محمد آل ثاني: المستحيل كلمة صنعها الإنسان

[عذبة الاوصاف]

قبل أربع سنوات، حلم الشيخ محمد آل ثاني، سفير النوايا الحسنة لمؤسسة (روتا) أيادي الخير نحو آسيا، مع فريقه بتسلق قمة جبل إيفرست . ورغم تسلقه لست من قمم العالم وأعلى قمة في كل قارة، إلا أن إيفرست ظل الحلم الذي كان يتدرب من أجله ويستعد نفسياً وجسدياً لتحقيقه . سخر منه يوماً أحد المراسلين عندما صارحه بنيته تسلق إيفرست، وعندما عاد قبل منه الاعتذار . يرى آل ثاني أن الشباب العربي هم وقود أوطانهم، وأنه لا يوجد هدف عصي على التحقق، إذا سبقه التفكير والإعداد اللازمان لتحقيقه . الأهم أنه أقترب من تحقيق هدفه النبيل في جمع مليون دولار لتوفير التعليم الجيد لأطفال نيبال، وهذا كان في مقدمة أهداف الرحلة .


حول رحلته ونظرته للكون من أعلى قمة في العالم، كان هذا الحوار مع الشيخ محمد آل ثاني بعد عودته وفريقه إلى الشارقة .


ما هدفك من تسلق أعلى قمة في العالم؟


- الهدف الأول هو جمع مليون دولار لطلبة العلم من أطفال آسيا، وتحديداً أطفال نيبال، الذين يعانون الإهمال والتسرب من التعليم . وهي مبادرة أطلقتها بصفتي سفير نوايا حسنة لمؤسسة (روتا) أيادي الخير، التي تهدف إلى توفير التعليم الجيد للأطفال في القارة الآسيوية . أما على المستوى الشخصي فكان هدفي من تسلق جبل إيفرست تحقيق حلم كبير عكفت على التدريب والتخطيط له منذ أربع سنوات، وأحمد الله أني حققته وتمكنت من الفوز بالتحدي الذي قطعته على نفسي برفقة أعضاء فريق “عرب الارتفاعات” .


كيف كان الإعداد للرحلة؟


- قبل أربع سنوات كان لي هدف ورؤية استراتيجية واضحة، وهي أن كل قمة نصعدها هي إعداد وتدريب حقيقي لتسلق جبل إيفرست، فبعض الجبال تعلمت منها فنون ومهارات تسلق المرتفعات الشاهقة، وبعضها عودني على المضي في الأجواء الباردة لمدد طويلة مثل جبال القطب الجنوبي، والبعض الآخر تدربت فيه على بعض التكنيكات المختلفة للتسلق، حتى أكون على أتم استعداد لتحقيق الحلم الكبير للصعود إلى قمة جبل إيفرست .


وبالفعل عندما وصلت وفريقي إلى هناك طبقنا الكثير من الاستراتيجيات التي تعلمنها من التجارب السابقة . وظهرنا كفريق متمرس على تسلقه عدة مرات . فضلاً عن الإعداد البدني الذي يمكن المتسلق من بذل الجهد وتحمل المشاق .


هل كنت بحاجة إلى تجهيزات تختلف عما استخدمته في قمم أخرى؟


- بالتأكيد كنا بحاجة إلى لوازم ومعدات تكفينا لمدة طويلة، خاصة أنها المرة الأولى التي نقوم فيها برحلة لا نعرف مداها، فأخذنا مخيماً مجهزاً، وعدداً وفيراً من أسطوانات الأكسجين الذي يقل على ارتفاع 8848 متراً . ورغم أن بقاءنا في المخيم الذي أقمناه أسفل منطقة التسلق لم يدم طويلاً .


كنا نشعر في كل مرة نعود إليه أنه بيتنا . نتناول جبات ساخنة تعدها لنا طاهية خاصة، لكننا في المرتفعات كنا نعتمد على الأغذية المعلبة .


ما المدة التي استغرقها صعودك إلى أعلى إيفرست؟


- استغرقت الرحلة منذ الإعداد إلى العودة قرابة الشهرين، لكن تسلق الجبل أخذ أياماً عدة، كنا فيها نقترب شيئاً فشيئاً من بلوغ حلم الصعود . وفي كل يوم كنا ننظر إلى القمة ونظن أننا قريبون منها، لكننا كلما اقتربنا شعرنا ببعدها، وعندما وصلنا إلى القمة في الثامنة صباحاً، لم نصدق أنفسنا وسيطرت علينا حالة من الذهول الشديد، وكنا نريد أن يشاركنا العالم العربي كله فرحتنا العارمة، لكن الاتصالات في القمة كانت صعبة وتوجد إشارات ضعيفة للإنترنت، وكنا شبه معزولين عن العالم .


ما أشهر القمم التي تسلقتها؟


- تسلقت في سبتمبر/ أيلول 2011 قمة “المون بلان” على ارتفاع 4810 أمتار، وصعدت مرتين قمة جبل “كيليمانجارو” على ارتفاع 5895 مترا الأولى في مارس/آذار ،2010 والثانية في نوفمبر/تشرين الثاني2011 . ووصلت في ديسمبر/كانون ثاني 2012 لقمة جبل فينسون أعلى قمة في أنتارتيكا على ارتفاع 4892 متراً، وفي أغسطس/آب 2012 وصلت لقمة جبل “البروس”، وهي أعلى قمة في أوروبا على ارتفاع 5642 مترا . وفي أكتوبر/تشرين الأول 2012 تسلقت قمة جبل “كوشويسكو” في إستراليا على ارتفاع 2228 متراً، وفي يناير/كانون الثاني الماضي 2013 تسلقت قمة جبل “أكونكاجوا” في جنوب أمريكا، وهو الأعلى في النصف الغربي للكرة الأرضية على ارتفاع 6960 متراً .


هل وجدت قمة إيفرست مختلفة عن بقية القمم التي تسلقتها؟


- إيفرست أعلى قمة في العالم، ومن القمم التي تشكل دائماً للمتسلق تحدياً كبيراً . والجبل هو الأقوى والأخطر، ورغم سماحه لنا بتسلقه إلا أننا تأكدنا من شموخه وكبريائه، وما يحمله من صعاب وتفاصيل خطرة تحرم الكثيرين من تسلقه . لكني دائماً أقول إنه لا هدف يتحقق من دون تصميم وإرادة وتخطيط وتدريب لبلوغه . واعتقد أن هذا الحوار دار بيننا وبين إيفرست وهو يداعبنا بحفره وتفاصيله الوعرة .


ما الصعوبات التي واجهتكم في تسلق أعلى قمة في العالم؟


- توزعت الصعوبات والمخاطر على مراحل الرحلة، لكن أصعبها كان عند مرورنا بمنطقة السقوط الثلجي، وهي منطقة قضى فيها العديد من المتسلقين، لما فيها من ثلوج متحركة تخدع من يقف عليها، وتسقط به في غضون دقائق، وهو ما شهدناه بأعيننا بعد موت اثنين من المتسلقين أحدهما كوري والآخر من تايوان، وماتا بعد ما فشل رجال الإنقاذ في التقاطهما . أضف إلى ذلك التنفس من أنبوب أكسجين أثناء النوم، وانقطاعه بشكل مفاجئ وإصابة بعضنا باختناق . وفي طريق عودتنا أصيب زميلنا مسعود محمد، وصممنا على العودة به رغم ما كلفنا هذا من جهد ووقت حتى وصلنا إلى اليابسة .


ما شعورك وأنت ترفع علم الإمارات على القمة؟


- مشاعر كثيرة ومختلطة، مزجت بين الفخر، والسعادة، والدهشة . لأني لم أصدق إلى الآن أني كنت هناك . وعندما سألت عن سر حالة الذهول والدهشة التي انتابني حتى أنا والفريق إلى الآن، أجابني أصحاب التجارب السابقة وعلماء النفس بأنها عادية، وسيأخذ الأمر بعض الوقت حتى يستوعب الدماغ ما حدث، لكننا الآن نشعر أننا كنا في حلم طال لشهرين . أما الشعور المسيطر علي حالياً هو الفخر بعروبتي، وتوصيلي للرسالة السامية التي خرجت من أجلها وهي دعم أطفال آسيا .


هل نجحت في لفت الأنظار لأهدافك النبيلة؟


- بالتأكيد، فكل من قابلناه من فرق تسلق ووكالات أنباء، سألنا عن بلادنا، وأهداف رحلتنا . وكنت أجيب بكل فخر بأنني عربي أحمل أهدافاً نبيلة . وعندما عدنا قوبلنا بحفاوة ودعم كبيرين من كل المتابعين . واعتقد أننا سنصل إلى هدف المليون دولار لأطفال نيبال قريباً .


كيف كانت نظرتك للعالم من أعلى؟


- عندما صعدت إلى القمة أدهشني منظر القمم الشاهقة المجاورة لإيفرست، التي بدت من أعلى بالنسبة له وكأنها أبناؤه الصغار . وكنت لا أستطيع تمييز البيوت والطرق . وعندما كنت انظر إلى السماء، كنت أشعر أنني بداخلها ولا يحول بيني وبينها حائل .


ماذا عن التنسيق بينك وبين أعضاء الفريق؟


- كنا نتعامل كإخوان، تربطنا علاقة قوية ومترابطة منذ سنوات . فاعتدنا على تسلق قمم العالم سوياً، وتحمل الصعاب والبعد عن الأهل والديار لفترات طويلة . وكنا حريصين على الحفاظ على مسافة قريبة بيننا، حتى نستطيع التصرف في حال حدث لأحدنا مكروه .


ماذا استفدت من التجربة على المستوى الشخصي؟


- بعد تسلق قمة إيفرست تمكنت من معرفة حدودي واختبرت قدراتي الحقيقية، وتأكد لديّ أن الإنسان من السهل أن يحقق الهدف الذي يسعى إليه بالإصرار والجهد . وأتذكر هنا شعور أحد الصحفيين عندما قلت له في أحد المؤتمرات إنني أنوي تسلق جبل إيفرست، فضحك وسخر، لكني عندما عدت وقابلته بعد تسلقه، كان فخوراً بما حققت، وما كان منه إلا الاعتذار والإقرار بقدرة الإنسان العربي على تحقيق أحلامه ورفع علم بلاده .


هل هناك قمم أخرى تطمح في اعتلائها؟


- تسلقت إلى الآن أعلى 6 قمم في العالم، وبقي لي قمة جبل “دينالي” بألاسكا، وأنوي تسلقها مع الفريق بعد عامين .


ماذا تقول للشباب بعد تحقيق حلمك؟


- أقول لهم وأذكر نفسي إننا وقود أوطاننا، والمستحيل كلمة صنعها الإنسان وهو القادر على إزالتها من قاموسه . وما من هدف يسبقه تدريب وعزيمة وإصرار إلا ويتحقق بإذن الله .