بر الوالدين لا ينقطع بوفاتهما

[عذبة الاوصاف]

إذا كانت مقاطعة الوالدين جريمة أخلاقية واجتماعية وشرعية يعرفها الجميع بالفطرة والنصوص الدينية، فإن العقوق والجفاء مصيبة يقع فيها نفر من الناس، وقد يكون بسوء نية وقصد، وقد يكون بحسن نية وجهل وبسبب ضغوط العمل والحياة وربما بسبب ضغوط الزوجة والحماة!


الإسلام اعتبر بر الوالدين قرين العقيدة والإيمان والمفتاح الفذ لمغفرة الله ورضوانه . . ولهذا ربط بين السعادة والنجاح في الدنيا وسعة الرزق والبركة في العمر وبين طاعة الوالدين . .


وبر الوالدين الذي أمر به الإسلام يشمل الطاعة والنفقة المادية وحُسن المعاملة والتفاني في خدمتهما طوال العمر، كما أن الإسلام يحض على مداومة برهما حتى بعد وفاتهما .


تقول الدكتورة عبلة الكحلاوي، أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر: لا خير في إنسان في الدين أو الدنيا لا يبر والده ووالدته وجده وجدته، إذ العاق لا يؤمن غدره ولا يتوقع منه خدمة للناس أو رب الناس .


ولهذا كان بر الوالدين نموذجاً حياً لوجود مجتمع إنساني رحيم قادر على التقدم والبناء وتحقيق السعادة المعنوية والمادية لبني البشر . . إذ أن عقوق الوالدين بالتجربة المباشرة وبالنص الشرعي الواضح هو المقدمة الطبيعية لشقاء الأفراد والجماعات وانهيار الأسر والمجتمعات .


وأعظم ما يميز وجوب بر الوالدين في الإسلام أنه بر مطلق، أي أنه يشمل كل تصرف وفعل وحركة، حتى أن الخالق عز وجل نهى في القرآن الكريم عن مجرد قول “أف” التي قد يتأفف بها بعضنا في اليوم مئة مرة، كما أنه بر مطلق في أي شيء فيه طاعة لله وللوالدين حتى لو كان حمل أحذيتهما فوق الرؤوس فضلاً عن حملهما، وكذلك هو بر مستمر طوال العمر وبعد الوفاة من دون تأفف!

نوع من الجهاد

وتضيف الدكتورة عبلة: يقول الخالق سبحانه: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً”، “أن أشكر لي ولوالديك إليّ المصير”، “ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً”، وفى حديث الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “رضا الله في رضا الوالدين” .


وهذه المعاني لا يجد المؤمن أمامها خياراً بين أن يبر أو لا يبر، إذ الطاعة والبر من صميم عقيدة المؤمن وعبادة المسلم وتقواه .


والطاعة محاولة بسيطة لرد بعض ما قدمه الوالدان لأولادهما، مع الوضع في الاعتبار أن الأولاد مهما قدموا فلن يوفوا شيئاً مما قدمه الوالدان وهذا المعنى أشارت إليه النصوص الشرعية ففي القرآن الكريم: “إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً”، “حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً” .


ورأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً يحمل والدته على كتفيه وهو يطوف بها حول الكعبة، فقال: يا ابن عمر، تراني جازيتها؟ قال: ولا بطلقة واحدة من طلقاتها ولكن قد حسنت، والله يثيبك على القليل كثيراً . إذن لا يجوز لإنسان أن يستكثر شيئاً على والديه، ولو كان التضحية بكل العمر، وهذا المعنى يمكن أن نفهمه عندما اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم خدمة الوالدين نوعاً من “الجهاد في سبيل الله” والجهاد نفقة للمال والنفس والجهد والحياة، وحبس كل هذه للوالدين من دعوات الإسلام الواضحة، ففي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه للجهاد، فقال الرسول: أحي والداك؟ قال نعم . فقال عليه الصلاة والسلام “ففيهما فجاهد”، وفى حديث آخر “فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما”، وفي حديث آخر “فارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما” .

". . وصاحبهما في الدنيا معروفاً"

والبر الإسلامي كما توضح الدكتورة عبلة الكحلاوي يلتمسه الوالد بكل صورة من صور البر، فإدخال الفرح والسرور من البر . وفى حديث البخاري ومسلم وغيرهما أن رجلاً جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبواي يبكيان، فقال عليه الصلاة والسلام: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما” .


والبر يكون بحسن الصحبة في كل شيء كما في الحديث المشهور: “من أحق الناس بحسن صحبتي؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك” .


ومن بر الوالدين عدم تفضيل أي أحد عليهما، سواء كان الولد أو الزوجة، وهذه الأخيرة قد تسبب معظم أشكال العقوق، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في واقعة ذات دلالة، حيث قال عند قبر علقمة الذي اسخط أمه عليه: “يا معشر المهاجرين والأنصار، من فضل زوجته على أمه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً إلا أن يتوب الله عز وجل” .


ولا يتعلل بعض الأولاد بهوى النفس أو وساوس شياطين الجن والإنس أو أن الآباء قد قصروا في حق بعض الأبناء، فأي تقصير أو أي معصية قد يراها الأولاد لا يجوز أبداً أن تكون مبرراً لجفاء الوالد والوالدة . والقرآن حسم هذا الموضوع فحتى في قمة معصية الوالدين لله والإشراك به فإن طاعتهما واجبة والحنو عليهما لازم، يقول الحق: “وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون” .

البر بعد الوفاة

من أبرز صور المداومة على الطاعة، دعوة الإسلام إلى الاستمرار في بر الوالدين بعد الوفاة . وأساليب الطاعة والبر بعد الوفاة متعددة ومن ذلك تنفيذ الوصية التي ربما كان قد أوصى بها الوالد أو الوالدة قبل الوفاة، سواء كانت وصية مادية أو التوصية ببر الأقارب أو العطف على الفقراء أو حسن معاملة من يحب، وكذلك الدعاء لهما، والتصدق على الفقراء بنية طاعتهما، والاستغفار لهما، وحسن ذكرهما، وإكرام أصدقائهما وبر كل من له صلة رحم أو صلة محبة بهما .


وهذا البر الإسلامي واضح في أكثر من نص شرعي . ففي العموم ما يرويه مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” .


وفى حديث البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله: فأتصدق عنها؟ (الوالدة) فقال: “نعم” .


وسأل صحابي رسول الله: “هل بقي من بر أبويّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال الرسول: “نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما”، وفى حديث ابن حبان: “من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده” .

طاعة دائمة

ويشدد الدكتور رشدي شحاتة أستاذ الشريعة بكلية الحقوق في جامعة حلوان على ضرورة استمرار الطاعة والمداومة عليها وعدم ربط الطاعة بمناسبة خاصة كما يفعل البعض في يوم الميلاد أو عيد الأم أو غير هذا من العادات غير الأصلية . فطاعة الوالدين في الإسلام طاعة لا تقطعها العادات أو الأزمنة أو النفوس المريضة من بعض ذوي الأرحام .


ويضيف: د . شحاتة: إن ثمار البر على الوالدين، فهي واسعة في الدنيا والآخرة، ومن ذلك أن بر الوالدين سوف يحقق بالضرورة بر الأبناء، وعقوق الوالدين سوف يسبب عقوق الأبناء، وهذا هو عدل الله في كونه، وهو ما نشاهده يومياً في دنيا الناس، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه (عفوا عن النساء تعف نساؤكم وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم)، والمعنى نفسه في رواية لابن عمر وعائشة رضي الله عنهم في الطبراني والحاكم وغيره .


ومن ثمرة بر الوالدين دخول الجنة وغفران الذنوب، كما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه”، قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك والديه عند الكبر أو أحداهما ثم لم يدخل الجنة)، يعني أن دخول الجنة هو الوضع الطبيعي لكل بار بوالديه .

[ابو عبد الرحمن]

شكراً عذبة الاوصاف لهذا التذكير الجميل والموضوع المهم
وجزاك الله خير

[ابو احمد العدواني]

[محمد الساهر]

الف شكر بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد جعله الله في موازين حسناتك نتمنى منك المزيد

[الهيثم 07]

كلمات اجبرتني علي مشاركتكـ لاحساســــــــــــــي بصدقها

وايمانا مني بقلم يختار اجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــود المفردات

ماذا أقول لكـ يا سيد الحرف ومنبع المعاني

وبستان الكلام ..المعطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر ه

لك كل مني خالص التحيه