عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-01-2014, 11:16 AM
الصورة الرمزية عمانية الهوى
عمانية الهوى عمانية الهوى غير متواجد حالياً
 






عمانية الهوى is on a distinguished road
افتراضي تراث يروي قصة حضارة

تراث يروي قصة حضارة

يعد التراث الواجهة الحقيقية للحضارات الإنسانية، فهو يمثل القيمة المرجعية الأساسية التي تؤرخ لمسيرة حياة الإنسان في المكان الذي نشأ فيه،
حافلة بالرموز الدالة على كفاحه رغم الأدوات البسيطة، وقدرته على التغلب على مصاعب الحياة، هذه الرموز تشير إلى ما يتمتع به الإنسان
من موهبة وفكر مبدع، وصبر وأناة، استطاع بها أن يوائم بين ما يعينه على البقاء، وبين ما يشبع جوانب الروح والإحساس والترفيه لديه،
حيث قاوم وعورة الطبيعة وقساوتها بإقامة المكان الذي يحفظه من برد الشتاء وحر القيظ، وتوظيف أدوات الطبيعة في البناء،
حيث كانت جذور الأشجار والطين والشعر والوبر مادة أساسية في ذلك،
كما اهتم باستصلاح الأرض للزراعة من أجل توفير الغذاء فشق قنوات المياه والآبار،

وإلى جانب ذلك لم يغفل عن ابتكار الفنون ووسائل الترفيه التي تخفف عنه عنت الحياة، وابتكار الأدوات التي يدافع بها عن نفسه وأرضه، وكذلك لم يغفل
عن صناعة ما تحتاجه المرأة من مظاهر الزينة التي تتناسب مع أنوثتها، فكل ما تركه الإنسان يمثل واجهة على ماضٍ حضاري. ولذلك رأينا أممًا وشعوبًا حديثة
وطارئة أو مستحدثة
ـ إن جاز الوصف ـ منها ما يعمل الآن بصورة هجينة على سرقة تراث أمم وشعوب
ومحاولة اصطناع وتخليق ماضٍ زائف وجعل التراث المسروق هو واجهته، كما هو حال الاحتلال الإسرائيلي
الذي استولى على التراث الإنساني للشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي وتشويهه وتطويعه بما يخدم ترهاته ومزاعمه، ومن الأمم والشعوب من تحاول
إيجاد تقاليد تشكل لها ماضيًا لتقارنه أو تساوي به بالتراث كما هو حال بعض الحضارات الغربية.

لذا لا غرابة أن تكون مسألة الاهتمام بالتراث من قبل جميع الأمم والشعوب حتى تلك التي تفتقر لما يمكن أن يطلق عليه اسم تراث، والتي لجأ بعضها إلى سرقة المتاحف
وشراء التحف والآثار النادرة، على النحو الذي رأيناه في العراق الذي تم السطو على تراثه الإنساني والحضاري من قبل ذوي الحضارات العارية من أي تراث.

ولما كان التراث من المسائل التي تمثل هاجسًا إنسانيًّا لا يهم الأمة صاحبة التراث فحسب، وإنما يهم الإنسان عمومًا، فقد انبرت السلطنة
بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ
لخدمة التراث العماني وحفظه من الضياع وصونه من الاندثار، فقد كان جلالته ـ أيده الله ـ واضحًا في هذا الشأن، وناضل من أجل ذلك وسخر الإمكانات اللازمة
للاهتمام بالتراث العماني، فأنشأ وزارة للتراث والثقافة وخصص عامًا للتراث حمل اسم
"عام التراث ـ 1994م"،

وبفضل الجهود الجبارة لجلالته ـ أعزه الله ـ وجهود حكومته حالت دون تحويل هذا التراث التاريخي والإنساني لأجدادنا إلى إرث، بل أعادته إلى الحياة،
ما جعل السلطنة من الدول الرائدة في المنطقة في نقل تراثها الوطني إلى الإطار العالمي عبر حصولها وقبل أكثر من ربع قرن على الاعتراف الدولي بمكانة
هذا التراث من خلال تسجيل حصن وواحة بهلا أول مواقع السلطنة على قائمة التراث العالمي لليونسكو،
والذي تبعه لاحقًا تسجيل ثلاثة مواقع أخرى هي قرية بات ومواقع أرض اللبان
شصر (وبار)، وخورروري (سمهرم)، والبليد، ووادي دوكه (أشجار اللبان)
ثم إدراج خمسة أفلاج عمانية ضمن قائمة التراث العالمي وذلك اعترافًا بالإبداع الهندسي المتميز
الذي برع فيه العمانيون الأوائل لاستغلال موارد بيئتهم في ظل مناخ يتصف بالجفاف وندرة الموارد المائية.

ولذلك فإن مشاركة السلطنة اليوم باقي دول العالم في الاحتفال بيوم التراث العالمي الذي يصادف

الثامن عشر من شهر أبريل من كل عام، لا تأتي من فراغ،
فالتراث العماني يروي قصة حضارة ضاربة الجذور، كما يروي الجهود الجبارة القائمة لحفظ هذا التراث وصيانته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
رد مع اقتباس