كل يوم تضع صورة “تتغنج” فيها . كل دقيقة “تتشقلب” صور “بروفايلات” بنات وشباب “الفيس بوك” على حد سواء . وكل ثانية تهل عشرات التغريدات كعملية جذب مغناطيسي لإعجاب يتطور إلى علاقات أشبه بالحب، ربما هو الوهم الذي يأخذ قلوب الشباب والشابات إلى عالم حالم، وبالتالي فإن أكثر ما يثير الجدل توسع رقعة العشق الافتراضي وانتقاله إلى الواقع متوجاً نفسه بالزواج .
هل يمكن الثقة بحب عابر للفضاء آتي من خلف شاشة صماء، أداته دردشة ومجموعة كلمات منمقة، ووسائله “فيس بوك”، و”توتير”، و”فايبر”، و”سكايبي”، و”ماسنجر”، و”الواتس آب”؟ الأكيد أنه عبر هذه الوسائل، تفتحت أزهار حبٍ تسربت إلى قلوب شباب وصبايا، سهل لهم هذا التموضع الجديد التعارف، بتضييق الخناق على أرض الواقع لعدة أسباب أهمها الهجرة وهموم الحياة، وضيق الوقت .
بين يحيى وسحر حكاية حب ولدت “فيس بوكياً” وتطورت “سكايبياً” فأخرجها “الواتس-أب” وفق سيناريو جديد، “فحين يطرق العشق باب القلب ويفتحه، يستحيل على أحد إغلاقه” بحسب يحيى الذي ذهب إلى لبنان من الغابون حيث كان يعمل على جناح السرعة ليتعرف عن كثب إلى فتاة “سحرته، هي سحر التي كشفت بعض أسرار الحكاية” . تقول “قبل عام ونصف العام بدأت حكايتي مع يحيى . كان أحد أصدقاء صديقتي على “الفيس بوك”، ولمدة 9 أشهر وبمعدل 6 ساعات يومياً بقينا على تواصل عبره، بدأت أشعر بأنني بحاجة لرؤيته عن قرب، ولذلك قرر العودة إلى لبنان بهدف الخطوبة” .
أهل يحيى رفضوا الفكرة والرغبة واعتبروهما “سخرية ومضيعة وقت”، طالبين مني التريث بحجة أن سحر قد لاتكون المرأة التي أحلم بها، وأنه من غير المعقول أن تثق بفتاة وتتزوجها من خلال “فيس بوك”، إلا أن كل تلك المواربات لم تجُد نفعاً، أعلنت خطوبتي عليها وتابعت التواصل معها عبر “الواتس-آب” ومختلف التقنيات الحديثة” . شكل التعارف عبر وسائل التواصل الاجتماعي فرصة ذهبية للتواقين لدخول القفص الذهبي، قفص لطالما كان حلم شباب تقاعسوا عنه لغياب الوسيلة وبعد المسافات . اليوم تبدلت كل المعادلة . أصبح “الفيس بوك” مجتمعاً بحد ذاته، بل جمهورية لها علاقاتها وسياستها وحدودها وضوابط تلم شمل “المحبين” في شاشة واحدة .
فوزي ابن السنوات الثلاث والثلاثين خفق قلبه في هذا العالم “حين رأى صورة صابرين على “الفيس بوك”، ويشير فوزي الذي يعمل في غينيا منذ خمسة أعوام إلى أنه بعد خمسة أشهر من الدردشة و”السكايبي” عاد إلى لبنان ليتم حلمه والاقتران بصابرين .
آثر أغلب الشباب أن يتعارفوا عبر “الفيس بوك” بسبب الغربة . يمنى تعرفت إلى خطيبها أيمن عبر هذه الوسيلة وتقول: “سنعقد قراننا بعد 3 أشهر”، وتلفت إلى أن “الصدفة لعبت دوراً وفي النهاية . هذا كله قسمة ونصيب” . أما أيمن فيشرح اللحظات الأولى لعلاقته مع يمنى “منذ أن تحدثت مع يمنى للمرة الأولى تملكني شعور غير طبيعي . أحسست بلهفة غريبة لم أشعر بها من قبل، ارتحت نفسياً حتى أصبحت هي شخصاً لا أستطيع التخلي عنه في حياتي، لكن وجودي خارج لبنان كان العائق الوحيد الذي حال دون رؤيتها” .
تتعدد الحكايات والقصص التي تنشأ عبر تلك شاشة صماء، لكن الوقائع أثبتت أن الحديث الصامت يولّد حياة صادقة أكثر من الكلام . “إن فرضية فشل تلك العلاقة ضعيفة بالنظر إلى حالة الفراغ العاطفي في المجتمع، وبالتالي جاءت تلك الوسيلة لتسد الفراغ”، بحسب ما تشير أديبة التي دخلت القفص الذهبي عبر “الفيس بوك” . وتروي كيف تعرفت إلى محمد الذي يعمل مدرساً في بيروت وكان صديقاً لصديقة لي . تعارفنا عن طريق تبادل الآراء في الأدب والشعر، ثم أبدى إعجابه بي لنمضي ساعات نغرق فيها بالدرشة، قبل أن نبدأ بالتواصل عبر “سكايبي” إلى أن قرر زيارة أهلي وطلبي للزواج” . وتؤكد أديبة أن “التواصل الإلكتروني سنح الفرصة لتجديد الحياة العاطفية التي بدأت تترهل بسبب غربة الشباب عن وطنهم، وبالتالي تجعل هذه الوسيلة مشروعة للحب والزواج” .
جمعت شاشة “الفيس بوك” ميريام ويوسف . فكلاهما يعمل “محاسباً” ولكن كل منهما في بلد، وشاءت الصدف أن تقع في ورطة وتدون على حائط صفحتها “أرجو المساعدة” . ورطة تحولت إلى إعجاب مبهم بين الطرفين . تقول ميريام: “الصدفة أحياناً تغير مسار حياتنا، كنت أقفلت الباب على أي علاقة بعد تجربة دمرتني، لكن هناك شيئاً ما شدني إلى يوسف، كان صارماً في تعامله معي ولطالما قدّم لي العون من دون أن أطلب وإن كان يسألني عن عملي بشكل مستمر” . يوسف الذي يعمل في السعودية منذ عشر سنوات كان يبحث عن عروس قريبة من أفكاره ويقول: “لم يكن سهلاً في ظل انشغالات العمل، لكن القدر ساقني إلى فتاة أحلامي”، ويؤكد “أنه ومنذ بداية العلاقة اتفقنا وخططنا كيفية العيش معاً”، فيما تشدد ميريام بأن لغة القلب المشتركة كانت عابرة للقارات، لأن قلبيهما كانا ينبضان بالحب نفسه وبنفس الوتيرة، ووصفت “الفيس بوك” بالوسيلة الجميلة للتعارف والتواصل بين مشاعر صادقة، أثمرت علاقة ميريام ويوسف زواجاً ويعيشان معاً في السعودية ويعملان معاً في الشركة نفسها .
“الحب لا يعرف عمراً، ولا يصيبه ترهل، بل يواكب عصرنته، إلا أن من لا يمسك بزمامه بذكاء يقع”، بحسب ما تشير آمنة شريف (51 عاماً)، وهي تعرفت إلى أحمد (65عاماً) عبر “الهوت ميل”، وتدرجت على أيدي “السكايب” بالصوت والصورة، حيث كشفت الصور والحوارات عن رجل متزن يطمح للزواج . تقول: بعد أن لمست الكثير من الانسجام معه رحت أفكر جدياً بالارتباط به”، ومما جذب آمنة في زوجها ترديده الدائم لعبارة: “إذا كنت تشعرين في أي لحظة بعدم الارتياح للعلاقة بإمكانك مصارحتي فوراً” كدليل على مصداقيته معها .
سيناريو العلاقة بين منى وأحمد أخذ منحى جدياً ومنطقياً، لكن حبل الكذب قصير، تقول: “طلب مساعدتي بإنشاء موقع إلكتروني ودعائي لشركته . أعطاني كلمة السر الخاصة ببريده الإلكتروني لأكتشف عبر رسائل حذفها أنه يتواصل مع خمس بنات أخريات يطلب منهن الزواج بالطريقة نفسها إضافة إلى أشياء أخرى، مما دفع بها إلى وقف هذه العلاقة بصورة نهائية”
النت عالم غريب تلتقي فيه مختلف العادات والتقاليد ونكتسب ثقفات ومعلومات وخلف تلك الأسماء ....عالم اخر يحمل بداخلة الطيب والخبيث ولكن البعض لايعترف بكل هذا ... فيتبع قلبه ... ويشبع فراغة العاطفي