العمالة السائبة تشوه جماليات الأماكن العامة والتاريخية

[عذبة الاوصاف]

ظاهرة غريبة في شكلها ومضمونها على دولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة الشارقة، تلك التي تقف ماثلة في ميدان الرولة، أحد أقدم ميادين مدينة الشارقة، تصنعها عمالة “سائبة”، حين تتجمع صبيحة كل يوم من الساعة الخامسة فجراً حتى العاشرة صباحاً، لتنتظر مندوبي بعض الشركات أو بعض السكان الراغبين في عمال إنشاءات ومقاولات عامة .

وترجع الغرابة في هذه الظاهرة إلى أنها تخالف قوانين الإقامة داخل الدولة التي تشدد على ضرورة أن يكون تواجد الوافد على أرض الإمارات بشكل رسمي من خلال إقامة سارية المفعول، حتى يتسنى له العمل لدى كفيله، كما أن تواجدهم بهذه الطريقة يتسبب في تشويه المنظر الحضاري للميدان، إضافة إلى أن هذا التجمع اليومي في هذا المكان يتسبب في إزعاج سكانه، الذين أبدوا استياءهم الشديد من هذا المشهد، ولم يستطيعوا إخفاء تخوفهم من هؤلاء العمال الذين يخالفون القانون .

عبدالوهاب إبراهيم المغربي “يقطن في إحدى بنايات ميدان الرولة” يبدي انزعاجه وتضرره من هذا التجمع العمالي اليومي، ويروي معاناته اليومية من تواجد هؤلاء العمال في هذا المكان، حيث يذكر أن أغلبهم، إن لم يكن كلهم، مخالفون لقوانين الإقامة داخل الدولة، ومن ثم فمن السهل ارتكابهم الجرائم، إضافة إلى ذلك فإن بعضهم يقوم بممارسة لعبة “القمار”، خلال فترات المساء .

وفي المقابل فإن مدير أحد المطاعم المجاورة للميدان، لا يرى في هذا التجمع العمالي غضاضة، ولا يمثلون خطورة على المكان من وجهة نظره، مضيفاً والابتسامة ترتسم على وجهه: “إنهم زبائن دائمون للمطعم” .

من جانبه يقول محمد عثمان، أحد هؤلاء العمال، الذي تحدث إلى مندوب “الخليج” بوصفه “زبوناً” يرغب في استخدام عامل للقيام ببعض الأشغال في بيته: أستطيع أن أؤدي أي عمل، سواء بناء أو هدم أو تنظيف مكان، أو صبغ حوائط أو أعمال صيانة، فخبرتي الممتدة لنحو 15 عاماً تؤهلني لذلك، أما عن أجري فهو يصل إلى 120 درهماً في اليوم الواحد الذي يبدأ من الساعة الثامنة صباحاً حتى الخامسة عصراً، فيما يصل أجر العامل المرافق لي 80 درهماً في اليوم .

ولم يبدِ عثمان اعتراضاً على العمل في أي مكان، سواء في دبي أو أيٍّ من الإمارات الشمالية، المهم عنده توافر وسيلة النقل التي تقله إلى مكان العمل، حسب تعبيره، مشيراً إلى أنه لا يزعجه التفكير في البحث عن مكان للمبيت، ففي أي مكان يستطيع أن يقضي ساعات الليل، أثناء عمله في مكان يبعد عن “الرولة”، مؤكداً أنه بلا مسكن محدد يؤويه، فتارة يبيت عند صديقه وأخرى في موقع العمل .

وحول مدى حيطة هؤلاء العمال من ضبط الحملات التي تنظمها الجهات المختصة، ذكر أنور أزاد “عامل آخر” أنهم يحاولون تفاديها بإبلاغ بعضهم بعضاً عن تواجدها في المكان أم لا، لكن في كثير من الأحيان يتم إلقاء القبض على أفراد منهم، حسب تأكيده، حيث أن معظهم من مخالفي قوانين الإقامة، ومن لديهم إقامات سارية منهم متهربون من كفلائهم، لضعف الرواتب .

وأشار إلى أن هؤلاء العمال ليسوا فقط ممن دخلوا الدولة على كفالات في إمارة الشارقة، بل إنهم من إمارات مختلفة، وخاصة من المناطق الشمالية .

ولم يتبرأ بعض أصحاب الشركات من الوقوع في خطيئة تشغيل المخالفين، فأحدهم - طلب عدم ذكر اسمه - لديه مؤسسة تعمل في مجال الديكور، عزا لجوءه إلى استقطاب بعض هؤلاء العمال، للعمل معه بنظام “المياومة”، إلى أنهم لن يكلفوه رسوم إقامة ولن يلزموه توفير مسكن لهم، حسب قانون العمل، إضافة إلى ذلك فإنه يحصل على “مقاولة” تستمر أسبوعاً أو شهراً، ثم يمكث فترة طويلة قد تمتد لأكثر من شهر من دون الحصول على “مقاولة” أخرى، ففي حال كان العامل على كفالة المؤسسة، فإن ذلك يتسبب في تقاضيه راتباً مقابل وقت بلا عمل .

العميد الدكتور عبدالله بن ساحوه مدير عام الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في الشارقة، أفاد أن العديد من القطاعات أسهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إيجاد مشكلة المخالفين، من خلال تشغيلهم، والتستر عليهم بصورة غير قانونية، وعلى رأسها الشركات والأفراد .

جاء ذلك تعليقاً على العمالة المتواجدة في منطقة الرولة بصورة يومية من الصباح حتى المساء، موضحاً أن هذه الفئة تتواجد بالمنطقة، لأنها كانت في السابق مقار للعديد من الدوائر الحكومية، وأضحت مكاناً لتجمع العمال، ويستغل بعض أصحاب الشركات والمنشآت تواجدهم فيها لتشغيلهم .

وكثفت الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في الشارقة من حملاتها التفتيشية لضبط المخالفين والمتسللين على مستوى الإمارة، وعلى منطقة الرولة تحديداً، تأكيداً لما تمثله هذه الفئة من خطر على أمن المجتمع وأفراده، وأن الإدارة تتطلع إلى انحسار هذه الظاهرة بالعمل الجاد والمنظم والجهد مع الجهات المختصة، عبر حزمة من العقوبات ضد المنشآت والعمال المخالفين .

والفرق المعنية بالضبط والتفتيش لن تتهاون في ضبط المخالفين وترحيلهم، لتعزيز الأمن وسلامة المجتمع، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت ويحتاج إلى ترتيبات .