منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > خاص > غزة

يا غزة العزة ( خطبة جمعة )


غزة

 
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 02-01-2009, 02:50 PM
الصورة الرمزية ابراهيم السعدي
ابراهيم السعدي ابراهيم السعدي غير متواجد حالياً
 






ابراهيم السعدي is on a distinguished road
افتراضي يا غزة العزة ( خطبة جمعة )

الخطبة الأولى


أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَفي غُضُونِ سَاعَاتٍ مِنَ الغَارَاتِ الغَاشِمَةِ عَلَى مِنطَقَةٍ لا تَتَجَاوَزُ مِسَاحَتُهَا وَاحِدًا وَأَربَعِينَ كِيلاً في تِسعَةِ أَكيَالٍ، تَتَحَوَّلُ غَزَّةُ المَدِينَةُ الهَادِئَةُ وَالقِطَاعُ العَامِرُ إِلى عَالَمٍ آخَرَ مِنَ القَلَقِ وَالخَرَابِ وَالدَّمَارِ، مَسَاكِنُ مُحَطَّمَةٌ وَمَسَاجِدُ مَهَدَّمَةٌ، وَحِجَارَةٌ مُتَنَاثِرَةٌ وَسَيَّارَاتٌ مُهَشَّمَةٌ، وَقَصفٌ وَنِيرَانٌ وَتَفجِيرَاتٌ وَدُخَانٌ، جُثَثٌ بَعضُهَا فَوقَ بَعضٍ، وَرِجَالٌ يَجرُونَ يَمنَةً وَيَسرَةً، يَتَحَسَّسُونَ قَلبَ هَذَا وَيَقِيسُونَ نَبضَ ذَاكَ، هَذَا يُكَبِّرُ وَذَاكَ يَصِيحُ، وَثَالِثٌ يَضرِبُ كَفًّا بِالأُخرَى لا يَدرِي أَينَ يُوَجِّهُ، وَهَذَا جَرِيحٌ يَرفَعُ يَدَهُ مُستَنجِدًا، وَذَاكَ قَتِيلٌ قَد أَسلَمَ الرُّوحَ لِبَارِئِهَا مُجَندَلاً، شُيُوخٌ وَعَجَائِزُ عُفِّرَت وُجُوهُهُم بِالتُّرَابِ، وَأَطفَالٌ يَلفِظُونَ آخِرَ الأَنفَاسِ بَينَ أَيدِي آبَائِهِم، وَسَيَّارَاتُ إِسعَافٍ وَأَجنِحَةٌ في المُستَشفَيَاتِ مَلأَى بِالقَتلَى وَالجَرحَى وَالمُصَابِينَ.

وَيَتَوَاصَلُ عَنَاءُ النَّهَارِ بِكَمَدِ اللَّيلِ عَلَى مَدَى الأَيَّامِ المَاضِيَةِ، وَتَمتَلِئُ الثَّلاَّجَاتُ بِجُثَثِ إِخوَانِنَا المُسلِمِينَ، وَلا يَجِدُ جَرحَاهُم مِنَ الأَسِرَّةِ مَا يَرقُدُونَ عَلَيهِ، وَلا مِنَ العِلاجَاتِ مَا يُضَمِّدُونَ بِهِ جِرَاحَهُم. وَعَلَى مَرأًى مِنَ العَالَمِ وَمَسمَعٍ، وَبَعدَ حِصَارٍ اقتِصَادِيٍّ دَامَ سَنَتَينِ عَجفَاوَينِ، وَبِتَوَاطُؤٍ مِن دُوَلِ الكُفرِ وَتَمَالُؤٍ مِن عُمَلائِهَا، يَتَمَادَى اليَهُودُ في ظُلمِهِم وَيَتَجَاوَزُونَ الحُدُودَ، فَيُكمِلُونَ المُسَلسَلَ بِغَارَاتٍ هَمَجِيَّةٍ تَأتي عَلَى الرَّطبِ وَاليَابِسِ، وَقَصفٍ شَامِلٍ يَأكُلُ القَرِيبَ وَالبَعِيدَ، وَيُقتَلُ أَكثَرُ مِن أَربَعِ مِئَةِ شَخصٍ، وَيَتَجَاوَزُ عَدَدُ الجَرحَى الأَلفَينِ، في مَجزَرَةٍ عُنصُرِيَّةٍ بَغِيضَةٍ، تَحكِي أَبشَعَ الصُّورِ لِتَضيِيعِ حُقُوقِ الإِنسَانِ وَإِهدَارِ كَرَامَتِهِ.

وَرُغمَ وَحشِيَّةِ الهُجُومِ وَقَصدِهِ العُمُومَ، يَخرُجُ رَئِيسُ وُزَرَائِهِم بَتَبَجُّحٍ لِيُعلِنَ أَنَّ تِلكَ الغَارَاتِ مُوَجَّهَةٌ ضِدَّ جَمَاعَةٍ بِعَينِهَا، وَلَيسَ المَقصُودُ بها الشَّعبَ الفِلَسطِينِيَّ كُلَّهُ، ثم يَتَمَادَى وَيُعلِنُ أنها سَتَستَمِرُّ حَتى تَنتَهِيَ المُهِمَّةُ، وَعَلَى عَادَتِهِم وَمُبَالَغَةً في النِّكَايَةِ بِالمُؤمِنِينَ وَالشَّمَاتَةِ بهم وَالتَّشَفِّي مِنهُم يَخرُجُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَفوَاهِهِم مَا لَيسَ في قُلُوبِهِم، فَلا يَزِيدُونَ عَلَى أَن يُلقُوا بِاللَّومِ عَلَى أَهلِ غَزَّةَ وَيَقُولُوا: لَو أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد كَتَبَ اليَهُودُ في هَذِهِ المَجزَرَةِ وَفِيمَا سَبَقَهَا رَسَائِلَ بَارِزَةَ الحُرُوفِ ظَاهِرَةَ المَعَاني، مَفَادُهَا أَنْ لا سَلامَ مَعَ المُسلِمِينَ وَلَو سَعَوا إِلَيهِ وَأَرَادُوهُ وَالتَزَمُوا بِهِ، رَسَائِل تُعلِنُ أَنْ لا هُدُوءَ وَلَو قَدَّمَ المُسلِمُونَ مَا قَدَّمُوا مِن تَنَازُلاتٍ وَأَظهَرُوا حُسنَ نَوَايَاهُم وَإِرَادَتَهُمُ الخَيرَ، وَتَبقَى اللُّغَةُ الَّتي يُجِيدُهَا أُولَئِكَ المُغتَصِبُونَ المُجرِمُونَ هِيَ لُغَةُ الحَربِ وَالضَّربِ وَالقَصفِ، وَتَبقَى مُمَارَسَاتُ الهَدمِ وَالحَرقِ وَالقَصفِ وَالتَّدمِيرِ وَمَشَاهِدُ الجِرَاحِ وَالدَّمِ وَالمُوتِ وَالتَّشرِيدِ هِيَ المُمَارَسَاتُ وَالمَشَاهِدُ الَّتي يَستَعذِبُونها وَلا يَرتَاحُونَ إِلاَّ عَلَى رُؤيَتِهَا. تَتَغَيَّرُ الوُجُوهُ وَتَتَبَدَّلُ الشَّخصِيَّاتُ، وَتَأتي حُكُومَاتٌ وَتَذهَبُ حُكُومَاتٌ، وَتُعقَدُ مُؤتَمَرَاتٌ وَتُستَصدَرُ قَرَارَاتٌ، وَتَبقَى الهَجَمَاتُ هِيَ الهَجَمَاتُ وَالغَارَاتُ هِيَ الغَارَاتُ، وَتَظَلُّ العَقَائِدُ هِيَ العَقَائِدُ وَالاتِّجَاهَاتُ هِيَ الاتِّجَاهَاتُ، وَصَدَقَ اللهُ وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً: وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم، وَصَدَقَ اللهُ وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّىَ يَرُدُّوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا، صَدَقَ خَالِقُنَا وَخَالِقُهُم وَالعَالِمُ بِنَا وَبِهِم: هَا أَنتُم أُولاءِ تُحِبُّونَهُم وَلاَ يُحِبُّونَكُم وَتُؤمِنُونَ بِالكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُم قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوا عَضُّوا عَلَيكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيظِكُم إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِن تَمسَسْكُم حَسَنَةٌ تَسُؤْهُم وَإِن تُصِبْكُم سَيِّئَةٌ يَفرَحُوا بِهَا وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطٌ.

وَلَقَد عَلِمَ المُؤمِنُونَ قَبلَ هَذِهِ الغَارَاتِ وَبَعدَهَا عِلمًا يَقِينِيًّا لا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اليَهُودَ هُم أَشَدُّ النَّاسِ لهم عَدَاوَةً وَبُغضًا، وَأَنَّهُم لا يُضمِرُونَ لهم إِلاَّ السُّوءَ وَلا يَتَمَنَّونَ لهم إِلاَّ الشَّرَّ، قَالَ اللهُ تَعَالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا، وَقَالَ سُبحَانَهُ: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ وَلاَ المُشرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيكُم مِن خَيرٍ مِن رَبِّكُم، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: لا يَألُونَكُم خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّم قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَرُ.

إنَّ قَومًا قَتَلُوا الأَنبِيَاءَ وَآذَوا مُوسَى وَخَطَّطُوا لاغتِيَالِ محمدٍ وَنَقَضُوا عَهدَهُ وَلم يَفُوا بِالمَوَاثِيقِ وَكَانُوا وَمَا زَالُوا يَرفَعُونَ السِّلاحَ في وُجُوهِ المُؤمِنِينَ وَيَتَرَبَّصُونَ بِهِمُ الدَّوَائِرَ لا يُتَصَوَّرُ مِنهُم بَعدَ كُلِّ هَذَا أَن يَرضَوا بِالتَّعَايُشِ مَعَ المُسلِمِينَ أَو يُرِيدُوا لَهُمُ السَّلامَ. إِنَّهُ لَجَهلٌ مَا بَعدَهُ جَهلٌ وَغَبَاءٌ مَا لَهُ مِثلٌ أَن يَطلُبَ قَومُنَا التَّعَايُشَ أَو يَرجُوا السَّلامَ مِن قَومٍ لم يَتَعَايَشُوا مَعَ أَنبِيَائِهِم، قَومٌ قَالُوا: سَمِعنَا وَعَصَينَا، وَقَالُوا: قُلُوبُنَا غُلفٌ، وَقَالُوا: يَدُ اللهِ مَغلُولَةٌ، وَقَالُوا: إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحنُ أَغنِيَاء، وَقَالُوا: عُزَيرٌ ابنُ اللهِ، وَقَالُوا لَن يَدخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَو نَصَارَى، قَومٌ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَائِنَةٍ مِنهُم إِلاَّ قَلِيلاً مِنهُمُ، قَومٌ يَسعَونَ في الأَرضِ فَسَادًا.

إِنَّهُ لا سَبِيلَ لِلتَّعَايُشِ وَلا لِلبَقَاءِ مَعَهُم في أَرضٍ وَاحِدَةٍ بِسَلامٍ، فَيَا لَيتَ المَخدُوعِينَ مِن بَني جِلدَتِنَا يَفقَهُونَ حَقِيقَةَ المَعرَكَةِ مَعَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَسَائِرِ الكَفَرَةِ، لَيتَهُم يَعُونَ مَعَنى الصِّرَاعِ القَائِمِ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، لَيتَهُم يَنتَبِهُونَ أَنَّهُ صِرَاعٌ عَقَدِي دِينِيٌّ بَحتٌ، وَأَنَّهُ مَاضٍ إِلى أَن يَرِثَ اللهُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا، قَالَ الحَقُّ وَهُوَ أَصدَقُ القَائِلِينَ: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّىَ يَرُدُّوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا اليَهُودَ، حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وَرَاءَهُ اليَهُودِيُّ: يَا مُسلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقتُلْهُ)).

لَيتَ أُمَّتَنَا تَفهَمُ هَذَا فَتَتَخَلَّى عَنِ الدَّعَوَاتِ القَومِيَّةِ وَالحِزبِيَّاتِ الإِقلِيمِيَّةِ وَالشِّعَارَاتِ الوَطَنِيَّةِ الَّتي مَا هِيَ إِلاَّ ظُلُمَاتٌ بَعضُهَا فَوقَ بَعضٍ وَتَضيِيعٌ لِحُقُوقِ الأُمَّةِ وَإِهدَارٌ لِكَرَامَتِهَا، ثم لَيتَهُم يَعلَمُونَ بَعدَ ذَلِكَ أَنَّ الحَربَ الَّتي يَشُنُّهَا الكُفَّارُ أَنَّى قَامَت وَفي أَيِّ مَكَانٍ شُبَّت في فِلَسطِينَ أَو في العِرَاقِ أَو في أَفغَانِستَانَ أَو في الشِّيشَانِ أَو في غَيرِهَا مِن بُلدَانِ المُسلِمِينَ لَيسَت لِتِلكَ البِلادِ وَحدَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ اختِبَارٌ لِلجَمِيعِ وَجَسٌّ لِنَبضِهِم، وَسَتُصَدَّرُ لهم إِنْ رَضُوا بهذا الوَاقِعِ وَبَقُوا عَلَى ذَاكَ التَّخَاذُلِ، وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ دِمَاءَ المُسلِمِينَ في بِلادٍ وَيَبقَى إِخوَانُهُم في بِلادٍ أُخرَى يَتَقَلَّبُونَ في النَّعِيمِ وَالتَّرَفِ لا يَتَحَرَّكُ لهم طَرْفٌ في نُصرَةٍ، فَاللهُ تَعَالى يَغَارُ وَسُنَّتُهُ قَائِمَةٌ، قَالَ َ: ((إِذَا تَبَايَعتُم بِالعِينَةِ وَأَخَذتُم أَذنَابَ البَقَرِ وَرَضِيتُم بِالزَّرعِ وَتَرَكتُمُ الجِهَادَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيكُم ذُلاً لا يَنزِعُهُ حَتى تُرَاجِعُوا دِينَكُم)).

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَلا تَنخَدِعُوا بِتَحلِيلاتِ مَن أَعمَى اللهُ قُلُوبَهُم وَطَمَسَ بَصَائِرَهُم مِن بَعْضِ مُثَقَّفِينَا وَكُتَّابِنَا وَإِذَاعِيِّينَا، أَو بَآرَاءِ مَن يُنَادُونَ بِالحُلُولِ الدُّولِيَّةِ الَّتي لا تَرعَى دِينًا وَلا تَخضَعُ لِعَقِيدَةٍ، أَو أُولَئِكَ القَائِلِينَ بِلُزُومِ وُجُودِ قُوَّةٍ دَولِيَّةٍ مُتَعَدِّدَةِ الجِنسِيَّاتِ لِحِمَايَةِ المُسلِمِينَ في غَزَّةَ، فَإِنَّهُ وَاللهِ مَا حَمَت قُوَّةٌ دَولِيَّةٌ شَعبًا مُسلِمًا، وَلا وَاللهِ مَا عَرَفنَا الكُفرَ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً، وَلا وَاللهِ لا يَتِمُّ النَّصرُ وَلَن يَتَحَقَّقَ مَا لم تَتَحَقَّقْ فِينَا أَسبَابُهُ الشَّرعِيَّةُ، فَتِلكَ سُنَّةُ اللهِ الَّتي لا تَتَحَوَّلُ وَلا تَتَبَدَّلُ، قَالَ سُبحَانَهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم، وَقَالَ تَعَالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ.

وَلْتَعلَمِ الأُمَّةُ أَنَّهُ لا بُدَّ قَبلَ النَّصرِ وَالتَّمكِينِ في الأَرضِ مِنِ ابتِلاءٍ لها وَتَمحِيصٍ، لا بُدَّ مِن تَميِيزِ الخَبِيثِ مِنَ الطَّيِّبِ، قَالَ تَعَالى: أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ، وَقَالَ سُبحَانَهُ: أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلزِلُوا حَتى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللهِ قَرِيبٌ، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصَّابِرِينَ، وَقَالَ سُبحَانَهُ: مَا كَانَ اللهُ لَيَذرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَقَالَ تَعَالى: أَم حَسِبتُم أَن تُترَكُوا وَلَمَّا يَعلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُم وَلم يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ ولا رَسُولِهِ وَلا المُؤمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ.

وَإِنَّ اللهَ لَقَادِرٌ عَلَى نَصرِ عِبَادِهِ وَإِهلاكِ الكَفَرَةِ، وَلَكِنَّ مِن حِكمَتِهِ أَن جَعَلَ لِلنَّصرِ ثَمَنًا، قَالَ تَعَالى: ذَلِكَ وَلَو يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنهُم وَلَكِنْ لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعمَالَهُم سَيَهدِيهِم وَيُصلِحُ بَالَهُم وَيُدخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لهم.

فَهَنِيئًا لإِخوَانِنَا في غَزَّةَ ممَّن قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ، وَعَسَى اللهُ أَن يَتَقَبَّلَهُم في الشُّهَدَاءِ وَيَرفَعَ مَنَازِلَهُم.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأتيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ مِن عِندِهِ فَيُصبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا في أَنفُسِهِم نَادِمِينَ.






الخطبة الثانية


أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ، وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَيَتَسَاءَلُ مُسلِمٌ غَيُورٌ: وَمَاذَا في أَيدِينَا نحنُ الشُّعُوبَ وَالأَفرَادَ؟! وَمَاذَا نَملِكُ نُصرَةً لإِخوَانِنَا؟! فَيُقَالُ:

إِنَّ في أَيدِينَا الكَثِيرَ وَالكَثِيرَ ممَّا لا يَسَعُ مُسلِمًا تَركُهُ وَلا التَّقصِيرُ فِيهِ، بِأَيدِينَا السِّلاحُ المَاضِي وَالقُوَّةُ القَاهِرَةُ، بِأَيدِينَا سِلاحُ الدُّعَاءِ، وَاللهُ هُوَ الَّذِي وَعَدَنَا بِالإِجَابَةِ وَهُوَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم، وَمَنِ الَّذِي يَمنَعُ أَيَّ مُسلِمٍ في شَرقِ الأَرضِ وَغَربِهَا أَن يَرفَعَ كَفَّهُ إِلى اللهِ ضَارِعًا، وَأَن يَلجَأَ إِلَيهِ تَعَالى دَاعِيًا، وَأَن يُلِحَّ عَلَيهِ مُخلِصًا أَن يَحقِنَ دِمَاءَ إِخوَانِهِ المُسلِمِينَ، وَأَن يُهلِكَ الظَّالِمِينَ المُعتَدِينَ.

بِأَيدِينَا أَسمَاعُ أَبنَائِنَا فَلْنُسمِعْهُم الحَقَّ، بِأَيدِينَا قُلُوبُهُم فَلْنَغرِسْ فِيهَا العَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ، لِنَغرِسْ في قُلُوبِهِمُ الوَلاءَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ أَينَمَا كَانُوا، وَالبَرَاءَ مِنَ الشِّركِ وَالمُشرِكِينَ أَينَمَا كَانُوا، لِنُحَذِّرْهُم ممَّن يُهَوِّنُونَ مِن شَأنِ هَذِهِ العَقِيدَةِ وَيَدعُونَ إِلى مَا يُسَمُّونَهُ التَّعَايُشَ السِّلمِيَّ الَّذِي مَا هُوَ في الحَقِيقَةِ إِلاَّ نَوعٌ مِنَ الخُضُوعِ وَضَربٌ مِنَ الخُنُوعِ، لَن نَزدَادَ بِهِ في أَعيُنِ الأَعدَاءِ وَقُلُوبِهِم إِلاَّ ذُلاًّ وَمَهَانَةً. إِنَّهُ لا بُدَّ أَن يَعِيَ أَبنَاؤُنَا الحَقَّ وَيَثبُتُوا عَلَيهِ، وَأَن لاَّ يَقبَلُوا فِيهِ أَيَّ نِقَاشٍ أَو خِدَاعٍ، قَد كَانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَومِهِم إِنَّا بُرَاءُ مِنكُم وَمِمَّا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرنَا بِكُم وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحدَهُ.

وَلْيَحذَرِ المُسلِمُ مِن خُذلانِ إِخوَانِهِ بِأَيِّ نَوعٍ مِن أَنوَاعِ الخُذلانِ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((مَا مِنِ امرِئٍ يَخذُلُ امرَأً مُسلِمًا في مَوطِنٍ يُنتَقَصُ فِيهِ مِن عِرضِهِ وَيُنتَهَكُ فِيهِ مِن حُرمَتِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللهُ تَعَالى في مَوطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصرَتَهُ)). وَلْيَعلَمْ أَنَّ جَمِيعَ المُسلِمِينَ في مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِخوَةٌ، لا تَفصِلُ بَينَهُم حُدُودٌ وَلا تُفَرِّقُُهُم جِنسِيَّاتٌ، وَاللهُ تَعَالى هُوَ الَّذِي رَبَطَ بَينَهُم بِرِبَاطِ الأُخُوَّةِ الإِسلامِيَّةِ، قَالَ تَعَالى: إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ، وَقَالَ تَعَالى: فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا، وَقَالَ : ((المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ؛ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ))، وَقَالَ : ((المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا))، وَقَالَ: ((مَثَلُ المُؤمِنِينَ في تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِدِ؛ إِذَا اشتَكَى مِنهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى)).

أَلا فَلْيَهبَّ المُسلِمُونَ لِنُصرَةِ إِخوَانِهِم مَا استَطَاعُوا، العَالِمُ بِجَاهِهِ وَعِلمِهِ، وَالسِّيَاسِيُّ بِثِقَلِهِ وَوَزنِهِ، وَالكَاتِبُ بِقَلَمِهِ وَالخِطِيبُ بِلِسَانِهِ، لِنَحتَسِبْ مَا فِيهِ إِغَاظَةُ العَدُوِّ وَالنَّيلُ مِنهُ، وَلْنَحذَرِ التَّخَلُّفَ عَن الرَّكبِ، فَقَد قَالَ سُبحَانَهُ: مَا كَانَ لأَهلِ المَدِينَةِ وَمَن حَولَهُم مِنَ الأَعرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَسُولِ اللهِ وَلاَ يَرغَبُوا بِأَنفُسِهِم عَن نَفسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُم لاَ يُصِيبُهُم ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخمَصَةٌ في سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ

الخطبه للشيخ /عبد الله بن محمد البصري
خطيب جامع الرويضة الجنوبي ( القويعية )



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
عود لسانكَ على ؛
* اللهم اغفِر لي *
فإن لله ساعات لايرد فيها سَائلاً
أخر مواضيعي
قديم 02-01-2009, 03:01 PM   #2
الهيثم 07

قلم مميز
 
الصورة الرمزية الهيثم 07
 







 
الهيثم 07 is on a distinguished road
افتراضي رد: يا غزة العزة ( خطبة جمعة )

جزاك الله الجنة
اللهم أنصر المجاهدين في غزة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اللهم ارحم أمواتنا واموات المسلمين


أخر مواضيعي
الهيثم 07 غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : يا غزة العزة ( خطبة جمعة )
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في أرض العزة غزة عساك سالم الإسلام حياة 4 03-01-2009 09:13 PM
ارفع رأسك أنت ...!!! وضَعِ الجاهلية والعصبية تحت قدميك .. فهي منتنة ! ( أين العزة ) ؟ (ابو نواف) مجلس بني حسن 2 15-09-2008 01:17 AM
العيش الأبيض والأرز والبطاطس والمكرونة تؤثر على العصب البصري الدوسـي الطب و الطب البديل 1 06-12-2007 04:23 PM
كل دمعة ولها نهاية...ونهاية اى دمعة ابتسامة الفقيه المنتدى العام 4 06-01-2007 07:56 AM


الساعة الآن 08:02 AM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved