الموضوع: تكلم الفصحى
عرض مشاركة واحدة
قديم 19-01-2012, 12:03 AM   #8
تكلم الفصحى
 







 
تكلم الفصحى is on a distinguished road
افتراضي رد: تكلم الفصحى

أيها الإخوة الكرام
أسعدني أيما سعادة أن أجد منكم هذه المناصرة وهذا التشجيع. وأعلم أنكم لا تقلون عني حبا للغة القرآن، وغيرة عليها. وقد أخبرتكم بما قمت به من جهد متواضع في التحبب إلى اللغة العربية، وترويج التحدث بها، لكي أثبت أنها لغة سهلة وميسرة، وصالحة لتكون لغة حياة، كيف لا ، وقد قال تعالى: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" يقول أحد العلماء: " محال أن ييسر الله القرآن للذكر، ولا ييسر اللغة التي هي وعاء لهذا الذكر، وإنما نزل القرآن بلسان عربي مبين".
كما أني بهذه التجربة، أردت أن نقفز إلى مرحلة متقدمة، بحيث يُطمأن إلى أن الطريق ممهد، إن شاء الله، لمن أراد أن يسلكه.
وأنا على قناعة - إلى أن يثبت العكس- أن هذا هو الطريق للنهوض باللغة العربية، وأن النهوض باللغة قبل النهوض بالأمة، بمعنى أن من الخطأ - في رأيي- أن نقول: يجب أن ننتظر حتى تنهض الأمة، ونصبح أعزة، ثم نبدأ بالنظر في كيفية النهوض باللغة. هذا محال، بل هو أضغاث أحلام.
وأزعم أن لدى اللغة العربية جوابا لكل سؤال في هذا الشأن. وبما أني نصبت نفسي متحدثا رسميا باسم الفصحى، فعليكم أن تتحملوا ثقلي، وسأعتمد على ما في قلوبكم من حنين للعربية، وحب لها ، وقد قال الثعالبي-رحمه الله-: "من أحب الله من أحب الله أحب رسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم- ، ومن أحبَّ الرسول العربي أحبَّ العرب، ومن أحبَّ العرب أحبَّ العربية التي بها نزل أفضل الكتب".
اللغة العربية تقول لكم: أنا لغة حية. فكيف تميتونني؟ كيف تدفنونني حية، وتحيون لغة ميتة، لن يكتب لها الخلود كما كتب لي، إن العامية لا خلود لها. أحيوني في أفواهكم يسرِ فيَّ تيار الحياة. فليس مكان اللغة الكتب والقراطيس، بل إن مكانها الطبيعي، في الهواء الطلق، حيث يتنفسها المرء مع الشهيق والزفير.
للأسف هذا المكانة المميزة جعلناها للعاميات البائدة. ونحينا الفصحى، فضعفت، وأهملناها فكسدت. ونفخنا الروح في العاميات، فاستطالت، واستبدت، وامتدت في الفراغ الذي تركته الفصحى، بانسحابها من ميادين الحياة.
المشكلة الآن ليست في: هل نستطيع أن نتحدث بها، في شئوننا العامة والخاصة؟
بل السؤال هل آمنا بها، وأنها قادرة على ذلك؟
أما عن: هل نستطيع أن نتحدث بها؟ فنعم. أبشركم: إن قليلا من التدريب كفيل بأن يحرك الماء الراكد، ويمرن عضلات الفصحى المترهلة لدينا. كيف لا، ونحن نتكلم الفصحى يوميا نصف ساعة على الأقل؟ أليست الصلوات والأدعية بالفصحى، ألا نسمع الخطب ونشرات الأخبار؟ ألا نقرأ أعظم كلام بالفصحى وهو كلام الله؟ بلى. نحن جاهزون- أيها السادة ، والسيدات- ولم يبق إلا أن نضغط الزر، لبداية الحياة مع الفصحى.
وإذا ظن أحدكم أنه غير جاهز، فليستمع إلى الأطفال في المنزل، ألا تعتقد أنهم جاهزون؟ ألا تلاحظ أنهم يسبقوننا بخطوات في هذا المجال. ألا تلاحظ الأثر الإيجابي لبعض البرامج والقنوات الجادة؟ ألا تشعر أن قناة براعم أفادت أطفالنا أكثر من معلم اللغة العربية في المدرسة من حيث التطبيق، وهو الهدف من الدراسة؟ والسبب المؤلم، هو أن معلم اللغة العربية يعلم العربية بالعامية، بل إن المدرسة كلها منغمسة في العامية، فلا تكاد تسمع فيها فصحى إلا تكلفا.
نحن ببساطة نريد أن نقلب الطاولة- أو بالأحرى نعيدها إلى طبيعتها- وذلك بأن نتعود على الفصحى، حتى تصبح طبيعية كما هي على لسان طفل الرابعة وهو يلعب، حيث تجري الفصحى على لسانه ببرءاة وانسيابية، (قبل أن يصطدم بمن حوله، الذين يسخرون منه ضاحكين، فيترسخ لديه، في تلك السن المبكرة، أن الحديث بالفصحى مدعاة للسخرية، فيتجنبها، ويضعف ارتباطه الوجداني بها، ويشعر أن الحديث عن اللغة العربية والاعتزاز بها إنما هو شعارات جوفاء، لا يسندها شيء من أرض الواقع).
نحن نريد أن نعدل الطاولة المقلوبة.
أحب أن نزداد وعيا بالموضوع، من خلال النقاش، والحوار الجاد.
فأنا وصلت إلى هذه القناعة، ويسعدني أن أجد من يسدد خطوي، ويكمل نقصي، ويهدي إلي عيوبي.
لكن هذه الفكرة تلح عليا كثيرا، ومنذ أن طبقتها، وأنا أرى بركتها، وخيرها.
وأريد أن تنتقل العدوى لآخرين.
فكرتي تتلخص في أن المطلوب ليس إتقان الفصحى فقط، ثم استدعاءها وقت الحاجة وكأنها لغة أجنبية. كلا..
الفكرة في الإكثار من الحديث بها، والتضلع منها، والاستمتاع بنغمها الأخاذ، وجرْسها الساحر، إلى أن تملأ عليك جوانحك، وتفيض على حياتك، فتفكر بها، وتحلم بها. ولغتك كما يقول العلماء: هي اللغة التي تفكر بها وتحلم بها. أظن أننا نفكر ونحلم بالعاميات، وهي بعيدة عن الفصحى ، وحرب عليها، وهي بنت الأمية، نشأت في أحضان الأمية، وتشدنا باستمرار إلى الأمية.
قد أبدو كمن يصنع سفينة في صحراء لا ماء فيها. لكن كل الأفكار العظيمة بدأت برأس واحد
هذا ليس تباهيا، فهذه الفكرة قديمة، لكني لم أجد من يطبقها بعد. وأزعم أني حاولت تطبيقها.
وأنا كلما ازدادت غربة الفصحى عزيت نفسي بمثل هذا الكلام، لكي أبقي على الاعتزاز باللغة حيا في صدري. ثم إني حذرتكم منذ البداية أني قد أكون ثقيلا.
نعود لموضوعنا..
لا أكتمكم القول، قد أفادني تخصصي في اللغة العربية، لكني أريد أن تكون العربية شعبية، لا أن تكون حكرا على المتخصصين.
وقد أثبت لكم أنها لا تحتاج إلى تخصص، هل تذكرون الأطفال وأثر قناة براعم عليهم؟ هل يحتاج طفل في الرابعة إلى أن يكون متخصصا؟
بالتأكيد ستقولون إن هذا المشروع كبير جدا، وأنه مهمة دول لا أفراد. وأقول لكم:
شبعنا من هذا الكلام..
تتبعت الحديث عن مشاريع النهوض بالعربية، فوجدت أنها تطرح منذ فترة طويلة جدا... صدقوا أو لا تصدقوا: منذ مائة وعشرين عاما.
بمعدل خمسة مؤتمرات كل سنة.. آخرها كان قبل شهرين..
في جميع البلاد العربية والإسلامية، وحتى في أوربا وأمريكا، وروسيا، والصين..،
هذا غير نقاش المنتديات، والبرامج التلفزيونية والإذاعية..
يتحدثون بشكل دائم..ولا أفعال.
بل على العكس.. ازداد تيار العولمة شراسة، وبدأنا نسمع على اللغة الأربيزية(نحتا من العربية والانجليزية).
وصار من يدخل أولاده منا إلى مدرسة عالمية أو أجنبية محظوظا... لم لا؟ أليس سيدرس لغة المستقبل، ويتقن لغة العلم بزعمه؟
اعذروني .. هذا كله هراء..
لا يوجد لغة علم ولغة جهل.. كل الأمم المحترمة تترجم العلوم إلى لغتها، تترجمها بسرعة، وترصد لذلك ميزانيات، كذلك تفعل هولندا، تترجم مستجدات العلوم إلى الهولندية، وإسرائيل إلى العبرية، والصين إلى الصينية، وكوريا - مؤخرا- إلى الكورية. الجميع يستبقنا ونحن نتفرج.. وبدل أن نبدأ بالترجمة، نترجم أنفسنا إلى غيرنا.. ونتعلم لغات الأمم، ونهمل لغتنا، "أخشى أن ننسى مشيتنا".
اليابان تعاقدت في عام 1945 مع عدة دور نشر لترجمة كل ما يصدر في أرجاء العالم إلى اللغة اليابانية، في نفس الوقت الذي يصدر فيه الكتاب. فعلوا ذلك ببساطة منذ ذلك الحين، ونحن ما زلنا نناقش الأمر.
هذا ليس جلدا للذات، إنها شكوى الأخ إلى إخوانه.. استنهاضا للهمم، ولعلنا نتبصر بالواقع، والتحديات التي تواجهنا.
هل يخطئ الإنسان إذا نظر إلى موضوع اللغة نظرة جدية، وأنها تتصل بحياته كفرد، وتمتد إلى حياة الأمة كأمة؟

التعديل الأخير تم بواسطة تكلم الفصحى ; 19-01-2012 الساعة 12:15 AM.
تكلم الفصحى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس