ في مقارعة الخصوم تحت اصرارٍ شديد على أن يُعلي من نجمه ليناطح أردان السماء , وليصبح ثاقباً وهاجاً يقتدي برجمه أهل البر والبحر .
وبعد نجاحاتٍ متوالية تربع ذلك الغبيشي عروش الشعر , وأصبح مضرب الأمثال بشخصيته , وبأقواله , وبأمثاله ..
وفي أحد الأيام كان لعيني شعر الشقر موعدٌ مع اللقاء , فالشاعر الشاب بن ثامرة (رفيق دربه ) للتو عائدٌ من أرض زبيد اليمن ومتجهٌ الى قريته بوادي دوقة تلك القرية التي خرج منها صغيراً وعاد إليها شاباً ..
و شاعرنا الغبيشي منهمكٌ في أرض مزرعته الواقعة على طريق وادي دوقة , وما هي الإ لحظاتٌ قليلة حتى أحس شاعرنا بأن رفيق دربه اللدود قد حان موعدُ خروجه , وعندما رفع رأسه تفاجأ بذلك الشاب الذي يلبس على رأسه ضلالةً يمانية يسير بخطواتٍ ثابتة إليه .. وعندما نظر شاعرنا الغبيشي الى ذلك الشاب الذي جاوز شَعْرُ رأسه الضلالة اليمانية الكبيرة صدح فيه مرحباً :
يا مرحبا بالرأس الأكعش .. كم قملةٍ حلّت ما بين الأذنين
وتبسم ذلك الشاب " بن ثامرة " ونظر الى الغبيشي فوجده متلحفاً بلباسٍ قديم يسمى الفليجة مخططً باللون الأبيض والأسود .. فرد عليه سريعاً
بقيت يالديك الأرقش .. كم خملةٍ حلّت ما بين الجناحين
وهناك بوادي دوقة أكتمل عقد الأعاجيب بلقاء الصديقين اللدودين .. اللذان أشغلا فؤاد الدهر بأقوالهما حتى الساعة ..
وبعد اللقاء زادت شهرة شاعرنا الغبيشي أضعاف ما كانت عليه بالسابق , خصوصاً وأنهما كوّنا ما يُعرف بمسمى الثنائي الشعري ..
لكن وكما قيل قديماً " لا مستقر للدنيا ", فبعد ذلك كُله أصبح شاعرنا المحسود مطروداً عن أرضه وأرض قبيلته الأحلاف بعد أن أُتهم بقتل رجلٍ من قبيلة بني حسن , وهناك فضل شاعرنا الإلتجاء بأرض قريش بني عامر وبقي الغبيشي في أرض تلك الديار فترةً ليست بالقصيرة وهو في حكم المنفي ..
وبعد فترة من الزمن تدخلت أطراف القبائل لحل النزاع الذي من أجله قد قُتل ذلك الرجل من بني حسن , وبعد أخذ وعطاء تبين أن شاعرنا الغبيشي ليس له في أمر القتل يد .. غير أن قبائل الأحلاف أصرت على عدم عودة الغبيشي الى أرضه , حيث كان مبدأ الرفض مبنياً على أن عودة الغبيشي ربما تجر قبائل الأحلاف الى خلافات وحروب مع بعض القبائل المجاورة ..
لذلك كله فضل الغبيشي الإلتجاء الى قبائل بلخزمر , وذلك من أجل التوسط مع قبائل الأحلاف لإنهاء الخلاف .. وفي رجاءٍ مُـر قال الغبيشي :
سلام يا جنب مدخلي .. له حارسٍ ليس يامنا
يا خزمر الشام مدخلي .. ابدوا على الأحلاف يامنا
وبعد مشاوراتٍ طويلة , اتفقت قبائل الأحلاف على عودة الشاعر الغبيشي بعد وساطاتٍ طويلة من أكابر قبيلة بلخزمر ومن الشاعر محمد بن ثامرة ..
وهناك في وادي دوقة وبعد رجوع شاعرنا عادت الخلافات مرةً أخرى تحاصر الغبيشي , فما هي إلا سنواتٌ قليلة حتى أصبح الغبيشي مطلوباً للقتل من قبل أهالي قرية الجوفاء في خلافٍ يطول شرحه ..
ومرةً أخرى يصطلي الغبيشي بنار الفتن , وتحاصره الأعين لفترةٍ ليست بالبسيطة ... غير أنه و بعد انقضاء فترةٍ من الزمن بدأت نيران الخلاف في الإنطفاء و السكون , وبقي الأمر كما يُقال " جمرٌ من تحت الرماد " .. وفي إحدى السنوات حلّ الشاعر الغبيشي في قرى قبيلة بيضان , ليصادف وقت حلوله مناسبة زواج لدى أهل بيضان , حيث ضيوف القِراء وأهل الرحم أهالي قرية الجوفاء , وهناك كان لزاماً على الشاعر الغبيشي مواجهة الخطر .. وقد روى لي بعض كبار السن ممن أثق بروايتهم أن الشاعر الغبيشي كاد في ذلك الموقف أن يُقتل مرتين الأولى منها قبل يوم المناسبة والأخرى بعد انقضاء المناسبة ..
ولكن ماذا قال الغبيشي في حفل الزفاف ..!
البدع
يا سلامي على الصور الذي فيه الأمدرجّ دنا
صور بيضان الأعسر ما نشا فيه ولد الناس ميدع
والمعابر كما نفح البرد من رماية بوج هل
وآني أرقب دول بيضان متهيوسٍ وآديس قامه
وأنت واجهت ستر الله يا زارع الثوم أرّز به
الرد
قلته أنا غبيشي قلته من دار الأمدر جدنا
ثم من بعد هذا الجد جدٍ يسمى بوسميدع
ثم من بعد هذا الجد جدٍ يسمى بوجهل
اشترى له جدنا مُلك في ملزمة وادي سقامه
وخذ أحمار وانْدُح واجعله للعشاير مرزبه
***
تنبؤات الغبيشي : من أعاجيب هذا الشاعر تنبؤاته التي وقفت معها طويلاً , غير أن أعجبها هو تنبؤه بزوال دولة محمد بن علي الأدريسي , حيث كانت مطامع الأدارسة في تلك الفترة الحرجة من تاريخ الجزيرة العربية هو ضم عسير بجانب مُلكهم الذي يمتد من الحديدة حتى بلاد غامد وزهران ..
في العام 1328هـ حضر مندوب دولة الأدريسي السيد مصطفى النعمي الى بلاد غامد وزهران وذلك من أجل تفقد أحوال الرعية , وجمع ما يمكن جمعه من الزكاة الشرعية ..
وفي سوق قلوة تقدم شاعرنا الغبيشي ليصدح بنبوته قائلاً :
مرحبا يا دولة السيد محمد قالها ابن غبيش
مرحبا في بندرٍ كلٌ عرف شرطه ولا يغبى شيء
دونه الأحلاف لآ ضلاّ المغبري مثل غبش نو
اهل مرتٍ يُنثر الدم في نهارٍ لا لوّي بيشانه
وجنابي ما نظرنا بالشبا الشابي شبه لها
الرد
خصمنا لو كان يُنقل بيش في رابغ ورابغ بيش
ما معه من عندنا الا نعمي ابصاره مع الأغباشي
فإن بعض الناس لا رايو رفيقٍ ما رغب شنو
والذي باله يعبي شاننا فنحن نعبي شانه
والذي وده بصِباحٍ لبيشه بيشه بأهلها
في العام 1229هـ اصدر الأدريسي أمره الى قائد قواته في تهامة عسير السيد مصطفى
النعمي بالهجوم على الحامية التركيه بأبها , وهناك حاصر النعمي أبها واستطاع الأتراك بعد ذلك فك الحصار , وتقهقرت قوات الأدارسة الى مقرها بصبيا الا أن الدولة العثمانية أرادت القضاء نهائياً على دولة الأدارسة بعد أن هاجموا مقرهم الرئيسي في جنوب الجزيرة العربية ولذلك أُمرالشريف حسين بن علي بتسيير حملة كبيرة يقودها بنفسه للقضاء على حكم الأدارسة .. ولقد تمكن الشريف حسين من القضاء على دولة الأدريسي .
لكن أين النبوة التي تنبأها الغبيشي ..!
والذي ودّه بصباحٍ لبيشه بيشه بأهلها
انتشرت في تلك الفترة أخبارٌ كُثر مفادها أن الأدارسة سيفتحون أبها وينتزعونها من أيدي الأتراك .. وهنا شاعرنا الغبيشي يشير في خفاء الى أن ذلك الأمر مستحيل حيث أن بيشة تلك المدينة التي لاتقارن بأبها ستكون صعبت المنال أمام قوات الأدارسة فما بالك بأبها ... ( بيشة بأهلها ) و ( أبها بأتراكها العثمانيون ) .. ولننظر إلى هذه الشجاعة الغير مستغربة من رجلٍ كالغبيشي عندما يُلمّحُ أمام مندوب الأدارسة بأن حملتهم القادمة ستجر عليهم وبالاً وخيماً ..ماذا لو كان غير الغبيشي في موقفه هل يستطيع أن ينطق بمثل هذه الشجاعة ..!
حروبه الشعرية : لم يكن الزمن الشعري الذي عاش فيه شاعرنا الغبيشي زمن هواةٍ ولا تجارب شعرية , بل زمن حرب , وزمن عصبياتٍ قبلية , بل وحتى عصبياتٍ شخصية بين أفراد القبيلة الواحدة .. ولذلك كله أتى شعر الغبيشي صعباً كصعوبة تلك الفترة ..
( ........؟.......)
مرحبا مرحبا بك يا علي بن اغبيش
آنا ودي تعلمني ولا تغبيش
ربْ زهران بتوّ رأس ذاك الفندي
وخذوا الجنبخانه وأهلكوا الأتراك ؟
الرد : ( الغبيشي )
...........................
ليت عينك تَخيّل يوم مال الجيش
يوم ضرب المدافع في ضعيف الجدي
جدّ زهران صقرٍ وأنت هامة راك
حكمته : من عيون شعر الحكمة في أمثال الشاعر علي الغبيشي قوله ..
الغبيشي يقول أضيق لا صفّق على الصقر هامه
والله إني أعرفه مافيه لاحرثٍ ولا فيه دوس
وأيضاً :
الغبيشي يقول أفتكر في ثلاثٍ غالبت ثلاث
العيّا غطى المعارف والجهل غطى العقل والتوبة
والذي كذّاب لامنه تهرج غش من صدق
التعجيز الشعري .. وهو كثير , و أختار من أجمله :
أختوين الله يعزك في ذا البلد
واحده حُبلى والأخرى جالها ولد
والولد جايز على أمه ما خشي من ربه
ناكحٍ بأخته وهو في بطن خالته
ويقصد بـ " الأختين " الرحى العليا والسفلى , فالحبلى التي بالأعلى حيث ما زال الحب ينتظر بها للنزول بين الرحاتين , أما التي أنجبت ولداً فهي السفلى حيث طحنت الحب وأخرجته من رحمها طحيناً .
والولد المعتدي على أمه هو الحب الواحد " حبة " حيث اعتدى على أمه الرحاة العلوية , حيث فضل النزول الى الأسفل عن طريق تلك الفتحة الموجودة على ظهر أمه .
وهو ناكحٌ بأخته , وأخته هنا المقصود بها أي حبةٍ أخرى قد وضعت معه داخل بطن خالته " الرحاة السفليه
وللحديث بقية مع هذا الشاعر الكبير الذي ابتعد عنه الكثير من المؤلفين والمؤرخين رغم شهادة الاباء والاجداد
ولعلنا عبر هذا الديون نجتهد ونحصر اكثر عدد ممكن من القصائد والقصص الخاصة بالشاعر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|