هذّال الشبح ، المديون الثريّ - صحيفة زهران
http://www.zahran.org/inf/zahranmql/s/2026
****مايفعله الشاعر هذّال الشبح ، إذا دخل أيّ حفلة وأمسك بالمكروفون أن يقول في بداية قصيدته : ( قال الأعور ) ، إشارة إلى عينه الكريمة ، ولكن بعبقرية شاعر كبير ، هو يريد أن يقطع الطريق على زملائه في الحفل ، أن أرادوا أن يتهكموا في عينه ، فهو باختصار يقول : أن أردتم التهكم في عيني ، فقد قطعت الطريق عليكم وقلتها بنفسي ، فأبحثوا عن غيرها .
تميّز هذال الشبح ، في جانب المدح ، وفي جانب القصيدة الساخرة ، فهو قد يسخر من منافسيه وقد يسخر من ذاته أيضاً ، وقد يسخر ممن حوله ، وبالرغم من سخريته اللاذعة ، الاّ أن له قصائد في غاية الابداع الشعري .
أسطوريّة هذال الشبح تكمن في أنه تميّز في وقت من المستحيل ان يتميز فيه شاعر ، وهو مُحاط برموز العرضة الجنوبية الكبار ، امثال بن طوير وحوقان وابن مصلح والبيضاني ، ومع ذلك ، ومع كل نجومية وجماهيرية هؤلاء الكبار ، كان هذال اذا حضر بجانبهم ، خطف الأبصار والاسماع والاضواء منهم ، حتى أنهم أصبحوا يخافون حضوره ، ولايتمنونه بالتأكيد .
لازلت أذكر وأنا إبن الأول ثانوي ، كيف كنا نحضر مع جدي رحمه الله ، حفلات قبيلة بني عدوان ، لنستمتع بهذا الكائن الشعري الأسطوري ، وهو يبهر المحامل ، بضخامة جسده ، وضخامة صوته ، وضخامة شعره ، حتى صار أيقونة من أيقونات زهران الشعرية ، بل وصار هو الشاعر الذي تُعرف من خلاله بني عدوان وليس العكس .
اهم ميزة في شاعرية هذال الشبح ، هي تطويع احزانه لإبهاج الآخرين ، ولعل الكثيرين يعرفون معاناته مع مرض الكلى ، وقصيدته التي قال فيها ، بعد موافقة زوجته بالتبرع له باحدى كليتيها ، في مقطع شعري أليم وضاحك :
قالت والله ثلاث ايمان لاعطيك لوحالي ومالي
والاّ انته خايف من الناس يقلون خذ كلية مرَة
محوّلاً بذلك ، هذال ، همومة وأحزانه الذاتية ، إلى كمية عجيبة من البهجة يضخها للآخرين ، مذيباً ( الأنا ) في ( المجموع ) ، مُدخلاً السرور الى قلوب الاخرين ، ولو على حساب الحديث عن مرضه الطويل ومعاناته الشخصية .
المقربين من هذال الشبح ، يصفون مشكلة المشاكل في شخصيته ، وهي كرمه الحاتمي اللامحدود ، مقابل أمكاناته المادية البسديطة ، وذاك ماجعله يموت مديوناً ، من ناحية المال ، ثرياً من ناحية محبة الناس له .
رحم الله هذال الذي كان يتديّن لإكرام ضيفه ، ليودعنا مبتسماً رغم ألمه ، ساخراً من الدنيا ومن عليها .
مات المديون الثريّ .