عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-11-2007, 12:04 PM
الصورة الرمزية Z@HR@N
Z@HR@N Z@HR@N غير متواجد حالياً
[عضوية شرفية خاصة]
 






Z@HR@N is on a distinguished road
افتراضي شاعر المعجزات (جريبيع)

بسم الله الرحمن الرحيم

في زمن الحطيئة ومروراً بالفرزدق وجرير وانتهاءً بـ"جريبيع بن صالح " .. كانت أقدام المعجزات , تثير النقع , و تزلل الوقع , في إعجازٍ لا يُحسنُ صنعهُ سوى العظماء .
كانت ألسنة أولئك القوم أثقل أثراً من حجم الجبال , وأشد بأساً من وقع النبال , ولقد ساقت لنا أمهات الكتب أخباراً شتى عن تحاشي العرب لألسنة أولئك السابقين , بينما تجاهلت أميتنُا المركبة خبر شاعرنا الأخير , والذي أجزم كل الجزم بعيداً عن مدارات الفصحى والعامية بأنه آخر المعجزات .

اسمهُ : جريبيع بن صالح بن جريبيع الحسني الزهراني
قريتهُ : من قرية وادي الصدر ( إحدى قرى قبيلة بني حسن )
مولدهُ : لم يحفظ التاريخ شيئاً عن تاريخ ولادته, ولكني أرجح ميلاده بين العام 1285هـ-1290هـ , عاش طويلاً , ورجح بعض كبار السن ممن عرفوه بأنه تجاوز التسعين عاماً قبل وفاته
وعلى ذلك فإني أرجح تاريخ وفاته أعوام 1380هـ .
بعض صفاته ( من رواية المعاصرين له ) : ليس بالسر ولا بالعيب أن نقول : لم يحظى شاعرنا بالكثير من جمال الخَلق , وقد عبّر شاعرنا عن ذلك الأمر بالكثيرٍ من السخرية في مواضع عدّةٍ من شعره ( أنا جريبيع من ذرو الشياطينا ) ( سموني أهلي جريبيع ) .

شعرهُ : كان مزيجاً بين المدح والسخرية والتعجيز , ويكاد يكون خالياً من شعر الغزل , وقد أخبرني بعض من أثق بروايتهم أن شاعرنا كان يختلف كثيراً عن غيره من الشعراء , ففي مناسبات كثيرة وخصوصاً في محاورات التعجيز كان يطلب من (ناقع) الزير إيقاف العرضة أو اللعب حتى قبل أن يتوقف صف العرضة عن الدوران ,بل وربما قبل أن يغني صف اللعب بقصيدة الشاعر المقابل, وما ذلك بشهادة المعاصرين له إلا لسرعة بديهيته ولغزارة شعرة وقوة تعجيزه .

بعضٌ من أخباره ( من كبار السن ) : يروى بأن الشاعر الكبير صالح بن عقار قد نزل بسوق النقعة ببني حسن في وقتٍ مبكر من صباح يوم السبت لقضاء بعض الحاجيات , وفي وقتٍ مشارفٍ لانتهاء السوق ( قبيل الضحى ) أتى الشاعر جريبيع بن صالح , وما أن وصل جريبيع إلى جنبات السوق حتى بدأ بعض القوم في إشعال نار التحدي بين الشاعرين الكبيرين , فذهب البعض إلى ابن عقار لسؤاله ( أأنت الأشعر أم جريبيع ) والبعض الآخر ذهب لسؤال جريبيع ( أأنت الأشعر أم ابن عقار ) وما زال القوم في أمرهم حتى استشاط جريبيع غضباً, وسارت به أقدامه سريعاً إلى ذلك المكان الذي يقف به ابن عقار ليقول :

يا حدا حدا
الشبا حادي
واللحد حدان
والحديا حام
والدم انـّثر

كان البدع سريعاً وغامضاً على مسمع الشاعر ابن عقار الذي اعتذر بعد مدةٍ ليست بالقصيرة عن الرد , وهنالك لم يدع جريبيع الأمر يمر بسلام , فصاح في عُقداء السوق قائلاً لن أبرح السوق حتى آخذ كسوتي على تلك القصيدة , وبعد مدٍ وجزر وافق عقداء السوق على دفع الكسوة إلى جريبيع , الذي بدأ مبتسماً ليس لغلاء ثمن الكسوة بل لأنه أخذ الكسوة ( وإن كانت زهيدة ) من أمام الشاعر ابن عقار الذي يُعدُ ويعتبر من أشد الخصوم وأكفأ الأنداد .


يروي بعض كبار السن خبراً مفاده :كان لشاعرنا الكبير هيبةٌ خاصة لدى كثيرٍ من الشعراء , خصوصاً وأن شاعرنا لا يؤمن بمبدأ " توزيع الكسوة على جميع الشعراء ", وكثيراً ما كان يطلب من صاحب القِراء وضع الكسوة مجملةً على الزير لتكون من نصيب الشاعر الأكثر تعجيزاً ..
في إحدى مناسبات اللعب بقرية الجوفاء حضر الشاعر جريبيع متأخراً , وما أن ولج لجنبات المناسبة حتى وجد الشاعر المُليكي ( من قرية مليكة ببني حسن ) الذي فضل الانسحاب من ميدان الشعر عندما علم بوجود جريبيع , معاتباً أصحاب المناسبة بأنهم لو أعلموه عن حضور جريبيع لما تعنّى مشقة الحضور ..


يا جريبيع أمن صالح سامحني ترى الليل قَفى وأنا ودي أسري
وإنْ كان ما أسخى عرج الجابري أبصرهم كما احدى يديه

أما عن سخرية شاعرنا وقوة تهكمه , فيخبر بعض الرواة بأن الشاعر جريبيع قد نزل بأرض تهامة, من أجل المشاركة في حفل زواج لدى إحدى القرى المجاورة لجبل نيس , وعندما وصل الشاعر جريبيع إلى قرية الحفل , بدأ مهتماً لرؤية ( العروس ) , إلا أنه سُرعان ما تفاجأ بقبح تلك العروس فقال غاضباً على لحن اللعب القديم :

ضلت جمال الخبت تحت الحمايل بعد ذيك المعازر نوق
والشرقي القرحان ما شال حمله غير من بعد لسع ايدي
ولا مضى فالدرب غابت جنوبه جوف عجت مرايغه

( ضلت جمال الخبت تحت الحمايل بعد ذيك المعازر نوق )
الشاعر يهاجم جميع نساء تلك القرية , ويصفهن بالقبح الشديد عندما شبههن بجمال الخبت , التي لولا شدة الحمائل بمعنى حاجة الرجال إلى الزواج لما نظر إليهن أحد لأنهن شبيهات بالجمال المستنوقة فهن حسب وصف جريبيع ( قبيحات لدرجة أنك لا تفرقهن عن الرجال ) .

والشرقي القُرحان ما شال حِمله غير من بعد لسعْ ايدي
ولا مضى فالدرب غابت جنوبه جوف عجت مرايغه

الشرقي القُرحان وصفٌ للجمل الهَرِمْ ,وهنا جريبيع يصف العروس بأنها جملٌ هرم , وذلك الوصف العجيب غايةٌ في التهكم والسخرية , أما عن بقية الأبيات .. فالشاعر جريبيع يُخبر في خفاء بأن ( العروس ) كبيرة السن , قد تزوجت وطُلقت أكثر من مرة .

ومن العجائب الساخرة التي تُروى عن هذا الشاعر التهكمي , أنه مرّ لدى عودته من إحدى أسواق المنطقة بإحدى القُرى التي كانت تحتفل باللعب صباحاً لمناسبة زواجٍ لديهم , وعندما مرّ بالقرب من تلك القرية تفاجأ بسماع صوت زير اللعب , ففضل المرور بجنبات الحفل للاستمتاع والمتابعة فقط , إلا أنه سُرعان ما تفاجأ بأهل المناسبة يطلبون منه مشاركته لهم في حفل القِراء فبدع شاعرنا بيتاً واحداً وأتى بالرد بيتاً واحداً في سابقة قد تكون نادرة

البدع

سمعت في مولغ وفي الصفح أذاني

الرد
[خذنا على الباشة من الصفح أذاني

قرية مولغ وقرية الصفح قريتين من قُرى قبيلة بلخزمر , وعندما ذكر الشاعر اسم تلك القريتين لم يقصد بذلك الإشارة إليهما , بل لا يجب على القُراء أن يفهموا أن حفل اللعب كان في إحدى تلك القريتين , بل ( أحتفظ بإسم القرية ) حفل اللعب كان خارج قُرى قبيلة بلخزمر , وإنما هو التقريب الشعري ومذهب الشقر الذي جعل شاعرنا يمر على ذكر تلك القريتين .

( سمعت في مولغ و في الصفح أذاني )

من أجل الشقر وتقريب المعنى والترابط بين أجزاء البيت أتى الشاعر على ذكر أسماء القريتين القريبتين من بعضهما بعض الشيء , والمعنى سمعت في تلك القريتين أذاناً المقصود به هنا هو خلافٌ بين أصحاب القريتين على دية شابٍ غير مختتن قُتل غيلةً ذات ليل .

( خذنا على الباشه من الصفح أذاني )

يُذكّر شاعرنا الحضور بذلك الفعل التاريخي لقبائل زهران ضد قواد القوات العثمانية أمثال عجلان باشا ويوسف باشا وحقي باشا وعلي عبشان باشا , ويقول ألحقنا الحي منهم بالميت , بعد أن أنكأنا فيهم القتل والجراح , وعبّر عن شدة ما وقع لأولئك القواد بقوله ( خذنا من الصفح أذاني ) أي لقناهم الموت , ودروس الشجاعة , بأن جعلناهم لا يفكرون بالعودة إلى بلاد زهران مرةً أخرى .

لكن وراء الأكمة ما وراءها ...!

فشاعرنا وإن أبدى أن يريد التذكير بمقتل القوات العثمانية , إلا أن تهكمه تجاوز الوصف , فهو يُخبر في خفاء مستغرباً من حفل اللعب المُقام في الصباح الباكر , ويُشير في خفاء على أن تلك العادة مختصةٌ بالحمار كنوع لا يأبى من أي شيء , وفي أي وقت , والغريب في الأمر أيضاً أن جريبيع أتى على اللقب المكروه لتلك القرية . مما حدى بالشاعر الآخر الذي ينتسب إلى تلك القرية على أن يعاجل بوقف الزير , معاتباً قومه في استنكارٍ شديدٍ لغنائهم بذلك البيت . أما شاعرنا فقد فضل الرحيل مُسرعاً من جنبات الحفل بعد أن نثر الفوضى والعبث في أرجاء المكان , وبعد أن ساعد على إنهاء حفل اللعب في وقتٍ مبكر من بدايته .



يتبع

التعديل الأخير تم بواسطة Z@HR@N ; 06-11-2007 الساعة 12:19 PM.
رد مع اقتباس