منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > الإسلام حياة

المسائل ُالمهمة في أحكامِ الشِّتاء والجمع بين الصلاتين


الإسلام حياة

موضوع مغلقإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 11-01-2012, 02:06 AM
الصورة الرمزية أبو ألين ّّ
أبو ألين ّّ أبو ألين ّّ غير متواجد حالياً
 






أبو ألين ّّ is on a distinguished road
افتراضي المسائل ُالمهمة في أحكامِ الشِّتاء والجمع بين الصلاتين

المَسَائِل المُهِمَّة في أحْكَام الشِّتَاء


والجَمْع بَيْنَ الصَّلاَتَيْن




كتبه : سالم ملفي الزهراني





بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة
إن الحمد لله نَحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضلّ لـه, ومن يضلل فلا هاديَ له،ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله, أما بعد : فإن خير الحديث كِتَابُ الله تَعَالَى, وخَيرُ الـهَدْي هَدْيُ مُحمدٍ صَلَّى الله عليه وسلم، وشَرَّ الأُمُورِ مُـحدثاتُـها، وكل مـُحدثةٍ بدعة, وكل بدعةٍ ضلالة, وكل ضلالةٍ في النار, إن ربنا جَلَّ وعَلاَ مُكَوِّرُ اللَّيلَ على النَّهار، ومُكَوِّرُ النَّهارَ على اللَّيل، " فَالِقُالإصْباح وَجَعَلَ اللَّيلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذلِك َتقدِيرُ العَزيز العَلِيم "[الأنعام : 96]، جَعَلَ في اختلاف اللَّيل والنَّهار آياتٌ لأُوليالألباب، "وَآيةٌ لـهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنهُ النهَارَ فإذا هُم مُّظلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تـَجْرِي لِمُسْتقَرٍّ لَـهَا ذلِكَ تَقدِيرُالعَزيز العَلِيم * وَالقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازلَ حَتَّى عَادَكَالعُرْجُونِ القَدِيْم * لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أن تُدْرِكَ القَمَرَولاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون"[يس:37- 40], إنَّ الله سُبحَانه وتَعَالَى قد رَفَع عنا في هذا الدِّين الحرَج والـمَشَقَّة، فَديننا بـحمد الله عَزَّوجَلَّ: دِين اليُسْر ورَفْع الحرَج، يَقُول الله سُبحَانه وتَعَالَى: " يُرِيدُ الله بِكُـمُاليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ " [البقرة : 185]، ويَقُول جل وعلا: " وَمَا جَعَلَعَلَيكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج" [الحج : 78]، هذه النُّصُوص أصَّلَت قَاعِدةً مِن قَواعِد الدِّين وهي:أنَّ المشَقَّة تَجْلِبُ التَّيسير، إنك لو تأمَّلْت أحْكَام الشَّريعَة، لَوجَدت لِـهَذِهِ القَاعِدَة مَكَانَـها واعْتِبَارَهَا، فَقَد شَرَع اللهلِعِبَادِه الإبْرَاد بالصَّلاَة عند شِــــــدَّة الحـــــــــــرّ، فَقَد خَرَّجَ البُخاري (533)

1

(534) ومسلم (615) مِن حَدِيث أبي هـريرة رَضِيَ الله عنه قَال: قَال رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم: "إِذَا اشْتدَّالحرّ فَأبرِدُوا بِالصَّلاَة، فَإِنَّ شِدَّة الحرّ مِن فَيح جَهنَّم", وشَرَع الله لِعِبَادِه الفِطْر في رَمضَان لِعُذْر السَّفَر أو الـمَرَض، قَالَ تَعَالَى: "فَـمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌمِّنْ أيَّامٍ أُخَرَ " [البقرة : 184], وَأذِنَ رَبُّنا للمَرِيض أن يُصَلِّي قَاعِدًا إنْ لَـم يَستَطِعْ القِيَام، فَقَد خَرَّجَ البُخَاري (1117) مِن حَدِيث عمران بن حصين رَضِيَ الله عَنه أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَال: "صَلّ قَائِمًا، فَإِن لَـم تَستَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإن لَم تَستَطِعْ فَعلَى جَنْب", وأذِن َرَبُّنا جَلَّ وعَلاَ للمُضْطَرّ في أكْل الـمَيتة، قَالَ تَعَالَى: "فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍفَلا إِثْمَ عَلَيْهِ" [البقرة : 173], وأما الشِّتاء واشتداد البَرْد، فَلهُمَا أحْكَامٌ كَثِيرَة، يَظْهَرُ فيها يُسْر الشَّريعَة وسَمَاحَتُهَا،ومُرَاعاتُهَا لِمَصَالِح الدِّين والدنيا, لِذَلِك كان مِن الـمناسب بَعد تَوفِيق الله سُبحَانه وتَعَالَى أنْ أكْتُب مَسَائِل في أحْكَام البَرْد والشِّتاء, وأحْكَام الجمْع بين الصَّلاَتين, وسَمَّيتُهَا [المسائل المهمة في أحْكَام الشِّتاء والجَمْع بين الصَّلاَتين ], فَقَد حَدثني بَعض الإخوان في أحد المساجد, لَمَّا دَخَل وَقت صَلاَة الظُّهُر, وكَانت الأجْوَاء ذات ضَباب ومَطَر قليل ورِيَاح, فَلمَّا انتهَى الإمَام مِن الصَّلاَة, ثُمَّ أرادُوا أنْ يَجْمَعُوا إِلَيهَا صَلاَة العَصْر, تَضَارَبت الأَقْوَال, هَذَا يَقُول: نَجْمَع, وهَذَا يَقُول: الأَحْوَال لاَ تُبيح الجمْع, حَتى إِنَّ الإمَام نَفسه قَال: لَيسَ لَدَيّ العِلْم الكَـافي في أحْكَـام البَرْد, وربَّـمَا كَانَ العُذْر مَوجُودًا والمشَقَّة حَاضِرَة في تِلْك الحـالَة, لـذا يَنبَغِي لأَئِمَّة المسَاجد أنْ يُدرِكُوا هَذِه المسَـائِل وغَيرهـا , لأَنَّ الإمَامَة أمَانة, وإنه يَـجب عَلَينَا أنْ نَتعبَّد الله سُبحَانه وتَعَالَى عَلَى عِلْم وبَصِيرَة, حَتى تَـــــكُون

2

أعْمَالَنا وفْق مَا يُريدُه الله سُبحَانه وتَعَالَى, لأَنَّ كُلَّ عَمَل لَـمْ يَدُلّ الشَّرْع عَلَيه فَهُوَ مَردُود, كمَا خَرَّجَ مُسْلِم (1718) مِن حَدِيث أم المؤمنين عَائِشَة رضي الله عَنهَا قَالَت: قَال رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم: " مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيه أمْرُنا فَهُوَ رَد ", فعسى الله أن يوفقني فيما كتبت, والله الـمستعان عليه توكلت وإليه المصير, وصَلَّى الله وسَلَّم عَلَى نبينا مُـحمد, وعَلَى آلِهِ وصَحبه أجْـمَعِين .


3

قَبل أنْ أذْكُر المسَائِل, أُحِبَ أنْ أذْكُرَ أُمُورًا خَمْسَة :
الأمْرُ الأَوَّل/ خَرَّجَ البخاري (4829) ومسلم (899) مِن حَديث أم المؤمنين عَائِشَة رَضِيَ الله عَنهَا قَالَت: " كان رسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم إذا رَأى غَيمًا أو رِيْحًا عُرِفَ في وَجْهِه، قَالت: يارَسُولَ الله: إن الناس إذا رأوا الغَيم فَرِحُوا رَجَاء أن يَكُون فيه المطر، وأراك إذا رأيتهعرفت في وجهك الكـراهية ؟ فقال صـلى الله عليه وسلـم : ( مَا يُؤمنني أن يَكُون فيه عَذَاب، عُذِّبَقَومٌ بِالرِّيح، وقَد رَأى قَومٌ العَذَاب فَقالُوا: (هَذَا عَارض مُمْطِرُنا ) ", وخَرَّجَ مُسلِم (899) (15) مِن حَديث أم المؤمنين عَائِشَة رَضِيَ الله عَنهَا أنها قالت: " كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذاكان يَومُ الرِّيح والغَيم عُرفَ ذلك في وجْهه، وأقبل وأدبر، فإذا أمْطَرت سُرَّ به وذَهَب عنهذلك، ويَقُول إذَا رَأى المطر: رحمة", قال النووي رَحِمَهُ الله في [شرح مسلم 2/500]: وكان خَوفُه صلى الله عليه وسلم أنيُعاقَبوا بِعصيَان العُصَاة، وسُرُوره لِزَوال سبب الخوف, وفي صحيح مُسلِم (2904) من حديث أبي هريرةرضي الله عنه إشَارة لطيفة لأهل الإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم: "ليست السَّنة (أي:القحط) بأن لا تُمطَرُوا، ولكن السَّنة أن تُمطَرُوا ولاَ تُنبِت الأرض شيئا ", فهذا الحديث فيهتذكير للعباد لِحَاجتهِم إلى سُؤال الله البركة فيما يَنزل،وأن لا يتَّكِلُوا على نُزولالغَيث،فإنه قد يَنزل ولاَ يُبارك الله فيه.
الأمْرُ الثَّاني/إنَّ هَذه الشَّريعة الغَرَّاء تُراعي حَالَ الشِّدَّة والرَّخَاء، أمَّا في الشِّدَّة فَشُرعت صَلاَةالاستسقاء، وأمَّا في الرَّخَاء عند نُزُول الغَيث فَهُناك تَعبُّد آخَر لله عز وجل، ومنهالدُّعَاء، يقول صلى الله عليه وسلم: " اطْلُبوا اسْتجَابة الدُّعَاء عِند التقاء الجيوش وإقِامَةالصَّلاَة ونُزُول الغيث "رواه الشَّافعي رَحِمَهُ الله في كِتَابه [الأم] وحَسَّنه الإمَـامُ الألباني رَحِمَهُ الله في [صَحِيح الجامع 3/435] ، قـال الشَّـــافعي كَما نَقَله النـــــــووي في كِتَابه [الأَذكَار ص368 ]: وقَد حَفِظْت مِن غَــــير وَاحِد طَلَب الإجابة ِعندَ نزول ِالغيَث ِوإقامة الصِّلاة.

4
الأمْرُ الثَّالِث/ أنْ يُكثِر العَبد الدُّعَاء واللُّجُوء إلَى الله سُبحانه وتَعالَى وسُؤاله العَافية من هذهالشَّدائد، ولقد كان من دُعاء النبي صلى الله عليه وسلم ما يُسمِّيه أهْل العِلْم بوردالصَّباح والمساء، كان نبينا صلى الله عليه وسلم يُرغِّب أهْل الإسلام ويَحثُّهُم علىالمحافظة على هذا الوِرْد، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم في حَدِيث عُثمان بن عَفَّان رضي الله عنه: "من قال حين يـُمسي: بسمالله الذي لا يَضُر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السَّماء وهو السميع العليم ثَلاث مَرَّاتلم يُصِبْه فُجأة (أي:بغتة) بلاء حتى يُصبح، ومَن قالَها حين يُصبح ثَلاث مَرَّات لَم يُصِبْه فُجأة بَلاء حتى يـُمسي"رَواه أبو داود, وصَحَّحه الإمَامُ الألباني رَحِمَهُ الله في [صَحيح الجامع 3/451], ومِن جَوامِع دُعائهعليه الصلاة والسلام في دَفع البَلاء وطَلَب العَافِية قوله صلى الله عليه وسلم في حَديث عبدالله ابن عُمر رضي الله عنهما: "اللهمإني أسألُك العَفْو والعافية في الدُّنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العَفْو والعَافية فيديني ودُنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عَوراتي وآمِن رَوعاتي، اللهم احْفظنِي من بين يديومن خَلفي وعن يَميني وعن شِمَالي ومن فَوقي، وأعُوذ بِعظَمتِك أن أُغتَال مِن تَحتي" رَواه ابن ماجه, وصَحَّحه الإمَامُ الألباني رحمه الله في [صَحيح الجامع 3/477] .
عَن أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صـلى الله عـليه وسلم قـال: " لا تَسبُّوا الرِّيح, فإذا رأيتم ما تَكْرهُون فقُولُوا : اللهم إنا نسألك مِن خير هذه الرِّيح وخير ما فيها وخير ما أُمِرَت به,ونعوذ بك مِن شر هذه الرِّيح وشر ما فيها وشر ما أُمِرَت به" رواه الترمذي وصححه (2253), وأحمد (5/123) .



5

الأمْرُ الرَّابع/ إن في اختلاف الفُصُول والأيام واللَّيالي حِكمَةً وعِبرَةً وعِظَةً لِمَن تَدبَّر في ذلك, ومِن الحِكَم والعِبَر والعِظَات:
أوَّلاً:أنَّ الله سُبحانه وتَعالَى قد سَلَّط هذا البَرْد على العِبَاد، لِينعَم الغني مِنهُم، ويَتصدَّق علىالفَقِير، فيفتح الله سُبحانه وتَعالَى له بذلك باباً إلى الجنة, وأن يتذكَّر الإنسان بهذا الألَم نَعيم الجنة، فإنَّ الله سُبحانه وتَعالَى قد بيَّن شيئًا مِننَعيمها بقولِه في أهْلِهَا: "لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً ولاَ زَمْهَرِيراً "[الإنسان:13] والله جَلَّ وعَلاَ قَد جَعل هَذه الدُّنيا دار الهمُوم والأنْكَادوالآلاَم، لِئلاَّ تَركُن النَّفس إليهَا، بل تَشتاق أبدًا إلَى جَنات النَّعيم، وأن يَتذكَّرالعَبْد نار جَهنَّم وعَذابَها، كَمَا خَرَّج الشَّيخان مِن حديث أبي هُريرة رَضي الله عَنه قَال: قَال رَسُول الله صَلى الله عليه وسلم: "اشْتكَتالنار إلَى ربِّها فَقالت: يا رب أكَلَ بَعضِي بعضا، فأذِنَ لَها بِنفَسَين: نَفَس في الشِّتاء ونَفَسفي الصَّيف، فَهُو أشَدّ ما تَجِدُون من الحر, وأشَدّ ما تَجِدُون من الزَّمْهَرير (البَرْد الشَّديد) "
ثَانيًا:الصَّبر على أقْدار الله سُبحانه وتَعالَى، إذا جَاءت شِدَّة البَرْد أوْ شِدَّة الحر، فَليصْبرالمؤمن على ذلك، ولْيعلَم أنَّ أجْر الصَّابرين عَظِيم عند رب العَالَمِين، ولْيحذَر التَّسخُّط علىأقْدارِ الله سُبحانه وتَعالَى، فإنَّ الله جَلَّ وعَلاَ يَبتلي عباده، فَمَن رضي فله الرِّضَى، ومَنسَخِط فله السَّخط، ولكن عليه أن يَعمل بالأسباب التي تَدفع عنه الأذَى .
ثَالِثًا:أنَّ الله سُبحانه وتَعالَى له حِكمَة في تَغيُّر الفُصُول، ففيه من جِهَة نَفْع الأرض بِمُرُورالفُصُول الأربَعة، وفيه أيضًا مَنافِع للخَلْق بِالمتاجَرة بِمَا يَحتاجه الناس في الشِّتاء وغَيرذلك، وربُّك بِكُل شيءٍ خَبير .


6

رَابعًا:أن يَتذكَّر العَبْد نعمة أعْظَم مِن نعمة نُزُول الغَيث، وهي نعمة تَحْكيم شَرْع الله سُبحانهوتَعالَى، وهي مِمَّا أنْعَم الله بها على أهْل هَذه البلاد المملكة العربية السعودية حفظها الله مِن كل سوء،فإنِّها أعْظم من غَيثٍ يَنزل عَلينا, ففي حَديث أبيهريرة رضي الله عنه قَال : قَال رَسُول الله صَلى الله عليه وسلم: "إقَامة حَدّ بِأرْضٍ, خَيرٌ لأهلها مِن مَطَر أربعين ليلة " رواه النسائيوسنده صحيح، وَصححه الإمَام الألباني رَحِمهُ الله في [صَحيح الجامع 3/258], [ وَذَكَره أيضًا مِن حَديث ابن عُمَر رضي الله عنه بِسَندٍ حَسن, رواه ابن مَاجه في سُننه, والضِّياء في المختارة, [وله حُكْم الرَّفع، رَواه الطَّبراني في الأوْسَط (3436) والبيهقي في سننه (86/162) مَرفُوعًا إلى النبي صلى اللهعليه وسلم من حديث ابن عباس بِسَندٍ حَسن, كما قاله الحافظ العِرَاقي في [تَخريج أحَاديث الإحياء 1/155] .
الأمْرُ الخامس/ مِن المؤلَّفات التي احْتوَت أحْكَام الشِّتاء:
(1) في المنتخب مِن مخطوطات الحديث في الظاهرية (ص72) للشَّيخ الألباني رحمه الله, هناك جزء للشَّيخ يوسف بن عبدالهادي المتوفى سنة (909هـ) اسمـه [إرشاد الفتى إلَى أحاديث الشِّتاء] .
(2) للسيوطي المتوفى سنة (911هـ) جزء بعنوان[ أحاديث الشِّتاء ], منه نسخة خطية في دار الكُتب المصرية رقم 35 - مجاميع .
(3) كتاب[ أحْكَام الشِّتاء في السُّنة المطهرة ] لعلي بن حَسَن بن علي بن عبدالحميد الحلبِيّ الأَثريّ, طبعة دار التُّحف النفائس - الرياض .


7


(4)[ الصلاة في الرِّحال عند تغير الأحوال ] للشيخ عبدالله العبيلان, مطبوع.
(5) [ الجمْع بين الصلاتين ] للشيخ مشهور حسن, مطبوع .
(6) [ فقه الممسوحات ] لعلي سعيد الغامدي, مطبوع .
وقد أفاد علي بن حسن الحلبي في كتابة [ أحكام الشِّتاء في السُّنة المطهرة ] بتحرير المسائل, وكثرة النَّقل عن الأئمة والسَّلف رحمهم الله, قال في مقدمة الكتاب (ص 5 - 6): فهذه رسالة علمية وجيزة, تَحوي مسائل مهمة عزيزة, جَمعتُها مِن بُطون المؤلفات, واستخرجتها مِن مثاني المصنفات, لأُقرِّب معانيها لعموم المسلمين, ولقد انتهجْتُ فيما كَتبْت, وحاولت قَدر ما استطعت سلوك سبيل الحجة والدَّليل, بعيداً عن مَحْض الرَّأي وصرف الأقاويل, إلاَّ ما كان اجتهاداً في بعض الأحكام, مِمَّا قاله الأئمة الأعلام, فأُوردُه إرشـاداً وبيـاناً لا على سبيل الإلزام, انتهى كلامه .
واعتمدت في النَّقل للمسائل :
(1) كتاب[ أحكام الشِّتاء في السُّنة المطهرة ] لعلي بن حسن الحلبي .
(2) شرح بلوغ المرام ( كتاب الطهارة - المسح على الخفين والعمامة ), وشرح زاد المستقنع (كتاب الطَّهارة), و( كتاب الصلاة - أحكام الجمْع, وأعذار التَّخلُّف عن صلاة الجماعة للمطر والوَحَل والرِّيح الشديدة الباردة ), للشيخ أحمد بن محمد الخليل, وقد لازم الشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله حتى وفاته عام 1421هـ .
(3) بعض ترجيحات الشيخ ابن باز رحمه الله ( فتاوى نور على الدَّرب), طبعة الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء .

8

(4) كتاب [ الملخص الفقهي (التَّيمُّم - المسْح على الحوائل) ] للشيخ صالح الفوزان .
(5) [ مَجموع الفتاوى ] لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, المكتبة العامة الشاملة .
(6) كتاب [ المغني ] للإمَام ابن قدامه رحمه الله, المكتبة العامة الشاملة .
(7) كتاب [ نيل الأوطار ] للشَّوكاني رحمه الله, المكتبة العامة الشاملة .
(8) كتاب [ الفقه على المذاهب الأربعة ] للجزيري, (9) الإنصاف, كلاهما مِن المكتبة العامة الشاملة .
وقَد ذَكَرْتُ المسائل مُقسَّمَة في عشرة فُصُول :
الفصل الأوَّل/ مسائل في البَرْد, الفصل الثَّاني/ مسائل في الصَّلاة واللباس في البَرْد, الفصل الثَّالث/ مسائل في المسْح على الخفين والجوربين, الفصل الرَّابع/ المسْح على العِمَامة للرَّجُل, والمسْح على الخِمَار للمرأة, الفصل الخامس/ المسْح على الجبيرة, الفصل السَّادس/ مسائل في المسجد والصَّلاة, الفصل السَّابع/ مسائل التَّخلُّف عَن صلاة الجماعة في المطر والطِّين والبرد والرِّيح, الفصل الثَّامن/ مسائل الجمْع بين الصَّلاتين, الفصل التَّاسع/ مسائل الجمْع بين الصَّلاتين للمطر, والوَحَل أو الطِّين, والرِّيح الشَّديدة الباردة, والضَّباب, الفصل العاشر/ مسائل مهمة للمسلم في حالة الجمْع, والقَصْد مِن الجمْع, والصَّمْت إذا لَم يَعرف الأحْكَام الَّتي تُبيح الجمْع, وأنَّ الإمَام هو سيد الموقف .

9

الفصل الأوَّل/ مسائل في البَرْد :
المسألَةُ الأُولَى/ الوُضُوء في البَرْد ؟ في حَديث ابن عُمَر رَضِي الله عَنه الَّذي خَرَّجهُ الطَّبرَاني في الأوْسَط بإسنادٍ حَسَن, وذَكَره الإمَام الألباني رَحِمَهُ الله في [صَحيح الجامع 1/175] أنَّ النبي صلى الله عَليه وسلم قال: " وثَلاَثٌ كَفَّارَات ... وإسبَاغ الوُضُوء في السَّبرات ... ".
قَال المناوي في [فيض القدير 3/307]: السَّبرات هي( شِدَّة البَرْد ), انتهَى كَلاَمه, فإسباغ الوُضُوء مأمُور به شَرْعًا مُطْلقًا, كَمَا في قَوله صلى الله عَليه وسلم: "أسْبغُوا الوُضُوء " رَواه مُسلم (24) مِن حَديث عبدالله بن عمرو بن العاص رَضي الله عنهما, ويَزداد الأجْر عند البَرْد والمشقَّة .
قَال ابن الأَثير في [جَامع الأصُول 7/169]: وإسباغ الوُضُوء/ إتمامه, وإفاضَة الماء على الأَعضَاء تامًّا كَامِلاً, وزيادة على مقدار الوَاجب, وثوبٌ سابغ:واسع .
ويَتعلَّق بِهَذه المسألَة ثلاثة أُمُور:
الأمر الأَوَّل/قَالَ الشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في [فتاوى نور عَلى الدَّرب 5/134]: إِذَا احتاج الماء البارد وصَبَر عَليه, لَهُ فَضلٌ عَظيم, لِمَا جاء في حَديث أبيهريرة رضي الله عنه أنَّ رَسُول الله صَلى الله عليه وسلم قَال:" ألاَ أدُلُّكُم عَلَى ما يَمحُو الله به الخطايا, ويرفع به الدَّرجَات ؟ قَالُوا: بلى يا رَسُول الله, قَال: إسباغ الوُضُوء عَلَى المكاره, وكَثرة الخطى إلَى المساجد, وانتظَار الصَّلاَة بَعد الصَّلاَة, فَذلِكُم الرِّباط, فَذلِكُم الرِّباط, فَذلِكُم الرِّباط " رَواه مُسلم (251) .


10


الأمر الثَّاني / أنَّ بَعض الناس يَـتسَاهَلُون في أيام البَرْد في الوُضُوء كَثيرًا, لا يُقَال: لا يُسبغُون, وإنِّما لا يأتون بالقَدْر الوَاجب, حتى إنَّ بَعضهُم لا يَكَادُ يَـمْسح العُضو مَسحًا كاملاً, ومذهب الأئمة الأربعة أنه يَـجب أن يَغسل جَميع العُضْو, لأنَّ الله سبحانه وتعالَى أمر بغسل الأعضاء .
الأمر الثَّالِث / بَعض الناس لا يَفْسُرُون ( أي: لا يَكشِفُون المغطَّى ) أكْمامهُم عند غَسْل اليدين فَسْرًا كَاملاً, وهذا يُؤدِّي إلَى أنْ يتركُوا شيئًا مِن الذِّرَاع بلا غَسْل,وهُو مُحرَّم,والوُضُوء مَعه غير صَحيح,فالواجب أنْ يَفْسُر كُمَّه إِلَى ما وراء المِرْفَق, ويَغْسِل المِرْفَق مَع اليد, لأَنه مِن فُرُوض الوُضُوء . كَمَا أشار لِهَذا الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [مجموع فتاواه (الطَّهَارة) 7/153].

المسألَةُ الثَّانية/ إذَا كَان الماء بَاردًا, هَل يَجُوز تَسخِينه ؟ قبل الإجابة أود أنْ أُنبه على أنه يُوجد في كثيرٍ مِن منازلنا ولله الحمْد ما يُسمَّى ( سخانات الماء ), فتحتاج هذه السَّخانات إلَى وقت غير قصير لتسخين الماء, فتجد أحدنا عندما يَفتح صنبور الماء يَنتظر حتى يَسخن الماء, مِمَّا يُؤدِّي إلَى هَدْر كَثير مِن الماء بسبب انتظار الماء السَّاخن, وهذا مِن الإسراف, وقَد نَهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في الماء, " مر النبي صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يتوضأ, فقال: ما هذا السَّرف ؟ قال: أفي الوُضُوء إسراف ؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم, ولو كُنت على نَهرٍ جارٍ " رواه أحمد (2/221) وابن ماجه (425), والبيهقي في الشعب (2788) مِن حديث قتيبة, وصححه الحاكم (1/267) مِن حديث عبدالله بن مغفل .

11


فالواجب: إذا كان الانتظار حتى يَسخن الماء, فليوضع إناء لحفظ الماء البارد, واستخدامه في مكان آخر .
نرجع إلَى المسألة: يَـجوز تَسخين الماء البارد .
قَال الإمَام ابن المنذر رحمه الله في [الأوْسَط 1/250]: فالماء المسخَّن دَاخِلُ في جُملَة المياه التي أُمِرَ الناس أنْ يتطهَّرُوا بِـهَا, انتهَى كَلاَمه .
أمَّا "إسباغ الوُضُوء عَلَى المكاره", فَقَد ذَكَر القُرطبِي في [المُفْهِم 2/593]: أيْ تَكْمِيله وإيعَابُهُ مع شِدَّة البرد وألَم الجِسْم ونَحوه .
وقَالَ الأُبِيُّ في [إكْمَالِ إكْمَال المُعْلِم 2/54]: تَسْخِين الماء لِدَفْع بَرْدِه, لِيَقْوَى عَلَى العِبَادة لا يـَمنَع مِن حُصُول الثَّواب المذْكُور .
قَالَ الشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في [فتاوى نور عَلى الدَّرب 5/133]: لا حَرَج في استعمال الماء الدَّافئ, حتَّى يَتمكَّن مِن الكَمَال والتَّمام في وُضُوئه والإسباغ .
وقَد صَحَّت عَن السَّلَف آثار عِدَّة في تَسخِين الماء للوُضُوء, كَمَا في [مُصنَّف عبدالرزاق 1/175], و [مُصنَّف ابن أبي شيبة 1/25], و [الأوسط 1/251], و [سنن البيهقيّ 1/6], و [الطَّهُور لأَبي عُبيد ص192], و[الإرواء 1/48 للشَّيخ الألباني رحمه الله] .




12

المسألَةُ الثَّالثة/ إذَا كَانَ خَائِفًا مِن ماء شَدِيد البُرُودَة, ولَم يَجد مَا يُسخِّنُهُ به, مَاذَا يَعمَل ؟ الجوَاب: يَتيمَّم ويُصَلِّي, مَن لَم يَجد الماء, أوْ عَجِزْ عَن استعماله, لِبُعْدٍ أوْ مَرَضٍ أوْ شِدَّة بَرْد (مَع عَدم القُدْرة عَلَى تَسخِينه), يَجُوز لَه أنْ يَتيمَّم ولا إعَادَة عَليه, كَمَا أشَار لِهَذا الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [مجموع فتاواه (الطَّهَارة) 7/241], وصاحب [مِرْعاة المفاتيح 2/230] .
ويَتعلَّق بِهَذه المسألَة أربعة أُمُور:
الأمر الأَوَّل/فَرَّقَ الشَّيخ محمد بن عثيمين رحمه الله بين مُـجَرَّد التَّأذي مِن الماء البارد, وبين خَشْيَة الضَّرَر, فَمنَع التَّيمُّم للأوَّل وأجَازَهُ للثاني .
الأمر الثَّاني/ قال الشَّيخ العَلاَّمة صالح الفوزان في [الملخص الفقهي ص38]: التَّيمُّم بـِمَا على وجه الأرض مِن تراب وسَبْخَةٍ ورملٍ وغيره في أصح قَولَي العُلَماء . لقوله تَعالَى: " فَتيمَّمُوا صَعِيدًا طَيبًا " [المائدة:6].
الأرض السَّبخَة: هي الأرض التي تَعلوها الملوحة, ولا ينبت فيها إلاَّ بعض الشَّجر,كما ذكر هذا ابن الأثير في كتابه [النهاية في غريب الأثر والحديث 1/747].
الأمر الثَّالِث/كيفية التَّيمُّم: ضَربه واحِدَة للوجْه والكَفَّين, وفي هَذَا عِدَّة نُصُوص, كَمَا في [جَامع الأُصُول 7/247]و[المغني 1/244] .
يَضْرب التُّراب بيديه مُفَرَّجَتَي الأصَابع, ثُمَّ يـَمْسَح وجْهَه بباطن أصابعه, ويَـمْسَح كَفَّيه بِرَاحَتَيْه, ويُعَمِّم الوَجْه والكَفَّين بالمسْح, كَمَا ذَكَر هَذَا الشَّيخ العَلاَّمة صالح الفوزان في [الملخص الفقهي ص39] .


13

الأمر الرَّابع/ إذَا عَدِمَ الماء والتُّراب, أوْ وصَل إِلَى حالٍ لا يَستطيع مَعَه لَمْس البَشَرَة بِـمَاء ولا تُراب,فإنه يُصـلِّي عَلَى حَسَب حَـالِه بِلاَ وُضُوء ولا تَيمُّم, ولا يُعيد هَذه الصَّلاة, لأنَّ الله سُبحانه لا يُكلِّف نَفسًا إلاَّ وُسعَهَا, ولأنه أتى بِـمَا أُمِرَ به, لقَولِهِ تَعالَى: " فَاتَّقُوا الله مَا اسْتطَعْتُم " [التغابن:16], وقَولُهُ صلى الله عليه وسلمفي حديث أبي هُريرة رضي الله عنه الذي خَرَّجَهُ البُخاري (7288) ومُسلم (1338): " إِذَا أمَرتُكُم بأمْرٍ فأتوا مِنه مَا اسْتطَعتُم ", وقد أشَار لِهَذا الشَّيخ العَلاَّمة صالح الفوزان في [الملخص الفقهي ص39] .

المسألَةُ الرَّابعة/ إذَا سَقَط الثَّلج بشَكْل كبير, وأدَّى إلَى انجماد الماء في الصنابير الموصلة إلَى المنازل, فماذَا يَعْمل ؟ حَكَى بَعضُهُم: ( وقَع في بَلدِنَا سُقُوط ثَلْج بشكْل كَبير كَثيف, ممَّا أدَّى إلَى انـجمَاد المياه في الصَّنابير الموصلة إلَى المنازل, وعَدَم القُدْرة علَى الإفَادَة مِنها ), وأنت إِذَا نظرت تَجد هَذه المسألَة شبيهة بالمسألَة الثَّالثة .
أجاب بعضُهُم اجتهاداً:في هَذه الحالة مَعَ وُجُود الثَّلْج الكَثير في خَارج المنزل, بأن يأخذ كومًا مِن الثَّلْج ويُذِيبه إنْ تيسَّر له ذَلك, ثُم يتوضأ به, فإنْ لَم يَستطِع فليتيمَّم عَلى الصِّفَة المذكُورة, لأنه لا يُكَلِّف الله نفسًا إلاَّ وُسعَهَا, وقَد وقَع مثل ذَلك, كَمَا ذَكَر مُجير الدِّين الحنبلي المتوفى سنة 928هـ في [الأُنس الجليل بتاريخ القُدس والخليل 2/368] .


14

المسألَةُ الخامسة/ تَنشِيف أعْضَاء الوُضُوء في البرد ؟ يَتحرَّج بعض الناس مِن تَنشِيف أعْضَاء الوُضُوء في البرد, إمَّا لِغَلبة عَادتِهِم أيام الحر, وإمَّا تأثُّماً فيما يَظُنُّون, ولَيس لِذَلك أصْلٌ البتَّة, فقَد ثبت في حَديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلَّى الله عَليه وسلم " كَان لَهُ خِرْقة يَتنشَّف بـِهَا بَعد الوُضُوء "رواه الترمذي والبيهقي, وجَمَع طُرُقه وحَسَّنه: الشَّيخ الألباني رحمه الله في السِّلسلة الصَّحيحة (2099), وهَذَا عام الدَّهر كُله, دُونَما تَخصيص بصيف أو شِتَاء, ولاَ يُعَارِض هذا مَا رواه البُخاري (259) ومُسلم (317) (37) عن ميمونة في غُسْل النبي صلَّى الله عَليه وسلم مِن الجنابة, وفيه: " ....ثُم أتيتُه بالمنديل فَردَّه ", وفي لَفظ: " ثُم أُتِيَ بِمنديل فَلم يَنفُض بِـهَا ", قَال البُخاري كَمَا نَقَل الحافظ بن حَجَر في [فَتح الباري 1/372]: ( يَعني لَم يَتمسَّح ) .
قَال التَّيميّ في [شَرْحِه]: في هَذا الحديث دَليلٌ عَلَى أنه كَان يَتنشَّف, ولولا ذَلك لَم تأتِهِ بالمنديل .
وذَكَر الشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في [فتاوى نور عَلى الدَّرب 5/125]: لا بأس ولا حَرَج في تَجفيف الأعْضَاء مِن الماء .

المسألَةُ السَّادسة/ المدافئ الَّتي في المساجد أيام البَرْد ؟ تَكثر المدافئ في الأيام الباردة في المساجد, واختلف العُلَمَاء فيها على قولين:
القول الأوَّل: كراهة وضْع الدَّفاية أمام المصلِّين واستقبال ذلك, واستدلُّوا بأنَّ ذلك مِن التَّشبه بعباد النار مِن المجوس .


15

القول الثَّاني: جواز وضْع الدَّفاية في المسجد, وهذا القول اختاره الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِـمَهُ الله في [كتاب الدَّعوة (5) (2/89 – 90] قـال: لا حرج في ذلك, ولا يدخل هذا فيما ذكره بَعض الفُقَهاء مِن كَراهة استقبال النار, فإنَّ الذين قالوا بكراهة استقبال النار عَلَّلُوا هذا بأنه يُشبه المجوس في عبادتهم للنيران, فالمجوس لا يَعبُدون النار على هذا الوَجْه, وعلى هذا فلا حرج مِن وضْع حامل البخور أمام المصلِّي, ولا مِن وضْع الدَّفايات الكهربائية أمام المصلِّي أيضاً, ولا سيما إذا كانت أمام المأمومين وحدهم دون الإمَام, انتهى كلامه رحمه الله .
وبناءً على القول الثَّاني: في وقتنا هذا قَد لا تُوجد أجْهزة التَّكييف الدَّافئة في بَعض المساجد, فيضطر المصلِّين إلَى إحْضار الدَّفايات الكهربائية, وعندما يشتد البَرْد مع الرِّيح الشَّديدة تُصبح المساجد باردة, مِمَّا يَشق على الناس, والمساجد بيوت الله تُصلَّى فيها خَمْس صلوات, والإنسان يدخُل المسجد وقصده التَّعبد لله سُبحانه وتَعالَى, والدَّفايات إنَّما وُضعت لتدفئة المسجد لا كَما يَفعله المجوس, وهذا أولَى مِن أن يُصلِّي الناس في بيوتهم, لذلك كان مِن المرجِّح إن شـاء الله ما ذكره الشيخ ابن عُثيمين رحمه الله وغيره .






16

الفصل الثَّاني/ مسائل في الصَّلاة واللباس في البَرْد ؟
المسألَةُ الأُولَى/ لبس القفَّازين في شدة البَرْد ؟ في الأيام الباردة يَلبس بعض الناس قفَّازات تقي أيديهم مِن شدة البَرْد, فيُحرِّجهم بشأنـها آخرُون ويَنهون عَنها, ويَستدل هؤلاء على نَـهيهم بِـحديث " أُمرت أن أسجد على سَبعة أعظم " رواه مُسلم (490), فيوجبون كَشف الوجه واليدين, وهذا أحد قولين للإمام الشَّافعي رحمه الله, كَما نقل النووي في [شرح مسلم 2/155], ثُم قال: وأصحــــُّها أنه لا يـَجب .

المسألَةُ الثانية/النَّهي عَن تغطية الفم (ومثله التَّلثُّم) في الصَّلاة ؟بَوَّب الشَّوكاني رحمه الله في [نيل الأوطار 2/66]: باب النَّهي عن السَّدْل والتَّلثُّم في الصَّلاة, عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم نَـهى عن السَّدْل في الصلاة, وأن يُغطِّي الرجل فاه " رواه أبو داود (643), ورواه التِّرمذي (478) وأحمد (2/295) بلفظ (النَّهي عَن السَّدْل) عَن أبي هريرة, وصححه ابن خزيمة (572), وأخرجه الحاكم في المسـتدرك (1/253) من الطريق التي رواهـا أبو داود بالزيادة التي ذكرها وقال: هذا حديث صحيح على شَرْط الشَّيخين .
وقال رحمه الله في (2/67): قوله: " وأن يُغطِّي الرجل فاه " قال ابن حبان: وإنَّما زجر عن تغطية الفم في الصَّـلاة على الدَّوام لا عنـد التثـاؤب بمقـدار ما يكظمه,

17

لـحديث: "إذا تثـــاءب أحدكم فليضع يده على فيه فإن الشيطان يَدخُل", وهـــــــذا لا يتم إلا بعد تسليم عدم اعتبار قيد في الصلاة المصرح به في المعطوف عليه في جانب المعطوف, وفيه خلاف ونزاع, وقد استدل به على كراهة أن يصلي الرجل مُتلثِّماً, انتهى كلامه رحمه الله .

المسألَةُ الثالثة/ النَّهي عَن السَّدْل في الصَّلاة ؟في حديث أبي هريرة الذي تَقدَّم في المسألة الماضية " أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهى عن السَّدْل في الصلاة ", والسَّدْل مَعناه/ما قاله ابن الأثير في [النهاية في غريب الأثر والحديث 3/74]: هو أنْ يَلْتحِف بثوبه, ويُدْخِل يديه مِن دَاخِل, ويَرْكَع ويَسْجُد وهُو كذلك, وهذا مُطَّرِدٌ في القميص وغيره مِن الثياب .
واختاره صديق حسن خان في [ الروضة النَّدية 1/82] .
والمعنى ظاهر, وهو وَضْع الملابس كالمعطف ونَحْوِه على الكتفين دون إدخال الأيدي في الأكْمَام .
لكن روى مُسلم في صحيحه (401) عَن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصَّلاة كبر, ثُم الْتَحَف بثوبه, ثُم وضع يده اليُمنى على اليُسرى, فَلمَّا أراد أن يَركع أخرج يده مِن الثوب, ثُم رفعهما..",والجمْع بين المعنيين الواردين في حديث أبي هريرة ووائل بن حـجر يَنــــــضبط بِـما قــــاله الإمَـام

18

أبو عبيد القاسم بن سلام في[غريب الحديث3/482]: السَّدْل: هو إسبال الرَّجُل ثوبه مِن غير أن يَضم جانبيه بين يديه, فإنْ ضمَّه فليس بِسَدْل.
فيُحْمَل حديث النَّهْي على مَن لَم يَضُم ثوبه, ويُـحْمَل حديث الالتحاف على مَن ضَم ثوبه, وأمَّا العباءة ونَحوها مُطلَقاً, فلا يُعلم عليه دليلاً يَخصُّه .
انظر: [جلباب المرأة المسلمة ص72] للشَّيخ الألباني رحمه الله, و [غذاء الألباب 2/156] للسفاريني, و [القول المبين في أخطاء المصلِّين ص43] لمشهور حسن .

المسألَةُ الرَّابعة/ النَّهي عَن اشتمال الصَّمَّاء ؟روى البُخاري (367) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: " نَهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَن اشتمال الصَّمَّاء " .
قال ابن قتيبة كما نقل الشَّوكاني في [نيل الأوطار 2/65]: سُمِّيت صَمَّاء, لأنه يَسُد المنافذ كُلها فيصير كالصخرة الصَّمَّاء التي ليس فيها خَرْق .
أي: ليس فيها أكْمَام ولا منافذ, كالبُرْنُس يُلبَس على الجسد كُله, والطَّيلسان يُلبَس فوق الكتفين, وكلاهُما دون الأكْمَام .


19

الفصل الثَّالث/ مسائل في المسْح على الخفين والجوربين ؟
قَال الإمَام ابن دقيق العيد في [الإحكام 1/113]: وقَد اشتهَر جواز المسح عَلى الخفين عند عُلماء الشَّريعة, حتَّى عُدَّ شِعَارًا لأَهل السُّنة, وعُدَّ إنكارُه شِعَارًا لأَهل البدع .
قَال الحسن البصري كَمَا نَقَل ابن المنذر في [الأوسط 1/433]: حَدَّثني سَبعُون مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه مَسَح على الخفين .
قَال إسْحَاق بن رَاهَوَيه كَمَا نَقله ابن حزم في [المحلَّى 2/118]: مَضَت السُّنة مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, ومَن بَعدهم مِن التَّابعين في المسح عَلى الجورَبين, لا اختلاف بينهم في ذَلك .
وقَد حَقَّق أحاديث المسح عَلى الجوربين مُحَدِّث العَصْر الشَّيخ محمد ناصر الدِّين الألباني رحمه الله في كتاب [المسح عَلَى الجوربين] للقاسمي .

المسألَةُ الأُولَى/ لا فَرْق مِن حيث الحكْم بين الخفين والجوربين, قَال الإمَام ابن القيم رحمه الله في [تَهذيب السُّنن 1/122]: لا يَظهر بين الجوربين والخفين فَرْقٌ مُؤثِّر يَصح أنْ يُحَال الحكْم عَليه .
وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه 1/190) عَن ابن عُمَر قَوله: " المسح عَلَى الجوربين كالمسح عَلى الخفين ", ثُم روى نَـحوه عَن غير واحد مِن التَّابعين .

20

المسألَةُ الثانية/ ما الفَرْق بين الخف والجورب ؟
ذَكَر الفقهاء رحمهم الله أنَّ الخف: هو اللِّباس الَّذي يَكُون مِن الجِلْد, والجورب: هو اللِّباس الَّذي يَكُون مِن غير الجِلْد (كالصُّوف) ونَحوه, فما يُسمَّى بالشَّرّاب الَّذي نَلْبسَهُ في أقدامنا, فإنه يُعتبر جَوربًا لأنه مِن غير الجلد, ويُسمَّى صُوفاً, وقَد ذكر هَذه المسألة عبدالرحمن الجزيري في [ الفقه على المذاهب الأربعة 1/120].

المسألَةُ الثالثة/ اشْتِرَاط لبس الخفين والجوربين عَلَى طَهَارة ؟
اتفق أهل العِلْم عَلَى اشْتِرَاط لبس الجوربين عَلَى طَهَارة لِمَن أراد أن يَمْسَح عَليهما, لِمَا خَرَّج البُخاري (182) ومُسلم (274) (75) مِن حَديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قَال: " كُنت مَع النبي صلى الله عليه وسلم, فتوضأ, فأهْوَيت لأنْزَع خُفِّيه, فقال: دَعْهُمَا فإني أدْخَلْتُهُما طَاهرتين, فَمَسح عَليهما ", كَمَا تَرى في [فتح الباري 1/309] و [المغني 1/284] و [المجموع 1/512] .




21

المسألَةُ الرَّابعة/ هَل يُلبس الخفين والجوربين عَلَى طَهَارة كَاملة ؟
قَال الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [مجموع فتاواه (الطَّهَارة) 7/175]: هَذه المسألَة مَحلّ خِلاف بين أهل العِلْم, فَمنهُم مَن قَال: لا بُد أنْ يُكْمِل الطَّهارَة قَبل أن يَلبس الخف أو الجورب, وِمنهُم مَن قَال: إنه لا يَـجُوز إِذَا غَسَل اليُمنى أنْ يَلبس الخف أو الجورب, ثُم يَغْسِل اليُسرى ويَلبس الخف أو الجورب, فهُو لَم يُدْخِل اليُمنى إلاَّ بَعد أنْ طَهَّرَها,واليُسرى كَذلك, فَيصْدُق عَليه أنه أدْخَلهُمَا طَاهرتين, لكن هُناك حَديث أخْرجَه الدَّارقُطني(1/204) والحاكم وصحَّحَه (1/168) أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَال: " إِذَا توضأ أحدُكُم ولبس خُفَّيه ... " الحديث, فَقوله: " إذَا توضأ " قَد يُرجِّح القَول الأوَّل, لأنَّ مَن لَـم يَغْسِل اليُسرى لا يَصْدُق عليه أنه تَوضأ, فَعليه القَول به أولَى, انتهى كَلامه رحمه الله.
ومعنى الطَّهارة الكاملة: إذا غَسَل الإنسان رِجْلَهُ اليُمنى ثُم لبس الجورب, وغَسَل اليُسرى ثُم لبس الجورب, فَعليه أنْ يَنزع الجورب مِن الرِّجْل اليُمنى واليُسرى ثُم يَلبسه مَرَّة أُخْرى, لِيكُون اللِّبس عَلى طَهَارَة, كَمَا أشَار لِهَذا الشيرازي في [المهذب 1/513] .
واختار الشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في[فتاوى وتنبيهات ص263]: مَن لَم يَقْطَع بأحد القَولين جَزْمًا, وأراد الحيطة, فله ذلك, ( يلبس الجورب بعد غَسْل اليُسرى ) .



22

المسألَةُ الخامسة/ مُدَّة المسْح ؟
خَرَّج مُسلم مِن حديث عَلي رضي الله عنه قَال: "جَعَل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمُسَافر, ويَومًا وليلة للمُقيم, يَعني: في المسْح عَلى الخفين ", وقَد رُوِي عَن أكثر مِن عِشرين صَحَابيًّا, كَمَا في [نظم المتناثر رقم: 33] للكتَّاني .
وهُو قَول جمهور أهل العِلْم, يَومٌ وليلة للمُقيم ( أربعٌ وعشرون ساعة ), وثلاثة أيام بلياليهن للمُسَافر ( اثنتان وسَبعُون ساعة ) .

المسألَةُ السَّادسة/ مِن أين يبدأ التَّوقيت في المسْح ؟
اختلف العُلَمَاء في هَذه المسألَة, وسأذْكُر الصَّوَاب إن شَاء الله مِن أقْوَال العُلَمَاء: وهو أنَّ المدَّة تَبدأ مِن ابتداء المسْح أوَّل مَرَّة إِلَى أن تَنتهي المدَّة .
ومِمَّا يَزيد هَذا القَول وُضُوحًا: قَول عُمَر بن الخطَّاب رضي الله عنه في المسْح عَلى الخفين: " يَمْسَح عَليهمَا إلَى مِثل سَاعته مِن يَومه وليلته " رواه ابن المنذر (1/442), وعبدالرزاق (1/109) واللفظ له, والبيهقي (1/276) .
قَال النووي رحمه الله في [المجموع 1/487]: وهو المختار الرَّاجح دليلاً .
ولَعَلَّه بالمثال يَتضح هَذَا, قَال الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [مجموع فتاواه 7/161 - 162]: رَجُل تَطهَّر لِصَلاة الفَجْر, ثُم لبس الخفين, ثُم بقي عَلى طَهارته حتى صَلَّى الظُّهْر وهو عَلى طَهارته, وصَلَّى العَصْر وهو عَلى طَهارته, وبعد صَلاة العَصْر في السَّاعة الخامسة تَطهَّر لِصَلاة المغرب ثُم مَسَح, فَهذا الرَّجُل لَهُ أنْ يَمْسَح إلَى السَّاعة الخامسة إلاَّ رُبع, وبقي عَلى طَــــــــهارته حـــــــــتى صَــــــــلـــَّى

23

المغرب وصَلَّى العِشَاء, فإنه حينئذ يَكُون صَلَّى في هذه المدَّة صَلاة الظُّهر أوَّل يوم, والعصْر والمغرب والعِشَاء والفَجْر في اليوم الثَّاني, والظُّهر والعَصْر والمغرب والعِشَاء, فَهذه تسع صَلوات صَلاَّها, وبِهذَا عَلمنا أنه لا عِبْرَة بعدد الصَّلوات كَمَا هُو مَفهُوم عند كثير مِن العَامَّة, حيث يَقُولُون: إنَّ المسْح خَمْسَة فُرُوض ! هَذا لا أصْل لَه, وإنَّما الشَّرْع وقَّته بيوم وليلة, تبتدئ المدَّة ابتداء المسْح أوَّل مَرَّة .

المسألَةُ السَّابعة/ مَن مَسَح بَعد تَمام المدَّة المحدَّدة ؟
قَال الشَّـيخ الإمَـام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [مجموع فتاواه 7/161 - 162]: لو مَسَح بَعد تَمام المدَّة فَمسحُهُ بَاطِل, لا يَرتفع به الحدث, لكن لو مَـــــــسَح قَبل أن تتم المدَّة ثُم استــمر عَلى طَـــــــــهارته بَعد تــــــــــمـام المدَّة, فإنَّ وُضُـــــــوءه لا ينتقض, بل يَبقى عَلى طَهَارته حتى يُوجد ناقض مِن نواقض الوُضُوء .

المسألَةُ الثَّامنة/ هَل انقضاء مُدَّة المسْح يُبطِل الوُضُوء ؟
اختلف العُلَمَاء في هَذه المسألَة, لكن انتصر النووي رحمه الله في [المجموع 1/527]:بأنه لا شيء عَليه, وطَهارته صحيحة, وقَال: وهَذا المذهب حَكَاه ابن المنذر في [الأوسط 1/447] عَن الحسن البصري وقتادة وسليمان بن حرب, واختاره ابن المنذر, وهُو المختار الأقوى, وحَكاه أصحابنا عَن داود .
وقَد أشار لِهذا السَّرخسي في [المبسوط 1/103] .


24

المسألَةُ التَّاسعة/ نَزْع الجوربين بَعد المسْح, هَل ينقض الوُضُوء ؟
في هذا خلاف مَشهُور بين أهل العِلْم, الرَّاجح إنْ شاء الله: مَا ورد عَن عَلي رضي الله عنه بسند صحيح: " أنه أحْدَث, ثُم توضأ ومَسَح عَلى نعليه, ثُم خَلعهُمَا وصَلَّى " رواه الطَّحاوي في [شرح المعاني 1/97] و عبدالرزاق (873), وابن أبي شيبة (1/190), والبيهقي (1/288) .
قَــال شَـــــيخ الإســــــلام ابن تَيمية رحمه الله في [اخــــتياراته العِــــــلْميَّة ص15]:ولا ينقُض وُضُوء الماسح عَلى الخف والعمامة بنزعهما, ولا بانقضاء المدَّة, ولا يـَجب عَليه مَسْحرأسه ولا غَسْل قَدميه, وهو مَذهب الحسن البصري, كإزالة الشعر الممسُوح, عَلى الصَّحيح مِن مَذهب أحمد وقَول الجمهور, انتهى, ورجَّح هَذا القول الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في[مجموع فتاواه 7/162] .

المسألَةُ العاشرة/ هَل يُشترط أن يَكُون المسْح لِحَاجة ؟
لا يُشترط أن يَكُون المسْح لِحَاجة, كَمَا حَكَاه النووي رحمه الله إجْمَاعًا في [المجموع 1/500], وأشار لِهذَا الشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في[فتاوى وتنبيهات ص260] .
وذلك لأنَّ لبس الخف والجورب جائز, فلم يُعلَّقان بالحاجة .



25

المسألَةُ الحادية عشر/ هَل يَجُوز المسْح عَلى الجورب أو الخف المخرَّق ؟
اختلف العُلَمَاء في هَذه المسألَة عَلى أقْوال, الأرْجح مِن هـذه الأقْوال: ما ذكَــــــرَه أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [المسائل الماردينية ص78]: فأكْثر الفُقهَاء عَلى أنه يَجُوز المسْح عَليه, ثُم رجَّح هذا القول قَائلاً: فإنَّ الرخصة عامة, ولفظ الخف يتناول ما فيه الخرْق, وما لا خَرْق فيه, لا سيما الصَّحابة كَانَ فيهم فُقَراء كثيرون وكانوا يُسافرون, وإذَا كان كذلك, فلابد أن يكُون في بَعض خِفَافِهم خُرُوق, والمسافرون قَد يتخرَّق خُفّ أحدهم, ولا يـُمكنه إصْلاحه في السَّفر, فإن لَم يـَجُز المسْح عليه, لَم يـَحصُل مَقصُود الرُّخصة, وقَال رحمه الله في [الاختيارات الفقهية ص13]: ويَـجُوز المسْح عَلى الخف المخرَّق ما دام اسْمَه باقيًا والمشْي فيه مُمكنًا, وهو قَديم قولَيْ الشَّافعي, واختيار أبي البركات وغيره مِن العُلَماء .
وقَد أشَار لِهَذا الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [فقه العبادات ص128] .

المسألَةُ الثانية عشر/هَل يَجُوز المسْح عَلى الجورب أو الخف الخفيف والرَّقيق ؟
قَال الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [فقه العبادات ص128]: القول الرَّاجح أنه يَـجُوز المسْح عَلى ذلك, أيْ عَلَى الجورب الـمُخرَّق, والجورب الخفيف الَّذي تُــــرى مِن ورائه البَشَرة, لأنه لـــــــــيس المقصُود مِن جَــــــواز المسْـــــــــح عَــــــلى

26

الجورب ونـحوه أن يَكُون سَاترًا, فإنَّ الرِّجْل ليست عَورة يـَجب سترها, وإنـَّمـا المقصود الرخصة عَلى المكلَّف والتَّسهيل عَليه, بِحيث لا نُلزمه بِـخَلْع هَذا الجورب أو الخف عِند الوُضُوء, بل نَقُول: يَكفيك أنْ تـمسَح عليه, هذه هي العِلَّة الَّتي مِن أجلها شُرِع المسْح على الخفين, وهذه العِلَّة كَما تَرى يَستوي فيها الخف أو الجورب المخرَّق والسَّليم والخفيف والثَّقيل, وقال رحمه الله في موضع آخر في [الفتاوى]: يَـجُوز المسْح عَلى كُل ما لُبس عَلى الرِّجْل, وذلك أنَّ النُّصُوص الواردة في المسْح على الخفين مُطلَقة غير مُقيَّدة بشُرُوط, والأصْل بقاء المطلق عَلى إطْلاَقه, والعام على عُمُومه, حتى يَرد دَليلٌ على التقييد أو التَّخصيص .

المسألَةُ الثَّالثة عشر/ ما حُكْم مَن خَلَع الجوربين عِند كُل وُضُوء احتياطًا للطَّهارة ؟ قَال الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [مجموع فتاواه 7/158]: هَذا خِلاَف السُّنة, وفيه تشبُّه بالرَّوافض الَّذين لا يـُجيزون المسْح على الخفين .
المسألَةُ الرَّابعة عشر/ لبس جَورب فوق جَورب ؟
يَكثر في أيـــــام البَرْد الشَّديد لبس بعض الناس شرّاب فوق شرّاب وهـــــكذا, وهَـــــــذا لا إشْكَال في جَوازه, إذَا لبس الجوربين على طَهَارة, كَمَا هُو أصل الحكم, لكن إذا لبس الثَّاني مـُحدِثًا فلا يَـجُوز أن يَـمْسَح عليه, ولو أنه خَلَع الجورب الثَّاني الَّذي لبسه على طهارة, فيجُوز له الاستمرار في المسح عَلى الجورب الأوَّل, كَــــــمَا أشـــــــار

27

لِهذا الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [مجموع فتاواه 7/193].
وقَال الشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في [فتاوى نور عَلى الدَّرب 5/164]: لا مانع مِن المسْح على الجوربين ولو تعددت, ولو لبس عِدَّة جوارب إذا سترت القدمين, انتهى كلامه رحمه الله .
صورة المسألة للخف أو الجورب الفوقاني والتَّحتاني: إذا تَطهَّر الإنسان بأن غسل رجليه, ثُم لبس التَّحتاني ولبس الفوقاني قبل أن يـَمْسَح التَّحتاني, ثُم مَسَح الفوقاني فحينئذ يَتعلَّق المسْح بالفوقاني .
إذا خلع الفوقاني فيجوز على القول الصَّحيح أن يَـمْسَح على التَّحتاني, لأنه لبسه على طَهارة غسل, فيتم المسْح على التَّحتاني, مثال يُوضِّح هذا: إذا توضَّأ وغسل رجليه, ولبس خف تـحتاني ثُم لبس خُفاًّ فوقاني, ومَسح على الفوقاني, فلمَّا ذهب مِن اليوم والليلة ( يوم ) خلع الفوقاني, فإنه يَـجُوز على القول الصَّحيح أن يَـمْسَح على التَّحتاني بَعد أن خلع الفوقاني وإن بدأ المسْح على الفوقاني, لكن يُتم المسْح الباقي مِن اليوم والليلة بالنسبة للمقيم .
وإذا لبس الإنسان الخف التَّحتاني ومَسَح عليه, ثُم لبس الفوقاني, فَهل يَـجُوز أن يـَمْسَح على الخف الفوقاني ؟ القول الرَّاجح مَذهب الحنابلة : لا يَـجُوز أن يَـمْسَح على الخف الفوقاني, لأنه لُبس على طهارة مَسْح, والخف لا يُـمْسَح عليه إلاَّ إذا لُبس على طهارة غسل, إذاً: إذا لبس خُفاًّ بَعد أن مَسَح على التَّحتاني وأراد أن يتوضأ, ماذا يفعل ؟ يـَخلع الفوقاني ويـَمْسَح, وهو الصَّواب إن شاء الله .

28

المسألَةُ الخامسة عشر/ أنْ يَكُون المسْح في الحدَث الأصْغَر ؟
هذا الحكْم مَحَلّ إجماع, لوُضُوح النُّصُوص فيه, وأنَّ المسْح إنـَّما هو في الحدث الأصْغَر فقط, خَرَّج التِّرمذي (96) وقال: حَسنٌ صحيح, والنسائي (127) وصححه ابن خُزيمة مِن حَديث صَفْوان بن عَسَّال رضي الله عَنه قَال: " أمَرنا رسُول الله صلى الله عليه وسلم إذا كُنا سَفْرًا ( أيْ: مُسافرين ) ألاَّ ننزع خِــــــــفَافنا ثــلاثة أيام ولــــــياليهن إلاَّ مِن جنابة, ولكن مِن غائط وبول ونوم ", والمعنى كَمَا ذَكَر الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [فـــقه العبادات ص126]:إنْ كَـــــان في الجـــــنابة فإنـــــه لا مَسْح, بل يـَجب عليه أن يَـخْلَع الخفين ويَغْسِل جميع بدنه .

المسألَةُ السَّادسة عَشر/ مِن أين يَكُون المسْح على الخفين والجوربين, وما صِفَة المسْح ؟ عَن علي رضي الله عنه قَال: " لو كان الدِّين بالرَّأي, لكان أسْفَل الخف أوْلَى بالمسْح مِن أعْلاه, وقَد رأيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَـمْسَح على ظَاهِر خُفَّيه " أخرجه أبو داود بإسنادٍ حَسَن, وصحَّحَه المتأخرون وبَعض الأئمة, هَل يكُون المسْح مِن الأعلَى أو الأسْفَل ؟ اختـلف العُلَمَـاء على قولين, القول الأوَّل: أنه لا يَـمْسح إلاَّ أعلى الخف, ولا يُشرع أن يَـمْسح الأسْفَل, واستدلُّوا بالأحاديث الصَّحيحة التي فيها المسْح على أعلى الخف, واستدلُّوا بِـحديث علي المذكُور, وثبت عن الحسن البصري, والقول الثَّاني: أنه يَـمْسح أعلى الخف وأسفل الخف, واستدلُّوا بِـحديث المغيرة " أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَسَح أعلى الخـــــــف


29

وأسفله " , لكن هذا الحديث ضعيف كَمَا بينه الحافظ ابن حجر في [بلوغ المرام] .
والأرْجح القول الأوَّل وهو مَذهب الحنابلة, بأن يَـمْسَح أكثر أعلى الخف .
قال الشَّيخ العَلاَّمة صالح الفوزان في [الملخص الفقهي ص32]: وصفة المسْح على الخفين: أن يَضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أصابع رِجْلَيه, ثُم يـُمرِّرْهُمَا عَلى ساقيه, يـَمْسَح الرِّجْل اليُمنى باليد اليُمنى, والرِّجْل اليُسرى باليد اليُسرى, ويُفرِّج أصابعه إذَا مَسَح, ولا يُكِّرر المسْح .

المسألَةُ السَّابعة عَشر/ هَل يُشترط سَبْق النية للمَسْح أو لِمُدَّ المسْح ؟
قَال الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [مجموع فتاواه (الطَّهَارة) 7/165]: النية هنا غير واجبة, لأنَّ هَذا عَملٌ عُلِّق الحكْم على مُـجَرَّد وُجُودِه, فلا يَـحتاج إلَى نية, كَمَا لو لبس الثَّوب, فإنه لا يُشترط أن ينوي به سَتْر عورته في صلاته مثلاً, فلا يُشترط في لبس الخفين أن ينـوي أنه سَيمْسَح عليهمـا, ولا كذلك نية المدَّة, بل إن كان مُسَافرًا فله ثلاثة أيام نواها أم لَم يَنْوِهَا, وإن كان مُقيمًا فله يوم وليلة نواها أم لَم يَنْوِهَا .




30


المسألَةُ الثامنة عشر/إذَا كان الخفين و الجوربين دون الكَعْبين, هَل يَصح المسْح عليهما ؟
قال عبدالرحمن الجزيري في كتابه [ الفقه على المذاهب الأربعة 1/120]: الخف الذي يصح المسْح عليه: هو ما يلبسه الإنسان في قدمي رجله إلى الكعبين, والكعبان هما العظمان البارزان في نِـهَاية القدم, سواء كان متخذا من جلد أو صوف أو شعر أو وبر أو كتان أو نـحو ذلك, انتهى كلامه .
فإذَا كَــــــان الخــــــف دون الكَعْب فإنه لا يُسمَّى خُفًّا, ومِن الأمـــــثلة في وقــــــتنـا هـــــذا ما يُسمَّى( الكنـادر, وهي عادةً تكُون مِن الجـــــلد ), الكنـــــادر الـتي دون الكَـــــعْبـين لا يُـمْسَح عليهما إلاَّ إذا تـجاوزت الكَعْبين, وكذلك الجـــــــورب الذي دون الكَعْبين لا يُـمْسَح عليه إلاَّ إذا تـَجاوز الكَعْبين في أصح قولي العُلماء .
المسألَةُ التَّاسعة عشر/ هَل يُشترط أن يَكُون الخف أو الجورب ثابتًا بنفسه ؟
الرَّاجح: عدم اشتراط هذا الشَّرط, فلو ثبت بِأيّ مُثبِّت, سواء كان بِرَبْط أو شَدّ أو بلبس نَعْل, فإنه يَـجُوز أن نَـمْسَح عليهما, وهذا يُروى عن الإمام أحمد رحمه الله كَما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في[مجموع الفتاوى 21/184] .






31

المسألَةُ العِشرُون/ مَسْح المقيم إذا سافر, والمسافر إذا أقام ؟
هذه المسألة عامة الناس بِـحَاجه إليهَا, ولا يكاد يَـخلو منها مُسلم, لا سيما مَع كثرة السَّفر في عصرنا هذا .
قال الإمَام ابن قدامه رحمه الله في [المغني 1/327]: إذا كَان المقيم لَـم يـَمْسَح حتى سافر أتم على مَسْح المسافر, لا نعلم بين أهل العلم خِلاَفًا في أنَّ من لَـم يَـمْسَح حتى سافر أنه يتم مَسْح المسافر, وإذا كَان المقيم قَد مَسَح ثُم سافر أتم على مَسْح مُقيم ثُم خَلَع .
(1) إذا مَسَح في سَفر ثُم أقام, فإنه يَـمْسَح مَسْح مقيم بلا خلاف, فإذا مَسَح في السَّفر لمدة يوم ثُم أقام, فكم بقي له ؟ بقي له ليلة .
وإذا مَسَح في السَّفر لمدة يوم وليلة ثُم أقام, فكم بقي له ؟ لَـم يَبق شيء وعليه أن يَـخْلَع مباشرة .
(2) إذا مَسَح مَسْح مقيم ثُم سافر, فكم يَـمْسَح ؟ على أرْجَح القولين أنه يَـمْسَح مَسْح مسافر, لأنه عُلِّق المسْح على وصف وهو السَّفر, فإذا وُجد الوصف وُجد الحكْم, ولأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن, فعلى هذا القول: إذا مَسَح الإنسان يوم وسافر, كم بقي له ؟ بقي له يومان وليلة .
(3) إذا مَسَح الإنسان مُقيماً ثُم سافر, فإنه يـَمْسَح مَسْح مُسافر ما لَـم تكُن المدة انتهت أثناء إقامته, وهذه مَسالة يـَحدُث فيها خَلْط عند كثير مِن الناس .
فإذا مَسَح الإنسان لمدة ثلاثاً وعشرين ساعة ثُم سافر, كم بقي له ؟ بقي له ساعة ويومين, وإذا مَسَح لمدة أربعاً وعشرين ساعة ثُم سافر, كم بقي له ؟ لا يبقى له شيء, يـَخْلع ويغسل .

32

وإذا مَسَح لمدة أربعاً وعشرين ساعة ثُم سافر, كم بقي له ؟ لا يبقى له شيء, يـَخْلع ويغسل .
(4) إذا شك الإنسان, هل مَسَح مقيم أو مسافر ؟ عند الحنابلة يَـمْسَح مَسْح مقيم.

المسألَةُ الحادية والعِشرون/ مَسْح المستحاضة ومَن به سلس البول ؟
تَـمْسَح المستحاضة, ومن به سلس البول, قال الإمَام ابن قدامه رحمه الله في [المغني 1/340]: ولا فَرْق بين المستحاضة ومن به سَلَس البول وغيرهما, ولنا عموم قوله عليه الصَّلاة والسلام: " يـَمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن " .

المسألَةُ الثانية والعشرون/ يستوي المرأة والرَّجل في المسْح على الخفين والجوربين ؟ قال الإمَام ابن قدامه رحمه الله في [المغني 1/340]: والرَّجُل والمرأة سواء في المسْح على الخفين وسَائر أحْكَامه وشُرُوطه, لِعُمُوم الخبر ولأنه مَسْحٌ أُقيم مَقَام الغسل, فاسْتوَى فيه الرِّجَال والنِّسَاء .

المسألَةُ الثَّالثة والعشرون/ شروط المسْح على الخف أو الجورب ؟
الشَّرْط الأوَّل/ أن يكُون الخف أو الجورب طاهراً, فقد أجمع الفقهاء على هذا الحكْم, ومراد الفقهاء بقولِهِم طـاهر:هو الطَّهارة العينية لا النَّجاسة الطَّـــــارئة, وبعبــــارة

33

أخرى: يَـجُوز المسْح على المتنجَّس لا على النَّجَس .
بِـمَعنى: لو كان الخف مصنوع مِن جلد نـَجس فلا يـَجُوز أن نَـمْسَح عليه, فإذا مسحنا على خُفٍّ مُتنجِّس فيجب عند إرادة الصَّلاة أن نُطهِّر الخف .
الشَّرْط الثاني/ أن يكُون الخف أو الجورب مباحاً, فلا يَـجُوز للإنسان أن يَـمْسَح على الخف الـمُحرَّم .
إمَّا مـُحرَّم لكسبه: كالخف المغصوب أو المسروق أو المشتري بِـمَالٍ حرام أو بـِمَال ربا أو بـِمَال رشوة .
وإمَّا مُـحرَّم لذاته أو لعينه: كالخف المصنوع مِن حرير أو مِن جلد نَـجس .
ودليل هذه المسألَة: قاعدة عامة عند الجمهور ( الرُّخص لا تناط بالمعاصي ), والمسْح رخصة, فلا يناسب تـجويزه لِمَن اقتنى خُفاًّ مُـحرَّماً لكسبه أو لعينه .
والقول الثَّاني: أنه يـَجُوز المسْح على الخف الـمُحرَّم لكسبه, لأنه لا علاقة بين التَّحريم والمسْح بدليل أنه لو لَم يَـمْسَح فهو آثم, مَسَح أم لَم يَمْسَح, ولأنَّ الإثم يَتعلَّق بالغصب, وهذا القول أقرب, وإن كان الاحتياط أن يُعيد صلاته, لكن مِن حيث الدَّليل, الأقرب صحة الصَّلاة .
وبَعض العُلماء اشترط في المسْح على الخف أو الجورب: أن يكُون ثابت بنفسه, وأن يكُون ساتر لِمَحل الفَرْض, لكن تَقدَّم أنه لا يُشترط في المسْح على الخف أو الجورب أن يثبت بنفسه, ولا أن يكُون ساتراً لِمَحل الفَرْض .



34

المسألَةُ الرَّابعة والعشرون/ النَّعْل لا يُـمْسَح عليهما بالإجْمَاع, وإنَّمَا جنس الجوارب أو الخفاف, وهي ما يكُون منها مِن جلد أو مِن صوف هي التي جاءت السُّنة بِـجَواز المسْح عليها .

الفصل الرَّابع/ المسْح على العِمَامة للرَّجُل, والمسْح على الخِمَار للمرأة ؟
يَـجُوز المسْح على عمامة الرَّجُل, للأحاديث الصَّريـْحة الصَّحيحة الَّتي فيها جَواز المسْح على العِمَامة, فقد ثبت في صحيح مُسْلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم "مَسَح على عمامته" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في[مجموع الفتاوى 21/187]: وقد ثبت المسْح على العِمَامة عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه .

المسألَةُ الأُولَى/اشترط العُلَماء للمَسْح على العِمَامة شَرْطين:
الشَّرْط الأوَّل: أنْ تكُون ساترة لِـجَميع الرَّأس إلاَّ مَا جَرت العَادة بِكَشْفه, كَمُقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب الرأس .
الشَّرْط الثَّاني:أنْ تَكُون العِمَامة مُـحنَّكة (وهي التَّي يُدار منها تَـحت الحنك دورٌ فأكثر ), لأنـها أكثر سِتْرًا ويـَحصُل مَشقَّة في نَزْعِهَا, أوْ أنْ تكُون ذات ذُؤابة (وهي الَّتي يُرخى طَرفُهَا مِن الخلْف), وإن لَـم يكُن تـحت الحنـك منهـا شيء ولا لَـهَا ذؤابة لَـم يَـجُز المسْح عليها, وقَد ذَكَر هذين الشَّرْطين الإمَام ابن قدامه رحمه الله في[المغني 1/341] والشَّيخ العَلاَّمة صالح الفوزان في [المــــلخص الفقــــــهي

35

ص31], كَمَا أشار لذلك أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في[مجموع الفتاوى 21/187] .
الشَّرْط الثَّالث: أن يكُون الَّذي يَلبس العِمَامة رَجُل, فالمرأة يـَحرُم عليها لبس العِمَامة, لِمَا فيه مِن التَّشبُّه بالرِّجال, ولذا فإنه لا يَـجُوز لَهَا إذا لبست أن تَـمْسَح, وقَد ذَكَر هذا الشَّرْط بَهاء الدِّين المقدسي في[العُدَّة في شرح العُمدة 1/44], وابن قدامه في [المغني 1/340] .

المسألَةُ الثَّانية/إذا كَانت العِمَامة ذات ذُؤابة ولَم تكن مُحنَّكة, هَل يُمْسَح عليها ؟
قال الإمَام ابن قدامه رحمه الله في المغني 1/341]: وان كانت ذات ذؤابة ولَـم تكن مـحنكة ففي المسح عليها وجهان: أحدهما جوازه لأنـها لا تشبه عمائم أهل الذمة إذ ليس من عادتـهم الذؤابة, والثاني لا يَـجُوز لأنـها داخلة في عــــموم النــــهي ولا يشق نزعها .
أصَحّ القَولين إن شاء الله: لا يَـجُوز لأنـها داخلة في عُمُوم النَّهي, ولأنه لا يَـحدُث مشَقَّة في نَزعها, وذكروا: أنَّ العِمَامة إذَا أُطْلِقَت في عُرْف المسلمين في العَهد النبوي هي العِمَامَة الـمحنَّكة, فَبها تناط الرخصة دون العَمائم الَّتي لَم تُـحنَّك, والعُلَمَاء الَّذين رأوا جواز المسْح عَلى العِمَامة الـمحنَّكة يرون عَدم جواز المسْح على العِمَامة ذات الذُّؤابة, فلابد مِن التَّحنيك, والله تعالَى أعلم .



36

المسألَةُ الثَّالثة/ هَل يُشترط في العِمَامة أنْ تُلبس على طَهارة كالخف ؟
اختلف العُلَماء في هذه المسألَة, الرَّاجح إن شاء الله: أنه لا يُشترط لبسها عَلى طَهارة, وذلك: لأنَّ أحاديث المسْح عَلى العِمَامة لَـم تذكُر هَذا الشَّرْط, بينما في الخف ذُكِرْ فقال: " دَعْهُمَا فإني أدْخَلْتُهُمَا طَاهرتين ", وأنَّ الظاهر مِن حال النبي صلى الله عليه وسلم لَـم يكُن يَضع العِمَامة عند بداية الوُضُوء, وعلى هَذا عَمل الناس أنه يتوضأ, فإذا وصَل إلَى الرَّأس رَفع العِمَامة ثُم مَسَح وأعاد العِمَامة .

المسألَةُ الرَّابعة/ هَل العِمَامة لَهَا توقيت كالخف ؟
اختلف العُلَمَاء على قولين, والأقرب إن شاء الله: جواز المسْح بتوقيتٍ كالخف, يوماً وليلة للمقيم, وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر, وهو قول أكثر العُلَماء, المسْح على العِمَامة مُؤقَّت كتوقيت الخف, لأنَّ نزع الخف أشق مِن نزع العِمَامة, فإذا وُقِّت, فتوقيت العِمَامة مِن باب أولَى, وقَد رجَّح هذا القول الإمام ابن قدامه في [المغني 1/340], والشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في [فتاوى نور عَلى الدَّرب 5/192] .

المسألَةُ الخامسة/المسْح عَلى العِمَامة في الحدث الأصغر كالخف, وذلك لأنه في الجنابة يَعُم بدنه كاملاً بالغُسْل, فلابد أنْ يَغسل ما تَـحْت العِمَامة, كَمَا أشار لِـهَذا الشَّيخ العَلاَّمة صالح الفوزان في [الملخص الفقهي ص32] .



37

المسألَةُ السَّادسة/ صفة المسْح على العِمَامة ؟
يـَمْسَح أكثر العِمَامة, ويـَختص ذلك بدوائرها, كَمَا ذكر هَذا الشَّيخ العَلاَّمة صالح الفوزان في [الملخص الفقهي ص32],وابن قدامه في [المغني 1/340].

المسألَةُ السَّابعة/ العِمَامَة العادية, أو ما يُسمَّى (الغُتْرة – الشِّمَاغ) التَّي نلبسها في هَذا الوَقْت, لا يَـجُوز المسْح عليها, لأنـها ليست مِن العَمَائم الـمحنَّكة الَّتي تُشد مِن تـحت الحنــك, وقَد سَبــــــــق الكــــــــلام عَن شُــــــــرُوط المسْح على العِـــــــمَامة, ولأنه لا يـَحصُل مَشقَّة في نَزْعها, قَال الشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في [فتاوى نور عَلى الدَّرب 5/191]: إذا كانت لا تُشد كالعِمَامة العادية أو الغترة فهذه لَيس عَليهَا مَسْح, لأنَّ خَلْعَها لا يُكلِّف .

المسألَةُ الثَّامنة/ قال الإمام ابن قدامه رحمه الله في [المغني 1/340]: والعمامة الـمحرَّمة كعمامة الحرير والمغصوبة لا يَـجُوز المسْح عليها, وإن لبست المرأة عمامة لـم يَـجُز المسْح عليها لما ذكرنا من التشبه بالرجال فكانت مـُحرَّمة في حقها, وإن كان لـَها عُذْر فهذا يندر, فلم يرتبط الحكم به, انتهى كلامه, راجع ص 34 .




38

المسألَةُ التَّاسعة/ المسْح على القلنسوة ( الطَّاقية ) ؟
أرْجَح القولين إن شاء الله, ما ذَكَره الإمَـام ابن قـدامه رحمه الله في [المغني 1/341]: ولا يَـجُوز المسْح على القلنسوة ( الطاقية ), نص عليه أحمد قال هارون الحمال: سئل أبو عبد الله عن المسْح على الكلتة (لباس معروف للرأس) فلم يره, وذلك لأنـها لا تستر جميع الرأس في العادة ولا يدور عليه, وقــــال ابن المنذر: ولا نعلم أحداً قال بالمسْح على القلنسوة إلاَّ أنَّ أنساً مَسَح على قلنسوته, وذلك لأنه لا مَشقَّة في نزعها فلم يَـجُز المسح عليها كالكلتة ولأنـها أدنى من العمامة غير الـمحنكة التي ليست لها ذؤابة .

المسألَةُ العاشرة/ المسْح على الخوذة الَّتي تُلبس في الحرْب ؟
ذكرُوا غالباً أنَّ الخوذة لا تُلبس إلاَّ على القُلُنْسوة, يَلبس أولاً قُلُنْسوة ثُم يَضع عليها الخوذة, ربـما لأجْل ألاَّ تُؤذي رأسه, والخوذة في الظَّاهر تُلبس وتُربط مع الأسفل, وأنـها مِثل العِمَامَة تُدار مِن تـَحت الحنك, وفي نَزْعها مَشقَّة, لاسيما الَّتي يَستخدمها الجنود, ففي المطالبة بفكِّها كُلَّ حين فيه صُعُوبة, وإذا كان الشَّرْع أجاز للمرأة على القول الصَّحيح مَسْح الخِمَار, فالخوذة أشد مَشقَّة في النَّزْع, فبالتالي يُـمْسَح عليها, والله أعلم .





39

المسألَةُ الحادية عشر/ المسْح على الخِمَار للمرأة ؟
يَـجُوز عند أصحاب الإمَام أحمد رحمهم الله أنْ تَـمْسَح المرأة على الخِمَار بشَرْط أنْ يكُون مُدار مِن تَحت الحلْق, وذلك لأنه مَلْبوس للرَّأس مُعتَاد يشُق نَزْعه, فهو شبيه العِمَامة, واستدلُّوا بأنَّ "أم سَلَمة رضي الله عَنها مَسَحَت على الخِمَار", ذكَره ابن المنذر كَمَا نقله الإمام ابن قدامه في [المغني 1/346] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في[مجموع الفتاوى 21/186]: فَمن تَدبَّر ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطى القِيَاس حَقَّه, عَلِم أنَّ الرخصة منه في هذا الباب (أيْ باب المسْح على الحوائل) واسعة, وأنَّ ذلك من مـَحاسِن الشَّريعة ومِن الحنيفية السَّمحة التي بُعث بـها, وقَد كانت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تَـمْسح على خِمَارها, فهل تفعل ذلك بدون إذنه .

المسألَةُ الثَّانية عشر/ هَل تَمْسَح المرأة على التَّحجبية, أو مَا يُسمَّى الشَّيلة ؟
قَال الشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في [فتاوى نور عَلى الدَّرب 5/191]: إذا كَان المراد مِن التَّحجبية هنا الخِمَار (الشَّيلة) الَّتي عَلى الرَّأس, فإنَّ هذه تُنزع وقت مَسْح الرَّأس, أمَّا إذا كان المقصُود بالتَّحجبية آثار المشـاط الَّذي في الرَّأس أو الحِنَّاء الَّذي في الرَّأس, هذا يُـمْسَح عليه والحمد لله, وإذا كَانت التَّحجبية غير ذلك فلابد مِن بيانـها, أمَّا إذا كَان خِمَارًا مُـحنَّكاً على الرَّأس ويَشُق نَزْعه فإنه يُـمْسَح عليه .
وذكر بعض العلماء أنه يَـجُوز المسْح عند الحاجة كوجود البَرْد, أو أن تكُون لفة الرأس عليها لنحو وضْع حناء أو لأيّ صورة مِن صُور الحاجة .

40

المسألَةُ الثَّالثة عشر/ هل تُشترط الطَّهارة للخمار ؟
عند أصحاب الإمَام أحمد رحمهم الله يُقاس الخِمَار على العِمَامة بِجَامع مَشقَّة النزع, وقَد تَقدَّم أنَّ العِمَامة لا يُشترط لبسها عَلى طَهارة في أرْجح القولين, وبالتالي فإنَّ الخِمَار لا يُشترط أن تَلبسه المرأة عَلى طهارة .

المسألَةُ الرَّابعة عشر/ التَّوقيت في المسْح على الخِمَار ؟
التَّوقيت كتوقيت المسْح على العِمَامة في أقْرَب القولين, يوماً وليلة إذا كانت المرأة مُقيمة, وثلاثة أيام بلياليهن إذا كانت المرأة مُسافرة .
واختار هذا القول الشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في [فتاوى نور عَلى الدَّرب 5/192] .

المسألَةُ الخامسة عشر/ المسْح على الخِمَار في الحدث الأصغر ؟
المسْح على الخِمَار في الحدث الأصغر كالعِمَامة, وذلك لأنه في الجنابة تعُم المرأة بدنـَها كاملاً بالغُسْل, فلابد أنْ تَغْسِل ما تَـحْت الخِمَار .
المسألة السَّادسة عشر/ تَـمْسَح المرأة أكثر الخِمَار, وتَـختص بدوائره كالعِمَامة .




41

الفصل الخامس/ المسْح على الجبيرة ؟
قال عبدالرحمن الجزيري في [ الفقه على المذاهب الأربعة 1/160]: الجبيرة في اصطلاح الفقهاء هي الخِرْقة التي يُربط بِـهَا العُضو المريض أو الدواء الذي يُوضَع على ذلك العُضْو, سواءً كان العُضْو مَكْسوراً أوْ مَرضُوضاً أوْ به آلام روماتزمية أوْ نَـحو ذلك, فالجبيرة عند الفقهاء اسمٌ للرِّباط الذي يُربط به العُضْو المريض أو الدَّواء الذي يُوضَع فوق ذلك العُضْو .
يَجُوز عند الحنابلة وغيرهم أن يـَمْسَح الإنسان على الجبيرة, واستدلُّوا بِـمَا ثبت عَن ابن عمر رضي الله عنه " أنه مَسَح على عصابة ربط بِـهَا يده ", ولَـم يُعرف له مُـخالف مِن الصَّحابة, ورُوي عن عَدد مِن التَّابعين أنـهم مَسحُوا على الجبائر .
ولَـم يَصح في الباب حَديث في المسْح على الجبيرة, كَمَا بين ذلك البيهقي بقوله: أيّ حديث فيه المسْح على عصابة أو لفافة على الجرح فهو حديث ضعيف .

المسألةُ الأولَى/ شروط المسْح على الجبيرة ؟
اشترط العُلَمَاء في المسْح على الجبيرة: أنْ تكُون على قَدْر الحاجة, قالوا: قاعدة مَشهورة: أنَّ الضَّرُورة والحاجة تُقدَّر بقدرها بلا زيادة ولا نقصان, فإذا شَدّ الإنسان الجبيرة أكثر مِن الحاجة, فهذا الشَّد لا يَـجُوز, كأن تنكسر يد المريض من الوسط, ويَكفي لبرئها أن يُشد عليها جبيرة بـِمقدار شِبْر, فالمعالج شَد الجبيرة بـِمقدار شبر ونصف, فالزيادة هنا نصف شِبْر, فعليه قالوا: هذا الشَّد لا يَـجُوز .



42

المسألَةُ الثَّانية/ إذا زاد الشَّد عن الحاجة, مَاذا يَعْمَل ؟
على قولين: القول الأوَّل: قول الحنابلة: إنْ أمْكَن أن تُفك الجبيرة بلا ضرر, وجب أن تُفك, فإن لَـم يـُمكن فإنه يَـمْسَح ويتيمَّم عن الباقي, ودليلهم: أنَّ الضرورة أو الحاجة تُقدَّر بقدرها .
القول الثَّاني: يُفهم مِن كلام الإمَام أحمد رحمه الله أنه يَـجُوز أن تُشد كَيفما تيسَّر حال وُقُوع الحادث, لأنَّ مُراعاة ذلك فيه مَشقَّة, وهذا القول هو الصَّواب: لأنه إذا شَدَّها وخَاف الضَّرر بنزعها فله أن يَـمْسَح عليها إلى أن يَـحلَّها, ولأنه مِن الصُّعُوبة إذا أراد الطَّبيب في وقتنا أن يَـجعل على اليد جبس, أن نَقُول له: لا تزيد التَّجبير عن الحاجة, فهذا فيه صُعُوبة بالغة ومَشقَّة, والمشقَّة في الشَّرْع تَـجْلِب التَّيسير, والمريض في حال المرض والانكسار يَصعُب عليه أن يُراعي مثل هذه الأشياء الدَّقيقة .


المسألَةُ الثَّالثة/ إذا كان بالإنسان جُرْحٌ ولَم يُغطَّى بالجبيرة, ماذا يَعمل ؟
أصَحّ القولين, قول بَعض الحنابلة: إنِ استطاع أنْ يـَمْسَح عليه فليمْسَح, وإن لَـم يَستطِع المسْح فينتقل إلَى التيمُّم عَن هذا الجرح, لأنه إذا كان الَّذي يَلبس الجبيرة يـَمْسَح عليها, فمن كان جُرْحه مَكشُوفاً فإنه يَـمْسَح عليه مِن باب أولَى إذا استطاع المسْح .



43

المسألَةُ الرَّابعة/ المسْح على اللَّفائف ونَحوها ؟
قال أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في[مجموع الفتاوى 21/185]: إذا كان على الرِّجْل لفائف من البَرْد أو خَوف الحفاء أو مِن جراح بـهما ونَـحو ذلك, قيل: في هذا وجهان ذكرهما الحلواني, والصواب أنه يَـمْسَح على اللفائف وهي بالمسح أولَى من الخف والجورب, فإنَّ تلك اللفائف إنـما تستعمل للحاجة في العادة, وفي نوعها ضرر إمَّا إصابة البَرْد, وإمَّا التأذي بالحفاء, وإما التأذي بالجرح, فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين فعلى اللَّفائف بطريق الأولى, ومن ادعى في شيءٍ من ذلك إجْماعاً فليس معه إلاَّ عدم العلم, ولا يـمكنه أن ينقل المنع عن عشرة من العلماء المشهورين فضلا عن الإجماع, والنزاع في ذلك (أي في المسْح على الحوائل) معروف في مذهب أحمد وغيره .

المسألَةُ الخامسة/ المسْح على الجبس واللصوق والضَّماد وما يُسمَّى (الشَّاش) التي على الجروح والقروح ؟
قال في [الإنصاف 1/187]: وقال القاضي في اللصوق على الجروح: إن لَـم يكن في نزعها ضرر غسل الصحيح وتيمم للجرح, ويَـمْسَح على موضع الجرح, وإن كان في نزعها ضرر فحكمه حكم الجبيرة يَـمْسَح عليها .
لكن تقدَّم في المسألة الثَّالثة: أنه إذا استطاع المسْح على الجرح المكشوف, مَسَح عليه, وإن لَـم يستطع فإنه يتيمَّم عَن الجرح .



44

ذَكَر الشَّيخ العَلاَّمة صالح الفوزان في [الملخص الفقهي ص32] والشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في [فتاوى نور عَلى الدَّرب 5/187]: يَـمْسَح على الجبس, ويَمْسَح على الضَّماد الَّذي على الجرْح, ويَـمْسَح على اللُّصوق التي على القُرُوح, ويَـمْسَح على الشَّاش الذي على الجرْح, ونَحو ذلك .

المسألَةُ السَّادسة/ صفة المسْح على الجبيرة ؟
يـَجب أن تُـمْسَح الجبيرة مِن جَميع الجِهَات, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الجبيرة بدل الجِلْد, والجِلْد يَـجب تَعميمه بالغسل, فيجب تَعميم الجبيرة بالمسْح, فالجبيرة ليست كالخف, فقد شُرعت تَـخفيفاً على المكلَّف, وإنـما هي بدل عن الجِلْد, فيجب أن تُعمَّم مِن جَميع الجهات, فإذا جبر الإنسان يده يَـجب أن يـَمْسَح الجبيرة مِن فوق وأسفل, ومِن الجهتين اليمين والشِّمَال .

المسألَةُ السَّابعة/ هَل يُشترط أن تُلبس الجبيرة على طهارة ؟
القول الرَّاجح: أنه لا يُشترط أن تُلبس على طهارة, وهذا القول اختاره المرداوي, واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [مجموع الفتاوى 21/179] .
قالوا: إنه يَشُق على الإنسان ويَعْسُر عليه أن يُراعي الطَّهارة عَن حُدُوث الحادث, فإذا انكسرت اليد مثلاً وأرادوا تـجبيرها:يَصعُب على المريض أن يُراعـي قضيَّة الحدث, وكَما في القاعدة المتفق عليها: المشقَّة تَـجلب التَّيسير, والآثار التي رُويت عَن ابن عمر والتَّابعين ليس فيها اشتراط هذا الشَّرْط, فصار المـجموع أنَّ هذا ليس شَرْطاً صحيحاً, والصَّواب: عدم لبس الجبيرة على طَهارة .

45

المسألَةُ الثَّامنة/ هَل المسْح عل الجبيرة يُؤقَّت بتوقيت كالخف ؟
قال الإمَام ابن قُدامه في [المغني 1/312]: يَـمْسَح على الجبيرة مِن غير توقيت بيوم وليلة ولا ثلاثة أيام, لأنَّ مَسْحها للضَّرورة فيقدر بقدرها, والضرورة تدعو في مَسْحها إلَى حلها, فيقدر بذلك دون غيره .وقَد رَجَّح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [مجموع الفتاوى 21/182] .

المسألَةُ التَّاسعة/ يـَمْسح على الجبيرة في الحدث الأكبر, قال الإمَام ابن قُدامه في [المغني 1/312]: يَـمْسَح عليها في الطهارة الكُبرى بِـخَلاف غيرها, لأنَّ الضَّرر يلحق بنزعها فيها, وهذا تَرجيح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [مجموع الفتاوى 21/178] والشَّيخ العَلاَّمة صالح الفوزان في [الملخص الفقهي ص32] .

المسألَةُ العاشرة/ سُئل الشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في [فتاوى نور عَلى الدَّرب 5/189] عن رجل أصابه جُرْح مُؤْلِـم في إحْدى قدميه, فكان إذا توضأ لا يَغسل مَكَان الجرْح, فكان يُصلِّي والدَّم ينزف, وكان على هذه الحال لِمُدَّة خَمْسة أيام, فهل صلاته صحيحة ؟ فأجاب رحمه الله: الواجب في هذا أنك تَـجعل للجُرْح شيئاً يَـمْسَك الدَّم, خرقة تلفها عليه أو مَا شابَـهها, حَتى تَـمْسَح عليه, فإن لَم يتيسَّر: تيمَّم عَن ذلك بَعد الوُضُوء, تيمَّـم عَن ذلك ويَكـفي عَن مَحلّ الجرْح, ولكن ضَبْطه بلفافة أو جبيرة ثُم تَـمْسَح عليها, هذا هو الواجب, لأنه هو الطَّريق المتبع, وإن قَضيت هذه الصَّلوات مِن دون مَسْح ولا تَيمُّم, فهذا هو الأحوط لك, لأنك فرَّطت في هذا الأمْر, وهو أمرٌ واضح, إمَّا بِربط الجــــرْح والمسْــــح

46

عـــــليه, وإمَّا بالتَّيمُّم بَعد ذلك, لأنك تَستطيع التَّيمُّم عَن هذا الجرْح الَّذي بَقي مَـحله لَـم يُغسل, والله ولي التَّوفيق .

الفصل السَّادس/ مسائل في المسجد والصَّلاة ؟
المسألة الأولَى/ القُرْب والبُعْد مِن المسجد ؟
قال ابن رُشد في [البيان والتحصيل 1/403 – 404]:أنَّ مالكاً سُئل عَن القوم يَكُون بَعضهم قـريب المنزل مِن المسْجد, إذا خَرج مِنه دخل إلَى المسجد مِن ساعته, وإذا خَرج مِن المسجد إلَى منزله مثل ذلك, يَدخل منزله مَكانه, ومِنهُم بعيد المنزل عن المسجد, أترى أن يَـجْمعُوا بين الصَّلاتين كُلُّهم في المطر ؟فقال ما رأيتُ الناس جَمعُوا إلاَّ القريب والبعيد, فهم سواء, يَـجْمعُون, قيل: ماذا ؟ فقال: إذا جَمعُوا جَمَع القريب مِنهُم والبعيد ), قال ابن رُشد مُعقِّباً عليه: وهذا كَما قال, لأنَّ الجمْع إذا جـــــــاز مِن أجْل المشقَّة التي تَدخُل على مَن بَعُد, دخــــــــل مَعـــــهُم مَن قَرُب, إذ لا يصح لَـهم أن يَنفردوا دونَهُم, فيصلُّوا كُل صلاة في وَقتها جَماعة, لِمَا في ذلك مِن تَفريق الجماعة, ولا أن يَتركُوا الصَّلاة في جَمَاعة.
وهذا اختيار الإمَام الشَّافعي رحمه الله في [الأم 1/95] .





47

المسألَةُ الثَّانية/ الجمْع في غير المسجْد ؟
وهو على قسمين:
القِسْمُ الأوَّل: البيت والمصلَّى, قال الإمَام الشَّافعي رحمه الله في [الأم 1/95]:
ولا يَجْمع أحدٌ في بيته, لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جَمَع في المسْجد, والمصلِّي في بيته مُخالفٌ المصلِّي في المسْجد .
قال بَعضهم: والوجه في ذلك أنَّ الخروج إلَى المسجد مَظنَّة المشقَّة, بينما مَن كان في بيته أو في مُصلَّى مُلحقٍ بعمله أو مدرسته, فإنَّ مَظنة المشقَّة مَنفيةٌ عنه .
ومَن صَلَّى في بيته لِعُذْر لا يـَجُوز له أن يَـجْمَع ولو كان المطر أشد ما يكُون .
وأيضاً: المرأة لا يَـجُوز لَـها أن تَـجْمَع في بيتها ولو كان المطر أشد ما يكُون .
وكُل مَن لا يُصلِّي مع الجماعة لا يَـجُوز له أن يَـجْمَع, وإنـما يَـجْمَع مَن كان سَيخْرُج لصلاة الجماعة ويتأذَّى, وهذا قولٌ متوسط وهو قولٌ للحنابلة, وهو قولٌ إن شاء الله وجيه تَـجْتَمع به الأدلَّة .
القِسْمُ الثَّاني: المنفرد والجماعة, هذا القِسْم نوعين, الأوَّل: عُذْر المطر والبَرْد ونـَحوهما, فلا يَـجُوز إلاَّ في جَمَاعة, لكونه عُذراً عَاماًّ, الثَّاني: عُذْر المرض والأذى والحرج الخاص, ونَـحو ذلك, فهذا جائز لكونه مُتعلِّقًا بالمشقَّة التي تَلحق المصلِّي المنفرد ومِقدارها .




48

المسألَةُ الثَّالثة/ الجمْع بَعد الجماعة الأُولَى في المسْجد ؟
قال الدسوقي في [حاشيته عَلى الشَّرح الكبير 1/371]: اعلم أنه إذا وجدهُم فَرغُوا مِن صلاة العِشَاء, فكما أنه لا يَـجُوز له أن يَـجْمَع لنفسه, لا يَـجُوز له أن يَـجْمَع مَع جَماعةٍ أُخْرى في ذلك المسجد, لِمَا فيه مِن إعادة جَماعة بَعد الرَّاتب, فلو جَمعُوا فلا إعادة عليهم .
وقال العَدوي في [ شرحه على مُختصر خليل 1/425]: والحاصل أنه إذا وجدهُم فرغُوا, فلا يَـجُوز أن يَـجْمَع لنفسه, ولا مَع جَمَاعة بإمام .
وهذه المسألَة مبنية على مَسألة حُكْم تكرار الجماعة في المسجد الواحد, وفيها خلاف: فجمهُور العُلَماء عَلى المنْع, لكن لا ينبغي أبداً لِمَن فاتته الصَّلاة إذا كانوا أكثر مِن رجل أن يُصلُّوا فرادى, بل يَجتمعوا تَحقيقاً للسُّنة .

المسألَةُ الرَّابعة/ إقامة الصَّلاة في وقتها الأصلي بَعد الجمْع في المساجد ؟
هذا لا يتعارض مع الجمْع, لأنَّ مَن الناس مَن لَـم يُدركوا الجمْع ففاتَهُم, وِمنهُم مَن لَـم يَشْهدْه أصلاً لِعَملٍ أو عِلَّة, فالمسجد الـمجموع فيه يُؤذَّن فيه في أوقات الصَّلاة المعتادة, وتُقام فيه الصَّلاة عَلى الوجه الطَّبيعي للسبب المذكور, بقاء على الأصل, ولا يُوجد نص يُـخالف هذا, قارن بـ [إعلام العابد ص136] لمشهور حسن سلمان .
انظر المسألة الماضية .


49

المسألَةُ الخامسة/ الصَّلاة على الرَّاحلة أو السَّيارة خشية الضَّرر ؟
أحياناً مَع وُجُود الأمطار الكثيرة أوْ مَا أشبه ذلك قَد تـحبس الإنسان داخل سيارته وقت طويل حتى يَـخْرُج وقت الصَّلاة, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [الاختيارات العِلْميَّة ص74]: وتَصح صلاة الفَرْض على الرَّاحلة خَشية الانقطاع عَن الرِّفقة, أوْ حُصُول ضَرر بالمشي .
وقال ابن قدامه في [المغني 2/323]: وإن تضرَّر بالسجود وخاف مِن تلوث يديه وثيابه بالطِّين والبلل, فله الصَّلاة عَلى دابته, ويُوْمِئ بالسجود, ثُم قال: وقَد رُوِي عَن أنس أنه صلَّى على دابته في ماء وطين, وفعله جابر بن زيد, وأمر به طاوس وعُمارة بن غَزِيَّة .
وقال الإمَامُ الترمذي في سُننه (2/268): والعَمَل على هذا عند أهْل العِلْم, وبه يَقُول أحمد وإسحاق .

المسألة السَّادسة/ الأذان في المطر والبَرْد ؟
روى البُخاري في صحيحه (901) ومُسلم (699) عَن ابن عباس أنه قال لِمُؤذنه في يومٍ مَطير: " إذا قُلْت: أشهد أنَّ محمداً رسول الله, فلا تَقُل: حي على الصَّلاة, قُل: صَلُّوا في بيوتكم, فكأنَّ الناس استنكروا ! قال: فعله مَن هو خيرٌ مني, إنَّ الجمعة عَزْمة, وإني كرهت أن أُحْرِجَكُم, فتمشون في الطِّين والدَّحض".
قال علي بن حسن في كتابه [ أحْكام الشِّتاء في السُّنة المطهَّرة ص41 ] عَن لَفْظة " فكأنَّ الناس استنكروا " : فكيف بأناسي هذه الأيام !؟ لكن أولئك اتبعوا, فهل هؤلاء يَفعلون ؟! .

50

وخَرَّج البُخاري (623) ومُسلم (699) عَن نافع قال: " أذَّن ابن عُمَر في ليلة بِضَجْنان (اسم جَبَل قريب مِن مكة), ثُم قال: صلُّوا في رِحَالِكُم, فأخبرنا أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مُؤذِّناً يُؤذِّن, ثُم يَقُول على إثره: ألاَ صَلُّوا في الرِّحال, في الليلة الباردة, أو المطيرة في السَّفر " .
وروى أبو داود (1057) وصَححه ابن خزيمة (1658) وابن حبان (2083) عَن أسامة بن عُمير قال: " كُنا مع رَسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية, وأصابنا مَطر لَم يَبُلَّ أسافل نِعَالِنا, فَنادَى مُنادي رَسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ " صَلُّوا في رِحَالِكُم " .
وفي صحيح مسلم (698) عَن جابر قال: " كُنا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في سفر, فَمُطِرْنا, فقال: لِيُصَلِّ مَن شاء مِنكُم في رَحله " .
ورواه ابن حبان في صحيحه (2082), وبَوَّب عليه بقوله: ذِكْرُ البيان بأنَّ الأمْر بالصَّلاة في الرِّحال لِمَن وصفنا أمْرُ إباحة , لا أمْرُ عَزْم .
ومِن فوائد هذه الأحاديث, كما ذَكَر علي بن حسن في كتابه [ أحْكام الشِّتاء في السُّنة المطهَّرة ص43 ]: أنَّ الصَّلاة في البيوت حين العُذْر على التَّخيير وليست على الوُجُوب, لذلك بَوَّب البُخاري في صحيحه ( كتاب الأذان: باب 40 ) " باب الرخصة في المطر والعِلَّة أن يُصلِّي في رَحْلِه " .
قال الحافظ في [الفتح 2/157]: ذِكْرُ العِلَّة مِن عَطْف العام على الخاص, لأنـها أعم مِن أن تكُون بالمطر أو غيره .
ومِن الفوائد: أنَّ المؤذِّن حين العُذْر, يُبدِّل قوله: حي على الصَّلاة بقوله: صَلُّوا في رِحَالِكُم أو بيوتـكم, وقَد وردت روايـات أخـرى صحيحة بِـجَواز قَولها بَعد الحيعـلتين,

51

وكذا بعد الانتهاء مِن الأذان كله, والأمْر واسع إن شاء الله .
ومِن الفوائد: جواز التَّخلُّف عَن صلاة الجماعة للمشقَّة اللاحقة مِن المطر والرِّيح والبَرْد, وهذا ما سأذكُرُه في الفَصْل القادم إن شاء الله .

الفصل السَّابع/ مسائل التَّخلُّف عَن صلاة الجماعة في المطر والطِّين والبَرْد والرِّيح ؟ خَرَّج البُخاري (623) ومُسلم (699) عَن نافع قال: " أذَّن ابن عُمَر في ليلة بِضَجْنان (اسم جَبَل قريب مِن مكة), ثُم قال: صلُّوا في رِحَالِكُم, فأخبرنا أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مُؤذِّناً يُؤذِّن, ثُم يَقُول على إثره: ألاَ صَلُّوا في الرِّحال, في الليلة الباردة, أو المطيرة في السَّفر " .
وروى ابن حبان في صحيحه (2076) عَن ابن عمر أنه وجد ذات ليلة بَرْداً شديداً, فأذن مَن معه, فصلوا في رِحَالِهِم, وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان مثل هذا أمَرَ الناس أن يُصلُّوا في رِحَالـِهِم " .
قال الحافظ ابن حجر في [الفتح 2/157]: الصَّلاة في الرَّحْل أعم مِن أن تكُون بالمطر أوْ غيره, والصَّلاة في الرَّحْل أعم مِن أن تكُون بِـجَماعة أو منفرداً, لكنها مظنة الانفراد, و المقصُود الأصلي في صلاة الجماعة إيقاعُها في المسجد .
ومِن فوائد الأحاديث الَّتي تَقدَّمت في هذه المسألَة, وفي المسألَة السَّادسة مِن الفصل السَّادس ص (50 - 51) :
قال العِراقي في [طرح التثريب 2/318]: الرخصة في التَّخلُّف عن مَسجد الجماعة لِعُذر, ثُم قال: وقال ابن بطال: أجْمَعَ العُلَماء أنَّ التَّخلُّف عَن الجماعة في شدة المطر والرِّيح, وما أشبه ذلك مُباح .

52

قال القرطبي في [المفهم 3/1218] بعد ذكر بَعض الأحاديث: وظاهرُها جواز التَّخلُّف عَن الجماعة للمَشقَّة اللاحقة مِن المطر والرِّيح والبَرْد, وما في مَعنى ذلك مِن الـمشاق الـمحرجة في الحضر والسَّفر .
وانظر [التمهيد 13/271] لابن عبدالبر .
ويؤيد حُكْم التَّخلُّف عن المسجد عُمُوم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله ابن عباس رضي الله عنه: " مَن سَمِع النِّداء ولَم يُـجِب, فلا صلاة له إلاَّ مِن عُذْر " خَرَّجه الإمَامُ الألباني رحمه الله في [إرواء الغليل رقم: 551] .
وسأذكُر ضوابط أعذار التَّخلُّف عَن صلاة الجماعة في المطر والطِّين والبرد والرِّيح:
المسألَةُ الأُولَى/ التَّخلُّف حال المطر والوَحَل أو الطِّين والدَّحَض ؟
إذا تأذى الإنسان بالمطر أو بالوَحَل أو الطِّين والدَّحَض (الزَّلَق) جاز له أن يَترُك صلاة الجماعة, لقصَّة ابن عُمَر في الليلة المطيرة: "صَلُّوا في رحالكُم ", وخَرَّج البخاري (901) ومُسلم (699) من حديث ابن عباس أنه قال لِمُؤذنه في يَومٍ مطير, قُل: " صَلُّوا في رِحَالِكُم ", فلمَّا سُئل ؟ قال: فَعله مَن هو خيرٌ مني, وإني كرهت أن أُحْرجَكُم فتمشون في الطِّين والدَّحْض ", وروى أبو داود (1057) وصَححه ابن خزيمة (1658) وابن حبان (2083) عَن أسامة بن عُمير قال: "كُنا مع رَسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية, وأصابنا مَطر لَم يَبُلَّ أسافل نِعَالِنا, فَنادَى مُنادي رَسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ " صَلُّوا في رِحَالِكُم " .
فدلَّت هذه الأحاديث على أنَّ نُزُول المطر أو وُجُود الطِّين في الأرض سببٌ مِن أسباب العُذْر في ترك صلاة الجماعة, لكن بضوابط ذكرها العُلَماء:

53

الأوَّل: ضبط الفُقهاء الوَحَل أو الطِّين بـِمَا يتأذَّى به الإنسان في بدنه أو ثوبه, أمَّا إذا كَان طيناً يَسيراً لا يَضُر, وبإمكان الإنسان أن يتفاداه, فإنَّ هذا لا يُعتبر مِن الأعذار التي تُوجب تَرك الجماعة .
الثَّاني: في المطر, مَذهب الحنابلة أنه يُشترط أنْ يَبُل الثياب, لأنه يَظْهر مِن النُّصُوص أنَّ الشَّرْع يَعْذُر بـِجنْس المطر الَّذي يَبُل الثياب, بدليل حديث أسامة بن عُمير أنه أصابَهُم مَطر لا يَبُل أسفل النِّعَال, وكَمَا هو مَعلُوم أن َّ الطُّرُق في القديم كانت مِن تُراب, وأنَّ المطر إذا نزل مُباشرة تُصبح الأرض قريبة مِن الطِّين إذا كان المطر يَسيراً, وإذا تأثرت الأرض ولو بالمطر اليسير فلابد أنْ تتأثر النِّعَال .
قال بَعض العُلَمَاء: هذا المطر الَّذي نزل عليهم رضي الله عنهُم, هم يقُولون أنه لَـم يَبُل أسْفل النِّعَال, فَيظهر والله أعْلَم مع جَمْع القرائن وما كانت عليه أراضيهم أنه كان مطراً قليلاً, فمن مـجموع هذه الأُمُور يَظْهر والله أعْلَم: أنَّ الشَّرْع يَعْذُر بالمطر ما دام أنه يَبُل الثياب, ويَـحصُل به أذى, ولو لَـم يَكُن أذىً كبيراً .
الثَّالث: إذا كَان المطر يَبُل الثياب لكن لا يُؤذي أذية ظاهرة, فعند الفُقهاء والحالة هذه أن يَترك صلاة الجماعة, ومِن العُلَماء مَن قال: بل يَـجب مع كَونه يَبُل الثياب أنْ يُؤذي, بـِحيث إذا خَرَج الإنسان تَضرَّر وتأذى .
الرَّابع:قال بَعض العُلَماء: إذا نزل مَطَر لا يَبُل الثياب ولا يُؤذي, ويـُمَكِّن الإنسان مِن الخروج البيت, فإنه إنْ تَرك صلاة الجماعة في هذه الصُّورة, وصَلَّى في بيته فقد ارتكب مُـحرَّماً, صلاته صحيحة لكنه آثم لِتركه صلاة الجماعة, حيث إنَّ صلاة الجماعة واجبة .


54

المسألَةُ الثَّانية/ التَّخلُّف حال الرِّيح الشَّديدة الباردة ؟
أوَّلاً: إذا كانت الرِّيح باردة , اشترط بَعض العُلَماء هذا الشَّرْط, لأنَّ الرِّيح الباردة إذا هَبَّت فإنـها مُؤذية ويَتضرَّر مِنها الإنسان, وهذا الشَّرْط عُذْرٌ في ترك صلاة الجماعة, واستدلُّوا بقول ابن عُمَر الَّذي تَقدَّم: " في الليلة الباردة ".
ثانياً: إذا كانت الرِّيح ساخنة دافئة , الرِّيح السَّاخنة ليست عُذْراً في ترك صلاة الجماعة, لأنـها لا تُؤذي وبإمكان الإنسان أنْ يَـخْرُج ولا يتأذَّى بـها .
ثالثاً: هَل يُشترط في الرِّيح أنْ تَكُون شَديدة ؟ بَعض العُلَماء يَشترط أنْ تَكُون شديدة, لكن مَذهب الحنابلة: لا يَشترطُون أنْ تَكُون شَديدة, وهذا هو الصَّواب, وذلك: لَـم يَشترط في الحديث أنْ تكُون شَديدة أو قوية, ثُم إنَّ الرِّيح الباردة ولو هبَّت بِـهُدُوء فإنـها مُؤذية ولو لَـم تكُن شَديدة, والرِّيح الشَّديدة أكثر أذىً ويتضرَّر بـها الإنسان تَضرُّراً شَديداً, لكن كذلك الرِّيح الباردة ولو هَبَّت بِـهُدُوء فإنـها تُسبب ضرراً واضحاً وتأذياً للإنسان, فإذاً: لا يُشترط أنْ تكُون شَديدة, وإنـما فقط باردة .
رابعاً: هَل يُشترط في الرِّيح الباردة الشَّديدة أن تَكُون في ليلة مُظلمة ؟ على قولين, القول الأوَّل: اشترطُوا أن تَكُون في ليلة, ويُشترط في هذه الليلة أنْ تَكُون مُظلمة, واستدلُّوا بقول ابن عُمر: " في الليلة الباردة " فنص على أنَّ الرِّيح تَكُون عُذْراً في الليل فقط, وقالوا: إنَّ الرِّيح إذا كانت في النهار فإنـها لا تُؤذي كَمَا إذا كانت في الليل .
القول الثَّاني: أنه لا يُشترط أنْ تَكُون في الليل بل يَـجُوز أنْ يَترك صلاة الجماعة ولو كانت في النهار, لأنَّ الرِّيح الباردة ولو هَبَّت في النهار فإنـها مُؤذية وتضُر بدن الإنسان, وفي الشَّرْع: " لا ضَرَر ولا ضِرَار " وقَد عَـــــذر الشَّرْع بالطِّين والمطر اليسـير,

55

فما بالك بالرِّيح الباردة ولو كانت في النهـــــــــار, فالأقـــــــرب إنْ شاء الله: أنَّ اللــــــــيل لا يُشترط, ولو هَبَّت في النهار فإنه عُذر لترك صلاة الجماعة .
خامساً: إذا وُجد البَرْد دون الرِّيح ؟ كَمَا هُو مَعلُوم أنَّ مُعظم الشِّتاء يَكُون الجو فيه بارد, فَهل يَقُول قائل: مِن حين دُخُول الشِّتاء إلَى خُرُوجه هل يَـجُوز للإنسان أن يَترك صلاة الجماعة ؟ هَذا لا يَقُول به قائل ! والغالب الأعَم أنه لا يُوجد بَرْد شديد إلاَّ مَع ريح, فيندر تـماماً أنْ تَـجد الجو بارداً ومُؤذياً وخارجاً عَن العادة بدون ريـح, فإذا اشتد البَرْد بدون الرِّيح يـُمكن التَّوقِّي منه بكثرة الثياب .
وأحياناً يُوجد بَرْد شَديد مُؤذي وخارج عَن العَادة بلا ريح, وربـما يَستمر أياماً مِن الشِّتاء, ثُم ابن عُمر قال: " في الليلة الباردة ", هَل ذَكَر الرِّيح ؟ لا, لَم يَذكُر الرِّيح, إنـما قال: " في الليلة الباردة ", إذاً: وُجُود البَرْد بـحدِّ ذاته الَّذي يُعتبر غير مُعتاد هو في الحقيقة عُذْر, فإذا وُجد هذا البَرْد الشَّديد بلا ريح جاز للإنسان أنْ يَتخلَّف عَن صلاة الجماعة . قَد يَترجَّح هَذا أو هذا, لكن: إنِ استطعت أنْ تتوقَّى مِن شِدَّة البَرْد بكثرة الثياب, وإلاَّ لا يُكلِّف الله نفساً إلاَّ وُسْعَهَا .








56

الفصل الثَّامن/ مسائل الجمْع بين الصَّلاتين ؟
خَرَّج مُسلم (705) مِن حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: " صَلَّى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الظُّهر والعَصْر جَميعاً, والمغرب والعِشاء جَميعاً في غير خَوفٍ ولا سفر ", وفي رواية لِمُسلم: " في غير خوفٍ ولا مطر ", ورواه الإمَام مالك في [الموطأ 1/144] ثُم قال: " أُرى ذلك كان في مطر ", ووافقه على ذلك الإمَـام الشَّافعي وغـيره كَـمَا في [المجموع 4/378] للنـووي و [الاستذكار 6/23] لابن عبدالبر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [مجموع الفتاوى 24/84]: فقول ابن عباس: جَمع مِن غير كَذا ولا كذا, ليس نَفياً مِنه للجَمْع بتلك الأسباب, بل إثباتٌ مِنه, لأنه جَمع بدونـها وإنْ كان قَد جَمع بـها أيضاً, ولَو لَـم يُنقل أنه جَمع بـها, فَجمْعُهُ بـما هو دونَـها دليلٌ على الجمْع بـها بطريقة الأولَى, فيدل ذلك على الجمْع للخوف والمطر, وقَد جَمع بعرفة ومُزدلفة مِن غير خوفٍ ولا مطر, وقال رحمه الله في [مجموع الفتاوى 24/76]: وبـهذا استدل أحمد به على الجمْع لهذه الأُمُور بطريقة الأولَى, فإنَّ هذا الكلام يدل على أنَّ الجمْع لـهذه الأُمُور أولَى, وهذا مِن باب التنبيه بالفعل, فإنه إذا جَمَع ليرفع الحرَج الحاصل بدون الخوف والمطر والسَّفر, فالحرَج الحاصل بـهذه أولَى أن يُرفع, والجمْع لَها أولَى مِن الجمْع لغيرها .





57

المسألَةُ الأُولَى/ جَوَاز الجمْع بين الظُّهر والعَصْر ؟
بَعض أهل العِلْم يُـجيزُون الجمْع بين المغرب والعِشَاء , ويـَمنعُونه بين الظُّهْر والعَصْر !! مَع أنَّ حديث ابن عباس الذي استدلُّوا به على مَشروعية الجمْع بين المغرب والعِشَاء , فيه دليل على مَشروعية الجمْع بين الظُّهْر والعَصْر .
قال المرداوي في [الإنصاف 2/337] مُبيناً حُكْم الجمْع بين الظُّهْر والعَصْـر: يَـجُوز الجمْع كالعِشَاءين, اختاره القاضي, وأبو الخطَّاب, وابن تيمية, ولَـم يَذكُر ابن هُبيرة عَن أحمد غيره .
قال تاج الدِّين السبكي في كتابه [التوشيح على التصحيح]: مَذهبنا في الجمْع بالمطر أوسع المذاهب, لأنا نُـجَوِّزه بين الظُّهْر والعَصْر, وبين المغرب والعِشَاء .
إذاً, يتبين مِن حديث ابن عباس الصَّحيح الصَّريح واستدلال العُلَماء: جواز الجمْع بين الظُّهْر والعَصْر .

المسألَةُ الثَّانية/ هَل تُجْمَع صلاة الجمعة مع صلاة العَصْر ؟
قال الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله: لا يَصح أن يَـجْمَع بين الجمعة والعَصْر, لأنَّ السُّنة وردت بين الظُّهر والعَصْر, ولَم يَرد عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أنه جَمَع العَصْر إلَى الجمعة أبداً, فلا يَصح أن تُقاس الجمعة عَلى الظُّهر, لِمَا بينهما مِن الفُرُوق حتى في الوقت على الـمشهُور مِن مَذهب الإمَام أحمد .
وقَد بين هذا الإمَام ابن القيم رحمه الله في [زاد المعاد] .


58

المسألَةُ الثَّالثة/ كيفية الأذان والإقامة عند الجمْع ؟
الصَّواب:قول جُمهور العُلَماء إلَى أنه يُؤذِّن أذانٌ واحد, ويُقام لِكُل صلاة, والعُمْدة في ذلك ما رواه مُسلم في صحيحه (1218), وفيه: " أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصَّلاتين بعرفة بأذانٍ واحد وإقامتين, وأتى المزدلفة فصَلَّى بـها المغرب والعِشَاء بأذانٍ واحد وإقامتين .

المسألَةُ الرَّابعة/ النية في الجمْع ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [مجموع الفتاوى 24/50]: والنبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا كان يُصلِّي بأصحابه جَمْعاً وقَصْراً, لَـم يَكُن يأمر أحداً مِنهُم بنية الجمْع والقَصْر, وقال رحمه الله في [مجموع الفتاوى 24/104]: ولَـم يَنقُل قط أحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمـــر أصــــحابه لا بنية قَصْر ولا بنية جَمْع, ولا كان خُلفاؤه وأصحابه يأمرون بذلك مَن يُصلِّي خَلفهُم, مَع أنَّ المأمومين أو أكثرهم لا يَعرفون مَا يَفعله الإمَام .

المسألَةُ الخامسة/ هَل يُشترط الموالاة للجَمْع بين الصَّلاتين ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [مجموع الفتاوى 24/54]: والصَّحيح أنه لا تُشترط الموالاة بِـحالٍ لا في وقت الأُولَى ولا في وقت الثَّانية, فإنه ليس لذلك حَدٌّ في الشَّرْع, ولأنَّ مُراعاة ذلك يُسقط مَقصود الرخصة, وقال رحمه الله في (24/56): والجمْع جائز في الوقت المشترك, فتارة يَـجْمَع في أوَّل الوقت كما جَمع بعرفة, وتارة يَـجْمع في وقت الثانية كـما جَـمَع بـمزدلفة وفي بعض أسفاره,

59

وتارة يَـجْمع فيما بينهما في وسط الوقتين, وقد يقعان معًا في آخر وقت الأولَى, وقد يقعان معًا في أوَّل وقت الثانية, وقد تقع هذه في هذا وهذه في هذا, وكُلُّ هذا جائز, لأنَّ أصْل هذه المسألة أنَّ الوقت عند الحاجة مشترك, والتقديم والتوسط بـِحسب الحاجة والمصلحة .

المسألَةُ السَّادسة/ صلاة السُّنن عند الجمْع ؟
لا حَـرج على مَن أدَّى صـلاة السُّنن عَقِب جَمْعِه صَلاتَيْ الظُّهْر والعَـصْر, ولا حَرج على مَن صلَّى السُّنن مَع الوِتْر عَقِب صَلاتَيْ المغرب والعِشَاء, حتَّى ولو لَـم يَدخل الوقت الحقيقي للصَّلاة الثانية المـجموعة,كَمَا أشار لِهذا النووي رحمه الله في[روضة الطَّالبين 1/402] .
ولبعض أهل العِلْم وجْهٌ آخر, قالوا: عند الجمْع لا تُصلَّى السُّنن البتة, وحُجَّتهُم في ذلك أنه لَـم تُنقل صلاة السُّنن عند الجمْع بين الفريقين, كَما نُقل الجمْع نفســه, ولا شَرْعٌ إلاَّ بنص, وهي حُجَّة مُتماسكة,لكن يُقال لَهُم:الأصل في الصَّلاة ما هو مَعروفٌ عَنها أساساً بفرضها ورواتبها وترتيبها, ولَـم يتغير شيء مِن ذلك إلاَّ تَقديم الفـَرْض أو تأخـيره, وهذا الذي نُقل, أمَّا السُّنن فباقية على حـالِـهَا, ولا تَـحتاج إلَى نَقلٍ جديد, ويُكتفى بـما هو مَعروف عَنها في الأصل, وإذا قُدِّم الفَرْض للعُذْر, فالسُّنة مِن باب أولَى, والأمْر واسع, وليس مِن دليل يَقطع الخلاف إلَى أحد الرأيين سوى هذين العمومين, والله تَعالَى أعلم .
وقَد ذَكَر هَذه المسألَة علي بن حسن في [ أحكام الشِّتاء في السُّنة المطهَّرة ص59 ].

60

المسألَةُ السَّابعة/ أحْكام المسْبوق عند الجمْع ؟
إذا أدرك الـمسبوق بعد صلاته (الصَّلاة الأولَى) جُزء مِن الصَّلاة الـمـجموعة مَع الإمَام جَاز له إكمال الجمْع, بدليل عُمُوم قوله صلى الله عليه وسلم: " ما أدركتُم فصلُّوا, وما فاتكُم فأتـموا " رواه البُخاري (636) ومُسلم (602) عَن أبي هريرة رضي الله عنه, وإن لَـم يُدرك شيئاً مِن الصَّلاة الـمجموعة لَـم يَـجُز له الجمْع, لعدم شُمـُول الدَّليل السابق, وهناك أربع صُور:
الأُولَى: مَن جاء أثناء صلاة الظُّهر عند الجمْع بين الظُّهر والعَصْر, له أن يُتم صلاته, ثُم يَلحق بصلاة العَصْر, ومثل ذلك مَن جاء أثناء صلاة المغرب عند الجمْعبين المغرب والعِشَاء .
الثانية: مَن جاء عَقِب انتهاء صلاة الظُّهر, يَدخُل مع مُصلِّي العَصْر بنية الظُّهر, وإذا لَـم يُدرك شيئاً مِن الصلاة الأُولَى فإنَّ الجمْع يكُون قَد فاته .
الثالثة: مَن جاء في أوَّل الصَّلاة الـمجموعة وهي العِشَاء, ولَـم يُصلّ المغرب ؟ قال الشَّيخ الألباني رحمه الله في [الأصالة 1/49]: هذا الرَّجُل يَقتدي بالإمَام الَّذي يُصلِّي العِشَاء, ويَنوي هو صلاة المغرب, فإذا قام الإمَام إلَى الركعة الرَّابعة, نوى هذا الـمأموم الـمفارقة بنية الإمَام, ثُم جلس وتشهَّد, وأتم صلاته وحده .
الرَّابعة: مَن جاء بَعد انتهاء الرَّكعة الأولَى فما فوق مِن صلاة العِشَاء وهي الـمجموعة, لا يَـجُوز له الجمْع, لأنه لَـم يُدرك إلاَّ ما يَسع الصَّلاة الأُولَى, وأمَّا الصَّلاة الـمجموعة فَلم يُدرك منها شيئاً .
ذَكَر هَذه المسألَة علي بن حسن في [أحكام الشِّتاء في السُّنة المطهَّرة ص56].

61

الفصل التَّاسع/ مسائل الجمْع بين الصَّلاتين للمطر, والوَحَل أو الطِّين, والرِّيح الشَّديدة الباردة, والضَّباب ؟
وسأذكُر ضوابط الجمْع للمطر, والوَحَل أو الطِّين, والرِّيح الشَّديدة الباردة:
المسألَةُ الأُولَى/ الجمْع بين الصَّلاتين لأَجْل المطَر ؟
ذَهب الجماهير مِن السَّلف والخلف, والفُقهاء السبعة, وأغلب أئمة المسلمين إلَى أنه يَـجُوز أن يُـجْمَع بعذر المطر إذا وُجد شَرْطُه, ومِن الأدلَّة على ذلك ما خَرَّج مُسلم (705) مِن حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: " صَلَّى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الظُّهر والعَصْر جَميعاً, والمغرب والعِشاء جَميعاً في غير خَوفٍ ولا سفر ", وفي رواية لِمُسلم: " في غير خوفٍ ولا مطر ", فنص على أنَّ المطر مِن أسباب الجمْع, وأنَّ الصَّحابة رضي الله عنهُم جَمعُوا للمطَر, وفي الجمْع رَفعٌ لِـهَذه الـمشقَّة, والـمشقَّة عند أهْل العِلْم تَـجلب التَّيسير .

المسألَةُ الثَّانية/ شُرُوط الجمْع بين الصَّلاتين لأجْل المطر ؟
يُشترط في الـمطر الَّذي يَـجُوز أن نَـجْمع الصَّلاة لأجْله شَرطان:
الشَّرْط الأوَّل:أنْ تَـحْصُـل الـمشـقَّة بوجـــــــود هــــذا الـــــــمطر, واخــــــتلفـوا في ضَبْط مَا تَحصُل به المشقَّة على قولين:
القول الأوَّل/ أنَّ الـمطر الَّذي يَـجُوز معه الجمْع هو الـمطر الَّذي يَـحتاج معه أواسط الناس إلَى تَغطية الرَّأس, فنأخذ الـمتوسِّط مِن الناس الَّذي يُغطِّي رأسه عند قَدْرٍ مِن الـمطر, فبه تَـحصُل المشقَّة ويَـجُوز الجـــــــمْع, ولا ننظُر لِمَن إحــــــــسـاسه ضَعيف مِــــمَّن

62

لا يتأثر بالـمطر ولو كَثر, ولا ننظُر لِمَن كان شَـديد الإحْساس بِـحيث يُبادر إلَى تَغطية رأسه بأدنَى مَطَر .
القول الثَّاني: ما يَبُل الثياب بِـحيث إذا عَصَرْت الثوب قَطَّرَ ماءً .
وفي الواقع أنه ليس بين هذه الأقوال تَعارُض, فهي كُلَّها تُقَرِّب المعنَى وتُبين المقصُود وهو: أنْ تـحصُل مَشقَّة بنزول هذا الـمطر, وتُضبط بـمثل هذه الضَّوابط, إمَّا تَغطية الرَّأس أو عَصْر الثياب بِـحيث يَـخرُج مِنها ماء بسبب الـمطر .
الشَّرْط الثَّاني: أنْ يَبُل الثياب, وعلَّلوا ذلك: أنَّ الـمطر الَّذي تَـحصُل معه الـمشقَّة هو ما يَبُل الثياب .
وقَد ذكر هذين الشَّرْطين الشَّيخ العَلاَّمة صالح الفوزان في [الملخص الفقهي ص113] .

المسألَةُ الثَّالثة/ هَل يُجْمَع في المطر الخفيف والطَّل (رذاذ المطر) والنَّدى والرُّطوبة ؟الـمطر الخفيف والطَّل (رذاذ المطر) والنَّدى والرُّطوبة لا يَـجُوز مَعهُم الجمْع, الـــمطر الخفيف لا يَـجُوز معه الجمْع, وذلك لأنه لا تَــــحصُـل معه مَشقَّة, ولا يَبُل الثياب, فلا تَـحتاج أنْ تُغطِّي الرَّأس ولا أنْ تَعْصِر الثوب حتى يَـخْرُج الماء, وتَقدَّم أنه يُشترط في الـمطَر الَّذي يُبيح الجمْع: أنْ يَبُل الثياب, وأن تَـحصُل معه مَشقَّة .
أمَّا الطَّل (رذاذ الـمطر) والنَّدى والرُّطُوبة لاَ يَـجُـوز الجـمْع لـهُم: لأنـهم أقلُّ حالاً وتأثيراً مِن الـمطر الخفيف, فلا مَــشقَّة فيهــــــم, وبالتَّالي إذا كــــــان الــــــمـطر الخـــــفيـف لا يَـجُوز الجمْع فيه, فالطَّل والنَّدى والرُّطُوبة مِن باب أولَى, والله أعلم .

63

المسألَةُ الرَّابعة/ الجمْع بين الصَّلاتين لأجْل المطَر (الظُّهر مع العَصْر, والمغرب مع العِشَاء ؟لِعُمُوم حديث ابن عباس السَّابق, وكذلك لأنَّ الجمْع إنـما جـــاز لِدَفْع المشقَّة, فإذا وُجـــــدت المشقَّة في الليل أو في النهار ثبت الـحُكْم, نَعم: لا شك أنَّ الـمطر في الليل أكثر مشقَّة منه في النهار, لكن هذا القَدْر لا يُوجب مَنْع الـجمْع في النهار ما دام الـمطر يُسبِّب مَشقَّة . راجع المسأَلة ص58 .

المسألَةُ الخامسة/ الجمْع بين الصَّلاتين لأَجْل الوَحَل أو الطِّين ؟
الوَحَلْ: هذه هي اللُّغة الصَّحيحة, كَمَا ذَكَرها ابن الأثير في [النهاية في غريب الأثر والحديث 2/831] .
على أرْجح القولين وهو مَذهب الحنابلة: يَـجُوز الجمْع بـمجرَّد ما يُوجد وَحَل بدون مَطر, قالوا الدَّليل على ذلك: أنَّ الـمشقَّة الـحاصلة بالوَحَل أو الطَّين أكثر مِن الـمشقَّة الـحاصلة بالـمطر الَّذي يَبُل الثياب, وذلك: لأنَّ الوَحَل أو الطِّين يَلْحق النِّعَال والثياب, ويتضرَّر البدن مِن ذلك .
وهذا يُلاحظه كُلَّ إنسان إذا خَرج وكانت الأرض مليئة بالماء, فإنه يَتأذى بِـهَذا الماء ربـما أكثر مِن الـمطر, فكيف إذا كان مع هذا الـماء وَحَل أو طين, لا شك أنَّالـمشقَّة ظاهرة جداًّ مع وُجُود الوَحَل أو الطِّين, وربـما تَعرَّض الإنسان للسقوط والاتساخ بسبب ذلك .




64

المسألَةُ السَّادسة/ هَل يُجْمَع في الثَّلْج الشَّديد الَّذي يُغطِّي الأرض ؟
يُقاس الثَّلْج الشَّديد الَّذي يُغطِّي الأرض بالوَحَل أو الطِّين, وقياساً على ما سبق: إذا نزل الثَّلْج الشَّديد وغَطَّى الأرض, فإنَّ الـمشقَّة تَكُون أكثر مِن مَشقَّة الوَحَل أوالطِّين, وخاصَّةً إذا نزل مع الثَّلْج مَطر, وربـما يُؤدِّي إلَى انسداد الطَّريق, فتكُون الـمشقَّة ظاهرة, فإذا كانت الـحال هذه, فإنه يُـجْمَع فيها, والعِلْم عند الله سُبحانهُ وتَعَالَى .
وأيضاً: الثَّلج الشَّديد الَّذي يُغطِّي الأرض يكُون عُذراً في التَّخلُّف عَن صلاة الجماعة إذا قِيسَ على الوَحَل أو الطِّين والدَّحض ( الزَّلَق), لأنَّ الـمشقَّة في هذه الـحالة أشد, والله تَعَالَى أعلم .
المسألَةُ السَّابعة/ هَل يُجْمَع في البَرَد المتساقط الخفيف الَّذي لا يُغطِّي الأرض ؟
الــبَرَد الـخفيف الَّذي لا يُغطِّي الأرض, فإنه قَد يَسقُط في أماكن مُعيَّنة, لكـــن قَـد لا يَكُون تأثيره كتأثير الثَّلْج الَّذي يُؤذي وتَـحصُل معه الـمشقَّة, وقَد لا تُوجد مشقَّة مع البَرَد, ويُـمْكِن السَّير فيه, فإذا كانت الـحال هذه, فإنه لا يُـجْمَع فيها, والله أعْلَم.
المسألَةُ الثَّامنة/ الجمْع بين الصَّلاتين لأجْل الرِّيح الشَّديدة الباردة ؟
مذهب الحنابلة: يَـجُوز الجمْع عند وُجُود الرِّيح الشَّديدة الباردة, لأنَّ الرِّيح الشَّديدة الباردة أكثر أذىً ويتضرَّر بـها الإنسان تَضرُّراً شَديداً, وأنَّ الـمشقَّة حاصلة وأنـها مُؤذية أكثر مِن أذية الـمطر, كَما رَجَّح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [مجموع الفتاوى 24/29] .

65

المسألَةُ التَّاسعة/ هَل يُجْمَع إذا اشتد البَرْد دون الرِّيح ؟
الأقْرَب إن شاء الله: أنه لا يُـجْمَع بين الصَّلاتين إذا اشتد البَرْد دون الرِّيح, لأنَّ شِدَّة البَرْد يـُمْكن التَّوقِّي منها بكثرة الثياب, والـمشقَّة الـحاصلة قريبة مِن أنَّ الإنسان يَستطيع الـخروج, ولا يتأثر إلاَّ إذا هَبَّت الرِّيح الشَّديدة البارة .
وقَد تَقدَّم في (ص56): أنه إذا وُجد البَرْد الشَّديد بلا ريح جاز للإنسان أنْ يَتخلَّف عَن صلاة الجماعة .
قَد يوجد العُذْر والـمشقّة عند اشتداد البَرْد الشَّديد ويَـحصُل الجمْع, لكن إذا استطـــــــاع الإنســـان أنْ يتـــــــوقَّى مِن شِـــــــدَّة البَرْد بــــــكثرة الثيــــــاب, وإلاَّ "فــــاتقوا الله ما استطعتم " .

المسألَةُ العاشرة/ هَل يُجْمَع في الرِّيح الشَّديدة بدون بَرْد ؟
قال الشَّيخ الإمَام محمد بن عثيمين رَحِمَهُ الله في [الشَّرْح الممتع]: الرِّيح الشَّديدة بدون بَرْد لا تُبيح الجمْع إلاَّ إنْ كان معها تُراب يَضر بالإنسان، فيجوزالـجمْع لِوُجُود الـمشقَّة والـحرج .






66

المسألَةُ الحادية عَشر/ هَل يُجْمَع في الضَّباب ؟
كَمَا هو مَعلُوم في الـمناطق الَّتي يَكْثر فيها الضَّباب الَّذي يـَحجُب الرُّؤية, كَما هو عندنا في منطقة الباحة وفي غيرها, فعليه وُجُود الضَّباب فقط لا يُبيح الجمْع, حتى وإنْ كَان كَثيفاً وحاجباً للرؤية, وذلك: لأنه لـيس بعُذْر ولا يتأذى به الإنسان إذا خَـرَج فيه, ولا تُوجد مَشقَّة ظاهرة, وهذا يُلاحظه كُلَّ إنسان إذا خَرَج ووجد الضَّباب, فإنه لا يَتأذى به, والجمْع إنـما وُجد لرَفْع الـحرج والـمشقَّة .
أمَّا إذا كَان مع الضَّباب مَطَر يَشُق أوْ يَبُل الثياب, أوْ وَحَل أوْ ريح شَديدة باردة, فإنَّ هذه الحالة تُبيح الجمْع, كَما تقدَّم في المسائل الماضية .
وَقد ذَكَر هذه المسألَة [اللجْنة الدَّائِمَة لِلْبُحُوث العِلْمِيَّة وَالإفتَاء برقم 18213]: وأمَّا الضَّباب فليس عُذراً في إباحة الجمْع .

المسألَةُ الثَّانية عَشر/ يَكثر في فصل الشِّتاء الوَحَل والطِّين, فتُصاب الثياب به, فما الحكْم ؟
لا يَـجب غَسْل ما أصاب الثوب مِن هذا الطِّين, لأنَّ الأصْل فيه الطَّهارة, وقَد روى عبدالرزاق في المصنف (93) و (96) عَن عِدَّة مِن التَّابعين: " أنـهم كانوا يَـخُوضُون الـماء والطِّين في الـمطر, ثُم يَدخُلون الـمسجد فيصلُّون ", ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تفصيلٌ مُطوَّل في [المسائل الماردينية ص24] .



67

الفصل العاشر/مسائل مهمة للمسلم في حالة الجمْع, والقَصْد مِن الجمْع, والصَّمْت إذا لَم يَعرف الأحْكَام الَّتي تُبيح الجمْع,وأنَّ الإمَام هو سيد الموقف؟
المسألَةُ الأُولَى/ كيفية التَّعامل مع الفوضى الناشئة عن الجمْع أو عدمه ؟
هذا كثيراً ما يَـحدث في كثيرٍ مِن المساجد خاصةً في هذا الزمان, حتى إنَّ ذلك ليُثير لَغَطاً كبيراً وتَشويشاً فظيعاً, بكثير جَهْل وقليل عِلم !! هذا يَقُـول: اجْـمَعْ ! وذاك يَقُـول: لا تَـجْمَع ! والثالث يَنصُر الأوَّل ! والآخر يَنصُر رابعاً ... وهكذا ... , وهذه فِعَالٌ لا تَنبغي, وبخاصةً في المسجد, صِيَانةً له عَمَّا يُخِلُّ بآداب الإسلام وأخْلاق الشَّرْع, ولبيان الحكْم في هَذه المسألَة, لابد مِن أمْرين:
الأمْرُ الأوَّل/ أنَّ الإمَام هُو سيد الموقف, وهو الَّذي يَتحمَّل مسؤولية فِعله بينه وبين ربه, كَمَا قال النبي صَلى الله عليه وسلم: " الإمَامُ ضامن, فإن أحْسنَ فله ولَـهُم, وإن أساء فعليه ولَـهُم " رواه ابن ماجه (981) عَن سهل بن سعد الساعدي, وله شواهد تُقوِّيه كَما في السلسلة الصحيحة (1767) للشَّيخ الإمَام مـحمد ناصر الدِّين الألباني رحمه الله تَعالَى, فمن رَضِيَ بِـجَمْعه فليجمع ( وهذا ليس في كُل ما رَضِي يَجْمَع, لأنه هناك أحوالٌ وأحْكامٌ تُبيح الجمْع لابد مِن معرفتها ), ومَن لَـم يَرْض ولَـم تَطمئن نَفسه به, فله أن يُصلِّي مَعه بنية النَّفل والتطوع, أو أن يَنصرف هادئاً صَامتاً, وعليه: لا يـُمنع مِن الـمناقشة العِلْمية بَعد الصَّلاة, والـمباحثة بالود والأخلاق, ليكُون الـهدف مَعرفة الحق والوُصُول إليه .
الأمْرُ الثَّاني/ أنَّ للمساجد حُرمة ومَهابة ومَكانة لا يَـجُوز خَرْقُها والتَّعدِّي عليها, فقد روى البُخاري (470) عَن السائب بن يَزيد قال: " كُنْت قائِمـاً في الـمسجد, فحصبني رجل, فنظرتُ فإذا هو عُـــــــمر ابن الـــخطاب, فقال: اذهب فأتني بِـهـــــــذين,

68

فجئتُهُ بِـهِمَا, قال: مَن أنتما أو مِن أين أنتما ؟ قالا: مِن أهل الطَّائف, قال: لو كُنتما مِن أهْل البلد أوجعتُكُما, تَرفعان أصواتكُما في مَسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ", وعليه: فلا يَجُوز إحْداث الفوضى في المساجد خاصةً مِمَّن ليس لَديهم فِقْه ولا عِلْم بِهذه الأحْكام والأحْوال .

المسألَةُ الثَّانية/ على الـمسلم أن يقصد بِـجمْعه بين الصَّلاتين، التَّعبد لله سبحانه وتعالَى، والاقتداءبالنبي صلى الله عليه وسلم، والأخْذ برخص الشَّرْع، ففي الحديث: " أنَّ الله سُبحانه وتعالىيُـحب أن تُؤتَى رُخَصه، كما يَكْره أن تُؤتَى معصيته"، وعَلَيه: لا يكُون قَصْده مِن ذلك التَّخلصمن الصَّلاة, والـجَمْع بين الصَّلاتين يَرجع فيه إلَى نَظرالإمَام واجتهاده في الواقعة إن كان أهْلاً لذلك، فهو الذي يُقدِّر الـحال، فإن كانت مُـجيزةللجمع جَـمَع وإلاَّ فلا .

المسألَةُ الثَّالثة/ ما يَصدُر من بَعض الـمأمُومين من الرَّغبة في الـجَمْع عند أدنَى سَبب، أمْرٌ لا ينبغي، فإنَّـهمقد كُفوا الـمئونة ولله الحمد، وما يَـحصل أحياناً من الـخِصَام بسبب الرَّغبة في الجمْع، كُل هذا لا يليق بالمساجد التي هي بيوت الله سُبحانه وتعالَى يا أيها المسلمين ، مع أن البعض قديُفتي في تلك الـحال وهو ليس بفقيه، لا يعرف الـجمْع وشُـرُوطه وضوابطه، ثم يتعصب لرأيهويُثير البلبلة، ألاَ فليتق الله وليُمسك لسانه ، فإن السَّلامة لا يَعدِلُها شيء .



69

المسألَةُ الرَّابعة/ إنَّ الـجَمْع بين الصَّلاتين سُنـــــَّة إذا وُجد سببه, فهو من رُخَص الله عز وجل، وبعض الناس يَتحرَّج من الـجمْع بين الصلاتين، مع وُجُود الـمشقَّة والـحرَج الذي أشَار إليهابن عباس رضي الله عنهما، ويَحتج بأنَّ بعض المصلين بعد الجمْع يَخرُجُون بسيَّاراتِهِم إلىأُمُورٍ دنيوية، فيقال لِهَذا: هل من شرط الجَمْع أن يلزم الناس كلهم البيوت بعد الجَمْع بينالصلاتين ؟ لا, ليس هذا بشرط، فلا تُضيِّقُوا على عباد الله، وبعضهم يَـحتج بأنَّ الناس الآنيركبون سياراتِـهِم لِـحُضُور الـجماعة، فلا يُوجد أذى، فَيُقال لِـهَذا: وهل يَـمْلك الناس كُلهمالسَّيارات ؟ ثم إنَّ الصحابة رضي الله عنهم كان لبعضهم دواب يركبونَها، ومع ذلك أُبيحلَهُم الجَمْع بين الصلاتين, وبعضـهم أيضًـا يَظُن أنَّ الـجـمْع لا يَـجُوز إلاَّ بعذر المطر فقط،وتقدم الكلام في جواز الـجمع لأَجْل الوَحَل والرِّيح الشَّديدة الباردة، ولو لَـميكُن المطر نازلاً حال الـجَمْع في أصح قولَي العُلَماء .

هذا ما جَمَعتُهُ مِن الـمسائل والأحْكَام, واعلموا أنَّ الخلاف في أغلب مَسائل الشِّتاء والبَرْد والمسْح على الحوائل مِن الخِلاَف الواسع بين العُلَماء, لذلك إذا ظَهر الـحق والصَّواب لأيّ أحد, سَارَع إليه وانْصَاع لِـحُكْمه, كَما كان حال سلفنا الصَّالح, الذين إلَيهم الرَّد, وعليهم المعوَّل, فإلَيهم ننتسب, وبِهُداهم نَقتدي ونَهتدي, رُجُوعاً إلَى الصَّواب وتَراجعاً عَن نقيضه .
خَرَّج ابن حِبّان في صحيحه, وأبو نعيم في الـحِلية, والـحاكم في المستدرك, والبيهقيّ في شُعب الإيـمان, وصححه الإمَامُ الألباني رحمه الله في [السلسلة الصحيحة 1778] من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قـال: "البركة مع أكابِركُمْ ", فالعُـــــــــلَمَاء هُــــــــم ورثـة الأنبياء, وإنَّ الأنبياء لَـم يُورِّثوا دينـــــــــــاراً

70

ولا دِرهَماً, وإنـما ورَّثُوا العِلْم, لذلك كتبت هواتف العُلَمَاء الكبار في زمان الفتن, حتى يَرجع الناس إليهم, بَعد أن كَثر دُعاة الفتن الَّذين يَقُودون الأُمَّة إلَى الهاوية .
وهذه الأرقام مـُــمَـــثَّلة في هيئة كِبَار العُلَماء في هذه البلاد, أسأل الله أن يُبارك فيهم وفي غيرهم مِن العُلَمَاء, وقَد نقل أرقام هواتف العُلَمَاء مطابع الرِّئاسة العامة للبحوث العِلْمية والإفتاء في الكتب الَّتي تُصْدِرْها, وبالتَّحديد كتاب [ التَّبرُّج وخطره] للشَّيخ الإمَام عبدالعزيز بن باز رحمه الله تَعَالَى .

هواتف أصحاب الفضيلة أعضاء الفتوى الخارجية والداخلية




الاسم




الرياض





مباشر تَحويله






مكة





مباشر






الطائف





تَحويله





المفتي الشَّيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشَّيخ



4582757 2210


5564157






7360817





7322611





الشَّيخ صالح الفوزان



4588570 2800


5581428





7332663





الشَّيخ محمد آل الشَّيخ



4596953 2100


5564059





7335088





الشَّيخ عبدالله المطلق



4585443 2777


5582455





7374551





الشَّيخ أحمد المباركي



2726798 2356


5543252





7374552





الشَّيخ عبدالله الخنين



4511541 2700


5571933





7334104





الشَّيخ عبدالعزيز الداود



4595956 2316





71


الرِّئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء


السنترال 4595555 - 4596292 الرياض


السنترال 5507777 مكة


السنترال 7320900 الطائف



اللهم لا تُؤاخذنا بالتَّقصـير, وتَقبَّــــل مِنَّا اليــــــسـير, واعـــــــف عَنا الكــــــثير, ربنــــــا لا تؤاخذنا إنْ نسينا أوْ أخطأنا, أسأل الله تبارك وتَعالى أن أكُون قَد وُفِّقْت للسَّداد وقول الصَّواب, إنه سَميعٌ مُجيب .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
عَجَبِي عَلَى حَرْفَينِ قَدْ سَلَبَا وَ قَارِي
ح حَرِيق ٌ و ب بِت ُ ِفِي نَارِي
أخر مواضيعي

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرحمن الخزمري ; 11-01-2012 الساعة 04:24 PM.
قديم 11-01-2012, 03:19 AM   #2
%العود الأزرق%
 
الصورة الرمزية %العود الأزرق%
 







 
%العود الأزرق% is on a distinguished road
افتراضي رد: المسائل ُالمهمة في أحكامِ الشِّتاء والجمع بين الصلاتين

موضوع جميل ومفيد.. بصراحة متعوب عليه وماشاء الله وافي ومتكامل وموثق بالادلة...سلمت يداك على النقل ... والى الأمام..أسأل الله أن ينفع به ويجزي صاحبه خير الجزاء في الدارين..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاَ....
يُرمى بصخرِ فيلقي أطيب الثمر...
أخر مواضيعي
%العود الأزرق% غير متواجد حالياً  
قديم 12-01-2012, 01:43 PM   #3
ALRAGI
 
الصورة الرمزية ALRAGI
 







 
ALRAGI is on a distinguished road
افتراضي رد: المسائل ُالمهمة في أحكامِ الشِّتاء والجمع بين الصلاتين

بارك الله فيك ورعاك
شاكراعلامك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
ALRAGI غير متواجد حالياً  
قديم 12-01-2012, 11:47 PM   #4
ابو احمد العدواني
مراقب عام
 
الصورة الرمزية ابو احمد العدواني
 







 
ابو احمد العدواني is on a distinguished road
افتراضي رد: المسائل ُالمهمة في أحكامِ الشِّتاء والجمع بين الصلاتين

شـكــ بارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
كفارة المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .
أخر مواضيعي
ابو احمد العدواني غير متواجد حالياً  
قديم 13-01-2012, 02:13 AM   #5
أبو ألين ّّ
 
الصورة الرمزية أبو ألين ّّ
 







 
أبو ألين ّّ is on a distinguished road
افتراضي رد: المسائل ُالمهمة في أحكامِ الشِّتاء والجمع بين الصلاتين

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة %العود الأزرق%   مشاهدة المشاركة

   موضوع جميل ومفيد.. بصراحة متعوب عليه وماشاء الله وافي ومتكامل وموثق بالادلة...سلمت يداك على النقل ... والى الأمام..أسأل الله أن ينفع به ويجزي صاحبه خير الجزاء في الدارين..


اللهم آمين
بارك الله فيك
شكرا لمرورك على موضوعي وهذا شرف لي ووسام على صدري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
عَجَبِي عَلَى حَرْفَينِ قَدْ سَلَبَا وَ قَارِي
ح حَرِيق ٌ و ب بِت ُ ِفِي نَارِي
أخر مواضيعي
أبو ألين ّّ غير متواجد حالياً  
قديم 13-01-2012, 02:15 AM   #6
أبو ألين ّّ
 
الصورة الرمزية أبو ألين ّّ
 







 
أبو ألين ّّ is on a distinguished road
افتراضي رد: المسائل ُالمهمة في أحكامِ الشِّتاء والجمع بين الصلاتين

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ALRAGI   مشاهدة المشاركة

   بارك الله فيك ورعاك
شاكراعلامك


جزاك الله خير
وأشكر مرورك المتواضع على الموضوع
أبو ألين ّّ غير متواجد حالياً  
قديم 13-01-2012, 02:17 AM   #7
أبو ألين ّّ
 
الصورة الرمزية أبو ألين ّّ
 







 
أبو ألين ّّ is on a distinguished road
افتراضي رد: المسائل ُالمهمة في أحكامِ الشِّتاء والجمع بين الصلاتين

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله بن احمد العدواني   مشاهدة المشاركة

  

شـكــ بارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية

جزاك الله خير أبو أحمد
مشكور على المرور
أبو ألين ّّ غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : المسائل ُالمهمة في أحكامِ الشِّتاء والجمع بين الصلاتين
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من المسائل التي يجب أن تبين للناس أبو ألين ّّ الإسلام حياة 14 21-11-2011 09:51 AM
2010حول الطلاق والخلع محمد حسن الزهراني شقائق الرجال 2 28-01-2010 05:24 PM
فنيات حل المسائل الحسابية في اختبار القدرات غربة مشاعر المنتدى التعليمي 7 07-01-2010 04:44 AM
.•ܔ•[في سكـون الليل احكـي قصتــي والدمع ابكـي]•ܔ•. 乂آمَيــِــرَة آلَــِــوَرَد乂 صوتيات - مرئيات - فلاشات إسلامية 15 15-09-2008 04:42 PM


الساعة الآن 10:51 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved