#1
|
|||
|
|||
الطفيل بن عمرو الدوسي (رضي الله عنه) وما كتب عنه في أمهات الكتب الأربعة
هذه قراءة لما كتب عن الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه في أمهات الكتب الأربعة كما ورد في موسوعة الصحابة التقنية وإليكم ما كتب عنه: -------------------------- - ّ ((الطُّفَيْلُ بن عَمْرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سُليم بن فهم بن غَنْم بن دَوْس بن عُدْثان بن عبد الله بن زَهْران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نَصر بن الأزْدِ.)) الطبقات الكبير. ((طُفَيل بن عَمْرو: بن ثعلبة بن الحارث بن حِصْن الكلبيّ.)) ((الطفيل بن عمرو: بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فَهْم بن غنم بن دَوْس الدَّوْسِي. وقيل: هو ابن عبد عمرو بن عبد الله بن مالك بن عَمْرو بن فهم، لقبه ذو النُّور. وحكى المَرْزَبَانِيُّ في معجمه أنه الطفيل بن عمرو بن حُمَمة.)) ((يقال: هو الطفيل بن الحارث، ويقال عبد الله بن الطفيل: قاله المَرْزَبَانِيّ في معجمه)) ((روى الطبريُّ من طريق ابن الكلبيّ قال: سببُ تسمية الطفيل بذي النُّور أنه لما وفد على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فدعا لقومه قال له: ابعثني إليهم، واجعل لي آية. فقال: حب"اللَّهُمَّ نَوِّرْ لَهُ"حن#. فسطع نورٌ بين عينيه، فقال: يارب، أخاف أن يقولوا مُثْلة، فتحوّل إلى طرف سَوْطه، فكان يضيء له في الليلة المظلمة.(1) وذكر أبُو الفَرَجِ الأصبهانيّ من طريق ابْنُ الكَلْبِيّ أيضًا أن الطُّفَيل لما قدم مكّة ذكر له ناس من قريش أمْرَ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وسألوه أن يختبر حاله، فأتاه فأنشده من شعره، فتلا النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم الإخلاصّ والمعوَّذَتَيْنِ، فأسلم في الحال، وعاد إلى قومه، وذكر قصّة سَوْطِه ونوره. قال: فدعا أبويه إلى الإسلام، فأسلم أبوه ولم تسلم أمه، ودعا قومَه، فأجابه أبو هريرة وَحْدَه؛ ثم أتى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم فقال: هل لك في حِصْنٍ حَصِين ومنَعة ـــ يعني أرْضَ دَوْس؟(2) قال: ولما دعا النبي صَلَّى الله عليه وسلم لهم قال له الطفيل: ما كنتُ أحبّ هذا. فقال: إن فيهم مثلك كثيرًا. قال: وكان جندب بن عمرو بن حُممة بن عَوْف الدّوسي يقول في الجاهلية: إن للخلق خالقًا، لكني لا أدري مَنْ هو. فلما سمع بخبر النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم خرج ومعه خمسةٌ وسبعون رجلًا من قومه، فأسلم وأسلموا. قال أبو هريرة: فكان جندب يقدمهم رجلًا رجلًا. وكان عمرو بن حمُمة حاكمًا على دَوْس ثلثمائة سنة، وإليه ينسب الصّلح المقدّم ذكره.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((لمّا ارتدّت العرب خرج مع المسلمين فجاهد حتى فرغوا من طُليحة وأرض نجدٍ كلّها، ثمّ سار مع المسلمين إلي اليمامة ومعه ابنه عمرو بن الطّفيل، فقُتل الطّفيل بن عمرو باليمامة شهيدًا وجُرِحَ ابنه عمرو بن الطّفيل وقُطِعَتْ يده، ثمّ استبلّ وصحّت يده، فبينا هو عند عمر بن الخطّاب إذ أُتي بطعام فتنحّي عنه فقال عمر: ما لك لعلّك تَنَحّيتَ لمكان يدك؟ قال: أجل، قال: والله لا أذوقه حتى تَسوطه بيدك، فوالله ما في القوم أحد بَعْضُه في الجنّة غيرك.)) الطبقات الكبير. ((كان ولده أبيّ بن الطفيل مع عليّ بالكوفة، وله معه أخبار وأشعار حسان، ذكره ابن الكلبيّ.)) ((قال ابْنُ سَعْدٍ: أسلم الطفيل بمكّة، ورجع إلى بلاد قومه، ثم وافى النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في عُمْرة القضّية، وشهد الفَتْحَ بمكة. وكذا قال ابن حبّان.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((أَخبرنا أَبو موسى كتابة، أَخبرنا أَبو علي، أَخبرنا أَبو نُعَيم، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا محمد يحيى، حدثنا أَحمد بن محمد بن أَيوب، عن إِبراهيم بن سعد، عن ابن إِسحاق، قال: كان الطفيل بن عمرو الدَّوْسي يُحَدِّث أَنه قَدِم مكة ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بها، فَمَشى إِليه رجال من قريش، وكان الطفيل شريفًا شاعرًا لبيبًا، فقالوا: يا طفيل، إِنك قدمـت بلادنا، وهذا الرجل بين أَظهرنا، قد عَضَل بنا وفَرَّق جماعتنا، وإِنما قوله كالسحر، يُفَرِّق بين الرجل وبين أَبيه، وبين الرجل وبين أَخيه، وبينه وبين زوجه، وإِنما نخشى عليك وعلى قومك، فلا تكلمه ولا تسمع منه. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أَجمعت أَن لا أَسمع منه شيئًا ولا أُكلمه، حتى حَشَوتُ أُذُنَيَّ كُرسفًا، فَرَقًا أَن يبلغني من قوله، وأَنا أُريد أَن لا أَسمعه. قال: فَغَدوت إِلى المسجد فإِذا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قائم يُصَلِّي عند الكعبة، قال: فقمت قريبًا منه، فأَبى الله إلا أَن يُسْمِعَني قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، قال: فقلت في نفسي: واثُكْلَ أُمِّي! والله إِني لرجل شاعر لبيب ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أَن أَسمع هذا الرجل ما يقول! إِن كان الذي يأْتي به حسنًا قَبِلْتُه، وإِن كان قبيحًا تركته. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلى بيته، فتبعته، حتى إِذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إِن قومـك قالوا لي كذا وكذا، ثم إِن الله أَبى إِلا أَن أَسمع قولك، فسمعت قولًا حسنًا، فَاعرِضْ عَليَّ أَمرك. قال: فَعَرَض علي الإِسلام، وتلا علي القرآن، قال: فوالله ما سمعت قولًا قطُّ أَحْسَنَ مِنه، ولا أَمرًا أَعدل منه، فأَسلمت، وقلت: يا رسول الله، إِني امرؤٌ مطاع في قومي، وأَنا راجع إِليهم وداعيهم إِلى الإِسلام، فادع الله أَن يجعل لي آية، تكون لي عونًا عليهم فيما أَدعوهم إِليه. فقال: "اللَّهُمَّ، اجْعَلْ لَهُ آيَةً". قال: فخرجت إِلى قومي حتى إِذا كنت بِثَنِيَّة تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، قال: فقلت: اللهُمَّ، في غير وجهي؛ فإِني أَخشى أَن يظنوا أَنها مُثْلَة لفراقي دينهم. فتحولَتْ في رأْس سَوْطي، فجعل الحاضر يتراءَون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأَنا أَهبط إِليهم من الثنية، فلما نزلت أَتاني أَبي، وكان شيخًا كبيرًا، فقلت: إِليك عني أَبَة، فلستُ منك ولست مني. قال: ولم، أَيْ بنَُيَّ؟ قلت: إِني أَسلمت. قال: أَيْ بني، فديني دينك، فأَسلم. ثم أَتتني صاحبتي، فقلت لها مثل ذلك، فأَسلمت، وقالت: أَيـُخَافَ عَلَيَّ من ذِي الشَّرى؟ ـ صَنَمٍ لهم ـ فقلت: لا، أَنا ضامن لذلك. ثم دعوت دَوْسًـا فأَبطئوا عن الإِسلام، فرجعت إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكة، فقلت: يا رسول الله، إِنه قد غلبني على دَوْس الزنا، فادع الله عليهم. فقال: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ"(3) . قال: فرجعت، فلم أَزل بأَرض قومي دوس أَدعوهم إِلى الإِسلام حتى هَاجَرَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم إِلى المدينة، وقضى بدرًا وأُحدًا والخندق، ثم قدمت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمن أَسلم معي من قومي، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخَيْبَرَ، حتى نزلت المدينة بسبعين أَو بثمانين بيتًا من دَوْس، ثم لحقنا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخَيْبَر، فأَسهم لنا مع المسلمين. ثم لم أَزل مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى فتح الله، عز وجل، عليه مكة، فقلت: يا رسول الله، ابعثني إِلى ذي الكَفَّين ـ صنم عَمْرو بن حُمَمَة ـ حتى أَحْرِقَه. فخرج إِليه طُفَيل يقول وهو يَحْرِقه، وكان من خشب: [الرجز] يَا ذَا الكَفَينِ لَسْتُ مِنْ عُبَّادِكَـا مِيلَادُنَا أَقْدَمُ مِـنْ ميِلَادِكَـا! إِنِّي حَشَوْتُ النَّارَ فِي فُؤَادِكَـا ثم رجع طُفَيل إِلـى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكان معه بالمدينة، حتى قبض الله رسوله صَلَّى الله عليه وسلم.)) أسد الغابة. ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون الدّوْسيّ وكان له حِلْفٌ في قريش قال: كان الطّفيل بن عمرو الدّوْسيّ رجلًا شريفًا شاعرًا مَليئًا كثير الضيافة فقدم مكّة ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بها فمشى إليه رجال من قريش فقالوا: يا طُفيل إنّك قدمتَ بلادَنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضلَ بنا وفرّق جماعتنا وشَتّتَ أمرَنا وإنّما قوله كالسّحْر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته، إنّا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا فلا تكلّمه ولا تَسْمَعْ منه. قال الطّفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلّمه، فغدوتُ إلى المسجد وقد حشوتُ أذُني كُرْسُفًا، يعني قُطنًا فَرقًا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي ذو القُطْنَتَينِ. قال فغدوتُ يومًا إلى المسجد فإذا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، قائم يصلّي عند الكعبة فقمتُ قريبًا منه فأبَى الله إلاّ أن يُسْمِعَني بعضَ قوله فسمعتُ كلامًا حسنًا فقلتُ في نفسي: واثُكْلَ أمّي والله إنّي لَرجل لبيب شاعر ما يَخْفى عليّ الحَسَنُ من القبيح فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قَبِلْتُه وإن كان قبيحًا تركتُه. فمكثتُ حتى انصرف إلى بيته ثمّ اتّبعتُه حتى إذا دخل بيته دخلتُ معه فقلتُ: يا محمد إنّ قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي، فوالله ما تركوني يخوّفوني أمرك حتى سددتُ أذُني بكُرْسُفٍ لِئَلاَّ أسمع قولك، ثمّ إنّ الله أبَى إلاّ أن يُسْمِعَنِيه فسمعتُ قولًا حسنًا فاعرِضْ عليّ أمرك. فعرض عليه رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، الإسلام وتلا عليه القرآن فقال: لا والله ما سمعتُ قولًا قطّ أحسن من هذا ولا أمرًا أعدل منه. فأسلمتُ وشهدتُ شهادة الحقّ فقلتُ: يا نبيّ الله إني امرؤ مطاعٌ في قومي وأنا راجع إليهم إلى الإسلام فادْعُ الله أن يكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: "اللهم اجْعَلْ له آيَةً". قال فخرجتُ إلى قومي حتى إذا كنتُ بثنيّةٍ تُطْلِعُني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح فقلتُ اللهمّ في غير وجهي فإنّي أخشى أن يظنّوا أنّها مُثْلة وَقَعَتْ في وجهي لفراق دينهم. فتحول النور فوقع في رأس سوطي فجعل الحاضر يتراءوْنَ ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلّق. فدخل بيته قال: فأتاني أبي فقلتُ له: إليك عني يا أبتاه فلستَ مني ولستُ منك، قال: ولِمَ يا بُنيّ؟ قلتُ: إني أسلمتُ واتّبعتُ دين محمد، قال: يا بنيّ ديني دينك. قال فقلتُ: فاذهب فاغتسل وطهّر ثيابك. ثمّ جاء فعرضتُ عليه الإسلام فأسلم، ثمّ أتَتْني صاحبتي فقلتُ لها: إليك عني فلستُ منك ولست مني. قالت: ولِمَا بأبي أنتَ؟ قلتُ: فرّق بيني وبينك الإسلامُ، إني أسلمتُ وتابعتُ دينَ محمد. قالت: فديني دينك، قلتُ: فاذهبي إلي حِسْي ذي الشّرى فتطهّري منه. وكان ذو الشّرى صَنَمَ دَوْسٍ، والحِسْيُ حِمًى له يحمونه، وبه وَشَلٌ من ماءٍ يهبط من الجبل. فقالت: بأبي أنت أتخاف على الصبيّة من ذي الشّرى شيئًا؟ قلتُ: لا أنا ضامن لما أصابك. قال فذهبَتْ فاغتسلتْ ثمّ جاءتْ فعرضتُ عليها الإسلام فأسلمت، ثمّ دعوت دَوْسًا إلى الإسلام فأبطأوا عليّ، ثمّ جئتُ رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بمكّة فقلتُ: يا رسول الله قد غلبَتْني دَوْسٌ فادعُ الله عليهم، فقال: "اللهمّ اهْدِ دَوْسًا"(4) . قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني معمر عن الزهريّ عن أبي سلمة قال: قال أبو هريرة قيل يا رسول الله ادْعُ الله على دَوْسٍ فقال: "اللهمّ اهْدِ دوسًا وأتِ بها"(5) . رجع الحديث إلى حديث الطّفيل قال: فقال لي رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم: "اخرج إلى قومك فادْعُهم وارفق بهم". فخرجتُ إليهم فلم أزل بأرض دوسٍ أدْعوها حتى هاجر رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، إلى المدينة، ومضى بدر وأحُد والخندق، ثمّ قدمتُ على رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بمَن أسلم من قومي، ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بخَيبر حتى نزلتُ المدينة بسبعين أو ثمانين بيتًا من دوس، ثمّ لحقْنا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين وقلنا: يا رسول الله اجْعَلْنا مَيْمَنَتَك واجْعَلْ شِعارَنا مبرورًا، ففعل، فشعار الأزد كلّها إلى اليوم مبرور. قال الطفيل: ثمّ لم أزل مع رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، حتى فتح الله مكّةَ فقلتُ: يا رسول الله ابْعثني إلى ذي الكَفّينِ صَنَمِ عمرو بن حُمَمَةَ حتى أحَرّقَه. فبعثه إليه فأحرقه. وجعل الطّفيل يقول وهو يوقد النار عليه وكان من خَشَبٍ: يا ذا الكَفَيْنِ لَسْتُ من عُبّادكا ميلادُنا أقْدَمُ من ميلادكا أنا حَشَشْتُ النّارَ في فؤادكا قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: حدّثنا حمّاد بن زيد عن محمد بن إسحاق أنّ الطّفيل بن عمرو كان له صَنَمٌ يقال له ذو الكفّين فكسّره وحرّقه بالنار وقال: يا ذا الكَفَيْنِ لَسْتُ من عُبّادِكا ميلادُنا أقْدَمُ من ميلادِكا أنا حَشَوْتُ النّارَ في فؤادِكا رَجَعَ الحديثُ إلى حديثِ الطّفيل الأوّل، قال فلمّا أحرقتُ ذا الكفّين بان لمن بقي ممّن تمسّك به أنّه ليس على شيء فأسلموا جميعًا. ورجع الطّفيل بن عمرو إلى رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فكان معه بالمدينة حتى قُبضَ(6) .)) الطبقات الكبير. ((أنشد المَرْزَبَانِيّ في معجمه للطفيل بن عمرو يخاطب قريشًا، وكانوا هدّدوه لما أسلم ألاَ أبْلِغْ لَدَيكَ بَنِي لُؤَيٍّ عَلَى الشَنَآنِ وَالعَضَبِ المُرَدِّ بِأنَّ الله رَبَّ النَّاسِ فَرْدٌ تَعَالَى جَدُّهُ عَنْ كُلّ نِدِّ وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدٌ رَسُولٌ دَلِيلُ هُدًى وَمُوضِحُ ُكلِّ رُشْدِ وَأنَّ الله جَلَّلهُ بَهَاءً وَأعْلَى جَدَّهُ فِي كُلِّ جَدِّ [الوافر])) ((قال ابْنُ أبِي حَاتِمٍ: قدم على النبي صَلَّى الله عليه وسلم مع أبي هريرة بخَيْبَر، ولا أعلم روى عنه شيئًا. قلت: وقد أخرج البَغَويُّ من طريق إسماعيل بن عياش: حدّثني عبد ربه بن سليمان، عن الطفيل بن عَمْرو الدّوسي، قال: أقْرَأنِي أبيّ بنَ كعب القرآن، فأهديت له قوسًا.... الحديث.(7) قال: غريب، وعبد ربه يقال له ابن زيتون، ولم يسمع من الطفيل بن عمرو.)) ((قيل: استشهد باليمامة. قاله ابن سعد تبعًا لابن الكلبي. وقيل باليرموك؛ قاله ابن حبان. وقيل بأجنادين؛ قاله موسى بن عقبة عن ابن شهاب وأبو الأسود عن عروة. وسيأتي في ترجمة ولده عَمْرو بن الطفيل: هو الذي استشهد باليرموك.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((قال أبو عمر رضي الله عنه: للطَّفيل بن عمرو الدّوْسِي في معنى ما ذكره ابن الكلبيّ خَبَرٌ عجيب في المغازي، ذكره الأمويّ في مغازيه، عن ابن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، عن ابن الطّفيل بن عمْرو الدّوْسي. وذكرهُ ابنُ إسحاق عن عثمان بن الحويرث، عن صالح بن كيسان، عن الطَّّفيل بن عمرو الدّوسي، قال: كنْتُ رجلًا شاعرًا سيِّدًا في قومي، قال: فقدمت مكّةَ فمشيت إِلَى رجالات قريش، فقالوا: يا طفيل، إنك امرؤ شاعر، سيّد مطاع في قومك، وإِنا خشينا أنْ يلقاك هذا الرَّجلُ فيصيبك ببعض حديثه، فإنّما حديثُه كالسّحر، فاحذره أنْ يُدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا وعلى قومنا، فإنه يفرِّقُ بين المرء وابنه، وبين المرء وزَوْجه، وبين المرء وأبيه، فوالله ما زالوا يحدَّثونني في شأنه، وينهونني أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخلُ المسجد إلا وأنا سادٌّ أذني، قال: فعمدت إلى أذني فحشوتهما كُرْسُفًا، ثم غَدوْتُ إلى المسجد، فإذا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قائمًا في المسجد. قال: فقمت منه قريبًا، وأبى الله إلّا أن يُسمعني بعضَ قوله. قال: فقلت في نفسي: والله أَنَّ هذا للعجز، والله إني امرؤ ثبت، ما يخفى عليّ من الأمور حسنها ولا قبيحها، والله لأستمعنَّ منه، فإِنْ كان أمرَه رشدًا أخذت منه، وإن كان غير ذلك اجتنبته. فقال. فقلت: بالكُرْسفة! فنزعتها من أذني، فألقيتها، ثم استمعت له؛ فلم أسمع كلامًا قط ما أحسن من كلام يتكلّم به. قال: قلت ـــ في نفسي: يا سبحان الله؟ ما سمعت كاليوم لفظًا أحسنَ منه ولا أجمل. قال: ثم انتظرتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى انصرف فاتّبعته، فدخلت معه بيته، فقلت له:يا محمد، إِنَّ قومَك جاؤوني، فقالوا كذا وكذا، فأخبرته بالَّذي قالوا: وقد أبى اللَّهُ إِلّا أَنْ أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حقٌّ؛ فاعرِضْ عليّ دينَك، وما تأمر به، وما تنهى عنه. قال: فعرض عليّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت، ثم قلت: يا رسول الله، إني أرجع إلى دَوْس، وأنا فيهم مطاع، وأنا داعيهم إلى الإسلام لعلّ الله أَنْ يهديَهم، فادْعْ الله أن يجعل لي آيةً تكونُ لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيةً تُعِينُهُ عَلَى مَا يَنْوِي مِنَ الْخَيْرِ" . قال: فخرجت حتى أشرفْتُ على ثنيّة أهلي التي تهبطني على حاضر دَوْس. قال: وأبي هناك شيخ كبير، وامرأتي ووالدتي. قال: فلما علوت الثّنية وضَع اللَّهُ بين عيني نورًا يتراءا الحاضر في ظُلْمة اللّيل، وأنا منهبط من الثّنية. فقلت: اللَّهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم، فتحوّل في رأس سوطي، فلقد رأيتني أسير على بعيري إِليهم، وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق فيه حتى قدمت عليهم، فقال: فأتاني أَبي فقلت: إليك عني، فلستُ منك ولسْتَ مني. قال: وما ذاك يا بني؟ قال: فقلت: أسلمت واتبعتُ دينَ محمّد. فقال: أي بني، فإن ديني دينك، قال: فأسلم وحسن إسلامه. ثم أتتني صاحبتي، فقلت: إليك عني، فلسْتُ منك ولست مني. قالت: وما ذاك بأبي وأميّ أَنْتَ! قلت: أسلمت واتبعت دينَ محمّد؛ فلسْتِ تحلّين لي ولا أحلُّ لك. قالت: فدِيني دِينُك. قال قلت: فاعمدي إِلى هذه المياه فاغتسلي منها وتطهَّري وتعالي. قال: ففعلت، ثم جاءت فأسلمت وحسن إسلامها. ثم دعوت دَوْسًا إلى الإسلام، فأبت عليّ وتعاصت، ثم قدمْتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مكّة؛ فقلت: يا رسول الله؛ غلب على دَوْس الزّنا، والرّبا، فادْعُ الله عليهم، فقال: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا". ثم رجعت إليهم. قال: وهاجر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقمت بين ظهرانيهم أَدْعُوهم إِلى الإِسلام حتى استجاب لي منهم من استجاب، وسبقتني بَدْر، وأحد، والخندق، مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. ثم قدمت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بثمانين أو تسعين أهل بيتٍ من دَوْس إلى المدينة، [[فمكثت]] مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى فتح اللَّهُ مكّة، فقلت: يا رسول الله؛ ابعثني إلى ذي الكَفّين صنم عَمْرو بن حممة حتى أَحرقه فقال: "أجل فاخرج إليه فحرقه"، قال: فخرجْتُ حتى قدمت عليه. قال: فجعلت أوقد النّار وهو يشتعل بالنّار واسمه ذو الكفّين، قال: وأنا أقول: [الرجز] يَا ذَا الكَفَّيْنِ لَسْتُ مِنْ عُبَّادِكَا مِيَلَادُنَا أَكْبَرُ مِنْ مِيَلادِكَا إِنِّي حَشَوْتُ النَّارَ فِي فُؤَادِكَا ثم قدمْتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأقمْت معه حتى قُبض. قال: فلما بعث أبو بكر بَعْثَه إلى مسيلمة الكذّاب خرجْتُ، ومعي ابني مع المسلمين عمرو بن الطّفيل، حتى إذا كنا ببعض الطَّريق رأيْتُ رؤيا، فقلت لأصحابي: إني رأيْتُ رؤيا عَبِّرُوها. قالوا: وما رأيت؟ قلت: رأيت رأسي حلق، وأنه خرج من فمي طائر، وأن امرأةَ لقيتني وأدخلتني في فَرْجها، وكان ابني يطلبني طلبًا حثيثًا، فحيل بيني وبينه. قالوا: خيرًا، فقال: أما أنا والله فقد أوّلتها. أما حلق رأسي فقطْعُه، وأما الطَّائر فروحي، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرْض تحفر لي وأدفن فيها، فقد رَجَوْت أَنْ أقْتَل شهيدًا، وأما طلب ابني إياي فلا راه إلا سيغدو في طلب الشَّهادة، ولا أراه يلحق بسفرنا هذا. فقُتل الطفيل شهيدًا يوم اليمامة، وجرح ابنُه، ثم قتل باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطّاب شهيدًا.(8) )) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. -------------------------------- أخبار الأم والأب: ّ* ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون الدّوْسيّ وكان له حِلْفٌ في قريش قال: كان الطّفيل بن عمرو الدّوْسيّ رجلًا شريفًا شاعرًا مَليئًا كثير الضيافة فقدم مكّة ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بها فمشى إليه رجال من قريش فقالوا: يا طُفيل إنّك قدمتَ بلادَنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضلَ بنا وفرّق جماعتنا وشَتّتَ أمرَنا وإنّما قوله كالسّحْر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته، إنّا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا فلا تكلّمه ولا تَسْمَعْ منه. قال الطّفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلّمه، فغدوتُ إلى المسجد وقد حشوتُ أذُني كُرْسُفًا، يعني قُطنًا فَرقًا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي ذو القُطْنَتَينِ. قال فغدوتُ يومًا إلى المسجد فإذا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، قائم يصلّي عند الكعبة فقمتُ قريبًا منه فأبَى الله إلاّ أن يُسْمِعَني بعضَ قوله فسمعتُ كلامًا حسنًا فقلتُ في نفسي: واثُكْلَ أمّي والله إنّي لَرجل لبيب شاعر ما يَخْفى عليّ الحَسَنُ من القبيح فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قَبِلْتُه وإن كان قبيحًا تركتُه. فمكثتُ حتى انصرف إلى بيته ثمّ اتّبعتُه حتى إذا دخل بيته دخلتُ معه فقلتُ: يا محمد إنّ قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي، فوالله ما تركوني يخوّفوني أمرك حتى سددتُ أذُني بكُرْسُفٍ لِئَلاَّ أسمع قولك، ثمّ إنّ الله أبَى إلاّ أن يُسْمِعَنِيه فسمعتُ قولًا حسنًا فاعرِضْ عليّ أمرك. فعرض عليه رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، الإسلام وتلا عليه القرآن فقال: لا والله ما سمعتُ قولًا قطّ أحسن من هذا ولا أمرًا أعدل منه. فأسلمتُ وشهدتُ شهادة الحقّ فقلتُ: يا نبيّ الله إني امرؤ مطاعٌ في قومي وأنا راجع إليهم إلى الإسلام فادْعُ الله أن يكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: "اللهم اجْعَلْ له آيَةً". قال فخرجتُ إلى قومي حتى إذا كنتُ بثنيّةٍ تُطْلِعُني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح فقلتُ اللهمّ في غير وجهي فإنّي أخشى أن يظنّوا أنّها مُثْلة وَقَعَتْ في وجهي لفراق دينهم. فتحول النور فوقع في رأس سوطي فجعل الحاضر يتراءوْنَ ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلّق. فدخل بيته قال: فأتاني أبي فقلتُ له: إليك عني يا أبتاه فلستَ مني ولستُ منك، قال: ولِمَ يا بُنيّ؟ قلتُ: إني أسلمتُ واتّبعتُ دين محمد، قال: يا بنيّ ديني دينك. قال فقلتُ: فاذهب فاغتسل وطهّر ثيابك. ثمّ جاء فعرضتُ عليه الإسلام فأسلم)) الطبقات الكبير. * ((روى الطبريُّ من طريق ابن الكلبيّ قال: سببُ تسمية الطفيل بذي النُّور أنه لما وفد على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فدعا لقومه قال له: ابعثني إليهم، واجعل لي آية. فقال: "اللَّهُمَّ نَوِّرْ لَهُ". فسطع نورٌ بين عينيه، فقال: يارب، أخاف أن يقولوا مُثْلة، فتحوّل إلى طرف سَوْطه، فكان يضيء له في الليلة المظلمة.(1) وذكر أبُو الفَرَجِ الأصبهانيّ من طريق ابْنُ الكَلْبِيّ أيضًا أن الطُّفَيل لما قدم مكّة ذكر له ناس من قريش أمْرَ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وسألوه أن يختبر حاله، فأتاه فأنشده من شعره، فتلا النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم الإخلاصّ والمعوَّذَتَيْنِ، فأسلم في الحال، وعاد إلى قومه، وذكر قصّة سَوْطِه ونوره. قال: فدعا أبويه إلى الإسلام، فأسلم أبوه ولم تسلم أمه، ودعا قومَه، فأجابه أبو هريرة وَحْدَه؛ ثم أتى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم فقال: هل لك في حِصْنٍ حَصِين ومنَعة ـــ يعني أرْضَ دَوْس؟(2) قال: ولما دعا النبي صَلَّى الله عليه وسلم لهم قال له الطفيل: ما كنتُ أحبّ هذا. فقال: "إن فيهم مثلك كثيرًا". قال: وكان جندب بن عمرو بن حُممة بن عَوْف الدّوسي يقول في الجاهلية: إن للخلق خالقًا، لكني لا أدري مَنْ هو. فلما سمع بخبر النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم خرج ومعه خمسةٌ وسبعون رجلًا من قومه، فأسلم وأسلموا. قال أبو هريرة: فكان جندب يقدمهم رجلًا رجلًا. وكان عمرو بن حمُمة حاكمًا على دَوْس ثلثمائة سنة، وإليه ينسب الصّلح المقدّم ذكره.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ------------------------- أخبار الأبناء والأزواج: ّ* ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون الدّوْسيّ وكان له حِلْفٌ في قريش قال: كان الطّفيل بن عمرو الدّوْسيّ رجلًا شريفًا شاعرًا مَليئًا كثير الضيافة فقدم مكّة ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بها فمشى إليه رجال من قريش فقالوا: يا طُفيل إنّك قدمتَ بلادَنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضلَ بنا وفرّق جماعتنا وشَتّتَ أمرَنا وإنّما قوله كالسّحْر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته، إنّا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا فلا تكلّمه ولا تَسْمَعْ منه. قال الطّفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلّمه، فغدوتُ إلى المسجد وقد حشوتُ أذُني كُرْسُفًا، يعني قُطنًا فَرقًا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي ذو القُطْنَتَينِ. قال فغدوتُ يومًا إلى المسجد فإذا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، قائم يصلّي عند الكعبة فقمتُ قريبًا منه فأبَى الله إلاّ أن يُسْمِعَني بعضَ قوله فسمعتُ كلامًا حسنًا فقلتُ في نفسي: واثُكْلَ أمّي والله إنّي لَرجل لبيب شاعر ما يَخْفى عليّ الحَسَنُ من القبيح فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قَبِلْتُه وإن كان قبيحًا تركتُه. فمكثتُ حتى انصرف إلى بيته ثمّ اتّبعتُه حتى إذا دخل بيته دخلتُ معه فقلتُ: يا محمد إنّ قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي، فوالله ما تركوني يخوّفوني أمرك حتى سددتُ أذُني بكُرْسُفٍ لِئَلاَّ أسمع قولك، ثمّ إنّ الله أبَى إلاّ أن يُسْمِعَنِيه فسمعتُ قولًا حسنًا فاعرِضْ عليّ أمرك. فعرض عليه رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، الإسلام وتلا عليه القرآن فقال: لا والله ما سمعتُ قولًا قطّ أحسن من هذا ولا أمرًا أعدل منه. فأسلمتُ وشهدتُ شهادة الحقّ فقلتُ: يا نبيّ الله إني امرؤ مطاعٌ في قومي وأنا راجع إليهم إلى الإسلام فادْعُ الله أن يكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: "اللهم اجْعَلْ له آيَةً". قال فخرجتُ إلى قومي حتى إذا كنتُ بثنيّةٍ تُطْلِعُني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح فقلتُ اللهمّ في غير وجهي فإنّي أخشى أن يظنّوا أنّها مُثْلة وَقَعَتْ في وجهي لفراق دينهم. فتحول النور فوقع في رأس سوطي فجعل الحاضر يتراءوْنَ ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلّق. فدخل بيته قال: فأتاني أبي فقلتُ له: إليك عني يا أبتاه فلستَ مني ولستُ منك، قال: ولِمَ يا بُنيّ؟ قلتُ: إني أسلمتُ واتّبعتُ دين محمد، قال: يا بنيّ ديني دينك. قال فقلتُ: فاذهب فاغتسل وطهّر ثيابك. ثمّ جاء فعرضتُ عليه الإسلام فأسلم، ثمّ أتَتْني صاحبتي فقلتُ لها: إليك عني فلستُ منك ولست مني. قالت: ولِمَا بأبي أنتَ؟ قلتُ: فرّق بيني وبينك الإسلامُ، إني أسلمتُ وتابعتُ دينَ محمد. قالت: فديني دينك، قلتُ: فاذهبي إلي حِسْي ذي الشّرى فتطهّري منه. وكان ذو الشّرى صَنَمَ دَوْسٍ، والحِسْيُ حِمًى له يحمونه، وبه وَشَلٌ من ماءٍ يهبط من الجبل. فقالت: بأبي أنت أتخاف على الصبيّة من ذي الشّرى شيئًا؟ قلتُ: لا أنا ضامن لما أصابك. قال فذهبَتْ فاغتسلتْ ثمّ جاءتْ فعرضتُ عليها الإسلام فأسلمت)) الطبقات الكبير. * ((كان ولده أبيّ بن الطفيل مع عليّ بالكوفة، وله معه أخبار وأشعار حسان، ذكره ابن الكلبيّ.)) الإصابة في تمييز الصحابة. * ((أَخبرنا أَبو موسى كتابة، أَخبرنا أَبو علي، أَخبرنا أَبو نُعَيم، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا محمد يحيى، حدثنا أَحمد بن محمد بن أَيوب، عن إِبراهيم بن سعد، عن ابن إِسحاق، قال: كان الطفيل بن عمرو الدَّوْسي يُحَدِّث أَنه قَدِم مكة ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بها، فَمَشى إِليه رجال من قريش، وكان الطفيل شريفًا شاعرًا لبيبًا، فقالوا: يا طفيل، إِنك قدمـت بلادنا، وهذا الرجل بين أَظهرنا، قد عَضَل بنا وفَرَّق جماعتنا، وإِنما قوله كالسحر، يُفَرِّق بين الرجل وبين أَبيه، وبين الرجل وبين أَخيه، وبينه وبين زوجه، وإِنما نخشى عليك وعلى قومك، فلا تكلمه ولا تسمع منه. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أَجمعت أَن لا أَسمع منه شيئًا ولا أُكلمه، حتى حَشَوتُ أُذُنَيَّ كُرسفًا، فَرَقًا أَن يبلغني من قوله، وأَنا أُريد أَن لا أَسمعه. قال: فَغَدوت إِلى المسجد فإِذا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قائم يُصَلِّي عند الكعبة، قال: فقمت قريبًا منه، فأَبى الله إلا أَن يُسْمِعَني قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، قال: فقلت في نفسي: واثُكْلَ أُمِّي! والله إِني لرجل شاعر لبيب ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أَن أَسمع هذا الرجل ما يقول! إِن كان الذي يأْتي به حسنًا قَبِلْتُه، وإِن كان قبيحًا تركته. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلى بيته، فتبعته، حتى إِذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إِن قومـك قالوا لي كذا وكذا، ثم إِن الله أَبى إِلا أَن أَسمع قولك، فسمعت قولًا حسنًا، فَاعرِضْ عَليَّ أَمرك. قال: فَعَرَض علي الإِسلام، وتلا علي القرآن، قال: فوالله ما سمعت قولًا قطُّ أَحْسَنَ مِنه، ولا أَمرًا أَعدل منه، فأَسلمت، وقلت: يا رسول الله، إِني امرؤٌ مطاع في قومي، وأَنا راجع إِليهم وداعيهم إِلى الإِسلام، فادع الله أَن يجعل لي آية، تكون لي عونًا عليهم فيما أَدعوهم إِليه. فقال: "اللَّهُمَّ، اجْعَلْ لَهُ آيَةً". قال: فخرجت إِلى قومي حتى إِذا كنت بِثَنِيَّة تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، قال: فقلت: اللهُمَّ، في غير وجهي؛ فإِني أَخشى أَن يظنوا أَنها مُثْلَة لفراقي دينهم. فتحولَتْ في رأْس سَوْطي، فجعل الحاضر يتراءَون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأَنا أَهبط إِليهم من الثنية، فلما نزلت أَتاني أَبي، وكان شيخًا كبيرًا، فقلت: إِليك عني أَبَة، فلستُ منك ولست مني. قال: ولم، أَيْ بنَُيَّ؟ قلت: إِني أَسلمت. قال: أَيْ بني، فديني دينك، فأَسلم. ثم أَتتني صاحبتي، فقلت لها مثل ذلك، فأَسلمت، وقالت: أَيـُخَافَ عَلَيَّ من ذِي الشَّرى؟ ـ صَنَمٍ لهم ـ فقلت: لا، أَنا ضامن لذلك. ثم دعوت دَوْسًـا فأَبطئوا عن الإِسلام، فرجعت إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكة، فقلت: يا رسول الله، إِنه قد غلبني على دَوْس الزنا، فادع الله عليهم. فقال: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ"(1) . قال: فرجعت، فلم أَزل بأَرض قومي دوس أَدعوهم إِلى الإِسلام حتى هَاجَرَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم إِلى المدينة، وقضى بدرًا وأُحدًا والخندق، ثم قدمت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمن أَسلم معي من قومي، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخَيْبَرَ، حتى نزلت المدينة بسبعين أَو بثمانين بيتًا من دَوْس، ثم لحقنا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخَيْبَر، فأَسهم لنا مع المسلمين. ثم لم أَزل مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى فتح الله، عز وجل، عليه مكة، فقلت: يا رسول الله، ابعثني إِلى ذي الكَفَّين ـ صنم عَمْرو بن حُمَمَة ـ حتى أَحْرِقَه. فخرج إِليه طُفَيل يقول وهو يَحْرِقه، وكان من خشب: [الرجز] يَا ذَا الكَفَينِ لَسْتُ مِنْ عُبَّادِكَـا مِيلَادُنَا أَقْدَمُ مِـنْ ميِلَادِكَـا! إِنِّي حَشَوْتُ النَّارَ فِي فُؤَادِكَـا ثم رجع طُفَيل إِلـى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكان معه بالمدينة، حتى قبض الله رسوله صَلَّى الله عليه وسلم. فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين مُجَاهِدًا أَهْلَ الرِّدَّة حتى فرغوا من نجد، وسار مع المسلمين إِلى اليمامة، فقال لأَصحابه: إِني رأَيت رؤْيا فاعْبرُوها؛ إِني رأَيت رأْسي حُلِق، وأَنه خرج من فمي طائر، وأَنه لقيتني امرأَة فادخلتني في فَرْجها، وأَرى ابني عَمْرًا يطلبني طلبًا حثيثًا، ثم رأَيت حُبِس عني؛ قالوا: خيًرا، قال: أَما أَنا فقد أَوَّلْتُها، أَما حَلْقُ رأَسي فقطعه، وأَما الطائر فروحي، وأَما المرأَة التي أَدخلتني في فرجها فالأَرض تحفر لي، فَأُغَيَّبُ فيها، وأَما طلب ابني لي ثم حَبْسه عني فإِني أَراه سيَجْهَد أَن يصيبه ما أَصابني، فقتل الطفيل باليمامة شهيدًا، وجرح ابنه عَمْرو بن الطفيل ثم عوفي، وقتل عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم، شهيدًا.)) أسد الغابة. * ((لمّا ارتدّت العرب خرج مع المسلمين فجاهد حتى فرغوا من طُليحة وأرض نجدٍ كلّها، ثمّ سار مع المسلمين إلي اليمامة ومعه ابنه عمرو بن الطّفيل، فقُتل الطّفيل بن عمرو باليمامة شهيدًا وجُرِحَ ابنه عمرو بن الطّفيل وقُطِعَتْ يده، ثمّ استبلّ وصحّت يده، فبينا هو عند عمر بن الخطّاب إذ أُتي بطعام فتنحّي عنه فقال عمر: ما لك لعلّك تَنَحّيتَ لمكان يدك؟ قال: أجل، قال: والله لا أذوقه حتى تَسوطه بيدك، فوالله ما في القوم أحد بَعْضُه في الجنّة غيرك.)) الطبقات الكبير. ------------------- قصة إسلامه رضي الله عنه: ّ* ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون الدّوْسيّ وكان له حِلْفٌ في قريش قال: كان الطّفيل بن عمرو الدّوْسيّ رجلًا شريفًا شاعرًا مَليئًا كثير الضيافة فقدم مكّة ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بها فمشى إليه رجال من قريش فقالوا: يا طُفيل إنّك قدمتَ بلادَنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضلَ بنا وفرّق جماعتنا وشَتّتَ أمرَنا وإنّما قوله كالسّحْر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته، إنّا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا فلا تكلّمه ولا تَسْمَعْ منه. قال الطّفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلّمه، فغدوتُ إلى المسجد وقد حشوتُ أذُني كُرْسُفًا، يعني قُطنًا فَرقًا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي ذو القُطْنَتَينِ. قال فغدوتُ يومًا إلى المسجد فإذا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، قائم يصلّي عند الكعبة فقمتُ قريبًا منه فأبَى الله إلاّ أن يُسْمِعَني بعضَ قوله فسمعتُ كلامًا حسنًا فقلتُ في نفسي: واثُكْلَ أمّي والله إنّي لَرجل لبيب شاعر ما يَخْفى عليّ الحَسَنُ من القبيح فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قَبِلْتُه وإن كان قبيحًا تركتُه. فمكثتُ حتى انصرف إلى بيته ثمّ اتّبعتُه حتى إذا دخل بيته دخلتُ معه فقلتُ: يا محمد إنّ قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي، فوالله ما تركوني يخوّفوني أمرك حتى سددتُ أذُني بكُرْسُفٍ لِئَلاَّ أسمع قولك، ثمّ إنّ الله أبَى إلاّ أن يُسْمِعَنِيه فسمعتُ قولًا حسنًا فاعرِضْ عليّ أمرك. فعرض عليه رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، الإسلام وتلا عليه القرآن فقال: لا والله ما سمعتُ قولًا قطّ أحسن من هذا ولا أمرًا أعدل منه. فأسلمتُ وشهدتُ شهادة الحقّ)) الطبقات الكبير. * ((روى الطبريُّ من طريق ابن الكلبيّ قال: سببُ تسمية الطفيل بذي النُّور أنه لما وفد على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فدعا لقومه قال له: ابعثني إليهم، واجعل لي آية. فقال: "اللَّهُمَّ نَوِّرْ لَهُ". فسطع نورٌ بين عينيه، فقال: يارب، أخاف أن يقولوا مُثْلة، فتحوّل إلى طرف سَوْطه، فكان يضيء له في الليلة المظلمة.(1) وذكر أبُو الفَرَجِ الأصبهانيّ من طريق ابْنُ الكَلْبِيّ أيضًا أن الطُّفَيل لما قدم مكّة ذكر له ناس من قريش أمْرَ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وسألوه أن يختبر حاله، فأتاه فأنشده من شعره، فتلا النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم الإخلاصّ والمعوَّذَتَيْنِ، فأسلم في الحال)) الإصابة في تمييز الصحابة. ---------------------- هجرته رضي الله عنه: ّ* ((قال ابْنُ سَعْدٍ: أسلم الطفيل بمكّة، ورجع إلى بلاد قومه، ثم وافى النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في عُمْرة القضّية، وشهد الفَتْحَ بمكة. وكذا قال ابن حبّان.)) الإصابة في تمييز الصحابة. * ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون الدّوْسيّ وكان له حِلْفٌ في قريش قال: كان الطّفيل بن عمرو الدّوْسيّ رجلًا شريفًا شاعرًا مَليئًا كثير الضيافة فقدم مكّة ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بها فمشى إليه رجال من قريش فقالوا: يا طُفيل إنّك قدمتَ بلادَنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضلَ بنا وفرّق جماعتنا وشَتّتَ أمرَنا وإنّما قوله كالسّحْر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته، إنّا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا فلا تكلّمه ولا تَسْمَعْ منه. قال الطّفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلّمه، فغدوتُ إلى المسجد وقد حشوتُ أذُني كُرْسُفًا، يعني قُطنًا فَرقًا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي ذو القُطْنَتَينِ. قال فغدوتُ يومًا إلى المسجد فإذا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، قائم يصلّي عند الكعبة فقمتُ قريبًا منه فأبَى الله إلاّ أن يُسْمِعَني بعضَ قوله فسمعتُ كلامًا حسنًا فقلتُ في نفسي: واثُكْلَ أمّي والله إنّي لَرجل لبيب شاعر ما يَخْفى عليّ الحَسَنُ من القبيح فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قَبِلْتُه وإن كان قبيحًا تركتُه. فمكثتُ حتى انصرف إلى بيته ثمّ اتّبعتُه حتى إذا دخل بيته دخلتُ معه فقلتُ: يا محمد إنّ قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي، فوالله ما تركوني يخوّفوني أمرك حتى سددتُ أذُني بكُرْسُفٍ لِئَلاَّ أسمع قولك، ثمّ إنّ الله أبَى إلاّ أن يُسْمِعَنِيه فسمعتُ قولًا حسنًا فاعرِضْ عليّ أمرك. فعرض عليه رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، الإسلام وتلا عليه القرآن فقال: لا والله ما سمعتُ قولًا قطّ أحسن من هذا ولا أمرًا أعدل منه. فأسلمتُ وشهدتُ شهادة الحقّ فقلتُ: يا نبيّ الله إني امرؤ مطاعٌ في قومي وأنا راجع إليهم إلى الإسلام فادْعُ الله أن يكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: "اللهم اجْعَلْ له آيَةً". قال فخرجتُ إلى قومي حتى إذا كنتُ بثنيّةٍ تُطْلِعُني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح فقلتُ اللهمّ في غير وجهي فإنّي أخشى أن يظنّوا أنّها مُثْلة وَقَعَتْ في وجهي لفراق دينهم. فتحول النور فوقع في رأس سوطي فجعل الحاضر يتراءوْنَ ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلّق. فدخل بيته قال: فأتاني أبي فقلتُ له: إليك عني يا أبتاه فلستَ مني ولستُ منك، قال: ولِمَ يا بُنيّ؟ قلتُ: إني أسلمتُ واتّبعتُ دين محمد، قال: يا بنيّ ديني دينك. قال فقلتُ: فاذهب فاغتسل وطهّر ثيابك. ثمّ جاء فعرضتُ عليه الإسلام فأسلم، ثمّ أتَتْني صاحبتي فقلتُ لها: إليك عني فلستُ منك ولست مني. قالت: ولِمَا بأبي أنتَ؟ قلتُ: فرّق بيني وبينك الإسلامُ، إني أسلمتُ وتابعتُ دينَ محمد. قالت: فديني دينك، قلتُ: فاذهبي إلي حِسْي ذي الشّرى فتطهّري منه. وكان ذو الشّرى صَنَمَ دَوْسٍ، والحِسْيُ حِمًى له يحمونه، وبه وَشَلٌ من ماءٍ يهبط من الجبل. فقالت: بأبي أنت أتخاف على الصبيّة من ذي الشّرى شيئًا؟ قلتُ: لا أنا ضامن لما أصابك. قال فذهبَتْ فاغتسلتْ ثمّ جاءتْ فعرضتُ عليها الإسلام فأسلمت، ثمّ دعوت دَوْسًا إلى الإسلام فأبطأوا عليّ، ثمّ جئتُ رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بمكّة فقلتُ: يا رسول الله قد غلبَتْني دَوْسٌ فادعُ الله عليهم، فقال: "اللهمّ اهْدِ دَوْسًا"(1) . قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني معمر عن الزهريّ عن أبي سلمة قال: قال أبو هريرة قيل يا رسول الله ادْعُ الله على دَوْسٍ فقال: "اللهمّ اهْدِ دوسًا وأتِ بها"(2) . رجع الحديث إلى حديث الطّفيل قال: فقال لي رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم: "اخرج إلى قومك فادْعُهم وارفق بهم". فخرجتُ إليهم فلم أزل بأرض دوسٍ أدْعوها حتى هاجر رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، إلى المدينة، ومضى بدر وأحُد والخندق، ثمّ قدمتُ على رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بمَن أسلم من قومي، ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بخَيبر حتى نزلتُ المدينة بسبعين أو ثمانين بيتًا من دوس)) الطبقات الكبير. ------------------- الغزوات والمشاهد التي شهدها رضي الله عنه: ّ* ((أَخبرنا أَبو موسى كتابة، أَخبرنا أَبو علي، أَخبرنا أَبو نُعَيم، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا محمد يحيى، حدثنا أَحمد بن محمد بن أَيوب، عن إِبراهيم بن سعد، عن ابن إِسحاق، قال: كان الطفيل بن عمرو الدَّوْسي يُحَدِّث أَنه قَدِم مكة ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بها، فَمَشى إِليه رجال من قريش، وكان الطفيل شريفًا شاعرًا لبيبًا، فقالوا: يا طفيل، إِنك قدمـت بلادنا، وهذا الرجل بين أَظهرنا، قد عَضَل بنا وفَرَّق جماعتنا، وإِنما قوله كالسحر، يُفَرِّق بين الرجل وبين أَبيه، وبين الرجل وبين أَخيه، وبينه وبين زوجه، وإِنما نخشى عليك وعلى قومك، فلا تكلمه ولا تسمع منه. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أَجمعت أَن لا أَسمع منه شيئًا ولا أُكلمه، حتى حَشَوتُ أُذُنَيَّ كُرسفًا، فَرَقًا أَن يبلغني من قوله، وأَنا أُريد أَن لا أَسمعه. قال: فَغَدوت إِلى المسجد فإِذا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قائم يُصَلِّي عند الكعبة، قال: فقمت قريبًا منه، فأَبى الله إلا أَن يُسْمِعَني قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، قال: فقلت في نفسي: واثُكْلَ أُمِّي! والله إِني لرجل شاعر لبيب ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أَن أَسمع هذا الرجل ما يقول! إِن كان الذي يأْتي به حسنًا قَبِلْتُه، وإِن كان قبيحًا تركته. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلى بيته، فتبعته، حتى إِذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إِن قومـك قالوا لي كذا وكذا، ثم إِن الله أَبى إِلا أَن أَسمع قولك، فسمعت قولًا حسنًا، فَاعرِضْ عَليَّ أَمرك. قال: فَعَرَض علي الإِسلام، وتلا علي القرآن، قال: فوالله ما سمعت قولًا قطُّ أَحْسَنَ مِنه، ولا أَمرًا أَعدل منه، فأَسلمت، وقلت: يا رسول الله، إِني امرؤٌ مطاع في قومي، وأَنا راجع إِليهم وداعيهم إِلى الإِسلام، فادع الله أَن يجعل لي آية، تكون لي عونًا عليهم فيما أَدعوهم إِليه. فقال: "اللَّهُمَّ، اجْعَلْ لَهُ آيَةً". قال: فخرجت إِلى قومي حتى إِذا كنت بِثَنِيَّة تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، قال: فقلت: اللهُمَّ، في غير وجهي؛ فإِني أَخشى أَن يظنوا أَنها مُثْلَة لفراقي دينهم. فتحولَتْ في رأْس سَوْطي، فجعل الحاضر يتراءَون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأَنا أَهبط إِليهم من الثنية، فلما نزلت أَتاني أَبي، وكان شيخًا كبيرًا، فقلت: إِليك عني أَبَة، فلستُ منك ولست مني. قال: ولم، أَيْ بنَُيَّ؟ قلت: إِني أَسلمت. قال: أَيْ بني، فديني دينك، فأَسلم. ثم أَتتني صاحبتي، فقلت لها مثل ذلك، فأَسلمت، وقالت: أَيـُخَافَ عَلَيَّ من ذِي الشَّرى؟ ـ صَنَمٍ لهم ـ فقلت: لا، أَنا ضامن لذلك. ثم دعوت دَوْسًـا فأَبطئوا عن الإِسلام، فرجعت إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكة، فقلت: يا رسول الله، إِنه قد غلبني على دَوْس الزنا، فادع الله عليهم. فقال: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ"(1) . قال: فرجعت، فلم أَزل بأَرض قومي دوس أَدعوهم إِلى الإِسلام حتى هَاجَرَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم إِلى المدينة، وقضى بدرًا وأُحدًا والخندق، ثم قدمت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمن أَسلم معي من قومي، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخَيْبَرَ، حتى نزلت المدينة بسبعين أَو بثمانين بيتًا من دَوْس، ثم لحقنا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخَيْبَر، فأَسهم لنا مع المسلمين. ثم لم أَزل مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى فتح الله، عز وجل، عليه مكة، فقلت: يا رسول الله، ابعثني إِلى ذي الكَفَّين ـ صنم عَمْرو بن حُمَمَة ـ حتى أَحْرِقَه. فخرج إِليه طُفَيل يقول وهو يَحْرِقه، وكان من خشب: [الرجز] يَا ذَا الكَفَينِ لَسْتُ مِنْ عُبَّادِكَـا مِيلَادُنَا أَقْدَمُ مِـنْ ميِلَادِكَـا! إِنِّي حَشَوْتُ النَّارَ فِي فُؤَادِكَـا ثم رجع طُفَيل إِلـى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكان معه بالمدينة، حتى قبض الله رسوله صَلَّى الله عليه وسلم. فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين مُجَاهِدًا أَهْلَ الرِّدَّة حتى فرغوا من نجد، وسار مع المسلمين إِلى اليمامة، فقال لأَصحابه: إِني رأَيت رؤْيا فاعْبرُوها؛ إِني رأَيت رأْسي حُلِق، وأَنه خرج من فمي طائر، وأَنه لقيتني امرأَة فادخلتني في فَرْجها، وأَرى ابني عَمْرًا يطلبني طلبًا حثيثًا، ثم رأَيت حُبِس عني؛ قالوا: خيًرا، قال: أَما أَنا فقد أَوَّلْتُها، أَما حَلْقُ رأَسي فقطعه، وأَما الطائر فروحي، وأَما المرأَة التي أَدخلتني في فرجها فالأَرض تحفر لي، فَأُغَيَّبُ فيها، وأَما طلب ابني لي ثم حَبْسه عني فإِني أَراه سيَجْهَد أَن يصيبه ما أَصابني، فقتل الطفيل باليمامة شهيدًا، وجرح ابنه عَمْرو بن الطفيل ثم عوفي، وقتل عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم، شهيدًا.)) أسد الغابة. * ((قيل: استشهد باليمامة. قاله ابن سعد تبعًا لابن الكلبي. وقيل باليرموك؛ قاله ابن حبان. وقيل بأجنادين؛ قاله موسى بن عقبة عن ابن شهاب وأبو الأسود عن عروة. وسيأتي في ترجمة ولده عَمْرو بن الطفيل: هو الذي استشهد باليرموك.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ------------------------ الأخبار والمناقب: ّ* ((أَخبرنا أَبو موسى كتابة، أَخبرنا أَبو علي، أَخبرنا أَبو نُعَيم، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا محمد يحيى، حدثنا أَحمد بن محمد بن أَيوب، عن إِبراهيم بن سعد، عن ابن إِسحاق، قال: كان الطفيل بن عمرو الدَّوْسي يُحَدِّث أَنه قَدِم مكة ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بها، فَمَشى إِليه رجال من قريش، وكان الطفيل شريفًا شاعرًا لبيبًا، فقالوا: يا طفيل، إِنك قدمـت بلادنا، وهذا الرجل بين أَظهرنا، قد عَضَل بنا وفَرَّق جماعتنا، وإِنما قوله كالسحر، يُفَرِّق بين الرجل وبين أَبيه، وبين الرجل وبين أَخيه، وبينه وبين زوجه، وإِنما نخشى عليك وعلى قومك، فلا تكلمه ولا تسمع منه. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أَجمعت أَن لا أَسمع منه شيئًا ولا أُكلمه، حتى حَشَوتُ أُذُنَيَّ كُرسفًا، فَرَقًا أَن يبلغني من قوله، وأَنا أُريد أَن لا أَسمعه. قال: فَغَدوت إِلى المسجد فإِذا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قائم يُصَلِّي عند الكعبة، قال: فقمت قريبًا منه، فأَبى الله إلا أَن يُسْمِعَني قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، قال: فقلت في نفسي: واثُكْلَ أُمِّي! والله إِني لرجل شاعر لبيب ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أَن أَسمع هذا الرجل ما يقول! إِن كان الذي يأْتي به حسنًا قَبِلْتُه، وإِن كان قبيحًا تركته. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلى بيته، فتبعته، حتى إِذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إِن قومـك قالوا لي كذا وكذا، ثم إِن الله أَبى إِلا أَن أَسمع قولك، فسمعت قولًا حسنًا، فَاعرِضْ عَليَّ أَمرك. قال: فَعَرَض علي الإِسلام، وتلا علي القرآن، قال: فوالله ما سمعت قولًا قطُّ أَحْسَنَ مِنه، ولا أَمرًا أَعدل منه، فأَسلمت، وقلت: يا رسول الله، إِني امرؤٌ مطاع في قومي، وأَنا راجع إِليهم وداعيهم إِلى الإِسلام، فادع الله أَن يجعل لي آية، تكون لي عونًا عليهم فيما أَدعوهم إِليه. فقال: "اللَّهُمَّ، اجْعَلْ لَهُ آيَةً". قال: فخرجت إِلى قومي حتى إِذا كنت بِثَنِيَّة تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، قال: فقلت: اللهُمَّ، في غير وجهي؛ فإِني أَخشى أَن يظنوا أَنها مُثْلَة لفراقي دينهم. فتحولَتْ في رأْس سَوْطي، فجعل الحاضر يتراءَون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأَنا أَهبط إِليهم من الثنية، فلما نزلت أَتاني أَبي، وكان شيخًا كبيرًا، فقلت: إِليك عني أَبَة، فلستُ منك ولست مني. قال: ولم، أَيْ بنَُيَّ؟ قلت: إِني أَسلمت. قال: أَيْ بني، فديني دينك، فأَسلم. ثم أَتتني صاحبتي، فقلت لها مثل ذلك، فأَسلمت، وقالت: أَيـُخَافَ عَلَيَّ من ذِي الشَّرى؟ ـ صَنَمٍ لهم ـ فقلت: لا، أَنا ضامن لذلك. ثم دعوت دَوْسًـا فأَبطئوا عن الإِسلام، فرجعت إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكة، فقلت: يا رسول الله، إِنه قد غلبني على دَوْس الزنا، فادع الله عليهم. فقال: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ"(1) . قال: فرجعت، فلم أَزل بأَرض قومي دوس أَدعوهم إِلى الإِسلام حتى هَاجَرَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم إِلى المدينة، وقضى بدرًا وأُحدًا والخندق، ثم قدمت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمن أَسلم معي من قومي، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخَيْبَرَ، حتى نزلت المدينة بسبعين أَو بثمانين بيتًا من دَوْس، ثم لحقنا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخَيْبَر، فأَسهم لنا مع المسلمين. ثم لم أَزل مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى فتح الله، عز وجل، عليه مكة، فقلت: يا رسول الله، ابعثني إِلى ذي الكَفَّين ـ صنم عَمْرو بن حُمَمَة ـ حتى أَحْرِقَه. فخرج إِليه طُفَيل يقول وهو يَحْرِقه، وكان من خشب: [الرجز] يَا ذَا الكَفَينِ لَسْتُ مِنْ عُبَّادِكَـا مِيلَادُنَا أَقْدَمُ مِـنْ ميِلَادِكَـا! إِنِّي حَشَوْتُ النَّارَ فِي فُؤَادِكَـا ثم رجع طُفَيل إِلـى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكان معه بالمدينة، حتى قبض الله رسوله صَلَّى الله عليه وسلم. فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين مُجَاهِدًا أَهْلَ الرِّدَّة حتى فرغوا من نجد، وسار مع المسلمين إِلى اليمامة، فقال لأَصحابه: إِني رأَيت رؤْيا فاعْبرُوها؛ إِني رأَيت رأْسي حُلِق، وأَنه خرج من فمي طائر، وأَنه لقيتني امرأَة فادخلتني في فَرْجها، وأَرى ابني عَمْرًا يطلبني طلبًا حثيثًا، ثم رأَيت حُبِس عني؛ قالوا: خيًرا، قال: أَما أَنا فقد أَوَّلْتُها، أَما حَلْقُ رأَسي فقطعه، وأَما الطائر فروحي، وأَما المرأَة التي أَدخلتني في فرجها فالأَرض تحفر لي، فَأُغَيَّبُ فيها، وأَما طلب ابني لي ثم حَبْسه عني فإِني أَراه سيَجْهَد أَن يصيبه ما أَصابني، فقتل الطفيل باليمامة شهيدًا، وجرح ابنه عَمْرو بن الطفيل ثم عوفي، وقتل عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم، شهيدًا.)) أسد الغابة. * ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون الدّوْسيّ وكان له حِلْفٌ في قريش قال: كان الطّفيل بن عمرو الدّوْسيّ رجلًا شريفًا شاعرًا مَليئًا كثير الضيافة فقدم مكّة ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بها فمشى إليه رجال من قريش فقالوا: يا طُفيل إنّك قدمتَ بلادَنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضلَ بنا وفرّق جماعتنا وشَتّتَ أمرَنا وإنّما قوله كالسّحْر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته، إنّا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا فلا تكلّمه ولا تَسْمَعْ منه. قال الطّفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلّمه، فغدوتُ إلى المسجد وقد حشوتُ أذُني كُرْسُفًا، يعني قُطنًا فَرقًا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي ذو القُطْنَتَينِ. قال فغدوتُ يومًا إلى المسجد فإذا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، قائم يصلّي عند الكعبة فقمتُ قريبًا منه فأبَى الله إلاّ أن يُسْمِعَني بعضَ قوله فسمعتُ كلامًا حسنًا فقلتُ في نفسي: واثُكْلَ أمّي والله إنّي لَرجل لبيب شاعر ما يَخْفى عليّ الحَسَنُ من القبيح فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قَبِلْتُه وإن كان قبيحًا تركتُه. فمكثتُ حتى انصرف إلى بيته ثمّ اتّبعتُه حتى إذا دخل بيته دخلتُ معه فقلتُ: يا محمد إنّ قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي، فوالله ما تركوني يخوّفوني أمرك حتى سددتُ أذُني بكُرْسُفٍ لِئَلاَّ أسمع قولك، ثمّ إنّ الله أبَى إلاّ أن يُسْمِعَنِيه فسمعتُ قولًا حسنًا فاعرِضْ عليّ أمرك. فعرض عليه رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، الإسلام وتلا عليه القرآن فقال: لا والله ما سمعتُ قولًا قطّ أحسن من هذا ولا أمرًا أعدل منه. فأسلمتُ وشهدتُ شهادة الحقّ فقلتُ: يا نبيّ الله إني امرؤ مطاعٌ في قومي وأنا راجع إليهم إلى الإسلام فادْعُ الله أن يكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: "اللهم اجْعَلْ له آيَةً". قال فخرجتُ إلى قومي حتى إذا كنتُ بثنيّةٍ تُطْلِعُني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح فقلتُ اللهمّ في غير وجهي فإنّي أخشى أن يظنّوا أنّها مُثْلة وَقَعَتْ في وجهي لفراق دينهم. فتحول النور فوقع في رأس سوطي فجعل الحاضر يتراءوْنَ ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلّق. فدخل بيته قال: فأتاني أبي فقلتُ له: إليك عني يا أبتاه فلستَ مني ولستُ منك، قال: ولِمَ يا بُنيّ؟ قلتُ: إني أسلمتُ واتّبعتُ دين محمد، قال: يا بنيّ ديني دينك. قال فقلتُ: فاذهب فاغتسل وطهّر ثيابك. ثمّ جاء فعرضتُ عليه الإسلام فأسلم، ثمّ أتَتْني صاحبتي فقلتُ لها: إليك عني فلستُ منك ولست مني. قالت: ولِمَا بأبي أنتَ؟ قلتُ: فرّق بيني وبينك الإسلامُ، إني أسلمتُ وتابعتُ دينَ محمد. قالت: فديني دينك، قلتُ: فاذهبي إلي حِسْي ذي الشّرى فتطهّري منه. وكان ذو الشّرى صَنَمَ دَوْسٍ، والحِسْيُ حِمًى له يحمونه، وبه وَشَلٌ من ماءٍ يهبط من الجبل. فقالت: بأبي أنت أتخاف على الصبيّة من ذي الشّرى شيئًا؟ قلتُ: لا أنا ضامن لما أصابك. قال فذهبَتْ فاغتسلتْ ثمّ جاءتْ فعرضتُ عليها الإسلام فأسلمت، ثمّ دعوت دَوْسًا إلى الإسلام فأبطأوا عليّ، ثمّ جئتُ رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بمكّة فقلتُ: يا رسول الله قد غلبَتْني دَوْسٌ فادعُ الله عليهم، فقال: "اللهمّ اهْدِ دَوْسًا"(2) . قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني معمر عن الزهريّ عن أبي سلمة قال: قال أبو هريرة قيل يا رسول الله ادْعُ الله على دَوْسٍ فقال: "اللهمّ اهْدِ دوسًا وأتِ بها"(3) . رجع الحديث إلى حديث الطّفيل قال: فقال لي رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم: "اخرج إلى قومك فادْعُهم وارفق بهم". فخرجتُ إليهم فلم أزل بأرض دوسٍ أدْعوها حتى هاجر رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، إلى المدينة، ومضى بدر وأحُد والخندق، ثمّ قدمتُ على رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بمَن أسلم من قومي، ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بخَيبر حتى نزلتُ المدينة بسبعين أو ثمانين بيتًا من دوس، ثمّ لحقْنا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين وقلنا: يا رسول الله اجْعَلْنا مَيْمَنَتَك واجْعَلْ شِعارَنا مبرورًا، ففعل، فشعار الأزد كلّها إلى اليوم مبرور. قال الطفيل: ثمّ لم أزل مع رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، حتى فتح الله مكّةَ فقلتُ: يا رسول الله ابْعثني إلى ذي الكَفّينِ صَنَمِ عمرو بن حُمَمَةَ حتى أحَرّقَه. فبعثه إليه فأحرقه. وجعل الطّفيل يقول وهو يوقد النار عليه وكان من خَشَبٍ: يا ذا الكَفَيْنِ لَسْتُ من عُبّادكا ميلادُنا أقْدَمُ من ميلادكا أنا حَشَشْتُ النّارَ في فؤادكا قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: حدّثنا حمّاد بن زيد عن محمد بن إسحاق أنّ الطّفيل بن عمرو كان له صَنَمٌ يقال له ذو الكفّين فكسّره وحرّقه بالنار وقال: يا ذا الكَفَيْنِ لَسْتُ من عُبّادِكا ميلادُنا أقْدَمُ من ميلادِكا أنا حَشَوْتُ النّارَ في فؤادِكا رَجَعَ الحديثُ إلى حديثِ الطّفيل الأوّل، قال فلمّا أحرقتُ ذا الكفّين بان لمن بقي ممّن تمسّك به أنّه ليس على شيء فأسلموا جميعًا. ورجع الطّفيل بن عمرو إلى رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فكان معه بالمدينة حتى قُبضَ(4) .)) الطبقات الكبير. * ((قال ابْنُ أبِي حَاتِمٍ: قدم على النبي صَلَّى الله عليه وسلم مع أبي هريرة بخَيْبَر، ولا أعلم روى عنه شيئًا. قلت: وقد أخرج البَغَويُّ من طريق إسماعيل بن عياش: حدّثني عبد ربه بن سليمان، عن الطفيل بن عَمْرو الدّوسي، قال: أقْرَأنِي أبيّ بنَ كعب القرآن، فأهديت له قوسًا.... الحديث.(5) قال: غريب، وعبد ربه يقال له ابن زيتون، ولم يسمع من الطفيل بن عمرو.)) الإصابة في تمييز الصحابة. * ((أنشد المَرْزَبَانِيّ في معجمه للطفيل بن عمرو يخاطب قريشًا، وكانوا هدّدوه لما أسلم ألاَ أبْلِغْ لَدَيكَ بَنِي لُؤَيٍّ عَلَى الشَنَآنِ وَالعَضَبِ المُرَدِّ بِأنَّ الله رَبَّ النَّاسِ فَرْدٌ تَعَالَى جَدُّهُ عَنْ كُلّ نِدِّ وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدٌ رَسُولٌ دَلِيلُ هُدًى وَمُوضِحُ ُكلِّ رُشْدِ وَأنَّ الله جَلَّلهُ بَهَاءً وَأعْلَى جَدَّهُ فِي كُلِّ جَدِّ [الوافر])) الإصابة في تمييز الصحابة. ------------------- الرواية: ّ* ((قال ابْنُ أبِي حَاتِمٍ: قدم على النبي صَلَّى الله عليه وسلم مع أبي هريرة بخَيْبَر، ولا أعلم روى عنه شيئًا. قلت: وقد أخرج البَغَويُّ من طريق إسماعيل بن عياش: حدّثني عبد ربه بن سليمان، عن الطفيل بن عَمْرو الدّوسي، قال: أقْرَأنِي أبيّ بنَ كعب القرآن، فأهديت له قوسًا.... الحديث.(1) قال: غريب، وعبد ربه يقال له ابن زيتون، ولم يسمع من الطفيل بن عمرو.)) الإصابة في تمييز الصحابة. * ((أَخبرنا أَبو موسى كتابة، أَخبرنا أَبو علي، أَخبرنا أَبو نُعَيم، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا محمد يحيى، حدثنا أَحمد بن محمد بن أَيوب، عن إِبراهيم بن سعد، عن ابن إِسحاق، قال: كان الطفيل بن عمرو الدَّوْسي يُحَدِّث أَنه قَدِم مكة ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بها، فَمَشى إِليه رجال من قريش، وكان الطفيل شريفًا شاعرًا لبيبًا، فقالوا: يا طفيل، إِنك قدمـت بلادنا، وهذا الرجل بين أَظهرنا، قد عَضَل بنا وفَرَّق جماعتنا، وإِنما قوله كالسحر، يُفَرِّق بين الرجل وبين أَبيه، وبين الرجل وبين أَخيه، وبينه وبين زوجه، وإِنما نخشى عليك وعلى قومك، فلا تكلمه ولا تسمع منه. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أَجمعت أَن لا أَسمع منه شيئًا ولا أُكلمه، حتى حَشَوتُ أُذُنَيَّ كُرسفًا، فَرَقًا أَن يبلغني من قوله، وأَنا أُريد أَن لا أَسمعه. قال: فَغَدوت إِلى المسجد فإِذا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قائم يُصَلِّي عند الكعبة، قال: فقمت قريبًا منه، فأَبى الله إلا أَن يُسْمِعَني قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، قال: فقلت في نفسي: واثُكْلَ أُمِّي! والله إِني لرجل شاعر لبيب ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أَن أَسمع هذا الرجل ما يقول! إِن كان الذي يأْتي به حسنًا قَبِلْتُه، وإِن كان قبيحًا تركته. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلى بيته، فتبعته، حتى إِذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إِن قومـك قالوا لي كذا وكذا، ثم إِن الله أَبى إِلا أَن أَسمع قولك، فسمعت قولًا حسنًا، فَاعرِضْ عَليَّ أَمرك. قال: فَعَرَض علي الإِسلام، وتلا علي القرآن، قال: فوالله ما سمعت قولًا قطُّ أَحْسَنَ مِنه، ولا أَمرًا أَعدل منه، فأَسلمت، وقلت: يا رسول الله، إِني امرؤٌ مطاع في قومي، وأَنا راجع إِليهم وداعيهم إِلى الإِسلام، فادع الله أَن يجعل لي آية، تكون لي عونًا عليهم فيما أَدعوهم إِليه. فقال: "اللَّهُمَّ، اجْعَلْ لَهُ آيَةً". قال: فخرجت إِلى قومي حتى إِذا كنت بِثَنِيَّة تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، قال: فقلت: اللهُمَّ، في غير وجهي؛ فإِني أَخشى أَن يظنوا أَنها مُثْلَة لفراقي دينهم. فتحولَتْ في رأْس سَوْطي، فجعل الحاضر يتراءَون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأَنا أَهبط إِليهم من الثنية، فلما نزلت أَتاني أَبي، وكان شيخًا كبيرًا، فقلت: إِليك عني أَبَة، فلستُ منك ولست مني. قال: ولم، أَيْ بنَُيَّ؟ قلت: إِني أَسلمت. قال: أَيْ بني، فديني دينك، فأَسلم. ثم أَتتني صاحبتي، فقلت لها مثل ذلك، فأَسلمت، وقالت: أَيـُخَافَ عَلَيَّ من ذِي الشَّرى؟ ـ صَنَمٍ لهم ـ فقلت: لا، أَنا ضامن لذلك. ثم دعوت دَوْسًـا فأَبطئوا عن الإِسلام، فرجعت إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكة، فقلت: يا رسول الله، إِنه قد غلبني على دَوْس الزنا، فادع الله عليهم. فقال: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ"(2) .)) أسد الغابة. --------------------- كراماته رضي الله عنه: ّأَخبرنا أَبو موسى كتابة، أَخبرنا أَبو علي، أَخبرنا أَبو نُعَيم، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا محمد يحيى، حدثنا أَحمد بن محمد بن أَيوب، عن إِبراهيم بن سعد، عن ابن إِسحاق، قال: كان الطفيل بن عمرو الدَّوْسي يُحَدِّث أَنه قَدِم مكة ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بها، فَمَشى إِليه رجال من قريش، وكان الطفيل شريفًا شاعرًا لبيبًا، فقالوا: يا طفيل، إِنك قدمـت بلادنا، وهذا الرجل بين أَظهرنا، قد عَضَل بنا وفَرَّق جماعتنا، وإِنما قوله كالسحر، يُفَرِّق بين الرجل وبين أَبيه، وبين الرجل وبين أَخيه، وبينه وبين زوجه، وإِنما نخشى عليك وعلى قومك، فلا تكلمه ولا تسمع منه. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أَجمعت أَن لا أَسمع منه شيئًا ولا أُكلمه، حتى حَشَوتُ أُذُنَيَّ كُرسفًا، فَرَقًا أَن يبلغني من قوله، وأَنا أُريد أَن لا أَسمعه. قال: فَغَدوت إِلى المسجد فإِذا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قائم يُصَلِّي عند الكعبة، قال: فقمت قريبًا منه، فأَبى الله إلا أَن يُسْمِعَني قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، قال: فقلت في نفسي: واثُكْلَ أُمِّي! والله إِني لرجل شاعر لبيب ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أَن أَسمع هذا الرجل ما يقول! إِن كان الذي يأْتي به حسنًا قَبِلْتُه، وإِن كان قبيحًا تركته. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلى بيته، فتبعته، حتى إِذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إِن قومـك قالوا لي كذا وكذا، ثم إِن الله أَبى إِلا أَن أَسمع قولك، فسمعت قولًا حسنًا، فَاعرِضْ عَليَّ أَمرك. قال: فَعَرَض علي الإِسلام، وتلا علي القرآن، قال: فوالله ما سمعت قولًا قطُّ أَحْسَنَ مِنه، ولا أَمرًا أَعدل منه، فأَسلمت، وقلت: يا رسول الله، إِني امرؤٌ مطاع في قومي، وأَنا راجع إِليهم وداعيهم إِلى الإِسلام، فادع الله أَن يجعل لي آية، تكون لي عونًا عليهم فيما أَدعوهم إِليه. فقال: "اللَّهُمَّ، اجْعَلْ لَهُ آيَةً". قال: فخرجت إِلى قومي حتى إِذا كنت بِثَنِيَّة تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، قال: فقلت: اللهُمَّ، في غير وجهي؛ فإِني أَخشى أَن يظنوا أَنها مُثْلَة لفراقي دينهم. فتحولَتْ في رأْس سَوْطي، فجعل الحاضر يتراءَون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأَنا أَهبط إِليهم من الثنية، فلما نزلت أَتاني أَبي، وكان شيخًا كبيرًا، فقلت: إِليك عني أَبَة، فلستُ منك ولست مني. قال: ولم، أَيْ بنَُيَّ؟ قلت: إِني أَسلمت. قال: أَيْ بني، فديني دينك، فأَسلم. ثم أَتتني صاحبتي، فقلت لها مثل ذلك، فأَسلمت، وقالت: أَيـُخَافَ عَلَيَّ من ذِي الشَّرى؟ ـ صَنَمٍ لهم ـ فقلت: لا، أَنا ضامن لذلك. ثم دعوت دَوْسًـا فأَبطئوا عن الإِسلام، فرجعت إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكة، فقلت: يا رسول الله، إِنه قد غلبني على دَوْس الزنا، فادع الله عليهم. فقال: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ"(1) . ----------------------- وفاته رضي الله عنه: ّ* ((قيل: استشهد باليمامة. قاله ابن سعد تبعًا لابن الكلبي. وقيل باليرموك؛ قاله ابن حبان. وقيل بأجنادين؛ قاله موسى بن عقبة عن ابن شهاب وأبو الأسود عن عروة. وسيأتي في ترجمة ولده عَمْرو بن الطفيل: هو الذي استشهد باليرموك.)) الإصابة في تمييز الصحابة. * ((قال أبو عمر رضي الله عنه: للطَّفيل بن عمرو الدّوْسِي في معنى ما ذكره ابن الكلبيّ خَبَرٌ عجيب في المغازي، ذكره الأمويّ في مغازيه، عن ابن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، عن ابن الطّفيل بن عمْرو الدّوْسي. وذكرهُ ابنُ إسحاق عن عثمان بن الحويرث، عن صالح بن كيسان، عن الطَّّفيل بن عمرو الدّوسي، قال: كنْتُ رجلًا شاعرًا سيِّدًا في قومي، قال: فقدمت مكّةَ فمشيت إِلَى رجالات قريش، فقالوا: يا طفيل، إنك امرؤ شاعر، سيّد مطاع في قومك، وإِنا خشينا أنْ يلقاك هذا الرَّجلُ فيصيبك ببعض حديثه، فإنّما حديثُه كالسّحر، فاحذره أنْ يُدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا وعلى قومنا، فإنه يفرِّقُ بين المرء وابنه، وبين المرء وزَوْجه، وبين المرء وأبيه، فوالله ما زالوا يحدَّثونني في شأنه، وينهونني أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخلُ المسجد إلا وأنا سادٌّ أذني، قال: فعمدت إلى أذني فحشوتهما كُرْسُفًا، ثم غَدوْتُ إلى المسجد، فإذا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قائمًا في المسجد. قال: فقمت منه قريبًا، وأبى الله إلّا أن يُسمعني بعضَ قوله. قال: فقلت في نفسي: والله أَنَّ هذا للعجز، والله إني امرؤ ثبت، ما يخفى عليّ من الأمور حسنها ولا قبيحها، والله لأستمعنَّ منه، فإِنْ كان أمرَه رشدًا أخذت منه، وإن كان غير ذلك اجتنبته. فقال. فقلت: بالكُرْسفة! فنزعتها من أذني، فألقيتها، ثم استمعت له؛ فلم أسمع كلامًا قط ما أحسن من كلام يتكلّم به. قال: قلت ـــ في نفسي: يا سبحان الله؟ ما سمعت كاليوم لفظًا أحسنَ منه ولا أجمل. قال: ثم انتظرتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى انصرف فاتّبعته، فدخلت معه بيته، فقلت له:يا محمد، إِنَّ قومَك جاؤوني، فقالوا كذا وكذا، فأخبرته بالَّذي قالوا: وقد أبى اللَّهُ إِلّا أَنْ أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حقٌّ؛ فاعرِضْ عليّ دينَك، وما تأمر به، وما تنهى عنه. قال: فعرض عليّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت، ثم قلت: يا رسول الله، إني أرجع إلى دَوْس، وأنا فيهم مطاع، وأنا داعيهم إلى الإسلام لعلّ الله أَنْ يهديَهم، فادْعْ الله أن يجعل لي آيةً تكونُ لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيةً تُعِينُهُ عَلَى مَا يَنْوِي مِنَ الْخَيْرِ" . قال: فخرجت حتى أشرفْتُ على ثنيّة أهلي التي تهبطني على حاضر دَوْس. قال: وأبي هناك شيخ كبير، وامرأتي ووالدتي. قال: فلما علوت الثّنية وضَع اللَّهُ بين عيني نورًا يتراءا الحاضر في ظُلْمة اللّيل، وأنا منهبط من الثّنية. فقلت: اللَّهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم، فتحوّل في رأس سوطي، فلقد رأيتني أسير على بعيري إِليهم، وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق فيه حتى قدمت عليهم، فقال: فأتاني أَبي فقلت: إليك عني، فلستُ منك ولسْتَ مني. قال: وما ذاك يا بني؟ قال: فقلت: أسلمت واتبعتُ دينَ محمّد. فقال: أي بني، فإن ديني دينك، قال: فأسلم وحسن إسلامه. ثم أتتني صاحبتي، فقلت: إليك عني، فلسْتُ منك ولست مني. قالت: وما ذاك بأبي وأميّ أَنْتَ! قلت: أسلمت واتبعت دينَ محمّد؛ فلسْتِ تحلّين لي ولا أحلُّ لك. قالت: فدِيني دِينُك. قال قلت: فاعمدي إِلى هذه المياه فاغتسلي منها وتطهَّري وتعالي. قال: ففعلت، ثم جاءت فأسلمت وحسن إسلامها. ثم دعوت دَوْسًا إلى الإسلام، فأبت عليّ وتعاصت، ثم قدمْتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مكّة؛ فقلت: يا رسول الله؛ غلب على دَوْس الزّنا، والرّبا، فادْعُ الله عليهم، فقال: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا". ثم رجعت إليهم. قال: وهاجر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقمت بين ظهرانيهم أَدْعُوهم إِلى الإِسلام حتى استجاب لي منهم من استجاب، وسبقتني بَدْر، وأحد، والخندق، مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. ثم قدمت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بثمانين أو تسعين أهل بيتٍ من دَوْس إلى المدينة، [[فمكثت]] مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى فتح اللَّهُ مكّة، فقلت: يا رسول الله؛ ابعثني إلى ذي الكَفّين صنم عَمْرو بن حممة حتى أَحرقه فقال: "أجل فاخرج إليه فحرقه"، قال: فخرجْتُ حتى قدمت عليه. قال: فجعلت أوقد النّار وهو يشتعل بالنّار واسمه ذو الكفّين، قال: وأنا أقول: [الرجز] يَا ذَا الكَفَّيْنِ لَسْتُ مِنْ عُبَّادِكَا مِيَلَادُنَا أَكْبَرُ مِنْ مِيَلادِكَا إِنِّي حَشَوْتُ النَّارَ فِي فُؤَادِكَا ثم قدمْتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأقمْت معه حتى قُبض. قال: فلما بعث أبو بكر بَعْثَه إلى مسيلمة الكذّاب خرجْتُ، ومعي ابني مع المسلمين عمرو بن الطّفيل، حتى إذا كنا ببعض الطَّريق رأيْتُ رؤيا، فقلت لأصحابي: إني رأيْتُ رؤيا عَبِّرُوها. قالوا: وما رأيت؟ قلت: رأيت رأسي حلق، وأنه خرج من فمي طائر، وأن امرأةَ لقيتني وأدخلتني في فَرْجها، وكان ابني يطلبني طلبًا حثيثًا، فحيل بيني وبينه. قالوا: خيرًا، فقال: أما أنا والله فقد أوّلتها. أما حلق رأسي فقطْعُه، وأما الطَّائر فروحي، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرْض تحفر لي وأدفن فيها، فقد رَجَوْت أَنْ أقْتَل شهيدًا، وأما طلب ابني إياي فلا راه إلا سيغدو في طلب الشَّهادة، ولا أراه يلحق بسفرنا هذا. فقُتل الطفيل شهيدًا يوم اليمامة، وجرح ابنُه، ثم قتل باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطّاب شهيدًا.(1) )) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ------------------- بحــــــــار التعديل الأخير تم بواسطة بحــــار ; 28-07-2007 الساعة 11:49 AM. |
28-07-2007, 04:08 PM | #2 |
مؤسس
|
مشكور وفقك الله
واستشهد في قتال مسيلمة الكذاب وكان هذا تفسيرا لرؤياه التي قصها ماذا نقول عن هذا الصحابي العظيم اللهم اجمعنا بهم في مستقر رحمتك سلمت اخي وحياك الله |
27-08-2007, 11:56 PM | #5 |
عضو متميز
|
الله يعطيكم العافيه
منكم نستفيد ونتعلم |
03-09-2007, 11:04 PM | #6 |
|
جهد ولا اروع يالبحار بيض الله وجهك كفيت ووفيت بس كان ينقص الموضوع التنسيق تسلم يالوافي
|
03-09-2007, 11:24 PM | #7 |
شاعر
|
بارك الله فيك يا ابو البراء الدوسي
. ودمت بالف خير |
03-09-2007, 11:26 PM | #8 |
|
رضي الله عنه الفيل وعن جميع صحابته النبي الكريم اجميعن
معلومات قيمة بارك الله فيك |
07-09-2007, 04:57 PM | #9 |
|
مجهود راااااائع ومميز يعطيك العافية
معلومات تاريخية ثمينة وتاريخ زهران يسطر بالذهب والألماس |
22-09-2007, 01:14 AM | #10 |
|
رضي الله عنه وأرضاه فله فضل كبير على دوس جمعاء
بارك الله فيك |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع : الطفيل بن عمرو الدوسي (رضي الله عنه) وما كتب عنه في أمهات الكتب الأربعة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
السيرة النابغة الطفيل بن عمرو الدوســي | الأغبر2008 | الإسلام حياة | 11 | 13-05-2008 12:56 AM |
السيرة النابغة الطفيل بن عمرو دوسي كاملة | الأغبر2008 | الإسلام حياة | 8 | 13-05-2008 12:19 AM |
سيرة الصحابي الجليل الطفيل بن عمر الدوسي رضي الله عنه | دوس | تاريخ زهران | 20 | 24-03-2008 10:03 AM |
أبو هريرة...(رضي الله عنه)....وما كتب عنه في أمهات الكتب الأربعة | بحــــار | تاريخ زهران | 12 | 10-03-2008 09:01 AM |
في رثاء عمرو بن حممة الدوسي | تأبط شراَ | المنتدى الأدبي | 1 | 06-09-2006 09:21 AM |