![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#3391 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() الخــــــوف والــــــرجــــــــــاء أ ما هو مفهومُ الخوفِ والرَّجاءِ؟ * مفهوم الخوفِ: * الخوفُ لغةً: قالَ ابنُ فارسٍ:" الخاء والواو والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على الذُّعْرِ والفزَع، يُقالُ: خِفْتُ الشّيءَ خوفًا وخِيفةً". * الخوفُ اصطلاحًا: الخوفُ كما عرَّفه العلماءُ: توقُّع مكروه عن أَمارةٍ مظنونةٍ أو معلومةٍ ، والخوف المحمود: ما حجزكَ عنْ محارمِ اللهِ؛ كما قرَّر ذلك شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ الله. وهُو منْ أجلِّ منازل الطريق وأنفعها للقلبِ، وهو فرضٌ على كلِّ أحدٍ . قال الله تعالى: ﴿ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، وقال تعالى: ﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة: 40]. وهو ثلاثة أقسام: الأول: خوف السر، وهو أن يخاف من غير الله: من وثن، أو طاغوت، أو ميت، أو غائب من جن أو إنس أن يصيبه بما يكره؛ كما قال الله عن قوم هود -عليه السلام- أنهم قالوا له: ﴿ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي ﴾. [هود: 54-55] وقد خوَّف المشركون رسول الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- من أوثانهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾. [الزمر: 36]. وهذا الخوف من غير الله هو الواقع اليوم من عباد القبور وغيرها من الأوثان؛ يخافونها، ويُخوِّفونَ بها أهل التوحيد إذا أنكروا عبادتها، وأمروا بإخلاص العبادة لله. هذا الخوف من أعظم مقامات الدين وأجلها؛ فمن صرفه لغير الله؛ فقد أشرك بالله الشرك الأكبر والعياذ بالله. وهذا النوع من الخوف من أهم أنواع العبادة، يجب إخلاصه لله وحده؛ قال تعالى: ﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175] وقال تعالى: ﴿ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ﴾ [المائدة: 3]. الثاني: أن يترك الإنسان ما يجب عليه خوفا من بعض الناس؛ فهذا محرم، وهو شرك أصغر، وهذا هو المذكور في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ ﴾ [آل عمران: 173]. الثالث: الخوف الطبيعي، وهو الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك؛ فهذا ليس بمذموم؛ كما قال تعالى في قصة موسى عليه السلام: ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ [القصص: 21]. * مفهوم الرَّجاءِ: * الرَّجاءُ لغةً: قالَ ابنُ فارسٍ: "(رَجِيَ) الراء والجيم والحرف المعتلّ أصلان متباينان، يدلُّ أحدُهما على الأمَل، والآخَر على ناحية الشيء. فالأول الرَّجاءُ، وهو الأمل. يقال: رجَوت الأمْرَ أرجُوه رجاءً، ثم يُتَّسع في ذلك، فربما عُبِّر عن الخوف بالرَّجاء. قال الله تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا ﴾ [نوح: 13]، أي لا تخافون له عَظَمَةً" . * الرَّجاءُ اصطلاحًا: الرَّجاءُ كما عَرَّفهُ أهلُ العلمِ: حادٍ يحدو القلوبَ إلى بلاد المحبوبِ، وهو اللهُ والدَّارُ الآخرةِ، ويطيب لها السير، وقيل: هو الاستبشارُ بجودِ وفضلِ الرَّبِّ تباركَ وتعالى، والارتياحِ لمطالعةِ كرمهِ سبحانهُ، وهو فرضٌ لازمٌ على كُلِّ مسلمٍ . قال تعالى: ﴿ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ﴾ [العنكبوت: 5]. ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]. والفرقُ بينه وبين التمنِّي أنَّ التمنِّي يكونُ مع الكسلِ، ولا يسلكُ بصاحبهِ طريقَ الجدِّ والاجتهادِ، والرَّجاءُ يكونُ مع بذلِ الجهدِ وحسنِ التَّوكُّلِ. والرَّجاءُ ثلاثةُ أنواعٍ: نوعانِ محمودانِ، ونوعُ غرورٍ مذموم. فالأوَّلانِ: رجاءُ رجلٍ عَمِلَ بطاعةِ اللهِ على نورٍ منَ اللهِ فهو راجٍ لثوابهِ، ورجلٌ أَذنبَ ذنوبًا؛ ثُمَّ تابَ منها فهو راجٍ لمغفرةِ الله تعالى وعفوهِ وإحسانهِ وجودهِ وحلمهِ وكرمهِ. والثَّالثُ: رجلٌ متمادٍ في التفريطِ والخطايا يرجو رحمةَ الله بلا عَملٍ، فهذا هو الغُرورُ والتَّمنِّي والرَّجاءِ الكاذبِ. ب- مَا هِي ثَمراتُ الخوفِ والرَّجاءِ؟ * ثمراتُ الخوفِ: 1- مِنْ أسبابِ التَّمكينِ في الأرضِ؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [إبراهيم: 13-14]. 2- باعثٌ على العملِ الصالحِ والإخلاصِ فيه وعدمِ طلب المقابلِ في الدُّنيا؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 9-10]، ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 36-37]. 3-أن يكونَ الإنسانُ في ظلِ العرشِ يوم القيامةِ؛ فقد جاءَ في حديثِ السبعةِ الذين يظلهم الله بظله يوم القيامةِ: )وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهِ(. 4- الأمانُ في الآخرةِ؛ فقدْ ثبتَ في الحديثِ القدسيِّ: يقولُ اللهُ عَزَّ وجلَّ: )وَعزتي لا أجمعُ على عبدي خَوفينِ ولا أجمعُ له أَمْنينِ، إذا أَمِننِي في الدُّنيا أَخَفْتُه يومَ القيامةِ، وإذا خَافَنِي في الدُّنيا أَمَّنْتُهُ يومَ القيامةِ(. 5- النَّجاةُ في الدُّنيا والآخرةِ )ثلاثٌ مُهْلِكاتٌ وثلاثٌ منْجِياتٌ، فقالَ: ثلاثٌ مُهْلِكاتٌ: شُحٌّ مُطاعٌ، وهَوًى مُتَّبِعٌ، وإعْجابُ المَرءِ بِنَفْسِهِ، وثلاثٌ منْجِياتٌ: خَشْيَةُ الله في السِّرِّ والعَلانِيَةِ، والقَصْدُ في الفَقْرِ والغِنَى، والعَدْلُ في الغَضَبِ والرِّضا (. * ثمراتُ الرَّجاءِ: 1- يُورثُ طريقَ المجاهدةِ بالأعمالِ. 2- يُورثُ المواظبةَ على الطاعاتِ كيفما تقلَّبت الأحوالُ. 3- يُشعرُ العبدَ بالتَّلذُّذِ والمداومةِ على الإقبالِ على اللهِ والتَّنعّمُ بمناجاتهِ والتَّلطفُ في سؤالهِ والإلحاح عليهِ. 4- أنْ تظهرَ العبوديةُ من قبلِ العبدِ، والفاقةِ والحاجةِ للرَّبِّ، وأنه لا يَستغني عن فضلهِ وإحسانهِ طرفةَ عينٍ. 5- التَّخلُّصُ منْ غضبِ الرَّبِّ؛ ذلكَ بأَنَّ اللهَ يحبُّ منْ عبادهِ أنْ يسألوه ويرجوه ويُلحُّوا عليه؛ لأَنَّهُ جَوادٌ كريمٌ، أجودُ من سُئِل؛ ومنْ لا يسألِ اللهَ يغضبُ عليه، والسائلُ عادةً يكونُ راجيًا مطالبَ أن يُعطى؛ فمنْ لم يرج اللهَ يغضب عليه . ------------ للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#3392 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() من أعمال القلوب - محبة الله تعالى من أجل أعمال القلوب وأعظمها حب الله تعالى؛ وحب ما يقرب إليه. وحب الله تعالى هو رأس الإيمان؛ والحامل والباعث على العمل رغم المشقة الحاصلة منه؛ وهو رأس العبودية وأساسها؛ والمُحب لله تعالى مؤثر له على كل شيء في الوجود؛ والمحبون لله تعالى هم القائمون بأوامره الشرعية؛ والمنتهون عن زواجره. وقد ورد الأمر الشرعي بحب الله تعالى؛ وحب ما يقرب إلى حبه؛ وورد علامات لمحبة الله تعالى. فقال تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ﴾ (المائدة/ 54). وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ ﴾ (البقرة 165). روى البخاري في صحيحه عن أنس - رضي اللَّهُ عنه - عن النّبيّ - صلّى اللَّهُ عليه وسلّم - قال: )ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان اللّه ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، ومن أحبّ عبدا لا يحبّه إلّا للّه، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه اللّه كما يكره أن يلقى في النّار(. وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه؛ )أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: متى السّاعة يا رسول اللّه؟ قال: ما أعددت لها؟. قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكنّي أحبّ اللّه ورسوله. قال: أنت مع من أحببت (. قال العلامة ابن القيم رحمه الله: والقرآن والسّنّة مملوءان بذكر من يحبّه اللّه سبحانه من عباده المؤمنين، وذكر ما يحبّه من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم. كقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ (آل عمران/ 146)، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (آل عمران/ 134، 148). فلو بطلت مسألة المحبّة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان. ولتعطّلت منازل السّير إلى اللّه. فإنّها روح كلّ مقام ومنزلة وعمل. فإذا خلا منها فهو ميّت لا روح فيه. ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها. بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام. فإنّه الاستسلام بالذّلّ والحبّ والطّاعة للّه. فمن لا محبّة له لا إسلام له البتّة. بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلّا اللّه. فإنّ «الإله» هو الّذي يألهه العباد حبّا وذلّا، وخوفا ورجاء، وتعظيما وطاعة له، بمعنى «مألوه» وهو الّذي تألهه القلوب. أي تحبّه وتذلّ له. -------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#3393 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() حسن الظن وسلامة الصدر تمهيد: قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ (الحجرات: 12). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: )إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ( متفق عليه. وروى ابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني في السلسلة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى الكعبة فقال: )ما أعظم حرمتك وما أعظم حقك، والمسلم أعظم حرمة منك، حرم الله ماله وحرم دمه وحرم عرضه وأذاه، وأن يظن به ظن سوء(. وسوء الظن بالمسلم يدعو إلى الخوف وتوجس الشر منه، وبالتالي التجسس والتحسس، وما يترتب على ذلك من التقاطع والتدابر وفساد القلوب، وكلها أخلاق ذميمة نهى عنها الشارع الحكيم، وطيب القلوب وسلامة الصدور وستر العيوب وتجاهلها والتغافل عنها من شيم فضلاء المسلمين مع إخوانهم. قال الغزالي في الإحياء: فكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساوئ أخيك، يجب عليك السكوت بقلبك وذلك بترك إساءة الظن به، فسوء الظن غيبة بالقلب ولا تحمل فعله على وجه فاسد ما أمكنك أن تحمله على وجه حسن، وتحمل ما تشاهده من سيئ على سهو أو نسيان. ويجب أن يعلم أنه لا منافاة بين كون الشخص يأخذ الاحتياطات اللازمة لأمنه، وبين كونه حسن الظن بالناس، فحسن الظن بهم لا يعني أن تفرط في نفسك أو مالك، وهذا منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم. لعله يحسن بنا قبل الشروع في بيان مفهوم (حسن الظن) أن ننظر إلى معنى الظن لغويًّا؛ حيث إنه يدل على أكثر من معنى. حسن الظن لغة: الحسن: الحاء والسين والنون أصل واحدٌ، فالحسن ضد القبح، يقال: رجلٌ حسنٌ، وامرأة حسناء، وحُسانةٌ، والحسن: الجمال. أما الظن في اللغة فإنه مصدر قولهم ظن يظن ظنا، وهو مأخوذ من مادة (ظ ن ن) التي تدل على معنيين: أحدهما اليقين والآخر الشك. قال الراغب: الظن: اسم لما يحصل عن أمارة، ومتى قويت أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز حد التوهم. وقال ابن منظور: الظن شك ويقين، إلا أنه ليس بيقين عيان إنما هو يقين تدبر، فأما يقين العيان فلا يقال فيه إلا علم، وفي التنزيل العزيز: ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ (الحاقة: 20) أي علمت. وقال الجوهري: الظن معروفٌ، وقد يُوضع موضع العلم. الظن اصطلاحًا: قال الكفوي: الظن: أخذ طرفي الشك بصفة الرجحان وقال أيضًا: والراجح إن قاربه إمكان المرجوح يسمى ظنا، أو هو التردد بين طرفي الاعتقاد غير الجازم. وقال ابن العربي: الظن تجويز أمرين في النفس لأحدهما ترجيح على الآخر. وعلى هذا فحسن الظن ترجيح جانب الخير على جانب الشر. معاني كلمة الظن في القرآن الكريم: ورد الظن في القرآن مجملًا على أوجه: بمعنى اليقين، وبمعنى الشك، وبمعنى التهمة، وبمعنى الحسبان. فالذي بمعنى اليقين مثاله قوله تعالى: ﴿ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴾ (القيامة: 28). ﴿ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾ (فصلت: 48). وأما الذي بمعنى الشك والتهمة فمنه قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ ﴾ (الحج: 15). ﴿ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ ﴾ (الأحزاب: 10). وأما الذي بمعنى الحسبان فمنه قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴾ (الحشر:2) يعني بني قريظة وحصونهم. والظن في كثير من الأمور مذموم، ولهذا قال تعالى: ﴿ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ (الحجرات: 12). ضابط معنى الظن في القرآن الكريم ضابطان: أحدهما: أنه حيث وجد الظن محمودًا مثابًا عليه فهو يقين، وحيث وجد مذمومًا متوعدًا عليه بالعذاب فهو الشك. الثاني: أن كل ظن يتصل به أن المخففة فهو شك نحو قوله تعالى: ﴿ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ ﴾ (الفتح: 12)، وكل ظن يتصل به أن المشددة فهو يقين كقوله تعالى: ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ (الحاقة: 20)، والمعنى في ذلك أن: "أنَّ" المشددة للتأكيد فدخلت في اليقين، والمخففة بخلافها فدخلت في الشك. أقسام الظن وأحكامه: صفوة القول أن الظن لا يخرج عن أمور خمسة: الأول: الظن المحرم، وهو سوء الظن بالله، ويقابله وجوب حسن الظن بالله. الثاني: حُرمة سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة، والمطلوب حسن الظن بهم. الثالث: الظن المباح، وهو الذي يعرض في قلب المسلم في أخيه بسبب ما يوجب الريبة، وهذا الظن لا يُحقق. الرابع: الظن المندوب إليه، وهو حسن الظن بالأخ المسلم وعليه الثواب. الخامس: الظن المأمور به، وهو الظن فيما لم ينص عليه دليل يوصلنا إلى العلم، وقد تعبدنا الله بالاقتصار على الغالب الظني فيه، كقبول شهادة العدول وتحري القبلة وأُروش الجنايات التي لم ينص في تقديرها. بيان أهمية حسن الظن بالله تعالى: إن حسن الظن بالله تعالى من الأمور التي أوصى بها الرسول، ولا شك بأن سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام قد دلنا وأرشدنا إلى خير ما يعلمه لنا، وحذرنا وأنذرنا من شر ما يعلمه لنا؛ ولذا فقد جاء في الحديث الصحيح، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ) لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل (. أخرجه مسلم. قال الخطابي -رحمه الله- في شرح هذا الحديث: "وقد يكون أيضًا حسن الظن بالله من ناحية الرجاء وتأميل العفو" سنن أبي داود. وقال العظيم آبادي في عون المعبود: "أي لا يموت أحدكم في حال من الأحوال إلا في هذه الحالة وهي حسن الظن بالله بأن يغفر له؛ فالنهي وإن كان في الظاهر عن الموت؛ لكن في الحقيقة عن حالة ينقطع عندها الرجاء لسوء العمل كي لا يصادفه الموت عليها". قاله علي القاري ثم قال: وقال النووي في شرح المهذب: "معنى تحسين الظن بالله تعالى أن يظن أن الله تعالى يرحمه ويرجو ذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله تعالى وعفوه وما وعد به أهل التوحيد وما سيبدلهم من الرحمة، يوم القيامة، كما قال -سبحانه وتعالى- في الحديث الصحيح: )أنا عند ظن عبدي بي ( هذا هو الصواب في معنى الحديث، وهو الذي قاله جمهور العلماء" سنن أبي داود. إن حسن الظن بالله تعالى يرتبط ارتباطًا كبيرًا بنواحي عقدية وسلوكية متعددة، فهو يرتبط بالتوكل على الله والثقة به؛ حيث إنك لا تتوكل إلا على من تحسن الظن به، ولذا فقد جعله الإمام ابن القيم -رحمه الله- تعالى أحد درجات التوكل فقال: الدرجة الخامسة: حسن الظن بالله عز وجل فعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه، ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله. ومما يُجلّي أهمية هذا الأمر واقع الناس وحالهم مع حسن الظن بالله؛ فمن الناس من اتكل على حسن ظنه بربه، واعتمد عليه مع إقامته على المعاصي، متناسيًا ما توعد الله به من وقع في مساخطه وما يغضبه، وغافلًا عن الخوف من الله حتى وقع في الغرور. وعلى النقيض من هذا: من ساء ظنه بربه فاعتقد بالله خلاف مقتضى أسمائه وصفاته، واقعًا بما وصف الله به الكفار والمنافقين من أنهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية. ومن هنا يتضح لنا أن مسلك حسن الظن بالله مسلك دقيق، ومنهج وسط بين نقيضين، لا يسلكه إلا من وفقه الله وجعل قلبه خالصًا له سبحانه. ولذا كان على المؤمن أن يتحرى معرفة المنهج الصحيح في حسن الظن بالله حتى لا يقع فيما نهى الله عنه من الغرور أو سوء الظن بالله تعالى. السلف وحسن الظن بالله: 1. كان سعيد بن جبير يدعو ربه فيقول: " اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك، وحسن الظن بك ". 2. وكان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: " والذي لا إله غيره ما أُعطي عبد مؤمن شيئًا خير من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله -عز وجل- الظن إلا أعطاه الله -عز وجل- ظنه؛ ذلك بأن الخير في يده ". 3. وسفيان الثوري -رحمه الله- كان يقول: " ما أحب أن حسابي جعل إلى والدي؛ فربي خير لي من والدي ". 4. وكان يقول عند قوله تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ﴾ أحسنوا بالله الظن. صور من إساءة الظن بالله تعالى: 1. من قنط من رحمته ويأس من روحه، فقد ظن به ظن السوء. 2. من ظن به أن يترك خلقه سُدى، معطلين عن الأمر والنهي، ولا يرسل إليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه، بل يتركهم هملًا كالأنعام، فقد ظن به ظن السوء. 3. من ظن أنه لا سمع له ولا بصر، ولا علم له ولا إرادة، وأنه لم يكلم أحدًا من الخلق ولا يتكلم أبدًا، وأنه ليس فوق سماواته على عرشه بائنًا من خلقه، أي بلا كيف، وكما وصف الله به نفسه، فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه. 4. من ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسن فيها بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه، ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين، فقد ظن به ظن السوء. من فوائد حسن الظن: حسن الظن خلق فريد وأمر حض عليه الإسلام، وهو من أبرز أسباب التماسك الاجتماعي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، حسن الظن راحة للفؤاد، وطمأنينة للنفس، وسلامة من أذى الخواطر المقلقة التي تفني الجسد، وتهدم الروح، وتطرد السعادة، وتكدر العيش، بفقده وتلاشيه تتقطع حبال القربى، وتزرع بذور الشر، وتلصق التهم والمفاسد بالمسلمين الأبرياء، لذلك كان أصلًا من أصول أخلاق الإسلام، وعليه فلا يجوز لإنسان أن يسيء الظن بالآخرين لمجرد التهمة أو التحليل لموقف، فإن هذا عين الكذب )إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث ( [ رواه البخاري ] وقد نهى الرب -جلا وعلا- عباده المؤمنين من إساءة الظن بإخوانهم فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ وما ذاك إلا لأن الظن سيئة كبيرة موقعة لكثير من المنكرات العظيمة؛ إذ هو ذريعة للتجسس، كما أنه دافع إلى الوقوع في الغيبية المحرمة ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ فما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم لتدوم بيننا المحبة والوئام، وتصفوا القلوب والصدور، وتزول الشحناء والبغضاء. ورحم الله القائل: ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلًا أن تعد معايبه حسن الظن بالآخرين: ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد. إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر، وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلًا ولا حقدًا، امتثالًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: )إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا (. وإذا كان أبناء المجتمع بهذه الصورة المشرقة، فإن أعداءهم لا يطمعون فيهم أبدًا، ولن يستطيعوا أن يتبعوا معهم سياستهم المعروفة: فرِّق تَسُد؛ لأن القلوب متآلفة، والنفوس صافية. من الأسباب المعينة على حُسن الظن: هناك العديد من الأسباب التي تعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين، ومن هذه الأسباب: 1. الدعاء: فإنه باب كل خير، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا. 2. إنزال النفس منزلة الغير: فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه، وضع نفسه مكانه، لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، وقد وجه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾ (النُّورِ: 12). وأشعر الله عباده المؤمنين أنهم كيان واحد، حتى إن الواحد حين يلقى أخاه ويسلم عليه، فكأنما يسلم على نفسه: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ (النُّور: 61). 3. حمل الكلام على أحسن المحامل: هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم. قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: " لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملًا". وانظر إلى الإمام الشافعي -رحمه الله- حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير. فهكذا تكون الأخوة الحقيقية، إحسان الظن بالإخوان، حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير. 4. التماس الأعذار للآخرين: فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير حتى قالوا: التمس لأخيك سبعين عذرًا. وقال ابن سيرين -رحمه الله-: " إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه ". إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء الظن السيئ وستتجنب --------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#3394 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() انحسار الفرات عن جبل أو كنز من ذهب من علامات الساعة التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها ستقع قبل قيام الساعة أن نهر الفرات سينحسر عن كنز من الذهب؛ فيقتتل الناس عليه مقتلة عظيمة فلا يبقى من تلك المقتلة إلا أفراد قليلون؛ ولذلك نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قربانه. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: )يوشك الفرات أن يَحْسِرَ عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا(، وفي رواية: )يَحْسِر عن جبل ذهب (. وفي رواية عند مسلم: )لا تقوم الساعة حتى يَحْسِر الفرات عن جبل من ذهب يَقْتتل الناس عليه، فَيُقْتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو(. ورواه مسلم عن أبي بن كعب بلفظ: )يُوشِك الفرات أن يَحْسِر عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه لَيُذْهَبَنَّ به كُلِّه، قال: فيقتتلون عليه، فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون(. ومعنى انحساره: انكشافه لذهاب مائه، كما يقول النووي، وقد يكون ذلك بسبب تحول مجراه، فإن هذا الكنز أو هذا الجبل مطمور بالتراب وهو غير معروف، فإذا ما تحول مجرى النهر لسبب من الأسباب ومرّ قريبا من هذا الجبل كشفه، والله أعلم بالصواب. والسبب في نهي الرسول -صلى الله عليه وسلم- من حضره عن الأخذ منه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والاقتتال وسفك الدماء. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وَتَسْمِيَته كَنْزًا بِاعْتِبَارِ حَاله قَبْلَ أَنْ يَنْكَشِف، وَتَسْمِيَته جَبَلًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى كَثْرَته، وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ: )تَقِيء الْأَرْض أَفْلَاذ كَبِدهَا أَمْثَال الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَب وَالْفِضَّة فَيَجِيء الْقَاتِل فَيَقُول: فِي هَذَا قُتِلْت، وَيَجِيء السَّارِق فَيَقُول: فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي، ثُمَّ يَدْعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا(. وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ النَّهْي عَنْ أَخْذه لِمَا يَنْشَأ عَنْ أَخْذه مِنَ الْفِتْنَة وَالْقِتَال عَلَيْهِ. -------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#3395 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() النصـــــرة الحقيقيـــــة لنبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم مقامًا لم ينله بشر؛ فهو سيد المرسلين؛ وإمام المتقين؛ وقدوة الخلق أجمعين؛ وهو الشافع المشفع؛ وأول من تفتح له أبواب الجنة؛ فصلوات ربي وسلامه عليه دائمًا سرمدًا. والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم واجب محتم؛ ولا يقبل إسلام عبد بدون الإذعان والانقياد له بالنبوة والرسالة؛ والشهادة التي يدخل بها العبد الإسلام مكونة من الإقرار لله تعالى بالإلوهية؛ وبالنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة؛ ولا ينفع العبد أن يقر بشطر الشهادة حتى يقر بالشطر الآخر (لا إله إلا الله؛ محمد رسول الله). وقد تكفل رب العالمين برفع شأنه صلى الله عليه وسلم؛ فقال تعالى: ﴿ ورفعنا لك ذكرك ﴾؛ فرفع تعالى ذكره؛ وأعلى شأنه؛ وأعلى مكانه؛ وخلّد اسمه؛ فلا يذكر اسمه تعالى في الشهادة إلا قرن باسمه صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: أغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خَاتَمٌ مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ كما أن منتقص النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كتب الله عليه الصغار والشنار في الدنيا قبل الآخرة؛ وقطع ذكره؛ وأخمل شخصه؛ وجعل الذلة والصغار ترافقه أينما حل وارتحل؛ كما قال تعالى: ﴿ إن شانئك هو الأبتر ﴾. ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجواب الصحيح (6 / 296): "ويدخل في هذا الباب ما لم يزل الناس يرونه ويسمعونه من انتقام الله ممن يسبه ويذم دينه بأنواع من العقوبات، وفي ذلك من القصص الكثيرة ما يضيق هذا الموضع عن بسطه، وقد رأينا وسمعنا من ذلك ما يطول وصفه من انتقام الله ممن يؤذيه بأنواع من العقوبات العجيبة التي تبين كلاءة الله لعرضه وقيامه بنصره وتعظيمه لقدره ورفعه لذكره، وما من طائفة من الناس إلا وعندهم من هذا الباب ما فيه عبرة لأولي الألباب، ومن المعروف المشهور المجرب عند عساكر المسلمين بالشام إذا حاصروا بعض حصون أهل الكتاب أنه يتعسر عليهم فتح الحصن ويطول الحصار إلى أن يسب العدو الرسول صلى الله عليه وسلم، فحينئذ يستبشر المسلمون بفتح الحصن وانتقام الله من العدو، فإنه يكون ذلك قريبًا، كما قد جربه المسلمون غير مرة تحقيقًا لقوله تعالى ﴿ إن شانئك هو الأبتر ﴾، ولما مزَّق كسرى كتابه مزق الله ملك الأكاسرة كل ممزق، ولما أكرم هرقل والمقوقس كتابه بقي لهم ملكهم". والحمية والغيرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أن يلحقه أذى في حياته وبعد مماته من علامة تعظيمه ومحبته؛ وذلك من علامة الإيمان؛ كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: )لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(. وإن من أعظم النصرة والحب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الإيمان به؛ واتباع ما جاء به من الهدى ودين الحق، واقتفاء سنته، ولزوم غرزه، والدعوة إلى ما جاء به من عند ربه تعالى، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 31، 32]. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/ 32): هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: )مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عليه أمْرُنَا فَهُوَ رَدُّ( ولهذا قال: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبّ، إنما الشأن أن تُحَبّ. وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾. فاتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والوقوف عند شرعه والانتهاء عند نهيه هو النصرة الحقيقة التي يسعد بها صلى الله عليه وسلم؛ وهذا هو مصداق ثناء الله تعالى على المؤمنين المقتدين به حين قال تعالى: ﴿ .. فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157]. ولقد أحسن من قال: أغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خَاتَمٌ مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ وإن الخروج عن هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفعل أفعالًا مخالفة لما جاء به ليس دليلًا على محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن من القياس الصحيح عند جميع العقلاء أن المحب يقتدي بمن يحبه ولا يخالفه؛ فضلًا عن أن يرتكب ما يبغضه أو يكرهه. وما حصل في بعض ديار الإسلام من الاعتداء على قتل المعاهدين أو المستأمنين الذين لم يكن لهم علاقة بما حدث؛ جراء قيام شرذمة حقيرة من النيل في مقام النبوة هو من الظلم الذي لا تقره الشرائع؛ ولا العقول السوية؛ ﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ و﴿ كل نفس بما كسبت رهينة ﴾، وإنما العدل أن يؤخذ الجناة ويطبق فيهم شرع الله تعالى. لكن أن يكون حدث النيل من مقام النبوة سُلمًا لارتكاب ما نهى الله تعالى عنه ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهو من السبل والطرق التي لم يرضها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فما عُبد الله تعالى ولا اتُّبع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بمثل الوقوف عند حدودهما، ﴿ ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ﴾. وقد فقِه هذا الفقه العظيم صدّيق هذه الأمة وخيرها بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر الصديق حينما عارضه عمر رضي الله عنهما في صلح النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمشركين في الحديبية؛ فأمره الصديق أن لا يخرج عن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما أخرج البخاري في صحيحه: ) قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا، قَالَ: «بَلَى»، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ، قَالَ: «بَلَى»، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي»، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: «بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ العَامَ»، قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: «فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ»، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الحَقِّ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ العَامَ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ، - قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ -: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا(. فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه يقول عن نفسه أنه قد عمل أعمالًا صالحة يرجو ثوابها عند الله تعالى لعلها أن تكون سببًا لتكفير تلك الخطيئة التي عملها؛ وهي إبداء رأيه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حول صلح الحديبية وأن الصلح فيه غضاضة على المسلمين. فكيف يكون حال من يخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صراحة، ويرتكب نهيه، ويقدم على ما يناقض قوله؟! ألا يكون هذا أولى بأن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره، ويرجع ويلزم سنة نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقتدي به؟! إن قتل المعاهدين والمستأمنين في بلاد المسلمين والذين لم يرتكبوا ما يستوجب قتلهم لهو من المعاصي الوبيلة؛ والمخالفات الصريحة لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما روى البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: )مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا(. فهلّا أدرك الغيورون طريق النصرة الحقيقة؟؟! فالتزام سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجتناب نهيه خير نصرة له؛ وذلك ما يغيظ أعداءه حقًّا، ويميتهم كمدًا.. ----------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#3396 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() الخطــــــف والقتــــــــــــل جاء الإسلام بتشريعات واضحة لا لبس فيها ولا غموض؛ وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم الشريعة أتم بيان وأحكمه؛ وطبق ذلك في مسيرة حياته المباركة الطاهرة؛ فكانت سيرته صلى الله عليه وسلم مثالًا يحتذى؛ ونبراسًا يقتدى به؛ وبيانًا شافيًا لمجملات الشريعة. وقد مرت حياته صلى الله عليه وسلم بجميع أشكال الحياة البشرية من سلم وحرب؛ وقوة وضعف؛ وغنى وفقر؛ وكان زوجًا وأبًا وصاحبًا وقائدًا؛ وذلك كله ليتسنى للجميع الاقتداء به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. وإن من الحالات التي مر بها المصطفى صلى الله عليه وسلم في حياته الطاهرة؛ حالة الحرب مع الأعداء؛ وكانت سيرته العطرة في ذلك في غاية الرفعة والسمو؛ وفي منتهى القمة الأخلاقية؛ وكانت مواقفه كلها في حروبه في مكانها اللائق بها، وكيف لا يكون ذلك وهو المؤيد بالوحي من السماء؛ وهو المشرع الذي تجب طاعته والاقتداء به. ولم يكن صلى الله عليه وسلم في حربه مع أعدائه يتخلق بغير الأخلاق التي جمّله الله بها؛ فلم يكن يغدر ولا ينقض العهد؛ ولم تكن له خائنة الأعين؛ وكان تعامله معهم كالشمس في رابعة النهار؛ فمن كان بينه وبينه عهد ويريد حربه أعلمه بانتهاء عهده معه؛ ومن جاءه مشركًا رسولًا رده إلى عسكره سالمًا؛ فلم يذكر التاريخ أنه قتل رسل المشركين؛ بل صح في سنته صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتلهم. وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل أرسله مسيلمة الكذاب؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: )لولا أنك رسول لقتلتك(. وروى أبو داود في سننه بسند صحيح عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: )لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، اخْتَبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ، فَيَقْتُلُهُ؟ فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ (. فهذه السيرة النبوية العطرة يتنكبها بعض الجهال من المسلمين؛ ويشوهون دين الإسلام بأفعالهم؛ ويزعمون بأن ما يقومون به من خطف للآمنين من المسلمين أو المعاهدين من الكفار في ديار الإسلام وقتلهم مقابل فدية مالية كبرت أو صغرت من الجهاد الشرعي الذي أمر الله به؛ وجاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من الجرأة والتقول على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم؛ فمتى كانت الأفعال الشنيعة من قتل المسلمين بغير حق؛ أو قتل المعاهدين أو المستأمنين من الجهاد؛ ومتى كان خطف سفراء المسلمين أو سفراء الكفار الذين دخلوا بلاد المسلمين بالأمان كان جهادًا شرعيًا.. ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُون ﴾ [الأنعام: 21] وفي الحديث المتواتر: )إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ(. الجهاد عبادة من أعظم العبادات في الإسلام؛ ويجب فيها كما يجب في غيرها من العبادات؛ الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل أمر فيها؛ مع إخلاص النية لله عز وجل؛ وأن لا يكون القصد منها التكثر من الدنيا وحطامها الفاني؛ والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل أمور العبادة واجب شرعًا؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 31، 32]. وما يقوم به هؤلاء المدّعون للجهاد هو إفساد وليس بجهاد؛ وقتل النفوس المسلمة من سفراء ونحوهم أو قتل المستأمنين أو المعاهدين من الكفار جرم رتب الشرع عليه زواجر عظيمة. فقتل المسلم من أعظم الذنوب بعد الإشراك بالله تعالى، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]، وكذلك قتل المعاهد ومثله المستأمن ورد وعيد شديد لمن ألحق بهم الأذى؛ كما في الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: )مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا (. والغدر والخيانة من أخلاق أهل النار؛ وليس من أخلاق المجاهدين الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله؛ ولإعزاز دينه، كما صح عند البخاري حينما ذكر بعض أشراط الساعة وذكر من أخلاق الكفار أنهم يغدرون: )ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا( . وكما روى النسائي في سننه عن عمرو بن الحمق الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من أمن رجلا على دمه فقتله، فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة(. ولذلك كان المجاهدون الحقيقيون وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبعد الناس عن الغدر؛ يبين ذلك ما رواه أبو داود في [سننه] عن سليم بن عامر -رجل من حمير - أنه كان بين معاوية والروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية، فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء ( فرجع معاوية. وبهذا يدرك كل منصف أن هذه الأعمال التي تتبناها بعض الجماعات التي تنتسب للجهاد من خطف للآمنين من المسلمين؛ أو من المعاهدين والمستأمنين ليست مما شرعه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وإنما هي أهواء زينها الشيطان في قلوبهم، وادعوا أنها من الجهاد في سبيل الله .. ونسأل الله تعالى الهداية لنا ولهم؛ والرجوع إلى الجهاد الشرعي الصحيح الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام. ------------ للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#3397 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() فليحفظــــــــــــــــك الله الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: قال - صلى الله عليه وسلم -: )احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك(. فالجزاء من جنس العمل، قوله: )يحفظك ( يعني أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله، فإن الجزاء من جنس العمل، كما قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ (سورة البقرة، آية 40)، وقال: ﴿ َاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ (سورة البقرة، آية 152)، وقال: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ (سورة محمد، آية 7). أنواع الحفظ وحفظ الله لعبده يتضمن نوعين: أحدهما: حفظه في مصالح دنياه. كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله. قال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ (سورة الرعد، آية 11). قال ابن عباس: هم الملائكة يحفظونه بأمر الله، فإذا جاء القدر خلوا عنه. وقال مجاهد: ما من عبدٍ إلا له ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوامّ، فما من شيء يأتيه إلا قال: وراءك، إلا شيئًا قد أذن الله فيه فيصيبه. ومن صور حفظ الله للعبد في دنياه: حفظه في صحة بدنه: أن يحفظه في صحة بدنه وقوته وعقله وماله. قال بعض السلف: العالم لا يخرف. وقال بعضهم: من جمع القرآن مُـتِّع بعقله. وتأوّل بعضهم على ذلك قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ (سورة التين، الآيتان 5-6). وكان أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة وهو ممتَّع بعقله وقوته، فوثب يومًا من سفينة كان فيها إلى الأرض وثبة شديدة، فعوتب على ذلك فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر. وعكس هذا: أن الجنيد رأى شيخًا يسأل الناس فقال: إن هذا ضيَّع الله في صغره، فضيّعه الله في كبره!! حفظه في أولاده: وقد يحفظ الله العبد بصلاحه في ولده، وولد ولده. كما قيل في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ (سورة الكهف، آية 82)، أنهما حُفِظا بصلاح أبيهما. وقال محمد بن المنكدر: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وقريته التي هو فيها، فما يزالون في حفظٍ من الله وستر. وقال ابن المسيب لابنه: يا بنيّ لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك، وتلا هذه الآية: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ (سورة الكهف، آية 82). حفظه في أمواله: ومتى كان العبد مشتغلًا بطاعة الله عز وجل، فإن الله تعالى يحفظه في تلك الحال. - كان شيبان الراعي يرعى غنمًا في البرية، فإذا جاءت الجمعة خطَّ عليها خطًّا، وذهب إلى الجمعة، ثم يرجع وهي كما تركها!! - وكان بعض السلف في يده الميزان يزن بها دراهم، فسمع الأذان، فنهض ونفضها على الأرض، وذهب إلى الصلاة، فلما عاد جمعها فلم يذهب منها شيء. حفظه من الجن والإنس: أن يحفظه من شرِّ كل من يريده بأذى من الجن والإنس، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ (سورة الطلاق، آية 2). قالت عائشة - رضي الله عنها -: يكفيه غمَّ الدنيا وهمها. وقال الربيع بن خثيم: يجعل له مخرجًا من كل ما ضاق على الناس. وكتب بعض السلف إلى أخيه: أما بعد فإن من اتقى الله فقد حفظ نفسه، ومن ضيّع تقواه، فقد ضيَّع نفسه، والله الغني عنه. حفظه من الحيوانات المؤذية: ومن عجيب حفظ الله تعالى لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى وساعية في مصالحه، كما جرى لسفينة مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- حين كُسر به المركب، وخرج إلى جزيرة فرأى السبع فقال له: يا أبا الحارث! أنا سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعل يمشي حوله ويدلّه على الطريق حتى أوقفه عليها، ثم جعل يهمهم كأنه يؤدِّعه وانصرف عنه. ومن ضيع الله ضيعه الله بين خلقه، حتى يدخل عليه الضرر ممن كان يرجو أن ينفعه، ويؤذيه أخص أهله به وأرفقهم به. كما قال بعضهم: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي وحماري. فالخير كله مجموع في طاعة الله والإقبال عليه. والشر كله مجموع في معصيته والإعراض عنه. حفظ الدين النوع الثاني من الحفظ: وهو أشرفهما وأفضلهما: حفظ الله لعبده في دينه، فيحفظ عليه دينه وإيمانه؛ في حياته من الشبهات المردية، والبدع المضلة، والشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإسلام. وهذا كما حفظ يوسف – عليه السلام -، قال: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ (سورة يوسف، آية 24)، فمن أخلص لله خلّصه الله من السوء والفحشاء، وعصمه منهما من حيث لا يشعر، وحال بينه وبين أسباب المعاصي المهلكة. فمن قام بحقوق الله عليه، فإن الله يتكفّل له بالقيام بجميع مصالحه في الدنيا والآخرة. فمن أراد أن يتولى الله حفظه ورعايته في أموره كلها فليراع حقوق الله عليه، ومن أراد أن لا يصيبه شيء مما يكره، فلا يأت شيئًا مما يكرهه الله منه. وكان بعض السلف يدور على المجالس ويقول: من أحب أن تدوم له العافية فليتق الله. وقال العمري الزاهد: كما تحب أن يكون الله لك، فهكذا كن لله عز وجل. فما يؤتى الإنسان إلا من قبل نفسه، ولا يصيبه المكروه إلا من تفريطه في حق ربه عز وجل. كما قال بعض السلف: من صَفَّى صُفِّي له، ومن خلّط خُلِّط عليه. هذا والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ------------ للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#3398 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() ثمــــــرات الإيمـــــــــــــان إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد: فإن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب جاء بالأعاجيب في العقائد والأعمال والأخلاق، ورأى الناس منه العجب العجاب في سائر الأحوال، الإيمان الذي من أوتيه فقد أوتي خيرًا كثيرًا، بل جعل الله دخول الجنة موقوفًا على الإيمان، وجعل الإيمان موقوفًا على المحبة، والمحبة موقوفة على السلام، والسلام لا يكون من الإنسان إلا بوازع من الإيمان. الإيمان الذي يعيش به الإنسان سعيدًا ويموت به حميدًا، فـ: )من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة(، يقول الله: ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ [سورة يس آية: 25- 26]، فما ذكر الله الجنة إلا جعل أول أوصاف أهلها الإيمان. إن الإيمان معناه أن تعبد الله على نور من الله ترجو ثواب الله وتخاف عقاب الله، الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية نسأل الله العظيم أن يزيدنا إيمانًا ويكمله لنا، ففي الدعاء: «اللهم أسألك إيمانًا كاملًا ويقينًا صادقًا»، وإذا تبين هذا كله فإليكم ثمرات الإيمان وآثاره الطيبة وعواقبه الحميدة في الدنيا والآخرة. من ثمرات الإيمان حبُّ الله لأهل الإيمان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [سورة المائدة آية: 54]. الإيمان الذي لا يعطيه الله إلا أحبابه وصفوته من خلقه: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [سورة يونس آية: 62- 63]. وفي الحديث: )إن الله يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب(، فخير وصية لك أن تحب الله بكل قلبك، وكيف لا تحب الله وما من طرفة عين إلا وله عليك نعمة وفضل، وكل شيء قد تكون مبالغًا في حبه إلا الله فإنك مهما أحببته فإنك لا تزال مقصرًا في حبه، والعجيب أنك إذا أحببته أحبك، فإن تقربت منه شبرًا تقرب منك ذراعًا، وهو مع هذا كله أغنى ما يكون عنك. بل انظر إلى عظم محبة الله للعبد المؤمن ففي الحديث: )وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته(، الله أكبر ما أعظم مقام أهل الإيمان عند الله يحبون الله، والله يحبهم ويرضون عن الله والله راضٍ عنهم. ومن ثمرات الإيمان رضا الله عن أهل الإيمان، يقول الله عنهم: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ [سورة البينة آية: 8] فأعز شيء في هذه الدنيا وأعظمه رضا الله عن العبد، وإذا رضي الله عن العبد أسعده وأرضاه وثبت قلبه على الصراط المستقيم، ويسر له الخير حيث كان وأينما كان وأينما توجه، بل يرضى الله عنه في الدنيا ويرضى عنه عند الممات، ويذكر أن الحسن لما مات سمع الناس هاتفًا يقول: "لقد قدم الحسن البصري على الله وهو عنه راض"، وعلى كل بقدر كمال إيمان العبد يكون رضا الله عنه، وفي الحديث: )من التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس والعكس(. ومن ثمرات الإيمان أن لهم الأمن التام، يقول الله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [سورة الأنعام آية: 82]، فأخبر - سبحانه - أن من وفِّق للإخلاص رزقه الله فائدتين الأمن التام والهداية في الدنيا والآخرة، وقد فسر الأمن هنا بأنه أمن الدنيا، وقيل: أمن الآخرة، وعلى كل إذا كمل توحيد العبد فإنه لا يخاف شيئًا سوى الله، ففي الصحيح عن جابر قال: ) كنا إذا سافرنا تركنا أفضل ظل للنبي -صلى الله عليه وسلم- فرأينا دوحة عظيمة فتركناها له، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فنزل تحتها وعلق سيفه بها وجاءه أعرابي فاخترط السيف وقال: يا محمد، من يمنعك مني؟ قال: «الله»، فسقط سيفه من يده وأخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له: «من يمنعك مني؟» قال: كن خير آخذٍ فعفا عنه(. وهذا يدل على كمال توحيده – صلى الله عليه وسلم - ولن يخيب عبد تعلق بالله ولو كادته السماوات والأرض إلا جعل الله له من بين أطباقهن فرجًا، فالمؤمن الكامل لا يدخل الخوف قلبه أبدًا. وقيل: المراد بالأمن أمن الآخرة إذا خرج الناس من قبورهم حفاة عراة وبدت من الآخرة أهوالها وأصبح الناس في خوف شديد وفزع عظيم: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إ﴾ [سورة فصلت آية: 40]. ومن ثمرات الإيمان ثبات القلوب، فمن أعظم المصائب تقلب القلوب عن طاعة الله: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [سورة إبراهيم آية: 27]، فأهل الإيمان أهل ثبات ويقين لا تضرهم الفتن مهما عظمت، ولا تقلبهم المحن مهما اشتدت لأنهم تمسكوا بحبل الله المتين. ألزم يديك بحبل الله معتصما فإنه الركن إن خانتك أركان ومن ثمرات الإيمان الهداية والرحمة: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [سورة التغابن آية: 11]، وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[سورة الأنعام آية: 82]، أي الهداية التامة في كل أحوالهم وفي جميع شئونهم، الهداية التي لا ضلال معها. ومن ثمرات الإيمان لذة الطاعة وحلاوة المناجاة، ففي الحديث: )ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا(، فأخبر أن للإيمان طعمًا، فثمرة الرضا ذوق طعم الإيمان قال ابن القيم في المدارج: «هذا الحديث عليه مدار مقامات الدين وتضمن الرضا بالربوبية والألوهية لله سبحانه، والرضا بالرسول والانقياد له، والرضا بدينه والتسليم له، ومن اجتمعت له هذه الطرق الأربعة فهو الصديق حقًّا نسأل الله العظيم أن يذيقنا حلاوة المناجاة والإيمان والطاعة، وقد قيل ليحيى بن معاذ: متى يبلغ العبد مقام الرضا؟ قال: «بأربع: يقول: إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت، وإن دعوتني أجبت». ومن ثمرات الإيمان أن الله يدفع عن أهله كل مكروه، يقول الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [سورة الحج آية: 38]، يقول السعدي -رحمه الله-: «وهذا إخبار ووعد وبشارة للمؤمنين أن الله يدافع عنهم - وذلك بسبب إيمانهم - كل شر من شرور الكفار وشرور الوسوسة وشرور النفس والسيئات، ويخفف عنهم المكاره غاية التخفيف، وهذه المدافعة بحسب الإيمان فمستقل ومستكثر». ومن ثمرات الإيمان أنه إذا كان على طاعة دعته أخرى إليها، وذلك بأن يشرح الله صدره وييسر أمره ويكون سببًا للتوفيق لعمل آخر فيزداد بها عمل المؤمن: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [سورة الليل آية: 5- 7]، وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ [سورة الشورى آية: 23]، أي فلا يزال ميسرًا للخير والطاعات. ومن ثمرات الإيمان أن الله يحيي به قلب العبد فتصبح أشجانه وأحزانه كلها لله وللآخرة ففي الحديث: )كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: مؤمنًا حقًّا، قال: إن لكل قول حقيقة قال: يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها(، فمن يؤمن بالله يكن للآخرة ذاكرًا وكثير التعلق بها، وكلما جاءته طاعة نظر إلى عواقبها الحميدة يوم القيامة، فإذا صلى ركعتين وأحس بفتور تذكر أنه سوف يفرح بها في قبره ويوم القيامة فدعاه ذلك التذكر إلى حسن العبادة والإكثار منها. ومن ثمرات الإيمان استغفار الملائكة للمؤمن: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [سورة غافر آية: 7]، وهذا من أعظم فوائد الإيمان. ومن ثمرات الإيمان عدم تسلط الشياطين على المؤمن: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [سورة النحل آية: 99]، فأخبر - سبحانه - في كتابه أن أعظم سبب في دفع شر الشيطان الاستعاذة بالله منه، وبين أيضًا أن هناك سببًا أقوى في دفعه وهو التحلي بالإيمان والتوكل. خاتمة يا أيها الناس إذا عرفنا ثمرات الإيمان وفضائله فاعلموا أننا في زمن فاسد يجب علينا أن نحافظ على عقيدتنا وعلى إيماننا وعلى ديننا، وينبغي علينا أن نحفظ أنفسنا لئلا نخرج عن جادة الدين من حيث لا نشعر، وقد تفننت شياطين الإنس والجن بمداخل وأساليب خفية لا نكاد نشعر بها، وقد ورد أنه في آخر الزمان أن الرجل يصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا والعكس، وقد تداخلت حدود الإيمان والكفر، وخفيت على كثير من الناس. يقول شيخنا محمد المختار حفظه الله: «إنه لما أمن الناس من الشرك وقعوا فيه، تأتي الرجل فتقول له: إن الشرك باب عظيم وخطير لأنه لا يقبل الله لك عملًا بدون صحة التوحيد فيقول لك: يا أخي، الناس موحدون، الناس يقولون: لا إله إلا الله، نسأل الله العافية». وعلى كل فمن كمل إيمانه وخلص من الشرك فله الأمن التام والهداية التامة في الدنيا والآخرة، وحصل على جميع فضائل الإيمان. والواجب على كل مسلم أن يفكر كل لحظة كيف يزداد من الإيمان والعمل الصالح. تنبيه هام: يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: «محركات القلوب إلى الله ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء، وأقواها المحبة وهي مقصودة لذاتها لأنها معه في الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فهو مقصود لغيره، فإنه يكون معه في الدنيا دون الآخرة، فعلى قدر المحبة يكون سير العبد إلى محبوبه، والخوف يمنعه من الخروج عن طريق المحبوب، أما الرجاء فهو حادٍ يحدو ويقود». ويقول -رحمه الله-: «وهذا أصل عظيم يجب التنبه إليه فإنه لا يحصل للعبد العبودية بدونه، أما المحبة فأعظم شيء يحركها في القلب أمران: الأول: كثرة الذكر للمحبوب لأن كثرة الذكر تعلق القلب به، ولهذا أمرنا الله بالإكثار من ذكره ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [سورة الأحزاب آية:41- 42]. الثاني: مطالعة آلائه ونعمائه: ﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [سورة الأعراف آية: 69]، وقوله تعالى:﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [سورة النحل آية: 53]، فلا إله إلا الله لو خرست الألسنة وصمت الآذان وعميت العيون؛ كيف يكون حالنا؟! ولكن الله أعطانا السمع والبصر والفؤاد كله رحمة منه». هذا، والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم، وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين. --------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#3399 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() عـــــوائـــــــق الثبــــــــات
بسم الله الرحمن الرحيم إن أسباب عدم الثبات عند الابتلاء كثيرة، ونستطيع تلخيصها بأنها انتفاء وغياب عوامل الثبات، أو نقصانها والإخلال بها، فأسباب عدم الثبات هي: 1. غياب عوامل الثبات: أو الخلل فيها سواء كانت تربوية أو جبلة أو نفسية. 2. الضعف الجبلي: فالناس معادن وهم متفاوتون في مقدار تحملهم وصبرهم وقوة قلوبهم، وقلة خوفهم وهلعهم، وهو شيء فطرهم الله عليه، ومع ذلك فإن استسلام المرء لهذه الجبلة وعدم محاولة اكتساب مواهب أخرى يؤدي إلى الضعف وعدم الثبات، وقد سبقت الإشارة إلى أن جزءًا كبيرًا من تلك الجوانب والصفات الحسنة يمكن اكتسابه والتربي والتمرن عليه، ومن يتصبر يصبره الله. 3. الجهل بوسائل الأعداء: ومداخلهم وأساليبهم وألاعيبهم وتلبيساتهم يقود الإنسان إلى أن يرغم على عدم الثبات، فقد يلفقون له التهم ويروجون لها وهو منها بريء، ثم يساومونه عليها: إما أن يتنازل عن بعض ما عنده من الحق أو كله ويعفون عنه، أو يفضحونه على رءوس الملأ، ويشوهون صورته. وقد يغرونه بالمال أو المنصب أو يخوفونه بالفصل من العمل، كل هذا كي يتنازل أو ترتخي عزيمته عن الجد والعمل. إن معرفة وسائل الأعداء وخططهم، وكذلك جوانب الشر كله أمر معرفي لتفادي الوقوع في تلك الشرور، وقد قال الشاعر: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقِّيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه 4. عدم ضبط اللسان: وهذا ناتج عن عدم الشعور بمسئولية الكلمة وعواقبها والتهاون في ذلك، فقد يقول الكلمة مازحًا في مجلس فيه أخلاط، أو يقولها ظنًّا أو تخرصًا، وقد يقولها على سبيل التورية ثم تحمل محامل أخرى، أو يقول كلامًا في حين ويقول غيره في حين آخر. وكل هذه الأمور وأمثالها تجعل الإنسان يؤخذ بجريرة الكلمة، ويبتلى ويفتن بسببها. 5. الأنانية: حيث لا يبالي إذا سَلم هو ماذا أصاب غيره، ومن يتصف بهذا الوصف إنما يعيش لنفسه، قال سيد قطب رحمه الله: (إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحًا، ولكنه يعيش صغيرًا ويموت صغيرًا)، وهذه الصفة السيئة قد تؤدي بالإنسان إلى إلقاء التبعات على الغير تخرصًا وطلبًا للنجاة والسلامة. 6. ضعف القناعة بالغاية والهدف: وهذا هو المشاهد عند ما يسمى: الشارع الإسلامي أو العامة، إذ يفرح الداعية عندما يرى أنهم متحمسون للإسلام والدعوة ومتوجهون إلى الخير كله، لكنه وعند نزول أدنى ابتلاء يكتشف أن ذلك الحماس إنما كان عاطفة فحسب، ليس وراءها إدراك لحجم المسئولية والتضحية والبذل والعطاء الذي يتطلبه ذلك الهدف، ومثلهم رخو الدين وضعيف الالتزام وقليل التربية، لذلك تجد هؤلاء كلهم يتخاذلون عندما تلوح في الأفق رائحة الابتلاء والاختبار، وكل منهم يؤثر نفسه ولا يقدم أي تضحية، وسرعان ما يتراجعون ظنًّا منهم أن الهدف لا يستحق كل هذه التضحية، وهذا ناتج عن ضعف القناعة بالهدف، وإلا لو كان الإنسان قد اقتنع بالهدف وأهميته وحتميته لما توانى لحظة في البذل له، ولما تنازل مهما كان الحال. 7. الشعور بأن الثبات والإصرار لا يقدم للدعوة شيئًا: فمن أجل أي شيء يضحي؟ فهذا أيضًا ناتج عن ضعف القناعة بالهدف، وهو في ذات الوقت وهم، كما أنه مصادمة للواقع المشاهد والمحسوس، ثم إن ثبات الأقوياء وصبرهم يشد عزم من هو دونهم في سلك الدعوة والجهاد ممن لم يتلق بعد تربية كافية، فيجعله يصرّ أيضًا على الثبات. إن الشعور بأن الثبات على الحق لا يقدم شيئًا للدعوة سبب من أسباب التخاذل والانهزام، وهو وهمٌ، والحق أن له فوائد عديدة منها: 1. تأثر العامة بالتضحيات، وزيادة قناعتهم بالهدف وكرههم للباطل وأهله. 2. تشجيع الصغار والمبتدئين وترسيخ معاني التضحية عندهم، ووضع القدوة لهم. 3. إحراج أهل الباطل وتضييق حيلتهم وإلقاء اليأس في قلوبهم. 8. استبطاء الفرج: يؤدي بالإنسان إلى التراخي رويدًا رويدًا، والملل من الصبر على الابتلاء، وهذا ناتج عن الاستعجال في حصول إجابة الدعوة وهو ما حذرنا منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: )يستجاب لأحدكم ما لم يعجل؛ فيقول قد دعوت فلم يستجب لي (، وعلى المسلم أن يعلم أن الفرج قد يتأخر، وقد يكون بالموت في سبيل الله، وأن الدعاء قد يؤخر للآخرة، وقد يدفع به عن المرء بلاء آخر، وقد يخفف البلاء ولا يرفعه. وعلى المسلم أن يداوم على الصبر، والمصابرة والتصبر، وأن تكون نظرته بعيدة، ويتذكر قول الحق تعالى: ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (سورة الروم آية: 47). المصدر: · (زاد المعاد في هدي خير العباد) لابن القيم. · (في ظلال القرآن) لسيد قطب. · (الابتلاء وعوامل الثبات) لمكتب الدراسات والتحقيق بدار طيبة للنشر والتوزيع. -------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#3400 |
كبار الشخصيات
![]() |
![]() المفاضلة في الأعمال
بسم الله الرحمن الرحيم لم يجعل الشارع أحكام الشريعة متساوية، بل نوّع وفاضل بين كل عبادة من العبادات، فجعل لكل عبادة من الميزات والخصائص ما تختلف به عن غيرها، ولوقوع التفاضل في الشريعة مقاصد عظيمة، وحِكَم جليلة، تتجلى فيها عظمة هذه الشريعة، وكرم المشرع سبحانه وتعالى؛ فكما أنه سبحانه خلق المخلوقات فاضل بينها بما يحقق المصلحة العظيمة منه، قال تعالى:﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ﴾ (سورة النحل آية: 71). فمن أبرز مقاصد الشريعة في التفاضل: 1. إظهار آثار أسماء الله الحسنى وصفاته العلى. 2. بيان كمال ربوبيته وتفرده بها سبحانه وتعالى. 3. خلوص عبودية الخلق للخالق وكمال ألوهيته. 4. تحقيق العدل. ويمكن تقسيم التفضيل بصورة عامة إلى نوعين هما: 1. تفضيل كوني خلقي: كتفضيل بعض الأجسام على بعض، مثل تفضيل اللؤلؤ على الصخر، وتفضيل بعض البلدان على بعض في الثمار، والأنهار، وطيب الهواء، ووسيلة معرفة هذا النوع العقل والنظر والتجربة، وقد ينص الشرع على تفضيل بعض الأشياء، ولكن الأصل عدم ورود شرع في ذلك. 2. تفضيل شرعي: وذلك كتفضيل شهر رمضان على سائر الشهور، وتفضيل الفرض على النفل، وتفضيل الصلاة في المسجد على البيت والسوق، وغيرها كثير، وهذه وسيلة معرفتها الشرع وهي توقيفية، لا دخل للعقل فيها، إلا بعد ثبوتها بأدلة الشرع، وعلى هذا تواردت ألفاظ العلماء رحمهم الله، قال العلامة المقبلي: «إن الخوض في المفاضلة من دون توقيف مجازفة وتخمين؛ إذ مواقع الأعمال متركبة من عدة أمور، وملاحظة جهات وكيفيات بعيدة عن إحاطة العقول بها». أسباب المفاضلة بين العبادات: يمكن إرجاع أسباب المفاضلة إلى سببين: 1. السبب العام: عند التأمل في سبب التفضيل لأي عبادة من العبادات، فإنه يرجع إلى عظم المصلحة المترتبة على القيام بهذه العبادة، إذ قد تعود على العامل، أو على المعمول له، إذا كان الفعل متعديًا، أو عليهما معًا، فإن الله تعالى ما أمر بشيء إلا وفيه مصلحة عاجلة أو آجلة أو كلتاهما، وما نهى عن شيء إلا وفيه مفسدة عاجلة أو آجلة أو كلتاهما، وما أباح شيئا إلا وفيه مصلحة عاجلة، وقال ابن تيمية: «قاعدة: الحسنات تعلل بعلتين: إحداهما: ما تتضمنه من جلب المصلحة والمنفعة، والثانية: ما تتضمنه من دفع المفسدة والمضرة»، وقال أيضا: «ولو قيل: الأجر على قدر منفعة العمل، وفائدته لكان صحيحًا». 2. الأسباب الخاصة: حاول عدد من العلماء حصر أسباب المفاضلة؛ كابن حزم، والعز بن عبد السلام، وابن الزملكاني، حيث قال: «العبادات والقربات فيها أفضل ومفضول، وقد دل على ذلك المعقول والمنقول...». وبعد النظر والتأمل في أدلة الشرع، وأقوال العلماء، يمكن إرجاع أسباب المفاضلة بين العبادات إلى ستة لا تكاد المفاضلة تخرج عنها، وغالب هذه الأسباب يكون لها تعلق من جهتين: جهة العمل ذاته، وجهة العامل، وسيتم توضيح ذلك - بمشيئة الله - للأهمية الكبيرة للمفاضلة. الأسباب الستة هي: 1. الكيفية: في أصلها للاستفهام عن الأحوال، منسوبة إلى كيف، وهي معرفة الحال؛ لأن كيف سؤال عن الحال وتشمل العمل وصفته، والكيفية لها تعلق من جهتين: أ. من جهة العمل: حيث يكون العمل شريفا بنفسه إما من جهة متعلقه كالتوحيد, وقراءة القرآن، والذكر؛ فجنس قراءة القرآن أفضل من جنس الذكر، وجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء، قال العز بن عبد السلام: «والقول يشرف بشرف متعلقه»، وأما من جهة ما يفضي إليه العمل من المصلحة التي تحقق قصد الشارع من أصل شرعية العبادة قال العز بن عبد السلام: «ورب عمل خفيف أفضل من عمل شاق؛ لشرف الخفيف، ودنو الشاق». ب. من جهة العامل: وأصل تفضيل الكيفية المتعلقة بالعامل؛ أن المقصود من تشريع العبادة قدر زائد على مجرد الأداء، بل التنافس في تحسين العبادة وتكميلها كي تكون على أكمل وجه، وأعلى حال قال تعالى في حق أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾(سورة الأحزاب آية: 29). فنبه سبحانه وتعالى على أن حصول الأجر العظيم يكون بالإحسان، قال الشاطبي: فالعمل اليسير الموافق لمرضاة الرب وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أحب إلى الله تعالى من العمل الكثير إذا خلا عن ذلك أو عن بعضه. قال العز بن عبد السلام: قد يرى الإنسان اثنين فيظن أن أحدهما أفضل من الآخر، لما يرى من طاعته الظاهرة، والآخر أفضل منه بدرجات كثيرة؛ لما اشتمل عليه من المعارف والأحوال، والقليل من أعمال الأعرف خير من الكثير من أعمال العارف، وأين الثناء من المستحضرين لأوصاف الجلال وتعرُّف الكمال، من ثناء المسبحين بألسنتهم الغافلين بقلوبهم: ليس التكحل في العينين كالكحل. المصدر: · (المفاضلة في العبادات قواعد وتطبيقات) لسليمان النجران. · (إحياء علوم الدين) للغزالي. ----------- للفايدة |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
] ! .: ! [ من آجــل القمـــــــة][[ | الوآصل | المنتدى الرياضي | 6 | 10-12-2009 01:49 AM |
اســـــــرار القلــــب..! | الســرف | المنتدى العام | 22 | 29-09-2008 01:03 AM |
جـــل مـــــــن لا يـــــخــــطـــــىء | امـــير زهران | منتدى الحوار | 4 | 02-09-2008 03:05 PM |
المحـــــــــــــا فـــظــة على القمـــــــة | رياح نجد | المنتدى العام | 19 | 15-08-2008 01:10 PM |
((هل يبكـــــي القلــــب؟؟)) !!! | البرنسيسة | المنتدى العام | 13 | 17-08-2007 11:04 PM |