الطيف الخالد
كل مرة يرى فيها هذا الجسم مكتملا او حتى شبه مكتمل تعاوده ذكراه ولا ريب, فلقد كان وجه الشبه كبيرا بينهما, عندما كان ينظر نحو ذلك الرسم الذي لم يتبيَن سره بعد يظن انه هو طيفه الصادق كل عشرين يوما وليلة. شكل يوحي له انه هو لكنه ينتظر الرجول فقط كي يستريح من تجواله الطويل.
كان يتسائل كثيرا بينه وبين نفسه عندما يطيل النظر نحو ذاك الغبش الغامض لديه عن سر ثباته رغم انتقاله وحركيته من مدى لآخـر ومن بعد لآخـر. كان يردد بينه وبين نفسه فهو لا يجرؤ على التحدث بذلك ولو لأقرب الناس له عن سر ذلك الظهور في مثل تلك الأوقـات بالذات وعن سبب ذلك التجلَـي الحاضر مهيباً؛ ساحراً؛ أخـاذاً؛ فيا ليت شعري لو يسامرهم ولو لليلة واحدة ليخبرهم أقاصيص الأمم السابقة واللاحقة, إنه طيف يخصه دون غيره إذا جــاز لنا القول جدير بالثناء ان كنت واثقاً مما أقول ؛ ليت شعري لماذا ينأى عنهم ولسان حاله يقول:" ان من الأجدى لبقاء الصداقة الخالدة أن تكون خارج قانون هذا الوجود المنفصل الأحمق!"
لكنه متأكد من أن صديقه هذا قد حط من فلكه الخاص ذات صباح في احدى تجلياته ووطئ بقدميه غير بعيد من هنا وحمله بين يديه رغم وزنه الزائد آنــذاك ورفعه حتى كاد أن يرمي به خارج هذه البيئة الحيوية ويا ليت! لم يكن يعرف على وجه التحديد أكانت رحلته الخيالية تلك على سبيل المجاز أم ماذا؟ هل لانتظار المحزونين الذين ينير لهم طريق الظلام؟
غريب .. لم يكن ذلك غير خاطــر خطـر له في منامه ليلة البارحــة أعاد له أبدية زمان مضى ولازال مستمرا, وأعاد له أزلية زمان ومكان أيضـاً لم يكن منها فكاكاً. ويا للعجب , فهو لا زال ينتظره رغم تفاوت السنين ونأيها عن بعضهم , طال الانتظار ولم يتطاول عهده به كان حاضرا معه الى وقت قريب , يقول في قرارة نفسه انه سيعود يوما ما فلديه عمل ليس ملزما بإنجازه بقدر ماهو ملزم بتواجده هنا! سيعود حتماً فهو الوحيد الذي يمتلك المقدره على صنع الأساطير واجتراح المعجزات.. هو فقط لا غيره.. وبإمكانه أن يبذل كل غال ونفيس في سبيل تأمين الحياة الكريمة ورسم البسمة البريئة.. عد أيها الطيف فلديك ها هنا ما ليس لغيرك.. أنا واثق من أنك سوف تعود يوما ما ونحن على أمل اللقاء بك من زمرة المنتظرين.. عد أيها الصديق الخيالي.. فلن تجد ها هنا المرتزقة الذين رصدوا من أجلك الأرصدة.. لم يعد لأقزام الساحة من وجود.. أنت وما عداك من المسوخ.. أنا هنا أنتظرك على سفح هذه المرتفعات.. أحرس الريح الغربية من أن تكسر أغصان الشجر.. أرقب عودتك.. أنا هنا تحت شجرة الكستناء أغني وأنشد للبلابل التي تبني أعشاشها.. أنا هنا ولا هناك سوى هنا.. ولن أساوم أحدا بأحد.. سأغني قصائدي التي حفظتها والتي لم أحفظها بعد.. سأطوف حول الكستناء وأغوي الساهرين بسهري.. سأشارك الحالمين أحلامهم.. سأرقص رقصة الفرح عند مغيب كل شمس وأصيح بأسماء الخالدين الذين مروا من هنا.. أنا هنا أيها الطيف الخالد.. أنا باق هنا.. أنا هنا..
يا قمر يا بدر .. قوووووول.......