نعيش اليوم في مجتمع نجد فيه أن بعض الآباء لا يفقه من تربية الأبناء إلا اسم كلمة تربية فقط, بل إن بعضهم قد لا يدري أن هناك شيئا يقال له تربية على الإطلاق.
فالتربية باتت اليوم سلاح أي بيت ينشد الاستقرار وبناء الشخصية السوية، باعتبارها أساس إرساء القواعد الحاكمة للنظام الحياتي في الاسرة، وللتربية أصولها وغاياتها، وأهدافها، وفوائدها، متى وفق الأب والأم في تقديم تربية نموذجية لأبنائهما، فقد روى البخاري في الأدب المفرد «عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش» وروى السيوطي «عرفوا ولا تعنفوا» وروى مسلم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) بعثه ومعاذا إلى اليمن وقال لهما «يسرا ولا تعسرا وعلما ولا تنفرا» وروى الحارث والطيالسي والبيهقي «علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف»...فهذه الأحاديث تؤكد أن المعاملة بالرفق واللين هي الأصل.
كذلك هناك فروق فرديه بين الأبناء وأمزجتهما مختلفة، فمنهم صاحب المزاج الهادئ المسالم، ومنهم صاحب المزاج المعتدل، ومنهم صاحب المزاج العصبي الشديد، وذلك يعود الى العوامل الوراثية ومؤثرات البيئة والتربية، فمنهم من تنفع معه النظرة العابسة، ومنهم من يحتاج إلى استعمال التوبيخ والعنف في عقوبته، بيد ان كثيرا من علماء التربية الإسلاميين ومنهم ابن سينا والعبدري وا بن خلدون ذهبوا إلى أنه لا يجوز للمربي أن يلجأ إلى العقوبة إلا عند الضرورة القصوى، وأن لايلجأ إلى الضرب إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء لإحداث الأثر المطلوب في إصلاح الطفل وتكوينه خلقيا ونفسيا.
إن المربي كالطبيب كما يقول الإمام الغزالي، فلا يستطيع أن يعالج المرضى بعلاج واحد مخافة الضرر، كذلك المربي لايجوز أن يعالج مشاكل الأولاد ويقوّم اعوجاجهم بعلاج التوبيخ وحده مخافة ازدياد الانحراف عند البعض أو الشذوذ عند الآخرين، فنلاحظ هنا أن يعامل كل طفل المعاملة التي تلائمه.
وهناك طرق فتحها المعلم الأول عليه الصلاة والسلام للعلاج وهي:
أ - التنبيه إلى الخطأ بالتوجيه
عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كنت غلاما في حجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - أي تحت رعايته - وكانت يدي تطيش في الصفحة - أي تتحرك هنا وهناك في القصعة - فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ياغلام سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك» (رواه البخاري ومسلم)، فلقد رأيت أنه عليه الصلاة والسلام أرشد عمر بن أبي سلمة إلى الخطأ بالموعظة الحسنة والتوجيه المؤثر المختصر البليغ.
ب-التنبيه إلى الخطأ بالملاطفة
«عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) للغلام: أتأذن أن أعطي هؤلاء؟، فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا فتله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في يده» (رواه البخاري ومسلم)، ومعنى تله أي وضع الشراب في يده وهذا الغلام هو عبد الله بن عباس. فلقد رأيت أنه (صلى الله عليه وسلم) أراد أن يعلم الغلام التأدب مع الكبار في إيثار حقه في الشراب، وهذا هو أفضل أسلوب في مجال التأديب، وقد قال مستأذنا وملاطفا وموجها: (أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟).
د - الإرشاد إلى الخطأ بالهجر
وروى البخاري أن كعب بن مالك حين تخلف عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في (تبوك) قال: نهي النبي (صلى الله عليه وسلم) عن كلامنا وذكر خمسين ليلة حتى أنزل الله توبتهم في القرآن الكريم. والرعيل الأول من أصحابه كانوا يعاقبون بالهجر في إصلاح الخطإ، وتقويم الاعوجاج، حتى يرجع المنحرف إلى جادة الصواب.